![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 61 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() لماذا يهرب المتواضع من حب الرئاسة والرعاية؟ إنه يهرب من الرئاسة حرصًا على خلاص نفسه، وهروبًا من العظمة والكبرياء، حسبما وعظ القديس يوحنا الأسيوطى: سُئل هذا القديس: "هل يليق بالإنسان أن يطلب رتبة وسلطانًا، بقصد تقويم المعوجين وإبطال الشرور؟". فأجاب: كلا، لأنه إن كان الإنسان -وهو بعيد عن الدرجة- يريد أن يكون عظيمًا، فماذا يفعل عندما يصل إلى الرئاسة والعظمة ذاتها؟! فالذي وهو في ضآلة شأنه لم يعرف الاتضاع، ماذا يفعل وهو في العظمة؟! وإن سعى إلى الانتفاخ -وهو بعيد عن المناصب- فأي انتفاخ يكون له عندما ينال تلك المناصب؟! إذ حينما لم يكن لديه سبب للعظمة، كان يطيش بها في ضميره، فكم يكون بالحري عندما ينال سببًا للافتخار؟! ![]() إن كنت لا تشتهى الاتضاع، فلا تطلب درجة الرعاية. ولا تشته درجة الكهنوت لكي تعتني بالناس. وأعلم أن الله يعتني يشعبه أكثر منك. أشته أن تكون حملًا في القطيع يرعاك غيرك، لا أن تكون راعيًا مسئولًا عن رعية يطلب الله دمها من يدك. احترس من شهوة التسلط. واذكر أنك مهما صرت اليوم مُكرمًا بالعظمة، فغدًا ستكون مثل سائر الناس محبوسًا في القبر. ![]() يهرب المتواضع من الرئاسة والرعاية شاعرًا بأنه أضعف من القيام بها. قال القديس يوحنا الأسيوطى أيضًا "إن كنت الآن لا تقدر أن تربح نفسك، فكيف تقدر أن تربح نفوسًا كثيرة؟! إن كنت في الوقت الذي ليس عليك فيه أثقال، لم تستطع أن تحى ذاتك، فكيف تقدر أن تخلص شعبًا كبيرًا من شر هذا العالم؟! إن كنت الآن بلا مسئوليات كثيرة، ولم تقدر أن تخلص هذه النفس الواحدة التي هي نفسك، فكيف تقدر على نفوس الناس؟! وبنفس منطق القديس يوحنا الاسيوطى، أقول لكل من يشتهى الرعاية ليخلص نفوس الآخرين: اهتم يا أخي بخلاص نفسك أولًا. فإن لم تستطع، فلن تقدر على تخليص غيرك مهما أخذت من مناصب.. نفسك التي تعرف عنها كل شيء: تعرف جميع أسرارها، وتاريخها كله، وضعفاتها، وأسباب ما فيها من ضعفات وعيوب وأمراض روحية.. إذ لم تستطع أن تخلص هذه النفس المعروفة جدًا لديك، فكيف تقدر على خلاص نفوس الناس الذين تجلس معهم فترات قليلة، ولا تعرف عنهم إلا القليل جدًا؟! ونفسك التي أذا وبختها، تقبل منك التوبيخ واللوم والزجر، ومع ذلك لم تقو على ردعها! فكيف فكيف تقدر على نفوس إن وبختها تغضب منك؟! نفسك التي تثق بك، والتي هي مستعدة أن تسمع لك، لست قادرًا عليها، فكيف تعمل مع الناس الذين قد لا يسمعون منك. وإن سمعوا ربما لا يثقون بما تقول!! فاهتم أولًا بخلاص نفسك، لأن تخليص الغير ليس أمرًا سهلًا.. ![]() الذي يهرب من الرئاسات والمناصب، يحب المتكأ الأخير. لأنه يشعر أن هذا هو وضعه الطبيعي، وهذا هو استحقاقه. إذ قال القديسون "اعتبر نفسك أقل من الكل وآخر الكل، لكي تستريح. قال القديس برصنوفيوس: "لا تحسب نفسك في شيء من الأمور، ولا يحسبك احد شيئًا، وأنت تتنيح (أي تستريح)".. فالشخص الذي لا يحب المديح والكرامة، يهرب من الرئاسة ويهرب من المتكآت الأولى، ويشتهى أن يكون خادمًا لغيره، لا أن يخدمه غيره، يشتهى أن يتتلمذ على المرشدين وينتفع بأقوالهم، لا أن يكون مرشدًا لآخرين. فال الشيخ الروحاني "في أي مكان وُجدت فيه، كن صغير أخوتك وخديمهم". ![]() في مرة طلب منى أحد الآباء الكهنة الجدد -بعد رسامته- أن أقول له كلمة أو نصيحة، فقلت له كن ابنًا وسط أخوتك، وأخًا وسط أولادك". فالذي ينزل درجة يرتفع درجات.. وهذا هو الذي يستريح في أي منصب يُوضع فيه. أما إن كان يريد أن يتمتع بكل كرامة هذا المنصب، ويملأ كرسيه أو ينتفخ، فهذا إنسان مسكين أسقطته المناصب.. أما أنت فكن آخر الكل "صغير أخوتك وخديمهم" في كل مكان تحل فيه. وإن كان السيد المسيح قد غسل أرجل تلاميذه (يو13)، ولم يستح أن يدعوهم أخوة له (عب2: 11)، بينما هو المعلم والسيد، فهل تكون أنت رئيسًا على أحد؟! ![]() الإنسان المتواضع -إن صار رئيسًا- يعتبر رئيسًا فقط على العمل وليس على الناس. ويعتبر مرؤوسيه زملاء له.. إنه يهرب من الرئاسة والترأُّس، ومن السلطة والتسلط. أما إن أمسكه الله بإرادته التي لا تقاوم، وجعله رئيسًا أو راعيًا، فإنه عندئذ يطلب منه قوة يعمل بها، لأنه بنفسه لا يستطيع أن يعمل شيئًا (يو15: 5). والذي يثق بقدرته الخاصة على تخليص الآخرين، لابد أن يكون مغرورًا. ![]() ![]() إنه لا يرفض الرئاسة إن أتت إليه، دون سعى منه إليها. فليس الضرر في الرئاسة، إنما الضرر في محبة الرئاسة وفي الارتفاع بسببها. ليس الضرر أن تبقى رئيسًا. ولكن الضرر هو أن تتسلط على غيرك. فقد يوجد رئيس وصاحب المتكأ الأول، وفي نفس الوقت يكون إنسانًا متضعًا. يعامل مرؤوسيه برفق كأنه واحد منهم. فالرئيس والمرؤوس سواء عند الله. بل قد تكون للمرؤوس منزلة أكبر حسب برَه. ![]() والرئيس المتواضع هو الذي يتفاهم مع مرؤوسيه بروح المحبة والبساطة شاعرًا أن السلطة إنما تمنح للرؤساء من أجل إدارة العمل، وليس من أجل الكرامة الشخصية. وهكذا أيضًا درجات الكهنوت مهما علت، هي للتدبير والرعاية والخدمة، وليست للرفعة والتشامخ. وعلى ذلك فإن كل سلطة لا يجوز أن تنحرف عن معناها الأصلي كمجرد وسيلة لتدبير العمل، لتصبح وسيلة إلى تكبير الذات وإظهارها..! يُحكى عن القديس باخوميوس أب الشركة: إنه كان يسير مرة مع مجموعة من الرهبان وكل واحد يحمل حاجياته. فتقدم أحد الرهبان لكي يحمل حاجيات القديس باخوميوس، فرفض ذلك وقال له: "إذا كان المسيح له المجد دعا نفسه أخًا لتلاميذه فهل أستخدمكم أنا في حمل حاجياتى؟! لا يصير هذا الأمر أبدًا. من أجل هذا فإن بعض الأديرة كائنة في انحلال لأن صغارهم مستعبدون لكبارهم"! ![]() والقديس بولس يقول عن نفسه "إن حاجاتي وحاجات الذين معي، خدمتها هاتان اليدان" (أع20: 34). إن الرئيس المتواضع هو الذي يحترم الكل، ويعامل الكل بلياقة. حقًا ما أعظم محبة وتواضع الذين يعاملون من هم أقل منهم باحترام وتوقير.. إنك بسهولة تحترم الشخص الأكبر منك. فهذا واجب وضرورة، وأنت مرغم على ذلك ومضطر أن تحترمه. لكن من يحترم من هو أقل منه، يكون متضعًا. الذي يحترم من هم أصعر منه في المنصب، أو العلم، أو السن، أو المقام، ويحفظ حقوقهم ويشعرهم بشخصياتهم، فهو إنسان متواضع يستحق يستحق محبة وتقدير الكل. وأعلم أن كرامتك ليست في أن يخضع الناس لك بحكم القانون. إنما الاحترام الحقيقي، هو تقدير وتوقير ينبع من القلب، لمن هو مستحق لذلك. ولا يكون من الظاهر فقط. ![]() * الرئيس المتواضع يكون رئيسًا على ذاته أولًا. فهو يضبط نفسه أولًا، ويحسن تدبيرها، قبل أن يتولى تدبير الغير. قال الشيخ الروحاني، وهو ينصح الرهبان الصغار ألا يشتهوا رئاسة مجمع الرهبان: "إن حوربت بهذا الفكر، فقل لنفسك: إن مجمعي هو مجمع أفكاري التي أقامتي الله عليها رئيسًا لكي أدبر أهل بيتي حسنًا". فكن إذن رئيسًا على أفكارك ومشاعرك، وأضبطها حسنًا. فلا تطيش شرقًا أو غربًا كن رئيسًا على حواسك، على نظرك وسمعك , كن رئيسًا على شهوات قلبك واضبطها.. وإن تمكنت من أن تكون رئيسًا على نفسك وتضبطها، فأنت الشخص الذي قد تصلح أن تكون رئيسًا. وإذا كنت لم تعرف أن تحكم نفسك، ولا لسانك ولا فكرك، ولا قلبك من الداخل، فكيف تصلح أن تكون رئيسًا على غيرك؟! إن لم تكن أمينًا على القليل، لا يمكنك أن تكون أمينًا على الكثير (مت25: 21). ![]() * يمكنك أيضًا أن تهرب من محبة الرئاسة والكرامة، إن كنت تزهد في الأمجاد الخارجية. لأن كل ما يتعلق بالوظائف والمناصب هو عرض خارجي لا يتعلق بذلك في الداخل. فالكرامة التي يقدمونها الناس لك، هي في الواقع كرامة يقدمونها للمنصب الذي أنت فيه، والوظيفة التي تشغلها، وليس لك شخصيًا. بحيث أنك إن ابتعدت عنك الوظيفة، ابتعدت عنك كرامتها. ولكن المزمور يقول "كل مجد ابنة الملك من داخل" (مز45) على الرغم من أنها "مشتملة بأطراف موشاة بالذهب، ومزينة بأنواع كثيرة". مجدك إذن في شخصيتك، لا في وظيفتك أو رئاستك. مجدك في جوهرك: في روحياتك، في طبيعتك، في عقلك، في حكمتك، في كل ما يوجد داخل قلبك من الفضائل والصفات الطيبة. إن عرفت هذا تزهد في المناصب والوظائف. وتقول مع السيد الرب: "مجدًا من الناس، لست أقبل" (يو5: 41)، مريدًا المجد الذي يكللك به الله، وليس المجد الذي يمنحك الناس إياه. نعم، مجدك هو في حكم الله عليك، وليس في حكم الناس. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 62 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() كيف تهرب من محبة المديح والكرامة إن هروبك من محبة المديح والكرامة ومن محبة الرئاسة يستدعى الآتي: 1 - ينبغى أن تعرف أن المجد الذي تأخذه من الناس هو مجد زائف. وربما يكون عن جهل. لأن الذين يمدحونك لا يعرفون حقيقتك. لأنهم يحكمون حسب الظاهر. لا يقرأون أفكارك، ولا يعرفون مشاعرك وإحساساتك الداخلية، ولا خطاياك الخفية وسقطاتك. وبعض الناس قد يمدح على سبيل المجاملة، أو بسبب التشجيع، والبعض يمدح بسبب أدبه الخاص، أو بسبب التملق، أو لغرض معين في نفسه. ومديح الناس قد يضر الكثيرين ويضللهم، ويبعدهم عن معرفة النفس، وعن تقويمها. والمسكين الذي يحب المديح يهمه أن يُمدح كيفما كان الأمر، ويلذ له أن يصدق كل ما يُقال فيه خير، سواء عن حق أو عن باطل! ![]() 2 - أما أنت فاعرف أن مديح الناس لا يوصلك إلى ملكوت الله. لأن الله هو فاحص القلوب والكلى (رؤ2: 23)، وهو العارف الخبايا والأسرار. وفي حكمه عليك، لا يعتمد على كلام الناس عنك. لذلك ينبغي أن تصادق من يوجهك ويوبخك. أما إذا مدحك الناس، فتذكر خطاياك ونقائصك واعترافاتك التي تخجلك، والأخطاء البشعة التي وقعت فيها في حياتك. وبذلك يخف عليك الم المديح. ![]() ![]() 3 - قل لنفسك: أنا ما زلت سائرًا في الطريق، ولا أعرف كيف سأنتهي؟ والكتاب يقول "أنظروا إلى نهاية سيرتهم" (عب13: 7)."فكثيرون بدأوا بالروح، وكملوا بالجسد" (غل3: 3). والكتاب يقول أيضًا "من يظن أنه قائم، فلينظر أن لا يسقط")1كو10: 12). وما أكثر حروب الشيطان، وما أشد حيله وخداع مكره، فاحفظني يا رب، لأن "الخطية طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (أم7: 26)، وأنا لا أحسب نفسي أقوى من الذين سقطوا.. ![]() 4 - للهروب من المديح، سواء مديح الناس، أو مديح نفسك لك، أنظر إلى المستويات التي هي أعلى منك بكثير. فتصغر نفسك في عينيك. إنك إن نظرت إلى الخطاة والضعفاء في مستواهم الروحي، أو إلى من هم أقل منك فضيلة وبرًا، ربما بالمقارنة تجد أنك "بار في عيني نفسك" (أى32: 1). وإن نظرت إلى من هم أقل منك فهمًا وعلمًا ربما بالمقارنة تصبح "حكيمًا في عيني نفسك" (أم3: 7). إن أولاد الله صاروا متواضعين، لأنهم كانوا باستمرار ينظرون إلى الكمال المطلوب منهم، حسب قول الرب "كونوا أنتم كاملين، كما أن أباكم الذي في السموات هو كامل" (مت5: 48)، وأيضًا إلى قول الرب "كونوا قديسين، لأني أنا قدوس" (1بط1: 16). وبنظرتهم إلى القداسة والكمال، كانوا يرون أنهم "في الموازين إلى فوق" (مز62: 9). فيقول كل منهم لنفسه "وزنت بالموازين بالموازين فوُجدت ناقصًا" (دا5: 27). كانوا يصلون إلى درجات عظيمة في الصوم والصلاة والنسك وإنكار الذات وفي كل فضيلة يجاهدون للوصول إليها، كانوا في نظر أنفسهم ضعفاء ومساكين، لآن المستوى العالي الذي كانوا يتطلعون إليه، مازال بعيدًا عنهم. وهناك درجات لم يصلوا إليها! إذا مدحتك نفسك على فضيلة معينة قد وصلت إليها، فتذكر ما وصل إليه الآباء في هذه الفضيلة بالذات، حينئذ تدرك انك لا شيء.. ![]() إذا مدحتك نفسك مثلًا لمواظبتك على صلاة الأجبية، تذكر أنك تصلى بعض المزامير. وهناك آباء يصلون كل المزامير. ومنهم من كان يقضى الليل كله في الصلاة. ومن كان يمارس الصلاة الدائمة. ومن كان يصلب فكره في الصلاة حتى ما يخطر عليه فكر آخر كالتدريب الذي تدرب عليه القديس مكاريوس الاسكندراني. وتذكر أيضًا الصلاة بخشوع، والصلاة بدموع، والصلاة بحرارة وحب وإيمان.. حينئذ تجد أنك مجرد مبتدئ في عمل الصلاة. وربما لم تصل بعد إلى درجة مبتدئ؟ وبالمثل قارن نفسك بالدرجات العليا لباقى الفضائل.. ![]() فهل يحاربك المجد الباطل، لأنك مدقق في دفع العشور؟ فهل أنت أيضًا تدفع البكور؟ وإن كنت كذلك، فاعرف أن المسيحية ارتفعت فوق هذا المبدأ في العطاء، إذ قال الرب "من سألك فأعطه" (مت5: 42). وقال أيضًا "إن أردت أن تكون كاملًا، فاذهب وبع مالك وأعط للفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعالى اتبعني" (مت19: 21). وإن وصلت إلى هذا فأمامك قصة لأحد القديسين كان متناهيًا في عمل الرحمة: فباع كل ما يملك وأعطى الفقراء. وإن لم يبق له شيء ليعطيه، باع نفسه عبدًا، وأعطى ثمن نفسه للفقراء! أقول لك هذا، لا لتفعل مثله، فهذا غير ممكن الآن. وإنما لكي تتضع.. ![]() 5 - لكي تهرب من الكرامة، اعرف المعنى الحقيقي للمتكأ الأخير. فليس المتكأ الأخير أن تجلس في المكان الأخير. فهناك من يتصرف هكذا لكي يٌقال عنه إنه متضع. وقد يتخذ المتكأ الأخير من الظاهر، بينما محبة المجد الباطل تقتله من الداخل. فالمتكأ الأخير حقًا، هو أن تشعر في أعماقك أنك حقًا في المتكأ الأخير، من جهة المكانة، وليس من جهة المكان. قال أحد الرهبان للقديس تيموثاوس "يا أبى، إنى أرى فكرى مع الله دائمًا" فأجابه القديس: "الأفضل لك يا ابني أن ترى نفسك تحت كل الخليقة". ![]() قيل عن اثنين من الرهبان الشبان إنهما دخلا إلى مائدة الدير. وكانت ذلك الحين مقسمة إلى موائد الشيوخ وأخرى للشبان. فدعا الشيوخ واحدًا منهما أن يجلس معهم فجلس. وأما الآخر فذهب إلى مائدة الشبان. وعند الانصراف قال هذا الأخير لزميله "كيف تجرأت -وأنت شاب- أن تجلس مع الشيوخ؟ فأجابه "إنني لو جلست على مائدة الشبان، ربما كانوا يقدمونني على أنفسهم في كل شيء، لأنني أقدم منهم. ولكنني عندما جلست على مائدة الشيوخ، كنت أشعر بضآلتي وعدم استحقاقي، وبأني لا استحق الكلام. وجلست في استحياء مطرقًا كل الوقت. وكنت في المتكأ الأخير". ![]() إذن فحتى لو أجلسك الناس في المتكأ الأول، قل لنفسك: إن كل هؤلاء الناس أفضل منى. إن وقفت مثلًا تدرس الأطفال في مدارس الأحد، اعتبر أنهم ملائكة أفضل منك. واطلب من الله أن تكون في بساطتهم ونقاوتهم وكرامتهم عند الله.. كان أحد مدرسي مدارس الأحد إذا وقع في مشكلة، يطلب من أطفال فصله أن يصلوا من أجله في ضيقته. وكان يقول: إنني جربت صلواتهم في مشاكل حياتي. وكنت أشعر أشعر أنها قوية ولها مفعول كبير، أكثر من صلواتي الخاصة. ![]() 6 - وإن أردت الهروب من محبة المديح، اهرب من محبة الرؤى والمعجزات. لئلا يعرف الشياطين عنك هذا، فيضلوك برؤى كاذبة من عندهم. ويقول الرسول "إن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور" (2كو11: 14). ظهر الشيطان مرة لأحد القديسين وقال له "أنا جبرائيل الملاك وقد أرسلني الله إليك" فرد عليه القديس "لعلك أرسلت إلى غيري وأخطأت الطريق. أما أنا، فإني إنسان خاطئ لا أستحق أن يظهر لي ملاك" قال ماراسحق "إن الذي يرى خطاياه، أفضل ممن يرى ملائكة". ![]() حقًا إن الرؤى لا تخلص نفسك في اليوم الأخير، فلا تطلبها. إنما معرفتك بخطاياك، فهي التي تقودك إلى التوبة وخلاص نفسك. يدخل في هذا المجال أيضًا من يسعون إلى التكلم بالسنة، لا لتبشير الغرباء عن لغتهم، إنما بسبب الإدعاء إنهم قد وصلوا إلى الملء!! والبعض منهم يقول لغيره: تعالَ لكي أمنحك الروح والملء فتتكلم بألسنة..!! ![]() 7 - إن أردت أن تهرب من المديح، ينبغي أن تخفى أعمالك الفاضلة عن الناس. لأنك إن كنت تعمل الخير من أجل الله، وليس من أجل كرامة من الناس، فماذا يهمك إن كان الناس يرون هذا الخير منك أو لا يرونه، بل إن إظهار فضائلك لهم، قد يفقدك أجرك عند الله، إذ تكون قد استوفيت خيراتك على الأرض (مت6). في إحدى المرات، تقابل بعض رهبان شيهيت مع الأم سارة، وكشفوا لها أفكارهم. فقالت لهم بالحقيقة أنكم إسقيطيون. الذي لكم من الفضائل تخفونه. وما ليس فيكم من النقائص تنسبونه إلى أنفسكم.. ![]() وفي مرة أخرى، كان يعيش في برية شيهيت راهب سوري الأصل. هذا جاء إلى القديس مكاريوس الكبير وقال له "لي سؤال يا أبى: عندما كنت في سورية، كنت أستطيع أن أصوم كثيرًا، وأطوى الأيام صومًا. أما الآن في مصر فلا أستطيع أن أكمل اليوم صومًا فلماذا؟". وحيث أن الأديرة في سورية كانت في المدن في وسط الناس، لذلك ردَ عليه القديس مكاريوس قائلًا "لقد كنت تطوى الأيام صومًا لأنك كنت تتغذى على المجد الباطل، الذي هو مديح الناس لك أثناء الصوم والانقطاع عن الطعام. أما في البرية فلا يراك أحد، ولذلك تجوع بسرعة"! ![]() لذلك قال القديسون: إن الفضائل إذا عُرفت، تبيد وتنتهي. وبسبب هذا، كانوا يخفون فضائلهم ومعرفتهم وحكمتهم. أما إن أراد الله أن يُظهر فضائلك وحكمتك، فلتكن مشيئته. ولكن لا يكن ذلك منك أنت. فحاذر أن تفتخر بنفسك، أو أن تجلب لنفسك صيتًا حسنًا. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 63 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() علاقة الاتضاع بالفضائل والمواهب هناك ثلاث فضائل لابد أن تدخل في كل فضيلة، كما يدخل الخيط في حبات السبحة، وبدونها لا تعتبر الفضيلة فضيلة. هذه الثلاث هي الحكمة، والمحبة، والتواضع. فكل فضيلة لابد أن تُمارس بحكمة. وبدون حكمة قد تتحول إلى اسم آخر غير الفضيلة، أو تتشوّه صورتها. وكل فضيلة لابد أن يدخل فيها عنصر المحبة: محبة الله، ومحبة الخير، وأحيانًا محبة الناس. وبدون المحبة تفقد الفضيلة قيمتها. كذلك لابد أن تمارس كل فضيلة في تواضع قلب، وإلا صارت طعامًا للمجد الباطل كما قال القديسون. ونود في موضوعنا هذا، أن نتعرض لعلاقة التواضع ببعض الفضائل كمثال، وأيضًا لعلاقته بالمواهب. ولنبدأ بعلاقة التواضع بالنعمة.
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 64 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() النعمة يقول الكتاب "يقاوم الله المستكبرين. أما المتواضعون فيعطيهم نعمة" (يع4: 6). النعمة تمنح المواهب. ولكن المتكبر يفتخر بالمواهب، ويرتفع قلبه بها. لذلك يأتمن الرب المتواضعين على نعمته وعلى مواهبه، لأنهم يقولون باستمرار "ليس لنا يا رب ليس لنا. لكن لاسمك القدوس أعطِ مجدًا" (مز115: 1). وهناك كلمة جميلة قالها مار اسحق وهي: "إذا منحك الله موهبة، فاطلب منه أن يعطيك تواضعًا ليحميها". ذلك لأن التواضع يحمي المواهب من الافتخار والمجد الباطل.. لهذا نحن نعجب من الذين يطلبون من الله أن يمنحهم موهبة التكلم بألسنة، بينما لا يوجد غرباء لهم لغة مجهولة تحتاج إلى موهبة ألسنة لتبشيرهم. وهكذا يستخدمون الألسنة للمجد الباطل، والإدعاء بأنهم وصلوا إلى "ملء الروح"!! النعمة ![]() ما أخطر المواهب على الذين لم يصلوا إلى الاتضاع بعد. إنهم يفرحون بتلك المواهب بسبب (الذات) وارتفاعها! وهنا نتذكر إن السبعين الذين أرسلهم الرب للتبشير، ومنحهم موهبة إخراج الشياطين "رجعوا بفرح قائلين: يا رب، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك". فوبخهم الرب قائلًا "لا تفرحوا بهذا أن الأرواح تخضع لكم. بل افرحوا بالحري أن أسماءكم قد كُتبت في السموات" (لو10: 17، 20). ![]() ونفس الوضع حينما تساعد النعمة إنسانًا على اكتساب فضيلة: إن كان متواضعًا، ينسب الفضل لله وليس لنفسه. ويقول كما قال القديس بولس الرسول "ولكن بنعمة الله أنا ما أنا" (1كو15: 10). ويخشى أن يفتخر أو يتكبر، فتسحب النعمة عملها منه فيسقط. بل هو بالأكثر ينكر ذاته، ويحاول أن يخفي فضائله: لا على الناس فقط، بل حتى على نفسه. ولا يتأمل ما هو فيه من فضيلة. بل يحاول أن ينساها. ويتحول شعوره إلى الشكر، لا إلى الفخر.. أما الفضيلة عند المتكبر، فهي عرضة للضياع. ولا تكون فضيلة حقيقية. بل لا يتبرر بها، كما حدث في قصة الفريسي والعشار (لو18: 9-14). ذلك الفريسي وقف في الهيكل مفتخرًا بفضائله، حتى أمام الله! فقال "أشكرك يا رب أني لست مثل باقي الناس الخاطفين الظالمين الزناة، ولا مثل هذا العشار. أنا أصوم مرتين في الأسبوع، وأعشّر كل ما أقتنيه" (لو10: 11، 12). هذا الفريسي لم يذكر عمل النعمة معه. ولم ينفعه صومه ولا عشوره، ولا بعده عن بعض الخطايا. لذلك لم يخرج من الهيكل مبررًا(لو10: 14). |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 65 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() التوبة المتواضع هو الذي يصل إلى التوبة. أما المتكبر فلا يقدر. المتكبر لا يشعر أن له عيوبًا تحتاج إلى إصلاح. أو أنه واقع في خطايا تحتاج إلى توبة. ذلك لأنه "بار في عيني نفسه". والذي يكشف له ضعفاته وأخطاءه وينصحه بالتوبة، لا يقبل ذلك منه، بل يعتبره عدوًا..! فكيف يتوب هذا المتكبر، وهو لا يعرف عن نفسه خطية يتوب عنها؟! ![]() أيضًا المتكبر يظن أنه أكبر من أن يخطئ، فلا يحترس. فيسقط. وبسبب أدعائه القوة، قد يعرض نفسه إلى مواقع الزلل، في غير مبالاة ولا حرص، فيضربه الشيطان في مقتل. وهكذا قال الكتاب عن الخطية إنها "طرحت كثيرين جرحى، وكل قتلاها أقوياء" (ام7: 26). والمقصود بكلمة (أقوياء) هنا: من يظنون في أنفسهم أنهم أقوياء.. وقد ذكر مار اسحق أن العجرفة تسبب السقوط فقال إن "المتعجرف بالفضلة يسقط في الخطية، والمتعجرف بالعلم والمعرفة يسقط في البدعة والهرطقة".. ![]() والكتاب يقول "قبل الكسر الكبرياء. وقبل السقوط تشامخ الروح" (أم16: 18). ![]() نقطة أخرى وهي أنه: حتى لو اعترف المتكبر بأنه خاطئ، وسعى إلى التوبة، فإنه يعتمد على قوته وإرادته الروحية. يظن أنه قادر على ضبطه لنفسه. ثم يكشف عمليًا أن نفسه ليست بالقدرة التي تستطيع أن تقاوم كل حين العدو، وأنها لا تقدر أن "تطفئ جميع سهام الشرير الملتهبة" (أف6: 16). وعلى الرغم من ذلك يتشبث بإدعاء القدرة والصمود! ![]() أما المتواضع فيعترف بأنه خاطئ وأنه ضعيف، وأنه محتاج إلى قوة من فوق تساعده على التوبة. ويردد تلك العبارة العميقة: "توبني يا رب فأتوب" (أر31: 18). المتواضع لا يعتمد على نفسه في التوبة. بل من أعماقه يردد قول المزمور: "انضح علىّ بزوفاك فأطهر. أغسلني فأبيض أكثر من الثلج "قلبًا نقيًا اخلق فيّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدده في أحشائي" (مز51: 7، 10). ويقول كما في صلاة الساعة الثالثة "نقني من دنس الجسد والروح". وحينما ينعم الله عليه بالتوبة، لا ينسب ذلك إلى جهاده الروحي، بل إلى نعمة الله التي أنقذته من الخطية. فيشكر ولا يفتخر. ![]() والمتواضع -إذ يشعر بضعفه- يحترس من أبسط الحروب الروحية. يحترس من أقل عثرة، ومن الحروب التي تحارب المبتدئين. ويردد ما قاله القديس الأنبا أنطونيوس -في اتضاعه- للشيطان "أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم"! وإذ يتوب المتواضع، لا ينسى خطاياه السابقة وضعفاته، بل ينسحق قلبه بسببها، وتمتلئ عيناه بالدموع. كما حدث مع داود في توبته (مز6). ![]() إن هناك علاقة متبادلة بين التوبة وتواضع القلب. التواضع يقود التوبة. والتوبة تقود إلى الاتضاع. إنها تقود التائب إلى القلب المتخشع والمتواضع الذي لا يرذله الله (مز50). ولنأخذ داود كمثال في توبته واتضاعه وانسحاقه ودموعه، حيث يقول للرب في مزاميره "لصقت بالتراب نفسي، فأحيني ككلمتك" (مز119: 25) "ضللت مثل الخروف الضال، فاطلب عبدك" (مز119: 176) "خير لي أنك أذللتني، حتى أتعلم حقوقك" (مز119: 71). ويقول أيضًا "تعبت في تنهدي. أعوّم كل ليلة سريري، وبدموعي أبل فراشي" "ارحمني يا رب فإني ضعيف" (مز6). نقطة أخرى تتعلق بالاتضاع. وهي الاعتراف وكشف الأفكار. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 66 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الاعتراف تواضع الإنسان يساعده على الاعتراف بخطاياه، وكشف أفكاره وحروبه. أما المتكبر فلا يكشف حروبه وضعفاته. ولذلك تبقى بدون علاج. ولذلك تبقى بدون علاج. المتواضع في اعترافه يذل نفسه. ويرى أن هذا نافع له حتى لا يرجع إلى الخطأ مرة أخرى. أو يهرب من ذلك بحجة أنه لا يريد أن يكون عثرة. أو يمنعه الخجل. الشيطان يبعد الخجل عن الإنسان أثناء ارتكاب الخطية. ويضع أمامه الخجل في وقت الاعتراف. أما المتواضع فينتصر على خجله باتضاعه. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 67 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الشفقة على المخطئين ![]() إنه يشفق على الخطاة ويقابلهم بحنو، لأنه عارف بضعف البشرية وقوة حروب الشيطان. ويضع أمامه قول القديس بولس الرسول: "أذكروا المقيدين، كأنكم مقيدون معهم. واذكروا المذلين كأنكم أنتم أيضًا في الجسد" (عب13: 3). ويذكر قول الرسول أيضًا "ناظرًا إلى نفسك لئلا تُجرب أنت أيضًا" (غل6: 1). المتواضع إن رأى خاطئًا، يقول في نفسه "كلنا تحت الضعف". ويذكر أنه قد قيل عن إيليا النبي "إيليا كان إنسانًا تحت الآلام ملنا" (يع5: 17)، مع أنه بصلاته أغلق السماء فلم تمطر، ثم صلى فأمطرت. ![]() المتواضع يستر على الخطاة، لشعوره أنه محتاج إلى الستر مثلهم. إنه يرحمهم في سقوطهم، حسب قول الآباء "من يرحم، باب الرحمة مفتوح أمامه" وكما يقول الرب "طوبى للرحماء، فإنهم يُرحمون" (مت5: 7). ويقول في قلبه "أرحم غيري لكي يرحمني الله. وأنا مثلهم خاطئ محتاج إلى الرحمة. وما يزرعه الإنسان، إياه يحصد. والرب يقول "بالكيل الذي به تكيلون، يُكال لكم" (مت7: 2). ![]() المتواضع في رحمته على الخطاة والضعفاء، لا يفرز المستحق من غير مستحق.. إذ يقول لو كانت الرحمة للمستحقين فقط، فأنا غير مستحق. والرب إلهنا الحنون، قد قيل عنه إنه "يشرق شمسه على الأشرار والصالحين. ويمطر على الأبرار والظالمين" (مت5: 45)، لذلك فالمتواضع لا يتشامخ على أحد، ولا يحتد ولا يدين. بل يعامل الكل بشفقة وحنان وحب. حتى الذين يؤذونه، يرحمهم أيضًا. ينظر إلى احتياجهم، وليس إلى انتقام نفسه لنفسه. أما المتكبر فهو غير ذلك. قد ينظر إلى الخطاة في اشمئزاز وتعال كما تنظر قمة الجبل إلى المستنقع في أسفل الوادي. وكأن هذا المتكبر لم يخطئ ولن يخطئ!! لذلك فهو يدين الخطاة ويزدري بهم. وقد يشهر بهم أيضًا. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 68 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الإيمان والبساطة * المتواضع له بساطة القلب التي تقبل من الله كل شيء، دون مجادلة ودون شك. مثل بساطة الأطفال الذين يتلقون قواعد الإيمان، فيقبلونها دون مجادلة. ولهذا قال الرب "إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الأطفال، فلن تدخلوا ملكوت السموات" (مت18: 3). على أن كثيرًا من الناس كلما تنمو عقولهم، تقف عقولهم ضد بساطة الإيمان، ولا يقبلون إلا ما تستطيع عقولهم أن تستوعبه عن الله وعن حكمته ووصاياه! بينما عقولهم محدودة، والله غير محدود. ولا يستطيع المحدود أن يستوعب غير المحدود. ![]() * وهكذا فإن بعض الفلاسفة انحدروا إلى الإلحاد، إذ أنهم في كبرياء المعرفة اعتزوا بعقولهم، ورفضوا الله الذي لا يرونه ولا يلمسونه. يُروى عن أحد الفلاسفة أنه مر في طريقه على أحد الحقول، ورأى فيه فلاحًا راكعًا يصلي. فوقف يتأمله في تعجب. وقال في نفسه "أنا مستعد أن أتنازل عن نصف فلسفتي، إذ مُنحت بساطة هذا الفلاح الذي بكل ثقة يتكلم في صلاته مع كائن لا يراه"!! ونرى في هذه القصة مثالًا عن تواضع البساطة التي تقود إلى الإيمان، إلى جوار "المعرفة التي تنفخ" (1كو8: 1)، وتقود إلى الكبرياء الذي ينكر وجود الله! عجيب هذا الأمر جدًا: أن العقل وهو هبة من الله للإنسان، يستخدمه الإنسان لينكر الله الذي وهبه إياه. وإذ بالفيلسوف قد يكون أكبر الناس عقلًا، يتحول في كبرياء العقل إلى الجهل بالله. وصدق المرنم حينما قال في المزمور "قال الجاهل في قلبه ليس إله" (مز14: 1). ![]() ![]() * في كبرياء العقل أيضًا ينكر المعجزة. ينكرها لأنه لم يفهمها، فيدعي أن المعجزة ضد العقل! والواقع أن المعجزة ليست ضد العقل، إنما هي مستوى أعلى من العقل. يقبلها إيمان المتواضع، ويرفضها العقل المتكبر. ولهذا فإن المتواضعين يطلبون من الله المعجزة وقد يهبهم إياها إن كانت توافق مشيئته. بينما المتكبر لا يطلب المعجزة. وإن حدثت أمامه، يحاول أن يرجعها إلى أسباب طبيعية، أو يقابلها بتعجب دون أن يرجعها إلى الله.. ![]() * ومن المعجزات التي ينكرها العقل المتكبر: الخلق والقيامة. بينما كل المؤمنين بالله في العالم أجمع يؤمنون بالخلق من العدم، ويؤمنون بالقيامة من الموت. ويصدقون -في اتضاع وبساطة- ما قالته كتب الوحي الإلهي عنهما. في إنكار الخلق، قال الغنوسيون إن المادة أزلية، بينما لا يوجد أزلي إلا الله وحده.. وماذا أيضًا عن الحياة؟ لا يمكن أن تكون الحياة الأرضية أزلية. لأنه مرّ وقت كانت فيه الأرض قطعة ملتهبة، حينما انفصلت عن المجموعة الشمسية، وكانت حرارتها لا تسمح بوجود حياة لبشر أو حيوان أو إنسان. فمن أين إذن أتت الحياة؟ لاشك من الله. وهنا يتفق العقل مع الإيمان. ولكن المتكبرين يرفضون قبول الله، لأن عقولهم ترفض أن تتنازل عن كبريائها، وتريد أن تستوعب فكرة وجود الله..! وغالبية الفلاسفة ترفض عقولهم فكرة القيامة بسبب الكبرياء التي ترفض كل ما لا تفهمه! ألسنا بالنسبة إلى كثير من المخترعات الحديثة: نقبلها دون أن نفهمها؟! ولا يفهمها إلا المتخصصون في العلم الخاص بها..! ![]() الرؤى أيضًا والظهورات الروحية، يراها المتواضعون ببساطة قلوبهم.. يقبلونها، ويفرحون بها، بل وينتظرونها ويتهللون برؤيتها. بينما المتكبرون قد لا يرون لأن قلوبهم غير مستعدة، أو لأن الكبرياء تعوق الإيمان. أو لأنهم حتى إن رأوا نورًا إلهيًا، يحاولون أن يرفضوا مصدره الإلهي، زاعمين تخمينات لا يسندها العقل ولا الواقع، مثل الليزر والأطباق الطائرة!! وتسألهم عن مصدر ذلك الليزر وتلك الأطباق الطائرة، وعلاقتها بتلك الرؤى، فلا يجيبون.. مجرد الرفض هو الأساس في تفكيرهم، ويخولهم العقل، وينقصهم الإيمان، بسبب الكبرياء.. ![]() * نفس الوضع بالنسبة إلى الكتب المقدسة: يقبلها المتواضعون بإيمان وفرح. بينما الكبرياء تقود البعض إلى النقد الكتابي Biblical Criticism. يجعلون عقولهم مشرفة على الكتاب المقدس. تحلله وتنتقده، وتقبل فقط ما تقبله عقولهم، وترفض الباقي. وأيضًا تضع الكتاب المقدس خاضعًا لأهواء الناس، يرفضون منه ما لا يوافق أهواءهم. مثل المؤيدين للشواذ جنسيًا أو الخائفين منهم، أو المشجعين للشذوذ الجنسي Homosexuality، هؤلاء يرفضون آيات الكتاب التي تدين هذا الشذوذ. ليس لهم التواضع الذي يقبل كلام الله ويطيعه. بل في كبرياء لا يقبلون ما لا يستطيعون طاعته بسبب شهوات قلوبهم! وهناك ما ترفضه عقولهم، لا لأنه ضد العقل. وإنما لأن عقولهم ليست حرة، بل هي مقيدة بقيود أهوائهم وشهواتهم. ![]() * والمتكبرون لهم أيضًا أسلوبهم في ترجمة الكتاب المقدس وفي تفسيره. فالبعض قد يترجم الكتاب ترجمة توافق معتقداته، فيحرف فيه ويغير. مثلما فعل شهود يهوه في ترجمتهم التي أسموها (ترجمة العالم الجديد للكتاب): New World Translation of The Scripture ففيها آيات كثيرة محرفة في مدلولها وألفاظها لتثبيت ما ينادون به من بدع وهرطقات. ويستخدمون هذه الترجمة في كتبهم ويضلون بها الناس. والمتكبرون أيضًا يفسرون حسب هواهم وفهمهم ونوع عقلياتهم، ولو أدى الأمر أن ينشئوا مذهبًا جديدًا. ولهذا السبب كثرت المذاهب في بلاد الغرب، وتعددت طوائفهم. أما المتواضعون فليسوا كذلك. إنهم يقبلون الكتاب كما هو، ولا يخلطونه بنوعية عقولهم في الترجمة أو التفسير. ويعتمدون في معناه ومفهومه على ما وصل إليهم من التقليد Tradition ومن أقوال الآباء وتفسيراتهم. كل هذا يقودنا إلى نقطة أخرى هي علاقة التواضع بالتعليم. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 69 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() التعليم * ونود أن نطرق هذه النقطة من ناحيتين هما: تعليم الإنسان لغيره، وقبول الإنسان للتعليم من غيره. فالمتكبر يحب أن يأخذ صفة المعلم، ويرى في نفسه الكفاءة أن يعلّم غيره. أما المتواضع فإنه يفضل باستمرار أن يتعلم، لكي ينال معرفة، أو لكي يزداد في المعرفة. وهو مستعد أن يتلقى العلم ويقبله، حتى لو أتاه في صورة توبيخ، أو إن أتاه ممن هو أصغر منه. بل هو بنفسه يطلب العلم. ![]() وأمامنا قصص من سير القديسين في قبول التعليم وفي طلبة: ![]() * القديس الأنبا أنطونيوس في بدء رهبنته، كان يجلس على حافة القرية يتعلم الفضيلة من النساك هناك. وفي أحد الأيام أتت امرأة لكي تستحم في النهر، وبدأت تخلع ملابسها أمامه. فقال لها "يا امرأة، أما تستحين أن تتعري أمامي وأنا راهب؟!" فقالت له في استهزاء "من قال إنك راهب؟! لو كنت راهبًا، لدخلت إلى البرية الجوانية. لأن هذا المكان لا يصلح لسكنى الرهبان". فاستمع الأنبا أنطونيوس إلى إجابتها في اتضاع شديد، واعتبر أنها رسالة من الله إليه على فمها. وفعلًا ترك المكان ودخل إلى البرية الجوانية ![]() والقديس أنبا مقار الكبير، أخذ نصيحة من صبي راعي بقر. والقديس الأنبا موسى الأسود، سأل زكريا الصبي كلمة منفعة. فلما قال له الصبي "أأنت عمود البرية ومنارتها وتطلب مني؟!" أجابه القديس "أنا واثق يا ابني، بالروح الذي فيك، أن عندك كلامًا ينقصني معرفته". والبابا ثاوفيلس، الثالث والعشرون في عداد البطاركة، كان يذهب أحيانًا إلى البرية ليطلب كلمة منفعة من أحد المتوحدين مثل الأنبا أرسانيوس والأنبا بفنوتيوس. حتى حينما كان يعتذر البعض منهم عن لقائه، كان يمضي منتفعًا! ![]() * والمتكبر "حكيم في عينيّ نفسه" يتباهى بمعرفته. لذلك لا يطلب المعرفة من غيره! وفي كبريائه، لا يجد أحدًا أكثر منه معرفة حتى يطلب منه مزيدًا من العلم. بعكس المتواضع الذي لا مانع عنده من أن يسأل. ولا مانع من أن يقول عن أحد الأمور "لا أعرف". وهو يستمع إلى كلام غيره ليستفيد. أما المتكبر فإنه يقاطع غيره إذا تكلم، لكي يثبت رأيه هو وكلمته. وهو كثير الجدل والنقاش. ![]() * المتواضع يضع أمامه قول الرسول: لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم، لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا" (يع3: 1، 2). لذلك فهو يحترس جدًا في مسائل التعليم لئلا يخطئ. ولا مانع لديه من أن يستشير ليتأكد، أو يرجع إلى المصادر الرئيسية ليرى أن تعليمه موافق لعقيدة الكنيسة وأقوال الآباء، وبخاصة لو كان بصدد فكر جديد. ![]() أما المتكبر فبكل جرأة يقدم تعليمًا جديدًا. وقد يقع بذلك في بدعة. إنه يفرح بأن يطرق أمورًا عويصة قد تكون فوق مستواه "ويرتئي فوق ما ينبغي" (رو12: 13)،ويبدى الرأي كأنه عقيدة جديدة محاولًا إثباتها! وإن عارضته الكنيسة يتشبث بفكره، وتمنعه كبرياؤه من التنازل عما علّم به. وهكذا يقع في الهرطقة. وقد حدث ذلك مع ترتليانوس، وأوريجانوس، وآريوس، ونسطور". وفي هذا المجال أتذكر أنني كتبت بضع مقالات بعنوان: "البدعة كالكبرياء. كل قتلاها أقوياء". لذلك ما أجمل قول السيد الرب "أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض، لأنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للأطفال" (مت11: 25). نعم، إن المتواضعين هم الذين ينالون حكمة من فوق، لأنهم يطلبونها. أما المتكبرون فتخفى عنهم الحكمة الإلهية، لأنهم مكتفون بحكمتهم البشرية. وهكذا رفض الله حكمة هذا العالم المغرور بحكمته (1كو1: 20). وأصبحت كثير من فلسفات العالم تقود إلى الشك والبلبلة. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 70 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]()
|
||||
![]() |
![]() |
|