25 - 10 - 2014, 05:03 PM | رقم المشاركة : ( 6701 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أجرى يسوع معجزة صيد السمك
نصّ الإنجيل جلسَ يسوع في السفينةِ يُعَلِّمُ الجموع. ولَمَّا فَرَغَ مِنْ كلامِهِ قالَ لسِمعان: " سِرْ إلى عُمْق البُحيرة وأرسِلوا شِباكَكُم للصيد ". فأجابَ سِمعان : " يا مُعَلِّم، تعِبنا طَوالَ الليلِ ولم نُصِبْ شيئاً، ولكنّي أُرسِلُ الشِّباكَ إجابةً لطَلَبِكَ ". وفعَلوا فأَصابوا من السَّمَكِ شيئاً كثيراً جِدّاً. وكادت شِباكُهُمْ تَتَمَزَّق. فأشاروا إلى شُركائِهِم في السفينة الأُخرى أن يأتوا ويُعاونوهم. فأتَوا وملأوا السفينتَيْنِ حتى كادتا تغرقان .فلما رأى سِمعانُ بطرسُ ذلك أكَبَّ على رُكبَتَيْ يسوع وقال: "سيِّدي، تباعَدْ عنّي، إنّي رجلٌ خاطئ". وكان الدَهَشُ قد استولَى عليهِ وعلى أصحابِهِ كُلِّهِم، لِكَثرَةِ الصيدِ الذي أصابوه. ومِثْلُهُمْ يعقوبُ ويوحنَّا ابنا زَبَدى، وكانا شريكَيْ سِمعان. ف قالَ يسوعُ لسِمعان: " لا تَخَفْ. ستكونُ بعدَ اليومِ للبَشَرِ صيَّاداً ". فَرَجعوا بالسفينَتَيْنِ إلى البَرِّ، وتركوا كلَّ شيءِ وتبعوه. (لوقا 5/4-11) إنّ التأمّل في هذه المعجزة يوحي إلينا الأفكار التالية: اهتمام يسوع بالطبقة العاملة 1- مِمّا لا شكَّ فيه أنَّ هدف يسوع الأول والأكبر من صنع المعجزات كان التبشير بملكوت الله وحمل الناس على الإيمان برسالته الإلهيّة. ولكنّه لم يغفل عن الاهتمام بالشؤون الأرضيّة التي تؤازر الإنسان على قبول الإيمان. ومن بين الناس الذين اهتمّ بهم وبحاجاتهم العُمّالُ الكادحون، وكان معظم تلاميذه من أبناء هذه الطبقة، فآزرهم بمعجزةٍ خفّف عنهم وطأة التعب وحقّقَ لهم رزقاً طيّباً، وشدَّد إيمانهم به، ووثَّق تعلّقهم بشخصه الإلهي. 2- إنَّ ما عمله يسوع في سبيل تلاميذه العمّال قد حمل الكنيسة خلال القرون المتعاقبة على الاهتمام بالعمّال، فدافعت عن حقوقهم، وحافظت على كرامتهم، وأظهرت لهم أنّهم أبناء الطبقة الاجتماعيّة التي اهتمّ بها يسوع اهتماماً خاصّاً، فعاش مع أفرادها عيشةً اتّصفت بالرغبة المستمرّة في رفع مستواها الديني والخُلُقي. مكافأة الطاعة ومعاقبة العصيان 1- كان بطرس يعلم بالخبرة أنَّ المكان الذي أشار إليه يسوع ليصطاد فيه لا يحوي السمك المنشود، كما كان يعلم أنّ الصيد في الليل خيرٌ من الصيد في النهار. ومع ذلك، فإنّه لم يعترض على أمر يسوع، بل أطاعه طاعةً كاملة وسريعة. ونال مكافأة طاعته، فحاز من السمك شيئاً كثيراً. 2- إنّ كثيرين من المسيحيين يرفضون الطاعة لله، ويتصرّفون على هواهم، لأنهم يعتبرون أنّ الطاعة تقيّد حرّيتهم، وتحرمهم كرامتهم، وتقف سدّاً منيعاً في وجه تحقيق سعادتهم، فيقاومون إرادة الله من دون أيّ رادع. إنّهم على خطأ عظيم، ذلك لأنهم ينسون أنَّ اللهَ خالقُهم وسيِّدُهُم، له الحقّ المطلق في إصدار أوامره إليهم، وأنّه أبوهم لا يريد أن يُطيعوه إلاّ طاعة البنين الأحرار لا طاعة العبيد الأذلاء. 3- ولو فكّروا في سيادة الله وأبوَّته الحنون لأطاعوه بحبٍّ وشوق. ولكنّهم يجهلون ? أو يتجاهلون ? مقام الله اللاّمحدود وحبّه غير المتناهي، فينالون عقاب لامبالاتهم بأوامر الله وعصيانهم على تدابيره ووصاياه. يسوع الإله الخالق القدّوس شاهد التلاميذ قَبْلَ معجزة صيد السمك، ثلاثَ معجزات، وهي تحويل الماء إلى خمر في قانا الجليل، وإبراء ابن الضابط في كفرناحوم، وشفاء حماة بطرس. وقد أثّرت هذه المعجزات كلّها فيهم تأثيراً دينيّاً حسناً. أمَّا معجزة صيد السمك فكان لها وقعٌ في قلوبهم أشدّ وأعمق، ذلك لأن هذه المعجزة كانت لها علاقةٌ مباشرة بمهنتهم. فإنهم لم يكونوا يتوقّعون أنّ هذه الكثرة من السمك تظهر فجأةً في مكانٍ خالٍ، في إثر كلمةٍ واحدة تفوّه بها معلمهم الجديد. فارتمى بطرس على قدمَيْ يسوع واعترف بأنه إنسانٌ خاطئ غير جدير بأن يقف أمام يسوع الإله الخالق القدّوس. الدعوة إلى الرسالة التبشيريّة إن أجمل ما في هذه المعجزة أنها كانت مناسبة موفّقة لدعوة بطرس إلى أن يكون رسول يسوع في العالم: " لا تخفْ. ستكونُ بَعد اليومِ للبشرِ صيّاداً". إنَّ هذه الدعوة لم تبقَ محصورةً ببطرس وحدَه، بل شمَلَت بعدئذٍ التلاميذ كلّهم. فقد دعاهم جميعاً، بعد قيامته من بين الأموات، إلى أن يقوموا بعمل الرسالة: " اذهبوا وتلمذوا جميعَ الأُمَم. وعلِّموهم أن يحفظوا كلَّ ما أوصَيتُكُم به ". (متى 28/19-20) وهذه الدعوة موجّهة أيضاً إلى كلّ مسيحي ليكون رسول يسوع ويبشّر الناس باسمه ويساهم على قدْرِ طاقته في نشر الخلاص وحبّ الله للبشر قاطبةً. التطبيق العملي إنّ للدعوة إلى الرسالة والتبشير باسم يسوع أساليبَ متعدّدة، أهمُّها الانتساب إلى رهبانيّة رسوليّة، أو الانتساب إلى " العمل المسيحي ". 1- الانتساب إلى رهبانيّة رسوليّة : إنّ الفتى الذي يريد أن يكون رسول يسوع وكذلك الفتاة ينتسب إلى رهبانيّة رسوليّة، ويتلقّى في المدرسة الأكليريكيّة مدّة خمس أو ستّ سنوات الدروس اللاهوتيّة. ثم يبرز نذوره الرهبانيّة الثلاثة، وهي الفقر والعفّة والطاعة، ثم يقبل الرسامة الكهنوتيّة، ويترك بلده وينطلق إلى البلد الذي يعيّنه لـه رؤساؤه ليبشّر بالدين المسيحي مع زملائه المرسلين الذين سبقوه. إنّ التبشير عملٌ متعبٌ للغاية، ومع ذلك فإنّه لا يخيف الفتيان والفتيات، ولا يثنيهم عن تبنّي هذه الحياة المُضنية لِما يشعرون به من الفرح الروحي، وهم ينشرون بين الشعوب الوثنيّة معرفة يسوع وحبّه السامي لنا. 2- الانتساب إلى " العمل المسيحي" : إنّه العمل الديني المشترك الذي يقوم به الكهنة والرهبان والراهبات مع أبنائهم العلمانيّين في البلد الذي يعيشون فيه. إنّ هدف هذا العمل هو نشر معرفة يسوع بين الطبقات التي أهملت أمور الدين وجهلت واجباتها المسيحيّة. فالعمل المسيحي يحملها على العودة إلى الإيمان والممارسة الدينيّة المنسيَّة. فالمسيحي الصالح يفكّر في الدعوة التي يوجّهها إليه يسوع ليبشّر الآخرين بنور المسيح وحبّه لجميع البشر ويقبَلُها بشجاعة ومن دونِ أي تردّد. |
||||
25 - 10 - 2014, 05:03 PM | رقم المشاركة : ( 6702 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
شفى يسوع ابن ضابطٍ في كفرناحوم
نصّ الإنجيل كانَ في كفرناحوم عامِلٌ للملكِ لـهُ ابنٌ مريض. فلمَّا عرَفَ أنَّ يسوع جاءَ منَ اليهوديَّةِ إلى الجليل، وَفَدَ عليه يسأَلُهُ أنْ يَنـزِلَ فيُبرِئَ ابنَهُ الذي أشرَفَ على الموت. فقالَ لهُ يسوع : " إذا لم تَرَوا الآياتِ والأَعاجيب لا تُؤمِنون ! ". فقالَ لـهُ عامِلُ الملك : " انْزِلْ، سيِّدي، قبلَ أن يموتَ ولدي ". فقالَ لهُ يسوع : " اذهَبْ، إنَّ ابنَكَ حيّ " . فآمنَ الرجلُ بِالكَلِمَةِ التي قالَها يسوع ومضى. وبينَما هو نازِلٌ تلَقَّاهُ عبيدُهُ فبشَّروهُ بأنَّ ابنَهُ حَيٌّ. فسأَلَهُم: " في أيَّةِ ساعَةٍ تَعافى "فقالوا له : " أمْسِ في الساعَةِ السابعة أقلَعَتْ عنهُ الحُمَّى". فعَلِمَ الأبُ أنَّها الساعةُ التي قال لـهُ فيها يسوع : " إنَّ ابنَكَ حَيّ ". فآمَنَ هو وأهلُ بيتِهِ جميعاً. (يوحنَّا 4/46-54) المعجزة الثانية في قانا الجليل ترك يسوع مقاطعة الجليل وجاء إلى أورشليم بمناسبة عيد فصح اليهود ، وأقام بها طَوالَ أيامِ العيد. ولمّا انتهت هذه الأيام غادرها وعاد إلى الجليل. ومرَّ في طريقه بمقاطعة السامرة ، وتحَدَّث عند بئر يعقوب إلى المرأة السامريّة، ومكث عند السامريّين يومَيْن، ثمَّ تركَهُم وتابع سيره وجاءَ إلى قانا الجليل حيث كان قد حوّل الماء إلى خمر. وكان في كفرناحوم ضابط من ضبّاط الملك هيروُدوس ، لـه ابنٌ مريض. وكان مرضه خطيراً جداً حتى إنّه قد أشرف على الموت. ولم يستطع أطباء كفرناحوم أن يشفوه. فلمّا سمع الضابط أنَّ يسوع جاء من أورشليم إلى قانا ركِبَ فرسه على الفور وأتى إلى قانا والتقى يسوع وسأله بإلحاح إن يأتيَ معه إلى كفرناحوم ويشفي ابنه. فاستجاب يسوع طلبه ولكن من دون أن يذهب إلى كفرناحوم، بل شفى الغلامَ المريض وهو بعيدٌ عنه. ضرورة الاهتمام بالنفس قبل الاهتمام بالجسد إنَّه من الطبيعي أن يقوم هذا الضابط بمسيرةٍ تدوم ستَّ ساعات ليلتقي يسوع وينال منه شفاء ولده. فإنَّ ما فعله هذا الأب في سبيل ابنه يفعله كلُّ أبٍ مُحِبٍّ يريد شفاء ولده المريض. إنَّ تصرّف هذا الضابط يطرح علينا السؤال التالي: هل نقوم نحن بمثل هذا الجَهد عندما تكون نفوس أولادنا مريضة بالخطيئة تحتاج إلى الدواء من يسوع لتستعيد صحّتها الروحيّة، أم نتركها تذوب رويداً رويداً في مرضها حتى تشرف على الموت وتموت فعلاً موت الخطيئة ؟ لماذا لا نفعل ما فعله هذا الضابط فنذهب إلى يسوع ونسأله بإلحاح أن يشفي نفوس أولادنا المشرفة على الموت الروحي ؟ إنَّ الواقع الذي نعيشه هو أنّنا نهتمُّ بأجسادنا وأجساد أولادنا أكثر بكثير مِمَّا نهتمُّ بنفوسنا ونفوسهم. إنّ مرض أجسادنا يثير فينا الخوف والهلع، أمّا مرض نفوسنا فلا نأبه لـه ولا نعيره اهتماماً. ألسنا على خطىء عظيم ونحن نعرف أنَّ للنفس قيمةً أسمى بما لا تُقاس من قيمة الجسد لأنها خالدة ؟ إن الفطنة السماويّة تفرض علينا أن نتلافى خطر الموت الأبدي. فيا ويل من يموت وهو في حال الخطيئة! جاء يسوع لينشر الإيمان بملكوت الله امَّا طلب الضابط إلى يسوع أن يرافقه إلى كفرناحوم ليشفي ابنه المريض شعر يسوع بأن هدفه لم يكن الإيمان به، بل الحصول منه على شفاء ابنه. لقد كان يريد منه نعمةً أرضيّة فقط، مع أن يسوع لم ينزل من السماء ليكون طبيباً يشفي المرضى، بل جاء إلى الأرض لينشر بين الناس الإيمان بملكوت الله. ولم يكن للمعجزات التي يصنعها إلاّ هذا الهدف الأساسي، وهو إحياء الإيمان في نفوسهم برسالته الإلهيّة. ولذلك أوضح للضابط بصراحة أنّه يصنع المعجزات لكي يؤمنوا به، ولولاها لا يؤمنون. قال له: " إذا لم تَرَوا المعجزاتِ والأعاجيبَ لا تؤمنون " لا شكّ في أنّ يسوع يرضى بأن يؤمن الناس به في بادئ الأمر انطلاقاً من مشاهدة المعجزات التي يصنعها. ولكنّه لا يرضى بأن يتوقَّّفوا عند هذا المستوى البدائي من الإيمان. إنّه يريد أن يؤمنوا بكلامه وبشخصه الإلهي، لا استناداً إلى المعجزات فقط، بل لأنه " الطريقُ والحقُّ والحياة " أيضاً. ( يوحنَّا 14/6) فإنّه يحمل إليهم الحقيقة الموحاة، ويقودهم إلى الله الآب السماوي، ويمنحهم الحياة الإلهيّة، ويؤمّن لهم السعادة الأبديَّة التي خُلقوا للتمتّع بها عند الله. شدّد يسوع إيمان الضابط عندما سمع الضابط ما صرَّح به يسوع عن ضرورة الإيمان به شعر في نفسه بأنه أمام نبيٍّ عظيم قادرٍ على صُنْع المعجزات. فآمن به. ولكنّ إيمانه كان لا يزال هزيلاً. فألحَّ على يسوع إلحاحاً شديداً بأن يأتي معه إلى كفرناحوم قبل أن يموت الغلام. إنَّ هذا الإلحاح يُظهر أنَّ الضابط كان يعتقد أنَّ مجيء يسوع إلى غرفة المريض أمرٌ لا بدّ منه. فإنّه لا يقوى على شفائه إذا كان بعيداً عنه، ولا يقدر على إحياء الغلام إذا مات. وأيقن يسوع أنَّ إيمان هذا الضابط ما زال ضعيفاً فكلّمه بلغةٍ قويَّةٍ وحاسمة وشدّد إيمانه. قال لـه : " اذهبْ فإنَّ ابنَكَ حيّ ". أيْ آمنْ بي، ولا تستسلمْ إلى الشكّ والتردُّد. فقد شفيتُ ابنَكَ وأنا بعيدٌ عنه. في الواقع كانت كلمة يسوع نعمةً قويّة فعّالة دخلت إلى أعماق قلب هذا الضابط، فانتقل من الإيمان الضعيف المحدود إلى الإيمان القويّ الكامل. فآمن بقدرة يسوع اللاّمحدودة، واطمأنَّت نفسُهُ إلى شفاء ابنه، فأقام بقانا في تلك الليلة ولم يعُدْ إلى كفرناحوم إلاّ في صباح يوم الغد. وعَلِم من خَدَمه، وهو في الطريق، أن ابنه قد شُفي في الوقت الذي أكَّد له فيه يسوع أنه قد شفى ابنه المريض. التطبيق العملي 1- إن أمراض الجسد مؤلمة. فكما أنّك تداوي جسدك باعتناء، فكذلك لا تهملْ مداواة أمراض نفسك. وأبشعُ مرضٍ ينتابها مرضُ الخطيئة. فحافظْ على صحّتها الروحيّة بالامتناع عن ارتكاب الخطيئة التي تؤدّي بك إلى الموت الأبدي. وبئسَ المَصير! 2- لم يكتفِ الضابط بأن يؤمن وحدَه بيسوع، بل حمل كلَّ أفراد أسرته على الإيمان به . فكنْ على مثال هذا الضابط رسولَ يسوع في محيط عملك. وأجمل مظهرٍ لرسالتك هو أن تكون للآخرين القدوة الصالحة في ممارسة واجباتك الدينيّة. |
||||
25 - 10 - 2014, 05:04 PM | رقم المشاركة : ( 6703 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
شفى يسوع حماة بطرس
نصّ الإنجيل ولمَّا خرَجَ يسوعُ مِنَ المَجمَع، جاءَ إلى دارِ سِمعانَ وأندَراوس، يَصحَبُهُ يَعقوبُ ويوحنَّا، وكانت حماةُ سِمعان مُلقاةً على الفِراشِ مَحمومة، فأَطلَعوهُ على حالتِها. فدَنا مِنها فأَخَذَ بِيَدِها وأَقامَها، فأَقلَعَتْ عنها الحُمَّى، وأَخَذَتْ تَقومُ بضِيافَتِهِمْ . (مرقس 1/29-31) الحمّى الشديدة والشهوة الرديئة إنَّ الحمّى الشديدة التي استولت على حماة بطرس تذكّرنا بالشهوة الرديئة التي تستولي على نفسِ الإنسان، وتفتح لنا المجال لأن نتحدّث عن الشهوة بالتفصيل. إن شهوة النفس أو الهوى على أنواعٍ كثيرة، ومن أهمّها الكبرياء، والحقد، والطمع، وعشق الملذّات، والكراهية، والخوف، والغضب، والحسد، والبخل، واليأس، والحزن. إنَّ هذه الشهوات، إذا ما اشتدّت وتفاقمت، دمّرت نفس من يستسلم إليها، وأفقدته حياة النعمة المقدّسة. فإذا أردنا أن نتلافى تأثيرها الرديء فلا بدَّ لنا من أن نعرف أوَّلاً مساوئَها، ثمّ نطّلع على ما فينا من شهواتٍ خبيثة، ونسلك بعدئذٍ الطريقة الفضلى لمحاربتها بقوّةٍ وشجاعة قَبْلَ أن تتأصّل في قلوبنا. مساوئ الشهوة في نفوسنا إنَّ مساوئ الشهوة الرديئة كثيرة، نذكر أشدَّها تأثيراً في النفس، وهي: 1- الاضطراب الداخلي: كلّنا اختبرنا في كثير أو قليل مساوئ الشهوة الرديئة في نفوسنا. إنّها تنشئ فينا اضطراباً داخليَّاً عنيفاً، وتعذّبنا بهزّاتها المتواصلة. فتارةً تجمّدنا من الخوف وتملأنا من اليأس، وتارةً أخرى تُضرم فينا نار الغضب والحقد والرغبات القبيحة. وفي بعض الأحيان تتصارع فينا الشهوات المتناقضة، وتمزّقنا بلا رحمة، وتزرع في عقولنا الحَيْرة والضلال، فلا نعود نحكم على الأمور حكماً صائباً، حتى إننا نسمّي الشرَّ خيراً، والعارَ شرفاً، والعبوديّة حرّيةً، والألم لذَّةً، والشقاء سعادة 2- وضَعف الإرادة والمقاومة : إنّها تسبّب فينا ضَعف الإرادة أيضاً، فلا نعود نقوى على محاربة جاذبيَّة التجارب التي تستهوينا، بل ننقاد لنزوات النفس ورغباتها الفاسدة من دون أيّة مقاومة. ويتفاقم فينا أحياناً تأثيرُ الشهوة الرديئة، فنهمل الصلاة، وأعمال العبادة، ونُعرض عن تتميم إرادة الله، ونرتكب الخطايا الكثيرة. 3- ثم تشويه جمال النفس : إنّها تشوّه جمال نفوسنا تشويهاً عميقاً. فتنزع عنها اللُّطف، وكَرَمَ الأخلاق، والعادات السليمة، والطاعة البَنَويّة، والفرح الداخلي. فتصبح طباعُنا حادّة، ولهجتُنا قاسية، وحركاتُنا عنيفة، وأقوالُنا مستهجَنة. ونستسلم تارةً إلى حزنٍ أسود، وتارةً أخرى إلى فرحٍ جنوني، فتفقِدُ نفوسُنا جمالها وتوازنها الطبيعي. 4- وتحكّم الشهوة في نفوسنا : وإنّها تتغلغل بعُمقٍ في نفوسنا المضطربة كما تتغلغل الحمّى في أجسادنا المريضة، فتهدّ كياننا، نفساً وجسدا،ً هدّاً بعيد المدى. لقد كان بإمكاننا أن نتخلََّص من تأثيراتها السيِّئة لو حاربناها منذ بدء نشأتها. ولكنّها متى تأصّلت فينا تتحكّم في سلوكنا وتفرض علينا مطالبها القاسية وتجعلنا عبيداً لها. معرفة ما فينا من شهوات رديئة لا نستطيع أن نحارب ما فينا من شهوات نفسيّة رديئة إلاّ إذا عرفناها معرفةً واضحة وحدّدناها تحديداً دقيقاً. فكما أن الطبيب لا يحارب المرض إلاّ إذا شخّصه وحدّده، فكذلك المسيحي لا يحارب الشهوات الرديئة في نفسه إلاّ إذا شخّصها وحدّدها 1- إن الشهوات في النفس ليست كلّها على مستوى واحد من القوّة والعنف والعمق. فبعضها سطحي وبعضها عميق، وبعضها هزيل وبعضها عنيف. وفي النفس الواحدة تكون الشهوات أحياناً هائجة، وأحياناً أخرى هادئة. 2- أمّا أنواع الشهوات فتختلف من شخصٍ إلى آخر . فهذا متكبّر وذاك حسود، وهذا طمّاع وذاك حقود، وهذا غضوب وذاك يائس أو شهواني. 3- لذلك فإنّ القاعدة الكبرى لمحاربة الشهوات هي معرفة الذات: " أعرِفْ نفسَكَ ". هذه هي الحكمة العليا. إنّ معرفة الذات ليست بالأمر اليسير، لأن الحقيقة مؤلمة، ونحن نتعامى عنها، ونأبى الاطلاع عليها والإقرار بها. فمن كان متكبّراً يرفض أن يقول عن نفسه إنه متكبّر، وكذلك الحقود والحسود والطمّاع والجبان والشهواني والبخيل والغضوب. فأوّل ما يجب أن نقوم به لمقاومة الشهوات المتأصّلة فينا هو أن نحدّدها ونشخّصها ونعترف بها صادقين. ومتى قمنا بهذا العمل الأساسي عمدنا إلى اتِّخاذ الوسائل التي تمكّننا من محاربتها. طريقة محاربة الشهوات الرديئة فينا مهما اشتدّت الشهوات الرديئة فينا فلا يحقّ لنا أن نيأس من محاربتها والتغلّب عليها. لمّا جاء يسوع إلى البيت واطّلع على شدة الحمَّى التي استولت على حماة بطرس انحنى عليها كالطبيب الماهر وأمسك يدها، ونزع عنها المرض، فقامت على الفور صحيحة معافاة. كان يسوع أفضل طبيبٍ لهذه المرأة المتألّمة، وهو أفضل طبيبٍ لنا عندما تثور فينا الشهوة الرديئة وتبغي تحقيق مطالبها القبيحة من أعمال الكبرياء والحقد والطمع وغيرها من التصرّفات اللاأخلاقيّة. فإنه يمسك أيدينا وينزع عنَّا مرض هذه الشهوات وعبوديّتها المُرّة. إلاّ أن يسوع يطلب منّا أن نساهم معه مساهمةً فعّالة في استئصال داء الشهوات فينا. وهذه المساهمة هي على ثلاثة أنواع: 1- المساهمة الروحيّة : إنّها تقوم بأن نستمطر على ذواتنا بالصلاة الحارّة والضراعة القلبيَّة نِعَمَ يسوع الغزيرة الفعّالة، ونمارس التقشّف الروحي والجسدي، ونقبل بتقوى سِرَّيْ التوبة والقربان الأقدس، ونلتجئ إلى شفاعة أمّنا مريم العذراء. 2- والمساهمة الوقائيّة : إنّها تقوم بأن نبتعد عن أسباب إثارة الشهوات الرديئة فينا، كمشاهدة الأفلام القبيحة التي تعرضها بعض شاشات التلفزة، ومعاشرة الرفاق الأردياء، والقراءات الفاسدة ، وأن نتمّم واجباتنا اليوميَّة من عملٍ ودرسٍ وجَهْدٍ جسدي وعقلي بكلّ أمانة، وأن نعكف على الهوايات البريئة في مجالات الفنون والرياضة البدنيّة والرحلات الكشفيَّة والأثريّة. 3- ثمَّ المساهمة الاجتماعيّة: إنها تقوم بأن نقدّم للآخرين الخدمات التي يحتاجون إليها كما فعلت حماة بطرس بعد شفائها. فقد قامت وخدمت يسوع وتلاميذه الأربعة. إنّ خدمة المحتاجين تهدّئ فينا غلَيان الشهوة وتجعلنا ننفتح بأعمال المحبَّة على الآخرين المحتاجين، فتنطفئ فينا نارُ الأنانيّة والكبرياء والغطرسة والبخل والحسد والانطواء الذاتي وغيرها من الميول الفاسدة. هذا وإن الخدمة الاجتماعيَّة هي من أفضل الأعمال التي نقوم بها لنعبّر عن شكرنا ليسوع الذي آزرنا بنعمه على التخلّص من عبوديّات شهوات النفس فينا. التطبيق العملي 1- إنّ شهوات النفس أشدُّ خطورةً على المسيحي، في كثيرٍ من الأحيان، من أمراض الجسد. فهي تدفعه إلى القيام بأعمالٍ قبيحة وزريّة من شأنها أن تحطَّ مقامه، وتطبعه بطابع الدناءة والحقارة، وتحرمه الحياة الإلهيّة التي حصل عليها بالمعموديّة. 2- يقول لك يسوع : يا بُنيَّ اعطني قلبك. بهذا القول يريد منك أن تحبّه حبّاً يفوق حبّك لنفسك، وأن تقاوم أسباب الشهوات الثائرة فيك، وتسيطر على كلِّ مظاهرها العنيفة والخدّاعة. فلا تتردَّدْ في تلبية طلب يسوع، فتكون بذلك من أصحاب القلوب النقيّة الذين يرون وجه يسوع الجميل في وجوه اخوتهم المتألّمين. 3- ولا بدَّ لنا في هذا المجال من أن نميّز بين الشهوة والخطيئة. إنّ كثيرين من المسيحيّين لا يعرفون أن يميّزوا بين الشهوة الرديئة وتحقيق مطالبها القبيحة. إنَّ ثورة الشهوة في النفس ليست في حدِّ ذاتها خطيئة. فمن الطبيعي مثلاً أن يشعر الإنسان بالغضب إذا ما وُجِّهت إليه إهانةٌ جارحة. فالغضب لا ينقلب خطيئة إلاّ إذا استسلم إليه الإنسان وعَمَدَ إلى الانتقام من الذي وجَّه إليه الإهانة ونفّذه فيه. وهذا القول ينطبق على سائر الشهوات. فمن شعر بالشهوة الجنسيّة لا يرتكب الخطيئة إلاّ إذا حقّق مطلبها الرديء بإرادته الحرّة. هذا التمييز الهامّ يزيل الوسواس عن الضمير ويجعل المسيحي يعيش حياة روحيّة سليمة. |
||||
25 - 10 - 2014, 05:05 PM | رقم المشاركة : ( 6704 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
شفى يسوع أعمَيَيْن عند مدخل أريحا نصّ الإنجيلوبينما يسوع وتلاميذُهُ خارِجونَ مِنْ أريحا، تَبِعَهُ جَمْعٌ كبير. وإذا أعمَيانِ جالسانِ على جانِب الطريق، فلَمّا سَمِعا أنَّ يسوعَ مارٌّ صاحا: " رُحْماكَ سيِّدي، يا ابنَ داود". فانَتَهَرَهُما الجَمعُ ليَسكُتا. فصاحا أشَدَّ الصياح : " رُحْماكَ سيِّدي، يا ابنَ داود". فوَقَفَ يسوع ودعاهُما وقال : " ما حاجَِتُكُما إليَّ ؟ " قالا لهُ : " سيِّدي، أنْ تُفْتَحَ أعيُنُنا ". فأشفَقَ يسوعُ عليهِما، ولَمَسَ أعيُنَهُما، فأبصَرا مِنْ وَقتِهِما وتَبِعاهُ. (متّى 20/29-34) أريحا المدينة القديمة والمدينة الحديثة قضى يسوع مدّةً قصيرة في مدينة أفرائيم القريبة من القدس، ثمّ غادرها وانحدر مع تلاميذه إلى مدينة أريحا. لم تكُن أريحا في أيام يسوع مدينةً واحدة، بل كانت مدينتين، الواحدة قديمة جدّاً، وفيها مجموعةٌ قليلة من البيوت، والثانية حديثة بناها الملك هيرودُس الكبير وجمّلها. كانت المدينة الحديثة واسعة، وفيها كلّ وسائل الترفيه، كما كانت فيها جميع الدوائر الحكوميّة، الإداريّة والقضائيّة والماليّة. ومرّ يسوع بالمدينة القديمة وخرج منها ليدخُلَ إلى المدينة الحديثة، فالتقى أعْمَيَينِ بين المدينتين كانا يتسوّلان، فأعاد إليهما البصر. وهذا ما حمل متّى ومرقُس الإنجيليّين على القول إنّ يسوع قد خرج من أريحا، ودفع لوقا الإنجيلي إلى أن يقول إنّه قد اقترب من أريحا ليدخلها. وأوضح تفسير لهذَيْن القولَيْن المتناقضَيْن في الظاهر أنّ يسوع خرج من المدينة القديمة واقترب من المدينة الحديثة فالتقى الأعمَيَين. وذكر متّى في إنجيله أنّ يسوع شفى أعمَيَيْن. أمّا مرقس ولوقا فلم يتحدّثا إلاّ عن أعمى واحد، وهو ابن طيماوس. وقد اكتفيا بذكره وحدَهُ لشُهرته بين الناس وبين المسيحيّين الأوّلين. رُحماكَ يا ابنَ داود إنّ معجزات يسوع العظيمة قد جعلت الكثيرين من اليهود يؤمنون بأنّ يسوعَ ابنَ داود هو المسيحُ المنتظَر الذي تنبَّأَ عن مجيئه الأنبياء، وكان الأعميان من بينهم. فلمّا عرفا أنّ يسوع اقترب منهما أخذا يصيحان بأصواتٍ عالية : " رُحماكَ يا ابنَ داود " أيْ رُحماكَ أيّها المسيح. أمّا الفرّيسيّون وأنصارهم الذين رفضوا أن يعترفوا بأن يسوع هو المسيح المنتظَر، فقد انتهروا الأعمَيَيْنِ ليَسكُتا. ولكنّهما أخذا يصيحان صياحاً أشدّ. ما حاجتُكُما إليَّ ؟ سمع يسوع أصواتهما العالية، فتوقّف عن متابعة طريقه، واستدعاهما إليه، فأسرعا في المسير، وألقى ابن طيماوس عنه عباءته ووثب إلى يسوع، وفي نفسه الأمل العظيم في نيل الشفاء. فقال لهما يسوع : " ما حاجتُكُما إليَّ ؟ " كان يسوع يعرف تمام المعرفة أنّ الأعمَيَيْن يريدان منه أن يعيد إليهما البصر. ومع ذلك فقد طرح عليهما هذا السؤال وفي نيّته أن يدفعهما إلى التعبير عن قدرته الإلهيّة. وهذا ما فعلاه عندما قالا له : " يا مُعَلِّم أن نُبْصر ". المقابلة بين البصر المادّي والبصر الروحي أقام بعضُ الآباء القدّيسين مقابلةً بين البصر المادّي والبصر الروحي. إنّ البصر المادّي يُطلعنا على ما في الكون من جمال، ويُفسح لنا المجال للعمل والاتّصال بالآخرين والتعامل معهم، ويُجنّبنا كثيراً من المخاطر. لذلك نحن نعتبر أنّ البصر المادّي نعمةٌ من أسمى نِعَمِ الله الأرضيّة علينا، إذْ إنّ الأعمى يعيش في جوٍّ قاتم من الظلام الذي يحرمه التمتّع ببهجة الحياة وبفوائدها الكثيرة. أمّا البصر الروحي فهو الإيمان الواثق بيسوع. إنّ هذا الإيمان يُطلعنا على سموّ شخصه الإلهي، وعلى الأعمال الفائقة التي قام بها حبّاً لنا، وعلى التعاليم الرائعة التي تدلّنا على طريق الخلاص وتجنّبنا خطر الهلاك الأبديّ. ولذلك فإنّ الإيمان نعمة من أعظم نِعَمِ الله الروحيّة علينا، إذ إنّ الأعمى روحيّاً يعيش في جوّ الخطيئة القاتم الذي يحرمه التمتّع بالفوائد الروحيّة العظيمة وبأفراح الحياة الأبديّة السعيدة. نحن المسيحيّين نكون في بعض الأحيان عمياناً استجاب يسوع طلب الأعمَيَيْن وأعاد إليهما البصر في الحال. ولمّا أبصرا نور هذه الدنيا قدّرا النعمة التي حصلا عليها حقَّ قدرها، فتبعا يسوع وهما يشكران له صنيعه معهما. نحن المسيحيّين نكون في بعض الأحيان عُمياناً لا نرى نور يسوع، ولا نسعى إلى رؤية هذا النور الإلهي، ولا نقوم بأيّ جَهدٍ خاص لكي نتبع يسوع في سلوكنا الفردي وتصرّفاتنا اليوميّة. إنّ لهذا العمى الروحي الذي نعيش فيه، ولا نشعر بمساوئه، أسباباً كثيرة، وإليكم أهمّها : 1- انشغالُنا المفرط بشؤون هذه الدنيا ومطالبها وتأمين منافعها، والتمتّع بوسائل الترفيه فيها، المحلّلة منها والمحرّمة. 2- انصرافُنا المتواصل إلى القيام بما تميل إليه أطماعنا المادّية من أعمال فيها الكثيرُ من الكَذِب والخداع والغشّ وسلب حقوق الناس بأساليب ملتوية أو خفيّة. 3- عيشُنا في جوٍّ مُطبق من الكبرياء والتعالي، أو من الحقد والخصام والرغبة في الانتقام من الآخرين وتحطيم شخصيّاتهم ومصالحهم المشروعة. 4- إعراضُنا التامّ عن شؤون الدين والعبادة، فلا ندخل الكنيسة إلاّ لقضاء الواجبات الاجتماعيّة المفروضة علينا، كالجنازات وحفلات الأكاليل. أمّا صلاة يوم الأحد الجماعيّة، والصلوات الفرديّة، فنُهملها إهمالاً تامّاً، فنعيش عيشة مَنْ لا دينَ لهم ولا إيمان بالله وبالآخرة. إنّ هذه الأسباب وغيرها كالكسل وعدم الشعور بالواجب، تجعلنا نحن المسيحيّين عُمياناً لا نرى الطريق الذي يقودُنا إلى يسوع لنتبعه كما تبعه الأعميان بعد شفائهما. الإنجيل نورٌ إلهيّ يُضيء للمسيحي طريق الخلاص مَنْ كان منّا نحن المسيحيّين أعمى روحيّاً وعاش في جوّ الخطيئة المستمرّ لا يشعر بألم فقدان إيمانه وبصره الروحي. فهو يحتاج إلى ما يُساعده على أن يدنوَ من يسوع ليحظى بإعادة البصر الروحي إليه وينعم بنور الإيمان البهيج. إنّ ما يساعده على الدنوّ من يسوع قراءةُ الإنجيل والتأمّلُ في كلام الله. فالإنجيل نورٌ إلهيّ يضيء للمسيحي الطريق الذي يجب عليه أن يسلكه ليصل إلى يسوع ويسأله إعادة الإيمان المستنير. إنّ قراءة الإنجيل والتأمّل فيه واستيعاب معانيه السامية أمورٌ تقتضي منه التفرّغ الهادئ ليسمع صوت يسوع يحدّثه ويصف لـه حالته الروحيّة البائسة وشناعة الخطايا التي يرتكبها، والخطر الجسيم الذي يتعرّض لـه. إنّ صوته يحرّك فيه عواطف التوبة والأسف والمحبّة، ويدفعه إلى أن يندم على ما بدر منه من سوء السلوك، ليرجع إلى الله في مسيرة حياةٍ فاضلة تُرضي قلبه الإلهيّ. التطبيق العملي <H1> 1- إنّ الكنيسة تعرف ما يتعرّض له المسيحيّون من أخطار روحيّة وتجارب قويّة في مجالات مخالفة فضائل الإيمان والمحبّة والعفاف والعدالة والاستقامة المسيحيّة، فتُقيم كلّ سنةٍ مدّة أسبوعٍ كامل رياضة روحيّة تدعوهم إليها للصلاة وسماع كلام الله، بإقامة القداديس وإلقاء المواعظ والإرشادات الروحيّة. </H1> إنّ للرياضة الروحيّة هدفاً واضحاً هو أن تهزّ المسيحيّين هزّاً داخليّاً عميقاً يحملهم على التفكير في مساوئ تصرّفاتهم اللاأخلاقيّة ويدعوهم إلى التوبة من خطاياهم ليسلكوا حياةً جديدة فاضلة. 2- إنّ الواقع الذي تعيشه شبيبتنا هو أنّها تستسلم إلى المظاهر والأعمال الخارجيّة، حتّى في مجال العبادة. لقد فقدت الرغبة في التأمّل والتعمّق، ونسيت فضل الإنجيل وأهمّيته، فتبنّت مواقف سطحيّة، فيها الكثير من الخطر على إيمانها وأخلاقها وتعلّقها بشخص يسوع. فيا أيّها المسيحي فكّرْ في أسلوب تصرّفك لتُبعد عنك، بالصلاة والتأمّل الخطرَ الذي يجعلك تعيش على هامش الدين المسيحي لا في أعماقه. |
||||
25 - 10 - 2014, 05:07 PM | رقم المشاركة : ( 6705 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أحيا يسوع أَلِعازر
نصّ الإنجيل كانَ رَجُلٌ مَريضٌ يُدعى أَلِعازر مِنْ بيتَ عَنيا، مِنْ قَريَةِ مريم وأُخْتِها مرتا. ومريمُ هي التي دَهَنتِ الربَّ بالطيبِ ومَسَحَتْ قَدَميْهِ بِشَعرِها. وكان أَلِعازر المريضُ أخاها. فأرسَلَتْ أُخْتاهُ إلى يسوعَ تقولانِ : " يا ربّ، إنَّ الذي تُحِبُّهُ مريض ". فقالَ يسوعُ، حينَ بَلَغَهُ الخَبَر : " ليسَ هذا المرضُ مرضَ الموت، بَلْ مآلُهُ إلى مَجْدِ الله، ليَتَمَجَّدَ بهِ ابنُ الله ". وكانَ يسوعُ يُحِبُّ مرتا وأختَها وأَلِعازر. على أنَّهُ لَبِثَ في مكانِهِ يَومَيْن، بعدَ ما عَرَفَ أنَّهُ مريض. ثُمَّ قالَ للتلاميذِ بعدَ ذلكَ : " لِنَعُدْ إلى اليَهوديّة ". فقالَ لهُ تلاميذَهُ : " رابّي، أتعودُ إلى هناك، وقد أرادَ اليهودُ رَجْمَكَ مُنذُ قريب " فأجابَ يسوعُ : " أليسَ النهارُ أثنَتَيْ عشْرَةَ ساعة ؟ فمَنْ سارَ في النهارِ لا يَعْثُر، لأنَّهُ يرى نورَ هذا العالَم. ومَنْ سارَ في الليلِ يَعْثُر، لأنَّهُ ليس فيهِ النور ". وقالَ لَهُم بعدَ ذلِكَ : " إنَّ صديقَنا أَلِعازر راقِد، فأنا ذاهِبٌ لأوقِظَهُ ". فقالَ لهُ تلاميذَهُ :" ربَّنا، إذا كانَ راقِداً فَسَيُشفى ". وكانَ يسوعُ يَعني مَوْتَهُ، فَظَنُّوا أنّهُ أرادَ بهِ رُقادَ النَومِ . فقالَ لهُمْ يسوعُ مُوضِحاً : " قد ماتَ أَلِعازر، ويَسُرُّني، لأَجْلِكُم كَيْ تؤمِنوا، أنّي لم أكُنْ هُناك. فَلنَمضِ إليهِ ! " فقالَ توما الذي يُدعى التوأم لإخوانِهِ التلاميذ : " فَلنَمضِ نحنُ أيضاً ونَمُتْ مَعَهُ ! " فلَمّا وصَلَ يسوع رأى أنّهُ في القَبرِ منذُ أربعةِ أيّام. وبيتَ عَنيا قَريبَةٌ مِنْ أورَشَليم، على نَحوِ خمسَ عَشْرَةَ غَلوَة. وكانَ كثيرٌ مِنَ اليهودِ قد جاؤوا إلى مرتا ومَريَم يُعَزّونَهُما عن أخيهِما. فَلَمّا سَمِعَتْ مَرتا بمَجيءِ يسوع خَرَجَتْ لاستقبالِهِ، ولَبِثَتْ مَريَمُ قاعِدَةً في البيتِ. فقالَتْ مرتا ليسوع:" رَبِّ، لَو كُنتَ ههُنا لما ماتَ أخي. ولَكِنّي ما زِلتُ أعلَمُ أنَّ اللهَ يُعطيكَ جميعَ ما تسألُهُ إيّاه". فقالَ لها يسوع: " سيقومُ أخوكِ ". قالَتْ لهُ مَرتا : " أعلَمُ أنَّهُ سيقومُ في القيامةِ في اليومِ الآخِر. فقالَ لها يسوع : " أنا القيامَةُ والحياة. مَنْ آمَنَ بي يحيا، وإنْ مات. ومَنْ يحيَ مؤمِناً بي لا يَمُتْ أبداً. أتؤمنينَ بهذا ؟ " قالتْ لهُ : " بلى ربِّ، أوِمِنُ بأنَّكَ المسيحُ ابنُ اللهِ الآتي إلى العالم ". ثُمَّ ذَهَبَتْ، بعدَ ما قالتْ ذلِكَ، إلى أُختِها تَدعوها، فأسَرَّتْ إليها : " المُعَلِّمُ هَهُنا، وهوَ يدعوكِ ". فقامتْ مَريَمُ على عَجَلٍ حينَ تلقَّتِ الخَبَر فخَفَّتْ إليهِ. ولم يكُنْ يسوعُ قد وصَلَ إلى القَرية، بل كانَ حيثُ استَقبَلَتْهُ مَرتا. فلمّا رأى اليهودُ الذين كانوا في البيتِ معَ مريمَ يُعَزّونَها أنّها قامَتْ وخَرَجَتْ على عَجَل، لَحِقوا بِها وهُم يَظُنُّونَ أنَّها ذاهِبَةٌ إلى القَبرِ لتَبكي. فما إنْ وَصَلَتْ مريم إلى المكانِ الذي فيهِ يسوع ورأتْهُ، حتّى أكَبَّتْ على قَدَمَيْهِ وقالتْ لـهُ : " رَبِّ، لَوْ كُنتَ هَهُنا لما ماتَ أخي ". فلَمّا رآها يسوعُ تَبكي ويبكي مَعَها اليهودُ الذينَ رافَقوها، ارتَعَشَتْ نَفْسُهُ واضطَرَبَ وقالَ : " أينَ وَضعتموهُ ؟ " قالوا : " تعالَ سيِّدي فانْظُرْ ". فَدَمَعَتْ عَينا يسوع. فقالَ اليهودُ : " ما أشَدَّ ما كانَ يُحِبُّهُ ". على أنَّ بعضَهُم قالوا : " أما كانَ بِوسْعِهِ أن يَرُدَّ الموتَ عنهُ، وهوَ الذي فَتَحَ عَيْنَي الأعمى ؟ " فارتَعَشَتْ نفسُ يسوعَ ثانياً ودنا مِن القَبرِ، وهوَ كِنايةٌ عن مغارَةٍ وُضِعَ عليها حَجَر. فقالَ يسوعُ : " ارفَعوا الحَجَر ! " فقالت مَرتا : " رّبِّ، هذا يَومُهُ الرابِع، لقد أنتَن " . قالَ لها يسوع : " ألَمْ أقُلْ لكِ إن آمَنتِ تَرَينَ مَجدَ الله ؟ " فرَفَعوا الحَجَر، ورَفَعَ يسوعُ عِندَئذٍ عينَيْه وقال : " شُكراً لكَ ، يا أبتِ، لأنّكَ استَجَبتَ لي، وقد علِمتُ أنّكَ تَستَجيبُ لي، ولكِنّي قلتُ هذا مِنْ أجلِ أولئكَ الناسِ الذينَ يُحدِقونَ بي، لكي يؤمنوا أنّكَ أنتَ أرسَلتَني ". وصاحَ بعدَ ذلِكَ بأعلى صَوتِهِ: " هلُمَّ يا أَلِعازر فاخرُجْ ! "فخَرَجَ المَيْتُ مشدودَ اليَدَيْنِ والرجلَيْنِ بالعصائب، ملفوفَ الوجهِ في منديل. فقالَ لهم يسوع : " حلُّوهُ ودعوهُ يَذهَب ". فآمَنَ بهِ كثيرٌ مِنَ اليهود الذين جاؤوا إلى مريم إذْ رأوا ما صنَعَ. (يوحنَّا 11/1-45) يسوع والصداقة الإنسانيّة في بيت عنيا، القرية الصغيرة الواقعة في أعلى جبل الزيتون، أسرة مؤلّفة من ثلاثة أشخاص، وهم أَلِعازر الشاب وأختاه مرتا ومريم. وكان يسوع يحبّ هذه الأسرة، وكانت بينه وبينها صداقة متينة. ومرض أَلِعازر مرضاً ثقيلاً وأشرف على الموت. فأرسلت الأختان إليه شخصاً يعلمه بمرض أخيهما ليأتيَ ويشفيه. 1- إنَّ الصداقة الحقّة تظهر في وقت ضيق الصديق. ولذلك فإنّه غادر إقامته الآمنة في شرق الأردن وأتى إلى اليهوديّة، وخاطر بنفسه ليُعيد إلى صديقه الحياة التي فقدها. وقد ظهرت معالم صداقته لأَلِعازر عندما دمعت عيناه لمّا رأى أخته مريم تبكي وسكّان القرية يبكون. 2- إن هذه الصداقة كانت قائمة أيضاً بينه وبين تلاميذه. فلمّا كان في العشاء الأخير باح بها لهم بطريقةٍ علنيّة. قال لهم : " لا أدعوكم بعدَ اليومِ خُدّاماً، لأنَّ الخادِمَ لا يَعلَمُ ما يَعمَلُ سيِّدُهُ. لقد دعَوتُكُم أحبّائي لأنّي أطلَعتُكُم على كلِّ ما سَمِعتُهُ مِن أبي ". 3- ولمّا غادر الأرض وصعد إلى السماء لم يَفْقِدْ إنسانيّته وصداقته للمسيحيّين. فهو صديقُهم، وصديقُ كلِّ مسيحي يُنفّذ وصاياه على الأرض. قال لنا : "إنْ عَمِلتُم بِما أوصَيْتُكُم بِهِ كُنتُم أحبّائي ". (يوحنَّا 15/14-15) فليثِقْ كلُّ مسيحي يحبُّ المسيح أنَّ لـه في السماء صديقاً يشفعُ فيه، وهو يسوع ابنُ الله الجالس إلى يمين الله الآب. لا بدّ ليسوع من أن يعمل عمل الله كان يسوع في شرق الأردن. وكان التلاميذ يعرفون أنّ الرؤساء قد حاولوا قتله، فنصحوا لـه بأن يمتنع عن الذهاب إلى اليهوديّة حِفظاً لحياته. أمّا هو فأكّد لهم أنّه ما دام على قيد الحياة فلا بُدَّ له من أن يعمل عمل الله، ولا يوقفه عن مواصلة هذا العمل إلاّ الموت. وعملُ الله هذا هو أن يمجّدَ اسمَهُ تعالى على الأرض، ويُشدّدَ إيمان تلاميذه به بمعجزة تُبرهن لهم وللناس أجمعين على أنّ الله قد أرسله إلى العالم نوراً وهداية. وقد عبّر عن هذه الفكرة الروحيّة بأسلوبٍ رمزي فقال : " أليسَ النهارُ اثنتَيْ عَشْرَةَ ساعةً. فمن سارَ في النهارِ لا يَعثُرُ لأنَّهُ يَرى نورَ هذا العالم. ومَنْ سارَ في الليلِ، يَعْثُرُ لأنَّ النورَ ليسَ فيهِ ". المحادثة بين يسوع و مرتا لمّا وصل يسوع إلى قرية بيت عنيا كان قد مضى على موت أَلِعازر أربعة أيام. فاستقبلته مرتا عند مدخل القرية. وقامت بينه وبينها محادثة قصيرة تضمّنت ثلاث عقائد من أبرز عقائد الدين المسيحي، وهي : العقيدة الأولى : إن الموتى يقومون عند انقضاء الدهر. قال يسوع لمرتا : " سيقومُ أخوكِ ". أجابت : " أعلَمُ أنّه سيقومُ في القيامةِ، في اليومِ الأخِر". كان الشعب اليهودي يؤمن بقيامة الموتى، ما عدا الصدّوقيّين وهم الكهنة خُدّام الهيكل الذين كانوا يرفضونها، ولا يؤمنون بقيامة الأموات. (متّى 22/23) فقدَّمَ لهم يسوع عنها البرهان القاطع. قال لهم : " أمّا أنَّ الأمواتَ يقومون، أفما قرأتُمْ في كتابِ موسى عند ذكر العُليقة، كيف كلّمه الله فقال : " أنا إلهُ إبراهيم وإلهُ إسحق وإلهُ يعقوب " وما كان إلهَ أموات، بل إلهَ أحياء. فأنتُم في ضَلالٍ كبير ". (مرقس 12/26-27) العقيدة الثانية : يسوع هو القيامة والحياة. قال يسوع لمرتا : "أنا القيامةُ والحياة. مَنْ آمنَ بي يحيا، وإنْ ماتَ. ومن يحيَ مؤمِناً بي لا يَمُتْ أبَداً ". لقد أكَّدَ بهذا القول أنَّه يمنح المؤمنين به نوعين من الحياة. - يمنحُ الحياة الطبيعيّة : هكذا فعل عندما أقام من القبر ألِعازر أخا مرتا وأعادَ إليه الحياة الطبيعيّة التي فقدها بالموت. - ويمنحُ الحياة الإلهيّة : إنّ كلَّ من آمن بيسوع نالَ منه الحياة الإلهيّة. إنّ هذه الحياة التي يحصل عليها بقبول المعموديّة تُنعش نفسهُ روحيّاً وتنقله من مستوى عبدٍ لله إلى مقام ابنٍ لله بالتبنّي، وتجعله أخاً للسيد المسيح. ولذلك فإنّ للحياة الإلهيّة شأناً سامياً، فهي الكنز العظيم والجوهرة الثمينة التي يجب على المسيحي أن يضحّي بكلّ شيء في سبيل الحفاظ عليها وإنمائها. (متّى 13/44-46) غير أنّ هذه الحياة الإلهيّة تكون على الأرض مخفيّةً عن عيون الناس. فمتى انتقل المسيحي الصالح بالموت إلى الآخرة ظهرتْ بما فيها من جمالٍ رائع، وفتحتْ لـه باب الملكوت السماوي، فدخله وأقام عند الله تعالى سعيداً مع الملائكة والقدّيسين، وبقيَ يتمتّع بهذه الحياة السعيدة الخالدة مدى الأبديّة. العقيدة الثالثة : يسوع هو المسيحُ ابنُ الله. سأل يسوع مرتا : " أتؤمنينَ بأنّي أنا القيامةُ والحياة ؟ " أجابَت : " بَلَى، رَبِّ، أُومن بأنّكَ المسيحُ ابنُ اللهِ الآتي إلى العالم". لقد عبّرت بهذا الجواب عن عقيدة من أسمى وأعمق عقائد الدين المسيحي. فيسوع هو المسيحُ الذي تنبّأ الأنبياء عن مجيئه، وهو ابنُ الله الواحد الذي جاء إلى العالم ليخلِّص البشريّة الخاطئة. وقد خلّصها من الهلاك الأبدي بحياته وآلامه وموته وقيامته المجيدة أعاد يسوع الحياة إلى أَلِعازر 1- صلاة يسوع : قبل أن يعيد يسوع الحياة إلى أَلِعازر الميت رفع عينَيْه وصلّى. كان على يقين أنَّ أباه السماوي يستجيب صلاته، لذلك شكر له هذه الاستجابة قبل أن يصنع المعجزة. قال : " شُكراً لكَ يا أبتِ، أنَّكَ استَجبتَ لي، وقد عَلِمتُ أنّكَ تستجيبُ لي دائماً ". ثمَّ وجّه كلامه إلى أبيه بصورةٍ أدق فقال : " قُلتُ هذا القول مِنْ أجلِ الجَمعِ المحيطِ بي، لكي يؤمِنوا بأنَّكَ أنتَ أرسلتَني ". فالمعجزة التي كان مُزمِعاً أن يصنعها سوف تكون بُرهاناً قاطعاً على صِدْق رسالته وبنوّته الإلهيّة. 2- معجزة يسوع : وقف أمام القبر وصاح بأعلى صوته:" يا أَلِعازر هلُمَّ واخرجْ ". وتحقّقت على الفور المعجزةُ العظيمة. فخرج أَلِعازر من القبر حيّاً. إنّ الوحدة الإلهيّة القائمة بين الآب والابن هي التي صنعت هذه المعجزة. فلمّا رآها الجمع الحاضر آمنوا بيسوع وبرسالته السماويّة، وكانوا كثيرين : " فآمَنَ به كثيرٌ من اليهودِ إذْ رأَوا ما صنَع". (يوحنَّا 11/45) ووصل خبر هذه المعجزة إلى الرؤساء، فثار ثائرهم، وعقدوا على يسوع مجلساً، وقرّروا قتله والتخلّص منه نهائيّاً. ولا غرابة في ذلك. هكذا يتصرّف الأشرار، ويقاومون تدبير الله الخلاصي في العالم. يسوع حياة المسيحيّين الإلهيّة إنّ معجزة إحياء أَلِعازر لم تحدُثْ مرّةً واحدة فقط، بل تتكرّر طوال الأجيال المتعاقبة، ولكن بصورة خفيّة لا تراها عيون الناس. 1- إنّ المسيحي الذي ارتكب الخطيئة المميتة بمخالفة إحدى وصايا الله مخالفةً قبيحة، تَفْقِدُ نفسُهُ الحياةَ الإلهيّةَ التي حصل عليها بالمعموديّة المقدّسة، فتُصبح "ميتة" روحيّاً. وتبقى ميتة إلى أن يستغفر الله، ويتوب من ذنبه نادماً على ما فعل، ويقبل سرّ التوبة الذي رسمه يسوع لمغفرة الخطايا. 2- يسوع يصنع للمسيحي التائب بوساطة سرّ التوبة (أو سرّ المصالحة) المعجزة الخفيّة التي تنقله من الموت الروحي إلى الحياة الإلهيّة، كما نقل أَلِعازر الميت من الموت الطبيعي إلى الحياة الأرضيّة. إنّ هذا السرّ هو من أجلى مظاهر حنان يسوع على المسيحي الخاطئ. إنّه يعرف أنّ المسيحي إنسانٌ ضعيف كسائر الناس، وأنَّ الشيطان يهاجمه بتجاربه المتلاحقة، فعطفَ عليه وأراد أن يساند ضَعفه بمعجزة خفيّة تُعيد إليه الحياة التي فقَدها بالخطيئة. فمنحَ تلاميذَهُ، ومن بعدهم خُلفاءَهم الأساقفة والكهنة، سلطانَ مغفرةِ الخطايا. قال لهم : " مَنْ غفَرتُمْ لهُ خطاياه تُغفَرُ لهُ، ومَنْ أمسَكتُم عليهِ الغُفران يُمسَكُ عليهِ ". (يوحنَّا 20/23) فمتى غُفِرتْ خطايا المؤمن التائب تدَفَّقت الحياة الإلهيّة من قلب يسوع وعادت إليه، وفسحت له المجال لان يحيا من جديد حياةً إلهيّة تدوم للأبد. لذلك نقول إنّ يسوع هو حياة المسيحيّين الإلهيّة. التطبيق العملي نحن نتصوّر في غالب الأحيان أنّ يسوع عاش وصنع المعجزات ومات ثمّ اختفى عنّا كسائر الأنبياء. إنّ الفرق عظيم بينه وبينهم، حتّى الكبار منهم: 1- إنّ بعض الأنبياء صنعوا المعجزات، ولكنّهم لم يصنعوها بقوّتهم الشخصيّة، بل سألوا الله أن يصنعها بوساطتهم. فاستجاب الله سؤلهم وأجرى المعجزات. أمّا يسوع فقد صنع المعجزات بقدرته الذاتيّة، كالمعجزة التي أحيا بها ابن أرملة نائين، أو باتّحاده البَنَوي، الفائق الوصف، مع أبيه السماوي، كالمعجزة التي أحيا بها أَلِعازر. ولذلك فإنّنا نلتجئ إليه مباشرةً لأنّه يتمتّع بقدرةٍ إلهيّة لا حدود لها. 2- إنّ الأنبياء كلّهم ماتوا، وهم عند الله بعيدون عنّا كلّ البعد. أمّا يسوع فهو باقٍ معنا، ويحتفظ بصداقته لنا. إنّه يُشاطرنا أفراحنا وأحزاننا ويُسرع إلى نجدتنا. 3- إنّ الأنبياء يشفعون فينا عندما نسأل شفاعتهم. إنّ شفاعتهم عند الله شفاعةُ بشرٍ أتقياء يُكرمهم الله. أمّا شفاعة يسوع فهي شفاعةُ ابنِ الله، المولود منه منذ الأزل ولادةً روحيّة لا توصف، لـه المقام الأسمى والأوحد عند أبيه السماوي. فشفاعته لا تُردّ ولا تُخيّب آمالنا. |
||||
25 - 10 - 2014, 05:08 PM | رقم المشاركة : ( 6706 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
قَهَرَ يسوع الشيطان في المجمع
نصّ الإنجيل وجازَ يسوعُ إلى كفرناحوم. فلمّا أَتى السبتُ دَخَلَ المجمعَ وأَخَذَ يُعَلِّم. فدَهِشوا لتعليمِهِ، لأنَّه كانَ يُعَلِّمُهُم مِثْلَ مَنْ لـهُ سُلطان، لا مِثْلَ الكَتَبَة. واتَّفَقَ أنَّه كان في مَجْمَعِهِم رَجُلٌ فيهِ روحٌ نَجِس، فأَخَذَ يَصيح : " ما لَنا ولَكَ يا يسوعُ النَّاصِري ؟ أَجِئتَ لِتُهْلِكَنا ؟ أنا أعرِفُ مَنْ أَنْتَ : أَنْتَ قدّوسُ الله ". فانتَهَرَهُ يسوعُ قال : " اخْرَسْ واخرُجْ منهُ ". فَخَبَطَهُ الروحُ النَجِس، وصَرَخَ صَرْخَةً شديدة، وخَرَجَ منهُ. فدَهِشوا جميعاً وأَخَذوا يتساءلون : " ما هذا ؟ إنَّهُ لَتَعليمٌ جديدٌ يُلقى بسُلطان. حتّى الأَرواحُ النَجِسَةُ يأمُرُها فَتُطيعُهُ ". وذاعَ ذِكْرُهُ بعدَ ذلِكَ في كلَِ مكانٍ مِنَ الجليل. (مرقس 1/21-28) أنقذ يسوع بقدرته الإلهيّة هذا الرجل الممسوس، وأعاد إليه الصحّة والهدوء. وكان قبل أن يصنع هذه المعجزة قد ألقى على الحاضرين خطبة السبت أدهش بها جميع مستمعيه لِما كان فيها من سموٍّ وتعليمٍ جديدٍ رائع. إن التأمّل في هذا الحادث الذي جرى في المجمع يوحي إلينا الأفكار التالية: هدفُ الشيطان استعبادُ الإنسان الخاطئ 1- لم يكتفِ الشيطان بأن يهاجم هذا الرجل بالتجارب ويسعى لجرّه إلى ارتكاب الخطايا، بل دخل فيه واتَّخذه مقرّاً لـه واستعبده واعتبره مُلْكه الخاص. تُرى ماذا عمل هذا الرجل ليكون مسكناً للشيطان وعبداً لـه يتحكّم به كما يريد ؟ إنّنا نجهل هذا الرجل ونجهل ما عمله، ولكنّنا نعرف أنّ من استسلم إلى غوايات الشيطان وخداعه استسلاماً كلّياً فَسَحَ لـه المجال لأن يتجرّأَ ويدخُلَ فيه ويستولي عليه ويستعبده على الأرض ويُلقي به بعد الموت في هوّة الهلاك الأبدي. 2- لذلك نقول إنّ الشيطان، وإنْ كان أقوى من الإنسان وأكثرَ منه ذكاءً لأنه كان ملاكاً لا يستطيع أن يتعدّى حدوده ويتغلّب على الإنسان إلاّ إذا أراد الإنسانُ نفسُهُ بحرّيته وإرادته الشخصيّة أن يكون فريسةً لـه. ويبدو أن هذا الرجل الممسوس قد استسلم بمعرفته وحرّيته الكاملة إلى غواية الشيطان وإغرائه، وعاش عيشة الخطيئة ، ورفض التوبة، فأضحى عبداً للشيطان ومسكِناً له. 3- إنّ الشيطان لا يتجاسر، بعد مجيء المسيح إلى العالم وانتشار الدين المسيحي، أن يستولي على أجساد المعمّدين وإنْ كانوا من الخطأة. ولكنّه يستولي على قلوبهم وأفكارهم ونيّاتهم بالخطايا التي يرتكبونها، فيجعلهم أشراراً، ويتَّخذهم أدواتٍ طيّعة لبثّ الشرّ بوساطتهم في قلوب الناس. وهذا ما نراه في سلوك المعمَّدين الذين نبذوا إيمانهم المسيحي، وتبنََََّوا الإلحاد، أو العادات القذرة، وعاشوا عيشة الخطيئة. فإنهم يصبحون أعوان الشيطان، ويكونون بعد وفاتهم موضوع غضبه في جهنم النار. خطّة الشيطان في خداع الإنسان إنّ هذا الحادث الذي جرى في المجمع يرسم لنا خطّة الشيطان في خداع الإنسان. إنّ الشيطان تملّق يسوع ومدحه. فهو يسلك مع الإنسان الخطّة نفسها التي سلكها مع يسوع، فيتملّقه ويمدحه. إنّه يتملّق الإنسان ويقدّم له نفسه بأنّه صديقٌ له يوحي إليه أفضل الأفكار وخير السبل التي تُحقِّق لـه سعادته الكاملة. إنّها خطّة جهنّمية، هي مزيجٌ من المدح الكاذب والإغراء المثير. وإذا ما أنصت الإنسان إلى أقواله وأقام معه حواراً داخليّاً جرّه الشيطان إلى قبول التجربة وزيّن له الخطيئة ودفعه إلى ارتكابها. إنّ سلوك يسوع مع الشيطان يبيِّن للمسيحي كيف ينبغي لـه أن يتصرّف مع إبليس. لقد أمر يسوع الشيطان بأن يسكت ويخرج من الممسوس، فخرج منه ولم يمسَّه بأذى. إنّ أفضل طريقة يتبعها المسيحي في أثناء التجربة هي أن يقطع مع الشيطان كلّ جدال وحوار، ويمتنع عن الإصغاء إلى خداعه واقتراحاته الخبيثة. فمَنْ جادل الشيطان وحاوره وأصغى إليه كان خاسراً، وسقط في التجربة وارتكب الخطيئة، فشوّه جمال حياته الأرضيّة وفَقَدَ سعادة حياته الأبديّة. دَهَشُ الشعب في المجمع 1- سمِع الشعب تعليم يسوع الرائع ورأى سيطرته على الشيطان فاستولى عليه الدَهَش. لقد دهِشَ أمام قدرة يسوع الفائقة التي جعلت الشيطان أمامه عبداً ذليلاً، وفرضت عليه أن يخرج من جسم الرجل مُرغماً من دون أن يمسَّه بأذى. 2- ودهِشَ أيضاً لمّا سمع تعليم يسوع. كان تعليم الكتبة وعلماء الشريعة تَرداداً لأقوالٍ قديمة وتافهة، تفوّه بها مَنْ سَبَقَهُم مِنْ الكتبة وعلماء الشريعة، فيها الكثيرُ من التعقيد والتناقض والالتباس. أمَّا تعليم يسوع فكان تعليماً شخصيّاً واضحاً قويّاً نيّراً، يدلّ السامعين على الطريق الذي يؤدّي إلى السماء. وهذا ما جعل الشعب يشعر بالفرق العظيم بين المعلّم الإلهيّ والمعلّمين اليهود. فأخذ الحاضرون يتساءلون: " ما هذا التعليم ! إنّه تعليم جديد يُلقيه هذا المعلّم الشاب بسلطةٍ شخصيّة قويّة ". 3- ولا عجب أن يظهر لهم هذا الفرق. فإن تعليم الكتبة كان يدور حول تفسير فرائض بشريّة وخارجيّة، كفرائض ختان الأطفال، والامتناع المُطلق عن العمل في يوم السبت حتى في مجال الخير، وعدم تناول بعض اللُّحوم المعتبَرة نجسة، وضرورة غسل الأيدي قَبْلَ الأكل، وواجب غسل الأباريق والكؤوس والأسرّة (مرقس 7/1-4) . أمّا تعليم يسوع فكان تعليماً جديداً، يتناول ضرورة تتميم واجبات الإيمان والرحمة، والخضوع لإرادة الله، ومحبّ?ة الآخرين، وقبول التضحية في سبيل مجده تعالى. وهذا ما حمل الشعب على أن يتحدّث عنه في مدن وقرى الجليل. التطبيق العملي 1- إن هذه المعجزة تبيّن لنا أن الشيطان عدوُّنا اللَّّدود، وأن يسوع صديقُنا الوفي. فالشيطان يهاجمنا بكلّ ما لديه من قوّةٍ وذكاء ودهاء ومعرفة لمواطن الضَعف البشري فينا. فمن أصغى إلى وساوسه وإيحاءاته الخبيثة وقع حتماً في الفخّ، فاستولى الشيطان على إرادته وقلبه وميوله الداخليّة ودفعه إلى ارتكاب الخطيئة. 2- لا تستغربْ أن تنصبَّ عليكَ تجاربُ الشيطان. لقد جرّب كبار القديسين، ومن أشهرهم مار انطونيوس المصري أبو الرهبان. لقد انتصر على التجارب بقدرة يسوع وعزم إرادته. فطالعْ سيرةَ حياته تتعلّمْ منه كيف تنتصر على خداع إبليس. |
||||
25 - 10 - 2014, 05:09 PM | رقم المشاركة : ( 6707 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أعاد يسوع إلى رجلٍ أخرس ممسوس
القدرة على الكلام نصّ الإنجيل وما إن خرجَ (الأعميان) حتى أُوتيَ يسوعَ بأخرَسَ ممسوس. فلمَّا طُرِدَ الشيطانُ تكلَّمَ الأخرَس، فتَعَجَّبَ الجُموعُ وقالوا : " لَمْ يُرَ مِثْلُ هذا قَطُّ في إسرائيل ! " أمَّا الفرِّيسيُّون فقالوا : " إنَّما يَطرُدُ الشياطينَ بسيِّدِ الشياطين ". (متى 9/32-33) حقد الشيطان على هذا الرجل ما كاد يسوع يَهَبُ البصر لرجلَيْن أعمَيَيْن في مدينة كفرناحوم حتى بادرَ إليه الناس وقدّموا إليه رجلاً أخرس قد استولى عليه الشيطان. فلمّا أخرج يسوع الشيطان تكلّم الأخرس. نحن نتساءل لماذا اختار الشيطان هذا الرجل فصبَّ عليه جامَ حقده ليجعله أخرس مدى الحياة ؟ لا نعلم ...ولكنّنا نعلم أنَّ مَنْ أساءَ استعمال لسانه نال عقاب إساءته. فهل استسلم هذا الرجل إلى سوء استعمال لسانه فسمح الله للشيطان بأن يستولي عليه ويضربه بالخَرَس ؟ قد يكون الأمر كذلك. وقد يكون هذا الرجل ضحيّة حقد الشيطان الذي يُضمِر الشرّ لكلِّ إنسان. إن لِلِسان الإنسان فوائد فرديّة واجتماعيّة ودينيّة كثيرة. فباللِّسان يتّصل بالآخرين، ويعبّر عن عواطفه وأفكاره وآلامه وحاجاته. فمن حُرِمَ اللِّسان شعر بنقصٍ عظيم في حياته الفرديّة والاجتماعيّة، ولا سيّما في حياته الدينيّة، فلا يستطيع أن يشترك مع أخوته المؤمنين في الأناشيد والترانيم الروحيّة التي تسبّح الله. فالشيطان قد حَقَدَ على هذا الرجل، وسكن فيه، ليُبقيَهُ محروماً من جميع أسباب التعزية الفرديّة والاجتماعيّة والدينيّة، ويعزلَه بالخرَس عن أهل بيته وجيرانه، ويخلقَ في قلبه عُقدةً نفسيّة تضعه على هامش المجتمع في جميع مجالات الحياة . هدفُ يسوع تمجيدُ اسم الله لم يشأ يسوع أن يبقى هذا الأخرس ضحيَّةَ حقد الشيطان. فلمّا جاء به أصدقاؤه إلى يسوع وقدّموه إليه أمر الشيطان بأن يخرج منه، فخرج فوراً ومن دون أيّة مقاومة. لقد نفّذ الشيطان بسرعة أمر يسوع لأنّه شاهد في كفرناحوم قَبْلَ مدّةٍ وجيزة المُعجزة التي صنعها فوهب بها البصر لرجلَيْن أعمَيَيْن كانا قد عبّرا عن إيمانهما بأنه المسيح المنتظَر. فعرف الشيطان أنّه أمام قوّةٍ إلهيّة، وأنّه لن يقدر على مقاومتها، فرَضَخَ لأمر يسوع مُرغماً وخرج من الأخرس. كان هدف يسوع أن يمنح هذا الأخرسَ القدرةَ على ممارسة حياة دينيّة سليمة مع أبناء مجتمعه في الصلاة والأناشيد وتلاوة المزامير، لتمجيد اسم الله الأعظم. وقد تمجّد اسمُ اللهِ فعلاً ، إذ قد أثارت هذه المعجزة " السريعة " دهش الحاضرين فصرخوا وهم مُعجبون بقدرة يسوع الفائقة : " ما رأينا قطُّ مِثْلَ هذا في إسرائيل ! " فيسوع لم يعمل شيئاً إلاّ لمجد أبيه السماوي. وهذا ما صرّح به يوماً بكلّ وضوح وهو يصلّي، فقال لأبيه: " إنّي قد مجّدتُكَ على الأرضِ فأتمَمْتُ العملَ الذي وكلتَ إليَّ أن أعمَلَهُ ". (يوحنَّا 17/4) يجب على المسيحي ألاّ يستعمل لسانه إلاّ لتمجيد الله يسوع قدوتنا في كلّ شيء. فعلى المسيحي ألاّ يستعمل لسانه إلاّ لتمجيد الله وتسبيحه. ولكنَّ الواقع يُطلعنا على أن اللّسان سيفٌ ذو حدَّيْن. منه البركة ومنه اللَّعنة، ومنه التسابيح الرائعة، ومنه التجاديف القذرة. وقد شعر القديس يعقوب، كغيره من الناس، بهذه الازدواجيّة وهذا التناقض في استعمال اللِّسان، فوصف لنا في رسالته الجامعة ما يأتيه اللِّسان من خير وما يصنعه من شرّ، فشبَّهه بالدَفَّةِ الصغيرة التي توجّه السفينة الكبيرة، وبلهيبِ النار الذي يَحْرُقُ الغابة الواسعة، وبالسُمِّ الزُعاف الذي ينفُثُ الموت في نفوس أبناء الكنيسة، وبينبوعِ البركة ومصدرِ اللعنة. (رسالة القديس يعقوب الجامعة 3/3-11) ودعانا يسوع أيضاً إلى حُسْن استعمال ألسنتنا لنحقِّق مجد الله، فطلب منّا : 1- أن نترك الكلام للروح القدس الذي يتكلّم بألسنتنا في أوقات الاضطهاد: " فلا يُهِمُّكُم حينَ يُسلِمونَكُمْ كيفَ تتكلَّمون أو ماذا تقولون. فسيُلقَى إليكُم في تلكَ الساعةِ ما تتكلّ?ََمونَ بِهِ. فلَستُمْ أنتُمْ المتكلِّمين، بل روحُ أبيكُمْ يتَكَلَّمُ بألسِنَتِكُمْ" (متى/1019-20) 2- وأن نقول الحقّ ونشهدَ للمسيح بشجاعة وَفْقَ إيماننا : " مَنْ شَهِدَ لي أمامَ الناسِ، أشهَدُ لهُ أمامَ أبي الذي في السماوات. ومَنْ أنكَرَني أمامَ الناسِ، أُنكِرُهُ أمامَ أبي الذي في السماوات". (متى 10/32-33) 3- وأن نتكلَّم كلاماً طيِّباً ونُحجم عن الكلام الرديء : " يا أولادَ الأفاعي، كيفَ لكُمْ أن تقولوا كلاماً طيِّباً وأنتُمْ خُبثاء ؟ فَمِنْ فيضِ القَلبِ يتَكَلَّمُ اللِّسان. الإنسانُ الطيِّبُ مِنْ كنزِهِ الطيِّبِ يُخرِجُ الطيِّب. والإنسانُ الخبيثُ مِنْ كَنزِهِ الخبيث يُخرِجُ الخبيث. وأقولُ لكُمْ إنَّ كلَّ كَلِمَةٍ باطِلَةٍ يقولُها الناسُ يُحاسَبونَ عليها يومَ الدينونة، لأنَّكَ تتزَكّى بكلامِكَ، وبِكلامِكَ يُحكَمُ عليك ". (متى /34-37) 4- وأن نشهد لألوهيّة يسوع فنقول له ما قاله له بطرس : " أنتَ المسيحُ ابنُ الله الحيّ ". (متى 16/16) وهكذا وجّه يسوع كلامنا إلى التعبير عن الحقيقة الموحاة، وصبغه بصبغة الصلاح والتقوى والإيمان، وكلّ ذلك لتمجيد اسم الله الأعظم. رؤساء اليهود رفضوا المعجزة الإلهيّة رأى رؤساء اليهود هذه المعجزة فنسبوها إلى رئيس الشياطين، فقالوا : " إنّما يَطرُدُ الشياطين بسيِّدِ الشياطين". وبتعبير آخر، لم يكن يسوع في نظرهم إلاّ ساحراً اتَّفَقَ مع رئيس الشياطين على خداع الناس. لقد أخرج من الممسوس واحداً من الشياطين برضى رئيس الشياطين وبالاتفاق معه، وهدفُه أن يُبهِرَ الناس، ويُدخِلَ الوهمَ إلى قلوبهم أنَّه مُرسَل من قِبَلِ الله، فيُعلِّمَهُم الضلال ويَقودَهُم في نهاية المطاف إلى طاعة الشيطان. إنّها مؤامرة على المؤمنين البُسطاء نسجَها يسوعُ بموافقة رئيس الشياطين، ونفَّذها في هذا الرجل الأخرس لينزع عنهم إيمانهم بالله ويجعلهم يرضخون لتدبير رئيس الشياطين. بهذه الفِرْية فسَّرَ رؤساء اليهود الأشرار معجزة طَرْد الشيطان من الرجل الأخرس، فكانوا في حقدهم على يسوع أشدَّ شراسةً من حقد رئيس الشياطين نفسه. لقد استعملوا ألسِنَتهم الخبيثة الكاذبة لا لتوطيد الخير، بل لبثّ الشرّ ومعارضة انتشار ملكوت الله بين الناس. هكذا يتصرّف كلّ إنسانٍ شرّير، فيُقاوم خطّة الله، ويمنع نشر الخير بين الناس وهدفُهُ أن يقودهم بكَذِبه إلى نبذِ الإيمان والكُفرِ بالله. التطبيق العملي 1- لقد جعل يسوع الرجل الأخرس، في أيّامه، يتكلّم ويمجّد الله، وهو لا يزال اليوم يؤثّر في قلوب الخطأة الخرساء ويجعلها تتكلّم وتمجّد الله. ولكن كما احتاج الأخرس إلى الأصدقاء ليقودوه إلى يسوع، هكذا يحتاج الخطأة إلى الأصدقاء الأوفياء ليقودوهم إليه. فكُنْ أنتَ واحداً منهم لتقودَ أصدقاءك الخطأة إلى يسوع، فينالون منه الشفاء، ويتكلّمون كلاماً روحيّاً، فيه التسبيحُ والشكرُ لله تعالى. 2- وأنت لا تستعملْ لسانك إلاّ لتسبّح الرَّب، فلا تتفوّهْ أبداً بكلامٍ قبيح يتنافى مع قداسة الميرون الذي دُهِنَ به لسانُك يومَ قبلت المعموديّة. فما أبشعَ لسانَ المسيحي عندما يقذف المسبّات والتجاديف والأقوال الكاذبة والحلفان المستمرّ باسم الله ! 3- نصح لنا بولس الرسول بأن نستعمل ألسِنَتَنا لنُنشد لله الأناشيد الروحيّة التي تسبّحه وتمجّده قال: " وليكُنْ حديثُكُم تلاوةَ مزاميرَ وتسابيحَ وأناشيدَ روحانيَّة. رتّلوا وسبّحوا للربّ من صميمِِ القلب، واحمَدوا اللهَ حمداً دائماً على كلِّ شيءٍ باسمِ ربِّنا يسوع المسيح ". (أفسس 5/9-20) إنّ هذه النصيحة قد حملت المسؤولين في الكنائس على إنشاء جوقات التراتيل لتنشِد لله الأناشيد الروحيّة في أثناء القدّاس وفي أثناء اجتماعات الأخويّات الدينيّة. فإذا حباكَ الله صوتاً جميلاً فلا تستنكفْ من الانضمام إلى هذه الجوقات لتساهم مع أعضائها في رفع المستوى الاحتفالي للقداديس والاجتماعات الكنسيّة. |
||||
25 - 10 - 2014, 05:11 PM | رقم المشاركة : ( 6708 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
شفى يسوع ابنة المرأة الكنعانيّة نصّ الإنجيل ثمَّ خَرَجَ يسوعُ مِنْ هناك وذَهَبَ إلى نواحي صورَ وصيدا. وإذا إمرأةٌ كنعانيّةٌ خارِجَةٌ مِنْ تِلكَ البلادِ تصيحُ : " رُحماكَ سيِّدي ! يا ابنَ داود ! إنَّ ابنَتي يَتَخَبَّطُها الشيطانُ تَخَبُّطاً شديداً. فلَمْ يُجِبْها بِكَلِمَة. فدنا تلاميذُهُ يتوسَّلونَ إليهِ فقالوا : " أجِبْ طَلَبَها واصرِفْها، فإنَّها تَتْبَعُنا بصياحِها ". فأجابَ : " لَمْ أُرسَلْ إلاّ إلى الخِراف الضالَّةِ مِنْ آلِ إسرائيل ". ولَكِنَّها وصَلَتْ إليهِ فَسَجَدَتْ لـهُ وقالتْ : " أَغِثْني سيِّدي ! ". فأجابَها : " لا يَحسُنُ أن يؤخَذَ خُبزُ البَنينَ فيُلقى إلى جِراء الكِلاب ". فقالَتْ : " رُحْماكَ سيِّدي ! حتّى جِراءُ الكِلابِ تأكُلُ مِنَ الفُتاتِ الذي يتساقَطُ عن موائدِ أصحابِها ". فأجابَها يسوع : " ما أعظَمَ إيمانَكِ أيَّتها المرأة. فليَكُنْ لكِ ما تُريدين ". فَشُفيَتْ ابنَتُها مِنْ ساعتِها. (متّى 15/21-28) الخُبز للبنين لا لصغار الكلاب 1- ترك يسوع لمدّةٍ قصيرة أرض فلسطين، وأخذ يتجوّل في المنطقة اللبنانيّة الواقعة بين مدينَتَيْ صور وصيدا. وكان سُكّانها مِن الوثنيّين. وكانت أخبار معجزات يسوع قد وصلت إليهم وعرف الكثيرون منهم أنّه ابنُ داود المسيحُ المُنتظَر، ومن بينهم امرأةٌ كنعانيّة كانت تسكن هناك. فطلبت إليه أن يشفيَ ابنتها الممسوسة فأجابها : " لا يَحسُن أن يؤخَذَ خُبزُ البنين ويُلقى إلى صغارِ الكلاب ". لقد فهمت معنى كلامه. فالبنون هم اليهود، والكلاب الصغيرة هم الوثنيون. فالمعجزات التي يصنعها يسوع معدّة لليهود لا للوثنيّين . 2- لقد جاء يسوع ليهديَ أوَّلاً الشعب اليهودي الضالّ، ويُضرم في قلوب أبنائه عواطف الإيمان والتوبة والمحبّة لله، ويُنقذهم من سلاسل الفرائض اليهوديّة الحديديّة التي كانت تشدّهم إلى الأرض، وتمنعهم من أن يرفعوا رؤوسهم إلى العلاء ليقدّموا لله العبادة الصحيحة. ولذلك كانوا بحاجة إلى المعجزات الكثيرة التي تنبّه أفكارهم وتذكّرهم بواجباتهم الدينيّة تجاه خالقهم وربّهم. 3- غير أن يسوع لا ينسى الوثنيّين ولا يهملهم، فإنّ لهم مكانهم المحدّد في مخطّطه الخلاصي. فسيأتي يوم يرسل إليهم تلاميذه ليطلعوهم على طريق الخلاص، ويهدوهم إلى الإيمان والتوبة. ولذلك فإنّ كلامه لا يتضمّن أيّة إهانةٍ للمرأة الكنعانيّة ولا للوثنيّين عموماً، ولكنّه يعرض، بأسلوبٍ شعبيٍّ شائع يفهمه الجميع، المخطّط الإلهي الذي رسمه لليهود أوّلاً ثمّ للوثنيّين من بعدهم. ما أعظمَ إيمانَكِ أيتها المرأة كان جواب المرأة الوثنيّة مفعماً بالإيمان. لقد آمنت بمخطّط الله وقبلت أن يكون لليهود الأفضليّة في مسيرة الخلاص. ولكنّ هذه الأفضليّة لن تحرم الوثنيّين من أن يسيروا هم أيضاً في الطريق الذي يؤدِّي بهم إلى الخلاص الأبدي. قالت ليسوع: " نعم يا رب. ولكنّ الكلابَ الصغيرةَ تأكُلُ مِنَ الفُتات الذي يتساقط مِنْ موائدِ البنين". كان معنى كلامها هو أنّ المعجزات الكبرى لليهود، والمعجزات الصغرى التي لا يراها أحد ولا يشعر بها هي للوثنيّين، ومن بينها المعجزة التي تطلبها لابنتها. لا شكَّ في أنّ جواب المرأة يدلّ على ذكائها الحادّ وتواضعها العميق، ولكنّه يُظهر بصورةٍ جليّة إيمانها الرائع بشخص يسوع وقدرته الإلهيّة على قهر الشيطان، وبمخطّطه الإلهيّ في خلاص البشر. وهذا ما أدهش يسوع فصاح : " ما أعظمَ إيمانَكِ أيّتها المرأة ". وكافأ إيمانها فقال لها : " فليكُنْ لكِ ما تُريدين ". فكانت المكافأة أنّ الشيطان قد خرج من ابنتها، فعادت إليها الصحّة وأصبحت فتاةً طبيعيّة. إنّ هذه المعجزة التي شبّهتها المرأة الكنعانيّة بالفُتات التي يتساقط من موائد البنين تدلّ على أمرين هامّين، وهما سيطرة يسوع التامّة على القوّات الشيطانيّة، ومفعول الإيمان الحيّ في النفوس. سيطرة يسوع على القوّات الشيطانيّة كان الشيطان ملاكاً قبل أن يتمرّد على الله ويهبط من السماء. ولمّا انقلب شيطاناً لم يفقِدْ ذكاءه ولا قوّته، بل وجّه ما لديه من ذكاء وقوّة إلى نشر الشرّ في العالم وأذى البشر. إنّ الطريقة الناجعة لديه ليؤذي بها البشر هي أن يسكن في أجسادهم ويعذّبهم من دون هوادة. فهو يختار من البشر مَنْ يعيشون في الوثنيّة أو في جوٍّ مُفعَمٍ بفساد الأخلاق. ووقع اختياره على هذه الفتاة الصغيرة لأنها كانت تُقيم مع والدَيْها في منطقة مشهورة بعدم إيمانها وفساد أخلاقها. ولمّا لم يكن الشيطان يدري أنّ يسوع سوف يأتي يوماً إلى هذه المنطقة، فقد اطمأنَّ إلى دوام إقامته في جسمها وإلى الحرّية التي كانت تسمح له بأن يعذّبها باستمرار. وأتى يسوع إلى هذه المنطقة واستجاب طلب المرأة إكراماً لِما أبدتْهُ من إيمانٍ وتواضع، فأمرَ الشيطان بالخروج من جسم ابنتها، وهو بعيد عن الفتاة الممسوسة، ومن دون أن يتفوّه بكلمة. فأطاع الشيطان أمر يسوع وهو صاغر، ولم يستطع أن يُبدي أيّة مقاومة لأنّ إرادة الرب الإلهيّة تسحق سيطرته وتحطّم عناده وتجبّره. مفعول الإيمان الحيّ في النفوس 1- الإيمان بيسوع الإله أساسُ الحياة المسيحيّة: عالج بولس الرسول موضوع الإيمان في رسالته إلى الرومانيّين (1/16-17) وفي رسالته إلى الغلاطيّين (3/6-7) . فبيّن بطريقة جليّة أنّ الإيمان بيسوع يؤدّي بنا إلى الخلاص، ويُنقذنا من سيطرة الخطيئة وعبوديّة إبليس، ويحرّرنا من قيود الفرائض اليهوديّة، ويسمو بنا فيجعلنا أبناء الله. فلا خلاص ولا حياة روحيّة سليمة من دون الإيمان بألوهيّته وحنانه وشفاعته لدى الله أبيه السماوي. 2- الإيمان الصحيح هو الإيمان الحيّ: ولا بدّ لنا من أن نفهم ما هو الإيمان الصحيح الذي تحدّث عنه بولس الرسول في رسالتَيْه، وأشار إليه القديس يعقوب في رسالته الجامعة. إنّ الإيمان الصحيح هو الإيمان الحيّ، أيْ الإيمان العامل بالمحبّة (غلاطية 5/6). وأكثر ما يخشاه الشيطان هو هذا الإيمان الحيّ في نفس المسيحي. لا شكَّ في أنّ الشيطان يؤمن بوجود الله (يعقوب 2/19). ولكنّ إيمانه إيمانٌ ميّت، أيْ لا محبّة فيه إطلاقاً، بل إيمانُ الخليقة الحاقدة على الله والمتمرّدة عليه. لذلك يبقى الشيطان خليقةً مرذولة، لا يستطيع أن يستعيد مكانته الملائكيّة التي فقدها في السماء عند الله لأنّه يرفض رفضاً قاطعاً أن يفتح قلبه لحبّ الله وحبّ مخلوقاته البشريّة. فالمسيحي الذي يكتفي بالإيمان الميّت، أيْ من دون أن يشعرَ قلبُهُ بحبّ الله وحبّ الآخرين، يكون إيمانه كإيمان الشيطان، فلا يُفيده شيئاً للحياة الأبديّة. فإذا أردنا أن نسمع من يسوع القول الذي قاله للكنعانيّة : " ما أعظمَ إيمانَكَ أيُّها المسيحي " وجب علينا أن نحيا حياة الإيمان الحيّ المقرون بأعمال المحبّة. المرأة الكنعانيّة مثالٌ لنا في إقامة الصلاة لم تكن المرأة الكنعانيّة مثالاً لنا بإيمانها فقط، بل بصلاتها أيضاً. لقد امتازت صلاتها بأربع فضائل، وهي الإلحاح والتواضع والثقة والإيمان. فإذا راجعنا أنفسنا نرى أنّ صلاتنا تتّصف بالضجر أو الكبرياء أو عدم الثقة أو ضعف الإيمان. وقد نصح لنا بولس الرسول أن نلتجئ في إقامة الصلاة إلى نجدة الروح القدس. (رومة 8/26) التطبيق العملي 1- لا تقوم صلاة يوم الأحد بأن نحضر القدّاس ونحن جامدون في الكنيسة كالأصنام، بل أن نشترك فيه اشتراكاً حيّاً مع المسيح الذي يقدّم ذاته لأبيه السماوي ذبيحةً غير دمويّة، فنسبّح الله ونمجّده، ونسجد لـه ، ونندم على خطايانا ونستغفره، ونطلب إليه المعونة لعمل الخير، والحفاظ على نقاء النفس، والسيطرة على إغراء الخطيئة، والقدرة على ممارسة الفضائل المسيحيّة، ولا سيّما المحبّة. 2- الصلاة الحقّة تنبع من القلب. فإنّ الصلاة التي نتلوها من الشفاه فقط، صلاةٌ فارغة لا ترتفع إلى الله ولا تسبّحه، ولا تأتي بأيّة فائدةٍ روحيّة لنفوسنا. فلنصلِّ بإيمان وتواضع وعاطفة صحيحة ورغبة صادقة في تمجيد الله تعالى. |
||||
25 - 10 - 2014, 05:12 PM | رقم المشاركة : ( 6709 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
شفى يسوع رجلاً ممسوساً أعمى وأخرس
نصّ الإنجيل وجيءَ إلى يسوع برَجُلٍ مَسَّهُ الشيطانُ أعمى وأخرَس. فشفاهُ حتّى تكَلَّمَ الأخرَسُ وأبصَر. فدَهِشَ الجموعُ كُلُّهُم وقالوا : " أليسَ هذا ابنَ داود ؟ " وسَمِعَ الفرّيسيّونَ كلامَهُم فقالوا : " إِنَّما هذا يَطْرُدُ الشياطينَ بِبَعْلَ زَبولَ رئيسِ الشياطين ". فعَلِمَ يسوع أفكارَهُم فقالَ لهُم : " كُلُّ مملَكَةٍ تَنقَسِمُ تَخْرَب، وكُلُّ مَدينةٍ أو بيتٍ ينقَسِمُ لا يَثبُت. فإنْ كان الشيطانُ يَطرُدُ الشيطانَ فقدِ انقَسَم، فكيفَ تثبُتُ مَمْلَكَتُهُ ؟ وإنْ كنتُ بِبَعلَ زَبولَ أطرُدُ الشياطين، فبِمَنْ يَطرُدُهُ أبناؤُكُم ؟ لذلك هُمْ سيحْكُمونَ عليكم. وأمّا إذا كنتُ بروحِ اللهِ أطرُدُ الشياطين، فقد وافاكُمْ ملكوتُ الله. أَنَّى لأحَدٍ أنْ يدخُلَ دارَ الرَجُلِ القويِّ ويَنهَبَ أمتِعَتَهُ، إذا لم يوثِقْ ذلك الرجلَ القويَّ أوّلاً، ثمَّ يَنهَبُ بعدئذٍ دارَهُ " (متى 12/22-29) قال الجمع : أليسَ هذا ابن داود جاء الناس إلى يسوع برجلٍ قد استولى عليه الشيطان، وسألوه أن يخرجه منه. وكان الرجل أعمى وأخرس. لقد دخل الشيطان في جسم هذا الرجل فعقد لسانه، وسدل على عينَيْه حجاب العمى، فحرمه رؤية جمال مخلوقات الله، ومنعه من الترنيم بحمده تعالى مع جماعة المؤمنين في اجتماعات الصلاة. وتطلّع يسوع إلى هذا المسكين فرئف به، وأخرج منه الشيطان وأعاد إليه البصر والكلام، فأخذ الرجل يرى ويتكلّم، واستطاع منذ ذلك اليوم أن يعيش بين الناس عيشةً كريمة تليق بمقامه الحرّ المخلوق على صورة الله ومثاله. صنع يسوع هذه المعجزة أمام جمهور الشعب، فدهِشَ جميعُهُم، وأخذوا يتساءلون في ما بينهم : " أليسَ هذا ابنَ داود، المسيحَ الذي نحنُ ننتَظرُ مجيئهُ ؟ " لقد كانوا على حقّ عندما طرحوا هذا السؤال على أنفسهم. فالمعجزة التي صنعها يسوع كانت عظيمة قهرت بلحظةٍ واحدة قوّة الشيطان الجهنّميّة، وأظهرت أنّ يسوع هو المسيح الذي يفوق جميع الأنبياء بسلطته وتفوّقه على الأرواح الشريرة. إنّما هذا يطردُ الشياطين ببعلَ زبول رئيسِ الشياطين رأى الكتبة والفرّيسيّون هذه المعجزة فنسبوها لا إلى قدرة يسوع الإلهيّة، بل إلى سلوكه الخدّاع الذي حمله على أن يأتَمِرَ مع رئيس الشياطين ليُدخِلَ الضلال إلى قلوب الناس. قالوا : " إنّما هذا يطرُدُ الشياطينَ ببعلَ زَبول رئيسِ الشياطين ". فردَّ يسوع عليهم هذه التهمة الباطلة بثلاثة أجوبة قاطعة أفحمهم بها وبيّن حقدهم وحسدهم. قال في الجواب الأوّل : كلُّ مملكةٍ تنقسم على نفسها تنهار. فإذا كان رئيس الشياطين يطرد الشياطين فإنّ مملكته تنقسم على نفسها وتنهار. ولذلك، فإنّه حرصاً على وحدة مملكته وثباتها لا يرضى بان يطرد أعوانه الشياطين من أجسام الناس. فالتهمة إذاً تهمة باطلة. وقال في الجواب الثاني : إنّ بينَكم كتبةً وفرّيسيّين من أبنائكم يقومون بطرد الشياطين من أجسام الممسوسين. فهل يلتجئون للقيام بهذا العمل إلى رئيس الشياطين أم إلى قدرة الله ؟ ألا تقولون إنّهم يلتجئون إلى قدرة الله ؟ فلماذا تقولون إنّهم يلتجئون إلى قدرة الله، وتتّهموني بأني ألتجئ إلى رئيس الشياطين ؟ إنّ قولكم هذا دليل على أنّ حُكْمَكم المُتَحيِّز حكمٌ باطلٌ وضالّ، لا يقبل به أحد، حتّى ولا أبناؤكم الذين يسعون لإخراج الشياطين. وقال في الجواب الثالث : إنّي صنعت للرجل صنيعاً حسناً، فشفيته وأعدْت إليه كرامته الإنسانيّة المهدورة. وهذا برهان على أنّي قد أخرجت الشياطين بروح الله الساكن فيَّ. فعملي هذا إشارةٌ واضحة إلى أنّ ملكوت الله قد أخذ ينتشر بينكم فافتحوا له قلوبكم، ودعوه يدخل إلى نفوسكم، ليزيح عنها الحقد والحسد، ويضع مكانهما الإيمان ومحبّة الحقيقة. بهذه الأجوبة الثلاثة بيّن لهم أنّهم يتعامَوْن عن رؤية الحقيقة الناصعة، ويتصرّفون تحت تأثير الحقد والحسد، فيرفضون الإيمان بان يسوع هو المسيح المنتظَر الذي جاء إلى العالم ليخلّص البشرية الواقعة تحت سيطرة إبليس. حالة الخاطئ تشبه حالة الممسوس إنّ من استسلم إلى الخطيئة وعاش فيها كان شبيهاً بالرجل الممسوس. فالعاهات الثلاث التي حلّت به، وهي العبوديّة والعمى والخرَس، تحِلّ بالخاطئ العنيد 1- العبوديّة : إنّ الخاطئ عبدٌ للشيطان يرزح تحت نير عبوديّته. إنّ هذه العبوديّة، وإنْ كانت غير محسوسة ولا مَرْئيّة، عبوديّةٌ واقعيّةٌ ومُرّة، ولها نتائجها الوخيمة. فإذا مات، وكان في الدنيا عبداً للشيطان، بقيَ عبداً له في الآخرة، فحُرِمَ مشاهدةَ الله السعيدة، وأُلقيَ في هوّة الهلاك، تعذّبه الشياطين بلا هَوادة مدى الأبديّة. 2- العمى : إن الخاطئ أعمى، لا يُبصر قذارة نفسه، ولا شناعة الخطايا التي تُهين جلال الله تعالى، ولا مساوئ الشهوات البشريّة الفاسدة التي تؤذيه في ماله وجسده وسمعته بين الناس. وهذا ما يجعله أعمى قابعاً في بؤرة الآثام لا يخرج منها. 3- الخرَس: وهو أخرَس، لا يسبّح الله مع إخوته المؤمنين الصالحين ولا يتكلّم معهم. وإذا ما تكلّم فإنّه يتكلّم مع رفاق السوء ليتابع وإيّاهم مسيرة الخطيئة، ويسعى معهم للعثور على فُرَص التمتّع بالملذّات المحرّمة. فالخاطئ عبدٌ للشيطان أعمى وأخرس لا يتمتّع برؤية جمال الفضيلة الرائع، ولا يترنّم بأناشيد المحبّة التي يُنشدها الأبرار مدى الأبديّة في الحياة السعيدة. يسوع يُنقذ الخاطئ من عبوديّة الشيطان عمل يسوع للرجل الممسوس عملاً رائعاً، فأنقذه من عبوديّة الشيطان وعمى العَيْنَين وعقدة اللِّسان. وهو يعمل اليوم للخاطئ أكثرَ مِمَّا عمله في الماضي للرجل الممسوس. إنّه لا ينتظر مَنْ يجيء بالخاطئ إليه ويطلب منه الشفاء، بل يأخذ المبادرة من تلقاء نفسه، ويأتي إليه ليُنقذه من عبوديّة الشيطان، ويُزيل عنه عمى القلب وعقدة اللِّسان، ويجعله ينعم مع سائر المؤمنين بكرامة أبناء الله. وهذا ما أشار إليه بوضوح مثلُ الراعي الذي انطلق إلى البرّية وأخذ يبحث عن الخروف الضالّ. فلمّا عثر عليه حمله على كتفَيْه، وجاء به إلى البيت، وفرِحَ به مع أصدقائه لأنه أنقذه من الموت. يقول يسوع للخاطئ : لا تيأسْ. أنا أقوى من الشيطان أراد يسوع أن ينعش في قلب الخاطئ الإيمان بقدرته الإلهيّة والرجاء في الحصول على أسباب الخلاص، فأكّد لـه بأسلوبٍ شعبي ولغةٍ قِتالية أنّه أقوى من الشيطان، وأنّه قادر على إنقاذه من سيطرة إبليس ، فلا داعي للخوف واليأس. قال : مَنْ كان قويّاً ومتحصّناً في بيته لا يقوى عليه إلاّ مَنْ كان أقوى منه. فهذا الأقوى يُهاجمه في داره، ويُكبّله بالقيود، وينزع عنه أسلحته، ويستولي على أمتعته، ويطرده من مسكنه. فالقويّ هو الشيطان الذي استولى على جسم الخاطئ واتّخذه مسكناً لـه، وتحصّن فيه بأسلحته الشيطانيّة، واطمأنّ إلى سُكناه الدائم فيه. ولكنّ يسوع أقوى منه، فإنّه يهاجمه في بيته بأسلحته الإلهيّة، ويسيطر عليه، ويكبّله بالقيود الأبديّة، وينزع عنه أسلحته ، ويطرده من جسم هذا الإنسان، ويلقيه في الهوّة الجهنّميّة، ويحرّر الخاطئ من طغيانهِ ، ويجعله ينعم بالراحة والحرّية والسعادة الدائمة. ولذلك يقول للخاطئ : " لا تيأسْ. أنا يسوع مخلّصك أقوى من الشيطان". (متى 12/29) التطبيق العملي 1- إذا صادفتَ أعمى وأخرس قلتَ في نفسك : ليس لهذا الإنسان حظٌّ في الحياة لأنّه يعيش في الظلام ولا يقوى على التعبير عن حاجاته وعواطفه. فهل الخاطئ المتمسّك بخطاياه أسعدُ منه حظّاً ؟ أقمْ مقابلة بينهما وبيّنْ أيُّهما اكثر بؤساً. 2- إنّ التخلّص من العمى والخَرَس يكاد أن يكون مستحيلاً، حتى مع تقدّم الطبّ والعلوم الطبيعيّة. ولكنّ يسوع وضع تحت تصرّف الخاطئ وسائل متعدّدة ليُنقذه من عمى القلب وعقدة اللِّسان، ومِنْ أبرزها التأمُّل في الإنجيل، والصلاة الجماعيّة والفرديّة، وقبول سرّ التوبة، وطلب شفاعة أمّنا مريم العذراء. أوضحْ أنّ هذه الوسائل الروحيّة تنقذ الخاطئ من عماه وخرَسه. |
||||
25 - 10 - 2014, 05:13 PM | رقم المشاركة : ( 6710 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
شفى يسوع مُقعَدَ بركة بيت حِسْدا
نصّ الإنجيل وبَعدَ ذلكَ كان أحدُ أعيادِ اليهود، فصَعِدَ يسوعُ إلى أورَشَليم. وفي أورَشَليمَ عِندَ بابِ الغَنَم بِركَةٌ، يُقالُ لها بالعِبريّة بيتَ حِسْدا، ولهها خَمْسَةُ أروِقَة. وكانَ يضَّجِعُ في الأروِقَةِ كثيرٌ مِنَ المَرضى بينَ عُميانٍ وكُسحانٍ ويابسي الأَعضاء ينتَظِرونَ فوَرانِ الماءِ، لأنَّ ملاكَ الربِّ كانَ يَنْزِلُ في البِركَةِ حيناً بَعدَ آخَر فَيَفورُ الماء. فكانَ الذي يَسْبِقُ إلى النُّزولِ بَعدَ فَوَرانِ الماءِ يُشفى مَهما تَكُنْ عِلَّتَهُ. وكانَ هُناكَ رَجُلٌ عَليلٌ منذُ ثمانٍ وثلاثينَ سَنَة. فرآهُ يسوعُ مُضَّجِعاً، فعَلِمَ أنَّ لَهُ مُدَّةً طَويلَةً على هَذِهِ الحال فقالَ لَهُ : " أَتُريدُ أنْ تُشفى ؟ " فأجابَ العَليل : " سيِّدي، ليسَ لي مَنْ يَغُطُّني في البِركَةِ عِندَما يَفورُ الماء. وإذا حاولتُ الذَهابَ إليها، سَبَقَني غَيري إلى النُّزول ". فقالَ لَهُ يسوع : " قُمْ فاحْمِلْ فِراشَكَ وامشِ ". فشُفيَ الرَجُلُ مِنْ ساعَتِهِ، فحَمَلَ فِراشَهُ ومشى. وكانَ ذلِكَ يومَ السَبت. فقالَ اليهودُ للّذي شُفي : " هذا يومُ السَبتِ، فلا يَحِلُّ لكَ أن تَحمِلَ فِراشَكَ ". فأجابَهُمْ : " إنَّ الذي أبرأَني قالَ لي: احمِلْ فِراشَكَ وامشِ ". فسألوهُ : " مَنِ الرَجُلُ الذي قالَ لَكَ : احمِلْ فِراشَكَ وامشِ ؟ " وكانَ الذي برِئَ لا يَعرِفُ مَنْ هوَ، لأنَّ يسوعَ توارى بينَ الجَمْعِ المُحْتَشِدِ هُناك. ولَقيَهُ يسوعُ بَعدَ ذلِكَ في الهَيكَلِ فقالَ لَهُ : " قَدْ تَعافَيْتَ، فلا تَعُدْ إلى الخَطيئةِ لئلاّ تُصابَ بأَسوأ ". فَذَهَبَ الرَجُلُ إلى اليهود، فأخبَرَهُمْ أنَّ يسوعَ هوَ الذي شَفاه. فأَخَذَ اليهودُ يضطهدون يسوع لأنَّهُ كانَ يَفعَلُ ذلِكَ يومَ السبت. فقالَ لَهُمْ : " إنَّ أبي ما يَزالُ يَعْمَل، وأنا أعمَلُ أيضاً ". فاشتَدَّ سَعيُ اليهودِ لقَتْلِهِ، لأنَّهُ لم يَقتَصِرْ على استِباحَة السَبت، بَلْ قالَ إنَّ اللهَ أبوهُ، فَساوى نَفْسَهُ بالله. (يوحنَّا 5/1-18) بركة بيت حِسدا العجائبية مدينة أورشليم مدينة مقدّسة، كان فيها هيكلُ الله، وكانت فيها بركةٌ عجائبيّة يشفي ماءُها المرضى، تُسمّى "بركة بيت حِسْدا". وكان حولَها مرضى كثيرون ينتظرون الشفاء من أمراضهم عندما يفور ماء البركة. وكان بين هؤلاء المرضى رجلٌ مُقعدٌ، مُتمدّد على طرف البركة منذ زمانٍ طويل. لم يكن للمُقعد إنسانٌ يساعده إنّ قصّة هذا المُقعد قصّةٌ مؤلمة. من قرأها وتأمّل فيها بإمعان تبيّن له أنّ هذا الرجل قد استسلم في فتوّته وشبابه إلى الخطيئة، ، وثقُل عليه المرض، وأصابه الفالج فأضحى كسيحاً. وهذا ما أشار إليه يسوع عندما قال لـه : "لا تَعُدْ إلى الخطيئة". والفالج مرضٌ يصعب الشفاء منه، فنقله الناس إلى هذه البركة، فتمدّد على طرفها، وفي قلبه الأمل أن ينال من السماء الفرج والرحمة. وجاء يسوع في أحد السبوت إلى البركة، فوقع بصره على هذا المقعد وقد بدت على وجهه وشعره علامات الشيخوخة. فعرف منه أنّ المرض قد أصابه منذ ثمانٍ وثلاثين سنة. فطرح عليه هذا السؤال : " أتُريد أن تُشفى؟" فأجابه المقُعد بحسرة: " ليس مَنْ يغُطُّّني في البركة عندما يفور الماء "، لقد طرح يسوع عليه هذا السؤال لأنّه قرّر أن يشفيه. نال المُقعد العقاب العادل لمَّا عرف يسوع أن هذا الرجل قد قضى هذا الزمان الطويل وهو طريح على طرف البركة، وانّه نال العقاب العادل، أشفق عليه وقال لـه : " قُمْ، احمِلْ فراشَكَ وامشِ ". وشعر الرجل بأنّ عضلات رجليه قد تشدّدت فقام على الفور وطوى الفراش ووضعه على كتفه ومشى. ولم ينتبه الناس إلى المعجزة التي حصلت. ولكنّهم رأوه يحمل فراشه يومَ السبت فصرخوا به، ونهوه عن حمله. قالوا له : " اليومَ سبت، والعمل فيه ممنوع، فلا يحلّ لك أن تحمل الفراش ". فأعلمهم أنه كان مقعداً فشُفيَ، وأنّ الرجل الذي شفاه قد أمره بأن يحمل فراشه، ويذهب به، وهو يجهل مَنْ هو هذا الرجل. عِقاب التمادي في ارتكاب الخطيئة ورأى يسوع المُقعد في الهيكل بعد بضعة أيام فقال له : " ها قد عُوفيت، فلا تَعُدْ إلى الخطيئة لئلاّ يُصيبَكَ عقابٌ أشدّ". إنّ من احتقر أوامر الله، وطمع في رحمته تعالى، فاستسلم إلى شهوات نفسه، وتمادى في ارتكاب الخطيئة كان خاسراً. وخسارته هي أنّ العِقاب الذي يحلّ به للمرّة الثانية يكون أشَد من العِقاب الذي حلّ به للمرّة الأولى. ولذلك حذّره يسوع من العودة إلى الخطيئة والتمادي في ارتكابها. فإنّ الله أسمى من أن يتعرّض الإنسان إلى جلالته، فيحتقرها ويوجّه إليها الإهانة عن طيشٍ أو عن كبرياء. الله حنون وعادل إنّ الله حنونٌ وعادل على السواء. هو حنون ينسى الخطيئة ويغفِرها لمَنْ يتوبُ منها ويرجع إليه تعالى نادماً مسترحماً. وهو عادل يحاسب مَنْ يرتكبها ويعاقبه، ولا سيّما إذا استسلم إليها من دون رادع ورفض التوبة وإصلاح سيرته الفاسدة. ويكون العِقاب أحياناً في هذه الدنيا بضربات قاسية، كالضربة التي حلّت بهذا المُقعد فطرحته على طرف البركة مدّة ثمانٍ وثلاثين سنة، معرّضاً للبرْد والحرّ والجوع والعطش، ومقيّداً بقيود مرض الفالج الأليم. ويؤجّل العِقاب في معظم الأحيان إلى الآخرة. والفرق بين عقاب الدنيا وعقاب الآخرة، هو أن عِقاب الدنيا يكفّر عن الخطايا ويُزيل آثارها إذا ندم الإنسان الخاطئ على ما فعل، وتحمّل شدائد الحياة باستسلام إلى إرادة الله العادلة. أمّا عِقاب الآخرة، وهو رهيبٌ جداً، فلا يكفّر عن الخطايا، بل يبقى عذاباً مستمرّاً يدوم مدى الأبديّة، لأنّ من مات ولم يتُبْ من ذنوبه وهو في هذه الدنيا، تمسّك في الآخرة بعِناده وعدم توبته، على الرّغم من العقاب الذي يتحمّله، ولن يستغفر اللهَ أبداً. يسوع يعمل باستمرار على غرار أبيه السماوي عر ف رؤساء اليهود من المُقعد الذي شُفي أنّ يسوع قد شفاه وأمره بأن يحمل فراشه في يوم السبت، فحقدوا عليه لأنه بإصدار أمره قد خالف شريعة راحة يوم السبت، فهاجموه وجعلوا يضطَهدونه. فكان جواب يسوع لهم جواباً قاطعاً قال: "إنّ أبي يَعمَل، وأنا أيضاً أعمَل" (يوحنَّا 5/17) أيْ إنّ أبي السماوي الذي سنّ شريعة راحة يوم السبت لا يخضع لهذه الشريعة لأنّه سيّدُها. إنّه يعمل باستمرار، فيخلُقُ البشر حتّى في يوم السبت، ويعتني بهم من دون انقطاع. وأنا أقتدي به فأعمل الخير باستمرار من دون انقطاع، وعلى مثاله لا أخضع لشريعة راحة يوم السبت. وفهم رؤساء اليهود أنّ يسوع قد أكّد لهم أنّ الله أبوه، وانّه إلهٌ كأبيه السماوي. ولذلك فهو يتصرّف على غراره بحرّية تامّة ولا يتقيّد بقيود الشريعة. فاشتدّ حقدهم عليه لأنّه لم يقتصر على مخالفة شريعة راحة يوم السبت، بل كان يقول إنّ الله أبوه، ويساوي نفسه بالله. ولكنّهم لم يفهموا أنّ المعجزة التي صنعها كانت تأييداً لصِدْقِ قوله التطبيق العملي 1-الخطيئة هي مخالفة إرادة الله، وازدراء حبّه الإلهي. ولذلك فإنَّ الله يُعاقب من يرتكبها ويتمسّك بها معاقبةً شديدة. وتبدأ المعاقبة أحياناً على الأرض. اقرأْ في الكتاب المقدّس كيف عاقب الله البشر الخطأة بالطوفان (سفر التكوين 6-7) وسكّان سدوم وعامورة بالنار المحرقة (سفر التكوين 9/24) . فتجنّب الخطيئة بنعمة الله وقوّة إرادَتِكَ. 2- استسلم رؤساء اليهود إلى الحقد على يسوع، فلم يحصلوا على نعمة الإيمان بالمسيح، وعاشوا وماتوا في ضلال قلوبهم. فالحقد مِنْ كبار الخطايا التي تشوّه قلب الإنسان في عيني الله تعالى. لذلك هنَّأ يسوع أنقياء القلوب الذين لا يعرفون الحقد. قال : " طوبى لأنقياءِ القلوبِ لأنَّهم يُعاينونَ الله ". (متى 5/8) لقد هنَّأهم لأنّهم بنقاءِ قلوبهم ونَبْذِهم لكلّ مظاهر الحقد يُعاينون وجه الله، وهم على الأرض، في وجوه مَنْ يعاملونهم بالمحبّة والتسامح. إنَّ هذه الرؤية الغامضة على الأرض تصبح رؤيةً واضحة مباشرة في السماء وتكون مصدر سعادتهم الأبديّة. 3- لا تنسَ ما قاله يسوع عن الآب السماوي إنّه يعمل باستمرار، أيْ إنّه يعتني بك ولا ينقطع إطلاقاً عن هذه العناية. إنّ موقفك أيّها المسيحي يحملك على ألاّ تُهمل رفع آيات الحمد لِما ينعم الله عليك مِن إنعامات لا تُحصى تؤهّلك لأن تعيش في الحياة عيشةً كريمة وتبلغ بعدَها الحياةَ السعيدة. |
||||