منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 24 - 10 - 2014, 04:02 PM   رقم المشاركة : ( 6651 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثل الكرَّامين القتلة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نصُّ الإنجيل

غرَسَ رَجُلٌ كَرْماً فآجرَهُ بَعْضَ الكرَّامينَ وسافَرَ مدَّةً طويلة . فلمَّا حانَ وقتُ الثمَرِ أَرسلَ عَبداً إلى الكرَّامينَ لِيُؤَدُّوا إليهِ نَصيبَهُ مِنْ ثَمَرِ الكَرْم. فضرَبَهُ الكرَّامونَ وصرفوهُ فارِغَ اليَدَيْن . فأَرسَلَ عَبداً آخرَ , وذاكَ أَيضاً ضربوهُ وأَهانوهُ وصَرَفُوهُ فارِغَ اليَدَيْن . فأَرسَلَ عَبداً ثالِثاً, وذاكَ أَيضاً جرَّحُوهُ وطردُوهُ . فقالَ ربُّ الكرْمِ:" ماذا أَصنَعُ ؟ سأُرسِلُ إليهم ابنيَ الحبيبَ لعلَّهُم يهابونَهُ." فلمَّا رآهُ الكرَّامون تشاوَروا فيما بينَهُم قائلين:" هوذا الوارِثُ ! فَلْنَقتُلْهُ لِيَعودَ الميراثُ إِلينا." فأَلقَوهُ خارِجَ الكَرْمِ وقتلوه . فماذا يفعلُ بهم ربُّ الكرْمِ سيأْتي ويُهلِكُ هؤلاءِ الكرَّامينَ ويُعطي الكَرْمَ لآخرين . فلمَّا سمِعوا ذلِكَ قالوا : " حاشَ ! " فحدَّقَ إليهم وقال : " ما معنى هذِهِ الآية : الحجرُ الذي رذلَهُ البنَّاؤونَ صارَ رأْسَ الزاوية ؟ كلُّ مَنْ وقعَ على ذلك الحجرِ تهشَّمَ . ومَنْ وقعَ هذا الحجرُ عليهِ طحنَهُ." (لوقا20/9-18)

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل

إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ الله يُعاقِب الذين يخونون الأمانة الروحيَّة التي سلَّمهم إيَّاها, ويمتنعون عن تأدية ثمار الأعمال الصالحة التي يطلبها منهم, ويعتدون على ابن الله بالاستسلام إلى الخطيئة بتصلُّبٍ وعناد طمعاً في مال الدنيا الحرام أو في ملذَّاتها وشهواتها, كما فعل رؤساء اليهود الخونة.
وإليكم إيضاح هذه الفكرة.


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

خيانة رؤساء بني إسرائيل

سرد يسوع في هذا المثل على الشعب المتجمهر حولَهُ في الهيكل تاريخَ بني إسرائيل في خطوطه العريضة, وألحَّ على خيانة الرؤساء الروحيين, وعلى طمعهم الدنيوي, ومقاومتهم لتدبير الله, واستغلالهم للكرْم الذي سلَّمهم الله إيَّاه.

إنَّ الكرْم هو شعب الله. فقد أودعهم الله شعبه ليعلِّموه قواعد دينه ويهذِّبوا أخلاقه, ويقدِّموا لله ثِمار أعماله الصالحة وطاعته وتقواه.

ولكنَّ هؤلاء الرؤساء أهملوا تعليم الشعب وتهذيبه, واستغلُّوه لتحقيق مصالحهم الشخصيَّة من مال وجاه ونفوذ.

فأرسل الله إليهم أنبياءَهُ القدِّيسين واحِداً بعد واحد ليحذِّروهم من سوء سلوكهم ويطالبوهم القيام بواجباتهم الدينيَّة نحو شعبه. ولكنَّ الرؤساء وهم الكهنة والكتبة والفريسيُّون ومعلِّمو الشريعة- قاوموا مَهمَّة الأنبياء مُقاومةً شرِسة, فشتموا بعضهم, وضربوا بعضهم, وجرَّحوا بعضهم, ولم يرتدعوا عن جشعهم وتسلُّطِهم.

وأخيراً أرسل الله إليهم يسوع ابنه الحبيب قائلاً في نفسه: " لعلَّهم يهابونه لِما يصنع أمامهم من معجزات وما ينشر بينهم من تعاليم سامية. " ولكنَّ الرؤساء الحاقدين الجشعين ائتمروا فيما بينهم على ابن الله, فانقضُّوا عليه وأخرجوه خارج مدينة أورشليم وقتلوه معلِّقين إيَّاه على الصليب.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

انتصار ابن الله على رؤساء اليهود

لمَّا سمع الرؤساء هذا المثل أيقنوا أنَّ يسوع قد عناهم فيه ووصف سلوكهم الشائن وأنذرهم بالإبادة. قال لهم: " ماذا يفعلُ بهِم ربُّ الكَرْم ؟ سيأْتي ويُهلِكُ هؤلاءِ الكرَّامين ."

فصرخوا: " حاشَ أَن نضمحلّ ! " فحدّق إليهم يسوع وقال: "فما مَعنى هذه الآية : الحَجَرُ الذي رذَلهُ البنَّاؤونَ صارَ رأْسَاً لِلزاوية ؟ فمَنْ وقَعَ على ذلِكَ الحَجَرِ تهشَّمَ , ومَنْ وقعَ هذا الحجرُ عليهِ طَحَنَهُ ." (سفر المزامير 117/22)

لقد أكَّد يسوع بهذا القول أنَّه هو ذلك الحجر الذي اختاره الله ليكون رأسَ الكنيسة وقوَّةً إلهيَّة لا تُقاوم. فمن اعتدى على يسوع اِبنِ اللهِ زال عن الوجود, ومن رذلـه اِبنُ الله هَلَك للأبد. فإنَّه, وإنْ قتله الرؤساء وصلبوه, سيقوم حيَّاً من بين الأموات, وينتصر على هؤلاء المجرمين القتلة ويُبيدهم, ويسلّم شعب الله إلى رؤساء آخرين يؤدُّون لله ثمار الكرْم: "

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إنَّ ملكوتَ اللهِ يُنْزَعُ عَنكُم , ويُسلَّمُ إلى أُمَّةٍ تُثمِرُ ثمرَهُ ." (متى 21/43)

إنَّ الرؤساء الروحيين الجُدُد هم الرسل القديسون الذين اعتنوا بشعب الله الجديد الذي هو الكنيسة - العناية الفُضلى, فاستطاع أن يُقدِّم لله تعالى ثمار إيمانه وتقواه وطاعته وقداسة حياته.


هذا المثل إنذارٌ للمسيحي الخاطئ

1- إنَّ هذا المثل يُنذر بالعقوبة الأبديَّة المسيحي الخاطئ المُتمسِّك بالخطيئة التي تمنعه من أن يؤدِّي لله ثمار الحياة الفاضلة.

لقد سلَّم الله كُلَّ مسيحي كرْماً روحيَّاً, وطلب منه أن يعتني به, ويستثمره بأمانة ليقدِّم لله الثمار الطيِّبة. إنَّ هذا الكرْم الروحي هو نفسُهُ الخالدة.

إنًّ هذه النفس قد زُرِعت فيها نِعمةُ الله بالمعموديَّة المقدَّسة, وتغذَّت بتعاليم يسوع وثِمار موته وقيامته, فأضحت أهلاً لأن تقوم بالأعمال الصالحة التي ينتظرها الله منها لمجد اسمه على الأرض وفي السماء.

2- فعلى المسيحي ألاَّ يستسلم, كرؤساء اليهود, إلى المطامع الأرضيَّة الحرام, ويُهمل العناية بحاجات نفسه الروحيَّة, ويُعرض عن استثمار النِعم السماويَّة التي أُعطيت له بغزارة.
إنَّ هذا الإهمال وما يتبعه من تهالُكٍ على الأرضيَّات الممنوعة يجرُّه تدريجيَّاً إلى العيش في الفتور الروحي, ثُمَّ إلى ارتكاب الخطيئة والتمسُّك بها.


ومَنْ ارتكبها طمعاً في الدنيا الفاسدة وفي ملذَّاتها وشهواتها, تصرَّف كما تصرَّف قبله رؤساء اليهود الذين صلبوا يسوع المسيح ليُحقِّقوا مآربهم الشخصيَّة الأثيمة. فإنَّ من ارتكب الخطيئة بعنادٍ وطمعٍ أرضي صلَبَ ابن الله ثانيةً. وهذا ما قاله بولس الرسول في رسالته إلى العبرانيين: " إنَّ الذين سقَطوا في الخطيئةِ يَصلِبونَ ابنَ اللهِ ثانيةً لخُسرانِهم ." (6/6)

3- وكما تحطَّم رؤساء اليهود وزالوا عن الوجود, هكذا يتحطَّم المسيحي الخاطئ, وتزول عنه في الأرض النعمةُ الإلهيَّة, مصدرُ سعادته, ويكون مصيره في الآخرة الخسارة الأبديّة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

هذا المثل دعوةٌ أيضاً إلى الأمانة لله

1- إنَّ هذا المثل دعوةٌ أيضاً لكُلِّ مسيحي لكي يؤدِّي لله تعالى ثمار أعماله الصالحة بسلوك الحياة الفاضلة, والأخلاق القويمة, والقيام بالواجبات الدينيَّة بدقَّةٍ وأمانة, طَوالَ أيَّام حياته.

2- إنَّ من قام بواجباته الدينيَّة فأحبَّ الله حُبَّاً صادقاً, وخدم الكنيسة التي أسَّسها يسوع الخِدمة الصالحة, وآزر الآخرين المؤازرة الفعَّالة, لبَّى دعوة الله إلى الأمانة في استثمار كرْمه الروحي, ونال رضاه تعالى, وكانت له المكافأة السعيدة التي أعدَّها الله لكُلِّ من كان أميناً لـه في العمل الذي سلَّمه إيَّاه. وهذا ما أوضحه يسوع بجلاء في مثل الوزنات. فكافأ الملكُ العبدَ الصالح الذي استثمر الوزنات التي تسلَّمها من سيِّده.


قال لـه الملك: " أَحسنتَ أيُّها العبدُ الصالحُ الأَمين. كُنتَ أَميناً على القليلِ فسأُقيمكَ على الكثيرِ . أُدخُلْ نعيمَ سيِّدِكَ ." (متى 25/21)


التطبيق العملي

1- سلَّمك الله نفساً خالدة, وطلب منك أن تُقدِّم له ثمار أعمالك الصالحة بشجاعةٍ وإخلاص. فلا تَخُنِ الأمانة, ولا تتشبَّه برؤساء اليهود الخونة, ولا ترتكبْ الخطيئة لئلاَّ يكون مصيرك كمصيرهم. فقد رذلهم الله واستبدلهم بالرسل الأمناء.

2- تذكَّر دوماً أنَّ المسيحي أمينٌ ليسوع في العمل الذي تسلَّمه منه. إنَّ الخيانة شرٌّ عظيم, رفضها جميع الشهداء ففضَّلوا العذاب والموت على أنْ يخونوا الربَّ يسوع. فاقتدِ بهؤلاء الشهداء الأبطال الذين حافظوا على الإيمان وسلَّموه إلينا نقيَّاً لا شائبةَ فيه.

3- إنَّ الأمانة ليسوع ليست عملاً بشريَّاً محضاً. إنَّها ثمرة العبادة الحقَّة والحبِّ الصادق اللذين تتزيَّن بهما نفس الإنسان المسيحي.


فالدعوة إلى الأمانة التي يوجِّهُها إليك يسوع في هذا المثل هي في الواقع دعوة موجَّهةٌ إليك لتعبُد يسوع عِبادةً صادقة وتُحِبَّهُ حُبَّاً قلبيَّاً لا غشَّ فيه ولا تردُّد.
 
قديم 24 - 10 - 2014, 04:03 PM   رقم المشاركة : ( 6652 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

التشبيه بالتينة التي أَورقت
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نصُّ الإنجيل

قالَ بعضُ التلاميذ ليسوع : إِنَّ الهيكَلَ مُزيَّنٌ بالحِجارةِ الحسَنة وتُحَفِ النذور. فأَجابَهم : " هذا الذي تنظرونَ إِليهِ ستأْتي أَيَّامٌ لنْ يُتركَ مِنهُ حَجَرٌ على حَجَرٍ مِنْ غَيرِ أَنْ يُنقَض ."


وضَرَبَ لَهُم مثلاً قال : " أُنظُروا إلى التينَةِ وسائِرِ الأَشجارِ . فما إنْ تُخرِجُ براعِمَها حتَّى تعرِفوا بأَنفُسِكُم, مِنْ نظرِكُم إليها , أَنَّ الصيفَ قريب . وكذلِكَ أَنتُم إذا رأَيتُم الأُمورَ تحدُثُ , فاعلموا أَنَّ ملكوتَ اللهِ قريب . الحقَّ أَقولُ لكُم لنْ يزولَ هذا الجيلُ حتَّى يحدُثَ كُلُّ شيء . السماءُ والأَرضُ تزولانِ , وكلامي لنْ يزول."

( لوقا 21/5-6 و 29-33 )

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا التشبيه

إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا التشبيه تشير إلى زوال عقبةٍ كبيرة كانت تنتصب في وجه انتشار الدين المسيحي في العالم. وهذه العقبة كانت مقاومة رؤساء اليهود العنيفة لهذا الدين. وهذا التشبيه يُصاغ على النحو التالي:

كما أنَّ التينة وسائر الأشجار التي تتفتَّح براعمُها تدلُّ على دنوِّ فصل الصيف, هكذا خراب الهيكل واندحار الأمَّة اليهوديَّة تحت ضربات الوثنيين يدلاَّن على دنوِّ انتشار الدين المسيحي وازدهاره في العالم. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

نبوءة يسوع عن خراب الهيكل

إنَّ المناسبة التي حملت يسوع على أن يتنبّأ عن خراب هيكل أورشليم هي أنَّ التلاميذ الذين كانوا فيه معه لفتوا انتباهه إلى عظمة جدرانه المبنيَّة بالحجارة الضخمة وإلى جمال تُحف النذور التي كانت تزيِّنه. فقال لهم: "هذا الذي تنظرونَ إِليهِ ستأْتي أَيَّامٌ لا يُترَكُ مِنهُ حَجَرٌ على حَجَرٍ مِنْ غَيرِ أَنْ يُنقَض ."

ولمَّا صعِدوا جبلَ الزيتون الذي يُشرِف على الهيكل, سألَهُ تلاميذه عن الخراب الذي تنبَّأ عنه. فقال لهم: " إِذا رأَيتُم أُورشليمَ قد أَحاطتْ بِها الجيوشُ فاعلَموا أَنَّ خرابَها قدِ اقترب ." ثمَّ وصف لهم بدقَّة هذا الخراب فقال:

- إنَّ مذبحةً هائلة ستحدث في المدينة نفسها: "فسيسقطون قَتْلى بحدِّ السيف."

- وإنَّ الأحياء الباقين فيها سيقبض عليهم الجنود الوثنيُّون ويأخذونهم أسرى, وينقلونهم إلى بلادٍ بعيدة, ويبيعُونهم عبيداً في الأسواق : " ويُؤْخَذُونَ أَسْرى إلى جميعِ الأُمَم."

- وإنَّ هؤلاء الجنود يطأون بأقدامهم المدينة المقدَّسة ويهدمون الهيكل الذي سينهار انهياراً تامَّاً تحت ضربات الجيوش الوثنيَّة: " وتدوسُ أُورشليمَ أَقدامُ الوثنيينَ إلى أَنْ ينقضيَ عهدُ الوثنيينَ . فإذا رأَيتُم رجاسةَ الخراب التي تكلَّم عليها دانيالُ النَّبي قائمةً في المكانِ المقدَّس, فَلْيَفْهَمِ القارئ ." (لوقا 21/24 و متى 24/15).

وقد أكَّد يسوع وقوع هذه الكارثة تأكيداً قويَّاً, وأعلم تلاميذه بأنَّها ستحدث قبل أن يموت أبناء هذا الجيل. وقد تحقَّقت هذه النبوءة في العام 70 عندما هدم القائد الروماني طيطُس مدينة أورشليم وهيكلها العظيم, وسبى أهلها إلى بلادٍ بعيدة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إزالة العبادات الزائفة في الهيكل وتحرير الكنيسة الناشئة

إنَّ هذه النبوءة قد أثَّرت في نفوس الرسل تأثيراً عميقاً فشعروا بالانهيار والخوف الشديد. فشدَّد يسوع عزيمتهم ودعاهم إلى نبذ الخوف. قال لهم:

" لا تخافوا. إنَّ هذه الأحداث ستكون بدء عهدٍ جديد للكنيسة الناشئة ". وضرب لهم عندئذٍ مثل التينة وسائر الأشجار التي أخرجت براعمها فقال: " متى رأيتم أنَّ التينة وسائر الأشجار قد أخرجت براعمَها علمتم أنَّ الصيف الجميل قد دنا. فكذلك, متى رأيتم أنَّ الخراب قد حلَّ بالهيكل وبالأمَّة اليهوديَّة علمتم أنَّ عهداً جديداً للكنيسة قد أقبل. فما اندحار الأمَّة اليهوديَّة وخراب هيكل أورشليم إلاَّ إزالةٌ للعبادات الزائفة القائمة فيه, وتحريرٌ للكنيسة المسيحيَّة الناشئة وازدهارُها في العالم الوثني. "

لقد كان اليهود المنتشرون آنذاك في مقاطعات آسية الصغرى وفي مدن أوروبة يعرقلون انطلاقة الكنيسة المسيحيَّة وانتشارها بشتّى الوسائل الخبيثة والعنيقة.


فلمَّا حلَّ الخراب بهيكلهم وانكسرت شوكتهم وزالت هذه العقبة الكبيرة انطلقت الكنيسة المحرَّرة بجرأة تبشِّر الوثنيين في العالم الروماني بالدين المسيحي الجديد.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المسيحي هو هيكل الله الحيَ

1- كان هيكل أورشليم في زمن يسوع مقرَّ الشعارات الدينيَّة اليهوديّة الزائفة. لقد أحاطه رؤساء اليهود بعنايةٍ فائقة, وزيَّنوه بتحفٍ جميلة, وهدفهم تحقيق مكاسب أرضيَّة صرفة من مالٍ وجاهٍ وسلطة.

ولم يرضَ الله عن طمعهم وتصرُّفهم القبيح هذا, فسمح للوثنيين بأن يطأوا مدينة أورشليم, ويهدموا الهيكل, ويزيلوا كُلَّ مظاهر الرياء والخداع والكَذِب والطمع التي كانت منتشرةً فيه.

2- إنَّ هذا الحادث التاريخيَّ القديم يُطبَّق على كلِّ مسيحيٍّ في كلِّ زمان. فالمسيحي هيكلُ الله. قال بولس الرسول للمسيحيين: " أَما تعلمونَ أَنَّكُم هيكَلُ اللهِ وأَنَّ روحَ اللهِ حالٌّ فيكُم ؟ " (1 قورنتس 3/16 )


فإذا استسلم المسيحي, على مثال رؤساء اليهود المرائين المنافقين, إلى سلوك حياةٍ دينيَّة كاذبة, واكتفى بالمظاهر الخارجيَّة, وأعرض عن الإيمان الحيّ والأخلاق السليمة, عرَّض نفسه للعقاب الشديد.


فكما هدم الله هيكل أورشليم لأنَّه لم يعُدْ يرفع إليه التسبيح اللائق بمقامه الإلهي, فكذلك يهدم الله هيكل كلِّ انسانٍ مسيحي لا يسبِّح الله تسبيحاً لائقاً به تعالى ولا يسلك سلوك حياةٍ تتَّصف بالتقوى والعبادة الحقَّة.

التطبيق العملي

لا تقلْ: " أنا مسيحي, وأنا موضوع محبَّة الله."


إنَّ الله لا يُحبُّ إلاَّ أصحاب التقوى الذين يحيون حياة القداسة,
ولا يرتكبون الشرَّ والإثم,


ولا يستسلمون إلى الرياء لإخفاء خطاياهم,


بل كُنْ صاحب تقوى صحيحة وحُبٍّ صادق ليسوع.


وتجنَّبِ الخطيئة لتبقى هيكلاً حيَّاً ومقرَّاً مقدَّساً يسكن فيه الله تعالى.
قال يسوع:


" إِذا أَحَبَّني أَحَدٌ حَفِظَ كلامي , فأَحَبَّهُ أَبي , ونأْتي إِليهِ,

فنجعَلُ عِندَهُ مُقامَنا ." (يوحنا 14/23)
 
قديم 24 - 10 - 2014, 04:05 PM   رقم المشاركة : ( 6653 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثل عُمَّال الكرم

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نصُّ الإنجيل

مَثَلُ ملكوتِ السَمواتِ كَمَثَلِ ربِّ بيتٍ خَرَجَ عِندَ الفَجرِ ليستأْجِرَ عَمَلَةً لِكَرْمِه . فاتَّفَقَ معَ العَمَلَةِ على دينارٍ في اليومِ وأَرسَلَهُم إلى كَرْمِه . ثُمَّ خَرَجَ نَحْوَ الساعةِ التاسِعَةِ فرأَى عَمَلَةً آخرينَ قائِمينَ في الساحةِ بطَّالينَ .

فقالَ لَهُم : " اذهبوا أَنتُم أَيضاً إلى كَرْمي , وسأُعطيكُم ما يحِقُّ لكُم." فذهبوا . وخَرَجَ أَيضاً نحوَ الظُهرِ ثُمَّ نحوَ الثالثةِ بعدَ الظُهرِ , ففَعَلَ مِثلَ ذلِكَ . وخرَجَ نَحوَ الخامِسَةِ بعدَ الظُهرِ , فلقِيَ أُناساً آخرينَ قائميَن هُناك .

فقالَ لهُم : " ما لَكُم قائمينَ هَهُنا طَوالَ النهارِ بطَّالينَ ؟ " فقالوا لَـهُ : " لمْ يستأجِرْنا أَحَد ." قالَ لهُم : " اذهبوا أَنتُم أَيضاً إلى كرمي ." ولمَّا جاءَ المساءُ قالَ صاحِبُ الكَرْمِ لِوكيلهِ : " أُدعُ العَمَلَةَ وادفعْ لهُم الأُجرةَ مُبتدِئاً بالآخِرين مُنتَهياً بالأَوَّلين ."

فجاءَ أَصحابُ الساعَةِ الخامِسَةِ بعدَ الظُهر وأَخَذَ كُلٌّ مِنهُم ديناراً . ثُمَّ جاءَ الأَوَّلونَ فظنُّوا أَنَّهُم سيأْخُذونَ أَكثَرَ مِنْ هؤلاءِ . فأَخَذَ كُلٌّ مِنهُم أَيضاً ديناراً. وكانوا يأَخذونَهُ ويقولونَ متذمِّرين على ربِّ البيتِ : " هؤلاءِ الذين أَتَوا آخِراً لم يعمَلوا غيرَ ساعةٍ واحِدةٍ , فساويتَهُم بنا نحن الذين احتملْنا عِبءَ النهارِ وحرَّهُ ." فأَجابَ واحِداً مِنهُم :

" يا صديقي ما ظَلَمتُكَ. أَلَمْ أَتَّفق معَكَ على دينار ؟ خُذْ مالَكَ وانصرِفْ . فهذا الذي أَتى آخِراً أُريدُ أَنْ أُعطيَهُ مِثلَكَ . أَفما يحِقُّ لي أَنْ أَتصرَّف بمالي كما أَشاء ؟ أَمْ عينُكَ حَسودٌ لأَنِّي كريم ؟ " (متى 20/1-15).

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل

إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ الله يدعو جميع المسيحيين إلى أن يكونوا عُمَّالاً في كنيسته, ولا يستثني أحداً منهم. وهذا ما أشار إليه المثل عندما ذكر أنَّ صاحب الكرْم خرج عدَّة مرَّات ليبحث عن العمَّال.

وكما أنَّ صاحب الكرْم كافأ عمَّاله فكذلك يُكافئُ الله كُلَّ من يُلبِّي دعوته ويعمل في كنيسته. وتكون المكافأة لا على قَدْرِ الإنتاج الذي يحقِّقه المسيحي, بل على قَدْرِ طاعته له تعالى وثقته بكلامه. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.

الكرْم هو الكنيسة التي أسَّسها يسوع

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تحدَّث يسوع في مطلع المثل عن ملكوت الله. إنَّ ملكوت الله يعني في هذا المثل الكنيسةَ التي أسَّسها يسوع .

إنَّ الكنيسة تحتاج إلى عُمَّالٍ كثيرين لكي تنتشر في العالم, وتتوطَّد بين الشعوب, وتنقل إليهم الإيمان القويم بألوهيَّة السيّد المسيح وعمله الفدائي, وتعلِّمهم ممارسة الفضائل الإلهيَّة, وأسماها المحبَّة لله وللآخرين, وتقوِّي في قلوبهم التمسُّك بالأخلاق الصالحة وحفظ وصايا الله بدقَّة.

ولذلك فإنَّ كُلَّ مسيحي مدعوّ إلى أن يكون عاملاً في كنيسة الله ليجعلها تنمو وتزدهر وتأتي بثمارٍ طيِّبة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العمَّال في كرْم الكنيسة ومواقيت دعوتهم إلى العمل

إنَّ العمَّال المدعوِّين إلى أن يعملوا في كرْم الكنيسة هم جميع أفراد الشعب المسيحي. فهم الكهنة والرهبان والراهبات والمُرسَلون والمرسلات والعلمانيُّون والعلمانيّات الأتقياء الذين يُجاهدون في المؤسَّسات والمنظَّمات والأخويَّات الكنَسيَّة.

فمنهم من يدعوهم الله إلى العمل في كنيسته وهم في مطلع حياتهم, فيعملون فيها طَوال الحياة, ومنهم من يدعوهم وقد بلغوا سنَّ الشباب فيعملون فيها سنواتٍ طِوالاً, ومنهم من يدعوهم وقد تخطَّوا الأربعين, أو جاوزوا الستِّين, أو أضحوا شيوخاً فيعملون فيها بضْعَ سنوات أو في السنوات الأخيرة من أعمارهم. إنَّهم على مثال العمَّال الذين جاؤوا للعمل في الكرْم منذ الفجر أو عِنْدَ الضحى أو عندَ الظهر أو عندَ العصر أو قُبيل الغروب.

مكافأة عمَّال الكرْم

إنَّ الله يُكافئ كُلَّ مسيحي يُلبِّي دعوته ويعمل في كنيسته. ولكنَّه لا يتصرَّف مع المسيحيين كما يتصرَّف ربُّ العمل مع العمَّال الذين يعملون في معمله.

إنَّ ربَّ العمل يُحاسب عُمَّاله على قدْرِ إنتاجهم. فمن أنتج كثيراً نال أُجرةً أوفر. فالمقياس البشري لتحديد مقدار الأُجرة المستحقَّة هو مقدار الإنتاج الذي يُقدِّمه العامل لربِّ العمل.

لا شكَّ في أنَّ القوانين الاجتماعيَّة السائدة اليوم في كثيرٍ من بلدان العالم تأخذ بعين الاعتبار حاجة العمَّال المتزوِّجين, فتأمر ربَّ العمل بدفع علاوةٍ ماليَّةٍ خاصَّة. إلاَّ أنَّ المقياس الأساسي لتحديد الأجرة يبقى دوماً مقدار الإنتاج الذي يحقِّقه العامل.

إنَّ الله لا يتصرَّف على هذا النحو مع المسيحيين الذين يعملون في كنيسته. فهو لا يحتاج إلى كميَّة الإنتاج. إنَّه الإله الغنيُّ القدير, ولا حدود لغِناه وقدرته.

إنَّ مقياس المكافأة عِندَه هو طاعة المسيحيين لإرادته تعالى وثقتهم بكلامه. إنَّ العمَّال الذين كانوا بطَّالين في الساحة حتى قُبيلِ الغروب نالوا مكافأةً كريمة لم يكونوا يتوقَّعونها لأنَّهم وثِقوا بربِّ العمل, وأطاعوا كلمته, ولبَّوا دعوته فوراً, ولم يُناقشوه في مِقدار الأجرة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كَرَمُ ربِّ الكرْم وعَدلُه

لقد ظهر ربُّ الكرْمِ عند محاسبة عُمَّاله أنَّه إنسانٌ كريمٌ وعادلٌ على السواء.

1- فقد تبيَّن كرَمه عندما أعطى ديناراً لكُلٍّ من العمَّال الذين لم يعملوا في كرْمه إلاَّ بضْعَ ساعاتٍ فقط. هكذا يُكافئ الله المسيحي المكافأة السنيَّة عندما يسمع نداءه تعالى ويلبِّي دعوته فوراً من دون تأخيرٍ أو جدال.

2- وقد تبيَّن عدل ربِّ الكرْم أيضاً عندما دفع ديناراً لمن عملوا النهارَ كلَّه في كرْمه بموجب الاتفاق الذي عقده معهم, كما ردَّ بحزمٍ على تذمُّر كُلِّ حسودٍ احتجَّ على كرَمِه. وهكذا فإنَّ الله الإله الكريم هو عادِلٌ أيضاً, ولا يحرم أحداً مكافأة تعبه.

3- غير أنَّه وهو السيِّد المُطلق لا يرضى بأن تتطاول عليه خليقته وتناقشه الحساب فيما يُقرِّر أو يفعل. كما أنَّه لا يرضى بأن يحسُد الناس بعضُهم بعضاً بسبب كرَمِه. قال لواحدٍ من الذين احتجُّوا عليه: " أَما يجوزُ لي أَنْ أَتَصرَّفَ بمالي كما أَشاء ؟ أَمْ أَنتَ حَسودٌ لأَنِّي أَنا كريم ؟"

واجب طاعة المسيحيين لله وثقتهم به

نستنتج من ذلك أنَّه يجب على المسيحيين أن يلبُّوا دعوة الله بطاعةٍ كاملة, ويثقوا بكرَمه الفيَّاض, ويتخلَّوا عن حساباتهم الضيِّقة التي تؤدِّي بهم إلى الحسد. فالله يكافئ من يُطيعه ويثق به أفضل مكافأة في الملكوت السماوي لأنَّه الحُبُّ اللاَّ محدود.

التطبيق العملي

1- إنَّ لكَ كَكُلِّ إنسانٍ مسيحيِّ دعوةً للعملِ في الكنيسة. فهل فكَّرت في الدعوة الخاصَّة التي وجَّهها الله إليك؟ هل عرفتها؟ هل لبَّيت هذه الدعوة؟

2- إنَّ الروح القدس الساكن في قلبك يُكلِّمك في هدوء التأمُّل والصلاة, ويدعوك إلى أن تسمع صوته الإلهي وتُصغي إلى إلهاماته. فإذا سمعت صوته فلا تُقسِّ قلبك, بل أصغِ إليه لتعرف ما يطلبه منك وما يدعوك إليه لتعمله. إنَّ استسلامك إلى إلهامات الروح القدس يخطُّ لك الطريق الذي يجب أن تسلكه لكي تُنَفِّذ مطالب الدعوة التي يُحدِّثك عنها.

3- ومتى عرفت دعوتك للعمل في الكنيسة فلا تتردَّدْ أبداً, بل كُن شُجاعاً, ولا تُقِم أيَّ حِسابٍ مع الله, بل لبِّ الدعوة بجرأة وسرعة وثقة. فإنَّ الله إله كريم يُكافئك أكثر بكثير مِمَّا يستحقُّه عملك.

4- واعلمْ أنَّ العمل في الكنيسة واسعٌ جدَّاً. يكفيك أن تسمع صوت الروح القدس. فهو يدلُّك على العمل الذي يدعوك إليه لتمجِّد الله وتساند الكنيسة. فهناك الكهنوت, والرهبانيَّة, والإرساليَّات, والعمل المسيحي, والأخويَّات, وخدمة البؤساء.
 
قديم 24 - 10 - 2014, 04:12 PM   رقم المشاركة : ( 6654 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثل الغنيّ الغبي


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




نصُّ الإنجيل


رَجُلٌ غَنِيٌّ أَخصَبتْ أَرضُهُ . فقالَ في نفسِهِ : " ماذا أَعمَل فليسَ لي ما أَخزُنُ فيهِ غِلالِي ." ثُمَّ قال : " أَهدِمُ أَهرائي وأَبْني أَكبرَ مِنها, فأَخزُنُ فيها جميعَ قَمْحي وأَرزاقي . وأَقولُ لنفسي : يا نفسِ , لكِ أَرزاقٌ وافِرةٌ تكفيكِ مَؤُونةَ سنينَ كثيرة . فاستريحي وكُلي واشْربي وتنعَّمي ."



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


فقالَ لهُ الله: " يا غبيّ , في هذِهِ الليلةِ تُسْتَرَدُّ نفسُكَ مِنكَ . فلِمَن يكونُ ما أَعدَدْتهُ" فهذا يكونُ مصيرُ مَنْ يكنِزُ لنفسِهِ ولا يغتَني عِندَ الله.


( لوقا 12/16-21 )


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل

إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ المال مهما كثُر لا يضمن للإنسان الحياة الطويلة ولا العيش الرغيد. فمن الغباء أن يعتقد الإنسان أنَّ ماله الكثير سيوفِّر له السعادة الأرضيَّة والحياة المديدة. ذلك لأنَّ الموت يأتيه حتماً, وبعد الموت تناله الدينونة الرهيبة. فإنَّه خيرٌ له أنْ يكون غنيَّاً في عينَيْ الله بالأعمال الصالحة من أن يكون غنيَّاً بأموال الأرض وينطوي على نفسه بالاستسلام إلى مطالب أنانيَّتِهِ التي ترفض خدمة الله والآخرين. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ارتكب المزارع الغني خطأَيْن كبيرَيْن

إنَّ المزارع الغني الذي أخصبت أرضه كان غبيَّاً في عينَيْ الله لأنَّه ارتكب خطأين كبيرين:

1- فالخطأ الأوَّل هو أنَّه اطمأنَّ إلى حياةٍ طويلة. إنَّ المال الوافر شدَّدَ قلبه ونزع عن ذهنه فكرة الموت, فاعتقد أنَّه سيعيش سنوات كثيرة ينعم في أثنائها بالراحة والسعادة الماديَّة. ولم يفطن إلى أنَّ المال, مهما كان وافراً, لا يشفع فيه ولا ينقذه من الموت الذي يأتيه في ساعةٍ لا يتوقَّعُها. ولذلك وصفه الله بأنَّه إنسان غبيّ.

2- والخطأ الثاني هو أنَّه استسلم إلى الأنانيَّة المفرِطة. وكان هذا الخطأ الثاني أعظم من الخطأ الأوَّل. فقد قرَّر أن يحتفظ لنفسه بكُلِّ خيرات أرضه, ليتمتَّع وحدَه بالراحة وملذَّاتِ الحياة, ولم يلقِ نظرةً إلى من يسكن حوله من محتاجين وفقراء.

إنَّ في المدينة التي يعيش فيها أطفالاً يتامى, ونساءً أرامل, وشيوخاً وعجائز, ومرضى معذَّبين, ومَعُوقين مهملين, وفقراء كثيرين. فلم يخطر على باله أنَّهم بحاجة إلى الطعام والدواء والثياب والمسكن والتطبيب. ولم يفكِّر في أن يبعث إليهم بحصَّتهم المتواضعة من المال الوفير الذي وهبه الله إيَّاه بكرمٍ فيَّاض, بل كان رجلاً بخيلاً أنانيَّاً, إلى أبعد حدود البخل والأنانيَّة. لذلك قال عنه يسوع " إِنَّهُ لم يغتنِ عندَ الله " أي إنَّه كان غنيَّاً بمال الأرض, ولكنَّه لم يكن غنيَّاً بأعمال البِرِّ والإحسان التي تؤمِّن له السعادة الأبديَّة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يعلِّمنا هذا المثل أمرين هامَّين



الأمر الأوَّل هو الاستعداد للموت:

إنَّ حياتنا قصيرة, وقصيرة جدَّاً مهما طالت. ونحن نسير نحو القبر كُلَّ يومٍ بخطوات متواصلة, إلى أن يأتي يومٌ نُدفن في الحفرة, ويغطِّي أجسادَنا تُرابُ الأرض. وتبدأ بعد هذه الحياة القصيرة حياةٌ أخرى أبديَّة, سعيدة أم تاعِسة, بحسب ما قُمنا به, ونحن على الأرض, من أعمال صالحة أو شرِّيرة.

إنَّ هذا الواقع الرهيب يدفعنا إلى أن نكون دوماً مستعدِّين لاستقبال الموت بسلوك حياةٍ فاضلة, بعيدة عن الخطيئة, ومزيَّنة بأعمال العبادة الحقَّة وممارسة الفضائل المسيحيَّة من صلاة وتقشُّف وخدمة الله والكنيسة.

والأمر الثاني هو خدمة الآخرين بمحبَّة:

إنَّ الله قد منحنا مواهب كثيرة ومتنوِّعة لكي نُفيد بها أنفسنا ونخدم الآخرين. ومن أهمِّ هذه المواهب ? ماعدا خيرات الأرض الماديَّة ? الصحَّة, والذكاء, والقدرة على العمل. فعلينا أن نستعمل هذه المواهب الطبيعيَّة لا لفائِداتنا الشخصيَّة فحسب, بل لمؤازرة الآخرين أيضاً بروح المحبَّة والتضحية, مُعْرضين عن الانطواء الذاتي والأنانيَّة المفرطة, وذلك بتقديم الخدمات الماديَّة والمعنويَّة التي نستطيع القيام بها للتخفيف عن الذين يعانون آلام الحياة وشدائدها ومتاعبها. بهذه الطريقة تكون حياتُنا مزيَّنة بأعمال المحبَّة المسيحيَّة التي تجعلنا أغنياء في عينَيْ الله تعالى.


التطبيق العملي



لا شكَّ في أنَّ المال, والنجاح في الدروس, والوظيفة المحترمة, والمقام الرفيع في المجتمع خيراتٌ أرضيَّة تستحقُّ التقدير والسعي للحصول عليها بالسُبُل المشروعة التي لا تخالف إرادة الله.

ولكنَّ هناك خيرات أسمى منها وأجدى لبلوغ سعادةٍ أوفر, وهي الأعمال الصالحة التي تتمتَّع بقيمة أبديَّة جديرة بكلِّ ثناء، والتي تستحقّ السعيَ المتواصل للقيام بها.


ومن أهم الأعمال الصالحة التي تحسن في عينَيْ الله الصلاة, وتتميم الواجبات الدينيَّة, والعطف على الفقراء, ومساندة المشاريع الخيريَّة, ومؤازرة أعمال الكنيسة, وسلوك حياة التقوى والمودَّة في الأسرة, والعيش مع الآخرين بسلامٍ وتسامح ومحبَّة.

ولذلك يوجِّه إلينا يسوع بهذا المثل النصائح الروحيَّة التالية, وهي:

1- أن نكون دوماً مستعدِّين للوقوف أمام دينونة الله بوجهٍ ناصع ويدَيْن مملوءتَيْن بأعمال البِرِّ والخير والكرَم, ولا نتشبَّه بهذا الغنيِّ الغبيّ الذي انطوى على نفسه ولم يتطلَّع إلى الحياة إلاَّ من زوايا الراحة واللذَّة والاستئثار بخيرات الأرض.

2- وأن نمارس, في سيرة حياتنا اليوميَّة, فضيلة المحبَّة العمليَّة, على قدْر طاقتنا, في جميع المجالات التي لها علاقة بحاجات البائسين في هذه الدنيا.

3- أن نمتنع عن الاتِّكال على خيرات الأرض وحدَها, مهما كانت وافرة, ونضع اتِّكالنا على الله لنعمل على تمجيد اسمه تعالى وبلوغ السعادة الأبديَّة الحقَّة التي خُلِقنا لأجلها على الأرض.

فعلينا أن نكون مسيحيين حكماء نصغي إلى نصائح يسوع ونعمل بها دوماً.
 
قديم 24 - 10 - 2014, 04:14 PM   رقم المشاركة : ( 6655 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


مثل الفرِّيسي و العشَّار
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نصُّ الإنجيل
ضربَ يسوع هذا المثل : صعِدَ رجلانِ إلى الهيكلِ ليُصلِّيا , أَحدُهما فرِّيسي والآخرُ عشَّار . فانتصبَ الفرِّيسي قائِماً يُصلِّي فيقولُ في نفسِهِ :


" اللَّهُمَّ , شُكراً لكَ لأَنِّي لسْتُ كسائِرِ الناسِ السرَّاقينَ الظالمينَ الفاسقين , ولا مِثْلَ هذا العشَّار . إنِّي أَصومُ مرَّتَيْنِ في الأُسبوع , وأُؤَدِّي عُشْرَ كُلِّ ما أَقتَني ."


أَمَّا العشَّارُ فوقفَ بعيداً لا يُريدُ أَنْ يرفعَ عينَيْهِ إلى السماء , بلْ كانَ يَقرَعُ صَدْرَهُ ويقولُ : " اللَّهُمَّ ارحمْني أَنا الخاطئ ." أَقولُ لكُم إِنَّ هذا نَزَلَ إلى بيتِهِ مَبْروراً . وأَمَّا ذاك فلا . فكلُّ مَنْ رَفَعَ نفسَهُ وُضِع , ومَنْ وَضَعَ نفسَهُ رُفِع . ( لوقا 18/10-14 )
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل
إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ الصلاة المقترنة بالكبرياء والتعالي ومدح الذات واحتقار الآخرين غيرُ مقبولة عند الله, ولا تأتي لصاحبها بأيَّة فائدة روحيَّة.


إنَّ الصلاة التي تُبرِّر المُصلِّي هي الصلاة الموصوفة بالتواضع والتوبة وطلب الرحمة ومغفِرة الذنوب. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.
من الفرِّيسي؟
إنَّ كلمة "فرِّيسي" كلمة عبريَّة تعني "المُعتزل" و"المُبتعد" عن الخطأة. فالفرِّيسي رجلٌ يهودي ينتسب إلى جماعةٍ متطرِّفة تتبع مذهباً دينيَّاً مُتشدِّداً وتفرض على أعضائها أن يعتزلوا عن الناس الذين تعتبرهم خطأة, وتدعوهم إلى التمسُّك التامّ بأحكام الشريعة الموسويَّة وبفرائض سُنَّة الأقدمين, كالوضوء الكثير, وغسل الأسرَّة, والامتناع كُليَّاً عن العمل في يوم السبت, وأداء عُشْر دخلهم إلى الهيكل, والامتناع عن تناول بعض اللحوم النجسة، وغير ذلك من الأعمال التي تصفها بالتديُّن.


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ومن العشَّار؟
العشَّار هو الجابي اليهودي الذي كان يجبي من أبناء وطنه العُشْرَ, أيْ الضرائبَ والرسومَ المقدَّرة بعُشْرِ دخلهم. لقد كان اليهود يكرهون العشَّارين لأنَّهم كانوا يتعاونون مع السلطة الرومانيَّة المُستَعمِرة,


ويفرضون على الناس ضرائِبَ أكثر مِمَّا يجب عليهم, فيدفعون منها مبلغاً محدَّداً إلى الدولة الرومانيَّة ويحتفظون بالباقي لأنفُسهم, فيجمعون من جرَّاء ذلك أموالاً طائِلة. ولذلك فإنَّ كلمة "عشَّار" كانت عند الشعب اليهودي مرادفة لكلمة "خاطئ" أيْ لصّ وخائن.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
اعتداد الفرِّيسي وكبرياؤُه
لمَّا كان الفرِّيسي يحافظ بدقَّة فائقة على شريعة موسى وعلى الفرائض الدينيَّة الموروثة عن الأقدمين, فقد أخذ يشعر في نفسه شعوراً عميقاً بأنَّه إنسانٌ بارّ وقدِّيس, وبأنَّه يعيش في جوٍّ دينيٍّ صافٍ أسمى بما لا يُقاس من الجوِّ الدينيِّ المُتدنِّي الذي كان ينغمس فيه سائر الناس, ولا سيَّما من كان منهم عشَّاراً.
إنَّ هذا الشعور الداخلي بالقداسة الفائقة قد جعله يعتدُّ بنفسه حتى أمام الله وهو يصلِّي في الهيكل, ويفتخر بتقواه, ويعدِّد بالتفصيل أعماله الصالحة, ويقيم المقارنة بينه وبين سائر الناس. لقد ارتكب الفرِّيسي خطأَيْن كبيرَيْن في صلاته أمام الله:
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


الخطأ الأوَّل هو أنَّه استسلم إلى الكبرياء
استسلم إلى خطيئة الكبرياء فمدح نفسه ولم يذكر خطاياه, بل شكر لله أنَّه في سلوكه الدينيّ والخُلُقيّ أفضل من سائر الناس. وقد بلغ شأواً بعيداً من البِرِّ والقداسة حتى أصبحت حياته نموذجاً ومثالاً للتقوى وحفظ الشريعة وتتميم الفرائض الموروثة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الخطأ الثاني هو أنَّه قابل نفسه بالآخرين
والخطأ الثاني الذي ارتكبه هو أنَّه أقام مقابلةً بينه وبين سائر الناس. فَهُمْ على خلاف ما هو عليه من التقوى والعدل وحفظ الوصايا. إنَّهم لصوص وظالمون وفاسقون, ومن أقبحهم العشَّار اللصّ الواقف عند باب الهيكل. إنَّ هذا الفرِّيسي لم يعرف معنى الصلاة الحقيقيَّة. فهو لم يطلب نعمة الثبات على التقوى وحُبِّ الفضيلة, بل اعتبر نفسه مصدر التقوى والقداسة, فلا يحتاج إلى أيَّة نعمة سماويَّة ترفعه إلى مستوى روحي أعلى ممَّا هو عليه.
إنَّ اعتداده بنفسه دفعه إلى مثل هذه الكبرياء الفاحشة فخرج من الهيكل ولم ينل مغفِرة خطاياه, ولم يحظَ بالبرارة الداخليَّة الحقَّة.

كبرياء بعض المسيحيين
إنَّ هذا الموقف المتَّصف بالكبرياء والتعالي على الآخرين يَقِفُهُ اليومَ بعضُ المسيحيين المتكبِّرين الذين يعتدُّون بتقواهم وسيرتهم الصالحة ومحافظتهم المُثلى على وصايا الله ووصايا الكنيسة, ولا يهدأون عن التشهير بالناس, فيصفونهم بأنَّهم مصدر الشرّ, وأعوان إبليس, ومنبع الخطايا والشكوك والعثرات.
إنَّهم يعتبرون أنفسهم, كالفرِّيسي المُتكبِّر, مثال الكمال الروحي, فلا يحتاجون إلى نعمة الله للثبات على التقوى وممارسة الواجبات الدينيَّة, ولا يرفعون إلى الله الضراعة لطلب الرحمة ومغفِرة خطاياهُم.
إنَّ الكبرياء هي خطيئةُ الشيطان التي فتحت في وجهه باب جهنَّم, وخطيئةُ آدم التي أغلقت أمامه باب السعادة السماويَّة.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تواضع العشّار وتوبته
لقد اعترف العشَّار أمام الله, في موقفٍ متواضع بليغ, بأنَّه إنسان خاطئ وطلب منه الرحمة: " اللهُمَّ ارحمني أنا الخاطئ". وهذا ما دفعه إلى التوبة, فغفر له الله خطاياه, فخرج من الهيكل مبرَّراً وقد زالت عنه خطاياه كلُّها.

صلاة العشَّار قدوة لنا
إنَّ صلاة العشَّار التائب المتواضع تُبيّن لنا أنَّ علينا ثلاثة واجبات:
1- الواجب الأوَّل أن نعترف بأنَّنا خطأة, وبأنَّ خطايانا قد أهانت جلال الله غير المحدود, وجعلتنا ننسى ما قاساه يسوع من عذابات حتّى الموت على الصليب في سبيل خلاصنا الأبدي.

2- الواجب الثاني أن نسأل رحمة الله وعطفه ونعمته بتواضعٍ وإلحاح لنتوب إليه تعالى التوبة الصادقة ونحصل على نعمة البرارة التي تُقدِّس حياتنا أمام عينَيْهِ.

3- الواجب الثالث أن نساهم بعزيمة إرادتنا مع نعمة الله لنتمكَّن من أن نسلُك طريق حياة جديدة تنتعش دوماً بممارسة الفضائل المسيحيَّة والأخلاق الصالحة لنخلع "الإنسان القديم ونلبس الإنسان الجديد" كما علَّمنا ذلك بولس الرسول. (أفسس 4/22-24)

التطبيق العملي
1- تذكَّر دوماً ما قالته مريم العذراء في نشيدها لمَّا دخلت بيت أليصابات:" إنّ الرب القدير حطَّ المتكبِّرين ورفع المتواضعين ". فتواضعْ أمام الله, ولا تعتبرْ نفسك خيراً من غيرك, ولا تنتقدْ سلوك الآخرين بأقوالٍ جارحة أو بمقارنةٍ داخليَّة بينك وبينهم لئلاَّ تكون على مثال الفرِّيسي المتكبِّر.

2- ولا تنسَ أنَّ هدفَ الصلاة تمجيدُ الله وشكره تعالى. فمتى دخلت الكنيسة لتصلِّي, فلا تعملْ كما عمل الفرِّيسي المتكبِّر, بل اسجدْ لله سجوداً عميقاً واشكرْ له بعواطف الإيمان والمحبَّة وعرفان الجميل كُلَّ نعمة منحك إيَّاها.

3- واذكرْ, وأنت في الكنيسة, الموقفَ الصحيح الذي وَقَفَهُ العشَّار. فقد سأل الله بتواضعٍ عميق أن يغفِر لـه خطاياه. فاطلبْ إلى الله, وأنت في بيته المقدَّس, أن يغفر لك خطاياك, ويزيد فيك النعمة المقدِّسة ويجعلها تتلألأ في قلبك تحت نظر الله تعالى.
وأفضل طريقة روحيَّة لتقتدي بسلوك العشّار أمام الله هي أن تسعى دوماً إلى أن تعيش مع يسوع عيشة الاتِّحاد العميق. إنَّ هذا الاتِّحاد ينقِّي عواطف قلبك, فتفهمُ بعمق ما ذكره في التطويبات الإنجيليَّة,
وتعيشُ هذه التطويبات التي تشيد بالتواضع, والوداعة, ونقاء القلب, وبالجوع والعطش إلى حياة القداسة التي دعانا إليها يسوع, وهدفُهُ أن يقودنا إلى تمجيد أبيه السماوي.
 
قديم 24 - 10 - 2014, 04:18 PM   رقم المشاركة : ( 6656 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثل الغني الجاهل

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



المطران بولس يازجي
معرفة الله ومعرفة الذات

" مثل الغني الجاهل " ( لوقا 12: 16-21)
تحليل النص
أقسام ثلاثة:
1. الحدث: أخصبت أرضه
2. حواره مع ذاته
3. صوت الله
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


1- الحدث والمفاجأة
المثل يأتي جواباً من يسوع على واحدٍ من الجمع كان له حلاف مع أخيه على الميراث، وتوضيحاً لكلمة يسوع "احذوا من الطمع" فإنه متى كان لأحد كثيرٌ فليست حياته من أمواله" (لوقا 12: 13-15).
الحدث يبرهن عن حالة إنسان مثالي وذكي. السؤال هو لماذا سمّاه الرب يسوع غبياً، جاهلاً؟ مع أن حواره مع ذاته يحمل مداليلاً عن شخصية مبدعة وعملية!
أما حوار هذا الغني مع ذاته فيبرهن على أنه بعد كل هذا الخطاب الطويل معها ظهر لا يعرفها. لقد خدعته ذاتُه. لهذا سمّاه الرب يسوع جاهلاً رغم أنه عرف أن يكسب الأحداث لصالحه خسر صالِحَه مع ذاته. لقد خاطب نفسه قائلاً: لكِ خيرات كثيرة موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكلي واشربي وافرحي. وظهر أنه لا يعرف "أن ليست حياة الإنسان والنفس من أمواله" .
جواب الله يوضح المفاجأة التي تتحطم عليها كل المخططات الوهمية.
"فهذه الليلة تُطلب نفسُك منك، وهذه التي أعددتها لم تكون"؟
"هذا نصيب مَنْ يكنز لنفسه وليس هو غنياً لله". هذه المفاجآت خطيرة جداً في الحياة. فبعد الشعور بامتلاك كل شيء يظهر واقع مؤلم أننا لن نملك أي شيء؛ العكس تماماً. ألهذه الدرجة كان هذا الغني مخطئاً في الحساب؟ ولم يعرف أبداً ذاته. حدث واحدٌ هزّ كلّ كيانه وكشف كلّ ضلاله. صوت الله هنا أيقظه وجعله يرى ذاتاً أخرى غير الذات التي خاطبها! حدثٌ أظهر له أنه كان يتكلم مع ظل عن ذاته وليس معها. هناك ذاتٌ كان يجهلها ظهرتْ أنها الموجودة وتلك التي كان يخاطبها غير موجودة!!
هذا الحدث يشكّل مفاجأة قاسية! لم يكن يعرف ذاته. ماذا كان يعرف هذا الغني عن نفسه؟ أنها تحيا من الخيرات وتستريح في تجميعها وتفرح بكثرتها، بحسب معرفته، والتي ظهرت خاطئة. كان يظن أن مصلحة نفسه في هذه الماديات وجعل من ذاته أهراءات للذة والاستراحة والتنعم والطرب، فجعلها أهراءً للشهوات. لذلك كشف الواقع على ضوء صوت الله، جهلَه. وانهار كل ما أعدّه.
مشهد هذا الغني يتكلم مع ذاته:"راح يفكر في نفسه..." ليس غريباً. كلٌّ منا يتكلم مع ذاته ويفكر سرياً أو بصوت عالٍ. أمام كل موقف في الحياة أو تجاه أي حدث، غالباً ما نسرع إلى هذا الحل "نفكر في نفسنا..." ونخاطب أنفسنا...
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
في البداية يحمل هذا الحوار طابع المعرفة والبحث والتأمل والتفكير... لكن النص الإنجيلي يُظهر أن حواراً كهذا خدّاع فهو يحمل طابع معرفة الذات ومحاورتها، لكن بالواقع لا يحمل إلا الانطباع وليس الحقيقة، وهو حوار وحيد الطرف، لا يزيد معرفتنا شيئاً، وبالتالي لا يسلط الضوء على احتمالات الخطأ.

هذا الحوار هو مضرّ للذات الحقيقة عند الإنسان وخدّاع، لأنه يحجب الذات الحقيقية في الظل. كما عند هذا الغني حتى جاء صوت الله الذي كشف له لحظتها الذات التي كان يجهلُها وكل ما أعدّه لم يكن لها بل لظلال عنها!!

أحداث كهذه في الحياة تحطّم لنا أوهاماً عن ذواتنا وصوراً نحن بنيناها عنها لكنها ليست هي الحقيقة. بعد تجارب كهذه يبدأ الإنسان يعرف أكثر ما هي ذاته.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


2- علامات عدم معرفة الذات
ومن علامات عدم معرفتنا لذاتنا مظاهر كالتردد مثلاً: لا يأخذ الإنسان موقفاً مرات عديدة، لأنه تماماً لا يدري ماذا يريد من لذاته، أو ما الأنسب لنفسه! مظاهر العصبية والغضب هي ناتجة عن القلق لأي قرار نفكر بأخذه. والندم ظاهرة ليست نادرة تؤكد أننا لم نعرف ذاتنا. من يعرف ذاته يقول القديس اسحق السرياني أعظم من الملائكة وأهم ممن يقيم الموتى.
كثيراً ما يجهل الإنسان أموراً كثيرة عن نفسه وعن سعادتها، وعليه أن يتعرّف إليها، فإنه إن كانت هذه الذات في الظل إلا أنها حية وتعمل.
نحن معتادون أن نتصور ذاتنا بحسب الأفكار التي تراودنا ونطابقها عليها فإذا راودتنا أفكار عظمة نظن أننا صرنا عظماء، والعكس بالعكس إذا راودتنا أفكار اتضاع نظن أننا أصبحنا متضعين... وإذا راودنا فكر شهوة نظن أننا بتنفيذه سنكون سعداء . ولكن لحظة امتحان تكشف لنا أننا وضعاء ولسنا عظماء ولحظة إهانة توضح لنا أننا لسنا متضعين. والإنسان في لحظة عصبية يكشف عن ذاته المخفيّة، يرفع القناع عن ذاته التي كانت فيه لكنه يجهلها.
أحياناً بعد تصرفات ما، يظن الإنسان أن فيه شخصية أخرى لم يكن يعرف بوجودها، لأنه يجهل ذاته.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

3- أطراف الحوار مع الذات
لا بد أن إثارة الحوار يسببها حدث ما أو ذكريات ... والحدث يطرح علينا تساؤلات، ونحن في طريق الإجابة على هذه المستجدات "نفكر في ذاتنا" نخاطبها. وفي هذا الخطاب عملياً هناك عاملان: أولاً ما نحبه لذاتنا، والعالم الذي كونّاه عن ذاتنا وحاجاته وميوله وشروطه، وهذه تسمى "الميول" أو "الأهواء" ومنها ما نعرفه ومنها ما نجهله في ذاتنا التي لم نكتشفها. والهوى هو غالباً الميل الكائن فينا ونجهله. فالمتكبر مثلاً لا يعرف ذاته المتكبرة، على العكس هو من يظن نفسه متواضعاً. والأناني لا يعرف هذا الهوى الباطن في داخله، بل هو من يشعر أمام ذاته أنه محبٌّ للآخرين دون أن يبادلوه المحبة.
الغني في المثل لم يكن يعرف أنه طمّاع، بل ظن نفسه مالكاً وناصفاً ومحقاً.
فالطمع، هنا كهوى، أعمى ناظريه عن إمكانية الخبر الذي جاءه من الصوت الإلهي "اليوم تُطلب نفسك" وكان يفكر بالسنين الكثيرة. طمعه أيضاً أعماه عن كل احتمال لقريب سواه له حق في هذه الخيرات. إن طمعه جعله في حواره مع ذاته لا يفكر إلا بأنانيته وخطابه كله "بياء المتكلم" لكنه بالوقت ذاته لم يكن مدركاً في حواره أنه طمّاع. وأن هذا الهوى أعماه وقَلَبَه إلى جاهلٍ. عندما يلتهب القلب البشري بالرغبات لا يعود ينظر ذاته ولا الآخرين وإنما يريد أن يشبع هذه الرغبات ويسخر ذاته إلى أهراءات لجمعها. فعند أي حدث عملياً يفكر الإنسان في ذاته وإذا به بالواقع يكلّم رغباته وتكلمُه شهواتُه.
لكن الإنسان يتمتع "بمعرفة" ما عما يريده لذاته. وهذه المعرفة تسمى العقل أو المبادئ، أو الإيمان، وهذه تفحص حواره مع ذاته وتلقي عليه ضوءاً. ودور الإيمان هنا هو تصفية الحلول وتنقيتها. والقبول ببعضها ورفض البعض الآخر. قبول ما تمليه علينا الرغبات الصالحة ورفض ما توحيه رغباتنا غير الصالحة.
هذا الصراع ينتهي مرات عن بغلبة الميول الصالحة ومرات أخرى بانهزامها أمام الأهواء الفاسدة. عند هذا الغني لم يظهر هذا الصراع، ولا لمجرد حوار بسيط. وهذا دليل أن ميوله (الطمع) فقط كانت تحاوره وكان يحاورها. ولذلك لم يكن يعرف عن ذاته شيئاً وسماه الله جاهلاً.
فمعرفة الذات من هذا المنظار تحمل معنيين: الأول هو أن نعرف فعلاً ذاتنا الحقيقية على ضوء الإيمان و الكتاب المقدس كما خلقها الله وليس كما نتصورها نحن، في دعوتها الحقيقية من جهة وفي واقعها بتواضع من جهة أخرى. أن نكتشف ما يحجبها من أهواء هي أمتعة كاذبة تستر وجه ذاتنا الحقيقي.
علينا إذن أن نحدد أصدقاءنا من أعدائنا. أن أعرف مثلاً أني طماع، وحين أعرف ذلك أفحص من نظرة جديدة الأموال والخيرات. وقد أسأل ذاتي لماذا أنسى الآخرين. أو لماذا اتكل على المال وليس على الله. كل هذه يصبح له تفسير واضح.
أن اعرف مثلاً أني أناني، عندها أستطيع أن لا أبالغ بمحبتي للآخرين وبتجاهلهم لي. وأدرك أن تعلقي بأمر ما ليس لأهميته بقدر ما هو من أنانيتي. وأن اطلب الاعتبار الزائد من الآخرين سببه هذه الأنانية ... إذن عندما أعرف أستطيع أن أفكر وأُحكّم العقل وأبذل في المحبة وأترفع عن التعلّق...
لكن معرفة الذات ليست هي تحديد الأهواء وحسب. ولكن معرفة مقدار طاقاتي. أي معرفة الذات بالمعنى الثاني تعني مقدار ضبط الذات. فهناك خطايا نعملها عن جهل ولكن هناك أمور لا نرغبها نعملها عن وعي وبمعرفة /كما تقول أفاشين المناولة.
إن معرفتنا لمقدار "ضبط الذات" يجعلنا نقدّر بدقة المسؤولية في مواجهة الأحداث ويجعلنا نقرّ مرات عديدة بتواضع "يا رب أنا ضعيف كإنسان (أخطأت عن معرفة) لكن أنت ارحمني كإله". وهنا تبدأ معرفة الذات الحقيقية. أي نعرف أي الأهواء يغلبنا وأيها استطعنا أن نغلبه. آنذاك نعرف فعلاً نفسنا بضعفاتها ومواهبها. لكن إلى ذلك الوقت يمرّ الإنسان بخبرات عديدة ويسمع صرخات قاسية في داخله من مفاجآت واجهها نتيجة عدم معرفته لذاته. لأنه حاول أن يطعمها من كلأ الأهواء ومن رغبات الطمع كهذا الغني، أن يطعمها خيرات دنيوية ومصالح وكرامات بشرية بينما هي تحيا على كلمة الله.
لذلك من الأفضل أن يجد الإنسان أسلوباً آخراً لمعرفة ذاته، دون المرور بخبرات هذه الصرخات من المفاجآت المؤلمة. هذه المفاجآت التي تكون أحياناً هدّامة ومحطّمة. والطريقة هذه هي النسك أو اليقظة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

4- طريقة معرفة الذات
النسك أو السهر تعريفه بكلمة مختصرة، هو جعل القلب تحت توجيه الإيمان، أي تحكيم العقل في محاكمة الأهواء. السهر (اليقظة) كما يعرّفه السلمي هو عين ساهرة على باب القلب عين تراقب الحوار مع الذات وتلاحظ الشخصيات التي تخاطبه، وتحد الأهواء والميول ثم توجه الحوار إلى الإيمان لتكون له كلمة الفصل.
لهذا كان بولس الرسول يقول:"أقمع جسدي" والمقصود هنا الأهواء الدنيوية الجسدانية. وهذه المحاولة سماها الرب يسوع الطريق الضيقة المؤدية إلى الحياة.
النسك إذاً يراقب فينا ما سماه بولس الرسول "إنساننا القديم" يقمعه ويحاول أن يتحرر منه ويكون مع ذاته الحقيقية.
وهذا الإنسان القديم يحيا بأفكار الشر الثمانية أي الأهواء الثمانية الكبرياء، وشهوة الطعام، وشهوة الجسد، والغضب، والحقد، والكذب، والأسى والعجب. النسك هو عملية سلخ دائمة للأحداث عن القشور التي تغطيها بها أهواؤنا. لذلك الناسك (كل مسيحي) يعرف أن عدوّه داخله. الغني الجاهل خاطبه ولم يحسب له حسباناً. وهذا الإنسان القديم مرافق دائماً في القرارات إذا لم تجعله جانباً. لذلك الساهر "لا يعطي لجفنيه نوماً" ويغصب ذاته دائماً. النسك هو مشرط حاد نقطع به أفكار الأهواء. وقطع الأفكار أصعب من بتر الأعضاء.
النسك والسهر طريقة تقلب طريقة الحوار مع الذات. بحيث لا يتكلم فينا إنساننا القديم ولا نخاطب في أنفسنا أهواءنا. والحوار لا يبقى وحيد الطرف.
أول عمل في السهر واليقظة، والنسك، هو الصلاة: أي أن أسأل الله مشيئته فيَّ. في الصلاة يصير الحوار ليس مع هذه الذات الوهمية بل مع الله. لا أشتهي لنفسي ما أظنه حياةً لها، لكن أطلب لها مشيئته "لتكن مشيئتك" هذه هي وقفة الصلاة. أليس تكرار صلاة يسوع هو تفسير لهذه العبارة "لتكن مشيئتك فيَّ" وأنني واقف وأنتظر أن يحيا هو فيَّ ولست بعد أنا من يحيا؟!
هناك على مشهد من حضرة الرب "نضرب بأولاد الأهواء على الصخور".
الصلاة هي "محكمة" بحدّ تعبير السلمي، لأنه أمام نور الحضرة الإلهية يُحكم على الأفكار والتصرفات. الصلاة هي أعمق من المفهوم الأولي السطحي، إنها وقفة هدوء أو استراحة مع الذات أو حالة هادئة بعيداً عن ضوضاء...
الصلاة حركة داخلية في تنقية دائمة وتصفية لكل الرغبات والأفكار على ضوء الحوار الإلهي. إن الإصغاء لله يقتضي رمي الأوثان.
وهنا تحدث المفاجأة الأكبر، الصرخة العميقة. أليست أغلب صلواتنا صرخات: (مز 140) "يا ربي إليك صرخت فاستمع لي، استمع لي يا رب، يا ربي إليك صرخت، أنصت إلى صوت تضرعي" يقول المرنّم. في الصلاة عارياً أمام الحب الإلهي تنكشف الأقنعة الرديئة وتسقط واحداً بعد واحد ولو كان خلعها مرّاً إلا أن العشق الإلهي يسهل استبدال عشق هذه الميول. في الصلاة يرى الإنسان سقوط رؤوس المصريين ويعرف ما هي الأفكار وكيفية إصلاحها وحين يمشي قدماً وبصدق متمسّكاً بالحضرة الإلهية حينئذ تتحول صرخته إلى صرخة نور وشكر، إلى صرخة فرح بالتحرر وليس بالتمرمر.
هذا ما وضعه القديس سلوان الآثوسي "ببكاء آدم".
ولا يبكي هذا البكاء إلا من نظر وعاين الله من ناحية وسقوطه من ناحية ثانية. ويبدأ الإنسان يوجّه صرخته دائماً إلى القادر أن يخلّصه "إلى الرب صرخت في ضيقي فاستجاب لي". يقول القديس اسحق السرياني "من يتنهّد ساعة على نفسه أهم ممن يُذهل العالم بنظرياته". المجاهد يركّز دائماً عينيه على أمراضه ويترك لله معاينة قداسته. هناك يذوق الإنسان وعد الله "أعطي دماً وخذ روحاً" هناك يعرف وإن بدّد المال والخيرات إلا أنه يخاطب نفسه ويجدها. هناك يعرف أن ذاته لا تحيا مما له. بل تحيا مما لله. لذلك ختم الرب مثله بالعبارة "هكذا الذي يكنز لنفسه وليس هو غنياً لله" (21).
هذا الجهاد المتواصل يقتل الإنسان القديم ويضبط الإنسان ذاته وتموت الأشباح وتختفي الظلال، وهناك يستطيع الإنسان أن يختلي بذاته، أي هو والله وهذا هو الهدوء وهذه هي الوحدة. هذه حالة اللاهوى والمحبة الكاملة التي يتمتع بها القديسون حيث يبقى الإنسان مع ذاته ومع الله ويعرفها دائماً بنعمته. فيحيا في حضرة الله عارياً عن رغباته في غبطة تطبيق المشيئة الإلهية بحياته إذ يحيا المسيح فيه وليس بعد يحيا هو، ويصبح العالم مكان حوار وحضرة لله معه وملكوته.
لذلك معرفة الذات حقاً هي من معرفة الله. الحوار مع الذات حوار فارغ، خدّاع. الصلاة هي الحوار الحقيقي حيث تسقط أقنعة الأهواء وتحاور من يشاء خير الإنسان ولا يشاء موت الخاطئ بل أن يحيا ويعود.
هنا الصرخة تصبح تسبحة.
وفق المدربات على الصلاة، أو "نصف صلاة" هي المطالعة الروحية التي نحاور فيها ذواتنا على ضوء الإنصات إلى صوت القديسين ومقابلة ذاتنا بحياتهم.
ـ المطالعة تقودنا إلى معرفة الذات بالاعتراف (اعترافات سائح روسي) - (رسالة المحبة1كو: 13).
ـ والاعتراف يوصلنا بمرشد روحي يساعدنا على كشف الأهواء ونزع الأقنعة وعلى الإصغاء إلى الصوت الإلهي وتقويم الصلاة.
لن نعرف إذاً "ذاتنا"إن بقينا مع "ذاتنا". فمعرفة الذات ستتم حين نخاطب سوانا. وخير حوار ما نقيمه مع "المحب البشر" الذي يحب لنا أنا نحيا وهناك تُذاق أفكار ذاتنا.
الصلاة والمطالعة والاعتراف والاسترشاد، سلسلة تبدأ بمعرفة الله ومشيئته وتنتهي بأن تضيء لنا ذاتنا.
كل حدث في الحياة هو "تجربة" لأنه بعلم الله وبسماح منه. وهو تجربة ستوضح إلى من سنتجه في الحوار. هل سنرفع اليد إلى الآب الذي في السماوات أم سننطوي نحو الأسفل مخاطبين ذواتنا؟
حدث الغني الجاهل يذكّرنا أن نصلي تلك الذكصولوجية
"يا ربي إليك لجأتُ، فعلمني أن أعمل رضاك، لأنك أنت هو إلهي، وأنت الأقرب من ذاتي إليَّ" لأنه "بنورك نعاين النور
 
قديم 24 - 10 - 2014, 04:19 PM   رقم المشاركة : ( 6657 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثل الخادم القاسي القلب

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

نصُّ الإنجيل

مَثَلُ مَلكوتِ السَماواتِ كمَثَلِ مَلِكٍ أَرادَ أَنْ يُحاسِبَ خَدَمَهُ . فلمَّا شَرَعَ في مُحاسَبَتِهم أُتِيَ بواحدٍ مِنهُم عَليهِ عَشَرَةُ آلافِ وَزْنَة . ولَم يكُنْ عِندَهُ ما يُؤَدِّي بِهِ دَيْنَهُ ,


فأَمرَ مَوْلاهُ بِأَنْ يُباعَ هوَ وامرأَتُهُ وأَولادُهُ وجَميعُ ما يَملِكُ لِيُؤَدِّيَ دَيْنَهُ. فجثا الخادِمُ ساجِداً لهُ وقال : " أَمْهِلْنِي أُؤَدِّ لكَ كُلَّ شيء ." فأَشفقَ مَوْلى ذلكَ الخادِمِ وأَطلَقَهُ وأَعفاهُ مِنَ الدَيْن .


ولمَّا خَرجَ ذلكَ الخادِمُ لَقِيَ خادِماً مِنْ أَصحابِهِ مَديناً لَهُ بمئَةِ دينار . فأَخَذَ بِعُنُقِهِ يخنُقُهُ وهوَ يقولُ لهُ : " أَدِّ ما عليكَ ." فجثا صاحِبُهُ يتوسَّلُ إِليهِ فيقول : " أَمْهِلْنِي أُؤَدِّهِ لك ." فلم يرضَ , بلْ ذهبَ بِهِ وأَلقاهُ في السِجنِ إلى أَن يُؤَدِّيَ دَيْنَهُ. وشَهِدَ أَصحابُهُ ما جرى فاغتمُّوا كثيراً فمضَوا وأَخبروا مَولاهُم بكُلِّ ما جرى.


فدعاهُ مولاهُ وقالَ لـهُ: " أَيُّها الخادِمُ الشرِّيرُ , ذاكَ الدَيْنُ كُلُّهُ أَعفيتُكَ مِنهُ لأنَّكَ سأَلتَني . أَفما كانَ يجِبُ عليكَ أَنتَ أَيضاً أَن ترحمَ صاحِبَكَ كما رحِمتُكَ أَنا ؟" وغضِبَ مولاهُ فدفعَهُ إلى الجلاَّدينَ حتَّى يُؤَدِّيَ لَهُ كُلَّ دينِهِ .


فهكذا يفعَلُ بِكُم أَبي السَماوي , إِنْ لم يغفِرْ كُلُّ واحدٍ مِنكُم لأَخيهِ مِنْ صميمِ قلبِهِ.


( متى 18/23-35 )

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل

إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ الله يطلب مِنَّا أن نقتدي به تعالى, وهو الإله الرحيم الغفور, فنرحم الآخرين ونغفِر لهم الإساءات التي وجَّهوها إلينا. فإن رفضنا أن نرحم الآخرين ونغفِر لهم إساءاتِهم لا يرحمنا الله ولا يغفِر لنا خطايانا.

وقد أوضح لنا يسوع هذه الفكرة الجزيلة الأهميَّة عندما دعانا, في تلاوة الصلاة الربيَّة, إلى أن نضع على أنفسنا شرط مغفِرة إساءات الآخرين لنحصل من الله أبينا السماوي على مغفِرة خطايانا: " اغفِرْ لنا خطايانا كما نغفِرُ لِمَنْ أخطأ إلينا." وإليكُم إيضاح هذه الفكرة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يجب أن نقتدي بالله الرحيم الغفور

عبَّر يسوع بأسلوبٍ أخَّاذ عن واجب الاقتداء بالله الرحيم الغفور, فوصف لنا رحمة الملك الحنون وقساوة الخادم اللئيم.

1- كان الخادم القاسي القلب مديوناً لسيِّده الملك بمبلغ يتجاوز خمسين مليون دينار, بينما كان رفيقه الخادم مديوناً له بمبلغ مئة دينار.

إنَّ الملك الرحيم سامح الخادم المديون بالدَيْن كلِّه, مع أنَّه دَيْنٌ كبيرٌ جدَّاً. أمَّا هو فلم يسامح رفيقه بالدَيْنِ القليل. فعامله الملك بالشِّدةِ نفسِها التي عامل بها رفيقَه.

2- إنَّ الدَيْن يُمَثِّل الخطيئة والإساءة. فنحن كالخادم القاسي القلب نوجِّه إلى جلال الله غير المحدود, بالخطايا التي نرتكِبُها, إهانةً كبيرة. وعندما نستغفره يغفِرُها لنا بكُلِّ رحمةٍ وحنان, ولكنَّه يشترط علينا أن نقتدي برحمته وحنانه فنغفِر للآخرين الإساءة المحدودة التي وجَّهوها إلينا. وهذا الشرط نذكره بوضوحٍ في "الصلاة الربيَّة."


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



صعوبة مغفِرة إساءة الآخرين

ليست مغفِرةُ الإساءة التي يوجِّهُها إلينا الآخرون أمراً سهلاً. فإذا ما أساء أحدٌ إلينا شعرنا على الفور بجُرحِ الإهانة الأليم, ورسمنا في أنفُسنا مخطَّطاً للانتقام منه وردِّ الإساءة بإساءةٍ أكبر.

ولا عجب في ذلك, فإنَّ طبيعَتنا مفطورة على حُبِّ الذات والرغبة في الانتقام. فأصعب الفضائِل علينا فضيلة المحبَّة, لأنَّها تفرض علينا أن نتخلَّى عن أنانيَّتنا وننسى ذواتنا ونفكِّر في الآخرين. وأصعبُ مظهرٍ من مظاهر المحبَّة مغفِرة الإساءة التي يوجِّهُها إلينا الآخرون, لأنَّ مغفِرة الإساءة تفرُضُ علينا أن نُحِبَّ من أظهروا لنا العداوة.


إنَّ محبَّة الأعداء أمرٌ شاقّ علينا, فنحن بحاجةٍ إلى نِعمة الله ومؤازرته الفعَّالة لنتمكَّن من العدول عن الانتقام ومن مغفِرة الإساءة. وهذه النعمة لا نحظى بها إلاَّ بالصلاة الحارَّة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مخالفة الوصيَّتين الكبريين العدل والرحمة

إذا تأمَّلنا في سلوكنا اليومي ظهر لنا أنَّنا نشعر بانزعاجٍ شديد عندما يسيء أحدٌ إلينا, ولا نُبدي في غالب الأحيان أيَّ اهتمامٍ بالإهانة التي نوجِّهُها إلى الله. وقلَّما نندَم في الحال على ما بدر مِنَّا, ولا سيَّما في مجال مخالفة وصيَّتَيْ العدل والرحمة اللتين أمرنا الله مرَّاتٍ كثيرة بأن نطبِّقهما في تعامُلنا مع الآخرين.


إنَّنا نُخالف هاتين الوصيَّتَيْن بكثرةٍ وسهولة, لأنَّنا فقدنا المقياس الصحيح الذي ينظِّم علاقاتِنا مع الآخرين, وهو احترامُ حقوقِهم ومعاملتُهم بالمحبَّة, واعتبرنا أنَّ جوهر الدين المسيحي هو تتميم الواجبات الدينيَّة فقط, من صلاة وعِبادة وصوم, من دون أن يكون له أيَّة علاقة بحقوق الناس وحاجاتهم الإنسانيَّة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بعض الأمثلة الواقعيَّة

وها نحن نضرِب بعض الأمثلة الواقعيَّة لإيضاح الفكرة الواردة في الفقرة السابقة:

1- هناك ربُّ عملٍ مسيحي, يتصوَّر نفسَهُ بكُلِّ اقتناع أنَّه مسيحيٌّ صالح لأنَّه يمارس واجباته الدينيَّة, مع أنَّه يتهرَّب بأساليب ملتوية من أن يدفع لمُستخدَميه وعُمَّاِله الأجور والرواتب التي هي من حقوقهم والتي يحتاجون إليها ليعيشوا عيشة كريمة, ويقضي أيَّامه في بيته وفي كنيسته وفي معمله وهو مرتاح الضمير لأنَّه لا ينقطع عن حضور القدَّاس يوم الأحد.

2- وهناك سيِّدة بيتٍ غنيَّة تقوم بواجباتِها الدينيَّة يوم الأحد بكُلِّ دقَّةٍ وأمانة, ولكنَّها تُعامِل خادِماتِها في منزلها مُعاملةً قاسية تتَّصِف بالإهانة والتحقير, بحُجَّة أنَّها تدفع لهنَّ أجورَهُنَّ من دون تأخير.

3- وهناك سيِّدات مسيحيَّات يُعَبِّرْنَ في الكنيسة بكُلِّ حرارةٍ وإيمان عن محبَّتهنَّ لله. ولكنَّهُنَّ ما يَكَدْنَ يخرُجْنَ مِنَ الكنيسة حتى تنطلق ألسنتهنَّ بكلام الغِيبة والنميمة على الآخرين, وبالطعن في صيت الناس.

4- وهناك أيضاً عمَّال وموظَّفون مسيحيُّون يُظهرون في سلوكِهم الديني للكنيسة كلَّ إخلاصٍ وتفانٍ, ولكنَّهم يخالفون وهم مرتاحو الضمير الأمانة لواجباتهم المهنيَّة في المعمل وفي الوظيفة مطمئنِّين إلى أن لا أحدَ يراقب تصرُّفاتِهم المغلوطة.

إنَّ من عرَفَ طبيعة علاقة الدين المسيحي بالمجتمع الإنساني معرفةً صحيحة استغرب هذا التناقض الظاهر في سلوك هؤلاء المسيحيين الذين لا يتمتَّعون بثقافةٍ دينيَّة مسيحيَّة سليمة.

للمثل بُعْدٌ أوسع من مغفرة الإساءة

إنَّ الأمثلة التي ذكرناها تُبيِّن لنا أنَّ لمثل " الخادم القاسي القلب" بُعداً اجتماعيَّاً أوسع من مغفِرة الإساءة. وهذا البُعد هو أن نتمسَّك دوماً بالمقياس الصحيح الذي ينظِّم علاقاتنا بالآخرين وَفْقَ إرادة الله أبي جميع الناس.

إنَّ المقياس الصحيح الذي أراده الله هو أن نحترم حقوق الناس الذين نتعامل معهم, وأن نقوم بالواجبات الاجتماعيَّة التي تفرضها علينا فضيلتا العدل والمحبَّة. ولذلك يجب أن يكون المسيحي مسيحيَّاً لا في بيته وكنيسته فقط, بل في معمله أيضاً, وفي دائرة عمله,ومع الناس الذين يعيشُ معهم.

التطبيق العملي

1- يسوع يطلب منَّا أن نغفِر للآخرين الإساءة التي يوجِّهونها إلينا, وهذا أمرٌ شاقٌّ للغاية لأنَّه يقاوم ميول طبيعتنا البشريَّة. ولذلك يجب عليك أن تطلب من يسوع أن يقوِّيك على مغفِرة كلِّ إساءة تُوجَّه إليك, وأن يطهِّر قلبك من كلِّ حقدٍ وضغينةٍ ورغبةٍ في الانتقام.

وأنت بدورك لا تُسئْ إلى الآخرين بكلامِك أو تصرُّفاتِك المؤلِمة, بل عاملِ الناس كُلَّهم بعدلٍ ومحبَّة, لتبقى مسيحيَّاً صالحاً في بيتك وكنيستك ومجتمعك.
 
قديم 24 - 10 - 2014, 04:21 PM   رقم المشاركة : ( 6658 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثلا الصديق اللَّجُوج والقاضي الظالم
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

نصُّ الإنجيل

قالَ يسوع : " مَنْ مِنكُم لهُ صَديقٌ يَمضي إِليهِ في مُنتصَفِ الليلِ ويقولُ لهُ: يا صديقي أَقرضْني ثلاثةَ أَرغِفَةَ, فقدْ قدِمَ عليَّ صديقٌ من سفَر , وليس عندي ما أُقدِّمُ له .


فيُجيبُ ذاكَ من الداخلِ : لا تُزْعجْني , فالبابُ مُقفَلٌ وأَولادي معي في الفِراش , فلا يُمْكِنُني أَنْ أَقومَ فأُعطِيَكَ . أَقولُ لكُم : إِنْ لَم يَقُمْ ويُعْطِهِ لِكونِهِ صَديقَهُ , فإِنَّهُ ينهَضُ لِلَجاجتِهِ , ويُعطيهِ كُلَّ ما يحتاجُ إليهِ ."

وأَقولُ لكُم أَيضاً : " إِسأَلوا تُعطَوا , أُطلُبُوا تَجِدوا , إِقرَعُوا يُفتَحْ لكُم . فمَنْ يسأَلْ يَنَلْ , ومَنْ يَطلُبْ يجِدْ , ومَنْ يقرَعْ يُفتَحْ لَهُ . فأَيُّ أَبٍ منكُم إذا سأَلَهُ اِبنُهُ رغيفاً أَعطاهُ حَجَراً ؟ أَوْ سأَلَهُ سَمَكةً أَعطاهُ بدَلَ السَمَكةِ حيَّةً ؟


أَوْ سأَلَهُ بيضَةً أَعطاهُ عقرباً ؟ فإذا كنتُم أَنتمُ الأَشرارَ تُحسِنونَ العَطاءَ لأَبنائكُم , فما أَولى أَباكُمُ السَمَاوي بأَنْ يمنَحَ سائِليهِ الروحَ القُدس "( لوقا 11/5-13 )

وضربَ لهُم يسوع مثلاً في وجوب المداومةِ على الصلاة مِنْ غيرِ ملَل , قال : " كانَ في إِحدى المُدُنِ قاضٍ لا يخافُ اللهَ ولا يهابُ الناس . وكانَ في تِلكَ المدينَةِ أَرْملَةٌ تأْتيهِ فتقول : أَنصِفْني مِنْ خَصمي .


فأَبى عليها ذلكَ مُدَّةً طويلة . ثُمَّ قالَ في نفسِهِ : أَنا لا أَخافُ اللهَ ولا أَهابُ الناس . ولَكِنَّ هذه الأََرملَةَ تُزعِجُني , فسأَنصِفُها لئلاَّ تَظَلَّ تأْتي وتصدَعَ رأْسي . ثمَّ قالَ الربُّ : إِسمعوا ما قالَ القاضي الظالم . أَفما يُنصِفُ اللهُ مُختاريهِ الذينَ يَدعونَهُ نهاراً وليلاً ؟ وهل يَتَوانى عنهُم ؟ أَقولُ لكُمْ : إِنَّهُ يُسرِعُ إِلى إِنصافِهِم." ( لوقا 18/1-8 )


الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذين المثلَيْن

إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذين المثلَيْن واحدة, وهي أنَّ الله أبٌ حنون يعطِفُ على أولاده ويلبِّي دوماً حاجاتِهِم, بشرط أنْ يداوِموا على الصلاة, وأن يثِقوا بحكمته وحنانِهِ إذ إنَّه يختار لهم النِعمة التي توافقهم.

إنَّ النِعمة التي يهبها الله لمن يصلّي هي دوماً أفضل نِعمة, وخيرٌ مِنَ النِعمة التي يطلُبُها المصلِّي منه تعالى. وإليكم إيضاح هذه الفكرة.

إنَّ الله يستجيب دوماً صلاة أولاده

قال يسوع: " مَنْ يَسأَلْ يَنَلْ , ومَنْ يَطلُبْ يَجِدْ , ومَنْ يَقْرَعْ يُفتَحْ لَهُ ." بهذا القول أوضح أنَّ الله قد وعد باستجابة صلاة أولاده. ثمَّ شرح وعد الله بمثل الإبن الذي يسأل أباه رغيفاً فلا يُعطى حجراً, أو يسأله سمكةً فلا يُعطى حيَّةً, أو يسأله بيضةً فلا يُعطى عقرباً.


فإذا كان الناس الأشرار يتصرَّفون على هذا النحو من الصلاح تُجاه أولادِهم, فما أولى الله, الأب الحنون, بهذا التصرُّف, وبأفضل منهُ, ذلك لأنَّ الله محبَّة. ومن التجأ إلى هذه المحبَّة لا يجدُ أمامه أبداً البابَ مُغلقاً.


ما تقوله الخبرة اليوميَّة

أكَّد يسوع أنَّ الله الأب الحنون يستجيب دوماً صلاة أبنائِه الذين يرفعون إليه طلباتهم. ولكنَّ الخبرة اليوميَّة تُبيِّن لنا أنَّ أُلوفاً من الصلوات بقيت, وتبقى, من دون جواب. والنتيجة هي أنَّنا نشعُر في أنفُسنا بخيبةِ أملٍ مريرة وبالميل القويِّ إلى الشكِّ في وعد الله بتلبيةِ صلواتنا. فنقول في ذواتنا: " لقد وعَدَنا الله بأن يسمعَنا ويستجيبَنا, وهو لا يسمعُنا ولا يستجيبُنا ".

ولكننا نحن على خطأ في استنتاجنا هذا. إنَّ الله يسمعُنا دوماً, ولكنَّه وضع لاستجابةِ طلبنا شرطَيْن, وهما الإلحاح عليه في الطلب, والثقة البَنَويَّة به تعالى.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإلحاح على الله في الطلب

لقد أراد الله لكي يستجيب صلاتنا أن نُلحَّ عليه في السؤال بدالَّةٍ بَنَويَّةٍ كما يُلحُّ الأبناء المحبوبون على آبائهم المحبِّين, وهذا يعني أنَّه يجب علينا أن نصلِّي باستمرار, وبلا ملَل, ومرَّاتٍ كثيرة, من دون ضيقِ نَفْسٍ ولا يأس. وهذا ما عبَّر عنه يسوع عندما يأمرنا بأن نداوم على الصلاة من دون ملَل. ( لوقا 18/1 )
الثقة الكاملة بالله أبينا


أمَّا الشرط الثاني فهو الثقة الكاملة بالله أبينا, وهو الشرط الأهمُّ في عينيه تعالى. لا يكفي أن نُلحَّ على الله في السؤال. فلا بُدَّ من أن نثق بمحبَّته الأبويَّة لنا وبتدبير حكمته غير المحدودة التي يمنحنا بها دوماً أفضل نِعمة.

وما هي أفضل نعمة؟ إنَّ أفضل نعمة لنا هي أن ننال الروح القدس. قال يسوع " فإذا كنتُم أَنتُمُ الأَشرارَ تُحسِنونَ العَطاءَ لأَبنائِكُمْ , فما أَولى أَباكُم السماوي بأنْ يمنَحَ سائِليهِ الروحَ القدس ." ( لوقا 11/13 ) قال يسوع هذا القول لأنَّ الروح القدس الذي يمنحنا إيَّاه الآب السماوي يُرشِدُنا إلى الحقّ ويُعلِّمنا أن نصلِّي كما ينبغي.

1- إنَّ الروح القدس يرشدنا إلى الحقّ لأنَّه روح الحقّ (يوحنا 16/13). فهو يبيِّن لنا أنَّ الله, المحبَّة اللاّمحدودة, يُحِبُّنا حُبَّاً لا حدَّ له, فيُصغي إلينا ويسمعُنا, ولا يردُّ أبداً صلاتنا, بل يختار لنا دوماً النِعمة الفُضلى التي تُناسب أوضاعنا وتُحقِّق سعادتنا. إنَّ هذه المحبَّة التي يُبديها لنا الله تخلق فينا الثقة الكاملة بتدبير حكمته الأبويَّة.

فهو يمنحنا تارةً نعمةً روحيَّة, كالقوَّة على حمل صليبنا اليومي أو الغلبة على تجارب الشيطان, وتارةً أخرى نعمةً زمنيَّة, كالشفاء من المرض أو النجاح في العمل, بحسب ما يرى ذلك موافقاً لنا ولخلاصنا الأبدي.

ولكن من الخطأ أن ننتظرَ من الله مُعجِزةً تهبِط علينا من السماء وتحقّق لنا مطلب النعمة الزمنيّة التي نتمنّاها. إنَّ انتظارَ هبوط مُعجزة من السماء غباءٌ ديني لا يُقِرّه وحيُ الله القويم.

2- ثمَّ إنَّ الروح القدس يعلِّمنا أن نصلِّي كما ينبغي, لأنَّنا لا نُحسِن الصلاة (رومة 8/26). فهو يبيِّن أيضاً لنا أنَّ خير صلاةٍ نرفعها إلى الله هي التي نسلّم فيها ذواتنا إلى إرادته القدُّوسة تسليماً كاملاً. فلا نعود نوجِّه قلوبنا إلى النِعمة الزمنيَّة التي كنَّا نطلبها, بل إلى تتميم إرادة الله في حياتنا. فنكون على يقين , بفضل إلهام الروح القدس الساكن فينا,


أنَّ النِعمة الفُضلى التي توافقنا ليست النِعمة التي نطلبها, بل النِعمة التي يريدها الله لنا والتي يمنحنا إيَّاها بحكمته غير المحدودة. فنشعر آنذاك بهدوء النفس واطمئنان القلب والثقة الكاملة بحكمته الإلهيَّة.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
صلاة الطلب تتناول جوانب الحياة كلَّها

إنَّ الكنيسة التي تثق بحكمة الله أبينا تُعلِّمنا أن نسأله كُلَّ نعمةٍ نحتاج إليها, حتَّى وإنْ كانت نِعمةً زمنيَّة. ولذلك فإنَّها وضعت في كتاب "الصلوات الطقسيَّة", إلى جانب طلب النِعم الروحيَّة, مجموعةً من الصلوات التي تسأل الله النعم الزمنيَّة.


فصاغت "صلاةً" لكُلِّ شيء نحتاج إليه, كالصحَّة والماء والخبز والفواكه والخضار والملح، والبيوت والمدارس والمشافي والسيارات والبواخر والطائرات والنجاح في العمل, والشفاء من المرض...


إنَّ كلَّ هذه الأشياء الضروريَّة للحياة قد شملتها هذه الصلوات, لأنَّ كلَّ شيءٍ ينفع الإنسان ويساعده على السير في الطريق الذي يصل به إلى الله جديرٌ بأن يطلبه المسيحي من أبينا السماوي.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

التطبيق العملي

1- لا تنسَ ما قاله لنا يسوع : " لا تهتمُّوا قائلينَ ماذا نأكُلُ أَو ماذا نشرَبُ ؟ لأَنَّ هذا كُلَّه يطلُبُهُ الوثنيُّونَ . اطلُبوا أَوَّلاً ملكوتَ اللهِ وبِرَّه , والباقي كُلُّهُ يُزادُ لكُم ." (متى 6/31-33) فاطلب إلى الله انتشار ملكوته على الأرض ثمَّ الخبز اليومي.

2- اطلبْ لنفسِك ولمن تحبُّهم القداسةَ وحُبَّ الله ثمَّ دوامَ الصحَّة والنجاحَ في العمل, واشكرْ لله شكراً عميقاً نِعَمَهُ الروحيَّة وبركاته الأرضيَّة لتنال رِضاه الأبويّ.

3- ولا تنسَ حاجات الكنيسة. إنَّها تحتاج إلى السلام, والوحدة, واتفاق الآراء, وازدياد النعمة في نفوس أبنائها, ونجاح المرسلين الذين يجاهدون في نشر اسم يسوع لدى جميع شعوب العالم

4- ولا تُهملِ الصلاة لأجل وطنك. فاسألِ الله أن يحفظه سالماً ويجعله دوماً مزدهراً بالوحدة الوطنيَّة وتحقيق جميع تطلُّعاته الاجتماعيَّة. وصلِّ لأجل الحُكَّام لكي يسوسوا بلدك بالعدل والشجاعة والقدرة على رفع شأنه بين بلاد العالم.

وادعُ الله لأجل أصحابك ورفاق عملك, سواء أكانوا طلاَّباً أم موظَّفين أم عمالاً لكي ينعموا بالنجاح في المهامّ المترتِّبة عليهم.


 
قديم 24 - 10 - 2014, 04:23 PM   رقم المشاركة : ( 6659 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثل الوَزَنات
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نصُّ الإنجيل
وَمَثَلُ ذَلِكَ كمَثَلِ رَجُلٍ أَرادَ السَفَرَ , فدَعا خَدَمَهُ وسلَّمَ إِليهم أَموالَهُ . فأَعطى أَحَدَهُم خَمْسَ وَزَنات , والثاني وَزنَتَيْن , والآخَرَ وَزنَةً واحِدةً , كُلاًّ على قَدْرِ طاقَتِهِ , وسافر .

فأَسرعَ الذي أَخَذَ الوَزَناتِ الخمسَ إلى المُتاجَرَةِ بِها فرَبِحَ خَمْسَ وَزَناتٍ غيرَها. وكذَلِك الذي أَ خَذَ وَزنَتَيْنِ فرَبِحَ وَزنَتَيْن غيرَهُما . وأَمَّا الذي أَخَذَ الوزنةَ الواحدة , فإِنَّه ذهبَ وحفَرَ حُفرَةً في الأَرضِ ودفَنَ مالَ سيِّدهِ.
وبَعْدَ مُدَّةٍ طويلَةٍ رَجَعَ سيِّدُ أُولئكَ الخَدَمِ وحاسبَهُم . فدنا الذي أَخَذَ الوَزناتِ الخمْس , وأَدَّى معَها خمْسَ وَزناتٍ وقال : " يا سيِّد سلَّمتَ إليَّ خمْسَ وَزناتٍ , وإِليكَ معَها خمْسَ وَزناتٍ رَبِحتُها ." فقالَ لَهُ سيِّدُهُ : " أَحسَنتَ أَيُّها الخادِمُ الصالِحُ الأَمين ! كُنْتَ أَميناً على القليل , فسأُقيمُكَ على الكثير : أُدخُلْ نَعيمَ سيِّدِكَ." ثُمَّ دنا الذي أَخَذَ الوَزنَتَيْن فقال : " يا سيِّد , سلَّمتَ إِليَّ وَزنَتَيْن , فإِليكَ معَهما وَزنَتَيْن ربِحْتُهما ." فقالَ لهُ سيِّدُهُ :
" أَحسَنتَ أَيُّها الخادِمُ الصالِحُ الأَمين ! كُنتَ أَميناً على القليل, فسأُقيمُكَ على الكثير : أُدخُلْ نَعيمَ سيِّدِكَ ." ثُمَّ دنا الذي أَخَذَ الوَزنَةَ الواحِدَةَ فقال : " يا سيِّد , عَرَفتُكَ رَجُلاً شديداً تحصُدُ مِنْ حيثُ لمْ تزرَعْ , وتجمعُ مِنْ حيثُ لمْ توزِّعْ . فخِفتُ وذهبتُ فدفنتُ وَزنَتَكَ في الأَرض . فإِليكَ مالَكَ ." فأَجابَهُ سيِّدُهُ :

" أَيُّها الخادِمُ الشرِّيرُ الكسلان ! عرَفتَني أَحصُدُ مِنْ حيثُ لم أَزرَعْ , وأَجمَعُ مِنْ حيثُ لَمْ أُوَزِّعْ فكانَ عليكَ أَنْ تضعَ مالي عِنْدَ أَصحابِ المصارِف , وكُنتُ في عَودَتي أَسترُدُّ مالي معَ الفائِدة. فخذوا مِنهُ الوَزنَةَ وأَعطوها الذي معه الوَزناتُ العَشْر, لأَنَّ كُلَّ مَنْ كانَ لَهُ شيءٌ يُعطى فيَفيض , ومَنْ ليسَ لَهُ شيءٌ يُنْزَعُ مِنهُ حتى الذي لهُ.

وذلك الخادِمُ الذي لا خيرَ فيهِ, أَلقوهُ في الظُلمةِ البرَّانيَّة. فهُناكَ البُكاءُ وصريفُ الأَسنان."

( متى 25/14-30 )


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل
إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ الله يمنح المسيحي عدَّة مواهب, ويطلب منه أن يكتشفها ويعمل باستمرار على إنمائها في سبيل تمجيد اسمه على الأرض.
وعندما يُحاسبه الله في يوم الدينونة, لا يُكافِئه على مقدار ما بلغت مواهبُهُ الشخصيَّة من نموّ, بل على مقدار ما بذل من جَهدٍ في سبيل إنماء هذه المواهب.
أمَّا إذا استسلم إلى الكسل والخمول الروحي, كانت دينونة الله لـه شديدةً جدّاً, وأُلقي في ظلام الهلاك الأبدي. وإليكُم إيضاح هذه الفكرة.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الوَزنات هي مواهب الله
تُشير الوزنات الوارد ذكرها في هذا المثل إلى المواهب التي يمنحها الله للمسيحيين. وهذه المواهب متنوِّعة جدَّاً:
فمنها طبيعيَّة, كالصحَّة, والذكاء, وقوَّة الإرادة, والهمَّة العالية, والجدارة الفنيَّة.
ومنها اجتماعيَّة, كالقدرة على تسيير الشؤون الإداريّة, وتحمُّل المسؤوليَّة في الكنيسة الجامعة أو في الكنيسة المحلّية أو في المؤسَّسات الكنَسيَّة أو في الأخويّات.
ومنها روحيَّة, كالنعمة المقدِّسة, وفضائل الإيمان والمحبَّة والعدل والشجاعة.
إنَّ هذه المواهب غير متساوية لدى الجميع, ومتفاوتة كالوزنات التي تسلَّمها الخدَم من سيِّدهم. كما انَّ استثمارها عِند المسيحيين متفاوِتٌ أيضاً.

فبعضهم نشيط يستثمرها بجِدٍّ وحزمٍ وينميها, وبعضهم كسول يُهملها ولا يُعنى باستثمارها, فلا تنمو ولا تزدهر, بل تتضاءل وتفنى.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مكافأة جَهد الخادمَيْن النشيطَيْن
لمَّا عاد السيِّد إلى منزله بعد سفره الطويل اِستقدم الخدَم الثلاثة وحاسبهم. فالخادِم الأول الذي تسلَّم خمسَ وزنات تاجر بها وربح خمس وزنات أُخرى, فدفع إلى سيِّده عشْر وزنات. والخادِم الثاني الذي تسلَّم وزنتين تاجر بهما وربِح وزنتين أُخريَيْن, فدفع إلى سيِّده أربع وزنات.

فأثنى السيِّد عليهما الثناء نفسَهُ وكافأهُما المُكافأة نفسَها, مع أنَّ الفرق كبير بين عدد الوزنات التي سلَّمها كُلٌّ مِنَ الخادِمَيْن إلى سيِّده.
إنَّنا نستنتج من تصرُّف السيِّد أنَّ ما كان جوهريَّاً في عينَيْهِ وجديراً عندَهُ بالثناء والمكافأة, لا عدد الوزنات التي ربحها كُلٌّ من الخادِمَيْن, بل مبلغ الجَهد الذي بذله كلٌّ منهما. لقد قام كلاهما بالجَهد نفسِهِ فاستحقَّا الثناء نفسَهُ والمكافأة نفسَها.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
معاقبة الخادِم الكسلان الوقح
إنَّ الخادِم الثالث رجلٌ كسلان ووقح. لقد تسلَّم من سيِّده وزنةً واحدة, فأخذها وطمرها في الأرض, ولم يَقُمْ بأيِّ جَهدٍ ليستثمرها ويُمجِّد بها الله. وبرَّر كسله بالطعن في سلوك سيِّده والانتقاد الوقح الذي وجَّهه إليه.
فعاقبه سيِّده على كسله ووقاحته معاقبةً عادلة. قال: " أَلقُوهُ في الظُلمةِ البرَّانيَّة . فهناكَ البُكاءُ وصريفُ الأَسنان ."
محاسبة المسيحيين في يوم الدينونة
إنَّ هذا المثل يشير إشارة واضحة إلى أنَّ الله يحاسب المسيحيين في يوم الدينونة كما حاسب السيِّد خُدَّامَه الثلاثة, لأنَّ الدينَ المسيحي دِينُ جهاد روحي مستمرّ
1- فالمسيحي الذي يقبل نِعم الله ومواهبه ويستثمرها كما ينبغي, ينال المكافأة على مِقدار ما يبذله من جَهدٍ في سبيل إنمائها وتمجيد اسمه تعالى على الأرض.
2- أمَّا المسيحي الذي يحتقر مواهب الله ولا يستثمرها, بل يستسلم إلى الكسل الروحي وانتقاد الله خالقه يُعاقب في ظلام الهلاك الأبدي.
التطبيق العملي
1- لا تستخفَّ بعطايا الله ومواهبه, بل ابذلْ كلَّ جَهْدكَ لتنمِي فيك الفضائل المسيحيَّة والعادات الحميدة. وهذا الجَهد يُمجِّد الله ويُحَقِّق لك المكافأة السعيدة.
2- إنَّ استثمار مواهبك يقتضي منك النضال المتواصل لرفع مستواك الروحي.
 
قديم 24 - 10 - 2014, 04:25 PM   رقم المشاركة : ( 6660 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,092

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مثل الوكيل الخائن
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نصُّ الإنجيل
كانَ رجُلٌ غنيٌّ , وكانَ لهُ وَكيل . فشُكِيَ إليهِ بأَنَّهُ يُبَذِّرُ أَموالَهُ . فدعاهُ وقالَ لهُ : " ما هذا الذي أَسمَعُ عنكَ ؟ أَدِّ حِسابَ وَكالتِكَ , فلا يُمكنُكَ بعدَ اليومِ أَنْ تكونَ لي وكيلاً ."

فقالَ الوكيلُ في نفسِه : " ماذا أَعمَلُ ؟ فإنَّ سيِّدي يسترِدُّ الوكالةَ منِّي . وأَنا لا أَقوى على الفِلاحَةِ , وأَخجَلُ بالاستعطاء . قد عَرَفتُ ماذا أَعمَلُ حتى إذا نُزِعَتْ عَنِّي الوكالَةُ , يكونُ هناكَ مَنْ يقبلونَني في بيوتِهِم ." فدعا مَدِينِي سيِّدِهِ واحِداً بعدَ واحِد .

وقالَ للأَوَّل : " كمْ عليكَ لسيِّدي ؟." قال : " مئةُ كَيْلٍ زَيتاً ." قال : " إِليكَ صكَّكَ , فاجلِسْ واكتُبْ على عَجَلٍ : خمسين ." ثُمَّ قال للآخر : " وأَنت كم عليكَ ؟" قال : " مئةُ كَيْلٍ قمحاً." قالَ لهُ: " إليكَ صكَّكَ , فاكتُبْ : ثمانين ." فأَثنى السيِّدُ على الوكيلِ الخائِنِ , لأَنَّهُ كانَ فطِناً في تصرُّفه . وذلكَ أَنَّ أَبناءَ هذهِ الدنيا أَكثرُ فِطنةً معَ أَشباهِهِم مِنْ أَبناءِ النور.

وأَنا أَقولُ لكم :" اِتَّخِذوا لكُم أَصدِقاءَ بالمالِ الحرامِ , حتى إذا فُقِدَ , قبِلوكُمْ في المساكِنِ الأَبديَّة ." ( لوقا 16/1-9 ).
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل
إنَّ الفكرة الأساسيَّة الواردة في هذا المثل هي أنَّ الوكيل الخائن تصرَّف مع زبائِن سيِّده بحكمة بشريَّة, فأمَّن لنفسه عندَهُم مكاناً للعمل ومَورِداً للرزق. فعلى المسيحي أن يتصرَّف بحكمة سماويَّة ليؤمِّن لنفسه مكاناً عِندَ الله ويحظى بالسعادةِ الأبديَّة في البيت السماوي. وإليكُم إيضاح هذه الفكرة.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يسوع ينصح لنا بالحكمة السماويَّة
1- يسرد علينا هذا المثلُ أنَّ الوكيل الخائن قد سرق قسماً وافِراً من أموال سيِّده الغني. ولمَّا انكشف أمره لدَيْه خاف أن يُطردَ من وظيفته فزوَّر سندات الديون المستحقَّة على مديوني سيِّده, وهدفُهُ أن يستميلهُم إليهِ ويحصل عندَهُم على مكانٍ للعمل. فعندما اطَّلع سيِّدُهُ على تصرُّفه لم يوبِّخْهُ, بل أثنى عليه "لأنَّهُ تصرَّف بحكمة."
2- إنَّنا نستغرب هذا الثناء على الوكيل الخائن, ونتساءل بدَهَش ما إذا كان المثلُ يُناصِر الخِداع والتلاعب بأموال الناس والسرقة بطريقةٍ لبقة.
لم يُناصِر يسوع قط الخطيئة مهما كان هدفُها, بل يقول لنا في هذا المثل بوضوحٍ وبساطة أنَّ " أبناء الظلام " يتمتَّعون بحكمة عالية تمكِّنهم من إيجاد الوسائل الملائمة لإصابة أهدافهم الأثيمة, ويصلون غالباً إلى تحقيقها بمهارةٍ فائقة.

3- ولذلك دعا " أبناء النور " إلى أن يتشبَّهوا بهم, لا في استعمال أساليبهم الخدَّاعة للحصول على المال, بل في التصرُّف بحكمةٍ سماويَّة ليُصيبوا هدَفهم النبيل وهو الحصول على ملكوت السماوات.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
طريقة يسوع الحكيمة
1- إذا تأمَّلْنا في تفاصيل هذا المثل قُلنا إنَّ هدف أبناء الظلام هو الحصول على الأرباح الماديَّة وتحقيق المصالح الشخصيَّة, حتى وإن اِقتضى الأمر أن يلجأوا إلى مهارة الخداع والتلاعب والتزوير, كما فعل الوكيل الخائن.
2- إنَّ هذا الأسلوب الخدَّاع الذي يتبنَّاه أبناء الظلام, يرفضه يسوع رفضاً قاطِعاً, ويعرض على أتباعه أبناء النور, عوضاً عنه, سلوك طريقةٍ حكيمة تُمكِّنهم من إصابةِ هدفٍ أسمى, وهو بلوغ ملكوت السماوات.
إنَّ الطريقة الحكيمة التي يعرضها عليهم هي أن يتبرَّعوا بقسمٍ من أموالهم في سبيل الخيرِ والبِرِّ والإحسان. ذلك لأنَّ الواقع يؤكِّد أنَّ المال الوافر الذي جمعوه في أيديهم لم يكُن دوماً مالاً حلالاً, بل كان في بعض الأحيان ملطَّخاً بِبُقَعِ الظُلْم والتعامل الحرام.

فإنْ دفعوا مِنهُ قسطاً كريماً للفقراء والمحتاجين عوَّضوا عن هذا الظُلْم الخفيّ وأمَّنوا لأنفُسِهم بفضلِ دعاء الفقراء أصدقائهم الجُدُد عَفْوَ الله. فهذه هي الحكمة السماويَّة التي عناها يسوع عندما قال لنا : " إِتَّخِذوا لكُمْ أَصدقاءَ بالمالِ الحرام ."
فالحكمة في نظر يسوع هي ممارسة المحبَّة للآخرين ومؤازرة المحتاجين والتخلّص من عبوديّة الخطيئة. إنَّها الحكمة السماويَّة الحقَّة, لأنَّها تمحو الآثام وتُزيل آثار الظُلْم, وتمكِّن أبناء النور من الدخول إلى ملكوت السماوات.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المسيحيُّون الجشعون يشوِّهون فِكر يسوع
إذا طبَّقنا هذا المثل على واقعنا الحاضر رأينا أنَّ بعض المسيحيين الجشعين يتصرَّفون بدهاء الوكيل الخائِن, ويلجأون إلى الخداع والتلاعب لربح المال.
1- إنَّهم يعتقدون أنَّ المحتالين المَهَرَة الذين يتوصَّلون بألاعيب خدَّاعة وحيَلٍ خفيَّة إلى جَمْعِ المال هم أصحابُ الحِكمة والذكاء النّير وأبناء النور. إنَّهم مُخطئون في اعتقادِهم لأنَّ المحتالين هم في الواقع أبناء الخطيئة و " أبناء الظلام ".
2- كما أنَّهم يتصوَّرون أنَّ المسيحيّين الأتقياء الذين يُفضِّلون التعب والعمل الشريف والعطاء على الأخذ, مغفَّلون وأغبياء وأبناء الظلام. إنَّهم مخطئون أيضاً في تصوُّرهم هذا لأنَّ المسيحيين المُجاهدين في الحياة والمُحسنين الكرام هُم في الواقع أصحابُ الحكمة السماويَّة " وأبناء النور".
3- إنَّ تفكير يسوع هو على نقيض تفكير هؤلاء المسيحيين الجشعين, لأنَّ الخِداع والتلاعب سرقةٌ وغشٌّ وعبادةُ المال, وهذا التصرّف المخادع لا يجوز إطلاقاً للمسيحي لأنَّه يتعارض مع الاستقامة ونقاء الضمير القويم وعبادة الله.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التطبيق العملي
1- تذكَّر دوماً أنَّ الله قد دعانا إلى أن نحيا حياة الاستقامة والشرف, ونمتنع عن كلِّ سرقةٍ مهما كان أسلوبها, وأن نعمل بأيدينا لتكون لقمة عيشنا حلالاً.

2- إنَّ المسيحي الحقّ يشتغل بيدَيْه, ويتبرَّع بقسمٍ من ماله في سبيل الإحسان ومساعدة المعوزين, كما قال بولس الرسول:
" يجبُ على المسيحي أَنْ يَكِدَّ ويَعمَلَ بيدَيْهِ بنَزاهةٍ لكي يحصُلَ على ما يقسِمُهُ بينَهُ وبينَ المُحتاج ." (أفسس 4/28)


 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 07:48 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024