30 - 09 - 2014, 04:44 PM | رقم المشاركة : ( 6471 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سيرة حياة مار منصور دي بول
ولادة منصور ونشأته وُلِدَ منصور، المعروف في شرقنا باسم "مار منصور"، في قرية "بوي" منمقاطعة "اللاند" الفرنسيَّة في الرابع والعشرين من نيسان في العام 1581. كان منصور الصغير يرعى الغنم والبقر بصحبة والده التقيّ "جان دي بول". علّمته الطبيعة روح التواضع، فأحبّ النفوس البسيطة. وأحبّ الفلاّحينوالفقراء. كان في العاشرة من عمره عندما صادف في أحد الأيّام فقيراًمعوزاً، فأعطاه كلّ ما يملك من المال، ثلاثين فرنكاً. وهذه تضحية كبيرةيقوم بها راعي بقر زمن كان المال شحيحاً. دخل منصور المدرسة في الثانيةعشرة من عمره، وبعد ثلاث سنوات استطاع أن ينجز تعلّم قواعد اللغتَينالفرنسيَّة واللاتينيَّة بتفوّق. لمّا علم عمّه الكاهن بتفوّقه في الدراسةأراد أن يختبر معارفه فوجده مجدّاً عارفاً كلّ شيء. فاصطحبه معه إلىالمشافي ليختبر محبّته، فرآه متأثّراً برؤية المرضى يحنّ عليهم ويغسلجراحهم ويستمع برأفة إلى همومهم. فقال الكاهن لابن أخيه: "أتعلم يا عزيزيبأنّ كلّ مريض يمثّل السيّد المسيح". فأجابه منصور: "لقد رأيت المسيح! نعمرأيته يتألّم على فراش المرض". حينئذٍ أيقن العمّ الكاهن أنّ ابن أخيه "منصور" مدعوّ إلى الكهنوت وسيكون حتماً تلميذاً نجيباً للسيّد المسيح. دعوة منصور إلى الكهنوت سمع منصور صَوت الربّ يدعوه إلى الكهنوت فاندفع بدون تردّد إلى تلبيةالنداء. دخل الإكليريكيَّة بقلب مفعم بالمحبّة وبرغبة قويَّة، فانكبّ علىالدرس وممارسة الفضائل حتّى حصل على الدرجات الكهنوتيَّة الأولى وهو فيالسادسة عشرة من عمره. ثمّ دخل جامعة "تولوز" حيث تابع دراسته اللاهوتيَّة. رُسم شمّاساً في العام 1598 ثمّ كاهناً في العام 1600 وكان في العشرين منعمره. احتفل الأب منصور بقدّاسه الأوّل في كنيسة منفردة متواضعة في وسطغابة اعتاد أن يزورها عند حداثته للصلاة والتأمّل. الأب منصور في الأسر بدأ الأب منصور رسالته الكهنوتيَّة بكلّ حماسة وتقوى، لكنّه بمقتضىالعقليَّة السائدة في عصره كان عليه أن يجد عملاً يدرّ عليه مالاً ليصبحقادراً على إعالة نَفْسه وذَويه. عاش هذا الكاهن الجديد في صراع هائل بينالمال والجاه من جهة، وخدمة المحرومين والمتألّمين من جهة أُخرى. كانتأبواب امتلاك الثروة واحتلال المناصب الرفيعة مفتوحة على مصراعيها أمامالأب منصور، لكنّ إخوته أبناء شعبه كانوا يرزحون تحت وطأة الجوع والمرض. فجثا أمام المصلوب ناشداً النُور والإلهام والقوّة. عاد الأب منصور إلى "تولوز" فعلم أنّ إحدى السّيدات قد جعلته وارثاً لها، لكنّ أحد مديونيهاهرب إلى "مرسيليا" فتبعه إلى أن وجده وأرغمه على تسديد ما عليه. وفي طريقالعودة سَلك طريق البحر على متن باخرة تعرّضت لعمليَّة قرصنة، فقُتل مَنقُتل وأُسر مَن أُسر وكان من بين الأسرى الأب منصور الذي نقله القراصنة إلىمدينة تونس وعرضوه للبيع مع سائر العبيد. فاشتراه صيّاد سمك تونسيّ، ولكنسرعان ما تخلّى عنه، لأنّ البحر كان يضايقه ويسبّب له الدوران. فباعه إلىرجل عجوز متضلّع من عِلم الكيمياء. أحبّ الكيميائيّ "الأب منصور" حُـبّاًجمّاً فعلّمه الشيء الكثير من أسرار مهنته لكنّ العجوز المسكين باعه إلىأحد المزارعين ليعمل في حقله. كان الأب منصور طوال فترة العبوديَّة يطلبمعونة الله وشفاعة العذراء مريم، فاستجاب الله لدعائه. وفي حزيران من العام 1607 هرب المزارع إلى فرنسا لأنّه أُرغم على نكران دِينه وصحبه الأب منصورالذي أصبح حرّاً طليقاً. الأب منصور مرشداً روحيّاً في البلاط الملكيّ نظراً إلى صيت هذا الكاهن العطر عيّنه الملك "هنري" الرابع مرشداً لزوجته "مرغريت". استفاد الأب منصور من هذا المنصب وطلب من الملكة أن توزّعالحسنات على العديد من البؤساء الذين يعيشون في الأحياء الفقيرةوالمنسيَّة. وفي باريس أهداه أحد المحسنين مبلغاً كبيراً من المالفقدّمه حالاً إلى "مستشفى المحبّة" متذكّراً قول السيّد المسيح: "إذا أردتأن تكون كاملاً، فاذهب وبعْ ما تملكه ووزّع ثمنه على الفقراء، فيكون لككنـز في السماوات وتعالَ اتبعني" (متّى 19/21). لم تهبط القداسة على الأبمنصور دفعة واحدة، بل كان ينمو في القداسة شيئاً فشيئاً وصولاً إلى الذروة. في العام 1610 حدثٌ مرعبٌ هزّ فرنسا بأسرها، هو اغتيال الملك هنري الرابععن يد شابّ متهوّر طعنه في عرض الشارع بسكّين. فارتقى العرش ابنه الصغيرلويس الثالث عشر. وكان الأب منصور المرشد الروحيّ لهذا الملك الصغير، وهذاما دفعه إلى القيام بإصلاحات دِينيَّة لأنّ الجهل كان منتشراً والنفوسمهملة والناس في أغلبيّتهم لا يعرفون حقائق الِدين المسيحيّ ولا واجباتهمالِدينيَّة. الأب منصور خوري رعيَّة عُيّن الأب منصور فيالعام 1612 خوري رعيَّة في ضاحية من ضواحي باريس تُدعى "كليشي". فعمل علىترميم الكنيسة، وتدريس التعليم المسيحيّ، ومساعدة الفقراء وتأسيس مدرسةمجّانيَّة. وفي العام 1613 ترك الأب منصور "كليشي" وذهب إلى قصر "آل ديغوندي" ليكون مربّياً ومرشداً روحيّاً للأولاد. لكنّه سرعان ما تخلّى عنوظيفته هذه والتحق مرّة ثانية برعيَّة "كليشي". فكان يتجوّل من بيت إلى بيتليداوي الناس جسدّياً وروحيّاً، فاستأثر بقلوب الجميع، فانقلبت الضاحيةرأساً على عقب، وأصبحت "كليشي" نموذجاً لكلّ رعيَّة. التحقالأب منصور مجدّداً بقصر "آل دي غوندي" ليكون مرشداً للقرى التي تمتلكهاالعائلة. فرسم لنَفْسه خريطة القرى وراح يزورها الواحدة تلو الأُخرى. وكانمنذ العام 1617 لا يترك القرية قبل أن يؤسّس فيها "أخويَّة المحبّة" التيغايتها خدمة المرضى الفقراء جسديّاً وروحيّاً. الأب منصور مرشداً روحيّاً للسفن الحربيَّة عُيّن الأب منصور وبناءً على طلبه، في شهر شباط من العام 1619، مرشداًروحيّاً عامّاً للسفن الحربيَّة الفرنسيَّة برتبة ضابط. كانت البحريَّةالملكيَّة بحاجة إلى جذّافين، ولمّا كان هذا العمل شاقّاً أصبح التطوّع شبهمعدوم. فاستعملوا المحكومين يداً عاملة مجّانيَّة وطيّعة. وبناءً علىأوامر من السُلطات العُليا، اعتاد القضاة أن يحكموا على الناس لأتفهالمخالفات بالعمل على السفن الحربيَّة كجذّافين لعدّة سنوات. في إحدىالليالي الباردة سمع الأب منصور أحد هؤلاء المحكومين يبكي ويقول: "لا يوجدإله في العالَم" ففاجأه الكاهن القدَّيس بقوله: "أيّ جرم ارتكبت؟"، فأجاب: "لقد اشتركت في تهريب الملح فحكم عليّ بثلاث سنوات في الأعمال الشاقة. إنّأُسرتي كبيرة ولا مُعيلَ لها غيري. آه لو كان الله موجوداً لما سمح بمثلهذه الأحكام". صمت الأب منصور برهة، ثمّ أردف قائلاً: "يا بُنيّ، إنّ اللهموجود حّقاً وستراه بأُمّ عينيك". فنادى الحارس وطلب إليه أن يحلّ هو مكانالمحكوم، فتردّد الحارس ولكنّ أوامر الكاهن وهو ضابط في البحريَّة نُفّذتبسرعة. فارتدى الأب منصور ثوب المحكوم وأصبح اسمه "المجذّف رقم 61782"! فارتمى الشابّ على الأرض يُقبّل قدَمي الكاهن القدَّيس قائلاً: "أنتكالمسيح معلَّمك، حملت خطيئتي وخلّصتني". فمانعه الأب منصور بقوله: "بل أناأخ لك، ووجدت فيك سمات المسيح المتألّم". ذهب السجين وكأنّه في حلم غريبوهو يردّد: "نعم، إنّ الله موجود". لم يتألّم الأب منصور طوال حياتهمثلما تألّم في هذا العمل الشاقّ، فقد ذاق العذاب مدّة ثلاثة أشهر حتّىأصبح هيكلاً عظميّاً. ولمّا كشف أحد الضبّاط أمره قال له: "ماذا تفعلهنا أيها الأب المحترم؟". أجابه: "أنا السجين رقم 61782". ولمّا تأكّدالضابط منه وعرف قصّته قال له: "لقد سحقتني بعظَمتك أيّها الكاهن". تأسيس جمعيَّة المحبّة عاد الأب منصور إلى فرنسا وبدأ يكافح إلى جانب الفقراء كلّ تعاسة جسديَّةوروحيَّة. أسّس في السابع عشر من نيسان من العام 1625 جمعيَّة كهنة عُرفت "بجمعيَّة الرسالة" أو "جمعيَّة المحبّة". وكانت غايتها تبشير فقراءالأرياف باعتبارهم محرومين في المجالَين الدِينيّ والاجتماعيّ. وقد عُرفأبناء هذه الجمعيَّة في العالَم بالآباء "اللعازريّين" نسبة إلى ديرالقدَّيس لعازر الذي تأسّس في باريس. في العام 1632 حوّله الأب منصورإلى مركز للرياضات الروحيَّة والتأمّل والصلاة ولمحاربة آفات المجتمع منالبؤس والجوع. كما انطلقت من هذا الدير تحديداً رسالات الآباء اللعازريّينإلى مختلف المناطق في فرنسا أوّلاً ثمّ إلى العالَم أجمع. رأى الأبمنصور، بعد أن انتشرت جمعيَّة المحبّة، إنّه من الضروريّ إيجاد ممرّضاتلخدمة المرضى، بل بالأحرى راهبات غير محصّنات. فأطلق صرخة يستنجد بهاالشابّات. فتقدّمت فتاتان تتحلّيان بالاتّزان والغيرة، ممّا شجّع الأبمنصور على قبولهما واعتُبرتا أوّل راهبتين من جمعيَّة المحبّة. ثمّ التحقتبهنّ شابّات أُخريات فألّفنَ جمعيَّة "راهبات المحبّة" وهذه الجمعيَّةمعروفة جدّاً في عالمَنا العربيّ ولها أفضال جمّة. كان الأب منصورسعيداً في آخِر أيّام حياته بمشاهدة مُرسَليه اللعازريّين يطوفون في كلّأقطار العالَم حاملين نُور المسيح ومشعل المحبّة والبرّ والصلاح. وسعدأيضاً براهبات المحبّة اللواتي كالفراشات يطرنَ إلى جميع أنحاء العالَممحمّلات بعبير التضحية والعطف والحنان هذا هو الأب منصور عملاق المحبّة وتلميذ المعلَّم الإلهيّ الذي قال: "روح الربّ النازل عليّ مسحني وأرسلني لأبشّر الفقراء"... أعلن قداسة البابا كليمان الثاني عشر الأب منصور قدَّيساً في الحادي عشرمن شهر حزيران من العام 1737. كما جعله قداسة البابا ليون الثالث عشرشفيعاً للأعمال الخيريَّة كافّة. وما دام هناك متألّمون ومعذَّبون فسوفيظلّ أبناء القدَّيس منصور يعملون ويعلّمون ليقابلوا الديّان العادل يومالدَينونة قائلاً لهم: "تعالوا يا مبارَكي أبي، ورثوا الملكوت المعدّ لكممنذ إنشاء العالَم. لأنّي جعت فأطعمتموني، وعطشت فسقيتموني، وكنت غريباًفآويتموني، وعرياناً فكسوتموني ومريضاً فعدتموني، وسجيناً فجئتم إليّ" (متّى 25/34-36) مؤسساته أخوية سيدات المحبة جمعية الرسالة - الآباء اللعازريون جمعية راهبات المحبة جمعية مار منصور جمعية القديسة لويز دي مارياك راهبات المحبة للقديسة جانّ انتيد – البيزونسون الشببيبة المريمية لمجده تعالى |
||||
30 - 09 - 2014, 04:45 PM | رقم المشاركة : ( 6472 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
صلوات للقديس مار منصور
معك يا مار منصور نصلّي ايها الآبُ السماوي، يا نبعَ الرحمةِ والمحبة، يا من أرسلتَ الينا القديسَ منصور، شاهداً لحنانِك وفيضِ محبّتِك، يقومُ بالخيرِ حيثُ حلَّ، في مَثَلهِ وسلوكِهِ وأقوالِه ؛ فدُعِيَ "أبَ الفقَراءِ" على صورةِ أُبوّتِكَ السماوية. أيها الروحُ المعزّي، يا نبعَ الحياة وملاذَ الراحة. يا من سكبتَ في قلبِ القديسِ منصور وفي كلِّ كيانِه، دعوة الكهنوت المقدّس، فراح يسعى بالتعليمِ والتدبيرِ والصلاة، إلى تعميقِ حضورِكَ المُحيي في قلبِ الكاهنِ الخادم، وإلى تجديدِ أمانتِهِ الدائمةِ لرسالتِهِ المباركة. أيها الثالوثُ الأقدس، يا من أنعمتَ علينا بالقديسِ منصور، مثالاً حياً لحنانِكَ الالهي، هَبنا أن نَسيرَ على خطاهُ بالقولِ والفعل، فنشهدَ على حضورِكَ فينا وفي العالمِ الذي تتقاذفه روحُ الأنانيةِ والتهميشِ واللامبالاة. أعطِنا بشفاعة العذراءِ مريم، وبشفاعة مار منصور، أن نعِيَ دعوةَ قداستِنا، بوداعةٍ وتواضعٍ وحكمة، لنكون أبناءَ الإيمانِ الحق، وإخوةً بعضِنا لبعض، سائرين في موكبِ القديسينَ بتسبيحِكَ وتمجيدِكَ من الآن وإلى الأبد. آمين تشفع فينا أيها القديس الجبار من اجل كل المكرسين في العالم ليكونوا على مثالك ومثال مار يعقوب الكبوشي والام تريز بمساعدة الفقراء لانك قلت: "الفقراء، إنهم اسيادنا" |
||||
30 - 09 - 2014, 04:52 PM | رقم المشاركة : ( 6473 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تذكار قطع رأس يوحنا المعمدان وجاء يومٌ مؤاتٍ لها اذ اقام هيرودوس في ذكرى مولده مأدبة للاشراف والقواد واعيان الجليل. فدخلت ابنة هيروديا ورقصت فأعجبت هيرودوس والمدعوين. فقال الملك للفتاة:" سليني ما اردت فأعطيك". واقسم لها:" لأعطينك كل ما تطلبين ولو نصف مملكتي". فخرجت وسألت امها:" ماذا اطلب؟" فقالت: " رأس يوحنا المعمدان". فبادرت الى الملك وقالت:" اريد ان تعطيني في هذه الساعة على طبقٍ رأسَ يوحنا المعمدان". فاغتمَّ الملك، ولكنه من اجل القسم الذي اقسمه بمسمع من المدعوين، لم يشأ ان يرد طلبها. فأرسل الملك من ساعته حاجباً وامره بأن يأتي برأسه. فمضى وضرب عنقه في السجن، واتى بالرأس على طبق فدفعه الى القتاة فحملته الى امها. وبلغ الخبرُ تلاميذه فجاؤوا وحملوا جثته ودفنوها. (مرقس 6: 17- 29). كذلك يخبرنا مرقس الانجيلي ان يوحنا كان قد انفرد في البرية يمارس التقشفات والاصوام ويدعو الناس الى التوبة، ويغار جداً على حفظ الشريعة، لا يأخذ بالوجوه ولا يراعي احداً في إظهار الحق وفي ما هو لله. ولما عرف بأن هيرودوس قد علق بهيروديا امرأة أخيه فيلبّس واتخذها زوجة له واخوه حي، وصنع شروراً كثيرة وامسى حجرَ عثرةٍ وشكٍ للشعب، هب من خلوته واتى يوبخ هيرودوس على عمله هذا المغاير لشرائع الله. هكذا انتقمت امرأة فاجرة من ذلك الذي قال عنه المسيح الرب انه اعظم من نبي وانه لم يقم في مواليد النساء اعظم منه. وكانت وفاته في السنة الاحدى والثلاثين للميلاد. |
||||
30 - 09 - 2014, 04:54 PM | رقم المشاركة : ( 6474 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تجلّى يسوع على الجبل
نصّ الإنجيل وبعدَ سِتَّةِ أيام مضى يسوعُ بِبُطرُسَ ويعقوبَ وأخيهِ يوحنَّا فانفَرَدَ بِهِم على جَبَلٍ عالٍ وتَجَلّى بمرأى مِنهُمْ، فأشَعَّ وجهُهُ كالشمس، وتلألأت ثيابُهُ كالنُّور. وإذا موسى وإيليّا قد تراءيا لهُم يُكالِمانه،ِ فقالَ بُطرُسُ ليسوع : " رَبِّ، حَسَنٌ أن نكونَ هَهُنا. فإنّْ شِئْتَ، نَصَبْتُ هَهُنا ثلاثَ مَظالّ : واحِدَةً لكَ وواحِدَةً لِموسى وواحِدَةً لإيليّا ". وبينَما هو يتَكَلَّم ظلّلَهُم غَمامٌ نيِّرٌ، وإذا صَوتٌ مِنَ الغَمامِ يقول : " هَذا هو ابنيَ الحبيبُ الذي عَنْهُ رَضيت، فلَهُ اسمعوا". فلَمّا سَمِعَ التلاميذُ هذا الصوت، سقطوا على وجوهِهِم وقدِ استولى عَلَيهِم خوفٌ شديد. فدَنا يسوعُ ولَمَسَهُم وقالَ لَهُم : " قوموا، لا تَخافوا ". فَرَفَعوا أنظارَهُم، فلم يَرَوا إلاّ يسوعَ وَحدَهُ. وبَينَما هم نازِلونَ مِنَ الجَبَل، أوصاهُم يسوعُ قال : " لا تُخْبِروا أحَداً بهذه الرؤيا إلى أن يقومَ ابنُ الإنسانِ مِنْ بينِ الأموات ". (متّى 17/1-9) تجَلّى يسوع أمام ثلاثة من تلاميذه 1- اختار يسوع ثلاثةً من تلاميذه، وهم بطرس ويعقوب ويوحنَّا أخوه، وارتقى معهم جبلاً عالياً وتجلّى أمامهم. هذه هي المرّة الثانية التي يقع فيها اختياره على هؤلاء الثلاثة. فقد اختارهم للمرّة الأولى ليكونوا معه عندما دخل الغرفة التي سُجِّيَت فيها الفتاة الصغيرة الميتة ابنة يائير رئيس المجمع . أمّا الجبل الذي ارتقاه فنجهله. فقد يكون جبل حرمون (جبل الشيخ)، وعلوّه 3000 متر ، وقد يكون جبل طابور في فلسطين، وعلوّه 920 متراً. 2- تجلّى يسوع على رأس الجبل فيما كان يصلّي، وهو على بعد بضعة أمتار من التلاميذ. فأضاء وجهه كالشمس وتلألأت ثيابه كالنور. فأبصر التلاميذُ جمال وجه يسوع الفائق، وشاهدوا النور المُنبعث منه. فهل رأى التلاميذ بهاء ألوهيّته كلاّ ! فإنّ ألوهيّة يسوع لا تُبصِرُها العيون لأنّها روحيّة، والعيون البشريّة ماديّة، والروح لا يقع تحت الحواس والمادّة. وهذا ما أشار إليه يوحنَّا الإنجيلي عندما كتب : " اللهُ لم يرَهُ أحَدٌ قطّ ". (يوحنَّا 1/18) 3- لقد رأى التلاميذ مجدَ إنسانيّة يسوع. وبتعبيرٍ أدَقّ، سمحَ يسوع لتلاميذه الثلاثة بأن يَرَوا، لمدّةٍ محدودَةٍ من الزمن، ما كانت إنسانيّته تتمتّع به من مجدٍ سماويّ لا شكَّ في أنّ يسوع إنسانٌ مثلنا، ولكنّه إلهٌ أيضاً. فكان من الطبيعي أن ينعكس جمال ألوهيّته على إنسانيّته، ويَشعَّ جسده نوراً باستمرار، وهو يمشي بين الناس ويعيش معهم. ولكنّ يسوع أخفى نور إنسانيّته عليهم ليتمكّن من الاختلاط بهم، وخصوصاً ليستطيع أن يتألّم ويُصلب ويموت لأجلِ خلاصهم. فاكتفى بأن يُظهِرَ هذا النور مرّةً واحدة لتلاميذه الثلاثة وحدَهم، وهو منفردٌ معهم على جبلٍ عالٍ لكي لا تُبصِرَهُ عيون البشر. لم يشأْ أن يكونَ معه التلاميذ الآخرون اختار يسوع التلاميذ الثلاثة المذكورين أعلاه لأنّهم سوف يعاينون وحدَهم نزاعه الأليم في بستان الزيتون قبل أن يتألّم ويُصلب ويموت. فأرادَ أن يشدّد إيمانهم به، على الرَّغم مِمَّا سوف يرون ما سيبدو عليه من علامات الرهبة والحزن والكآبة أمام عذاب الصليب. (مرقس 14/33) ولم يُظهِر مجده للتلاميذ التسعة الآخرين خشيةَ أن يذيعوا للناس، من دون فطنَةٍ ولا تروٍّ، خَبر تجلّيه على الجبل، فيكون كلامهم عُرضَةً للهزء أو للشكّ، فيشوّهون بذلك شخصيّة يسوع ورسالته الروحيّة تشويهاً بليغاً. فاكتفى بثلاثةٍ من تلاميذه ليضمن كتمان الخبر إلى ما بعد قيامته من بين الأموات. رأى التلاميذ الثلاثة موسى وإيليّا 1- رأى التلاميذ الثلاثة موسى وإيليّا وسمعوهما يخاطبان يسوع. كان موسى النَّبي المشترعَ الأعظم لبني إسرائيل، وكان إيليّا أكثرَ الأنبياء عندهم شعبيّةً. لقد حضرا في ذلك الوقت ليشتركا في مجد يسوع سيّد الشريعة وكمال النبوءات، ووقفا إلى يمينه وإلى يساره، فانعكس مجده عليهما وغمرهما بنوره وبهائه. وجرى الحديث بين الثلاثة، وكان موضوعه آلام يسوع وموته وقيامته في مدينة أورشليم. لقد كانا يعلمان أنّه مزمِعٌ أن يحقّق نبوءة الأنبياء، ويتمّم إرادة أبيه السماوي، فيتألّم ويموت ليكفّر عن خطايا البشر، ويفتح في وجوههم أبواب السماء، فأظهرا خضوعهما للتدبير الإلهيّ، وضمّا إرادَتيْهِما إلى إرادة يسوع في الطاعة الكاملة لمشيئة الله الآب. 2- وبعد أن انتهى الحديث بينهم تهيّأا لأن يغادرا الجبل. وشعر بطرس الذي كان يراقب الثلاثة مراقبةً دقيقة بأن موسى وإيليّا مزمعان أن ينصرفا، فعرض على يسوع أن ينصب ثلاث مَظالّ. إنّ السعادة والرهبة اللتين أحسّ بهما، وهو يرى يسوع متجلّياً، وحولَه النبيّان العظيمان، قد دفعتاه إلى أن يقول هذا القول. الغمام النَيّر النازل من السماء وهبط من السماء غمامٌ نَيّر وانبسط على يسوع والنبيَّيْن والتلاميذ الثلاثة. ودخل التلاميذ في الغمام وخافوا خوفاً شديداً. ولا عجب أن يخاف الإنسان الضعيف المحدود القوى أمام بهاء مجد الله وعظمته اللاّمتناهية. إنّ الغمام رمزٌ لحضور الله حضوراً حسيّاً. فقد ظهر عدّة مرّات في تاريخ شعب إسرائيل. ومن أشهر ظهوراته عمودُ الغمام الذي كان يسير أمام العبرانيّين الهاربين من مصر بقيادة موسى النَّبي في أيام فرعون الظالم. ( سفر الخروج 13/13) وظهورُهُ لموسى على جبل سيناء وهو يتلقّى الوصايا العشر. (سفر الخروج 19/16) وظهورُهُ في هيكل أورشليم العظيم يومَ دشّنه سليمان الملك. (سفر الملوك الأول 8/10) هذا هو ابنيَ الحبيب. فله اسمعوا ولم يكتفِ الله الآب بأن يُعلن حضوره على الجبل بالغمام النَيّر، بل تكلّم كما تكلّم يومَ تعمّد يسوع في نهر الأردنّ فقال : " هذا هوَ ابنيَ الحبيبُ. فلهُ اسمعوا ". وازداد خوف التلاميذ لمّا سمعوا صوت الله الآب يكلّمهم، وسقطوا على وجوههم. لقد شعروا في تلك اللحظة الرهيبة شعوراً عميقاً بأنّ يسوع ليس نبيّاً على مثال موسى وإيليّا فحسب، بل هو ابنُ الله، وبأنّ مقامه يفوق عند الله مقامهما بما لا يُقاس. وقد عبّر بولس الرسول عن هذا الشعور الداخلي بسموّ مقام يسوع عندما أقام مقابلةً بين مجد يسوع ومجد موسى، وبيَّن أنّ مجد يسوع يفوق مجد موسى " لأنّ موسى كانَ قيِّماً على بيتِ الله. أمّا المسيحُ فهوَ ابنُ الله ". (الرسالة إلى العبرانيّين 3/1-6) لا تُخبِروا أحداً بالرؤيا لمّا توقّف الله الآب عن الكلام أقبلَ يسوع على التلاميذ ولمسهم قائلاً : " قوموا. لا تخافوا ". فرفعوا أنظارهم فلم يرَوا إلاّ يسوع وحده. هل دامت الرؤيا السعيدة مدّةً طويلة لا يُمكِنُنا أن نُحدِّد لها وقتاً ثابتاً. وفيما هم نازلون من الجبل أوصاهم يسوع بأن يلازموا الصمت خشيةَ أن يثير الخبر استغراب الناس فلا يصدّقون ما رآه التلاميذ ويصفونهم بأنهم يستسلمون إلى خيالاتهم التطبيق العملي 1- إنّ هذه المعجزة تبيّن لنا بوضوح شخصيّة يسوع الذي ظهر على الجبل متألّقاً بالمجد الإلهي، وهذا ما لم يحدث لمّا تعمّد في النهر. فيسوع إلهٌ مجيد وإنسانٌ مجيد. وهذا ما يدفعنا إلى أن نرفع إليه المجد في كلّ ظرفٍ هامّ مِنْ ظروف حياتنا. 2- إنّ السعادة التي شعر بها بطرس لمدّةٍ قصيرة وهو على الجبل ، سوف نشعر بها مدى الأبديّة عندما نكون في السماء ، ونحن نتمتّع بجمال يسوع الرائع، من دون أيّ خوف على فقدانه. فالتجلّي يذكّرنا بمستقبلنا السعيد في الملكوت السماوي. 3- صرّح الله الآب بأن يسوعَ ابنُه الحبيب وأمرنا بأن نسمع له، أيْ أن نحفظ وصاياه. إنّ صوت الآب دعوةٌ موجّهة إلى كلّ واحدٍ منّا ليحاسب ضميره، ويطرح على نفسه بعض الأسئلة : هل أحفظُ وصايا يسوع بدقّة أم أُخالفُها ولا أُبالي بالمخالفة؟ - هل أرى في وجه الإنسان المُعذَّب بالمرض والفقر والجوع وجهَ يسوع المشرق على الجبل ؟ - هل أُحاربُ ما فيَّ مِن ميول شرّيرة تدفعُني إلى نسيان وصية يسوع الكبرى وهي محبّة الآخرين ؟ - هل أُحِبُّ الكنيسةَ، عروسَ المسيح، فأكون فيها عضواً فعّالاً ؟ - إن الأجوبة عن هذه الأسئلة تُطلعُني على حقيقة حياتي. |
||||
30 - 09 - 2014, 05:06 PM | رقم المشاركة : ( 6475 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عيد التجلي الالهي يخبرنا الإنجيليون الثلاثة متى ومرقس ولوقا عن حادثة التجلّي فيقول القديس متى في الفصل السابع عشر: وبعد ستة أيام مضى يسوع ببطرس ويعقوب وأخيه يوحنا، فانفرد بهم على جبلٍ عالٍ وتجلّى بمرأى منهم. وإذا موسى وايليا قد تراءيا لهم يكالمانه. فقال بطرس ليسوع: "ربّ، حسن أن نكون ههنا، فان شئت، نصَبتُ ههنا ثلاث مظال: واحدة لك وواحدة لموسى وواحدة لإيليا". وبينما هو يتكلّم ظلّلتهم غمام نيِّر، وإذا صوت من الغمام يقول: "هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت، فله اسمعوا". فلما سمع التلاميذ هذا الصوت، اكبّوا بوجوههم، وقد استولى عليهم خوف شديد. فدنا يسوع ولمسهم وقال لهم: "قوموا، لا تخافوا". فرفعوا انظارهم، فلم يروا الا يسوع وحده. السيد المسيح بتجلّيه هذا اراد أن يُظهر عما يكون مجده في ملكوته السماوي لمن يكفر بنفسه ويحمل صليبه ويتبعه، فانه يحصل على صفات الطوباويين الأربع اي عدم التألم والضياء وسرعة الانتقال والتجرد عن الكثافة. والقديس توما اللاهوتي في كلامه عن التجلي يقول: ان المخلّص، بعد أن أوصى تلاميذه وجميع المؤمنين بأن لا بد لكل منهم ان يحمل كل يوم صليبه ويتبعه. أراد أن يريهم لمحة من المجد المعد لحاملي ذلك الصليب. وهذا ما قاله بولس الرسول: "إنّا إن متنا معه فسنحيا معه وإن صبرنا فسنملك معه" (2 تيموتاوس 11، 12). ويعتقد القديس توما ان في حادث التجلي هذا ظهوراً جديداً للثالوث الأقدس: فالآب بالصوت والإبن هو المتجلّي والروح القدس السحابة المنيرة. وصوت الآب الهاتف من السماء: هذا هو ابني الحبيب الذي عنه رضيت، فله اسمعوا. يعني ان ثقوا به ولا ترتابوا في ما يقوله لكم. كل ذلك لكي يثبتهم في الإيمان به، وإن رأوه مصلوباً وميتا لكي يشجعهم على احتمال العذاب والموت، رجاء الحصول على المجد في السماء الذي اظهر لهم مثاله في تجلّيه أقوال الآباء في التجلي العلاّمة أوريجينوس: أن السيّد أعلن لاهوته للذين صعدوا على الجبل العالي، أمّا للذين هم أسفل فظهر لهم في شكل العبد. إنه يسأل من يشتاق أن يتعرّف على حقيقة السيّد ويتجلّى قدامه أن يرتفع مع يسوع خلال الأناجيل المقدّسة على جبل الحكمة خلال العمل والقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: إذ تحدّث الرب كثيرًا عن المخاطر التي تنتظره وآلامه وموته، وعن موت التلاميذ والتجارب القاسية التي تلحق بهم في الحياة... كما حدثهم عن أمور صالحة كثيرة يترجّونها، من أجلها يخسرون حياتهم لكي يجدوها، وإنه سيأتي في مجد أبيه ويهبنا الجزاء، لهذا أراد أن يُظهر لهم ما سيكون عليه مجده عند ظهوره، فيروا بأعينهم ويفهموا قدر ما يستطيعون، لهذا أظهر لهم ذلك في الحياة الحاضرة (بالتجلّي)... مار إفرام السرياني: القوم الذين قال عنهم أنهم لا يذوقون الموت حتى يعاينوا صورة مجيئه ورمزه، هم هؤلاء التلاميذ الثلاثة الذين أخذهم معه إلى الجبل، وأعلن لهم طريقة مجيئه في اليوم الأخير في مجد لاهوته وجسد تواضعه... صعد بهم إلى جبل عال لكي يُظهر لهم أمجاد لاهوته... فلا يتعثّروا فيه عندما يرونه في الآلام التي قبلها بإرادته، والتي احتملها بالجسد من أجلنا... صعد بهم إلى جبل لكي يُظهر لهم ملكوته قبلما يشهدوا آلامه وموته، فيرون مجده قبل عاره، حتى متى كان مسجونًا ومُدانًا من اليهود يفهمون أنه لم يصلب بواسطتهم عن عجز، بل لأنه سُرّ بصلاحه أن يتألّم لأجل خلاص العالم. أصعدهم إلى جبل لكي يُظهِر لهم قبل قيامته مجد لاهوته حتى متى قام من الأموات يدركون أنه لم يتقبّل هذا المجد كجزاء لعمله كمن لم يكن له هذا المجد، وإنما له هذا المجد منذ الأزل مع الآب والروح القدس. وكما سبق فقال عندما ذهب إلى الآلام بإرادته: "الآن مجّدني أيها الآب بالمجد الذي لي قبل إنشاء العالم" (يو۱٧: ٩). أضاء وجهه ليس كما أضاء وجه موسى من الخارج، وإنما أشعّ مجد لاهوته من وجهه (أي من ذاته)، ومع هذا ظلّت أمجاده فيه. من ذاته يشع نوره ويبقى نوره فيه. إنه لا يأتيه من الخارج ليزيِّنه!... ولا يقبله لاستخدامه إلى حين! إنه لم يكشف لهم أعماق لاهوته التي لا تُدرك، وإنما كشف لهم قدر ما تقدر أعين التلاميذ أن تتقبّل وتميّز! |
||||
30 - 09 - 2014, 05:08 PM | رقم المشاركة : ( 6476 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"التجلّي" تغرّبٌ عن الواقع (Alienation)،
أم قراءة جديدة للالتزام به.. الأب بسّام آشجي يعبّر بطرس عن رغبة الإنسان في البقاء أمام تجلي الرب بقوله: "حسنٌ أن نبقى ههنا".. هل هذه الرغبة تهرّباً من الواقع؟!.. الخشن، الصلب، المتطلّب، الذي يحتاج إلى مواقف مسؤولة وحياة ملتزمة.. وبكلمة: هل الرغبة في البقاء أمام التجلّي هي تغرّب عن الواقع (Alienation) ؟.. لنتابع مع رغائب بطرس، يقول: "فلنصنع ثلاث مظال" و"نبقى هنا": يسوع في الوسط، يتربع على "عرش كثير الثمن".. هو "القلب"، كما تقول القديسة تريزا الأڤيلية، وتُتابع برومانسيّة مرهفة: "سأنظر إلى حبيبي وسينظر حبيبي إليَّ.. بحيث لا يكون انفصال بيني وبينك.. لقد أحببتُ حبيبي.. حبيبي هو لي وأنا لحبيبي... كلُّ شيءٍ يزول.. الله يبقى.. الله وحده يكفي".. وأتساءل مجدّداً: هل النُسكيّة التصوفيّة، الرومانسيّة، المتجليّة في التجلّي، تغرّباً (Alienation)؟.. وبمعنى آخر: هل الالتزام بالمسيحيّة في وجهها "السريّ"، التأمّليّ، الصلاتيّ، هو "انسلاخ" طفوليّ عن تحمّل مسؤوليّة الحياة ومتطلّباتها؟.. يمكننا أن نجد همسات الجواب في المظلتين الأخريين: موسى وإيليا!.. لماذا موسى؟.. ولماذا إيليا؟ إن موسى يمثل حضور الله في التاريخ، فعاليته في الواقع، مرافقته للإنسان مهما سما أو خبا. أما إيليا، فيمثل الحياة التأملية، حيث الصمت والإصغاء، حيث "النسيم العليل" والصفاء، حيث القداسة والنقاء، ويمثل إيليا أيضاً الشهادة للحق في ملء الواقعيّة.. هل أراد التجلي، لكي يحرّر من نوستلجيّا الحنين التغرّبي، أن يتمحور بين الواقع والمطلق، بين العمل (Praxis) والتأمل (Theorya)، بين الخدمة والصلاة، بين موسى وإيليا؟.. يمكننا أن نجد همسات الإجابة أيضاً في التساؤل: لماذا لم يقبل يسوع عرض بطرس؟ لا بل أضطره، ورفاقه، للنزول من التجلّي ليُشاهَد مصلوباً فمتجليّاً، ثانية ودائماً، في القيامة!.. يُجبر يسوعُ تلاميذَهُ وبطرسَ الركوب في السفينة والإبحار في الغمر، بعد تجـلٍ له ولملكوته في تكثير الخبز والسمك (مت14/22-..)؛ وذلك رغبـة منـه بعـودة التلاميـذ إلى الواقـع؛ لكي لا يسكروا بملكوت مزيف يُبنى على المصلحة (مت20/20-..)، بينما يصعد هو إلى الجبل ليصلي لكي يستقبل انهمار الملكوت عليه متجليّاً، صافياً كـ"نهر بلّور" (رؤ22/1)، مقدساً من عند أبيه. وتسير السفينة في بحر الحياة تتقاذفها الأمواج وتعاكسها الرياح المخالفة. كإيماننا الذي ينمو ويكبر في عمق مشاكلنا وما يعاكسنا من تيارات مضادّة. وينتظر ركاب السفينة الفرج؛ ولا يأتي "الربّ" المتجلّي لنجدتهم إلا آخر الليل. إنه كالأم المربية التي تترك طفلها ينضج بخبراته ومشاكله دون أن تتخلى عنه. يحضر حين يلتهم التعبُ صبرَهم، فيظنوه خيالاً. أمام صمت الله في حياتنا، في كثير من الأحيان، نفقد صبرنا. وحين يأتي لنجدتنا يعيش إيماننا ضباب الرؤيـة. ولكنه هـو: "لا تخافوا أنا هو!". هنا يظهر بطرس مجدداً على مسرح الأحداث، لأنه مستعد دائماً أن يتغير ويتجدد، فيتتلمذ ويتعلم، وبالتالي يشهد. ويهتف: إن كنت هو فمرني أن أمشي مثلك متجليّاً فوق العاصفة والتيارات المعاكسة، وحسب التلميذ أن يتشبه بمعلمه. حين يكفُّ بطرس عن النظر إلى الرب، المتجلي فوق العاصفة، ويخاف شدة الرياح المعاكسة، يبدأ بالغرق. لن تلتغي التناقضات من حياة المؤمن، ولكنه يمشي واثق الخطوة رغماً عنها، ورغم كل المعاكسات. قد يعيش لحظات من التعب حين يكفُّ النظر إلى يسوع. هناك ارتباط وثيق بين النظر إلى يسوع والمسير في الحياة رغم الصعوبات. حين يغرق بطرس تعلو صرخات الاستغاثة من فمه كما نفعل نحن: "يا ربُّ نجني" (أنظر أيضاً: يو11/21-..) والرب بسخائه المعهود، وتربيته الحنون، ينقذ بطرس ومن كان شبيهاً به. وحالما يصعد يسوع إلى السفينة تهدأ الريح وتتبدد العاصفة ويعود التجلي . هكذا تسير حياة المسيحيّ في معادلة قد تكون صعبة أحياناً، وقد تكون مؤلمة: بين العاصفة والتجلي، بين الصليب والقيامـة، بين الوعـد والخيانة، بين الخيانة والندامة، بين الخوف والشجاعة، بين الانغلاق والشهادة. إن انهزام بطرس أمام صليب يسوع كغرقه حين ما عاد ينظر إلى الرب، وندامته وعودته وفيض دموعه بعد الموت القيامة كاستغاثته: "يا ربُّ نجني"!.. إن قيامة المسيح هي لبطرس ولمن في حكمه، "إعادة الرؤية" لكل أحداث حياته. لا بل حملّه القائم من الموت مسؤولية الشهادة والرعاية والسهر على تحقيق الملكوت، في الخدمة والمحبّة. فالإنسان بقدر ما يحب يطالَب (يو21/15). إن حدث قيامة المسيح هو تجلٍّ لله أمام الإنسان، يمنح الماضي رؤية جديدة، ويفعِّل الحاضر بنشوةٍ عظيمة، ويرجو المستقبل شهادة أمينة. هكذا انطلق بطرس مُتجليّأً بحلول الروح القدس عطيّة القيامة، يشهد لإيمانه دون خوف، دون خيانة، دون بكاء، "لأن القديم قد زال" (رؤ21/4). لم تلتغِ التناقضات بعد تجلّي قيامة المسيح، ولكن بطرس الذي قبل أن يتتلمذ ويستقبل الروح قد تجلَّ مجدداً (يو 3/5)، وأمام الألوف شهد للمصلوب أنه قام، واستشهد في سبيل شهادته هذه.. خاتمة: لا ليس التجلّي تغرباً عن الواقع (Alienation)، بل على العكس هو قراءة للواقع أكثر واقعيّة بحضور الله، لأن تغييب الله عن الواقع ليس واقعيّاً، بل هو "التغرّب" (Alienation) بعينه! |
||||
02 - 10 - 2014, 02:42 PM | رقم المشاركة : ( 6477 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
اقوال الخوري آرس
"كم هو عظيم الكاهن، لن يفهم حقيقته إلاّ في السماء. لو قدر على فهم هذا على الأرض لمات، لا من الخوف، إنّما من الحب" "إن مريم العذراء هي حبّي الأقدم، أحببتها حتى قبل أن أعرفها" "الرّب هو الأولى بالخدمة"، "تمضون الأحد في عمل الحقل وفي المقاهي، بينما الله متروك" يا ربّ، أعطني نعمة أن أحبّك بقدر ما يمكنني أن أحبّك"" "الرّوح القدس هو من يعمل في حديقة قلبنا" |
||||
02 - 10 - 2014, 02:45 PM | رقم المشاركة : ( 6478 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العظة التي ألقاها بندكتس السادس عشر يوم الجمعة الفائت خلال صلوات الغروب في عيد قلب يسوع الأقدس، إخوتي وأخواتي الأعزاء، بمناسبة افتتاح السنة الكهنوتية والذكرى المئة والخمسين لوفاة القديس جان ماري فياني، خوري آرس في تسبحة البتول سوف ننشد بعد قليل: "استقبلنا الرب في قلبه ? Susceptit nosDominus in sinum et cor suum". في العهد القديم، يذكر قلب الله ٢٦ مرة، هذا القلب الذي يعتبر عضو مشيئته لأن الإنسان يدان بحسب قلب الله. بسبب الألم الذي يشعر به قلبه من جراء خطايا البشر، يقرر الله الطوفان إلا أنه يتأثر لاحقاً بالضعف البشري ويغفر. يأتي لاحقاً مقطع كبير في العهد القديم يتناول بطريقة واضحة موضوع قلب الله. هذا المقطع يرد في الفصل الحادي عشر من سفر النبي هوشع حيث تصف الآيات الأولى حجم المحبة التي تحدث بها الرب مع إسرائيل في فجر تاريخها: "إذ كان إسرائيل صبياً أحببته ومن مصر دعوت ابني" (الآية الأولى). وفي الحقيقة أن إسرائيل أجابت بلامبالاة وعقوق عن الاصطفاء الإلهي الذي لا يكل. فقال الرب: "قد دعوهم لكنهم أعرضوا عنهم" (الآية الثانية). مع ذلك، لا يتخلى أبداً عن إسرائيل ويتركها بين أيدي الأعداء، حسبما نقرأ في الآية الثامنة، فقد "انقلب في فؤادي واضطرمت مراحمي"، حسبما لاحظ خالق الكون. إن قلب الله يضطرم بالرحمة! تدعونا الكنيسة اليوم في عيد قلب يسوع الأقدس إلى التأمل في هذا السر، سر قلب الله الذي يتأثر ويصب كل محبته على البشرية. محبة سرية تظهر لنا في نصوص العهد الجديد كعاطفة الله اللامحدودة تجاه البشر. إنه لا يستسلم أمام نكران الجميل وأمام رفض الشعب الذي اختاره، بل إنه على العكس يقوم برحمة لامتناهية بإرسال ابنه الوحيد إلى العالم لكيما يحقق فيه قدر المحبة المحطمة ولكيما يعيد كرامة الابن إلى البشر الذين أصبحوا عبيداً بسبب الخطيئة وذلك من خلال الانتصار على قوة الشر والموت. هذا الأمر يكلف ثمناً باهظاً لأن ابن الآب الوحيد يقدم نفسه قرباناً على الصليب : "إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم الآن أقصى المحبة" (يو ١٣، ١). يتجلى رمز هذه المحبة التي تتجاوز الموت في جنبه المطعون بالحربة. في هذا الصدد، يقول الشاهد العيان الرسول يوحنا: "وإنما طعنه أحد الجنود بحربة في جنبه، فخرج في الحال دم وماء" (يو ١٩، ٣٤). إخوتي وأخواتي الأعزاء، أشكركم لأنكم استجبتم لدعوتي وأتيتم بأعداد كبيرة إلى هذا الاحتفال الذي نستهل من خلاله السنة الكهنوتية. أحيي نيافة الكرادلة والأساقفة بخاصة الكاردينال المسؤول وأمين سر مجمع الإكليروس ومعاونيه وأسقف آرس. كما أحيي الكهنة والإكليريكيين من مختلف إكليريكيات روما ومعاهدها والرهبان والراهبات وجميع المؤمنين. وأوجه تحية خاصة إلى غبطة بطريرك أنطاكية للسريان إغناطيوس يوسف يونان الذي جاء إلى روما للقائي والتعبير علناً عن "الشركة الكنسية" التي منحته إياها. إخوتي وأخواتي الأعزاء، دعونا نتوقف معاً للتأمل في قلب المصلوب المطعون. لقد سمعنا مجدداً خلال القراءة الوجيزة من رسالة القديس بولس إلى أهل أفسس أن "الله، وهو غني في الرحمة، فبسبب محبته العظيمة التي أحبنا بها، وإذ كنا نحن أيضاً أمواتاً بالذنوب، أحياناً مع المسيح، [?] أقامنا معه وأجلسنا معه في الأماكن السماوية في المسيح يسوع" (أف ٢: ٤، ٦). إن إقامتنا في يسوع المسيح تعني جلوسنا في الأماكن السماوية. ففي قلب يسوع تتجلى نواة المسيحية. وفي المسيح أعطيت لنا كل الجدة الثورية للإنجيل أي المحبة التي تخلصنا وتقيمنا في الله الأزلي. ويكتب الإنجيلي يوحنا: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (٣، ١٦). إذاً يدعو قلبه الإلهي قلبنا ويدعونا إلى التخلي عن أنفسنا وعن الثقة البشرية لوضع ثقتنا فيه وجعل أنفسنا هبة محبة على مثاله. إن كانت دعوة يسوع إلى "الثبات في محبته" (١٥، ٩) موجهة لكل معمد في عيد قلب يسوع الأقدس، يوم التقديس الكهنوتي، فإن هذه الدعوة موجهة بقوة أكبر لنا نحن الكهنة، بخاصة في هذا المساء، في بداية السنة الكهنوتية التي أردت إعلانها بمناسبة الذكرى المئة والخمسين لوفاة خوري آرس القديس. يخطر في بالي قول رائع ومؤثر مذكور في تعليم الكنيسة الكاثوليكية وهو: "إن الكهنوت هو محبة قلب يسوع" (رقم ١٥٨٩). لم لا نذكر بانفعال بأن هبة خدمتنا الكهنوتية انبثقت من هذا القلب؟ كيف ننسى أننا نحن الكهنة مكرسون لخدمة كهنوت المؤمنين بتواضع وسلطة؟ إن رسالتنا هي رسالة أساسية للكنيسة وللعالم تتطلب أمانة تامة للمسيح ووحدة مستمرة معه. فهو يطلب منا أن نسعى دوماً إلى القداسة على مثال القديس جان ماري فياني. إخوتي الكهنة الأعزاء، في الرسالة التي وجهتها لكم بمناسبة هذه السنة اليوبيلية الخاصة، أردت أن أوضح بعض الجوانب المميزة في خدمتنا بالاستناد إلى قدوة وتعليم خوري آرس القديس، مثال جميع الكهنة وبخاصة الخوارنة والمحامي عنهم. فلتكن لكم رسالتي عوناً وتشجيعاً على جعل هذه السنة فرصة سانحة للنمو في الصداقة مع يسوع الذي يعتمد علينا نحن خدامه في نشر ملكوته وتوطيده، وفي نشر محبته وحقيقته. لذلك اختتمت رسالتي قائلاً: "على مثال خوري آرس القديس، دعوه يقيم في قلوبكم فتصبحوا أنتم أيضاً رسل رجاء ومصالحة وسلام في عالم اليوم!" دعوا المسيح يقيم فيكم! هذا هو الهدف الذي كان يعمل من أجله الرسول بولس طيلة حياته، الرسول الذي تأملنا به خلال السنة البولسية التي توشك على النهاية. وهذا هو هدف خدمة خوري آرس القديس الذي نبتهل إليه بخاصة خلال السنة الكهنوتية. فليكن ذلك هدفكم أنتم أيضاً. إن الدراسة والتنشئة الرعوية المتقنة والدائمة ضروريتان ومفيدتان في سبيل التحول إلى خدام في خدمة الإنجيل، إلا أن "علم المحبة" الذي لا نتعلمه سوى في "التقرب" من المسيح ضروري أكثر. ففي الواقع أنه هو الذي يدعونا إلى كسر خبز محبته لغفران الخطايا وهداية القطيع باسمه. لذلك يجب ألا نبتعد أبداً عن ينبوع المحبة المتدفق من قلبه المطعون على الصليب. هكذا فقط نتمكن من الإسهام بفعالية في "تدبير الآب" السري الذي يقوم على "جعل المسيح قلب العالم!" إنه تدبير يتحقق في التاريخ كلما أصبح يسوع قلب القلوب البشرية ابتداءً من القلوب المدعوة إلى أن تكون الأقرب منه أي الكهنة. ومن شأن "الوعود الكهنوتية" التي قطعناها يوم سيامتنا والتي نجددها سنوياً يوم خميس الأسرار خلال القداس المسحي تذكرنا بهذا الالتزام الدائم. حتى عوزنا وضعفنا وعجزنا لا بد لهم من إرشادنا إلى قلب يسوع. فإن كان صحيحاً أن الخاطئين يجب أن يتأملوا به ويتعلموا منه "ألم الخطايا" الضروري الذي يرشدهم إلى الآب، فالأمر سيان للخدام القديسين. في هذا الصدد، كيف ننسى أن لا شيء يزيد أوجاع الكنيسة، جسد المسيح، أكثر من خطايا رعاتها بخاصة أولئك الذين يتحولون إلى "سارقي خراف" (يو ١٠، ١)، أو يعملون على تضليلها بعقائدهم الخاصة أو إيقاعها في شرك الخطيئة والموت؟ أيها الكهنة الأعزاء، إن الدعوة إلى الاهتداء واللجوء إلى الرحمة الإلهية موجهة لنا أيضاً. وهنا يجب أن نطلب من قلب يسوع بتواضع وبلا انقطاع أن يحفظنا من خطر إلحاق الأذى بالأشخاص الذين نعنى بحمايتهم. منذ لحظات قليلة، كرمت ذخيرة خوري آرس القديس التي هي قلبه في كنيسة الخورس. هذا القلب الملتهب بالمحبة الإلهية الذي كان يتأثر بفكرة كرامة الكاهن ويخاطب المؤمنين بتعابير مؤثرة وسامية مؤكداً على أن "الكاهن هو كل شيء بعد الله!... هو نفسه لن يفهم إلا في السماوات!" (الرسالة بمناسبة السنة الكهنوتية، ص. ٢). إخوتي الأعزاء، دعونا ننمي هذا الإحساس عينه، سواء لتأدية خدمتنا بسخاء وتفان أو للمحافظة في أرواحنا على "الخشية الفعلية من الله": خشية حرمان الأرواح التي أوكلت إلينا من الخيرات من خلال إهمالنا أو أخطائنا، أو التمكن ? لا سمح الله ? من إيذائها. إن الكنيسة بحاجة إلى كهنة قديسين، خدام يساعدون المؤمنين على اختبار محبة الرب الرحيمة ويكونون شهوداً لها. في السجود القرباني الذي يلي الاحتفال بصلاة الغروب، سنسأل الرب أن يلهب قلب كل كاهن بهذه "المحبة الرعوية" القادرة على مطابقة شخصه بشخص يسوع الكاهن فيتمكن من التشبه به في تقديم ذاته بالكامل. فلنحصل على هذه النعمة بشفاعة العذراء مريم التي سنتأمل غداً في قلبها الطاهر بإيمان عميق. لقد كان خوري آرس ينمي لها تفانياً بنوياً حتى أنه قام سنة ١٨٣٦ بتكريس رعيته لمريم "التي حبل بها بلا دنس"، وذلك قبل إعلان عقيدة الحبل بلا دنس. وحافظ على تجديد تقدمة الرعية إلى العذراء القديسة معلماً المؤمنين أنه "يكفي أن يتحدثوا إليها لتستجاب طلباتهم" وذلك لأنها "تتمنى رؤيتنا مسرورين". فلترافقنا أمنا العذراء القديسة خلال السنة الكهنوتية التي نستهلها اليوم لكيما نكون مرشدين حكماء للمؤمنين الذين يوكلهم الرب إلى عنايتنا الرعوية. آمين! |
||||
02 - 10 - 2014, 02:47 PM | رقم المشاركة : ( 6479 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
جان ماري فيانيه
خوري آرس شفيع السنة الكهنوتية فرنسا في زمن خوري آرس: وُلد جان ماري في زمن صعب جدّاً بالنسبة للكنيسة الفرنسيّة، فبعد ولادته بثلاث سنوات نشبت الثورة الفرنسية، وفي 12 تمّوز 1790 صوّت المجلس التشريعيّ على "وثيقة الدستور العلمانيّ للإكليروس"، وبموجبه صار الكهنة الفرنسيّين يُعتبرون موظّفين لدى الدولة، يأتمرون بقراراتها ويرفضون أي علاقة بالبابا وبالكنيسة الجامعة. وفي 27 تشرين الثاني 1790 أضافوا تعديلاً أقسى، فرضوا بموجبه على الكهنة أن يقسموا الوفاء للثورة أمام ممثّل رسميّ لسلطة الرعب القائمة آنذاك. رفضت روما هذا القرار، ورفضه أيضاً مُعظم الكهنة في فرنسا، وكانت النتيجة مأساويّة: قُتل عدد كبير جدّاً من الكهنة، وحصلت مجزرة "الكرمل" في باريس. المجزرة بدأت بإعدام 23 كاهناً رفضوا أن يقسموا الولاء وينفصلوا عن الكنيسة الجامعة، وقد تمّ إعدامهم في دير كان قد تحوّل الى سجن للكهنة، وبدأ الإعدام بصرخة الضابط: "أيّها الشعب، أنت تذبح عدوّك، أنت تقوم بواجبك". وحين أنتهت الفرقة من عملها، صرخ الضابط عينه: "لم يعد لدينا شيء نقوم به هنا، فلنذهب الى الكرمل". وصلت الفرقة الى دير الآباء الكرمليين حيث اجتمع أكثر من 150 كاهناَ لم يقسموا اليمين، ذهبوا كلّهم وركعوا أمام القربان في الكنيسة حين سمعوا الجنود يقتربون. دخل الجنود بالسيوف وبالعصيّ وبالفوؤس، فقتلوا رئيس أساقفة أرل، و أسقف سانت وأسقف بوفيه، ورئيس عام الرهبان البندكتان والكهنة الموجودين معهم. بعدها بدأت الدولة تنفي الكهنة عن أرضها، فصارت ترسلهم في قوارب الى غويانا، وأقفلت المؤسسات الدينيّة التي لم تتبع قرار الدولة، وأغلقت المدارس الإكليريكيّة. بين 1786 و 1859، أي فترة حياة خوري آرس، عرفت فرنسا الكثير من التغييرات في نظامها، فتحوّلت من نظام ملكيّ الى نظام ثوريّ فنظام ملكيّ دستوريّ، فجمهوريّة أولى، ثم الى دولة يحكمها قنصل، ثم الى أمبراطوريّة، ثم الى نظام ملكيّ من جديد (ما يعرف بنظام تمّوز الملكيّ)، فإلى أمبراطوريّة ثانية... لقد شهد خورى آرس ومؤمنيه تقلّبات سياسيّة واجتماعيّة كثيرة، إنّما ما جمع كلّ الأنظمة التي توالت، كان العداء للكنيسة وللديانة الكاثوليكيّة، ممّا أدّى الى حالة من الفتور ومن الإلحاد. لم يكن حال فرنسا دينيّاً أحسن منه اليوم، بل كان أسوأ بكثير. العديد من المدارس الخاصّة التي يديرها رهبان أو راهبات أٌقفلت، إغلقت الإكليريكيّات، نفي الأساقفة والكهنة، قتل الرهبان والراهبات. والمسيحيّون المؤمنين فكانوا بغالبيّهم القصوى ينمون على منطق "فتّش عن الله دون الكنيسة"، ينمون دون كهنة، دون أسرار، دون تعليم مسيحيّ: لقد كان الإيمان يُعدم بشكل تدريجيّ. طفولة جان ماري فيانّيه: قضى جان ماري فيانّيه هذه السنوات العصيبة في قريته، في داردييّ الصغيرة حيث وُلد، ثمّ في آرس حيث كان الراعي. في جوّ سياسّي محوم، وفي انقسامات سياسية عنيفة، لم توفّر حتى المناطق النائية. نشأ في بيت مؤمن، ولم يكن والداه يتردّدان في استقبال الكهنة الهاربين. ودرس جان ماري الكهنوتيّ الأوّل جاء من حديث سمعه، كان يدور بين والدته وبين كاهن أدّى يمين الولاء خوفاّ من الموت، ف كان يسمع والدته تؤنّب الكاهن لعدم وفائه للبابا ولأوّلية الحقيقة في حياته، حتى قال لها الكاهن الضيف: "أنت على حقّ سيّدتي، فالكرمة أهمّ من الأغصان". هذا الكرم في الضيافة الّذي دفع عائلة فيانّيه الى المخاطرة بأمنها في سبيل استقبال من كانوا يعتبرونهم رسل المسيح لم يكن الكرم الوحيد. فقد جهدوا ليستقبلوا الفقراء أيضاً ويقاسموهم الخبز القليل الّذي كانوا يمكونه. والكرم الأكبر الّذي زرعوه في قلب أولادهم، كان الكرم في العطاء المطلق للمسيح من خلال الصلاة. منذ صغره، نشأ الأولاد على حبّ المسبحة الورديّة، وحين كان جان ماري في الرابعة من العمر، وكان يحاول استرداد مسبحته من إخته، قالت له أمّه: "أعط المسبحة لإختك مرغريت، فهكذا يكون يسوع مسروراً". حادثة صغيرة انطبعت في حياة الصغير، ورافقته دوماً، فتعلّم معنى العطاء، عطاء يكبر أكثر فأكثر. وانطبع أيضاً فيه حبّ مريم: "إن مريم العذراء هي حبّي الأقدم، أحببتها حتى قبل أن أعرفها" أنه سوف يطلب في المستقبل ليكمل سماع الإعترافات، ولها كرّس رعيّته، لمريم البريئة من الخطيئة الأصليّة، حتى قبل أن تعلن الكنيسة هذه العقيدة بسنوات كثيرة. كان جان ماري من ضحايا النظام السياسيّ أيضاَ، فبسبب النظام المعادي للكنيسة أُغلقت المدرسة الوحيدة في قريته، لذلك لم يتعلمّ القراءة حتى بلغ عمر التاسعة، وبسبب هذا فسوف يعاني دوماً من عجر كبير من الناحية العلميّة كان يمنعه من أن يصبح كاهناً. كما اضطر الى الإنتظار حتى عمر الثالثة عشرة سنة لينال المناولة الأولى، بسبب النقص في التعليم الديني وغياب المكرّسين، ولهذا السبب أيضاً اضطر الى التأخر لدخول الإكليريكيّة، فالتحق بقسم الدعوات المتأخّرة رغم أنّه بدأ يعي دعوته منذ الصغر. عقبات كثيرة أمام دعوته: العقبة الأكبر التي كانت تعيق الشاب عن تلبية دعوة الرّب كانت معارضة والده لكهنوت الإبن، فجان ماري القوّي "مثل شجرة السنديان" كان ضروريّاً لعمل الحقل، وكان جان ماري يتفهّم حاجة والده، وكان يتمزّق بين ضرورة الإستجابة لنداء الرّب، وبين مسؤوليّته تجاه عائلته. كان الشاب يعلم أن الأحوال الإقتصاديّة السيّئة في فرنسا، والجوع المتنامي، كان يحتّم عليه مساعدة عائلته في مصدر رزقها الوحيد: عمل الحقل، ومن كان يقدر أكثر منه على الإعتناء بحقل العائلة، وقد منّ الله عليه بالقوّة الجسديّة وبالخبرة. أمّاالعقبة الثانية فكانت عدم قدرته على تعلّم الّلغة اللاتينيّة، واللاتينيّة ضروريّة لتعلّم اللاهوت وللخدمة الليتورجيّة. لقد تعلّم جان ماري القراءة بعمر التاسعة، وكان ذو قدرة علميّة محدودة جدّاً، وقد صار متقدّماً في العمر أكثر من الطلاّب الآخرين، فكيف يقدر على مجاراتهم؟ وكيف يقدر على اجتياز امتحان اللّغة اللاتينيّة الصعب؟ ولكنّ هذه العقبات لم تخمد رغبته بالكهنوت، فشارك في زيارة حجّ الى لوفيسك، لدى القدّيس جان فرانسوا رجيس، ليطلب منه "الحدّ الأدنى من اللاتينيّة ليجتاز الإمتحان". وقد استطاع، بجهد وكدّ، وبنعمة الله، من اجتياز الإمتحان، ممّا أهّله لاكمال الدراسة. ولكنّ عقبة غير متوقّعة جاءت تعترض طريقه نحو الكهنوت: الخدمة العسكريّة التي سوف تجبره على وقف دروسه، رغم تقدّمه في العمر بالنسبة للإكليريكيّين. لقد كان في الأصل معفيّاً بسبب عمره، ولكنّ خطأ إداريّاً جعل اسمه يرد في لائحة المطلوبين للإلتحاق بالجيش في الحرب ضدّ إسبانيا. فما كان منه إلاّ أن التحق، وأرسل قبل أيام قليلة من المعركة سيراً، وحده، الى اللحاق بكتيبته التي كانت تسبقة بعدّة أيّام. وعلى الطريق التقى بشاب هارب من الخدمة، أرشده في الطريق الخاطيئ فلم يستطع اللحاق بكتيبته، وصار معتبراً جنديّاً فارّاً يواجه خطر السجن وحتى الإعدام. هرب جان ماري فيانيّه في عابات بلاد اللوار العليا، وعمل خفية لدى مزارع استقبله حوالي السنة، إلى أن صدر عفو من نابليون على الفارّين، فعاد الى الإكليريكيّة في ليون، ولكنّه كان قد تأخّر كثيراً، وصار عمره 26 سنة، فطرده المسؤولون من الإكليريكيّة بسبب عدم قدرته على التعلّم. فعاد جان ماري الى كاهن ساعده منذ الصغر، الأب بالاي، الّذي كان يؤمن بدعوة الشاب الكهنوتيّة، في سبيل التعلّم على يده. الكهنوت حلم يتحقّق: بعد أربعة سنوات من الكدّ والتعب على يد الأب بالاي، صار جان ماري مستعدّاً للكهنوت. في 23 حزيران 1815 نال السيامة الشمّاسيّة في ليون، في 13 آب 1815، وبعمر التاسعة والعشرين سنة، صار الطالبُ كاهناُ في مدينة غرينوبل بوضع يد الأسقف سيمون. الكلمات التي سوف يكتبها بعد أعوام قليلة يمكنها أن تصف حالة الفرح والفخر الّذي شعر به الكاهن يوم سيامته: "كم هو عظيم الكاهن، لن يفهم حقيقته إلاّ في السماء. لو قدر على فهم هذا على الأرض لمات، لا من الخوف، إنّما من الحب". عيّنه الأسقف مساعداً لمعلّمة الأب بالاي في رعيّة في أكولي، وفي 9 شباط 1818 وصل الى آرس حيث عيّنه الأسقف كاهناً لهذه الرّعيّة الصغيرة، حيث سوف يبقى لمدّة 41 سنة، ولن يتركها إلاّ ساعة الإنتقال الى بيت الآب. خوري آرس: وصل الى رعيّة فقيرة، وهو بعمر 31 سنة، دون مورد رزق، ودون قدرة كبيرة على الوعظ، إنّما بحيوّية كبيرة، حيوة الرّوح تنبعث من صلاته. وصل الى آرس ذات الإيمان الخامد، والتقوى الميتة، وكان يحمل في قلبه رغبة وحيدة: أن يعطي نفسه للرّب بكلّيته ويتّكل عليه في صعاب حياة الرعيّة الجديدة. كان هدفه أن يعيد الى الله هذه الجماعة التي أوكلتها الكنيسة الى عنايته، وكان أحياناً يخاف من هذا الثقل الملقى على كتفيه: ثقل النفوس التي يريد الرّب خلاصها، وان يرى نفسه ضعيفاً جدّاً، ومسؤوليّته كبيرة، فحاول ترك الرّعية ثلاث مرّات ليلاً، ولكن رعيّته كانت تمنعه من الخروج، كانوا يجبرونه على العودة الى بيت الكاهن. وحين كان يستغيث بالأسقف، كان الجواب دوماُ: "إبق حيث تريدك الكنيسة أن تكون". كانت آرس قرية مسيحيّة، تعلن إيمانها المسيحيّ بسبب التقليد والعادة، ولكن لا بحرارة الإيمان وبالإستعداد للشهادة، كانت التقوى باهتة والإيمان كان يموت تدريجيّاً. ولكن هذا الأمر لم يمنع الخوري الساعي الى قداسته والى قداسة رعيّته من الجهاد من أجل تغيير الواقع، فكان يزور العائلات ويهتّم بمشاكلهم، كانوا يرونه يصليّ دوماً، يهتمّ بالفقراء، يزور المرضى، كان دائم الحضور في الرعيّة، لا بل في الكنيسة نفسها، حتى صاروا يقولون أن "الخوري يسكن في الكنيسة لا في بيت الرعيّة". ورغم هذا، بقي يصطدم بحقيقة أن كنيسته كانت فارغة يوم الأحد، فقد كانوا كلّهم في حقولهم يعملون، ومن لا يعمل، فكان يذهب الى المقهى في ساحة البلدة. إرتداد الرعيّة: لم يكن هذا الإلحاد العمليّ سبباً لفقدان امل خوري آرس، فكان أوّل ما قام به هو تجديد أواني كنيسته، صارفاُ على هذا الأمر كلّ مقتنياته، فاشترى الكؤوس الفاخرة، وثياب القدّاس الباهرة، وأجمل صلبان المذبح والشموع الخلاّبة والأواني الأكثر زخرفة، فكان بعمله هذا يقول: "الرّب هو الأولى بالخدمة"، "تمضون الأحد في عمل الحقل وفي المقاهي، بينما الله متروك"، لقد قرّر الكاهن أن يعطي المقام الأوّل لجمال خدمة الله. إثر هذا، بدأ ابناء الرعيّة يأتون الى القدّاس، ليروا ما يحدث أوّلاً، ثم يبقون إثر كلمات خوريهم. وفي غضون أشهر قليلة، سوف تتحوّل آرس الى الرعيّة الأكثر التزاماُ في الأبرشيّة كلّها. لقد كان قاسيّاً بداية، ليجعلهم يعون فداحة خطأهم، كان يقول أن ليس من الضروريّ أن نقتل، أو نسرق مال أبينا وإمّنا لنكون ملعونين، بل يكفي أن نتبع صوت كبريائنا، لنذهب الى جهنّم. وبينما كان يعرّف راهباّ، قال له هذا الأخير"لقد كنت مهملاً في هذا الأمر، ولكن نيّتي كانت حسنة" فما كان من الخوري إلاّ أن أجاب "آه يا عزيزي، النوايا الحسنة، إن أرض جهنّم مرصوفة بها". لم يكن ينام أكثر من ساعتين أو ثلاثة، ويقضي كل وقته في سماع الإعترافات، وكان التائبون يأتون اليه من كلّ فرنسا، ولم يكن يتوقّف الاّ ساعة القدّاس. "كان لخوري آرس طريقة تعاطي تختلف بحسب شخص التائب. من كان يأتي الى كرسي الإعتراف مدفوعاً داخليّاً وبضعة من حاجةٍ الى المغفرة الإلهيّة، كان يجد لديه التشجيع للغوص في "غمر الرحمة الإلهيّة" التي تغسل كلّ شيء بجرفها. وإن كان أحدٌ يتألّم منالضعف وعدم المثابرة، خائفاً من سقطات مستقبليّة، كان خوري آرس يظهر له سرّ الله بعبارات تلمسنا بجمالها: "إن الله الفائق الجودة يعلم كلّ شيء. وقبل أن تعترف أنت، كان يعلم أنّك سوف تسقط مرّة أخرى، ورغم هذا غفر لك. كم هو عظيم حبّ الهنا الّذي يندفع الى درجة أنّه ينسى المستقبل بإرادته، لكيما يغفر لنا". أمّا الّذي كان يعترف بفتور وبقلّة اكتراث، فكان خوري آرس يقدّم له، عبر دموعه هو، الدليل الساطع والأليم على كم أن تصرّفه آثم، قائلاً: "أنا أبكي لأنّك لست تبكي". "لو أن الله لم يكن صالح اً، ولكنّه صالح، وحده البربريّ يتصرّف هكذا أمام آب صالح بهذا القدر". كان يجعل التوبة تولد في القلوب الفاترة، ويدفعهم، بعينيه، الى رؤية آلام الله بسبب الخطايا، آلام "متجسّدة" تقريباً على وجه الكاهن الّذي يعرّفه. أما الّذي كان يحضر لديه بتوق وقدرة على عيش حياة روحيّة أعمق، فكان يشرّع له أعماق الحبّ، شارحاً له جمالاً لا يوصف، جمال العيش متّحدين بالله وبحضوره: "كل شيء تحت أنظار الله، كلّ شيء مع الله، كلّ شيء لإرضاء الله... كم هو جميل هذا". وكان يعلّمهم كيف يصلّون: "يا ربّ، أعطني نعمة أن أحبّك بقدر ما يمكنني أن أحبّك". لقد عرف خوري آرس في الفترة التي عاش فيها كيف يبدّل قلوب الكثيرين وحياتهم، لأنّه عرف كيف يجعلهم يشعرون بحبّ الله الرحوم. هذا الإعلان عينه هو ضروري أيضاً في أيامنا هذه، وضروريّة شهادة مماثلة لشهادته عن حقيقة الحبّ: "الله محبّة" (1يو 4، 8). فمن خلال الكلمة ومن خلال أسرار "يسوعه"، عرف جان ماري فيانّيه كيف يبني رعيّته، رغم أنّه كان غالباً ما يضطرب ليقينه بعدم أهليّته الشخصيّة، الى درجة التمنّي عدّة مرّات أن يتخلّى عن مسؤوليّة الخدمة الرعويّة لأنّه غير أهل لها بحسب ظنّه. إنّما بطاعة مثاليّة بقي دوماً في وظيفته، لأنّ الغيرة الرسوليّة لخلاص الأنفس كانت تلتهمه. كان يسعى للإلتزام بكلّيته في دعوته الخاصّة وفي رسالته عبر حياة تقشّفيّة قاسية، وكان يشكي: "إن الكارثة التي تحلّ بنا، نحن كهنة الرعايا، هي ضعف الحياة الروحيّة"، قاصداً بهذا القول إعتياد الراعي الخطير على الخطيئة وعلى حياة الإستخفاف التي تحيا فيها نعاجه. لقد كان يقمع جسده، بالسهر وبالأصوام، لكي يمنعه من معارضة روحه الكهنوتيّة. ولم يكن يتردّد في إماتة ذاته من أجل خير الأنفس الموكلة اليه، ولكي يشترك في التعويض عن الخطايا الكثيرة التي كان يسمعها في كرسي ّ الإعتراف. كان يقول لكاهن آخر: "سوف أعطيك وصفتي: أُعطي الخطأة تعويضاً صغيراً، وأقوم بالباقي عوضاً عنهم". أكثر من الإماتات الملموسة التي كان يفرضها خوري آرس على نفسه، يبقى أساسيّاً للجميع قلب تعليمه: "إن النفوس ثمنها دم المسيح، ولا يمكن للكاهن أن يتكرّس لخلاصهم إذا رفض أن يشارك شخصيّاً "بثمن الفداء الباهظ"". (رسالة الأب الأقدس البابا بندكتوس السادس عشر بمناسبة افتتاح السنة الكهنوتيّة) ورغم هذا الوقت الّذي قضاه في سماع الإعترافات، وجد خوري أرس الوقت ليؤسّس في رعيّته مدرسة وميتماً، دعاه "ميتم العناية الإلهيّة"، كما شجّع رعيّته على المشاركة بما أمكنها في الحملة التي نظّمها أساقفة فرنسا، بعد مرور سنوات الرعب، من أجل إعادة تبشير فرنسا. كان معدماّ من ناحية المال، إنّما لم ينقصه الطعام يوماً في الميتم: كانوا يذهبون لأخذ الخبز، فيجدونه فارغاً، فيأتون الى بيت الرعيّة ليشكوا لكاهنهم الأمر، فيطلب منهم أن يصلوّا معه، وبعدها يعودون الى الميتم ليجدوا المعجن مليئاً بالقمح. وحين كانت عاصفة بَرَد تضرب آرس، كان الفلاّحون يأتون طالبين إذن كاهنهم لعدم المشاركة في القدّاس، ليذهبوا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فكان يعلم كيف يجد الحلّ الوسيط بين خوفهم المحقّ وبين واجبهم الإيمانيّ، فما كان يتواني في تأخير القدّاس حتى عودتهم، لا بل كان يساعدهم أيضاً. ورغم هذا، فإن سكّان الرعيّة كانوا يردّدون دوماً أن العواصف القويّة لم تضرب قريتهم بقسوة كما ضربت القرى المجاورة، وذلك طيلة حياة القديس بينهم. موت الراعي: سنة 1858، أي سنة واحدة قبل موت القدّيس، بلغ عدد زوّار آرس سنوياً حوالى مئة آلف زائر يأتون للإعتراف. ورغم أن أسقف الأبرشيّة كان قد أرسل اليه فريقاً من كهنة يعاونونه في الإعتراف، إلاّ أن الحجّاج كانوا يريدون الإعتراف أمامه هو، فكان يبقى في كرسيّ الإعتراف حوالى 17 ساعة يوميّاً. كلّ من عرف خوري آرس كان يقول أن طبعه لم يكن هادئاً، بل قاسياً وعنيفاً، والصبر لم يكن أقوى فضائله، ولك نّه كان يقمع طبيعته في كرسيّ الإعتراف، صابراً ساعات طوال لقبول توبة المؤمنين، فكان "يبدو كملاك محبّة ولطف، إنّما على محيّاه كنّا نرى الإنهاك والإجهاد" بحسب قول شهود عايشوه. قوّة الرّوح التي حرّكت حياة جان ماري فيانّيه لم يقدر قلبه على تحمّلها طويلاً، وفي الساعة الثانية فجراً من 4 آب 1859، أسلم الخوري القدّيس الرّوح بسبب الإنهاك، بعد حياة تعب وخدمة متواصلة، بعمر 73 سنة. ثلاثة وسبعون سنة قضاها في حبّ المسيح، واهباً له قلبه، واضعاً كلّ إمكانيّاته في خدمة الجماعة التي أوكلتها الكنيسة الى رعايته. مرّة، في صلاته،هاجمه الشرير صارخاً: "لو كان هنا ك ثلاثة مثلك على الأرض، لكانت مملكتي مهدّمة الآن"، لذلك أعلنته الكنيسة شفيعاً للكهنة، وللإكليروس الأبرشيّ بشكل خاصّ، لكيما يكون مثالاً وقدوة في عطاء الذّات الكامل، في حبّ المسيح، وفي الوفاء لدعوته، وفي خدمة النفوس التي توكل اليهم، لتقديسها وتقديمها للرّب دون وصمة "ودون أن يهلك منهم واحد". إعلان القداسة: في 8 كانون الأوّل 1905، أعلنه البابا بيوس العاشر طوباويّاً وشفيعاً لكهنة فرنسا. وفي 31 أيّار 1925 أعلنه البابا بيوس الحادي عشر قدّيساً، وفي العام 1929 عاد وأعلنه شفيع خوارنة الرعايا في العالم. شهادة الأب لاكوردير: من أعظم الوعّاظ في تاريخ الكنيسة، كان جان باتيست هنري لاكوردير، واسمه في الدير الأب هنري دومنيك لاكوردير، راهباً من رهبة الآباء الوعّاظ (الدومنيكان)، ولد في ا2 أيّار 1802، ترك الإيمان في فترة الشباب، وصار محامياً لامعاً وخبيراً في فنّ الخطابة. إرتد عام 1824 وقرّر دخول الإكليريكيّة. طبع بشخصه كنيسة فرنسا في القرن التاسع عشر. ذهب الى روما لدرس اللاهوت ودخل رهبانيّة الدومينيكان، ثم عاد الى فرنسا ليعيد إحياء الرهبانيّة بعد منعها فترة الثورة وصار واعظ كاتدرائية سيّدة باريس الرسميّ. ذهب عام 1845 الى آرس ليتعرّف الى الخوري الشهير بعد أن سمع عنه الكثير في باريس، وعلم أهل القريّة بقرب حضوره، لأنّه كان من أشهر شخصيّات فرنسا، فحضّروا له الإقامة في قصر أحد النبلاء حيث قضى الليل. وعند الخامسة صباحاً ذهب الى كنيسة الرعيّة فوجدها مكتظّة والخوري بدأ الإعترافات منذ ساعات عدّة. بقي الضيف على شرفة الكنيسة الى أن حان القدّاس الإلهيّ، وألقى خوري أرس عظة عن الرّوح القدس، قائلاً "الرّوح القدس هو من يعمل في حديقة قلبنا". بعد القدّاس ذهب لاكوردير للتعرّف عليه وبادره قائلاً: "لقد عرّفتني على الرّوح القدس حقّاً"، أمّا خوري آرس فقال له "اليوم قد التقى النقيضان: العلم الأعظم والجهل الأعظم". ثم رافق الخوري الراهب الى القصر وكانا يتحادثان، ولمّا وصلا، ركع خوري أرس وطلب من الأب لاكوردير أن يعطيه البركة، فما كان من لاكوردير إلاً أن ركع بدوره، منتظراً نهوض الخوري ليباركه". |
||||
02 - 10 - 2014, 02:52 PM | رقم المشاركة : ( 6480 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نياحة سيدتنا العذراء والدة الإله ولم يكن توما الرسول قد حضر نياحتها، وأراد الذهاب إلى أورشليم فحملته سحابة إلى هناك. وفيما هو في طريقهُ رأى جسدها الطاهر مع الملائكة صاعدين به. فقال له أحدهم: أسرع وقبِّل جسد القديسة الطاهرة مريم فأسرع وقبَّله. وعند حضوره إلى التَّلاميذ أعلموه بنياحتها فقال لهم: أنتم تعلمون كيف شككت في قيامة السيد المسيح ولن أُصدِّق حتى أُعاين جسدها، فمضوا معه إلى القبر وكشفوا عن الجسد فلم يجدوه فدُهِشَ الكل وتعجبوا فعرَّفهم توما كيف أنَّهُ شاهد الجسد الطَّاهر مع الملائكة صاعدين به، وهنا سمعوا الروح القدس يقول لهم: " أنَّ الرب لم يشأ أن يبقى جسدها في الأرض "، وكان الرب قد وعد رسله الأطهار أن يُريها لهم في الجسد مرة أخرى، وظلوا مُنتظرين ذلك الوعد إلى اليوم السادس عشر من شهر مسرى حيث تم الوعد لهم برؤيتها. وكانت سنو حياتها على الأرض ستين سنة. منها اثنتا عشرة حتى غادرت الهيكل، وأربع وثلاثون سنة في بيت يوسف وإلى صعود الرب، وأربع عشرة سنة عند يوحنَّا الإنجيلي. كوصية الرب القائل لها : " هذا ابنكِ ". وليوحنَّا: " هذه أمُّك ". شفاعتها وبركتها تكون معنا. آمين. |
||||