25 - 09 - 2014, 02:32 PM | رقم المشاركة : ( 6361 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
رئيس الملائكة الجليل رافائيل تمهيد: لقد ذكر رئيس الملائكة رافائيل في سفر طوبيا (أحد الأسفار القانونية في الكتاب المقدس "العهد القديم") وقد كشف عن نفسه قائلاً "أنا رافائيل الملاك أحد السبعة الواقفين أمام الرب" (طو15:12) وكلمة رافائيل معناها "دواء الله"، وبعض الآباء يلقبونه بالملاك "مفرح القلوب". مركزه في الكتاب المقدس: يروى لنا سفر طوبيا معجزات كثيرة صنعها الملاك رافائيل لطوبيا ووالده، ولأهمية هذه القصة سنوردها كاملة لتظهر أهمية الملاك رافائيل بين السمائيين.. "فأجاب طوبيا وقال لأبيه يا أبت أي أجرة نعطيه، وأي شئ يكون موازياً لإحسانه؟. أخذني ورجع بي سالماً، والمال هو استوفاه عند غابيلوس، وبه حصلت على زوجتي، وهو كف عنها الشيطان، وفرح أبويها وخلصني من إفتراس الحوت، وإياك أيضا هو جعلك تبصر نور السماء... حينئذ خاطبهما (الملاك رافائيل) سراً وقال: باركا إله السماء وإعترفا له أمام جميع الأحياء لما آتا كما من مراحمه... أما أنا فأعلن لكما الحق، وما أكتم عنكما امراً مستوراً، إنك حين كنت تصلي بدموع وتدفن الموتى وتترك طعامك وتخبأ الموتى في بيتك نهاراً وتدفنهم ليلاً، كنت أنا أرفع صلاتك إلى الرب. وإذ كنت مقبولا أمام الله كان لابد أن تمتحن بتجربة. والآن فإن الرب قد أرسلني لأشفيك وأخلص سارة كنتك من الشيطان. فإني أنا رافائيل الملاك أحد السبعة الواقفين أمام الرب. فلما سمعا ما قاله إرتاعا وسقطا على أوجههما على الأرض مرتعدين، فقال لهما الملاك سلام لكم لا تخافوا لأني لما كنت معم إنما كنت بمشيئة الله، فباركوه وسبحوه. وكان يظهر لكم أني آكل وأشرب معكم، وإنما أنا أتخذ طعاماً غير منظور وشراباً لا يبصره بشر. والآن قد حان أن أرجع إلى من أرسلني. وأنتم فباركوا الله وحدثوا بجميع عجائبه". وهذه القصة الجميلة ترينا قوة شفاعة الملائكة ومحبتهم للبشر فقد مكث مدة طويلة مع طوبيا لك يعينه وينقذه ويحرسه في رحلته، وكان أمامهم يأكل ويشرب حتى أن طوبيا لم يعرف أنه ملاكاً مرسل من الله إلا عندما أفصح الملاك رافائيل عن نفسه حتى لا يرتاع من منظره. تكريم الكنيسة له: تعيد له الكنيسة القبطية في اليوم الثالث من الشهر الصغير (النسئ)، وله قصة مشهورة مع القديسة اندرونيكا التي جاءت من روما خصيصاً لبناء كنيسة بإسمه في الإسكندرية، لأن الملاك رافائيل ساعدها عندما تشفعت به، فنذرت أن تبني كنيسة باسمه في عهد البابا ثاؤفيلس الذي تمم رغبتها، ورسم أبنيها أسقفين لقداستهما (تذكر هذه المعجزة بالتفصيل في سنكسار الكنيسة في سنكسار اليوم الثامن عشر من شهر بابه). |
||||
25 - 09 - 2014, 02:46 PM | رقم المشاركة : ( 6362 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القديسة تريزا الأفيلية 1515 - 1582 عيدها في 15 تشرين الأول أهم الأحداث في حياة القديسة تريزا الأفيلية 1522: محاولة هربها مع أخيها رودريغو إلى "بلاد المغاربة" للإستشهاد. 1528: موت والدتها بياتريث دي أهومادا. 1531: دخولها دير ومدرسة سيّدة النعمة كطالبة داخلية. 1528-1531: إقبالها على مطالعة كتب الفروسية. 1532:مرضها وخروجها من دير سيّدة النعمة. 1533-1535: نضوج دعوتها الرهبانيّة بتأثير صحبة عمّها بدرو ومطالعة رسائل القديس إيرونيموس. 1535: 2 تشرين الثاني: هربها من البيت ودخولها دير التجسد. 1536: 2 تشرين الثاني: إتّشاحها بالثوب الرهباني. 1537: 3 تشرين الثاني: إبرازها النذور في دير التجسد 1538: مرضها الخطير: تخرج من الدير للمعالجة؛ تطالع الأبجدية الثالثة للاريدو. 1539: تعود في تموز إلى آفيلا. قبيل عيد انتقال السيّدة (15 آب) تُصاب بغيبوبةٍ طويلةٍ أربعة أيام فيظنّونها ميتةً. ثم تستفيق، وتعود الى دير التجسّد، وتبقى ثلاث سنوات كأنها كسيحة. 1541: اغناطيوس دي لويّولا يؤسِّس جمعية اليسوعيين. 1542: شفاؤها بفضل القديس يوسف. ولادة خوان دي ييبس (القديس يوحنا الصليبي). 1543: موت والدها، بناءً على نصيحة معرِّفِها الأب بارّون، تعود إلى حياة التأمّل. 1544- 1554 حياة تريزا تتأرجح بين الحرارة والفتور. 1554: أمام تمثال المصلوب المثخن جراحاً تحوُّلٌ جذريٌ في حياتها. 1554-1560: تتضاعف الظواهر الخارقة، كالانخطافات والرؤى والأحاديث، وتأمّل السكينة والإتحاد. 1556: نعمة الخطوبة الروحية. 1557: لقاؤها القديس فرنثيسكو بورخا (فرنسيس بورجيا). 1559: أول رؤيا حظيت بها عن المسيح. رئيس محاكم لتفتيش يمنع الكتب الروحية باللغة الإسبانية لمحاربة المُنوَّرين alumbrados، وهم جماعة من المشعوذين. 1560: رؤيا جهنَّم. رؤيا الكاروبيم يطعنها الحبّ الإلهي. مشروع تأسيس دير القديس يوسف للإصلاح . لقاء القديس بدرو دي ألقنطره. تكتب التقرير الأول. رؤيا المسيح القائم من الموت. 1562: تقضي فترةً في منزل السيّدة لويسا دي لاثيردا في توليدو. حزيران: تنتهي من وضع كتاب السيرة. آب: تأسيس دير الإصلاح على اسم مار يوسف في آفيلا. تباشر كتابة طريق الكمال. 1563: آب: تنتقل إلى دير القديس يوسف، حيث تكتب رسوم الراهبات الكرمليّات الحافيات. 1565: تنتهي من كتابة السيرة، صيغةً ثانيةً أي الحالية. 1566: تكتب خواطر في حبّ الله. 1562-1567: فترات راحة وسلام وتأليف في دير مار يوسف في آفيلا. شعورها بضرورة وجود رهبان يمارسون نمط الحياة السائد في دير القديس يوسف. 1567: رئيس العام يفوِّضها تأسيس أديرة مثل دير القديس يوسف. آب: لقاؤها الأب يوحنا للقديس متيّا، وإقناعُه ببدء الإصلاح بين الرهبان. سلسلة الأديار المؤسَّسَة: 1567: مدينا دِل كمبو. 1568: مالاغون-فاليادوليد. دورويلو للرهبان. 1569: توليدو وبإسترانا. 1570: سلمنكا. 1571: البا دي تورمِس. تُعيَّن رئيسة على دير التجسد في آفيلا. 1573: تباشر تدوين التأسيسات. 1574: سيقوفيا. تعود إلى دير مار يوسف. 1575: بياس وأشبيلية. قضاة التفتيش يصادرون مخطوط كتاب السيرة. 1577: 2 حزيران - 5 تشرين الثاني: تكتب المنازل أو القصر الداخلي. يشتدّ الاضطهاد على تريزا وراهباتها ورهبانها مدّة سنتين، ثمّ بعدها تكوينُ اقليمٍ مستقل للكرملِّين الحفاة. 1579-1582: زيارة الراهبات وتأسيس الأديار. 1580: تأسيس دير فيلانويفا. 1581: تأسيس دير صوريا. انتخاب تريزا رئيسة على دير مار يوسف. 1582: نيسان: تأسيس دير بورغوس. 20 أيلول: تصل مريضةً منهوكةً إلى ألبا دي تورمِس Alba de Tormes، وتلزم الفراش. 4 تشرين الأول : عند التاسعة مساء تفيض روحها "ابنة الكنيسة". 1583: يُفتح التابوتُ ويُنقل جثمانُها إلى آفيلا. نشر كتابها طرق الكمال. 1586: بأمرٍ بابويّ يُعاد إلى البا دي تورمِس حيث يَرقد الآن. 1588: نشر مؤلفاتها الكاملة بدعم الأب يوحنا الصليبي، وإعداد الأب لويس دي لِيُون الأَغسطيني. 1614: البابا بولس الخامس يعلنها طوباوية. 1622: البابا غريغوريوس الخامس عشر يعلنها قدّيسة. 1970: 27 أيلول البابا بولس السادس يعلنها أول امرأة "معلّمة الكنيسة".[1] مقدمة يعجُّ القرن السادس عشر بالقديسين والقديسات الذين ملأوا الدنيا بعبير قداستهم، أمثال تريزا الأفيلية والقديس يوحنا الصليب والقديس اغناطيوس دي لويولا والقديس فرنسيس بورجيا وغيرهم.غير أن تريزا تبقى في طليعة هؤلاء القديسين لما امتازت به من شخصية جذّابة وقويّة، إذ أقدمت على إصلاحٍ شامل للرهبانيّة الكرمليّة بفرعيها النسائي والرجالي، وتركت لرهبانيتها وللكنيسة جمعاء، تراثاً ضخماً من أعمالٍ وإنشاءات وكتابات واختبارات روحية، وضعت تريزا في مصاف كبار معلّمي الكنيسة، وبين كبار مؤسّسي طريق الكمال المسيحي. هناك أكثر من قديسة تحمل اسم تريزا، لمعت في سماء الكرمل والكنيسة:الأولى هي تريزا الأفيلية، إسبانية من مواليد القرن السادس عشر. والثانية هي تريز دي ليزيو، فرنسية، من مواليد القرن التاسع عشر. الأولى هي تريزا ليسوع، الأم الكبيرة، مصلحة رهبانيّة الكرمل، ومعلّمة الكنيسة (1970)، والثانية هي تريز الطفل يسوع، الإبنة البارة لتريزا ليسوع التي شقَت درب الطفولة الروحية وملأت الآفاق بنعمها وأعاجيبها (1873-1897) وقد أعلنتها الكنيسة "معلّمة لها" سنة 1997 على مثال أمها الروحية تريزا. تريزا ليسوع الأندسية، تريزا بنديكتا للصليب، تريزا ماريا للصليب... مولد تريزا وحداثتها ولدت تريزا دي اهومادا سنة 1515 في مدينة آفيلا في إسبانيا، من أبوين من أشراف تلك البلاد. فعكفا على تربية عائلة كبيرة، ضمّت ثلاث أَخوات وتسعة إخوة، تربيةً مسيحية أثّرت بتريزا تأثيراً بالغاً. فنشأت متوقِّدة الذهن، مشتعلةً حماسةً لإيمانها المسيحي. وخير دليل على تلك الحماسة، أنها، وهي في السابعة من عمرها، أقنعت أخاها الأكبر منها سنّاً، ويدعى رودريك، واقتادته إلى بلاد المغاربة، مبتغية بذلك أن يموتا شهيدين من أجل المسيح، وينالا إكليل المجد الذي لا يزول. غير ان عمّهما فرنسيسكو، التقى بهما صدفة على طريق مدينة سلامنكا وارجعهما إلى البيت الوالدي. وعندما أخذ العم يلوم الفتى رودريك، لكونه الأكبر سنّاً، أجاب عمّه: "ان الصغيرة هي التي اقنعتني واقتادتني إلى ذلك العمل". ولمّا توجه العم بالملامة إلى تريزا أجابته: "كنت أريد أن أرى الله، ولكي أراه كان يجب أن أموت". هذا، ومنذ حداثتها، كانت ألعابها وتسلياتها تقوم على بناء صوامعَ وأديارٍ في الرمل والتراب، وتنحني بالقرب منها للصلاة. وكانت والدتها تنفرد بها في أمسيات الشتاء، فتحدّثها عن محبّة الله، وعن التعبد لمريم العذراء، وعن الفرسان الأبطال ومغامراتهم. وقد أخذت، وهي في سن العاشرة، تقرأ قصص الفروسية وتتحمّسُ لها. تريزا في عمر المراهقة: كانت تريزا في الثالثة عشرة من عمرها عندما فقدت والدتها. فأحسّت بالضياع. ولكنّها ذهبت وانطرحت أمام تمثال السيّدة العذراء، مصليةً بدموع حارة، طالبةً من العذراء أن تكون من الآن فصاعداً أمَّها... انقضت أيام الحزن، فانصرفت تريزا للهو والتبرّج. فأخذت تتزيّن وتظهر بمظهرٍ جذّاب، شأنَها شأنَ كلّ بناتِ جنسها، إلى أن أحبّها وعشق جمالها أحد أولاد عمّها. ففقدت تقواها، وفترت عبادتها، وجعلت همَّها في تجعيد شعرها، وتعطير ثيابها، والإدمان على مطالعة سير الفروسية والحبّ، كما ابتعدت عن الكنيسة وحضور القداس. وعندما شعر الوالد التقي بما يتهدّد ابنته من مخاطر، قرر إنقاذها. فوضعها كطالبة داخلية في مدرسةِ الراهبات الأوغسطينيات في دير "سيّدة النعم". فما لبثت تريزا أن عادت إلى جو الصلاة والتقوى وتذوّقِ أمورِ الروح... ألم يقل المثل: "قل لي من تعاشر أقل لك من أنت!" وفي الدير، أخذت تريزا تتأرجح بين خيارين: "الله والعالم" ولكنّ طرقَ اللهِ وأحكامَه غيرُ طرقِ البشر وأحكامِهم. فانتابها المرض بعد سنة ونصف، وغادرت المدرسة، وأقفلت راجعة إلى بيت والدها. فوجدت أيضاً أن حياة الدنيا لا تُشبعُ نهمها إلى المطلق... فأخذت تفكّر طويلاً وتقول: "حقاً، إن كلَّ شيء عدم. والحياة قصيرة وزائلة"!. عندها أخذت تشعر بميلٍ عميق إلى الحياة الرهبانيّة، الى حياة الزهد والابتعاد عن العالم. تريزا الراهبة الكرمليّة في دير التجسد كانت تريزا بعمر 18 سنة، عندما قررتِ الدخولَ إلى دير التجسد الكرملي في مدينة آفيلا، عازمة أن تعيش لله وحده بكلّ قواها. لقد كانت خطوتُها الحاسمة. فدخلت الدير. وكانت تظنّ أن الحياةَ فيه صعبةٌ للغاية. ففوجئت، وهي ضمنَ الدير، بسهولة الحياة الرهبانيّة، التي كانت الراهبات الكرمليّات يعشنها: فالقانون سهل، والراهبات يعشن حياة الرخاء والإكتفاء، ملابس فخمة، مآكل، إجتماعات، زيارات، خروج من الدير، وبكلمة مختصرة، حياتُهن حياةُ تقوى عادية مثلُ أيِ مسيحي كان. وكلّ ما يميّزَهُنّ عن غيرهنّ، حياةُ البتوليّة. فأخذت تريزا تتساءل في نفسها وتقول: أين التجرّد في الحياة الرهبانيّة! أين الإماتة والتواضع! أين التفرّغ المطلق لله والصلاة! أين لذّة الطاعة وأجرُها! أين الفقر الرهباني!... كيف لا تتساءل، وفي الدير ذاته، راهباتٌ غنيات، وأخريات فقيرات. والمعاملة لم تكن متساوية للجميع. والحالة هذه كانت سائدةً في غالبية أديار الكرمليّات. ولكنّ العناية الإلهية كانت تُعِدُّ تريزا لعمل خطير، لقداسةٍ سامية، لتغييرِ مسلك تلك الأديرة وإصلاحها، فتعودَ لتصبحَ معاقلَ لحياةِ التقشف، والانقطاع عن العالم وإغراءاته، أماكنَ للصلاةِ والتأمّل، كما كانت منذ نشأتها الأولى. وفي مطلع عام 1554، قرأت تريزا كتاباً بعنوان "اعترافات" للقديس أغسطينوس. هذا الكتاب الزاخر بمحبّة الله، الطافح بالندامة والرجوع إليه تعالى... فانفتحت عيناها على الأسرار العليا، وبدأت تحيا من جديد حياة الصلاة والحرارة والإماتة. وأخذت تقول: "حسبي الله". "الله وحده يكفيني". وعملت على إصلاح ذاتها قبل إصلاح غيرها. فعكفت على التأمّل والصلاة العقلية. وأخذت تختبر حالاتٍ من الانخطاف والأعراض الخارقة. فلجأت إلى استشارة لاهوتيين كبار، من يسوعيين ودومنيكان وفرنسيسكان، فطمأنوها إلى أن هذا كلّه مصدرُهُ الله، ولا خوف عليها... وأخذ الربّ يسوع يظهر لها، ويضرم قلبها بنار حبّه الإلهي، حتى إن أحد الملائكة طعنها بحربةٍ نارية اخترقت فؤادَها فألْهَبَهُ بنارٍ من الحبّ كادت لا تُطيق تحمّلَ لظاه. هذا، وقد بدأت تميت جسدها بشتى أنواع الإماتات. فكانت تلبس المسح الخشن وتزنّر جسدها بحزام من معدنٍ مسنّن، وتصوم وتصلّي، حتى أصبح جسدُها أسيراً لنفسها المتعطشة لله، المشرقة بالأنوار السماوية... إصلاح الكرمليّات: في أيلول سنة 1560 كانت جماعة من الراهبات تتحدث مع تريزا في غرفتها في دير التجسد. وكان الحديث يدور حول الحياة الرهبانيّة وضرورة تأسيس دير جديد، تعيش فيه الراهباتُ الكرمليّات بموجب القانون الكرمليّ المتشدّد. فأخذت تريزا تفكّر بهذا الأمر مستعينة بالصلاة وطلب النور من العلاء. وبعد أيام نالت موافقة رئيسها الإقليمي الكرملي، ومن بعده موافقة روما. فاشترى لها ذووها بيتاً، عملت تريزا على ترميمه وإصلاحه، ليصبح مؤهّلاً لسَكَنِ الراهبات. ووضعت هذا الدير الجديد تحت حماية القديس يوسف، وقد كانت شديدة التعبد لهذا القديس. فأقيم فيه القداس الإلهي. وعُرض القربان المقدّس، بعدما انتقلت إلى هذا الدير الجديد أربعُ راهبات. كما توشّحت أربعٌ من المبتدئات بالثوبَ الرهباني. ووُضع حِصْنٌ للدير فَفُصلَ عن العالم. وأخذت الراهبات والمبتدئات، بإشراف تريزا، يعشن حياةَ الفقر والتأمّل والصمت والعمل. وعكفت تريزا في هذا "البيت-الدير" الجديد، على القيام بالأعمال اليومية، من طبخ وكناسة وغسل. وبنت في البستان مناسك للإختلاء والصلاة. وكان همّها الأول تنشئة المبتدئات، تلك التنشئة الرهبانيّة الأصيلة... ولهذا الغرض كتبت كتابها "طريق الكمال". فزاع صيت ذلك الدير وازداد من جهة، عدد الراغبات في حياة ذلك الدير الجديد، كما ازدادت المقاومة من جهة أخرى لهكذا عمل وهكذا إصلاح. ولكنّ تريزا كانت واضعة هدفها الإصلاحي نصب عينيها. فالخطوة الأولى صعبة من دون شك. ولكنّها عزمت على تخطّي جميع العقبات، متكلةً على نعمة الروح وقوّته. فطبّقت القانون المتشدد-واضعةً صرامةً شديدةً في الطعام واللباس، وفي ساعتيّ تأمّل عقلي في اليوم، وفي حياة انقطاع تام عن إغراءات العالم. والإقلال من الاجتماعات والزيارات والخروج من الدير. وكان بعد مدة أن مرّ من هناك الرئيس العام للرهبانيّة الكرمليّة الأب روبير، فأُعجب بذلك النمط الجديد، ورعى مشروعَها، وشجّعها على بناء وإصلاح أديارٍ أخرى. فوُلد الدير الثاني في "مدينة دل كمبو" Medina Del Campo ولكنّ تريزا أدركت أن الحياة الرهبانيّة الأصيلة وتطبيق القانون الأولي المتشدّد، لن يتحققا إلاّ بانضمام الرهبان أيضاً إلى هذا الإصلاح... فكتبت تريزا بهذا الخصوص إلى الرئيس العام الأب روبير فسمح لها بتأسيس أديرة للرهبان الكرمليّين الذين يعيشون بدورهم حياة الرخاء والتساهل في شتّى الميادين. وبدأت تريزا تبحث عن رهبان كرمليين تنسجم أفكارهم وأفكارها لمساعدتها في عملية إصلاح الفرع الرجالي. فحظيت بمعرفة راهبين هما يوحنا الصليب وأنطونيو دي هيريديا، اللذين أخذا عهداً على نفسيهما في مساعدتها بعملية الإصلاح هذه... وفي هذا الوقت كانت عملية تأسيس وإصلاح أديرة الكرمليّات قائمة على قدم وساق، ومتلاحقة دون هوادة لمدة خمس عشرة سنة، بهمّة قل نظيرها، ساخرةً بالأتعاب والأسفار الطويلة، غير عائبة بالحرّ أو البرد، ممتطيةً بغلةً أو راكبة عربة. فأسّست 16 ديراً للكرمليّات. وكانت تقوم بنفسها بجميع قضايا الإشراف على البناء أو الترميم، وقضايا الإستئجار أو الشراء أو المعاملات مع السلطات المدنية والدينية، كما كانت تقتني دفتر الحاسبات، وتبحث عن الأموال الضرورية للبناء. وفي الوقت ذاته كانت تتحمّل الكثير من المضايقات ضد الرهبانيّة المصلَحة، فتزور كلَّ أديرتها، وتستمع إلى كلّ راهبةٍ بمفردها، وتشجّعُ الجميع، خصوصاً المبتدئات. وفي الليل كانت تتفرّغ للكتابة والمراسلات وتكريس وقتٍ طويل للصلاة واستمداد العون من العلاء. إصلاح الكرمليّين همّ تريزا الكبير، كان إصلاح الفرع الرجالي للكرمليين، إذ بهذا يصبح عندها كهنةً مرشدين ومعرّفين للكرمليّات. فالتقت، كما أشرنا، بكرملي شاب، هو يوحنا الصليب (1542- 1591) الذي طلب من الرئيس العام الأب روبير أن يسمح له باتّباع القانون المتشدّد. فكان هناك حديث وانسجام بالأفكار بين تريزا ويوحنا. فأطلعته تريزا على نوع الحياة في أديرة الكرمليّات، وعلى نوعية القانون والتقشّفات وممارسة المحبّة الأخوية والتأمّل والصلاة والفرص المشتركه داخل الدير، تلك الحياة التي يسودها الفرح والبشاشة... فكان يوحنا منسجما تمام الإنسجام مع الروحانية الجديدة... وتمّ تأسيس أول دير للكرمليين المتشدّدين، في 28 تشرين الثاني 1568. وسكنه ثلاثةُ رهبان: يوحنا الصليب، والأب انطوان ليسوع، وأخ آخر... وبعد أشهر زارتهم تريزا. فاندهشت من حياة هؤلاء الكرمليّين المتشدّدين: حياة الفقر، حياة التمسّك بالقوانين، حياة الصلاة والتأمّل. ومجّدت الله على ذلك. وما لبث الكرمليون الجدد أن فتحوا داراً للإبتداء في مدينة (باسترانا) لاستقبال الدعوات. ولكنّ هذه الخطوة كانت شاقّة وعسيرة. لا بل لاقت مقاومات عنيفة، خصوصاً من جهة الرهبان، الذين رفضوا أن تقوم امرأة بإصلاحهم. لا بل اتخذت هذه الخطوة طابع الإضطهاد، إذ إن المناوئين لهذه الحركة الإصلاحية المتشدّدة، توصّلوا إلى حجز تريزا في أحد الأديرة وإلى اختطاف يوحنا الصليب وزجّه في سجن دير طليطلة، ومعاملته أقسى معاملة. وازداد الإضطهاد، مما دفع الكرمليّين الحفاة إلى إقامة إقليم منفصل عن الكرمليّين الملطّفين (العائشين حسب القانون الملطف السهل). وسنة 1586 أصبحوا رهبانيّة لها حكمها الذاتي. وسنة 1593 أصبحوا رهبانيّة مستقلّة تماماً. رغم الإضطهاد، لم تستسلم تريزا لليأس، بل واصلت الكفاح بعناد وجرأة من أجل متابعة هذه المسيرة الاصلاحية. وأخذت تكتب وتنصح وتوبّخ. وكتبت إلى الرئيس العام الأب روبير، وإلى الملك فيليب الثاني. كما أنها عكفت على كتابة كتاب روحي نفيس عنوانه "الصرح الداخلي". واستأنفت أسفارها وإصلاحاتها، وقوّة الروح تؤيّدها وتدفعها دوماً إلى تخطّي العقبات... لا، بل كلّما زادت الصعوبات كلّما أمعنت في الصلاة والجلوس ساعاتٍ طوال في حضرة الله، مستمدةً منه العون والسلام واليقين والطمأنينة. معاني الإصلاح التريزياني. كما أن الإصلاح البروتستنتي قد أراد له لوتير (1483 ? 1546) أن يكون خروجاً عن الكنيسة وتحرّرا من سلطتها، كذلك فإن الإصلاح التريزياني أرادت له تريزا، أن يكون رجوعاً إلى ينابيع الكنيسة الأولى، وتمسّكاً بسلطتها وتقيّداً بتعليمها. فالإصلاح البروتستنتي سَجّلَ طعنة إلى قلب الكنيسة ووحدتها. والإصلاح الكرملي الذي أرادته تريزا، سجّل في قلب الكنيسة عينها، عملاً رسولياً، يمثّل الخضوع والتجرد والمحبّة والتعلّق الشديد بهذه الكنيسة الواحدة المقدّسة الجامعة الرسولية، التي تركها لنا المسيح أمانةً في أعناقنا. من هنا نفهم أن الإصلاح التريزياني جاء في الإتجاه المعاكس للإصلاح البروتستنتي، إذ إنه رجوع إلى الينابيع الأولى للبشارة وتشبّهٌ بحياة المسيحيين الأوّلين، ودخولٌ من "الباب الضيّق". وهذا كلُه مبنيّ، على الإقتداء بحياة المسيح، حياة الطاعة والخضوع، حياة العزلة والصمت، حياة الرسالة والتبشير والصلاة. وقد جاهدت تريزا طيلة حياتها، وبكلّ قواها، لإنجاح هذا الإصلاح الأصيل، غير مباليةٍ بتعبٍ أو انتكاسةٍ صحيّة. وهي القائلة: "إني أموت لأني لا أموت". مرضها ووفاتها إنّ كثرة الأسفار والتأسيسات، والإصلاح والزيارات لجميع الأديرة التي أسّست، والإهتمام بكلّ راهبة وكلّ مبتدئة، والسعي الحثيث لإنجاح إصلاح الكرمليّين، والتقشفات الكثيرة، والصلوات المتواصلة، وقلّة النوم: هذا كلّه تراكم على جسد تلك المرأة الجبّارة، فساءت صحّتُها وَهَزَلَتْ بُنْيَتُها. ورغم كلّ ذلك ورغم سنيّها السبع والستين، انطلقت مجدّداً سنة 1582 لتأسيس دير جديد للراهبات في مدينة بورغس Burgos. فشعرت بالمرض يتآكلها، وبالسفر يضنيها، وبالبرد القارس ينهشها، وبالحمّى تجتاحُها. فما لبثت عندئذٍ أن عادت بعد ثلاثة أشهر إلى مدينة آفيلا، إلى ديرها الأول، دير القديس يوسف، الذي ستختم فيه حياتها... وفي 30 ايلول 1582 حدث لها نزيفٌ أَلزمها الفراش. فأدركت انها موشكةٌ على الموت. فاستدعت الراهبات وجمعتهنّ حولها وأعطتهن توصياتها الأخيرة. وطلبت الصفح من جميع أخواتها الراهبات في جميع الأديرة. وطلبت المعرّف فاعترفت للمرّة الأخيرة. وبينما الأب أنطونيو يناولها القربان المقدّس صرخت بحرارة قائلة: "ربي وإلهي، ها قد أتت الساعة التي كنتُ أنتظرها بشوق كبير. نعم لقد حان الوقت لكي نرى بعضنا بعضا وجهاً لوجه. لقد حانت الساعة. لنمضِ. لتكن مشيئتك يا رب. يا رب أنا أموت ابنة للكنيسة". وعندما أتمّت هذا، سلّمت روحها لله بهدوء وسلام، يوم 15 تشرين الأول 1582، وهي ابنة سبع وستين سنة... تعليم تريزا لقد شقّت تريزا طريقاً جديداً للكمال المسيحي والوصول إلى الله. وهذا الطريق نابعٌ من خبرةٍ واستحضارٍ دائمٍ لله، كما يرتكز على شرحٍ مبسّط للجفاف الداخلي ولليبوسات الروحية التي غالباً ما تساعد على تطهير النفس وتُهيّئُها لعطاءٍ أكملَ وأقوى. فالحياة عند تريزا ليست جموداً واستسلاما وبِطالة، الحياة عند تريزا ليست مسيّرة مفروضة ومكتوبة بحروف من بولاد، إنها عكس ذلك، إذ هي تحرّكٌ مستمرّ نحو الأكمل، وعملٌ دؤوبٌ في خدمة الله والقريب، ومواظبةٌ على التأمّل وطلب النور من أبِ الأنوار. وحياة الكمال المسيحي كما جاء في تعليم تريزا ليس إلاّ حوارَ المحبّة المتواصل بين الله والنفس... وعند استحالة الصلاة تكفي عبارة: أنا أحبّك يا يسوع. وقد عرفت تريزا كيف توفّق تماما بين شطرين في الحياة ضروريين: حياة التأمّل وحياة العمل ? صلِّ واعملْ. إنه مبدأ كلّ حياة رهبانيّة... من هنا برزت تريزا كمعلّمة كبيرة في الحياة الروحية أثّرت أبلغ تأثير على أخواتها الراهبات الكرمليّات، وعلى الرهبان الكرمليّين الحفاة، وعلى مرشديها ومعرّفيها، وعلى جميع الذين عايشوها من إكليريكيين وعلمانيّين وأساقفة، حتى بلغ صيتها جميع أنحاء إسبانيا. وبعد موتها، تَخَطَّت شهرتها حدود إسبانيا إلى العالم كلّه، خصوصاً بعدما تُرجمت كتاباتها إلى معظم اللغات الأوروبية والشرقية. كما أقدم الآباء الكرمليون في لبنان على ترجمة "أعمالها الكاملة" إلى اللغة العربية، بعد أن أصبحت تلك الكتابات مرجعاً أوّلياً للاّهوتيين والمعلّمين الروحيين، وخصوصاً للمهتمين بالدراسات والحالات الصوفية التي عاشتها شعوب الشرق والغرب، خصوصاً في الهند والصين واليابان. وهذا ما حدا بالبابا بولس السادس إعلانها ملفانةً ومعلّمةً للكنيسة الجامعة في 27 ايلول 1970. وهكذا أصبح لدى الكنيسة ثلاث نساء يحملن لقب معلّمات الكنيسة: تريزا الأفيلية وكاترين السيانية وتريز الطفل يسوع. واليوم ما زال لتعليم تريزا ولحياتها ولكتاباتها ذلك الإنتشار الواسع، وذلك التأثير العميق في معاصريها، وفي الأجيال اللاّحقة، حتى أيامنا هذه. وقد قال عنها شارل دي فوكو: "إن القديسة تريزا هي من هؤلاء المؤلفين الذين يجعلهم المرء خبزه اليومي... الكتب التي تأثّرت بها تريزا كثير من القديسين درس على ذاته أو بالأحرى تعلّم على سراج الأنوار العليا التي تضيء النفس وتنير زواياها المُعْتِمَة. وتريزا غاصت على تلك الحقائق الإنجيلية رغم عدم تخصّصها بأية دراساتٍ عليا... ذلك لأنها تشرّبت القداسة منذ صغرها، بفضل والدين تقيين، وبفضل إقبالها على مطالعة سير القديسين. أجل، لقد طالعت تريزا وتأثرت ببعض الكتب التي تأتي على ذكرها في كتاباتها. نذكر منها في الدرجة الأولى: الكتاب المقدّس الذي تستشهد به دوماً؛ ورسائل القديس ايرونيموس؛ كتاب "الإقتداء بالمسيح"؛ وكتاب "أخلاقيات" للقديس غريغوريوس، وغيرها. وطبعاً، المطالعة بالنسبة لتريزا، تعني تحويل ما طالعته إلى عناصر حيّة في حياتها كما تعني ارادة الهضم والصَّهر والتطبيق في الحياة. وقد اقتبست تريزا ما احتوته تلك الكتب من روحانيات تعلّمتها وعاشتها ووضعتها في كتب لكي تصبح لنا طريقاً يقودنا إلى الله. كتاباتها تركت لنا تريزا مؤلفات عديدة هي ثمرةُ خبرةٍ روحية غنيّة، أرادت من خلالها أن تعبّر عنها تعبيراً بسيطاً صادقاً وحيّاً. من كتاباتها نذكر: كتاب "السيرة": الذي يحتوي على سيرة حياتها وقد كتبته بخط يديها سنة 1562 تلبية لأمر الأب غارسيا. وأكملته سنة 1565. "طريق الكمال": كتاب قيّم جداً. كتبته تريزا سنة 1566 تلبية لإلحاح الأب بانييس الدومينيكي وأعادت كتابته سنة 1576 ليكون نافعا لجميع المسيحيين. كتاب "التأسيسات". بدأت بكتابته سنة 1574 نزولاً عند طلب الأب ريبالدا، وأنجزته شهرين قبل وفاتها نظراً لأشغالها الكثيرة. "المنازل": كتبته سنة 1577 واستغرقت ثلاثة أشهر في كتابته وذلك نزولاً عند طلب الأب غراسيان. وهذا الكتاب هو تُحفة من اللاهوت الصوفي. وهو بمثابة خلاصة لتعاليم تريزا الروحية. إنه دروس خِبرة عميقة في التأمّل والحياة الروحية. وهذا الكتاب هو بحق أروع ما خرج من قلبها وما خطّه قلمها. هناك كتابات أخرى نذكر منها: "الأحاديث الروحية" و"أفكار حول محبّة الله" وكتابات غيرها نثراً وشعراً. أمّا "رسائلها" فعديدة جداً. وهي موجّهة إلى مختلف الأوساط. وهي إنْ دلّت على شيء، فإنّما تدلّ على تطلعات تريزا واهتماماتها بالحياة الإنسانية والروحية والمادية وكيفيّة التعاطي مع الأشخاص. أخيراً، إن الملاحظة التي لا بدّ من قولها هي أن تريزا لم تكتب شيئاً إلاّ بأمر رؤسائها ومرشديها ومعرّفيها. روحانية تريزا قلنا إنّ تريزا عاشت روحانية هي نتيجة خبرة روحية حاولت أن تعبّر عنها في كتاباتها، ونلخصها بالأفكار التالية: الله وحده يكفي: الإنسان الذي يعيش في دوّامة التمزّق والأنانية ويجد نفسه أمام حائط مسدود، إنّما ذلك نتيجة حتمية لولوج هذا الإنسان الخطيئة، وغياب الصلاة عن حياته. ولكنّ الخطوة الحاسمة الأولى، تقوم على العودة إلى الذات، وتركها تتمركز في الله الذي يستحوذ على النفس، ويمتلك كلّ طاقاتها، فيحرّرها ويضعها في دوّامة حياة إلهية جديدة. روحانية تريزا تدور بمجملها حول حياة جديدة متجدّدة باستمرار في المسيح: قال بولس: "لست أنا الحيّ بل المسيح هو الحيّ فيّ". وتريزا اختبرت ذلك وعرفت أن الحياة الجديدة في المسيح لا تقوم إلاّ على نعمة الموت والولادة والقيامة على حياة جديدة، تماماً على مثال المسيح. الصلاة حديث مع الله: تريزا هي محترفة صلاة. ففي أسفارها وأشغالها كانت تصلّي. وفي سكون الليل كانت تصلي. ومن خلال كتاباتها نستشف أن الصلاة كانت محور حياتها ورفيقة أعمالها ونجاح مشاريعها.. من أقوالها أَنْ أموتَ، نعم. أن أُهزم أبداً. لا يُقلقك شيء ولا يُرْهِبُك شيء. فكلّ شيء يزول، الله لا يتغيّر. وهو وحده يكفي. الصبر ينال كلّ شيء ومن له الله لا يعوزه شيء. فلتكن رغباتك أن ترى الله، وليكن خوفك أن تخسره، وليكن غمّك عدم امتلاكه، وليكن فرحك بالذي يقودك اليه، عندها فقط تحيا بسلام. خلاصة أجل هذه هي تريزا الأفيلية. هذه هي الراهبة الفذّة التي عرفت كيف تملأ حياتها وأيامها من العمل لبناء ملكوت الله على الأرض فتدَفَّق عملُها حبّاً عارماً لله وللكنيسة وللقريب. هذه هي شخصية تلك المرأة "المغرمة بالله" التي حلّقت في سماء الكنيسة، فعاشت بانيةً، مصلحةً، معلّمةً، تحت تأثير الروح والفرح والحرية والعطاء. وهذا ما حدا باللاهوتي والمؤلف والشاعر الإسباني الأب لويس دي ليون الأغسطيني أن يكتب عنها فيقول: "انا ما عرفت الأم تريزا ليسوع، ولا رأيتها أثناء حياتها على الأرض. أمّا الآن وهي حيّة في السماء، فإنني أعرفها وأكاد أراها دائماً في صورتين حيّتين تركتهما لنا عن ذاتها هما: بناتُها ومؤلّفاتها". ونحن أبناء القرن الحادي والعشرين نقف اليوم حيارى أمام هذه الراهبة الجبّارة ونتعرّف إليها من خلال بناتها وأبنائها المنتشرين اليوم في كلّ بقعة من الأرض، يتابعون رسالتها. ونتعرّف إليها أيضاً من خلال مؤلّفاتها، وسيرة حياتها، إذ استطاعت من خلال صلاتها، وتسليمها المطلق لإرادة الله، وثقتها بنفسها وصبرها وفضيلتها وأشغالها وأسفارها وإنشاءاتها أن تقوم بوضع منهجيّة جديدة للرهبانيّة الكرمليّة. وعملها هذا يَعْجَزُ عنه جمهور من الرجال والنساء مجتمعين. فكيف بتريزا تناضل لوحدها! ولكنّها لم تكن لوحدها، بل الروح الكامن في أعماقها كان يُلهمها ويلهبها طيلة مسيرتها، فكانت المرأة والراهبة والرئيسة والمصلحة والمؤلفة والمؤسسة والمعلّمة الصوفية والإنسانة المغرمة بالله وبالكنيسة. وقد قيل عنها بأنّها أعظم امرأة في التاريخ بعد مريم العذراء. إن الله لعجيب حقاً في قديسيه! عداد الأب ميشال حداد الكرملي |
||||
25 - 09 - 2014, 02:50 PM | رقم المشاركة : ( 6363 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مار سركيس وباخوس مقدّمة مار سركيس وباخوس ماتا شهيدَين في سبيل المسيح. لم يكتب أحد من المؤرّخين في عصرهما تاريخ حياتهما، فكتباه بدمائهما. خبر استشهادهما سمعته الكنيسة من شهود عيان، فحفظته في صدرها وديعة ثمينة وتناقلته على أفواه أبنائها جيلاً بعد جيل. ولا ندري من هو أوّل من سطّر خبر استشهادهما في كتاب. ولكن بما أنّ مار سركيس وباخوس استشهدا في سوريا، على الفرات، في قلب الكنيسة السريانيّة، نرى أنّ آباء الكنيسة السريانيّة وشعراءها كانوا في طليعة الذين تغنّوا بمدائحهما، وكتبوا قصّة استشهادهما. ولنا من مار يعقوب السروجي أحد آباء الكنيسة السريانيّة وأشهر شعرائها المتوفّي سنة 521م قصيدة باللغة السريانيّة، بثلاثمائة بيت ونيّف في مديحهما وهناك مخطوطة سريانيّة محفوظة في المكتبة الفاتيكانيّة في روما تعود إلى القرن الثاني عشر، تروي قصّة استشهادهما كما تناقلتها الكنيسة السريانيّة في الشرق إلى هذه المخطوطة السريانيّة القديمة، بالمقارنة مع قصيدة مار يعقوب السروجي، نستند في كتابة سيرة هذين القدّيسين الشهيدَين مار سركيس وباخوس. ونقدّمهما مثالاً وقدوة لشبابنا في المحافظة على الإيمان في لبنان. الإطار التاريخي والجغرافي نحن في أوائل القرن الرابع للمسيح. روما لا تزال مسيطرة على العالم. وأباطرتها الوثنيّون لا يزالون يضطهدون كنيسة المسيح. فعلى مثال نيرون (54 - 68) الذي شنّ الاضطهاد على المسيحيّين في روما، والذي في عهده استشهد مار بطرس وبولس في القرن الأوّل، تابع الأباطرة الظالمون في القرنين الثاني والثالث اضطهاد المسيحيّين. وفي أوائل القرن الرابع كان ديوكلسيانوس (284 - 305) يواصل حملات الاضطهاد ضدّ المسيحيّين. وخلفه في الحكم غاليريوس (293 - 311) فأثار الاضطهاد عليهم في الشرق كلّه. وجاء بعده ابن أخته مكسيميانوس دايا (308 - 313)، وهو مثل خاله وسائر أسلافه يحمل في قلبه بغضًا شديدًا للمسيحيّين، فشنّ عليهم اضطهادًا واسعًا في الشرق والغرب. وكانت نيقوميديا آنذاك عاصمة الامبراطوريّة الرومانيّة في الشرق، وقد أرادها ديوكلسيانوس روما ثانية على البوسفور، وكانت غير بعيدة عن المكان الذي ستبنى فيه فيما بعد القسطنطينيّة. |
||||
25 - 09 - 2014, 02:52 PM | رقم المشاركة : ( 6364 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سركيس وباخوس والجيش الروماني في نيقوميديا تلك، جمّع الامبراطور معظم جيوشه للدفاع عن الامبراطوريّة. وكان بين هذه الجيوش فرقة خاصّة تلازم الامبراطور ولا تفارقه في أيّام السلم ولا في أيّام الحرب. هذه الفرقة من الجيش الروماني كان قائدها سركيس في عهد مكسيميانوس، وكان باخوس معاونًا له.لم يصلا إلى هذا المقام الرفيع في الجنديّة، إلاّ بفضل بطولتهما في المعارك، وأمانتهما للدولة وإخلاصهما للملك. كان لسركيس دالّة عظيمة على الملك وله في القصر نفوذ كبير. وكان له صديق اسمه أنطيوخس، توسّط له سركيس عند الملك فعيّنه حاكمًا على الفرات في سوريا. كان سركيس وباخوس مسيحيّين ولكن الملك لم يكن على علم بذلك. كان يصلّيان سرًّا، ويشجّع الواحد الآخر على الثبات في محبّة المسيح. كانا يتألّمان من الاضطهادات التي يشهدانها ضدّ إخوانهما المسيحيّين. وكان يعظّمان إيمان الشهداء من رفاقهما، وكان يستعدّان هما أيضًا لتقديم شهادتهما عند ما يأتي يومهما. الوشاية بسركيس وباخوس وما طال الزمن حتّى أتى ذلك اليوم. فقد وشى بهما حسدًا بعض رفاقهما إلى الملك، بأنّهما مسيحيّان، ولا يقرّبان الذبيحة للأوثان. استغرب الملك أوّلاً هذه التهمة، لأنّه يعلم وفاءهما له وللدولة، ولكنّه أراد أن يمتحنهما لكي يختبر صدقهما. |
||||
25 - 09 - 2014, 02:52 PM | رقم المشاركة : ( 6365 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الذبيحة للأوثان
ففي أحد الأيام وقد كان الملك والقواد وسائر الجنود يحتفلون بتقديم الذبائح للأوثان في هيكل الإله زوس، استدعى الملك إليه سركيس وباخوس وأمرهما بأن يرافقا الجنود إلى الهيكل. وعند تقديم الذبيحة بحث عنهما فما وجدهما داخل الهيكل، لقد بقيا خارجًا يصلّيان ويتضرّعان إلى الله لكي ينير عقول الوثنيّين. فأمر الملك بإحضارهما سريعًا وطلب إليهما أن يركعا أمام مذبح الإله زوس ويشتركا بتقديم الذبيحة للأوثان. أمّا الشهيدان فرفضا عبادة الأوثان وقالا للملك: «نحن ملتزمان أيّها الملك أن نخدمك بالجسد، بسبب سلطانك البشريّ على الأرض، ولكن لنا ملك حقيقي في السماء، كان منذ الأزل وهو باقٍ إلى الأبد، ابن الله يسوع المسيح، فإيّاه نعبد، لأنّه هو ملجأنا ومنقذ حياتنا، وله كلّ يوم نذبح روحنا بتواضع، ونقرّب القرابين النقيّة المقدّسة بصلوات أفواهنا. أمّا الحجارة والأخشاب التي لا حسّ لها، والمغشاة بالنحاس والحديد، والمصنوعة بشبه صنم، فهذه لا نعبدها ولا نقدّم لها ذبيحة». التجريد والهوان أمام هذا الإيمان العلنيّ بيسوع وهذا الرفض الفاضح للوثن، أمر الملك حالاً بأن يجرّدا من وظيفتهما في الجنديّة فتقطّع مناطقهما، هناك في الهيكل، ويخلع عنهما رداؤهما وينـزع الطوقان الذهبيان من عنقهما. وأمر الملك بأن يلبّسا ثيابًا نسائيّة ويكبّلا بقيدين من حديد في عنقهما ويطاف بهما في شوارع المدينة وهما لابسان هذا الزيّ المخجل. أمّا هما فاحتملا هذا الهوان بفرح وكان يرتّلان في شوارع المدينة ويقولان: «كلّ هذا، أيّها المسيح، لأجلك. فإنّنا وإن كنّا نسلك في وادي ظلال الموت، لا نخاف سوءًا لأنّك معنا. لقد خلعت عنّا ثوب الإنسان العتيق، وألبستنا ثيابًا مفرحة. ووشّحتنا برداء الخلاص. مثل عروسٍ جميلة جمّلتنا. وبزيّ النساء المحتشمات زيّنتنا» |
||||
25 - 09 - 2014, 02:53 PM | رقم المشاركة : ( 6366 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مار سركيس و مار باخوس في طريق الجلجلة
وعندما وصلا إلى قصر الملك مكسيميانوس، استدعاهما الملك إليه، وطلب إليهما مرّة ثانية أن يكفرا بالمسيح فيُعيدهما إلى وظيفتهما. أمّا هما فلم يجيبا طلب الملك وثبتا على محبّة المسيح. فبعد التهديد والوعيد وأمام الثبات العنيد في الإيمان، قرّر الملك أن يرسلهما إلى أنطيوخس حاكم الفرات في سوريا ليحاكمهما. وكان أنطيوخس هذا رفيقًا لسركيس وهو الذي أوصله إلى هذا المقام. وكان قصد الملك من وراء ذلك أن يزعزع إيمانهما بالاتعاب والإهانات التي يلاقيانها في الطريق والمعاملة القاسية التي يجدانها عند أنطيوخس الذي كان يعدّ أقسى رجل في الإمبراطوريّة. وهكذا بعد أن ألقي على عنقهما قيدان من حديد، وبعد أن رُبطا بسلاسل من حديد في أيديهما وأرجلهما، أمر الملك بأن يُسلّما إلى مراكز الشرطة في الدولة، ليُنقلا من مركز إلى آخر حتّى يصلا إلى بلاد الشرق إلى عند أنطيوخس على الفرات. وكتب إليه رسالة بشأنهما ليفحص أمرهما ويعاملهما بلطف في بادئ الأمر، وإذا لم يرضخا لإرادته فليعذّبهما فيما بعد أشدّ العذابات وهنا ابتدأت طريق الجلجلة أمام الشهيدَين. الطريق طويلة وشاقّة. فالمسافة بين نيقوميديا وبين شورا على الفرات، حيث مقرّ أنطيوخس، هي بعيدة جدًّا. فمن نيقوميديا إلى أنقره 200 كلم ومن أنقره إلى قيصريّة الكبادوك 180 كلم. ومن الكبادوك إلى أنطاكية 350 كلم. ومن أنطاكية إلى شورا على الفرات 250 كلم أي ما يقارب الألف كيلومتر الطريق وعرة أمامهما والجو قاس فوقهما. في مضايق جبال طوروس، يلاقي المسافر أشدّ الأهوال من الذئاب والضباع والأفاعي والثعابين. وهذا الموكب الحزين لهذين القائدين المجرّدين من أسلحتهما والمقيّدين بالأغلال والسلاسل لم تكن لتخفّف من قساوته في الليالي الكالحات إلاّ صلوات الشهيدَين، ومحبّة المسيح المتفجّرة من قلبيهما. وكما ظهر ملاك للمسيح، في نزاعه في بستان الزيتون، وشجّعه على تحمّل آلامه وموته على الصليب، هكذا كان يظهر لسركيس وباخوس ملاك من السماء، حينًا بعد حين، ليخفّف عنهما وطأة العذاب ويشجّعهما على الثبات في الإيمان. في إحدى الليالي ظهر لهما ملاك الربّ وقال لهما: «تقوّيا واثبتا ولا تخافا، قاتلا الأرواح الشريرة كجنود المسيح الأبطال، وبقوّة ربّكما تدوسان العدو تحت أرجلكما. وعندما تُنهيان شوطكما، تشاهدان ملك المجد يسوع المسيح، فيستقبلكما بجيش الملائكة الغفير، ويتوّجكما بإكليل الظفر» هذا النور الذي هبط عليهما من السماء ملأهما فرحًا وقوّة. فكانا يتابعان سيرهما بسرور ونشاط، ويرتّلان في الطريق تراتيل الحبّ والرجاء: «أحببنا طريق شهادتك، أيّها المسيح، أكثر من كلّ ثروة، وإنّنا نتأمّل في شريعتك دائمًا لئلاّ ننسى أوامرك. فاستجبنا وافتح بصائرنا لنرى معجزات شريعتك» |
||||
25 - 09 - 2014, 02:54 PM | رقم المشاركة : ( 6367 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مار سركيس و مار باخوس في ديوان الحاكم
بعد ثلاثة أو أربعة أشهر وصلا إلى مدينة بالس على الفرات، حيث كان يقيم، في ذلك الوقت أنطيوخس. فهذا بعد أن قرأ رسالة الملك، أمر بإرسالهما إلى السجن. وفي الغد أمر بإحضارهما إلى ديوانه وأخذ يتودّد إليهما لكي يخضعا لأوامر الملك ويقدّما الذبيحة للآلهة، فيرجعهما إلى مقامهما الأوّل ويزيد من كرامتهما. أمّا هما فأجابا أنطيوخس وقالا له: «إنّنا تركنا كلّ ما يُرى على الأرض، واحتقرنا الجنديّة في هذه الزمان القصير، وتبعنا يسوع المسيح، ابن الله الحيّ، ليجنّدنا في الملكوت السماوي، ويضمّنا إلى أجواق الملائكة الروحانيّين، ويحصينا في عساكر الملائكة القدّيسين. ماذا نربح، إن ملكنا العالم كلّه وخسرنا نفسنا؟.. نحن لا نسجد ولا نقدّم الذبائح للحجارة والأخشاب، لكنّنا نعبد يسوع المسيح ملك العالمين أجمعين. فله تسجد كلّ ركبة في السماء وعلى الأرض، وإيّاه يسبّح ويشكر كلّ لسان. أمّا آلهتكم أنتم فليست بآلهة، بل أصنام صمّاء صنعتها أيادي البشر» |
||||
25 - 09 - 2014, 02:55 PM | رقم المشاركة : ( 6368 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
جَلْد باخوس
حينئذٍ غضب أنطيوخس وأمر بأن يُخرَج سركيس إلى خارج المحكمة ويُحفظ باحتراس. أمّا باخوس فقد حُكم عليه بأن يُمدّد كمصلوب على خشبة ويُجلد باعصاب البقر. فتناوب الجلاّدون عليه حتّى تعبوا وخارت قواهم. فعندما تمزّق جسده وسال دمه على الأرض، رفع صوته بألم وقال للحاكم: «من كان يضربني قد تعب، وكُفرك قد دُحِض، وملكك الظالم قد انهزم. وأمّا أنا فقد أعدَّ لي سيّدي الإكليل. فبقدر ما يتشوّه هذا الجسد الخارجيّ، كذلك يتجدّد الإنسان الداخلي في الحياة الجديدة، التي تتجلّى للساجدين للمسيح» استشهاد باخوس وعندما قال هذا سُمع صوتٌ من السماء يقول: «هلمَّ الآن إلى الملكوت المعدّ لك، أيّها المنتصر في جهاده، والمشتمل بالنور والمتّشح بالظفر، مار باخوس بطل المسيح» وفي تلك الساعة أسلم الطوباويّ نفسه في يد الملائكة القدّيسين. |
||||
25 - 09 - 2014, 02:55 PM | رقم المشاركة : ( 6369 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حزن سركيس عند علمه باستشهاد مار باخوس
فلمّا علم سركيس باستشهاد رفيقه باخوس استولى عليه الحزن وراح يبكيه بمرارة نفس ويقول: «الويل لي يا أخي ورفيقي في الجنديّة... لقد انفصلنا الواحد عن الآخر ولم نعد نرتّل معًا: ما أطيب وما أحسن أن يسكن الإخوة معًا. لقد انفصلتَ عنّي وصعدتَ إلى السماء، وتركتني على الأرض وحيدًا في مكان بعيد» وفي الليل، بينما هو يفكّر في هذا، إذا بالشهيد باخوس يتراءى له بشكل وقور يغمره الفرح والسرور ويلمع وجهه كالورد ويقول له مشجّعًا: «لا تحزن يا أخي ولا تكتئب. فإنّي وإنم كنت انفصلت عنك بجسدي، إلاّ إنني بروحي باقٍ معك في كلّ حين، للاعتراف بالمسيح. اثبت على الاعتراف بالمسيح، واتبع أخاك بشهادة صالحة، فيكمل الحبّ بيننا. جميل جدًّا أن نكون معًا في المسكن السماويّ، ونرث الملكوت الباقي مدى الدهر» |
||||
25 - 09 - 2014, 02:56 PM | رقم المشاركة : ( 6370 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
دفاع سركيس
وفي اليوم التالي خرج أنطيوخس من مدينة بالس وذهب إلى مدينة شورا وأخذ معه سركيس. وكان يتوسّل إليه في الطريق حتّى يسجد للآلهة ويترك المسيح. لكن سركيس لم يُذعن لكلامه بل كان يردّد هذا القول: «إني أسبّح وأسجد فقط ليسوع المسيح ملك العالمين أجمعين» ولمّا وصل أنطيوخس إلى مدينة شورا عقد مجلسًا لمحاكمة سركيس وحاول أوّلاً أن يسترضيه بلطيف الكلام ليتخلّى عن إيمانه المسيحيّ ويعبد الآلهة فقال له: «لقد رأيتَ ذلك الشقيّ باخوس، كيف تمسّك برأيه الصلب، ولم يشأ أن يُذعن ويقدّم الذبيحة لساداتنا الآلهة، بل خسر حياته من هذا العالم الجميل اللذيذ، وصار إلى موت غامض وظلام كئيب. لماذا أنتَ يا سيّدي سركيس، رضيتَ أن تتبع بدعة المسيحيّين الشريرة، وتصل إلى هذا الذلّ والعذاب، فإنّي عندما أتذكّر مجدك العظيم، وامتيازاتك الرفيعة، لدى سيّدنا الملك، أخجل عنك. فأنا أعلم أن المقام الرفيع الذي أنعمُ به، ما حصلتُ عليه إلاّ بواسطتك» فأجابه سركيس بتواضع وبشاشة وقال له: «يا أنطيوخس، هذا الججل الذي نعانيه من البشر وقتًا قليلاً، نأخذ عوضه من المسيح دالة كبيرة ومجدًا عظيمًا. هو بداته بشّرنا وقال: من يُهلك نفسه لأجلي يجدها. يا ليتك يا أنطيوخس، توافقني، وتتعرّف إلى يسوع المسيح، ملك المجد، وتكفر بالملك الأرضيّ، الذي يَسقط تاجُه ويزول حكمُه، وتُؤهّل للميراث المحفوظ للمؤمنين، وتُدعى أخًا ووريثًا في مدينة القدّيسين. وتُقبَل لدى الملك السماويّ الذي يدوم ملكه إلى الأبد، وتفوز بالحياة التي لا تنتهي»[16]. حينئذٍ أجابه أنطيوخس بغضب وقال له: «إنّ ما رددتَه أمامي ما هو إلاّ كلام سخيف وخرافات فارغة. فاترك الآن هذا الكلام الباطل، واقتنع بكلامي وقدّم الذبيحة للآلهة. وإلاّ فإنّي أعاملك بأحكام مرّة وعذابات قاسية» فأجابه سركيس قائلاً: «اصنع ما تشاء. فأنا متّكل على يسوع المسيح سيّدي، فهو يساعدني. فقد قال لنا: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، ولا يستطيعون أن يقتلوا النفس. خافوا خاصّة من الذي يمكنه أن يقتل النفس والجسد، ويلقيَهما في جهنّم. أنت مسلّط على جسدي، فتعذّبه كما تشاء، ولكن اعلم يا أنطيوخس، أنك وإن قتلت جسدي، فنفسي لا يمكنك أن تقتلها، لا أنت ولا ملكك مكسيميانوس» |
||||