23 - 09 - 2014, 02:31 PM | رقم المشاركة : ( 6301 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عن الاضطهاد القديس أفرهاط الحكيم الفارسي سبب المقالة [حدث ذات يوم أن إنسانًا يدعي حكيمًا بين اليهود سألني: يسوع الذي يُدعي معلمكم، كتب أنه إن كان أحد منكم له إيمان مثل حبة خردل تقولون لهذا الجبل انتقل، فينتقل من أمامكم، ويرتفع ويسقط في البحر، وهو يطيعكم (مت 17: 19؛ 21: 22). وواضح أنه ليس في كل شعبكم حكيم واحد تُسمع صلاته، فيسأل الله أن يُبطل المضطهدين لكم. فمن البيَّن أن هذا كتُب لأجلكم: "ليس شيء غير مستطاع لديكم"]. [وإذ رأيته يجدف وينطق ضد الطريق، اضطرب ذهني، وأدركت أنه لم يعرف تفسير الكلمات التي اقتبسها وقالها لي. عندئذ من جانبي سألته عن أقوال من الناموس والأنبياء، وقلت له: هل تثق أنه حتى عندما تشتتم فإن الله معكم؟... إذ قال لإسرائيل: "حتى في أراضي أعدائكم لا أنساكم، ولا أنكث ميثاقي معكم" (راجع لا 26: 44). أجبته: "حسنًا أن أسمع هذا منكم أن الله معكم. لكنني أنطق أيضًا بكلمات ضدكم"، إذ يقول النبي لإسرائيل كما من فم الله: "إذا جزت في البحر فأنا معك، وفي الأنهار فلا تغمرك. إذا مشيت في النار فلا تلدغ واللهب لا يُحرقك، لأني أنا الرب إلهك معك" (راجع إش 43: 2-3). هكذا أما يوجد حكيم واحد بينكم بار وصالح من كل الشعب حتى يعبر البحر ويحيا دون أن يغرق، ويجتاز النهر دون أن يغمره، ومن يقدر أن يسير على النار فلا يُلدغ، واللهيب لا يحرقه. وأن قدمت لي شرحًا لا أقبله منك، كما أنت لا تقبل تفسير الكلمات التي سألتني عنها]. [كتبت لك هذا المقال يا عزيزي منذ البداية بسبب تعيير يهودي لأبناء شعبنا (أننا مُضطهدون)، لكن الآن أظهر لك قدر إدراكي إن المُضطَهدين ينالون مكافأة عظيمة، بينما يصير المضطهِدون في احتقارٍ وخزيٍ]. يعقوب المُضطهَد [كان يعقوب مُضطَهدًا، وعيسو مضطهِدًا. نال يعقوب البركات والبكورية، بينما حُرم عيسو من الاثنين]. مقارنة بين يسوع المُضطهَد ويوسف كان يوسف مضطَهدًا، وكان إخوته هم المضطهِدِين. يوسف تمجد، ومضطِهدوه سجدوا له، فتحققتِ أحلامه ورؤياه. كان يوسف المُضطَهد رمزًا ليسوع المُضطَهد. يوسف ألبسه والده قميصًا بألوان كثيرة، ويسوع ألبسه أبوه جسدًا من البتول. يوسف أحب أبوه أكثر من إخوته، ويسوع هو العزيز المحبوب لدي أبيه. رأي يوسف رؤى وحلم أحلامًا، وتحققت الرؤى والأنبياء في يسوع. كان يوسف راعيًا مع إخوته، ويسوع هو رئيس الرعاة. عندما أرسله أبوه ليفتقد إخوته رأوا يوسف قادمًا وخططوا لقتله، وعندما أرسل الآب يسوع ليفتقد إخوته قالوا: "هذا هو الوارث، هلم نقتله" (مت 21: 38). ألقي إخوة يوسف أخاهم في الجب، ويسوع أنزله إخوته ليسكن بين الموتى. يوسف صعد من الجب، ويسوع قام من بين الأموات. يوسف بعد أن قام من الجب صار له سلطان على إخوته، ويسوع بعد أن سكن بين الأموات أعطاه أبوه اسمًا عظيمًا ممجدًا (في 2: 9) ليخدمه إخوته ويخضع أعداؤه تحت قدميه. يوسف بعد أن عرفه إخوته خجلوا وخافوا واندهشوا أمام عظمته، وعندما يأتي يسوع في آخر الزمان، ويعلن عظمته سيخجل إخوته ويخافون ويرتعبون أمامه لأنهم صلبوه. علاوة على هذا فإن يوسف بيع إلي مصر بناء على مشورة يهوذا، ويسوع سُلم لليهود بيدي يهوذا الإسخريوطي. عندما باعوا يوسف لم يجب إخوته بكلمة، ويسوع أيضًا لم ينطق ولا أجاب على القضاة الذين حاكموه. يوسف سلمه سيده للسجن ظلمًا، ويسوع أدانه أبناء شعبه ظلمًا. سلم يوسف ثوبيه، واحد في أيدي إخوته، والآخر في يد زوجة سيده، ويسوع سلم ثيابه وقسمت بين الجند. يوسف إذ كان في الثلاثين من عمره وقف أمام فرعون وصار سيد مصر، ويسوع إذ بلغ الثلاثين جاء إلي الأردن ليعتمد وقبل الروح وخرج يكرز. يوسف عال مصر بالخبز، ويسوع عال العالم كله بخبز الحياة. يوسف أخذ ابنة الكاهن الشرير النجس زوجة له، ويسوع خطب لنفسه الكنيسة من الأمم النجسين. مات يوسف ودُفن في مصر، ومات يسوع ودُفن في أورشليم. عظام يوسف أصعدها إخوته من مصر، ويسوع أقامه أبوه من مسكن الموت ولبس جسده وارتفع به إلي السماء في غير فساد. مقارنة بين يسوع المُضطهَد وموسى [أُضطهد موسى أيضًا كما أُضطهد يسوع. حين وُلد موسى أخفوه من مضطهديه لئلا يقتلوه، وحين ولد يسوع هربوا به إلي مصر لكي لا يقتله هيردوس مضطهِده. في الأيام التي وُلد فيها موسى كان يغرقون الأطفال في النهر، وعند ميلاد يسوع قُتل أطفال بيت لحم وما جاورها. لموسى قال الله: "مات الرجال الذين يطلبون نفسك" (خر 4: 19). وليوسف قال الملاك في مصر: "قم وخذ الصبي وأمه وأذهب إلي أرض إسرائيل، لأنه قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي" (مت 2: 20). أخرج موسى شعبه من خدمة فرعون، وخلّص يسوع الشعوب من خدمة الشيطان. ترَّبي موسى في بيت فرعون، وتربي يسوع في مصر حين هرب به يوسف إلي هناك. وقفت مريم على حافة النهر حين طاف موسى فوق الماء، وحملت مريم بيسوع حين بشرها الملاك جبرائيل. حين ذبح موسى الحمل قتل أبكار المصريين، وصار يسوع الحمل الحقيقي حين صلبوه، وبموته مات الشعب القاتل. أنزل موسى المن لشعبه، ووهب يسوع جسده للشعوب. بالخشبة حلَّى موسى المياه المرة، وبصليبه حلَّى يسوع مرارتنا بخشبة شجرة صليبه. أنزل موسى الناموس لشعبه، ووهب يسوع عهوده للشعوب. قهر موسى عماليق عندما بسط يديه، وقهر يسوع الشيطان بعلامة الصليب. أخرج موسى لشعبه مياه من الصخرة، وأرسل يسوع سمعان صفا ليحمل تعليمه بين الشعوب. رفع موسى البرقع عن وجهه وتكلم مع الله، وأنتزع يسوع البرقع عن وجه الشعوب ليسمعوا تعليمه ويقبلوه. وضع موسى يده عل رسله فقبلوا الكهنوت، ووضع يسوع يده على رسله فنالوا الروح القدس. صعد موسى الجبل، ومات هناك، وصعد يسوع إلي السماء، وجلس عن يمين الآب]. مقارنة بين يسوع المُضطهَد ويشوع [أُضطهد يشوع بن نون كما أُضطهد يسوع مخلصنا. أُضطهد يشوع بن نون بواسطة الشعوب النجسة، وأضطهد يسوع مخلصنا بواسطة الشعب الجاهل. أخذ يشوع بن نون الميراث من مضطهديه وأعطاه لشعبه، ويسوع مخلصنا أخذ الميراث من مضطهديه ووهبه لشعوبٍ غريبةٍ. أوقف يشوع بن نون الشمس والقمر وانتقم من الشعوب التي اضطهدته، ويسوع مخلصنا جعل الشمس تغيب في وسط النهار، ليخزى الشعب المضطهِد الذي صلبه. وزع يشوع بن نون الميراث على شعبه، ووعد يسوع مخلصنا أن يعطي الشعوب أرض الحياة. منح يشوع بن نون الحياة لراحاب الزانية، وجمع يسوع مخلصنا الكنيسة الزانية ومنحها الحياة. ضرب يشوع بن نون أسوار أريحا ودمرها في اليوم السابع، وفي اليوم السابع ليسوع مخلصنا، في بيت راحة الله، سيحل العالم ويسقط (عب 4: 8). رجم يشوع بن نون عاخان الذي سرق ما هو مُحرَّم، وفصل يسوع مخلصنا يهوذا عن التلاميذ رفقائه، لأنه سرق من كيس المساكين. مات يشوع بن نون وسلَّم الشهادة إلي شعبه (يش 24: 22، وحين صعد يسوع المسيح مخلصنا سلم الشهادة إلي رسله (مر 16: 14؛ مت 28: 18)]. غاية المقالة [هذه الذكريات التي أكتبها إليك يا عزيزي بخصوص يسوع الذي أُضطهِد، والأبرار الذين اُضطهِدوا هي من أجل الذين يُضطهدون اليوم من أجل يسوع المُضطهَد، فيستريحون. فقد كتب لنا وأراحنا بنفسه: "إن كانوا قد اضطهدوني فسيضطهدونكم أيضًا. يضطهدونكم لأنكم لستم من العالم كما أني أنا لست من العالم" (راجع يو 19:15، 20؛ 14:17)]. |
||||
23 - 09 - 2014, 02:33 PM | رقم المشاركة : ( 6302 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصوم الأربعيني ومواجهة النفس إعداد الأخ/ سامي هلسه - كنيسة البشارة- عمان : الأردن قدموا صوماً نادوا بإعتكاف كثيرون من الناس يقولون لماذا نصوم؟ وقبل ان نجيب على هذا السؤال ، نذهب الى الطبيعة ، ونرى ماذا يخبرنا القديس يوحنا السينائي : ان الأمثلة المستوحاة من الطبيعة تساعدنا على توضيح الأمور الروحية . فعندما نذهب الى الحقل ، ونجد انه يتم تقليم الأشجار في هذا الموسم ، وذلك حتى يتم التخلص من الأغصان غير الجيدة ، وحيئذ تنمو البراعم بشكل جيد لتستعد لفترة الإثمار . وهكذا نحن بحاجة إلى تقليم ، ولكن من نوع آخر وهو الصيام إذ اننا بالصيام نتوقف فقط عن تناول بعض المأكولات ، ولكن ننزع ونميت كل قول أو فعل أو فكر يبعدنا عن الرب يسوع المسيح ، وبعدها نتقوى مستعينين بالصلاة ، وكلاهما يساعدان على نمو براعم الإيمان ، لذا يقول القديس باسيليوس: " ان الصوم الحقيقي هو سجن الرذائل ، اعني ضبط اللسان ، وإمساك الغضب وقهر الشهوات الدنسة" . هذا هو الصيام ليس فقط حرمان المعدة من الطعام والشراب ، وإنما هو وسيلة تشدد عزمنا على السير في طريق الصليب مع الحبيب متحملين الجوع والعطش لنذق مرارة الألام التي تجرعها الحبيب من أجلنا ، هذه المرارة التي تنقلنا رويداً رويداً إلى الفرح الحقيقي ، فرح قيامة الرب يسوع في قلب كل منا . الصوم بمفهومه الخاص، هو الامتناع عن الطعام فترة معينة، يتناول الصائم بعدها أطعمة خالية من الدسم الحيواني. لكن للصوم مفهوماً عاماً عند الآباء القديسيـن. فهو في رأيهم يشتمل على كل صنوف التقشف والنسك وقمع الأهواء والشهـوات الجسديـة. قال القديس يوحنا " صوم الجسد هو الجوع من الغذاء البعد عن المأكولات، النسك من الدسم، وصوم النفس هو أيجوع الإنسان ويعطش للبر، ويصوم عن التدابير الرديئة وعن الاهتمام يها وعن ذكر الرذائل”. وقال بولس الرسول " وكل من يجاهد يضبط نفسه عن كل شيء... أقمع جسدي وأستعبده حتى بعدما كرزت للآخرين لا أصير أنا نفسي مرفوضاً (1كو 25:9 ). إن الصوم موسم إعتكاف وإلتقاء مع اللـه، رسمته الكنيسة تشبهاً بالرب يسوع عندما رجع من الأردن بعد العماد ودخل البـرية وحده في عزلة كاملة عن العالم أربعين يوماً يصلي مجاهداً ضد الشيطان، وفي أثناء هذه المدة لم يأكل شيئاً. أيـها الأخوة الأحباء بالمسيح _ إن سليمان الحكيم قال: " باطلة هي الأباطيل كل شيء باطـل " (جامعة 2:1)، والملك داود رنم: " إنما يسلك الإنسان في الظل باطلاً يعجون " (مز 7:38) حقاً إن الذين يحبون الأشياءٍ الباطلة يعجون والذين يحرصون على المال وغيره سرعان ما يزولون ولا يقدرون أن يأخذوا معهم شيئاً من حطام الدنيا، ولذلك لا يرتاحون. سنترك كل شيء هنا ونذهب عراة كما خلقنا، سنذهب إلى الأبديه، إلى أمام الديان الرهيب، سننتقل إلى الحياة الآتيه، عراة بكآبة قلب، وبإنسحاق النفس، ويرعدة وخوف، وبالتنهدات العميقة، نقف أمام المحكمة المخيفة حيث لا محاباة، ولا إسترام ولا شفاعة ولا دفاع، حيث يتحتم على كل منا أن يؤدي الحساب عن أعماله وأقواله وأفكاره. حقاً ! أيها الأخوة سيكون خوف ورهبة لم يسبق مثيلهما منذ بدء العالم، كل ما في السموات وما تحتها يظهر. وكل من على الأرض ومن فيهاٍ يهتز ويرتجف. القبور تفتح والأموات تنهض، والأحياء تنتصب. وإذا كان نبي اللـه دانيال قد إرتعد خوفاً لما رأى الدينونة الآتية فماذا يحدث لنا نحنٍ، عندما نقف جميعاً للدينونة الرهيبة من شروق الشمس إلى غروبها مثقلين بخطايـانا ؟ أيـن ٍالأصدقـاء والأقرباء حينئذ ؟ أيـن الذخائر الغالية الثمن ؟ أين أولئك الذين ازدروا الفقراءٍ وطردوا الأيتام والبؤساء ونسبوا كل حسنة لنفوسهم مدعين أنهم المتقون المفضلون ؟أين أولئك الذين لم يكن خوف اللـه في قلوبهم ولم يؤمنوا بالعذاب الآتي ووعدوا أنفسهم بالخلود على الأرض ؟ أين أولئك القائلون: " لنـأكل ونشـرب غـداً نمـوت " (أشعيا 13:22) في الواقع أن الكنيسة تقدم لنا في هذا الموسم المقدَّس الجو الروحي اللازم والمناسب جداً بالقراءات والألحان والعظات للدخول في مثل هذا الإعتكاف الداخلي والإعتزال القلبي عن العالم لنلتقي أولاً مع أنفسنا ثم مع اللـه. كيف نلتقي مع أنفسنا:من العسير جداً على أي إنسان أن يلتقي مع نفسه في مواجهة داخلية كاشفة طالما هو يمارس حياته اليومية الروتينية من أكل حتى الإمتلاء وحديث لا يهدأ وإنشغالات جانبية تافهة وتسليات وتلفزيون وأفلام وفُسح ونوم وزيارات. لذلك أصبح إختزال كل ما هو غير هام أمراً ضرورياً في الصوم المقدس حتى تتهيأ لنا الفرصة للإعتكاف الداخلي. ستواجهنا صعوبة حتمية عند البدء في تقليل الأكل أو تقليل الكلام، أو تقليل الخروج من البيت أو تقليل ساعات النوم. ولكن يلزمنا جداً أن ندرك من البدء أن هذه الصعوبة مرجعها إلى إن رغبة النفس الشديدة في الهروب من الإعتكاف خوفاً من مواجهة حقيقتها الخاطئة، ورغبة منها في الإستمرار في إنحلالها وتلذذها بالخطايا. وهذا أمر يحتاج إلى صرامة وحزم شديد وإنتباه للأعذار الواهية والكاذبة التي ستخلقها بإستمرار للهروب من الإعتكاف والصوم. فإذا نجح الإنسان في التغلب على عاداته ثم نجح في السلوك بصرامة وحزم وإنتباه تجاه أعذار النفس ومرواغتها وإستطاع أن يوفر لنفسه فرصاً للهدوء والإعتكاف والصلاة يكون قد نجح فعلاً في الدخول في بركات الأربعيني المقدسة وتهيأ لكي يجني ثمارها. وثمار الإعتكاف ومواجهة النفس كثيرة، وأهمها إثنتان : 1. الثمرة الأولى : إكتشاف مـدى الخسارة التي أصابتنا بسبب التواني والإهمال والكسل في الحياة الروحية الناتج من عدم جدة نظرتنـا للحياة، والناتج أيضاً مـن الهروب من فـرص الإعتكاف والصلاة. وسوف نتحقق بأنفسنا ـ وبدون واعـظ ـ كيف أن التواني والكسل والإهمال وهروب النفس من الإعتكاف أفسدت حياتنا وضيَّعت علينا فرصاً كثيرة للنمو الروحي بل وأوقعتنا في إنحلال وخطية، وجعلت حياتنا في فتور. ولكن أخطر ما ينتج عن التواني والإهمال في الصلاة والكسل الروحي الذي يصيب القلب ويبلّد الذهن هو التوهم الخاطئ الذي يصيب فكر الإنسان وإرادته فيعتقد أنه غير قادر على تغيير نفسه وأن لا فائدة من محاولاته. لأن الإهمال والكسل يتسّرب إلى كل محاولة للتغيير والتجديد فيبطلها. لذلك، فإن إكتشاف حالة التواني والإهمال والكسل عند بدء الإعتكاف ومواجهة النفس وتفتيشها يعتبر من أعظم أعمال الإعتكاف ومن أشهى ثمرات الصوم المقدس، وهو بمثابة قلع الجذر المسموم الذي يغذّي الحياة الروحية بالإستهتار أولاً بأول ويمدها بفقدان الثقة بالنفس وباللـه، والذي يوقف جهاد الإنسان شيئاً فشيئاً كلما تقدمت به الأيام حتى يوصله إلى اليأس أما اليأس الذي ينتهي إليه التواني والإهمال والكسل فهو مجال الشيطان الذي يعبث فيه ويصول ويجول ليبدد كل رجاء الإنسان وخلاصه. 2. الثمرة الثانية: إكتشاف مدى الخطأ والإنحراف الذي أصاب الهدف الروحي الذي نعيش له. لأن أي إنحراف في الهدف الذي نسير نحوه من شأنه أن يعرقل مسيرتنا ويلقينا في مشاكل وإرتباكات وأوهام كفيلة أن تجعل طريقنا في النهاية مسدوداً بالرغم من مظاهر النجاحات التي نظهر بها أمام الناس. لأن بقدر وضوح الهدف تكون بالتالي سهولة المسير نحوه ! وبقدر الأمانة والإخلاص لهدفنا تكون ثقتنا ويكون رجاؤنا وتكون شجاعتنا وتكون قوّتنا! ونحن لا نملك ويستحيل أن نملك هدفاً صحيحاً سوى المسيح نفسه، المسيح هو هدفنا الذي نعيش له ونموت له، كما يقول أشعيا النبي (9:26) " إلى إسمك وإلى ذكرك شهوة النفس. بنفسي أشتهيك في الليل، وبروحي في داخلي إليك أبكّر " فإذا لم يكن المسيح نفسه هو هدف حياتنا بكل وضوح وأمانة وإخلاص القلب والنية، فإن العالم سيكون هدفنا، وستكون الذات وعظمتها وكبرياؤها هي هدفنا، وستكون الأرصدة المالية هدفنا، وسيكون مديح الناس هدفنا، وحينئذ ستكون المسيرة مفضوحة والطريق معوّجة، وسوف أكتشف أن إرادتي أصبحت أهم عندي من إراداة اللـه ومشيئتي قبل مشيئة اللـه، وحيث لا يعود اللـه هو شهوتي بل شهوتي تكون في كرامتي وقوتي ومالي! ولا تعود نفسي تستسيغ أن تخضع لعبيد اللـه أو أن أستعبد ذاتي لخلاص الآخرين، بل على النقيض أستعبد كل شيء لذاتي.. لأن المسيح كهدف لم يعد موجوداً بل نفسي ! فإذا إكتشفنا مدى الإنحراف والخطأ الذي أصاب هدف حياتنا، نكون قد حصدنا الثمرة الثانية للإعتكاف وهي ثمرة عزيزة جداً لا تقدر بثمن لأنها ستقنعنا بتغيير الحياة مهما كلفنا الأمر، بل وإذا لزم الأمر نرفضها وننبذها غير آسفين على نجاحها الظاهري الكاذب كما نبذ القديس اسحق أسقفية نينوى العظمى وغيره من الآباء القديسين الأطهار الذين فضلّوا كهوف الأرض على قصور الملوك عند لحظة إكتشاف ضياع الهدف وإنطرحوا في عمق البراري معتكفين متوحدين فصاروا خلاصاً لأنفسهم ولمئات الآلاف على مدى الأجيال. فدونكم جهاد الصيام المقدس أيها المؤمنون، هذه الفرصة المواتية للتسابق في ميدان الفضيلة والحياة الظليلة، والتنافس في مضمار المثل العليا والقيم الخلقية الرفيعة بإتضاع. بارك اللـه لكم في أصوامكم وصلواتكم وتعبداتكم وصدقاتكم وأعانكم على مقارعة الأهواء النفسية والجسدية، وبلغكّم بالسلامة إلى ميناء الفصح المقدس والعشاء السريّ. ووفقكم للحظوة بمجده السرمدي، في السماء، مع التوابين الصائمين بنعمته تعالى. آمين |
||||
23 - 09 - 2014, 02:34 PM | رقم المشاركة : ( 6303 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كيف يستعد جندي المسيح للمعركة في الصباح ما أن تستيقظ في الصباح بادر إلى الصلاة لبرهة قائلاً: "أيها الرب يسوع المسيح ارحمني" بعدها ليكن عملك الأول أن تغلق على نفسك داخل قلبك كما لو أنك تتخذ موقعاً للقتال في حلبة وبعد أن تحصّن نفسك هناك اجعلها تعي وتحس أن عدوك والرغبة الشهوانية التي جهادك ضدها في تلك اللحظة هي عن يسارك متحفزة لهجوم فوري مباغت لذا انهض في وجهها بعزم ثابت كي تهزمها أو تموت لكن لا تستسلم، وتيقن أيضاً أن هناك عن يمينك يقف على نحو غير مرئي رئيسك ربنا يسوع المسيح مع أمه القديسة ورهط من الملائكة ورئيسهم ميخائيل متأهبين لمعونتك، لذا تشجع وابتهج. أنظر ما أن أمير العالم السفلي (الشيطان) ينهض ضدك مع مجموعة من الشياطين، وقد شرع بإضرام نار الغواية الشهوانية، ويحاول أن يقنعك بوعود مختلفة كي تشفق على نفسك فتكف عن الجهاد ضد ذلك الهوى وترضخ له، مؤكداً لك أن الرضوخ والإذعان هو أفضل وأقل إزعاجاً. أما أنت فحاذر وكن يقظاً، وفي نفس الوقت ينبغي أن تحسن الإصغاء إلى جهة اليمين حيث أن ملاكك الحارس يقف منذراً إياك يلهمك بصوته متكلماً بالنيابة عن كل من يقف عن يمينك وقائلاً "أنت الآن في مواجهة مع معركة هي ضد أهوائك وكل أعدائك الآخرين، فلا تجزع ولا تخف. لا تجعل الهلع سبباً للهرب من ميدان القتال، فرئيسنا ربنا يسوع المسيح قريب منك تحيط به القوات والرؤساء وكل الجنود غير المتجسدة وكل طغمة الملائكة القديسين، متأهبين جميعاً للقتال إلى جانبك ضد أعدائك كي لا تنهزم كما هو الوعد " الرب سيحارب عنك " (خروج14 :14) فاثبت إذن وألزم نفسك بعدم الاستسلام. جاهد بكل الوسائل الممكنة كي تصمد أمام الامتحان الذي يداهمك، داعياً من أعماق قلبك " لا تسلمني إلى مشيئة أعدائي" (مزمور 27 :12). تضرع إلى ربك والى العذراء القديسة وكل الملائكة والقديسين العون سيأتي وأنت ستنتصر لأنه مكتوب "اكتب إليكم أيها الأحداث(الجنود الشجعان البواسل) فقد غلبتم الشرير" (1يو2 :3) وقد تكون ضعيفاً وأسيراً لعادات سيئة بينما أعداؤك أقوياء وكثيرون، إلا أن معونتك أقوى وتأتي من ذاك الذي أبدعك وافتداك. الله حاميك ولا شيء يقف أمامه في القتال فقد كتب "الرب القدير الجبار، الرب القوي في القتال" (مزمور24 :8) علاوة على هذا، فرغبته في إنقاذك تفوق رغبة أعدائك في هلاكك. لذا جاهد دونما كلل، في مشقات هذه الحرب، فالنصرة تأتي بهذه المشقات وبفعل إخضاعك لذاتك بالقوة ودونما هوادة للابتعاد عن العادات الرديئة رغم الألم وهكذا يكون لك كنز عظيم وتقتني ملكوت السموات وتتحد نفسك بالله إلى الأبد . كل صباح ابدأ جهادك ضد الأعداء باسم الرب، وتسلح بعدم الثقة بالذات، وبرجاء متين بالله وبصلاة وعدم تساهل مع النفس من أجل المشقات الضرورية والأعمال الروحية. وفوق كل شيء تسلح بصلاة الرب يسوع " أيها الرب يسوع المسيح ارحمني" اجعل هذه الصلاة في قلبك سيفاً ذا حدين، فهذا الاسم يزعج الشياطين والأهواء معاً ويبعدها. لهذا السبب يقول القديس يوحنا السلمي "اربط الأعداء باسم ربنا يسوع المسيح" بهذه الأسلحة اضرب ذلك العدو وذلك الهوى وذلك الميل الشرير الذي يهاجمك، عارض هواك أولاً وبعد ذلك امقته، وفي النهاية مارس الفضيلة المضادة له في جو من الصلاة. وإذا عملت هكذا يكون نشاطك مرضياً لله الواقف إلى جانبك مع الكنيسة الظافرة في السماء يرقب جهادك. هذه الجهادات شاقة للغاية ومتعبة، لكن لا تحزن ولا تتوان في عملك، إنما اجعل هذا نصب عينيك، واعمل كي ترضي الله من جهة فالحرب لا بد منها إذا أردنا الحياة وما أن نتوقف عن الجهاد فسرعان ما نسلّم للموت. لا يضلنك العدو قائلاً: جاري شهواتك ولو لساعة. لكن تبصر في ما ستصير إليه حالك لو ابتعدت حياتك عن الله، وسلمت ذاتك للعالم وملذاته وكل المتع الجسدية؟ ستكون بعيداً عن الله، وهذا أمر رهيب ولو لدقيقة واحدة، وهل ستكون هكذا لساعة فقط ؟ أليس من المرجح أن تمر ساعة بعد أخرى وأنت في حياة بعيدة عن الله يليها يوم بعد يوم وسنة بعد سنة ؟ وماذا بعد كل هذا ؟ حتى ولو أشفق الله عليك فمنحك فرصة كي تعود إلى نفسك لتتحرر من فخ إبليس وتنهض من كبوتك الرديئة، سيكون عليك أن تواجه المعركة التي هربت منها طمعاً في حياة سهلة، مع فارق واحد هو أنها ستكون اكثر ضراوة واكثر قساوة واكثر ألماً، إلى جانب كونها أقل نجاحاً. أما إذا تركك الله في أيدي أعدائك تخضع لمشورة نفسك، فماذا يكون؟ ستأتي ساعة الموت بغتة وتكون النفس في حالة ألم وغم لا تستطيع كلمة الله أن تصورها إلا بالقول " حينئذ يصرخون للجبال اسقطي علينا .. " (رؤ6 :16). إن هذه الصرخة تبدأ ساعة الموت، إلا أنها تدوم وتستمر بعده حتى نهاية العالم، إلى حين الدينونة، ولكن عبثاً ودونما جدوى. لذا تعقل كي لا تلقي ذاتك –بعلمك ومعرفتك- في عذاب الجحيم الأبد. لا تهرب من الجهادات الوقتية ومشقات الصلاة، وإذا كنت فهيماً لا بل نبيهاً فخير لك أن تحتمل المشقات الوقتية وأتعاب الجهاد الروحي كي تهزم أعدائك وتنال الإكليل فتتحد بالله هنا وأيضاً في ملكوت السماء. (مقالة من كتاب الحرب اللامنظورة للقديس نيقوديم الآثوسي) |
||||
23 - 09 - 2014, 02:36 PM | رقم المشاركة : ( 6304 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
++ قوة علامة الصليب ++ القديس أثناسيوس الرسول هذا برهان غير قليل واثبات واضح ,بأن الموت انحل والصليب انتصر عليه . حتى لم تبقى له قوة ,بل صار مائتآ بالحق: ان كل تلاميذ المسيح يحتقرونه ,وكلهم يدوسونه ولا يخافونه بعد. بل بعلامة الصليب والايمان بالمسيح يطأونه كميت فبعلام الصليب والايمان بالمسيح يكف كل سحر ,وتبطل العقاقير السامة, وتصير الاوثان خربة ومهجورة ,وتتوقف كل شهوة دنيئة . وكل واحد يحول نظره من الارض الى السماء . فليأت من يريد ان يختبر صحة ما قلناه وليستعمل الصليب , ضد خيالات الشياطين وضلالات العرافين ,وخزعبلات السحر, ولينطق فقط باسم المسيح ,وسيرى كيف بواسطته تهرب الشياطين , وتبطل العرافة. وينحل كل سحر وكل العقاقير السامة. |
||||
23 - 09 - 2014, 02:42 PM | رقم المشاركة : ( 6305 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
النعمة والتجارب ـ الالتصاق بالرب وحده القديس مكاريوس الكبير "إن مواعيد ونبوات الله تتحقق بواسطة محن وتجارب متنوعة، وأن الذين يلتصقون بالله وحده، ينقذون من تجربة الشرير" . قانون عمل النعمة: 1 ـ إن الفاعلية الروحانية التي لنعمة الله في داخل النفس، تعمل عملها بصبر عظيم، وحكمة وتدبير سرّى للعقل، وفي أثناء ذلك يناضل الإنسان لأوقات وفترات طويلة باحتمال كثير، ثم ينكشف له أن عمل النعمة فيه، هو عمل كامل، وذلك عندما تمتحن إرادته بتجارب كثيرة ويتبرهن أنها (إرادته) مرضّية للروح، ويكون قد أظهر ثباتًا وصبرًا لفترة غير قصيرة. وسنبيّن أن هذا هو قانون عمل النعمة بأمثلة واضحة في الكتاب المقدس. أمثلة من الكتاب المقدس: 22ـ إن ما أقصده يظهر بوضوح في حالة يوسف، فقد اقتضى الأمر فترات طويلة من الزمن لكى تتحقق مشيئة الله وقصده السابق من جهة يوسف، وتتم الرؤيا التي رآها. وقد أمتحن بآلام وشدائد وأحزان وقد احتملها جميعًا، وقد وُجد في جميعها خادمًا كاملاً أمينًا لله، وبعد ذلك صار ملكًا على مصر وهو الذي عال أسرته وتحققت المناظر النبوية التي كان قد رآها قبل حدوثها بفترة طويلة ووصلت مشيئة الله إلى غايتها المحتومة من نحوه بعد زمن طويل وتدابير كثيرة. 3 ـ كذلك الحال مع داود، فقد مسحه الله ملكا بواسطة صموئيل النبى، وبعد أن مُسح، هرب من شاول الذي كان يطارده لكى يقتله، فما معنى مسح الله له إذًا؟ وأين الوعد الذي وُعد به أن يصير ملكًا بعدما مُسح؟ فإنه بعد أن مُسح حلّت به شدائد كثيرة وكان يتجول في الصحارى، محرومًا حتى من الخبز ولجأ إلى الوثنيين بسبب مؤامرات شاول ضده. كل هذه المصائب الشديدة أحاطت بذلك الإنسان الذي مسحه الله ملكًا، وبعد أن تجرّب طويلاً وأُمتحن، وبعد آلام وصبر، إذ قد وضع كل ثقته وإيمانه مرة واحدة في الله، وكأنه يقول لنفسه أن ما فعله الله بي بواسطة مسحة صموئيل النبى وما أمر الله به، لابد أن يحدث لي ولابد وأن يتحقق بدون أدنى شك، حتى وإن استلزم الأمر صبرًا كثيرًا، وبعد فترة من الوقت تمت مشيئة الله وتملّك داود بعد كل تجاربه. وحينئذ أشهرت كلمة الله، وتبرّهن أن المسحة التي مَسَحه بها على يديّ صموئيل النبى، إنما هي أكيدة وحقيقية. 4 ـ وهكذا الحال مع موسى فقد سبق الله فعرفه، وسبق فعيّنه ليكون حاكمًا ومنقذًا للشعب، وجعله يصير ابنًا لابنة فرعون، وتربّى في غنى وبهاء ومجد الملوك، وتعلّم " بكل حكمة المصريين" (أع 12:7) ولما بلغ سن الرجولة وصار عظيمًا، رفض كل تلك الأشياء مُفضِلاً بالأحرى شدائد المسيح وعاره، كما يقول الرسول "على أن يكون لي تمتع وقتي بالخطية" (عب25:11). وهرب من مصر وصرف وقتًا طويلاً يعمل كراعٍ للغنم، وهو الذي تربى كابن ملك وعاش في لذات القصر ونعيمه، وأخيرًا إذ وُجد مقبولاً لدى الله وأمينًا من خلال الصبر الكثير ـ إذ أنه احتمل تجارب عديدة ـ أصبح بعد ذلك منقذًا وقائدًا وملكًا لإسرائيل، وقال الله له قد جعلتك " إلهًا لفرعون" (خر1:7) وبواسطته ضرب الله مصر بضربات كثيرة وأظهر بواسطته عجائب عظيمة على فرعون، وأخيرًا أغرق المصريين في البحر، فانظر بعد كم من الوقت ظهرت وأعلنت مشيئة الله وقصده، وبعد كم من التجارب والشدائد تحققت هذه المشيئة. 5 ـ وهكذا أيضًا مع إبراهيم فإن الله كان قد وعده منذ زمن طويل أن يعطيه ابنًا، ولكنه لم يعطه له في الحال، بل خلال سنوات طويلة حلّت به تجارب وضيقات! ولكن إبراهيم احتمل بصبر كل ما يأتى عليه وتقوى تمامًا بالإيمان موقنًا أن الذي وعد هو صادق ولا يمكن أن يكذب، بل سيتمم كلمته، وهكذا إذ آمن نال الموعد. 6 ـ ونوح أيضاً، لما أمره الله وله من العمر خمسمائة سنة، أن يبنى الفلك، وأخبره أنه سيجلب طوفانا على العالم، ولم يأت الطوفان إلا عندما كان نوح ابن ستمائة سنة، فظل منتظرًا بصبر مائة سنة ولم يشك في قول الله له بل تقوى بالإيمان موقنًا بأن ما تكلم الله به لابد أن يحدث، وإذ وجد مقبولاً بسبب نية قلبه وإيمانه وصبره، خَلُّص هو وأهل بيته فقط، لأنه حفظ الوصية بنقاوة. امتحان الإرادة وطاعة الوصايا: 7 ـ لقد استخرجنا هذه البراهين من الكتب المقدسة لكى نبيّن أن نعمة الله في الإنسان، وموهبة الروح القدس المعطاة للنفس المؤمنة، تعمل مع جهاد كثير، وصبر عظيم وطول أناة، وتجارب وامتحانات، إذ تمتحن إرادة الإنسان الحرة بكل أنواع الشدائد. فإذا لم تحزن الروح في أى شيء، بل وجدت موافقة للنعمة بطاعتها لجميع الوصايا، فإنها تحسب حينئذ أهلا للحصول على الحرية من الشهوات وتنال ملء التبني بالروح ـ المتكلم عنه في سر ـ وتنال الغنى الروحي، والمعرفة والحكمة التي ليست من هذا العالم، هذه النعم التي قد أُعطى للمسيحيين الحقيقيين أن يصيروا شركاء فيها. ولأجل هذا فإنهم أعلى من كل ذوى الفطنة والمعرفة والحكمة من أهل العالم الذين لهم روح العالم. 8 ـ فإن الشخص الروحي " يحكم في كل شيء" (1كو15:2) كما هو مكتوب. إنه يعرف كل إنسان، ومن أين يأتي بافكاره وكلامه وما هو موقفه والدرجات والمقاييس التي هو فيها، ولكن ليس أحد من أولئك الذين لهم روح العالم يستطيع أن يعرف الشخص الروحي أو يحكم فيه، إنما يستطيع أن يعرفه ذلك الذي له الروح السماوي ـ روح اللاهوت ـ مثله، وبذلك فإنه يكون له نفس معرفته كما يقول الرسول " قارنين الروحيات بالروحيات، ولكن الإنسان الطبيعي لا يقبل الأشياء الخاصة بروح الله لأنها في نظره جهالة، أما الروحي فيحكم في كل شيء، وهو نفسه لا يحكم فيه من أحد" (1كو13:2ـ15) فمثل هذا الإنسان ينظر إلى كل الأشياء التي يفخر بها العالم، ينظر إلى كل غنى العالم ولذاته وتمتعاته ـ بل وحتى معرفته ذاتها ـ وإلى كل الأشياء المختصة بهذا الدهر كأشياء مرفوضة وكريهة عنده . نار حب المسيح: 9 ـ وكما أن الإنسان الذي تتملكه الحمى الشديدة، يكره ويرفض أحلى الأطعمة والأشربة التي تقدم له بسبب اشتعال الحمى فيه، وشدة تأثيرها عليه، وهكذا الذين يشتعلون بالشهوة المقدسة، شهوة الروح، واشتياقه، وتجرح نفوسهم بالمحبة، محبة الله، وتشتعل فيهم نار المحبة السماوية بشدة تلك النار التي " جاء الرب ليلقيها على الأرض وهو لا يريد إلا اضطرامها" (لو49:12) ويلتهبون بالشهوة السماوية للمسيح، هؤلاء كما قلنا سابقًا، يعتبرون كل الأشياء المجيدة والثمينة الخاصة بهذا العالم كأنها أشياء حقيرة وكريهة بسبب نار حب المسيح التي تحصرهم وتشعلهم وتضرمهم ليميلوا بكل قلوبهم إلى الله وإلى الخيرات السماوية ـ خيرات الحب الإلهي. ذلك الحب الذي لا تستطيع كل الأشياء سواء في السماء أو على الأرض أو تحت الأرض ـ أن تفصلهم عنه، كما يشهد الرسول قائلاً: " من سيفصلنا عن محبة المسيح؟ أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم جوع أم عرى أم خطر أم سيف الخ.. لا علو ولا عمق ولا خليقة أخرى تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التي في المسيح يسوع ربنا" (رو8 :35ـ39). الانشغال بالهدف الواحد: 10ـ ولكن من غير الممكن لأي إنسان أن يقتنى نفسه (لو 19:21) وأن يقتنى المحبة السماوية ـ محبة الروح، بدون أن يجعل نفسه غريبا عن كل الأشياء المختصة بهذا العالم، ويبذل نفسه في طلب حب المسيح، ويتجرد عقله من كل الاهتمامات المادية والارتباكات الأرضية لكى يكون مشغولاً انشغالاً كليا بالهدف الواحد، ويتصرف في كل هذه الأشياء بواسطة الوصايا كلها، حتى أن كل اهتمامه وسعيه وكل انهماك وانشغال نفسه، يكون منحصرًا في اكتشاف الجوهر العقلي غير المادى، وفي كيفية تزيّين النفس بالوصايا والفضائل، وبالزينة السماوية ـ زينة الروح، وبالشركة في نقاوة المسيح وقداسته ـ حتى إذا تخلى عن كل شيء، وتحرّر من كل العوائق الأرضية والمادية، وانطلق حرًا من المحبة الجسدية، سواء كانت تعلقًا بالوالدين أو الأقرباء، فإنه لا يدع عقله أيضًا ينشغل أو يرتبك بأي أمر آخر مثل السلطان، أو المجد العالمي، أو الكرامات، وصداقات العالم الجسدية، أو أى أفكار أرضية أخرى بل يصير كل اهتمام عقله وانشغاله وتلهفه منحصرًا في طلب جوهر النفس العقلي، وبكل قلبه ينتظر بتوقع ورجاء مجيء الروح عليه، كما يقول الرب: "بصبركم اقتنوا أنفسكم" (لو19:21) " وأيضا اطلبوا ملكوت الله وهذه كلها تزاد لكم" (مت33:6). 11 ـ فالإنسان الذي يسعى هكذا ويجتهد، ويكون محترسا دائمًا، سواء بالصلاة أو بالطاعة، أو بكل نوع من الأعمال الإلهية، هذا الإنسان يستطيع أن ينجو من ظلمة الشياطين الأشرار. الالتصاق بالرب وحده: فالعقل الذي لا يهمل تفتيش ذاته ولا يهمل طلب الرب، يستطيع أن يقتنى نفسه ـ النفس التي كانت في هلاك الشهوات ـ يقتنيها بتقديم نفسه كأسير لمحبة الرب بكل غِيرة وقوة، وبالالتصاق به وحده، كما هو مكتوب: " مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" (2كو5:10)، لكي بواسطة مثل هذا السعى والاشتياق والطلب يمكن أن يصير العقل " روحا واحدا مع الرب" (1كو17:6) وهذه هي عطية المسيح ونعمته التي تحل في إناء النفس المستعدة لكل عمل صالح، و" التي لا تزدرى بروح الرب" (عب29:10) باختيارها وإرادتها الذاتية أو بانحرافات هذا العالم، وأمجاده، ورئاساته، ولذاته الجسدية، وألفة الأشرار ومعاشراتهم. 12 ـ فحينما تخصص النفس ذاتها كلها للرب، وتلتصق به وحده وتسير حسب وصاياه، وتعطى روح المسيح حقه من الإكرام ـ الروح الذي قد أتى عليها وظللها ـ فإنها تحسب حينئذ أهلا لأن تصير روحًا واحدًا وكيانًا واحدًا معه، كما يقول الرسول: " وأما من التصق بالرب فهو روح واحد" (1كو17:6) أما إذا سلّم الإنسان نفسه للهموم أو لطلب المجد أو العظمة أو الكرامات البشرية، وسعى وراء هذه الأشياء واختلطت نفسه وامتزجت بالأفكار الأرضية، أو ارتبطت وتقيّدت بأى شىء من أمور هذا العالم، فإن مثل هذه النفس إذا اشتاقت أن تنطلق وتنجو وتهرب من ظلمة الشهوات التي قيّدتها بها قوات الشر، فإنها لا تستطيع أن تهرب، وذلك بسبب محبتها لأعمال الظلمة، ولأنها لا تبغض أعمال الشر بغضًا كاملاً . 13 ـ لذلك فلنعد أنفسنا للمجيء إلى الرب بكل عزم القلب وبإرادة غير منقسمة، ونصير تابعين للمسيح، لنتمّم كل ما يريده، و" لنذكر وصاياه لنعملها" (مز18:103). ولنفصل أنفسنا تمامًا عن محبة العالم، ونربط نفوسنا بالرب وحده، ويكون هو وحده شاغل عقولنا ويكون هو همّنا وهو مطلبنا وحده. وإذا كان يلزمنا أن ننشغل بعض الشيء أيضا بالجسد، وبالأشغال الموضوعة علينا، ومن أجل الطاعة لله، فحتى في هذه الحالات، لا ندع عقلنا يبتعد عن محبة الرب وطلبه والشوق إليه، وهكذا إذ نسعى ونجتهد بقلب يقظ، سائرين في طريق البر بقصد مستقيم، ونحترس دائمًا لأنفسنا، فإننا ننال موعد روحه، ونخلص بالنعمة من هلاك ظلمة الشهوات التي تحارب النفس، فنصير حينئذ أهلاً للملكوت الأبدي ويوهب لنا أن نتنعم كل الأبدية مع المسيح، ممجدين الآب والابن والروح القدس إلى الأبد آمين. *********************************** ** ** ******** ******** ** ** ** |
||||
23 - 09 - 2014, 02:46 PM | رقم المشاركة : ( 6306 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
فلنفرح فى التجارب
حياة الإنسان على الأرض مليئة بالأتعاب والأوجاع فالتجارب والبلايا تلازمه فى كافة مراحل حياته بل أنها تلازمه من المهد إلى اللحد .? ولا يخلو إنسان من تجربة أو بلية تعكر صفو حياته من الحاكم الجالس على عرشه إلى الفقير الساكن فى عشه . وإذا أردت أن تحصى مقدار التجارب لزمك أن تحصى عدد البشر مضروبا فى كم هائل من الأرقام فلكل إنسان تجاربه الخاصة وشوكاته التى يصرخ منها متوجعا . حقا قال المرنم عن أيام حياة الإنسان أن أفخرها تعب وبلية . ( مزمور 90 : 10 ) إن حياة الإنسان على الأرض هى فترة قصيرة " بخار يظهر قليلا ثم يضمحل " ( يعقوب 4 : 14 ) لذلك لايريد الرب لأولاده أن يلتصقوا بالعالم ولا أن يضعوا أمالهم فيه فيسمح لهم بالضيقات فيلتجؤن اليه . أن الالام التى نصافها فى طريق حياتنا ماهى الا رسائل محبة من الله لتنبه الغافين للتقويم والتأديب فهى تستحق كل اكرام واعتبار إن لم نبال بها كان ذلك أستهانه بمرسلها . أن النفس التى تقترب من يد الله المقدسة الطاهرة فى وقت الضيق تتطهر بالتوبة والندامة وحينئذ تسكن آمنه فى ملجأ الرب . فيا من تعيشون تحت التجارب طهروا ذواتكم وأقتربوا من الهكم بثقة موجهين قلوبكم ومسلمين ذواتكم لمشيئته فتشعرون بتعزياته التى يفيضها فى نفوسكم . القوا بأنفسكم عند قدميه قائلين يارب أنت راحة النفوس المتعبة وقد وعدت بالراحة للذين يقبلون اليك . أن نفوسنا خالية من كل استحقاق ولكننا نتكل على استحقاقاتك . لا بر لنا ولكن برك يكفينا . وفى قبولك لنا تظهر رحمتك وغنى نعمتك . إذا فعلنا ذلك ترتاح النفس المجربة وتجد السلام التام فى قلبها بل يغمرها فرح عظيم . حقا قال القديس يعقوب الرسول " احسبوه كل فرح ياأخوتى حينما تقعون فى تجارب متنوعة " ( يعقوب 1 : 2 ) |
||||
23 - 09 - 2014, 03:10 PM | رقم المشاركة : ( 6307 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حرب الأفكار الشريرة هي الأفكار الشريرة التي تحارب الإنسان: 1. عدم الإيمان 2. التجديف 3. الــزنى لكي تقطع هذه الحرب، عليك أولاً أن تعرف متى تخطأ ومتى لا تخطأ !... فلست تخطأ عندما لا تتوافق الأفكار مع الذهن والإرادة، وخصوصاً عندما تقضي عليها وتحتقرها، وأحياناً تخطأ بخطايا مميتة، عندما يحتفظ الذهن بالأفكار بإرادته، ويستلذ القلب ويسعد بها. إن الذي يحارب بالأفكار الشريرة ويرفضها يضطرب معتقداً انه قد خطئ، هذا يكون صغير النفس، تهزأ به الشياطين ولا يعرف أن يميز بين هجوم الأفكار واقتبالها. لا تستغرب أن الأفكار الشريرة تجلب معها الحياة والموت، الحياة والموت الأبديين، أولئك الذين يقبلونها يتحدون الموت، والذين يتجنبونها ويحاربونها يوهبون الحياة، ويزيدون أجرهم في السموات. يحدث أحيانا أن تأتي أفكار عدم إيمان وتجديف على الله، وعلى الفائقة القداسة، وعلى القديسين، مرات أخرى وأنت أمام الأسرار الإلهية الطاهرة أو الأيقونات المقدسة، تأتيك أفكار التجديف كسحابة مظلمة، حارب هذه الأفكار وحاول ألا تضطرب أو تحزن لأنك إن فعلت تُفرح الشياطين وتبهجها، يكفيك هذا إذ تراك حزيناً ومرتبكاً، هذا إن لم تتمكن من أن تفعل ما هو أسوأ من هذا، ستكثر من أفكارك كي تزدري ضميرك كلياً، لكن عندما تراك تحتقر أفكار التجديف ستبتعد عنك مخزية. انتبه وستجد أن أنواع الأفكار الثلاثة تأتي دائماً من الإدانة، لا تدن أخاك وسوف تتمكن من القضاء على الأفكار الشريرة بشجاعة، بما أن حرب الأفكار عادة ترهق المتكبرين والحاسدين، فالطريقة السليمة لتخلص نفسك هي أن تنمي في داخلك حس التواضع وعدم الشر. يُعلّم الآباء القديسون ويرشدون بوسائلهم وطرقهم التي ستستخدمها لتخزي بها الشياطين التي تهمس في دخلك وتتغلب بها أيضا على الأفكار أن عليك: ▪ أن تكشف الأفكار لأبيك الروحي ▪ أن تصلي بحرارة إلى الرب مسلماً له مشاعرك واعترافك بضعفاتك ▪ أن تنمي في داخلك انسحاق الذهن ولوم الذات، ومعقولاً متواضعاً بشكل عام ▪ أن تحب الصوم الذي يميت الأفكار الجسدية قبل كل شيء ▪ أن تحب الأتعاب الجسدية والمشقات التي تذل الجسد، وبأعراق أتعابك تخنق حيل الأبالسة ▪ أن تتذكر دوماً الموت ودينونة الله الرهيبة ▪ أن تقابل الأفكار الدنسة بأفكار أخرى سليمة ومرضية لله ▪ أن تحتقر في النهاية الأفكار وتهزأ بها لتتجاوزها بعدئذ بلا اهتمام بهذه الطريقة، أخيراً، تهين الأبالسة بالكلية |
||||
23 - 09 - 2014, 03:14 PM | رقم المشاركة : ( 6308 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
صوم الرب والتجربة على الجبل (مت 4: 1-11) للقديس يوحنا ذهبي الفم (347-407م) + «ثم أُصعِدَ يسوع إلى البرية من الروح ليُجرَّب من إبليس». + حكمة الله من سماحه بالتجارب لنا. معنى كلمة: «أُصعِدَ إلى البرية» ليُجرَّب من إبليس. + وحكمة صوم الرب عن الطعام، في بداية خدمته الخلاصية للبشرية. حكمة الله من سماحه بالتجارب لنا: 1 - «ثم أُصعِدَ». متى كان ذلك؟ بعد نزول الروح القدس عليه من السماء، وبعد الصوت الآتي من فوق: «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررتُ». والعجيب أنه أُصعِدَ من الروح القدس، ولهذا يقول أيضاً في هذه المناسبة: «وللوقت أخرجه الروح إلى البرية» (مر 1: 12). ولأنه يهدف إلى تعليمنا من كل ما عمله واجتازه، لذلك رَضِيَ أن يُقتاد إلى هناك وأن يتصارع مع إبليس، حتى أن كل مَن يعتمد، إذا ما قابل بعد عماده (أو نواله أية نعمة) أشد التجارب، لا يضطرب كما لو كان ذلك أمراً غير متوقع، بل عليه أن يُثابر على تحمُّل كل شيء بشهامة كأمورٍ طبيعية تسير في مجراها. نعم، إنك حملتَ الأسلحة، لا لتكون عاطلاً، بل لتُحارِب بها. لذلك نجد أن الرب لا يمنع التجارب إذا ما أتت. أولاً: ليُقوِّمك حتى تكون شديد البأس؛ وثانياً: لكي تظل متواضعاً، وحتى لا ترتفع بعِظَم ما نلتَ من نِعَم، فالتجارب كفيلة بأن تقمعك؛ وثالثاً: بمحَك التجربة يتأكَّد عدو الخير جيداً - الذي قد يرتاب أحياناً في هجرانك له - من أنك تخليتَ عنه ونبذته تماماً؛ ورابعاً: حتى تصبح عن هذا الطريق أشد متانة وأقوى من الفولاذ؛ خامساً: لكي تكون على يقين تام مما أُودِعته من كنوز. فالعدو لم يكن ليُهاجمك لو لم يكن قد رآك حائزاً على كرامة أكثر رِفعة منه، فهو على سبيل المثال، قد شرع منذ البداية بمهاجمة آدم، لأنه قد رآه يتمتع بكرامة عظيمة. لهذا السبب نفسه قد أعدَّ العدَّة أيضاً لمناصبة أيوب عندما رأى أن إله الكل قد أحاطه بسياج نِعَمِه ورفع شأنه. إذن، فكيف يقول الرب: «صلُّوا لئلا تدخلوا في تجربة» (مت 26: 41)؟ لهذا يُعلن لك الإنجيل بوضوح، ليس أن يسوع قد خرج إلى البرية، بل إنه: «أُصعِدَ (اقتيد)»، بحسب ما يقتضيه منطق التدبير الإلهي، مُلمِّحاً لنا بهذا أننا لا ينبغي أن نرمي بأنفسنا فيها (أي في التجربة)، ولكن إذا ما سُحِبنا إليها بغير إرادتنا، فعلينا أن نصمد مقابلها ثابتي العزم. ثم أيضاً إلى أين يقوده الروح عندما حَمَلَه؟ لا إلى مدينة وساحة عامة، بل إلى برية قفرة. وإذ أراد أن يجتذب إبليس ويعطيه فرصة للاقتراب منه، ليس فقط بجوعه، ولكن أيضاً باعتزاله في مكان مُوحِش. ففي معظم الأحيان يشنُّ العدو هجماته بصفة خاصة على الناس عندما يراهم معتزلين وحدهم بأنفسهم. وهكذا فعل منذ البداية مع المرأة (حواء) إذ هاجمها بعنف، عندما انفرد بها بعيداً عن زوجها وأوقعها في فخاخه. أما إذا رآنا مترابطين معاً برباط المحبة، فإنه لا يجرؤ على مهاجمتنا. لذلك نحن في أمسِّ الحاجة جداً والحال هذه أن نظل قطيعاً واحداً معاً دون انفصام، حتى لا نكون مُعرَّضين لهجمات إبليس. حكمة صوم الرب عنا، وصومنا نحن: 2 - فإذ وجد (المجرِّب) الربَّ في برية قفرة وغير مطروقة (لأن هذا ما يعنيه معنى البرية كما يؤكِّد مرقس الإنجيلي قائلاً: «إنه كان مع الوحوش»)، انظر بأي دهاء شديد وبأية حيلة ماكرة يقترب، وما نوعية الفرصة التي ينتهزها! فليس في وقت الصوم بل في جوع الرب يَقْدُم إليه (المُجرِّب)، لكي نتعلَّم جلال ومنفعة الصوم، أو كيف أنه أقوى درع نتحصَّن به مقابل الشيطان، وأنه بعد المعمودية (أو نوال أي سر) لا ينبغي الاستسلام للإسراف في الأكل والشُّرب والموائد المكتظَّة بشتَّى الأطعمة؛ بل للصوم لأنه لأجل هذا قد صام الرب لا لحاجته هو بل ليرسم لنا طريق الخلاص. ولما كانت خطايانا قبل المعمودية قد نتجت (معظمها) من كثرة الأكل والشرب، يتقدَّم الرب كمثل طبيب يمنع مريضاً قد عُوفي من الرجوع إلى تلك الأمور التي قد تسبَّبت في اعتلال الصحة. وهكذا نرى الرب بعد المعمودية يضع على نفسه هو الصوم عنا، لكي يكون لنا مثالاً. إن آدم طُرِدَ من الفردوس بسبب عدم كبح النفس من شهوة البطن. وهذا هو أيضاً الذي جلب الطوفان أيام نوح، والبروق الحارقة على سدوم. فبالرغم من أنه كان هناك تحذير بعدم البغاء، إلاَّ أنه طلع من عدم كبح النفس من شهوة البطن، جذر كل هذه الآثام التي أشار إليها حزقيال أيضاً عندما قال: «هذا كان إثم سدوم: الكبرياء والشبع من الخبز والإسراف في التنعُّم» (حز 16: 49 - حسب السبعينية). كذلك اليهود قد ارتكبوا إثماً جسيماً منقادين إلى التعدِّي بسبب سُكرهم وتنعمهم (إش 5: 12،11). إذن، بسبب هذا يصوم الرب أربعين يوماً، ليدلنا على أدوية خلاصنا، غير مواصلٍ إلى أكثر من هذا لئلا تصير حقيقة تدبيره غير مُصَدَّقة بسبب عظمة المعجزة. فهذا لم يكن في إمكان البشر، وإن كان موسى وإيليا قد صاما وقتاً طويلاً بهذا المقدار، إلاَّ أنهما كانا متشدِّدَيْن بقوة الله. فهو (الرب) لم يزد عنها، لئلا يكون اتخاذه جسداً (أي تجسُّده) ضمن الأمور التي يشك فيها الكثيرون. + |
||||
23 - 09 - 2014, 03:16 PM | رقم المشاركة : ( 6309 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
محاربات روحية من الداخل والخارج قداسة البابا شنوده الثالث كل إنسان معرض للحروب الروحية لإختبار إرادته، حتي القديسين والأبرار. غير أن أولئك الأبرار كانوا منتصرين فى محاربتهم... والمحاربات الروحية قد تأتى إلي الإنسان من داخل نفسه، أو من الشيطان، أو من العالم، أو من الناس الأعداء الأشرار ... ??والمحاربات الداخلية، التي من داخل النفس، من أفكار العقل وشهوات القلب وحركات الجسد، هى أصعب من المحاربات الخارجية، لأنَّ الإنسان يكون فيها عدو نفسه. ولأنه يضعف أمامها، إذ هو يشتهيها ولا يريد مقاومتها. لذلك كانت نقاوة القلب هى أهم شيء في الحياة الروحية. والقلب النقي هو حصن لا يُنال. إنه يشبه بيتاً مبنياً على الصخر، مهما هبَّت عليه الزوابع لا تسقطه ... ??ورُبَّما يكون سبب الحرب الداخلية، إندماج الخطية في الطبع، بحيث يترسَّب في عقل الإنسان وقلبه ما يحاربه. وقد يكون سببها حالة فتور يجوزها الإنسان، أو طبيعة ضعيفة تستسلم للخطأ، أو إهمال الإنسان في ممارسة الوسائط الروحية، فيضعف القلب من الداخل، ويترك الفكر يطيش بلا ضابط ... وربما تبدأ بالتراخي في ضبط الحواس، والحواس هى أبواب يدخل منها الفكر. والحرب الروحية الداخلية قد تأتي خفيفة أو عنيفة. وحتى إن بدأت خفيفة، فإن تراخى الإنسان لها تسيطر عليه. ومن المحاربات الداخلية، حرب الأفكار وحرب الشهوات. ??أمَّا عن حرب الأفكار، فقد تأتي في اليقظة أو أثناء النوم. والأفكار الخاطئة التي تحارب الإنسان أثناء نومه، ر بما تكون مترسبة من أفكار وأخبار وصور النهار، مِمَّا كمن في العقل الباطن من شهوات وأفكار، وما جلبته الأذن من حكايات وأخبار، وما قرأه الشخص من قصص، وما رأته العين من صور، بحيث ترسب كل ذلك في ذهنه. ??كل هذه تأتي مرَّة أخرى في أحلام أثناء الليل، أو في سرحان أثناء النوم، أو ما يسمونه أحلام اليقظة. ويستمر الإنسان في ذلك، إن كان القلب قابلاً لها. أمَّأ إن كان رافضاً لها، فإنها تتوقف، ويصحو هو إلى نفسه. وإرادة الإنسان ضابط هام للفكر، فهى التي تسمح بدخول الفكر. أمَّا إن دخل خلسةً، فهى التي تسمح باستمراره أو إيقافه. ومن موقف الإرادة تأتي المسئولية? ??ومن هنا نرد على السؤال القائل: هل هذه الأفكار إرادية، أم غير إرادية، أم شبه إراديه: أي من النوع الذي هو غير إرادي الآن، ولكنه نابع من إرادة سابقة تسبَّبت فيه؟! فقد يغرس الشيطان في عقل الإنسان يدخل إليه بغير إرادته. وهذا الفكر إن لم تكن عليك مسئولية في دخوله. فلا شك عليك مسئولية في قبوله. ??إن أردت، يمكنك أن تطرد الفكر ولا تتعامل معه ولا ترحب به. لأنك إن قبلته، تكون خائناً لمحبة اللَّه، ومُقصِّراً في حفظ وصاياه، وفي صيانة قدسية قلبك من الداخل... ??وقد يأتيك الفكر الخاطئ في حلم. فإن كنت نقياً تماماً، سوف لا تقبل هذا الفكر في الحلم أيضاً. وإن كنت لم تصل إلى هذا المستوى وقبلته، فستحزن في يقظتك كثيراً لقبوله. وحزنك سيترك أثره العميق في عقلك الباطن، بحيث ترفض كل حلم مماثل في المستقبل، ولو بالتدرج، إلى أن تصل إلى نقاوة عقلك الباطن. ??إذن قاوم الفكر الخاطئ بالنهار أثناء يقظتك، لكي تتعود مقاومته حتى بالليل أثناء نومك. وتنغرس هذه المقاومة في أعماق شعورك، ويتعودها عقلك الباطن ... إذن زمام أفكارك في يدك: سواء الأفكار التي تصنعها بنفسك، أو التي ترد إليك من الخارج، من الشيطان أو من الناس. وما أصدق المثل القائل: إن كنت لا تستطيع أن تمنع الطير من أن يحوم حول رأسك، فعلى الأقل تستطيع أن تمنعه من أن يُعشِّش في شعرك... ??وإن اشتدت عليك الأفكار بطريقة ضاغطة ومستمرة، فلا تيأس، ولا تقل لا فائدة من المقاومة، وتستسلم للفكر!! فإن اليأس يجعل الإنسان يتراخى مع الفكر، ويفتح له أبوابه الداخلية، ويضعف أمامه ويسقط. أمَّا أنت فحارب الأفكار، واصمد في قتال الأفكار، ولا تجعلها تقودك. إنما اطلب نعمة اللَّه لكي تنقذك، حتى وأنت ساقط. قل له يارب: حتى إن أنا سقطت، فإنني واحد من رعيتك ومن خليقتك، فلا تتركني، بل انقذني من سقوطي. إنها خطية ضعف، وليست خطية خيانة لك... ??وعموماً، إلجأ أولاً إلى الوقاية فإنها خير من العلاج. املأ ذهنك إذن بفكر صالح. حتى إذا أتاك الشيطان يوماً بفكر رديئ، لا يجدك متفرغاً له، فيبعد عنك. لا تترك عقلك في فراغ، خوفاً من أن يحتك الشيطان ويغرس فيه ما يريد. ولذلك فالقراءة الروحية مفيدة لك جداً، وكذلك أية قراءة عميقة. فإنها تشغل الذهن وتمنع الأفكار الرديئة عنه... ??كُن مستيقظاً باستمرار، ساهراً على نقاوة قلبك، فلا يسرقك الفكر الخاطئ دون أن يحس ... فاطرد الأفكار في بادئ الأمر حينما تكون ضعيفة، وأنت لا تزال قوياً. لأنك إن تركت الأفكار الخاطئة باقية فترة في ذهنك وتثبت أقدامها وتقوى عليك. وتضعف أنت ولا تقوى عليها. ??اهتم بالفضيلة الروحية التي يسمونها استحياء الفكر ... إذ يستحي الفكر من أن يخطئ، بينما هو أمام اللَّه الذي يراه ويسمعه في كل مكان وكل وقت. ??ابتعد أيضاً عن مسببات الخطأ، عن العثرات التي تجلب لك أفكاراً خاطئة. ابتعد عن كل لقاء ضار، وعن كل معاشرة أو صداقة خاطئة، وعن كل القراءات التي تسبب لك أفكاراً دنسة، وعن كل السماعات والمناظر التي هى مصدر للفكر الخاطئ ومادامت الحواس هى أبواب الفكر، فلتكن حواسك نقية، لكي تجلب لك أفكاراً نقية. أمَّا إن تراخيت مع الحواس، فإنك تحارب نفسك بنفسك. ??إن أتعبك الفكر وأنت وحدك، اهرب منه بالحديث مع الناس. لأنه ليس بالإمكان الجمع بين ما يقوله الناس وما يوحي به الفكر الخاطئ. واعلم أن الهروب من فكر الخطية أفضل من محاربته. لأنك حتى لو قاتلت الفكر الخاطئ وانتصرت عليه، يكون قد لوَّث ذهنك ولو إلى لحظات ... ??لا تخدع نفسك وتقول: " سأرى كيف يسير الفكر وكيف ينتهي؟ " ولو من باب حُب الاستطلاع. لأنك تعرف تماماً أن هذا الفكر سيضرك، ورُبما يُخضعك له. ??أيضاً إن الأفكار الخاطئة إذا استمرت، قد تقودك إلى انفعالات وشهوات تكون أخطر لأنها تنتقل من الفكر إلى القلب، ومن الذهن إلى العاطفة. *********************************** ** ** ******** |
||||
23 - 09 - 2014, 03:19 PM | رقم المشاركة : ( 6310 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التجارب الثلاث للمسيح +++++ بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين مقدِّمة: النعمة لا تأتي بدون ضيقات: إنجيل هذا الصباح يكشف مدى الصعوبات التي تنتظرنا على الطريق، ممثَّلة في هذه التجربة المُقدَّمة إلى المسيح نفسه. والإنجيل لم يترك لنا شيئاً يختص بارتحالنا على طريق الحياة الأبدية إلاَّ وكشفه بوضوح غاية الوضوح. تكلَّمنا بالأمس عن كيفية احتفاظنا بنور الله مُضيئاً، ثم في هذا اليوم يتكلَّم الإنجيل عن كيف تُداهمنا الظلمة لكي يُختَبَر النور الذي فينا، والذي هو ليس نوراً بلا ثمن. فالنعمة لا تأتي بلا ضيقات. حقاً هو نور قادر أن يكشف لنا كل الطريق إلى النهاية، ولكنه سيكشف لنا فيه أيضاً الصعوبات. وهكذا يبتدئ الإنجيل يُنذرنا أن الضمير الذي يتقدَّس كل يوم، إنما يتقدَّس بعد أن يُختَبَر بالنار. المسيح هنا هو الذي تلقَّى التجربة، والمُجرِّب هنا يُجرِّب المسيح نفسه. ولكن الإنجيل يترك التوجيه لنطبِّقه كل واحد على نفسه بقدر ما يُستعلَن له. لذلك اجتهد المُفسِّرون لكي يُطبِّقوا، ولكن لو استطعنا نحن أن نفهم أنها تجربة مُقدَّمة للمسيح، ونتفهم قصد الشيطان من تجربة المسيح، وكيف جُرِّب المسيح، وكيف انتصر؛ فسيكون ذلك الباب هو الوسيلة التي بها نفهم كيف نواجه نحن أيضاً التجربة. التجربة للسائرين وللمتقدِّمين في طريق الحياة الروحية: قبل كل شيء يقول الإنجيل: + «أما يسوع فرجع من الأُردن مُمتلئاً من الروح القدس» (لو 4: 1). أي أن التجربة لا تأتي أبداً لإنسان ليس راجعاً من اغتسال أو من توبة. فالأردن هو رمز التوبة، لأن الأردن هو معمودية الماء للتوبة؛ ولكن توبتنا في العهد الجديد لا تتم إلاَّ بالروح القدس، فهي توبة ومؤازرة بالنعمة. الأردن والامتلاء من الروح القدس معاً هما مقدمة التجربة. ولا يمكن أن يُجرَّب إنسان من العدو وهو غير ممتلئ من الروح، أو بمعنى آخر: وهو غير معتمد، غير مولود ثانية، غير مُهيَّأ، غير متَّجه نحو الوطن الأفضل. أما غير السائرين، غير التائبين، غير المرتحلين، غير المنتقلين من وطن إلى وطن، فهولاء لا يُداهمهم العدو. - يحكي ?بستان الرهبان? عن كيف يصطاد الشيطان الضعفاء بسهولة كما يصطاد الصياد السمك الصغير. ولكنه يقف أياماً أمام سمكة كبيرة لكي يصطادها. فشُغل الشيطان الشاغل هو اصطياد المتقدِّمين وليس مجرد السائرين. فالتجربة تعني أننا على الطريق. وبقدر التجربة، بقدر ما نتيقَّن أننا مُحاطون بنعمة، أي بمؤازرة خفية. الصوم هو باب الانتقال من حالٍ إلى حال أفضل: ثم يُنبِّه الإنجيل ذهننا أن المسيح مكث أربعين يوماً. ولو عُدنا للعهد القديم، لوجدنا أن هذا العدد يُمثِّل، في تعبير الإنجيل وتعبير الرابِّيين، فترة كاملة للانتقال من حالٍ إلى حال أفضل. نجدها في صوم موسى النبي قبل أن يأخذ الوصايا الجديدة مكتوبة بإصبع الله، أي الشريعة الأولى التي سار عليها بنو إسرائيل؛ وإيليا صام أيضاً 40 يوماً. في حالة موسى تُمثِّل هذه الفترة انتقالاً من حالٍ إلى حال، بينما عند إيليا تمثِّل انتقالاً من الأرض إلى السماء. فالمسيرة هي ارتحالنا ونحن صائمون. ودائماً الأربعون يوماً يُواكبها صوم، والصوم يواكبه تجارب؛ بل إن العدو يهاجم أيضاً الصوم، لأنه من غير الصوم لا نقدر أن ندخل أمام العدو في حرب. فالصوم يُهيِّج العدو علينا أولاً، أو يستفزُّه لكي يأتي ويُحارب؛ وفي نفس الوقت هو سلاح في أيدينا نستطيع أن نكتشف به حِيَله. هنا في العهد الجديد، الأربعون يوماً تمثِّل الانتقال، انتقال من حياة المسيح قبل المعمودية والامتلاء، إلى حياة الخدمة فيما بعد المعمودية. لأنه ابتدأ الخدمة في الحال بعد أن نزل من جبل الصوم. الصوم بالنسبة للمسيح كان فترة لابد منها للانتقال من حياة متماشية مع حياة البشر إلى حياة تتضح فيها الرسالة، ويتضح منها عمله. لذلك، فبحسب ترتيب الكنيسة، يكتمل الصوم في نهاية الأربعين بأسبوع الآلام ثم الصليب. ++++++ التجارب الثلاث للمسيح + «وكان يُقتاد بالروح في البرية أربعين يوماً يُجرَّب من إبليس. ولم يأكل شيئاً في تلك الأيام، ولما تمَّت جاع أخيراً» (لو 4: 2،1). التجربة الأولى: + «وقال له إبليس: إن كنتَ (أنت) ابن الله فقُل لهذا الحجر أن يصير خبزاً» (لو 4: 3). لاحظوا هنا: «وقال له إبليس». ابتدأ إبليس يدخل وبصورة منظورة ولكن كما يُسمِّيها الآباء أو حسب الاختبار المعروف: ?المنظر المعقول?. هذه أول تجربة مُقدَّمة للمسيح: «إن كنتَ (أنت) ابن الله». فها هو (الشيطان) قادمٌ هنا ليُشكِّك المسيح فيما سمعه صوتاً من السماء يقول له: «أنت ابني الحبيب الذي به سُررتُ». فالتجربة هنا مُصوَّبة للمسيح للتشكيك في هذا الصوت الذي سمعه (من السماء). وهو تشكيك في كيانه من الداخل. أي إن كنتَ حقاً ابن الله كما استُعلنتَ وكما سمعتَ من السماء، إذن، تستطيع أن تخلق وتُخلِّق، أي تقدر أن تقول للحجر أن يصير خبزاً. ألم يحدث في البرية قديماً أن الحجر أخرج ماءً (خر 17: 6)! وكانت الصخرة هي المسيح (1كو 10: 4). الشيطان يُدرك هذا، لأنه لم يَقُل للمسيح أن يُخرِج ماءً، لأنه كان جائعاً. وهنا هذه التجربة تُسمَّى: ?تجربة المناسبة?. فهي مُحْكَمة لا تأتي من فراغ بل من ?المناسبة? وهي الجوع. التجربة للناسك في جبل أو المتوحِّد في مغارة، تأتي من الأشياء التي يتنسَّك ويمتنع عنها. فيبتدئ (إبليس) يُغريه ويُحاربه بها. فأنت (كأن الشيطان يُخاطِب المسيح) الابن وأنت الخالق أيضاً تستطيع أن تجعل الحجر خبزاً وتأكل. هنا عنصران يعمل بهما الشيطان: العنصر الأول: الصوت المسموع من السماء (الذي) لم يحتمله الشيطان، لأنه عرف أنه داخل في حرب حالاً وأن الانهزام ينتظره، فابتدأ هو بالحرب، بعدما امتلأ المسيح من الروح واستُعلِن في العالم أن هذا هو ابن الله. فحالما أدرك (إبليس) هذا، ابتدأ يُشهِر سيفه بالحرب. بهذا المفهوم نستطيع أن نُطبِّق هذا بالنسبة لنا. فأول تجربة تأتي علينا وتُداهمنا، خصوصاً إذا كنا في مرحلة توبة أو في مرحلة الانتقال من وضع إلى وضع أفضل، هي تجربة التشكيك في الإيمان. فما دمتَ عزمتَ أن تهاجر إلى الوطن الأفضل، فأنت الآن مُعرَّض أن تعبر في منطقة التجربة. ارتحالنا من وطننا الأرضي والخيمة المطوية إلى البيت السماوي غير المصنوع بيدٍ، إلى الأمجاد والشركة في أمجاد المسيح والميراث معه فيما للآب؛ إنه ليس بالأمر الهيِّن. التشكيك في بنوَّة المسيح لله تعني بالنسبة لنا تشكيكنا في الخلاص الأبدي، تشكيكنا في الموطن الذي نحن مسافرون إليه. هل حقاً يوجد وطن سماوي؟ هل ابن الله موجود حقاً وفعلاً؟ إذن، فإن كان هذا الإيمان صحيحاً، وإن كنتَ أنت مدعوّاً لملكوت السموات، وإن كنت تتبع المسيح فعلاً، وغايتك ونهايتك هي السماء؛ فما الذي يؤكِّد هذا؟ هل بمعجزة مثلاً؟ قد يدور في فكرنا إعجاب بأنفسنا أننا نتنسَّك، فنتخيَّل حدوث معجزة أو رؤيا، ولو لتأكيد إيماننا بابن الله. خُذ نفس التجربة التي قابلت المسيح، خُذها بالكامل وتعلَّم من ردِّ المسيح عليها. والشيطان بأقصى ما عنده من التشكيك والحَبْك المدهش في ?حيلة المناسبة?، يأتي لك بالخيالات المناسبة، وهذا هو العنصر الثاني. إذ كما كانت علامة مجيء المسيح عند الرابِّيين اليهود قديماً أنه سيُنزل خبزاً من السماء كما أَنزَلَ المنَّ من السماء على بني إسرائيل، وكما فجَّر ماءً من الصخرة؛ هكذا العابد أو الناسك أو الإنسان الصائم أو الذي نوى أن يعيش حياة أفضل، أو أن يُمارس التوبة؛ يُريد أن يرى برهاناً على صحة مسيرته أو أية علامة من الله تُظهِر فعلاً أنه مؤمن بابن الله، وليظهر للناس أنه إنسان سائر صحيحاً، فيقولون: هذا ناسك، هذا قديس، هذا عابد... إلخ. فيتصوَّر مثلاً أنه وضع يده على رأس مريض فشُفي، أو أخذ موهبة ليعظ بها... إلخ. هذه هي التجربة الأولى. + «فأجابه يسوع قائلاً: مكتوبٌ أنْ ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة (تخرج) من (فم) الله» (لو 4: 4). لاحظ أن الردَّ هنا ?ميستيكي? mystical، أي فيه معنى مخفي، أي سرِّي: ?بل بكل كلمة تخرج من فم الله?، أي: ?هذه هي حياتي?. هكذا يردُّ المسيح على الشيطان ويقول له: ?حياتي وحياة كل إنسان ليست بالخبز الذي يؤكل، ليست بالحجر الذي نُحوِّله، ولا من المال والذهب، ولا من الغِنَى؛ ولكن بكلمة الله?. المسيح يقصد بـ ?كلمة الله? هنا ?كل كلمة تخرج من فم الله?. والكلمة التي خرجت من فم الله، من الآب، الصوت الآتي من السماء: «أنت ابني الحبيب الذي به سُررتُ». وكأنه يقول: ?لا، حياتي ليست من هذا الخبز، بل من الكلمة التي أنا سمعتُها من فم الله، من الآب?. والصوت والكلمة والكلام كله يدخل في مفهوم ?اللوغوس - الكلمة?. + «بل بكل كلمة (تخرج) من (فم) الله» (لو 4: 4). فهي المصدر بالنسبة لحياتي وحياة كل إنسان. وبالتالي، يكون جوابنا على العدو: لا، لست بالمعجزة سأحيا، ولا بالمواهب سأحيا، ولا بالفضائل المكشوفة سأحيا؛ ولكن بكلمة الله، الله الذي دعاني، الله الذي رعاني، وصوته الذي يقودني. فأنا أعيش بالإيمان. وليس من الضروري أن يأتي الصوت لي أنا بالذات من السماء، يكفي أن يكون قد جاء للمسيح من السماء، ويكفي أن يكون التلاميذ قد سجَّلوه لنا؛ فيكون قد جاء إلينا نحن أيضاً بالتمام مثلما جاء للمسيح. لأنه في مناسبة أخرى كان فيها صوت أتى للمسيح: «ليس من أجلي صار هذا الصوت، بل من أجلكم» (يو 12: 30). ويقول يوحنا المعمدان: «وأنا لم أكن أعرفه. لكن الذي أرسلني لأُعمِّد بالماء، ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلاً ومُستقرّاً عليه، فهذا هو الذي يُعمِّد بالروح القدس. وأنا قد رأيتُ وشهدتُ أن هذا هو ابن الله» (يو 1: 34،33). فالصوت ليس للمسيح لأنه لم يكن محتاجاً إليه، ولكن ليوحنا المعمدان ليستعلن المسيح، وهكذا سجَّله يوحنا المعمدان، وعنه أخذ التلاميذ وسجَّلوا. وهذا هو الإنجيل. فالصوت الذي جاء للمسيح وسمعه يوحنا المعمدان وسجَّله متى ومرقس ولوقا التلاميذ القديسون، هذا الصوت أو الكلمة هي التي أنا متمسِّك بها، وهذه هي حياتي التي عليها أعيش، وليس بالخبز. وأنت قد تجوع وأنت صائم، فيأتيك فكر أن تأكل لئلا تموت. فهنا الرد يكون: ?إطلاقاً، لن أموت لما أصوم، إطلاقاً، لأن حياتي من الله وبكلمة الله أحيا?. التجربة الثانية: (ملحوظة: يتبادل القديسان متى ولوقا ترتيب التجربة الثانية مع التجربة الثالثة). فلو أخذنا التجربة الثالثة (كما وضعها القديس لوقا) على أنها الثانية كما وضعها القديس متى، فسيكون ذلك أوضح لنا. لأن تجربة الهيكل هنا، هي تجربة قُدِّمت للمسيح مباشرة بعدما انهزم الشيطان في معركة اختبار الإيمان ومحاولة التشكيك فيه. وهكذا سأعرض التجربة الثالثة (كما جاءت في إنجيل لوقا) على اعتبار أنها التجربة الثانية: + «ثم جاء به إلى أُورشليم وأقامه على جناح الهيكل، وقال له: إن كنتَ ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل. لأنه مكتوب أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجرٍ رجلك» (لو 4: 9-11). في الحقيقة لما رأى الشيطان أن المسيح متمسِّك جداً بكلمة الله، فإذا به يقول: إنه مكتوب في الكتاب المقدس أنه (أي الله) يُرسل ملائكته ليحفظوك؛ إذن، فألقِ نفسك من على الهيكل، فتنزل على أورشليم تحفُّ بك الملائكة، وحينئذ تخدم من وسط الهيكل كإنسان فرِّيسي، أي كدارس للعهد القديم والناموس والوصايا. وهكذا تقف فوق الهيكل وليس من داخل الهيكل، وتبدأ تخدم ليس بالكلمة تعظ وتُقنع، ولكن بإظهار الذات تعلن ذاتك، وتنزل من أعلى بموكب عظيم طائر في الهواء. فكل الناس يقولون: ياه! هذا هو المسيَّا. هذا هو في الحقيقة، موضوع الحرب ضد المسيح. كان العدو يحاول دائماً - وكذلك الناس - أن يقلبوا القصد من المعجزة ليكون هو استعلان المسيح لذاته بذاته. أما المسيح فكان دائماً يصنع المعجزة لإعلان الآب وليس لاستعلان نفسه؛ ليس لكي يُظهِر ذاته، بل لكي يُظهر محبة الله الآب. هكذا شفى أعين العُمي كما يقول الإنجيل: «فتحنن يسوع ولمس أعينهما، فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاه» (مت 20: 34)، ليس لكي يظهر أنه هو المسيَّا. وهذا كان ضد مشورة الشيطان. فالشيطان يريده أن يصنع هذه المعجزة بإلقاء نفسه من أعلى الهيكل لكي يظهر أنه المسيَّا. بينما المسيح كان يستخدم جميع المعجزات لكي يُظهِر الله الآب، ولإعلان صفات الله الآب. وفرقٌ كبير بين الاثنين. كان الشيطان دائماً يحاول جاهداً أن يحوِّل المعجزة لمجد بالنسبة للمسيح؛ أما المسيح فكان يختفي في الحال، كما حدث بعد أن أشبع الجموع بالخمس الخبزات والسمكتين. ولأنه كان من علامات المسيَّا في تعليم الرابِّيين أن يُنزل من السماء مائدة طعام؛ لذلك، كانت نتيجة هذه المعجزة أن اختطفه اليهود وأرادوا أن يجعلوه ملكاً، فاختفى منهم للحال. أما بالنسبة لنا، فلابد أن يكون منهج حياتنا هكذا: إن كل عمل يعمله الله معنا لا نسمح أن العدو يُظهرنا به للناس، وكأننا أتقياء أو عظماء أو قديسين ومقتدرين وأصحاب مواهب وفضائل. ولكن الصحيح أن نقول للشيطان: ?اذهب عني يا شيطان?، لأنه لا يمكن أن تتحوَّل كرامة الله إليَّ، ولا معجزات الله ولا مواهب الله يمكن أن تتحوَّل إلى كرامة لي، ولا مجد لي، ولا لتقديس الناس لي. التجربة الثالثة: التجربة الثالثة (وهي الثالثة كما وردت في إنجيل متى) خطيرة أيضاً. وهي تختص بعلاقة المسيح بالعالم كله: + «ثم أصعده إبليس إلى جبلٍ عالٍ وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان. وقال له إبليس: لك أُعطي هذا السلطان كله ومجدهُنَّ لأنه إليَّ قد دُفِع، وأنا أُعطيه لمن أريد. فإن سجدتَ أمامي يكون لك الجميع» (لو 4: 5-7). - لقد استشف المسيح من كلام الشيطان هذا أنه يُحفِّزه لكي يأخذ وضعه كمقاوم للسلطان الزمني لكي يسود، وإلاَّ فإن اليهود والرومان سوف يتعاونون على قتله، لأنه يُنادي بمبادئ جديدة أعلى من اليهود والرومان معاً. فإن قاومتَ (هكذا يقول الشيطان) هؤلاء وأولئك فستبقى أنت المسيَّا، لأن المسيَّا لابد أن يكون فوق الكل. السجود للشيطان هو التسليم بمنهج الشيطان الفكري. وما هو منهج الشيطان؟ المقاومة، القوة. فبدل أن يدعو الناس بالكلمة والحق، يدعوهم بالقوة. هذا هو سلطان الشيطان، وكأنه يتنازل للمسيح عن سلطانه، لأن أول ما يخافه الشيطان هو ?الصليب?. وهنا يليق بنا أن نتذكَّر أن بيلاطس قال للمسيح وهو يُحاكمه: «ألستَ تعلم أن لي سلطاناً أن أصلبك، وسلطاناً أن أُطلقك»، فردَّ عليه المسيح: «لم يكن لك عليَّ سلطانٌ البتة» (يو 19: 11،10). أما المنهج الفكري الأعلى الذي للمسيح، فهو أن يُعطي الكرامة للآب، كما قال للآب في صلاته الشفاعية ليلة الخميس: «أنا مجَّدتُك على الأرض» (يو 17: 4)؛ وكما قال: «أيها الآب مجِّد اسمك. فجاء صوتٌ من السماء: مجَّدتُ وأُمجِّد أيضاً» (يو 12: 28). فالمسيح هنا يتمسَّك بشدة بأن يُعطي المجد لله الآب، كما أجاب الشيطان: «مكتوبٌ للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد»، حتى ولو خسر المعركة، حتى ولو لم يأخذ شيئاً من ممالك العالم، حتى ولو وقف العالم كله ضدَّه، حتى ولو صُلِبَ. فلو طبَّقنا هذا على أنفسنا، فإننا سنُدعى على طول المدى، طوال هجرتنا على الطريق الضيِّق، سنُدعى لكي نستخدم فكر الشيطان لكي نتلافى العقبات أو نجوز العقبات. هذا المنهج هو استخدام القوة، أو الخبث، أو السياسة، أو استخدام المال أو المداهنة؛ وكل هذه هي بضاعة الشيطان التي عليها يقوم سلطان الشيطان على الكذب والخداع، وعلى القوة وعلى السلطان الزمني؛ لابد أن نُدعَى لكي نستخدم مثل هذه الأمور. ظاهرياً، يتضح أن المسيح سلَّم نفسه لليهود حينما أتاه الجند، فيسألهم: «مَن تطلبون»؟ فقالوا: «يسوع». فقال لهم: «أنا هو»، فأخذوه. لقد سلَّم نفسه للموت في كل لحظة، دون أن يستخدم سلطانه الشخصي لإعلان ذاته، ولا استخدم ما للعدو حتى آخر لحظة من حياته. لكنه لم يُسلِّم نفسه للشيطان بالسجود له، بل قال له: + «اذهب (عني) يا شيطان. إنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد» (لو 4: 8). وهكذا قال أيضاً: «رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء» (يو 14: 30). وهذا هو الرد المباشر والعملي للتجربة الثالثة. ولربنا المجد الدائم أبدياً. آمين. ? |
||||