هل صلاة الإنسان تغير إرادة ومشيئة الله؟؟
هل عندما يصلي الإنسان ويطلب من الله اي طلبة بلجاجة،
هل يمكن للصلاة ان تغيير مشيئة الله؟
هل بصلاة حنه ام صموئيل، اعطاها الله صموئيل،
ام ان الله كان سوف يعطيها نسل حتى لو كانت فقدت الأمل؟؟
هل صلاتنا تصنع فرقاً في إي شئ ؟؟
هل إذا فقدنا الأمل في ان الله سوف يستجيب، لا يستجيب الله لنا؟؟؟
هل يجب ان يكون لدينا امل أم نحاول ان نتأقلم على أن هناك إحتمال كبير ان الله لا يستجيب؟؟؟
لمعرفة هل تغير الصلاة ارادة الله ومشيئته،
يجب ان نعرف ماهية طبيعة الصلاة ،
و ايضا ان نعرف طبيعة الله وطريقة تعامله مع الأنسان.
الله روح وخالق والمفروض فيه أنه الكامل، وإلا لا كمال في الكون.
وهو يضمن استقرار الكون و استمرار وجوده مع الحياة.
لولا وجود مباديء ثابتة لا تتغير في الصلاح والكمال لفقد الأنسان كل مقياس للحياة.
فالله هو الصالح و الكامل ومنه ينعم الكون بنوع من استقرار في معرفة الحق والبر.
وهذا ما اكده يعقوب في 1: 16-17
عندما قال:" كل عطية صالحة وهبة كاملة هي من الله. وهو لا يتبدل ولا يتغير".
وكل شيء في الكون يزول ما عدا كلام الله فهو يبقى للأبد (1بط1: 24)ـ
فالله ليس محدود المعرفة ولا متقلب الأرادة كالأنسان.
بينما معرفة الأنسان جزئية/ناقصة مما يجعله غير قادر على تمييز الحق من الباطل فان معرفة الله كاملة و آنية بحيث يعرف ما هو حق وما ينفع و ما يبني الحياة ويضمن سعادة الأنسان
و بينما الأنسان تقوده شهواته ومصالحه في تحديد الخير لذا قد يتوهم بسبب اختلافها و تنافرها من فرد لآخر،
فالله صالح لا يبحث عن مصلحة ولا يتبع شهوة ،
لذا فهو يريد الخير و الحياة السعيدة للأنسان.
و قد بين للأنسان درب الحياة هذا و أرشده الى سبل تحقيقها.
فاذا سار الأنسان في الخط المبين له فهو يتمتع بالحياة و يضمنها للأبد. وهذا لا يؤثر في الله.
و اذا مال الأنسان عن طريق " الحق و الحياة" وسار في درب آخر سوف يخسر ويهلك.
وهذا ايضا لا يغير شيئا في الله.
واذا تاب الخاطيء وعاد الى الدرب المستقيم فله اختياره الذي يقرر مصيره هو ولا يؤثر على الله.
واذا صلى المؤمن عن توبة أو طلب وحاجة فلا يغير ولا هذا شيئا في الله.
لأن الله لن يعمل اكثر مما قد وعد ومما قد حقق.
فالله لم يقرر قصاص الخاطيء، ولا يحرمه من نعمة بقدر ما يقرر ذلك الخاطيء نفسه الذي يسد الباب في وجه نعمة الله أو يسلك طريق الهلاك.
هو الخاطيء الذي يختار هذا الموقف.
أما اذا كان المصلي بريئا ،
صالحا عرضة للظلم و الأهانة و المضايقة فقد يتدخل الله بنوع مكثف أكثر لأزالة الشر عنه.
انما في الأساس يريد الله له الراحة والكرامة. وأعطاه كل مستلزمات الحياة الهنيئة.
انما غيره يحرمه منها.
ازالة هذا النير لا يغير شيئا في الله بقدر ما يتغير الوضع ليصبح طبيعيا بين الناس.
لما أخرج يسوع الشياطين لم يتغير شيء في ارادة يسوع بل في الممسوسين الذين طلبوا منه الشفاء، وفي سلطان ابليس الذي بدأ يتقلص ويضعف.
هكذا فالصلاة تغير الأنسان وليس الله. و هنا نأتي الى معرفة ماهية طبيعة الصلاة نفسها.
ما هي الصلاة؟
ماذا يعني أن أصلي؟
أولا لماذا نصلي؟ لأننا نشعر بحاجة.
نشعر اننا لا نقدر ان نحقق ما نريده ، لضعفنا أو لجهة أقوى منا تحرمنا من حقوقنا.
في الصلاة نطلب العون ، نستغيث بغيرنا "بالله" ليحقق لنا ما لا نقوى عليه.
واذا تحققت رغبتنا يكون قد حصل فينا التغيير.
هذا التغيير هو أننا في الصلاة نقترب أكثر من الله ،
نتحد به لأن اتصالنا به يكون عن ايماننا به و حبنا له و ثقتنا به أنه يريد لنا ما نحن نطلبه منه.
تكون صلاتنا عندئذ حوارا مع الله الذي نلتقي به في عمق داخلنا اذ لا غيره لنا، نفتح له قلبنا وفكرنا ، ونعرض له كل ما يحدث لنا ،لأننا نشعر بحضوره فينا.
لما نصلي يكون الله فينا معطيا ذاته لنا ، يسندنا و يريحنا. عندها نرى الأمور بشكل آخر ، نراها كما يراها الله نفسه ،
و يكون سلوكنا و تفاعلنا مع الأحداث سلوك الله نفسه.
يكون أننا نرتفع عن ذواتنا لنحيا صورة حقة فعلا لله على الأرض ، وفي الجسد.
لما قرر الأبن الضال التوبة و العودة والطلب من والده ان يعتبره خادما فقط ،
وحتى ما فعله ابوه عند استقباله له لم يغير شيئا في الأب. الأب أحب ابنه ، أعطاه فرصة الحياة ، أعاده الى وضعه ومجده. استقبله في حضنه كما فعل عند ولادته ، وصرف عليه نعمه بسخاء قبل أن يخطأ و بعد ان تاب.
الأبن بادر، لجهله، فترك البيت ، و لشهوته بذر الأموال في اللهو. ثم ندم وبادر الى الطلب من ابيه أن يشغله عنده كخادم فقط. لأنه أعتقد أنه خسر حق البنوة بتغربه وسلوكه المشين. هذا تغير.
أما الأب فظل في حبه لأبنه ورده الى طريق الحق و الحياة . لم يكن قد طرده ، ولا قاصصه ولا اتخذ اى قرار ضده. كان الأبن قد تصرف من نفسه.
أى تغيير ينسب الى الأب لا يكون سوى أن الأب فرح - فرحا اضافيا - بعودة ابنه لأنه لم يرد أن يخسره. تشرده كان مبعث قلق له، وعودته سبب فرح بنجاته من هلاك محتوم
( لو15: 5-32)ـ
أحيانا يصيبنا الملل بل اليأس عندما لا تستجاب صلواتنا. اذا كان سبب ذلك اننا نشك في ارادة الله في ان يستجيب لنا ، مثلما حدث لبطرس بعد ما سار على الماء مسافة.
بدأ يشك في قدرته على الأستمرار أى ان عون الله يرافقه للأخير فبدأ يغرق، اى فارقه عون الله حالا.
لذا يقول يعقوب في 1: 6-7" من يرتاب لا ينال من الله"!
و زكريا الكاهن شك في امكانية ولادة يوحنا لا بانسبة الى الله بل نظرا لعمره هو و اليصابات فأعطي الدليل على تلك الولادة- اصبح أخرس !-
انما لم يتراجع الله من ارادته لأن ولادة يوحنا كانت في مخططه الخلاصي. فلم تتغير ارادته و بنفس الوقت نال شك زكريا جزاء شكه وعدم إيمانه.
كذلك لما نكر بطرس يسوع فكر التلاميذ أنه سيقيله من منصبه و يعين غيره.
ربما فكر بطرس نفسه هكذا ايضا أنه لم يعد جديرا بالمهمة. لكن يسوع عالجه وثبته في منصبه لأنه عرف من الأول معدن بطرس و آختاره عن قصد ثابت لا يتغير، لأن بطرس سيبقى رغم ضعفه هو الأجدر والأقدر على المهمة.
أما حنة أم صموئيل فما طلبته يبدو في خط الأيمان و الثقة بالله، و ايضا متماشيا مع مشيئته بولادة صموئيل .
فيمكن القول بأن صموئيل كان سيولد تحقيقا لأرادة الله في وجود هذا النبي لقيادة الشعب في فترة حرجة من تاريخه.
انما الله يعرف كل شيء حاضرا فيه. فنظم أمور الكون بشكل يكون للأنسان فيه دور- لأن الأنسان وكيل الله في ادارة الكون- و تتحقق الأمور لتكون دروسا للبشرية.
ليس كل ما يفكره او يعمله الأنسان صحيحا وبنـّاءا.
حنة مكروهة ، زوجها لا يقدر حرمانها من النسل واهاناتها الأضافية،
و فنة تتكبر على حنة معتبرة أمومتها بركة من الله ضد ضرتها. وشاء الله ان تلتجيء حنة اليه ليتدخل ويجعلها اكثر مجدا من غريمتها. كـرّم الرب ايمانها و ثقتها و براءة نفسها في اعين البشر ليعيدهم الى درب الحياة الصحيح.
استجاب الله صلاة حنة. بينما لم يستجب طلب أم ابني زبدى.
كانت الأولى في خط مشيئة الله. أما الثانية فكانت عكس مشيئته فاهملها؛
ليس بيد البشر أن يختاروا المناصب القيادية في الكنيسة.
الله هو يقيم رسلا لكنيسته، يقلد المسؤولية من يعرفهم جديرين بها أو يخدمونها حتى ولو بطريقة سلبية مثل يهوذا.
وقد أعطى يسوع مثلا في ذاته أن بعض الرغبات البشرية لا تتماشى مع مخطط الله لذا لا تستجاب.
طلب يسوع من الآب ان تعبر عنه، ان كان ممكنا، كأس الآلام . لكنه أضاف حالا انما لا كمشيئتي بل لتكن الأمور كمشيئتك!.
لما باع ابناء يعقوب اخاهم يوسف توسل بهم هذا و من المؤكد أنه طلب الى الله أن ينقذه.
انما فهم بعده ان انقاذه لم يكن في ارجاعه الى ابيه بل ان يذهب عبدا الى مصر، و يتهم ،
و يعاقب بالسجن ليصل بعده الى عرش المملكة ويحكم مصر والعالم انذاك ولاسيما ينقذ والده و عشيرته من موت محقق بسبب المجاعة.
قال يوسف ايضا لله:
لتكن مشيئتك لا مشيئتي. ثم تغير روحيا وفكريا فلم ينتقم من اخوته بل فسر عملهم ارادة الاهية وساعدهم .
رأى يوسف الأمور بمنظار الله. وتفاعل مع الأحداث كما علمه الرب. كان فكرا طيـّعا و ليــّنا بيدي الله.
فنحن الآن لماذا لا تستجاب صلاتنا ؟
هل نصلي بشكل صحيح أم نقدم عريضة مطاليب لله و ننتظر توقيعها.
و اذا لم يوقعها الله نغضب ونتذمر و نتشكى ؟
هل نقف امام الله بتواضع وآنسحاق ام نصدر له الأوامر منتظرين تنفيذها ؟
هل نلتقي بالله ونتغير الى رؤياه و أحكامه أم نفضل ونفتخر بما لدينا من رأي ومنطق ؟
قد نرى في الصلوات المذكورة نماذج يصعب علينا بلوغها.
لقد أعطانا يسوع نموذجا للصلاة سهل علينا الدرب. " ابانا الذي...".
نقف من الله موقف الأولاد، في محبة واحترام وثقة و براءة نمجده اولا نطلب مجيء ملكوته ثانيا ،
نتمنى ان يعرفه كل الناس وتصغي اليه. ثم نعرض عليه حاجاتنا..
ولا ننسى أننا لسنا منعزلين في الصلاة.
لأن الروح القدس الذي صيرنا ابناء لله بالعماد هو نفسه كما قال بولس الرسول:
" يجيء لنجدة ضعفنا. نحن لا نعرف كيف نصلي كما يجب لكن الروح يشفع فينا...ويشفع بما يوافق مشيئة الله"(رم8: 26-27).
اما قال يسوع :" اطلبوا اولاملكوت الله وبره " والباقي كله يوفر لكم؟(متى6: 33)؟
ألم يقل طوبى لمن لا يشك في؟ (متى 11: 6)؟.
اذا فقدت صلاتنا عناصرها الروحية سوف لا تثمر.
اذا فرغت صلاتنا من محبة وايمان و ثقة كيف تخرق قلب الله؟
اذا لم نتحد بالله و لم نلتق به في حوار ابناء مع ابيهم كيف نريد ان يستجيب الله صلاتنا؟
اذا رفضنا التغيير عن روح العالم ولم نقترب الى روح الله فكيف نطالب الله ان يعاملنا كأبناء أو اصدقاء؟
واذا رفضنا التألم مع المسيح فهل طلب ان نكون شهودا له فقط بالسيطرة على العالم و باعلان الأنجيل دون تطبيقه ؟
كيف يسمعنا الله واذا كان الله في واد ونحن بعيدون في واد آخر ؟
الله صادق و أمين لوعوده و قد أكــّد أن:" وَكُلُّ مَا تَطْلُبُونَهُ فِي الصَّلاَةِ مُؤْمِنِينَ تَنَالُونَهُ."
(متى 21: 22)ـ