15 - 09 - 2014, 04:08 PM | رقم المشاركة : ( 6131 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الــوداعــــة والـتـواضــــع قال الرب يسوع: «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم وتعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحةً لنفوسكم، لأن نيري هيّن وحملي خفيف» (مت 11: 28ـ30) أيها المؤمنون: إن التواضع والوداعة، فضيلتان سماويتان ساميتان، تكمّل إحداهما الأخرى، ففي تواضعنا نعظّم اللّـه معترفين بفضله الجمّ علينا، فهو خالقنا والمعتني بنا وعلينا أن نواظب على تقديم الشكر له تعالى، معترفين بضعفنا وبافتقارنا إلى رحمته، واثقين بيقين أن كل ما نملكه من مواهب سماوية وأرضية، وما نتمتع به في الحياة من نِعم، إنما هما هبة مجانية منه تقدس اسمه، فلا يحق لنا إذن أن نتباهى ونتعجرف بل علينا أن نعترف بفضل الله، متجنّبين الكبرياء التي تبعدنا عن الله، وتصمّ آذاننا عن سماع كلامه الحي، وتسوقنا إلى عبادة الذات والإلحاد، وعلينا أن نجعل التواضع يملأ عقلنا وقلبنا بنور المسيح ويؤجّج فيهما جذوة الإيمان بالله، والاتكال عليه والتسليم بالحقائق الإيمانية التي أوحاها إلينا تعالى بكتابه المقدس الذي هو كلمة اللّـه الحية وبذلك نمجّد اسمه القدوس مع صاحب المزامير القائل: «ليس لنا يا رب ليس لنا لكن لاسمك أعطِ مجداً»(مز 115: 1). ففضيلة التواضع إذن هي أساس جميع الفضائل المسيحية ومنتهاها، أما الوداعة فهي ثمرتها الناضجة، ورفيقتها في الجهاد الروحي، الملازمة لها دائماً. فعندما ترسخ فضيلة التواضع في قلب الإنسان وعقله، وتغدو مَلَكَة، أي صفة راسخة في نفسه، إذ يلمسها الناس بكل تصرفاته، حيث يمتلك ذلك الإنسان ناصية الوداعة ويؤتى الشجاعة الروحية الكافية لمقارعة إبليس اللعين والتغلب على التجارب الصعبة ويهبه اللّـه القوة الكافية لضبط النفس وكسر حدة الغضب، وضبط الفكر العدواني والحدّ من نزواته، مبتعداً عن الحقد والضغينة والبغضاء، متمثلاً بوصايا الرب القائل: «لا تقاوموا الشر بل من لطمك على خدك الأيمن فحوّل له الآخر أيضاً، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك فاترك له الرداء أيضاً»(مت 5: 39 و40) و«أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلّوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم»(مت 5: 44) بهذا فقط تصير الوداعة طبيعة لنا فنعامل الناس باللطف والمحبة، ونكون قد تشبّهنا بالمسيح ربّنا الذي أمرنا أن نتعلّم منه لأنه وديع ومتواضع القلب. فقد بدت هاتان الفضيلتان واضحتين في كل تصرفاته له المجد خلال تدبيره الإلهي في الجسد، حيث أحبّ الأطفال فاستأنسوا إليه وأحبّوه، وعطف على النساء، وأشفق على الخطاة ومهّد لهم الطريق للعودة إلى اللّـه بالتوبة الصادقة كما سامح أعداءه ومبغضيه، وهكذا علّمنا هاتين الفضيلتين بالمثال والأقوال والأمثال، فإذا تشبّهنا به، واقتفينا أثره، نجد سلاماً مع اللّـه بالتسليم التام للإرادة الربانية في السرّاء والضرّاء، كما نجد سلاماً مع أنفسنا فننال راحة الضمير بمحبتنا لله الذي أحبّنا وإطاعة أوامره وتجنّب نواهيه، والقيام بالفروض البيعية، وأن نكون بسلام مع القريب محبّين إياه مقابلين إساءاته بالمغفرة، مصلّين لأجله، كوصية الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس «أن يكون ذا رفق نحو الجميع صبوراً مؤدّباً بالوداعة المقاومين عسى أن يعطيهم اللّـه توبةً لمعرفة الحق»(2تي 2: 24و25). بوداعته وتواضعه صحّح الرب يسوع مفهوم العالم حول الفضائل السماوية والقيم السامية، فإذا عُدَّت الوداعة قبل ميلاد الرب يسوع بالجسد ضعفاً، فهي في المسيحية قوة روحية فائقة، وإذا اعتبر التواضع في الماضي ضعةً فهو في المسيحية سموٌ وترفعٌ عن الرذائل ونصرٌ مُبين على إبليس اللعين وأتباعه المتعجرفين، وإدانةٌ لكبريائهم التي هوت بهم إلى دَرَك المعصية فصاروا أعداءً لله والبشر كما ورَّطت الكبرياء الإنسان أيضاً فتمرّغ في خطية التمرّد على الخالق واستحقّ الموت عقاباً. لذلك، ولكي ينقذ الرب يسوع الإنسان من المعصية ويعيد إليه الحياة، عالجه بالتواضع وأمره بالتحلّي بفضيلة الوداعة قائلاً لتلاميذه: «ها أنا أرسلكم كغنم وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات، وبسطاء كالحمام»(مت 10: 16). أجل، وعى تلاميذ الرب عظمة معلمهم الإلهي، وعرفوا قدر أنفسهم الضعيفة وتأكدوا من افتقارهم إلى الرب دائماً، ولا غرو فقد أوضح الرب لهم هذه الحقيقة بقوله: «اثبتوا فيَّ وأنا فيكم، كما أنّ الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إنْ لم يثبت في الكرمة كذلك أنتم أيضاً إن لم تثبتوا فيَّ أنا الكرمة وأنتم الأغصان، الذي يثبت فيَّ وأنا فيه هذا يأتي بثمرٍ كثير، لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئاً»(يو 15: 4و5). أيها الأحباء: في هذا الزمن العصيب تجتاز كنيستنا المقدسة مرحلة قاسية تشكل منعطفاً حاداً وخطراً، في تاريخها الحديث. فالهجرة العشوائية تحاول تبديد أبنائها في متاهات دروب العالم مبعدة إياهم عن جذورهم التاريخية، وينابيع القيم الروحية التي ورثوها عن آبائهم الميامين. كما أن أعداء الحق يتربصونهم ليصطادوهم في شباكهم وقد نصبوا لهم الأشراك الخبيثة، في الوطن والمهجر، فهناك أصحاب البدع القديمة الوخيمة، وهناك الفرق المستحدثة التي تدّعي المسيحية والمسيحية براء منها، وقد جاء أتباعها ذئاباً خاطفة بثياب حملان تريد الفتك بقطيع المسيح، وهناك الكبرياء أم الرذائل التي ساورت عقول بعض العلمانيين فجاؤوا بآراء فائلة باطلة، محاولين الهيمنة على الكنيسة والعبث بنظمها الإدارية التي هي وضع إلهي لا بشري لأن الكنيسة هي مؤسسة روحية وهي جسد المسيح السري، والمسيح رأسها وقد أقام رسله الأطهار لخدمة أبنائها وأعطاهم السلطان على ذلك فهم المسؤولون عن إدارتها وتدبير شؤونها والعناية بأعضائها وهم ممثلوها الشرعيون وحماة عقيدتها الدينية واسمها وتراثها ولغتها وتقاليدها وحضارتها، ومعالمها، وصفاتها وسماتها التي منحتها إياها السماء وثبّتها التاريخ عبر الدهور والأجيال، والمسيح في داخلها فلن تتزعزع وقد وعدها بقوله «وأبواب الجحيم لن تقوى عليها»(مت16: 18) «وسيندحر من يشهر سيفاً في وجهها»، لأن سلطانها سماوي. فعلينا بروح الوداعة والتواضع أن نقدم النصح والإرشاد لهؤلاء الضّالين فإذا عادوا إلى طاعة الكنيسة فستفرح السماء بخاطئ واحد يتوب، ونرحّب به في الكنيسة، وإذا أصرّوا على محاربة الكنيسة وبثِّ الفتن في صفوفها لتفريق أبنائها وأصمّوا آذانهم عن سماع صوت الرعاة الحقيقيين، فعلينا أن نمارس صلاحياتنا الروحية للدفاع عن العقيدة السمحة والتقليد الشريف، وتأديب المتمرّدين على النظم البيعية، مكمّلين ما أوصانا به الرسول بولس في حال كهذه قائلاً: «فاعزلوا الخبيث من بينكم»(1كو5: 13). أيها الأحباء: إن حلول موعد الصوم الأربعيني المقدس يُعدّ فرصة ذهبية سانحة لنا لنجاهد روحياً ونقتدي بالرب يسوع بتواضعه ووداعته، ونمارس الفضائل السامية ونقرن إيماننا بالأعمال الصالحة وبخاصة أعمال الرحمة كتوزيع الصدقات ومساعدة الفقراء ورعاية الأيتام والأرامل إلى جانب محبتنا لكنيستنا السريانية الأرثوذكسية المقدسة ونظمها الادارية ولغتها السريانية وطقوسها البيعية وتعاليم آبائها القديسين. تقبّل اللّـه صومكم وصلواتكم وأهلّكم لتحتفلوا بعيد قيامته من بين الأموات ببهجة وسرور والنعمة معكم ܘܐܒܘܢ ܕܒܫܡܝܐ ܘܫܪܟܐ. |
||||
15 - 09 - 2014, 04:14 PM | رقم المشاركة : ( 6132 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الـوداعــة بقلم القمص ميخائيل جرجس صليب الوادعة والتواضع فضيلتين متلازمتين فالوديع متواضع القلب، والمتواضع وديع فى سلوكه لذلك قال رب المجد "تعلموا منى فإنى وديع ومتواضع القلب تجدوا راحة لنفوسكم"(1)ـ. وفى عظة المسيح على الجبل قال "طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض"(2)ـ والقديس يوحنا ذهبى الفم يعلق على هذه الآية بقوله [ أى نوع من الأرض سيرثونها ؟ البعض يقولون أنها أرض روحية .. ولكن ليـس الأمر هكذا .. إنه يعنى أرض حسية كما فعل بولس الرسول حين قال اكرم أباك وأمك لكى تطول أيامك على الأرض(3).. إذن فهو يقصد لا المكافأة الروحية فقط بل والأرضية أيضاً ].ـ لأن الودعاء سيحبهم الناس، ويكونو أصدقاء كثيرين لهم، بعكس المتكبرين فإن الناس تبتعد عنهم وتكرههم وقيل عن المسيح أنه "عادل ومنصور وديع"(4).ـ وينصح الرسول بولس أهل كورنثوس بأن يتمثلوا بوداعة المسيح قائلاً لهم "ثم أطلب إليكم بوداعة المسيح وحلمه (حليم) مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح"(5).ـ لذلك إن أردت أن تدرب نفسك على حياة الوداعة حاول أن تطبق التدريبات الآتية : ـ1ـ لا ترفع صوتك وأنت تتكلم وتعلم فالسيد المسيح قيل عنه "لا يصيح ولا يرفع ولا يُسمع فى الشارع صوته"(6).ـ ـ2ـ لا تجرح الناس بكلمات قاسية بل فكر قبل أن تنطق الكلمات .. وعامل كل الناس بكل وداعة كما يذكر بولس الرسول صفات الإنسان المسـيحى ..ـ (1)- (مت11: 29). (2)- (مت5:5). (3)- (أف6: 2). (4)- (زك9:9). (5)- (2كو10: 1- 5). (6)- (أش42: 3). "مستعدين لكل عمل صالح. ولا يطعنوا فى أحد، ويكونوا غير مخاصمين، حلماء مظهرين كل وداعة لجميع الناس"(1).ـ وقد ذكر القديس بولس أن من ثمار الروح .. الوداعة قائلاً "وأما ثمر الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف"(2).ـ ـ3ـ لا تكن قاسياً فى معاملاتك مع الناس بل رحيماً كما فعل السيد المسيح مع المرأة السامرية ففى حديثه معها قال لها "إذهبى إدع زوجك"(3) مع أنها كانت غير متزوجة ولم يرد أن يحرجها أو يتكلم معها بكلام قاس بل بوداعة جذبها إلى الإيمان حتى أنها بشرت أهل مدينتها "فخرجوا من المدينة وأتوا إليه"(4).ـ ـ4ـ لا تدين الآخرين وإن علمت أن إنساناً أخطأ فعامله بوداعة كما يقول الرسول بولس "أيها الإخوة إن إنسبق إنسان فأخذ فى زلة ما فاصلحوا أنتم الروحانيين مثل هذا بروح الوداعة ناظراً إلى نفسك لئلا تجرب أنت أيضاً"(5).ـ ـ5ـ هناك فضائل متصلة ببعضها البعض، كما يقول بولس الرسول فى رسالته إلى أفسس " فاطلب إليكم أنا الأسير فى الرب أن تسلكوا كما يحق للدعوة التى دعيتم بها. بكل تواضع ووداعة وبطول أناة محتملين بعضكم بعضاً فى المحبة ـ"(6) ـ وكما يقول فى موضع آخر " وأما أنت يا إنسان الله فاهرب من هذا واتبع البر والتقوى والإيمان والمحبة والصبر والوداعة"(7).ـ ـ6ـ الصلاة والتسبيح تدرب الإنسان على الوداعة كما يقول داود النبى "أبارك الرب فى كل حين دائماً تسـبيحه فى فمى بالرب تفتخر نفسى يسمع الودعاء فيفرحون"(8).ـ (1)- (تى3: 1، 2). (2)- (غلا5: 22) (3)- (يو4: 16). (4)- (يو4: 30). (5)- (غلا6: 1). (6)- (أف4: 1). (7)- (1تى6: 11). (8)- (مز34: 1، 2). ـ7ـ الرب طوّب الودعاء ووعدهم بأمور كثيرة لذلك يقول المرنم "الرب يرفع الودعاء ويضع الأشرار فى الأرض"(1).ـ ويقول فى موضع آخر "الرب راضى عن شعبه يجمل الودعاء بالخلاص ـ"(2).ـ وفى موضع ثالث يقول "الأرض فزعت وسكنت عند قيام الله للقضاء لتخليص كل ودعاء الأرض"(3).ـ ـ8ـ أطلب من الله أن يعلمك الوداعة فالكتاب يقول "الرب صالح ومستقيم لذلك يعلم الخطاة الطريق. يدرب الودعاء فى الحق ويعلم الودعاء طرقه"(4).ـ ـ9ـ الإنسان الوديع هادئ الطبع، ولا يغضب بسرعة والهدوء يأتى من الداخل الإنسان أى من القلب لذلك يقول سليمان الحكيم "حياة الجسد هدوء القلب"(5).ـ ـ10ـ الإنسان الوديع لا يتكلم كثيراً بل يتكلم عند الحاجة القصوى، لذلك يقول سليمان الحكيم "هدوء اللسان شجرة حياة واعوجاجه سحق فى الروح"(6).ـ ونقرأ أيضاً فى سفر الجامعة إذ يقول "الهدوء يسكن خطايا عظيمة"(7) والإنسان الوديع يميل إلى حياة الهدوء ويبعد عن الصخب وكثرة الكلام. (1)- (مز147: 6). (2)- (مز149: 4).(3)- (مز76: 8). (4)- (مز25: 8، 9). (5)-(أم4: 30). (6)- (أم15: 4). (7)-(جا10: 4). |
||||
16 - 09 - 2014, 12:56 PM | رقم المشاركة : ( 6133 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الشر والألم !!
كثيرا ما يثار بين أوساط المتشككين بالأيمان مشكلة الشر والألم ولماذا يسمح الله بهم للأنسان الذى من المفروض أن الله يحبه ؟ بداية لا أعرف سببا ليجعل هؤلاء متمسكين بأن الله هو من سمح بالألم أو الشر !! ما معنى السماح المقصود هنا هل تم عرض الموضوع على الله ووافق عليه ؟ أرى أنه من الظلم لله أن ننسب له سماحه بالألم أو الشر لأن طبيعة الله لا تتوافق مع الشر أو الخطيئة فكيف يوافق على ما لا يتوافق مع طبيعته ؟ هل الله كان سببا أو وافق على أن يمارس الأنسان التدخين سنين طويلة من عمره ثم عندما يمرض بمرض عضال خبيث نقول الله سمح بكدة عشان كذا وكذا ولكل شخص سبب .. هل الله كان سببا أو وافق على المصانع والسيارات التى تؤذينا وتؤذى الطبيعة بعوادمها وسمومها وتؤثر سلبا على مناخ الأرض ؟ هل الله كان سببا فى طمع الدول ورغبتها فى أستعمار دول أخرى لنهب ثروتها وحدوث الحروب التى يموت بسببها الملايين وتدمر دول بسببها ؟ هل الله سمح لك بأن تترفه وتنعم بكل وسائل الراحة وترى شخصا يأكل من صناديق القمامة ولا تهتم لأمره ؟ هل الله من وافق وسمح بأن تترك الدول التى تلقى طعاما فى القمامة دولا أخرى بها أناسا يموتون جوعا ويأكلون بعضهم ؟ وأنت يا من تلقى على الله التهم بأنه سبب فشلك الدراسى أو الأسرى أو الزوجى .. لم يكن الله هو من سمح بتكاسلك وعدم حكمتك فى أختيارك وتسرعك فى ردود أفعالك فكر جيدا الله أعطاك الأرض لتعملها ( تك 2 : 15 ) لا لتمتلكها .. الله قال حب قريبك كنفسك ( مت 19 : 19 ) لا أن تحب نفسك وتنسى وتطغى على من حولك .. يا من تتهم الله بسماحه بالألم أو الشر للأنسان أعد حساباتك فالله غير مجرب بالشرور ( يع 1 : 13 ) . أنت تريد الحرية والله أعطاها لك كاملة فيجب عليك أن تكون مسئولا عن هذه الحرية ولا تنوح بعد ذلك متهما الله أنه لا يتدخل فى أمورك ولا يعمل معك معجزات خارقة للطبيعة لمصلحتك الشخصية لا تتعامل مع الله أنه مصباح سحرى تعرفه فقط لتنفيذ رغباتك وأحتياجاتك بدون علاقة شخصية حميمية معه .. وأنا هنا أتحدث عن الغالبية العظمى فى الأمور وليست الحالات الشاذة التى ليست لها تفسير لأنه توجد أمور لا يستطيع الأنسان أن يأتى لها بتفسير الأن .. |
||||
16 - 09 - 2014, 12:58 PM | رقم المشاركة : ( 6134 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكنيسة هي كرمة الله المثمرة
شعب المسيح نحن المسيحيون اغصان في كرمة المسيح يسوع وعندما يثبت الغضن في الكرمة تاتيه العصارة اي روح الله القدوس فيصبح مثمرا ان ثبتنا فيه وثبت كلامه فينا والغصن الذي لا يثمر يقطع ويلقى في النار والكنيسة تتمجد وتنشر كلمة الله عندما نكون نحن مثمرين انا وانت والمؤمنون الاخرين يجب ان نستثمر وزناتنا لمجد اسمه القدوس فبالتالي الكنيسة تنهض وتاتي بحصاد كتير باسم الرب يسوع المسيح نفوس كتيرة تخلص وسط الالام والضيقات لانه لديهم رجاءا عظيما بوعوده لينا ولكنيستنا بصلاتنا الحارة والنابعة من كل قلوبنا لان الرب قد قال ان ثبتم في وثبت كلامي فيكم يكون لكم ما تريدون رغم ظروفنا الصعبة حاليا ثقتنا بالهنا عظيمة والرب سوف يتمجد في كنيسته وفي شعبه لانها هذه مشيئة الله وارادته هي لصالحنا كلنا وطوبى لمن يظطهد ويهان ويسبى لانه مسيحي فقط فالكنيسة ستتمجد وستنتشر وتاتي بحصاد كتير كتير جدا بالهها وربها يسوع المسيح له كل المجد امين |
||||
16 - 09 - 2014, 01:00 PM | رقم المشاركة : ( 6135 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الدرس الأخير
الدرس الأخير كان مختصرًا جدًا، ولكنه فعّال كثيرًا ويلخِّص ما سبقه من الدروس! فمن خلال سيرته الذاتية، وصفاته الشخصية، ورسائله الروحية عرفنا الكثير عن ذلك التلميذ الكبير. إنه سمعان الملقّب "بطرس" والذي كان مقدامًا سريع التأثّر، شديدًا في ردّ فعله، دون حساب للعواقب... ولكنه أصبح رسولاً حكيمًا واثقًا متّزنًا يعرف كيف يواجه الأمور وحتى العسيرة منها برحابة صدر، فيعطيها أفضليّاتها بكل تفهّم وتقدير بعد أن تتلمذ على يدَي معلمه العظيم القدير، حتى ذلك الدرس الأخير. من خلال دروسه الوافية، صاغت يد الرب من بطرس المتسرع المتقلقل شخصية لامعة قائدة، تركت بصماتها في بناء كنيسة المسيح وسلام هذا العالم . حيث كان له في المجتمع المسيحي الأول شرف القيادة وعظيم الأثر. كان ذلك آخر درس تلقّاه من الرب يسوع "قبيل صعوده إلى السماء" وكان نهاية المطاف في المعارف الروحية التي اكتسبها سامعًا طائعًا ومطبّقًا، ويا له من درس عظيم. بحكم طبعه الموروث، كان بطرس يحب دائمًا أن يبرز شخصه ويجلس في مقعد القيادة، ناظرًا حوله ومصغيًا إلى كل ما يقال، لعلّه يجد ثغرة يلج من خلالها لكي يبدي رأيه ويُظهر أفضليته... وقد بقي هذا شأنه حتى تلقّى ذلك الدرس المفيد. "لماذا تتداخل في شؤون غيرك؟" قالها المعلم بأسلوب رائع مليء بحكمة السماء. "إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ اتْبَعْنِي أَنْتَ!" (يوحنا 22:21). وبفعل ذلك الدرس صار التلميذ معلّمًا ! فنحن نقرأ ما كتبه قائلاً: "فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِل، أَوْ سَارِق، أَوْ فَاعِلِ شَرّ، أَوْ مُتَدَاخِل فِي أُمُورِ غَيْرِهِ" (1بطرس 15:4). فقد وضع خطية التداخل في أمور الغير بين كبار الخطايا كالقتل والسرقة وفعل الشر. وإذا ما نفذنا إلى عمق الإعلان الإلهي، وجدنا أن التداخل مرض روحي له أعراض كثيرة، بعضها واضح المعالم والبعض الآخر متخفٍّ في طيات الأذهان ومتغلغل في أعماق العواطف والميول. حتى إنه يقيم صداقاتٍ لا أساس حقيقيًّا لها، ويُنشئ عداواتٍ لا سبب منطقيًا لها. أولاً: مظاهره ( 1 ) نرى بعضًا من الأشخاص وقد كرّسوا ذواتهم لتصيّد أخطاء الآخرين وسقطاتهم، فهم يجدون لذّتهم في تقصّيها، وتسليتهم من خلال سردها وتضخيمها، في الوقت الذي فيه هم غارقون بما هو أدهى منها حتى الأذنين، وربما ذلك ليبعدوا الأنظار عن ذواتهم. ( 2 ) ومنهم، رغم ادعائه الإيمان، فهو لا يستطيع أن ينسى، ليس الإساءة فقط، بل ما يظنه خطأً إساءة إلى شخصيته التي تأبى إلا أن تحاول إظهار برها الذاتي وصلاحها الفريد. ( 3 ) ومنهم من يجد في نفسه الرغبة في استماع الأحاديث عن أخبار الضعفات والانتقادات والهزء بالغير أكثر من الحديث عن تعضيدات كلمة الله وتشجيعها للضعفاء والمغلوبين على أمرهم. ( 4 ) ومنهم من يسوءُه الاستماع إلى نصائح الذين يعظونه عن الغفران، والمسامحة، والابتعاد عن لوم الآخرين وتجريحهم، وتكرار الثلب بمناسبة وبغير مناسبة، واستبدال ذلك بمساعدة الآخرين على تجاوز صعوباتهم. ( 5 ) والأسوأ من هؤلاء جميعًا ذلك الذي يسعى كي يدمّر شخصيات الآخرين باتهاماته الباطلة، أو بالغمز واللمز والاستهزاء، لكي يقيم على أنقاضهم بنيان شخصيته المهلهلة، ثم يحاول تثبيت أركانها بتأليف القصص والأقوال من نسج خياله سعيًا للتعالي على غيره مهما كان الثمن الذي يتكلّفه الآخرون في سبيل ذلك. ثانيًا: العوامل المسببة له ( 1 ) الكبرياء والتشامخ، هذه الصفة التي يحملها البعض وهي بغيضة في نظر الله، "الَّذِي يَغْتَابُ صَاحِبَهُ سِرًّا هذَا أَقْطَعُهُ. مُسْتَكْبِرُ الْعَيْنِ وَمُنْتَفِخُ الْقَلْبِ لاَ أَحْتَمِلُهُ" (مزمور 5:101). وهنا نرى الروح القدس يربط بين الاستغابة والكبرياء بشكل واضح، فالمستكبر يحاول الحطّ من سمعة الآخرين لكي يرفع نفسه. ( 2 ) الفضول، وهو مسيطر على طبائع الكثيرين للتلهّي بأمور الغير، وهو خصلة موجودة كثيرًا في شرقنا الأوسط، فينظر المرء إلى جاره مثلاً، ماذا يأكل أو يشرب أو يلبس... إلى لائحة طويلة من الانتقادات والمواصفات لإشباع رغبة دفينة في النفس. ( 3 ) روح الانتقاد والدينونة. البعض لا يفتأون يوزعون دينوناتهم على الآخرين بسبب وبدون سبب، ولكن الكتاب يقول بصراحة: "مَنْ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ عَبْدَ غَيْرِكَ؟ هُوَ لِمَوْلاَهُ يَثْبُتُ أَوْ يَسْقُطُ" (رومية 4:14). ويقول الرب يسوع في موعظته على الجبل: "وَلِمَاذَا تَنْظُرُ الْقَذَى الَّذِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَأَمَّا الْخَشَبَةُ الَّتِي فِي عَيْنِكَ فَلاَ تَفْطَنُ لَهَا؟" (متى 3:7). ( 4 ) الحسد، وهو أيضًا من أشدّ العوامل التي تؤدي بالمرء للتداخل في أمور غيره حتى العداء، كما فعل إخوة يوسف. لقد نعتوه بـ "صاحب الأحلام"... أبغضوه وقصدوا قتله لولا عناية الله، فباعوه عبدًا وهو من لحمهم ودمهم. وليس أدلّ على ذلك أيضًا من حسد الكتبة والفريسيين للرب يسوع المسيح رغم كل لطفه وإحساناته إلى الكثيرين كما تقول الكلمة الإلهية: "فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعًا وَقَالُوا: مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً" (يوحنا 47:11). ( 5 ) نقص المحبة، أو لنقل بشكل صريح "البغضة" لأن وجود محبة من نوع ما لبعض الأشخاص ليست محبة في نظر الرب الذي قال: "لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟" (متى 46:5). فالبغضة متأصلة في القلب الذي لا يسمح لمحبة الله أن تدخل فتنيره وتنقّيه. ولكن حين تغمره تلك المحبة عندها يصبح رؤوفًا بالآخرين حساسًا لآلامهم، حريصًا على حرياتهم وخصوصياتهم. ثالثـًا: العلاج تقدم لنا كلمة الله صفات العلاج الناجع لذلك الداء الدفين، فتعلمنا أن الإيمان الحق، وتسليم الذات بالكامل للرب، والخضوع التام للمشيئة الإلهية كفيلة بتغيير مسار الحياة، وتهذيب طبائع النفس، وكبح جماح العواطف الخاطئة، وذلك يستوجب: ( 1 ) الصلاة المخلصة الجادة، بكل تصميم وإرادة حقيقية لوضع الذات تحت يد الرب الأمينة والتوسل إليه لامتلاك القلب بالكامل وإخضاعه لسلطانه المطلق. ( 2 ) الإذعان لإرشادات الكلمة الإلهية وتحذيراتها، والتقيّد بما تقرره تلك الكلمة وترك التبريرات والفلسفات التي يختلقها البعض لكي يريحوا ضمائرهم المتعبة، ويستمروا تحت تأثيرات العوامل الموروثة، والتربية المغلوطة والأهداف الشخصية، سائرين على نفس الدرب القديم. ( 3 ) والأهم من كل ذلك، فمن مطاليب كلمة الله المشددة "التواضع"، وليس المقصود بذلك التواضع الظاهري المفتعل، حيث أنك ترى في تواضع بعض الأشخاص قمة الكبرياء. لذا فالتواضع يجب أن يكون بحسب الكتاب: * منهجًا للنفس غير مرتبط بالأوضاع والظروف وغير قابل للاحتمالات أو متعلق بزمن معين أو شخص مقصود أو حالة خاصة. * هدفًا منشودًا ومطلبًا حقيقيًّا يتنامى بواسطة الصلاة والتضرع ويتثبت في العواطف والإحساسات يومًا بعد يوم إلى أن يصبح كاملاً. * عملاً نابعًا من أعماق نفس المؤمن الذي يشعر دائمًا بحاجته العظمى للتمثّل بشخص الرب يسوع المسيح، لا لسبب ما إلا حبًا بالرب وطاعة له حيث قال: "اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ" (متى 29:11-30). فالرب القدير هو الذي يعطينا القوة والاستطاعة للتخلص من الأشياء التي يريد أن ينقينا منها لنصبح أدوات نافعة للسيد منتظرة لقاءه له كل المجد إلى الأبد. |
||||
16 - 09 - 2014, 01:08 PM | رقم المشاركة : ( 6136 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
على ماذا نشكر الله ؟
نحن نشكر الله على الافراح والمسرات ولكن نحن لا نشكره في وقت الضيقات والالام والامراض بل نبقى منزعجين وغير راضين على ما يجري حولنا ولكن ان شكرنا الله على الضيقة ففيها يتمجد اسم الله القدوس ونكتسب عمقا روحيا ونقترب من الله بشخصه فيجب علينا ان نشكر الله لانه انعم علينا بالوجود اولا حيث ان الله غير محتاج لعبادتنا بل نحن محتاجين لربوبيته ويجب ان نشكر الله على الطبيعة التي سخرها لاجلنا ويجب ان نشكر الله المواهب التي اعطاها ايانا ويجب ان نشكره على ايماننا الذي وهبنا اياه ويجب ان نشكره لاننا مازلنا احياء ويجب ان نشكره انه اهدانا بيئة روحية ويجب ان نشكره لانه لا يعاملنا حسب تصرفاتنا ولا يعاقبنا جراء خطايانا ويجب ان نشكره على احساناته ونعمه علينا ويجب ان نشكره على الصحة فالصحة تاج على رؤوس الاصحاء لا نحس بها الا عندما نتمرض ويجب ان نشكره على الخير لذي نراه والذي لا نراه ويجب ان نشكره على نعمة روح الله القدوس التي ترشدنا وتهدينا لاننا هيكل روح الله القدس ويجب ان نشكره على نعمة الفداء اذ احبنا الله حتى بذل ابنه الوحيد من اجل فدائنا و يجب ان نشكره على وعوده لنا في الكتاب المقدس واخيرا نشكره لانه جعلنا ابناءا واحباءا له |
||||
16 - 09 - 2014, 01:36 PM | رقم المشاركة : ( 6137 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصلاة الربية الابانا " الأبانا " تعتبر 'الصلاة الربّيّة' (أبانا الذي في السماوات ليتقدّس اسمُك...)، كما أسماها، لأوّل مرّة، القدّيس كبريانوس القرطاجيّ (+258)، من أكثر الصلوات التي يتلوها مسيحيّو العالم شهرةً، وذلك أنّها 'الصلاة' التي علّمها يسوع للكنيسة، وأرادها نموذجًا لكلّ صلاة . منذ البدء أبدى آباء الكنيسة اهتمامًا بالغًا بهذه الصلاة، فتركوا تفسيرات كثيرة عنها، وعملوا على إدراجها في الأسرار المقدّسة والصلوات الكنسيّة، وهي موجودة اليوم في جميع صلواتنا الجماعيّة والفرديّة . أوّل مَنْ شَرَحَ الصلاة الربّيّة وأدخلها في ترتيب سرّ المعموديّة هو العلاّمة ترتليانوس (الذي اعتبرها 'مختصر الإنجيل كلّه'). ثمّ تبعه، في مسعاه، القدّيس كبريانوس الذي كان يطلب من الموعوظين (وهم وثنيّون ويهود آمنوا بالربّ يسوع وكانوا يستعدّون لتقبّل سرّ المعموديّة) حفظها غيبًا وتلاوتها علنًا أمام الكنيسة أثناء قبولهم المعموديّة. حذا حذو ترتليانوس وكبريانوس معظمُ آباء القرن الرابع فأدرجوا هذه الصلاة في خدمة القدّاس الإلهيّ . ففي كنيسة أورشليم، مثلاً، كان القدّيس كيرلّس يشرحها أثناء الخدمة الإلهيّة، ويطلب من المؤمنين تلاوتَها قبل أن يتقدّموا من المناولة، وهذا ما يفعله المؤمنون اليوم . يدّعي بعض علماء التفسير أنّ ثّمّة قرابة بين الصلاة الربّيّة والصلوات اليهوديّة في زمن يسوع من حيث المبنى والمعنى . غير أنّ هذا الإدعاء ليس واقعيًا، لأنّ الصلاة الربّيّة 'لا تتمحور حول خبرة إسرائيل ولا حول الشهادة التي عليه أن يؤدّيها لله...' . ولعلّ أبرز ما يميّزها عن كلّ الصلوات التي قبلها هو تلك الحرّيّة التي تدفع المؤمنين إلى أن ينادوا الله الذي لا يدنى منه: 'أبانا'. ولا يخفى أنّ ترتيب الطلبات فيها ابتكاريّ وله معانيه الجديدة، وهو يميّز تعليم يسوع عن غيره، ونرى أنّه به يعلو على كلّ تعليم آخر ويتخطّاه . الصلاة الربّيّة - على الرغم من صغرها - صلاة غنيّة بمعانيها، وقد وصلتنا عن يد الإنجيليّين متّى (6: 9-13) ولوقا (11: 2-4)، في صيغتين تفترق الواحدة عن الأخرى، بأمور عدّة، ولعلّ هذه الفروقات في الصيغتين تعود إلى الاستعمال الليتورجيّ في كنائس مختلفة. سعى العديد من المفسّرين إلى معرفة أيّ من الصيغتين هو الأقدم فتشعّبت آراؤهم واختلفت. لن ندخل، في هذه العجالة، في مقارنة نصّي متّى ولوقا لنعرف أيّا منهما هو الأقدم، يكفي أن نؤكّد أنّ المسيحيّين الأوائل اقتنعوا بأنّ الأمانة لفكر يسوع أهمّ، بما لا يقاس، من ترداد كلماته تردادًا حرفيًّا. ولا ينفعنا، في هذا المجال، أن نتبع القاعدة الأصعب التي يقول بها المفسّرون، فيما يقارنون بين النصوص، لمعرفة الكلمات التي خرجت من فم يسوع حرفيًّا أو الوصول إلى رواية حدث كما أتّمه. فإذا فضّلنا الصيغة الأقصر لهذه الصلاة، وهي صيغة لوقا (التي يرى بعض أنّها الأصل)، نهمل ما عند متّى من ميزات خاصّة (إيقاع متناسق، عبارات ساميّة...)، قد لا تناسب العقليّة اليونانيّة التي خاطبها لوقا، وربّما دفعته إلى تقصيرها وتكييفها. اعتاد بعض المعلّمين القدماء على تقسيم الصلاة الربّيّة إلى قسمين؛ يقول العلاّمة ترتليانوس: 'ما أروع الحكمة الإلهيّة التي رتّبت هذه الصلاة فبعد أمور السماء (وهي الطلبات الثلاث الأولى) تأتي أمور الأرض وحاجاتها' (ويقصد بذلك الطلبات الأخرى). غير أنّ هذا التقسيم - كما هو هنا - يجب أن نفهمه بتوافقه ومجمل فكر يسوع الذي يدعو إلى عيش الآخرة أوّلاً والعمل على تبيانها 'الآن وهنا' (يقول الربّ: 'اطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبّره...') . وذلك أنّ الذي يُرضي الله ليس أن نقدّس اسمه بإخلاصنا له فقط، ولكن بعملنا على خلاص البشر أيضًا (وهذا عينه من دوافع الإخلاص لله). فلا يجوز أن نفهم، مثلاً، أنّ الطلبة الثانية في الصلاة الربّيّة: 'ليأتِ ملكوتُك'، تختصّ فقط برغبة المؤمنين في حلول الملكوت الآتي، لأنّ أولاد الله الحقيقيّين لا يعترفون بمجد الله الأخير فحسب، أو يتـوقون فقـط إلى اليـوم الـذي يملك فيه على كلّ أحبائه 'ويُخضع كلّ أعدائه تحت قدميه'، ولكنها أيضًا (تختصّ) بترجمة إيمانهم ورجائهم في هذا الدهر، وذلك لأنّ مُلك الله - بالنسبة إليهم - هو في خلاص البشر الذي يبتدئ هنا في هذا العالم. وهذا يمنعنا منعًا باتًا مـن التمييز بين ما هـو عموديّ (إرضاء الله) وبين ما هو أفقيّ (الاهتمـام بالناس وحاجاتهم)، إذ كيف نهتمّ بالله إن لم نلقَ أبناءه كأخوة (أنظر رسالة الإنجيليّ يـوحنا الأولى)؟ فالله هو أبونا جميعًا، وفي وعينا لبنوّتنا له يجتمع شوقنا الدائم إلى حلول ملكوته ويقوى عملنا على تقديس العالم. وفي السياق عينه يجب أن نفهم أنّ طلبة 'الخبز الجوهري' لا يتعلّق معناها بالخبز المادّي الـذي نأكله في هـذا العالم فحسب، ولكن أيضًا الخبز السماويّ الذي يعطيه الربّ للذين سيُجلسهم على مائدته الأخيرة 'مع إبراهيم واسحق ويعقوب'، وهي تحثّنا تاليًا على أن نطلب دائمًا جسد الربّ الذي نتناوله في القدّاس الإلهيّ . الصلاة الربّيّة هي صلاة الكنيسة التي أدركت أنّ المسافة بين الأرض والسماء قد زالت، وهي صلاة الغنج الأكبر الذي يهبه الروح القدس للذين يعملون بمشيئة الآب في كلّ زمان ومكان . أبانا كنّا قد قدّمنا الكلام على الصلاة الربّيّة في مقالة آنفة، وسنعمل، بإذن الله، على شرحها في مقالات عدّة. نبدأها اليوم بالتأمل في هذا النداء الحميم والغنيّ بمعانيه الذي يفتتح الربّ به الصلاة، وأعني به: 'أبانا'. ولا نريد، في هذا المقال، أن نخرج عن الخطّ الذي رسمه التراث الأرثوذكسي، وأعني تأكيده القاطع أنّ الله هو فوق كلّ كلام وأبعد من أن تحبسه تحديدات ومفاهيم. ' فإله يمكن إدراكه ليس هو الله'. وهذا يعني أنّ إلهًا نزعم أنّنا نقدر على فهمه، عقليًا، بصورة كاملة، هو إله من اختراعنا، وليس هو الإله الحقيقيّ. غير أنّ هذا لم يمنع تراثنا من أن يؤكّد أيضًا، وفي السياق عينه، أنّ الله الذي لا يسعه مكان أو زمان ولا يمكن وصفه أو رؤية جوهره، هو إله شخصيّ، ومعرفتنا له تحدّدها كشوفاته في التاريخ، وتاليًا إيماننا به ومحبّتنا إيّاه. وذلك أنّ الإيمان ليس هو، في جوهره، حقيقة منطقيّة، بل علاقة شخصيّة وتسليم كامل لمن تنازل وبذل دمه حبًّا بنا. سنحاول، إذًا، بنعمة الله، انطلاقًا من تنازل يسوع ابن الله الوحيد الذي سمح لنا بأن ننادي أباه: 'أبانا'، أن نكتشف - في زمن شيوع اليتم وزوغان الضمير عن المحجّة - عمق هذا النداء الذي يحمل كلّ حقيقة الله، ويبيّن، تاليًا، أسس علاقة البشر بعضهم ببعض. والواقع أنّ بعض الآباء القدّيسين، ومنهم: مكسيموس المعترف وديونيسيوس الأريوباجي ويوحنّا الذهبيّ الفم...، أطلقوا لفظة 'أبانا' على الثالوث القدّوس. فالنداء، في مداه الأوّل، يدلّ، آبائيًّا، على العلاقة التي تربط الله المثلّث الأقانيم، وهو، تاليًا، يُدخلنا عمق معرفته. وليس هذا فقط، وذلك أنّ نداء 'أبانا' لا يضعنا في خطّ عموديّ حصرًا، ولكن أفقيّ أيضًا، أي إنّه لا يدلّنا على هذه العلاقة الثالوثيّة أو يطلب منّا اعترافًا بأنّ الله هو أبو يسوع أزليًّا فحسب، بل أيضًا على كون الله هو أبو جميع البشر، وأنّ ارتباط البشر بعضهم ببعض هو، بيسوع المسيح، ارتباط أخويّ. يقول ثيودورس أسقف مصّيصة في مقدّمة شرحه الصلاة الربّيّة: 'لذلك عليكم أن تقدّموا ما يجب لا للآب فقط، بل عليكم أيضًا أن تسالموا بعضكم بعضًا أنتم الأخوة، وجميعكم في قبضة يد أب واحد'. ويؤكّد القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، في تعليقه على هذا النداء، هذا الكلام، بقوله: 'وعلاوةً على ذلك، يعلّمنا (يسوع في الصلاة الربّيّة) أن نجعل صلاتنا مشتركة، لمصلحة أخوتنا أيضًا. إذ لا يقول (المؤمن): 'أبي الذي في السموات'، بل 'أبانا' مقدّمًا تضرّعاته من أجل الجسد المشترك، غير ناظر قطّ إلى مصلحته الخاصّة، بل إلى مصلحة قريبه في كلّ مكان'. يختصر هذان البعدان (العموديّ والأفقيّ) كلّ الحياة المسيحيّة ومتطلّباتها. فالله الذي يطلب 'قلب' الإنسان يرفض رفضًا قاطعًا أن يختزل المسيحيّ البشر أخوته بالعِرق أو الطبقة أو الجنس أو الدين أو المذهب أو الثقافة، أو أن يميّز بين البارّ والخاطئ (برأيه طبعًا)، وذلك لأنّ كلّ إنسان، هو 'صورة الله'، والله تاليًا أعطى جميع البشر، بابنه يسوع، نعمة البنوّة، أي وهبهم أن يصيروا 'أبناء الله'. ولعلّ أعمق ما يذكّرنا به نداء 'أبانا'، في سياق هذين البعدين، هو أنّ كلّ صلاة، في عمقها ومداها، هي صلاة جماعيّة، فالذي يصلّي وحده في صومعته أو غرفته... هو يصلّي إلى الإله أبي الجميع، وتاليًا كعضو في عائلته (الكنيسة)، ويريده الربّ أن يعي ارتباطه بأخوته وبكلّ إنسان في العالم، وأن يفعّل التزامه فلا يكون بعيدًا أو متفرّجًا. هذا ما يدلّنا عليه نداء 'أبانا'، وبعد. لا يريدنا يسوع، فيما نخاطب الله، أن نكلّمه بمنطق العهد القديم الذي لم يخلُ من الاعتراف بحنان الله على أولاده (انظر: خروج 4: 22؛ تثنية 32: 6؛ إشعيا 63: 8...، حكمة 3 :9 و 5: 5)، وذلك أنّ العهد الأوّل الذي أعطي في سيناء يلد العبوديّة (غلاطية 4: 24)، وجميع الذين أُخضعوا لشريعة الناموس كانوا عبيدًا (افسس 2 :15)، بل أن نعرف أو أن نقبل أن يقودنا روح الله إلى معرفة كوننا 'أبناء الله' المدلّلين، وأن ننادي الله بالطريقة عينها التي كان يلفظها الأطفال الآراميّون فيما كانوا يتدلّلون على آبائهم: 'أبّا' (أو كما نقول بلغتنا: 'بابا'). لقد نقلنا يسوع الذي يحقّ له وحده أن يخاطب أباه ببساطة كلّيّة وألفة حميمة (متّى 11: 25، 26: 39؛ مرقس 14 :36، 15: 34؛ لوقا 10: 21، 23: 46 وما يوازيها)، بنعمة روحه القدّوس، من حالة الخوف والبعد والجهل، وقرّبنا من الله أبيه، وأعطانا أن نناديه بجرأة الأطفال (بابا) من دون أن تطالنا دينونة (كما تدعونا خدمة القدّاس الإلهيّ). وهذا ما أكّده أحد آباء الكنيسة في القرن الخامس تعليقًا على ما قاله الرسول بولس في رسالته إلى كنيسة رومية، وهو: لأنكم ' لم تتلقّوا روح عبوديّة لتعودوا إلى الخوف، بل روح تبنٍّ به ننادي: أبّا، يا أبت! وهذا الروح نفسه يشهد مع أرواحنا بأنّنا أبناء الله' (أنظر 8: 14-16)، إذ قال: 'حين أضاف الرسول لفظة 'أبّا' علّمنا معنى الثقة التي يتّصف بها أولئك الذين اعتادوا أن ينادوا الله هكذا. وفي الواقع، الأولاد وحدهم يتعاملون مع آبائهم بحرّيّة كبيرة...، فيستخدمون غالبًا هذه اللفظة في التحدّث إليهم'. عندما نصلّي: 'أبانا'، يجب أن نفكّر في وحدة الحياة التي لنا مع الله في المسيح يسوع بالروح القدس، وأن نفكّر تاليًا في أنّ هذا النداء لا يكون نداءنا حقًا ما لم نسمح للروح الذي حلّ في قلوبنا بأن يفيض فينا المحبّة الحقّ للبشر جميعًا، ونقبل أن نكون أداة الشهادة التي ينيرها هو (أي الروح) ويقودها في العالم (رومية 5: 5 أبانا الذي في السموات لا تعني عبارة 'أبانا الذي في السموات' أن الله ليس موجودًا في الأرض، أو كما نقول في طقوسنا ' في كل مكان' (أو انّه بمعنى آخر، محدود في مكان). المسيحيّة الشرقيّة ذهبت إلى أبعد من هذا التصريح، ففي تعليمها، المتعلّق بالتجسّد خصوصًا، أكّدت أن كل مسافة أو فرق بين الأرض والسماء، أو ما هو فوق وما هو تحت، ألغي في المسيح يسوع. ولعلّ الكلام الذي تورده كتبنا المقدّسة، فيما تربط بين التجسّد ونهاية الزمان (غلاطية 4: 4؛ عبرانيّين 1: 2)، خير تعبير عن أنّ كلّ شيء قد 'ابتلع' في المسيح يسوع. فيسوع هو، وحده، في هذا الدهر وفي الدهر الآتي، 'المكان' (إذا جاز التعبير) الذي يتجلّى فيه الله المثلث الأقانيم ويظهر للذين قبلوا حبّه وسيادته. وهذا يمكن توضيحه بتأكيد آخر، وهو أنّ الله الذي هو، في جوهره، 'غير مدنو منه' (قد يكون هذا التعريف هو أحد أهمّ معاني عبارة 'أبانا الذي في السموات') هو إله محبّ (أنظر: إنجيل يوحنّا ورسائله). فالمحبّة هي التي تبسط حقيقة الله الأزلية وكلّ عمله الخلاصيّ في التاريخ. وهذا يعني أنّ قلب الإنسان هو مسكن الله الحقيقي، 'إنّ ملكوت الله في داخلكم'، يقول يسوع (لوقا 17: 21). ولعلّ كلامه الوارد في إنجيل يوحنّا يوضح ما نريد قوله هنا، وهو: 'إذا أحبّني أحد حفظ كلامي فأحبّه أبي ونأتي إليه فنجعل لنا عنده مُقامًا' (14: 23). فالقلب البشريّ هو، في العمق، سماء الله الحقيقيّة، وما سنقوله في ما يلي هو تفصيل لهذه الثوابت . يعرف العارفون أنّ عبارة 'الأب الذي في السموات' كانت، في التقليد العبريّ، في زمن يسوع، تدلّ - رغم ندرة استعمالها - على تسامي الله وتعاليه وبآنٍ على قدرته وسلطانه في الأرض وعلى 'كلّ الساكنين فيها' (مزمور 24: 1). ولا يخفى أنّ محرّري العهد القديم أبدوا تحفظًا واضحًا في استخدام لفظة 'أب' للدلالة على الله، وذلك خلافًا لديانات الشرق الأدنى القديم التي الآلهة في أساطيرها آباء عن طريق الإنجاب. الله، في العهد القديم، هو 'أب'، ولكن عن طريق الاختيار (اختار الله إبراهيم ونسله)، وهذا الاختيار يبيّن محبّته وحمايته شعبَهُ ويفترض، تاليًا، طاعة الشعب وأمانته لله. والعبرانيّون، في كلّ حال، ما كانوا يجترئون على التلفّظ باسم الله أو مناداته بدالّة في صلواتهم الشخصيّة (فهذا عندهم يسيء إلى تسامي الله). أمّا يسوع ابن الله الوحيد الذي أتى ليحرّرنا من العبوديّة وينتشلنا من كلّ بعد وجفاف وخوف، فقد علّم أتباعه أن ينادوا أباه بحرّيّة ودالّة: 'أبانا الذي في السموات'، وذلك أنّه أراد أن يكشف أنّ الله هو أب حنون ومترئف لا بإسرائيل فحسب، ولكن بالبشر جميعًا. لقد فتح يسوع باب الملكوت لجميع البشر، وألغى كلّ مسافة وعرق وجنس ولغة، وذلك لأن السماء لا تظلّل أناسًا دون غيرهم، وأكّد، تاليًا، أنّ ما يطلبه الله من البشر جميعًا هو أن يثقوا برحمته وقدرته وأن يحيوا أخوة مع البشر كافة. هذا ابتكار ابن الله المتجسّد الذي يمكّننا من فهمه وقبوله الروح القدس الذي نلنا مواهبه في المعموديّة. فالروح، في الأخير، هو الذي يعطينا أن نعرف الله أبًا، وأن نكتشف قوّة الخلاص الذي تمّ من أجلنا 'ونوجّه حياتنا وجهة تتعالى عن حدود الأرض' فنرتقي بمحبّته إلى السماء. و'السموات' موطن المؤمنين، ومنها ينتظرون 'مجيء المخلّص الربّ يسوع المسيح الذي سيغيّر هيئة جسدنا الحقير فيجعله على صورة جسده المجيد...' (فيلبّي 3: 20و21). يقول ثيودورس أسقف مصّيصة في شرحه هذه الصلاة: ' أريدكم (أعضاء كنيسته) أن تقولوا أبانا الذي في السموات 'حتّى تتمثّل أمام عيونكم، في الدنيا، الحياة السماويّة حيث أعطي لكم أن تنتقلوا يومًا. فإنكم - قد نلتم التبني - صرتم مواطني السماء. أجل هذا هو المقرّ اللائق بأبناء الله'. وهذا أحد أهمّ أبعاد الإيمان المسيحيّ، وذلك أنّ المسيحيّين الذين يرتبطون ارتباطا صميمًا بمن 'يسكن في النور الذي لا يدنى منه' (1 تيموثاوس 6: 16)، هم يعيشون في الأرض بموجب قانون موطنهم الحقيقيّ (السماء) الذي هو في قلوبهم. ولا يعني هذا أنّ المسيحيّين يحتقرون العالم أو ينفصلون عنه، ولكن أنّهم في العالم وليسوا منه، وأنّ خصوصيّتهم تكمن في رسالتهم وفي كونهم، وهم في حيّز هذا الوجود، يعبدون 'الأب الذي في السموات' بإخلاص كلّيّ لا يشوبه تقاعس أو غشّ، إخلاص يفسّره إيمانهم وطاعتهم، وتاليًا رفضهم كلّ إغراء يصدر عن إبليس أو عن الذين يتبعونه. فيا 'أبانا الذي في السموات' أعطنا أن نفهم حبّك وتنازلك وتعاليك لئلا نحتجزك في الأرض ونقفل عليك، فنقفل حينئذٍ على حالنا. هبنا روحك القدّوس لنعرف أنّك وحدك في قلبنا مالكًا وأنّنا بابنك الحبيب ارتقينا، وارتقى العالم كلّه، من الأرض إلى السماء. ليتقدّس اسمك تبدأ الطلبة الأولى في الصلاة الربيّة بدعوة المؤمنين إلى تقديس اسم الله (والاسم، في التقليد الكتابيّ، هو الشخص ذاته). ويدلّنا سياق هذه الصلاة وبآن الكتب المقدّسة (انظر مثلا: إنجيل يوحنا 17) على أن اسم الله هو الآب نفسه. في العهد القديم عرّف الله عن نفسه بقوله: 'أنا يهوه، هذا هو اسمي' (خروج 3 :14-15، 6: 2-3). واسم 'يهوه'، في اللغة العبريّة، ليس، كما يقول أتباع بدعة 'شهود يهوه' اليوم، اسمًا علمًا، ولكن صفة، ويعني 'الكائن' أو 'الذي يكون' (الطبعة اليسوعيّة للكتاب المقدّس ترجمت حرفيًا هذه العبارة، هكذا: 'أنا هو مَن هو'). فإذا قال الله: 'أنا يهوه'، فهو يدلّ على كيانه الذي لا يُدرك، وبآنٍ على ما يكشفه في تجلّياته وفعله في التاريخ وأمانته لشعبه (يستعمل العبرانيّون عادة، تجنّبًا للتلّفظ بالاسم المقدّس الذي أوحي به الله لموسى، عبارات أخرى، مثل: الأزليّ، السيّد، الكليّ القدرة، السموات، القدّوس والمبارك...). ولا يأتي هذا الاسم (يهوه) في الكتب المقدّسة - وهو غير وارد في العهد الجديد، الا إذا قبلنا، وعن حقّ، أن اسم 'يسوع' يعني، في اللغة العبريّة: يهوه يخلّص - من دون ذكر حدث يتبعه ويكون بمثابة صفة له، يقول الله مثلا: أنا يهوه إلهكم الذي أخرجكم من أرض مصر، أو أنا يهوه إله إبراهيم واسحق ويعقوب... والله، في العهد القديم، يقدّس اسمه عندما يكشف عن ذاته وقدرته: 'أظهر لهم قداسته في ما بينهم'(عدد 20: 13؛ انظر حزقيال 28: 22 ،25، 36: 16-38، 38: 18-23). وهذا ما يدفع الإنسان إلى أن يلتفت نحو الله ويعترف بقداسته فيلتزم عبادته ويمدحه ويسجد له (عدد 27: 14؛ تثنية 32: 51؛ اشعيا 8: 13). والله، تاليًا، عن طريق المفارقة، يدلّ على قداسته حين يشرك الإنسان فيها، يقول: 'كونوا قدّيسين كما أنّي أنا قدّوس'(أحبار 11: 14)، وهذا من باب كبير أيضًا يكشف قداسة القدّوس الواحد. أما في العهد الجديد فالله يكشف عن ذاته بصفته أبًا قدّوسًا (وهذا أكمل كشوفاته في التاريخ)، هو أب لابن وحيد أرسله من أجل أن يخلّص الإنسان الذي انفصل عنه بارتكابه الإثم، وأن يهبه التبنّي ويعيده إليه، وذلك أنّ 'إرادة الله قداسة البشر' (1 تسالونيكي 4: 3)، وهذا يعني أنّه يريد (ويعمل من أجل) أن يلتفت الناس إليه، بمحبّة كليّة، وأن يعلّوا قداسته بقبولهم عطاياه في كلّ أقوالهم وأعمالهم (أنظر: أفسس 1: 3 و4)، وأنّه يريدهم، تاليًا، أن ينشروا قداسته في الأرض، أو، كما يقول القدّيس كيرلّس الإسكندريّ في شرحه هذه الطلبة، أن 'يشفعوا من أجل كلّ سكّان الأرض'. ويسوع هو قدّوس الله، وقد قدّس الكنيسة لمّا مات عنها (يوحنا 17: 19؛ افسس 5: 26 وعبرانيين 9: 13، 10: 10،14 ،29، 13: 12). ولمّا وهبها الروح القدس خصّصها لله إلى الأبد (فعل ' قدّس' يعني، في اللغة العبريّة حرفيًّا: 'فصل'، 'ميّز'، أو أيضًا 'كرّس')، فالروح نفسه هو الذي يقودها، في التاريخ، لتثمر القداسة ولتكون 'أمّة مقدّسة' (1 بطرس 2: 5)، 'ومملكة كهنة' (رؤيا 5: 10)، ولتعرف ذاتها واحدة، وتعلن قداسة الله بلا انقطاع (رؤيا 4: 8). يوازي تقديس اسم الله تمجيده (علمًا أن الفعلين غير مترادفين). وهذا، في زمن يسوع، لم يكن يعني قط 'إجلال الله وتسبيحه، بل الشهادة حتّى إراقة الدمّ' كما يؤكّد اللاهوتي الأرثوذكسي أوليفييه كليمان. يقول القدّيس يوحنا الذهبيّ الفم: 'جدير بالذي يدعو الله أبًا أن يصلّي لا ليطلب شيئًا قبل مجد أبيه، بل أن يحسب كلّ الأشياء ثانوية بالنسبة إلى عمل تسبيحه'، ويتابع بقوله: إنّ السيّد يأمر من يصلّي 'أن يطلب تمجيد الآب أيضًا بحياته'. وهذا عينه ما أوحى به ثيودورس أسقف مصيصة في تعليقه على هذه الطلبة، إذ قال: 'قبل كل شيء افعل ما يوفّر المديح لله أبيك'. وهذا الكلام يوسّع آفاق التمجيد، وذلك لأن الصلاة تُظهر صدقَها حياةُ الناس الشاهدين للحقّ (الأمينين حتّى الدمّ) فهي (الصلاة) ليست كلامًا فحسب، ولكنّها أيضًا سلوك وإخلاص. والله يستعمل هذا الإخلاص ليأتي بالعالم البعيد عن الحقّ إلى تمجيده، وفق قول السيّد المبارك في عظة الجبل: 'هكذا فليضئ نوركم (أي إخلاصكم لله الذي تعيشونه في شركة الكنيسة) للناس، ليروا أعمالكم الصالحة، فيمجّدوا أباكم الذي في السموات' (متى 5: 16). أمّا إذا أتينا نقيض هذا فإنّنا نسيء إلى الله وقداسته، 'أي إنّ كلّ الغرباء عن إيماننا يقولون عنّا، وهم يشاهدوننا منصرفين إلى أعمال سيئة: ليسوا أهلاً لأن يكونوا أبناء الله'، كما يقول أيضًا ثيودوروس أسقف المصيصة. لقد أوحينا أنّ موقف يسوع الذي قاده إلى الصليب هو أكمل إعلان لقداسة الله، ولعلّ هذا يكشف لنا السبيل الحقّ الذي يجب أن يسلكه المؤمنون ليقدّسوا اسم الله. فالموت عن كلّ إثم هو نوع من أنواع الإخلاص الذي يُظهر، بقوّة، هذه القداسة. فالله، في الأخير، يُعرَف وتظهر قداسته في المؤمنين الذين لا يساومون على محبّته. ويبقى هذا، في سياق تنازل الله، دلالة ساطعة، في التاريخ، على أن الله حيّ ومخلّص كل الذين يمجّدونه ويشكرونه، وانه قدّوس في ذاته وفي الذين يعملون بحبّهم ودمهم 'من أجل خلاص العالم'. ليأتِ ملكوتك أو ' ليأتِ روحك القدّوس'، كما يقول نصّ قديم لإنجيل لوقا. وملكوت الله هو قوّة الله ونوره وفرحه ونعمته وملكه.... ولقد بدأ حقًّا، حسب شهادات الكتب المقدّسة، في التاريخ الخلاصيّ (ولو أنّ الشرور، في كلّ وجوهها، مازالت موجودة في العالم)، وهو سيُعلَن كاملاً في اليوم الأخير، وفق الوعد الصادق. في الطلبة الأولى صلّينا ' ليتقدّس اسمك'، وتقديس اسم الله، كما بيّنا معنى العبارة في مقالة آنفة، هو الذي يحضّ المؤمنين على أن يستعجلوا حلول ملكوته كاملاً. غير أنّ هذا لا يعني، حصرًا، أنّ إخلاص المخلصين هو الذي يدفع الله إلى أن ينهي 'أزمنة الناس'، فقد يكون العكس هو الصحيح (أنظر: لوقا 8: 18؛ متّى 24: 12)، بل إنّ حياتهم الصادقة هي، في جوهرها، كشف لهذا الملكوت العظيم وامتداد له. والواقع أنّ يسوع ردّد، في بدء كرازته، ما قاله يوحنّا المعمدان قبله ( والأنبياء عمومًا تناولوا، بوجه خاصّ، موضوع 'مُلك الله'...)، وهو: ' توبوا فقد اقترب ملكوت الله' (متّى 3: 2-4: 17 وما يوازيها). وهذا - في نداء يسوع - يعني أنّه حضر. أن نؤمن بحضور الملك يعني أن نقبل ملكوته وننتسب إليه. فليس ملكوت الله أرضًا أو سماء، ولكنّه شخص المسيح الذي 'فيه صرنا أبناء'، كما يقول أوريجانس. وليس هو، تاليًا، حدثًا أخرويًّا فحسب، وذلك أنّ 'ما لم تره عين أو تسمع به أذن أو يخطر على بال بشر' (1كورنثوس9: 2)، يمكن أن يذوق المؤمنون ومضاته هنا في هذا الدهر، وأن يمتشقوا إلى كماله، وذلك في طاعتهم برَّ الله وفي نشوة الأسرار المقدّسة وحياة الشركة. لقد ظنّ بعض الناس أنّ يسوع جاء ليؤسّس مملكة أرضيّة. وفي الواقع أراد بعضهم أن يختطفوه ليقيموه ملكًا (يوحنّا 15 :6). المفاهيم القديمة (الحروب والويلات والاستعمار الرومانيّ...) ساهمت في هذا التفكير واستعجال اليوم الأخير. وذلك أنّ الناس الأتقياء تجعلهم الأزمنة الرديئة أن ينتظروا تغيير أوضاعهم، أو أن يُبطل الله، بحضوره، الزمان والمكان ليحلّ عدله. والعبرانيّون ذاقوا قديمًا خبرة حكم الله، وقد أعطاهم الله - بعد أن ألحّوا عليه - أن تكون أرض إسرائيل مملكة زمنيّة يحكمها ملك يمثّل الله. وكانت السقطة. وتتالت الخيبات. فزاد شغفهم بالرجاء الآتي، وانتظار ذلك اليوم الذي يكون فيه الله 'الكلّ في الكلّ'، يوم يعود ويحكم هو نفسه ملكًا على شعبه ويوفّر لهم حياة ملؤها الخير والبركات. جاء يسوع، وأسقط كلّ المفاهيم المغلوطة. ورفض رفضًا قاطعًا اقتراح إبليس الذي عرض عليه أن يملك على 'جميع ممالك الدنيا ومجدها' (متّى8: 4 و9). وكشف أنّ 'مملكته ليست من هذا العالم'(يوحنّا 18: 36). وأدان كلّ تحريف أو ترقّب للملكوت الأخير ليس مؤسّسًا على 'السهر' (اليقظة) وطاعة الله. وذلك أنّه أراد أن يكشف مرّة وإلى الأبد أنّ الملكوت فيه، وليس هو شيئًا آخر. ولعلّ أصرح تعبير عن حقيقة الملكوت الذي أتى يسوع يعلنه 'ومكانه' (إذا جاز التعبير)، هو قول الربّ في إنجيل لوقا: 'ملكوت الله في داخلكم' (17 : 21)، وهو يريد أن يقول إنّ المؤمنين بي يشدّهم حبّهم إلى الملكوت الآتي، أو إنّ حبّهم ذاته يجعلهم يذوقون، في هذا الدهر، ما يرجونه في اليوم الأخير، أو، بلفظٍ آخر، هم الذين يدركون أنّ الهدف الرئيس في حياتهم هو أن 'يمتلكوا الله في نفوسهم'، وهذا، كما يقول الأب ليف (جيله)، لا يعني أن يحتجزوه 'في حياتهم الشخصيّة الضيّقة'، ولكن أن يعملوا ويناضلوا 'لكي ينشروه في ما حولهم'، وذلك أنّ الله الذي لا تهمّه الممالك والسلاطين يطلب قلوب البشر، فهو جاء من أجل البشر ومات عنهم لمّا أسلمه اليهود للصلب، وحكم عليه العالم، وهزأ به وعيّره، والحقّ أنّ العالم قضى على نفسه لمّا مات ابن الله على الخشبة. ما من شكّ في أنّ نصر يسوع كان فيه، هو مَلَكَ لمّا 'ذُبح'، وأضاء سلطانه نورًا ساطعًا وخبت كلّ أنوار العالم، وكان مكتوبًا فوق رأسه علّة الحكم: 'هذا يسوع ملك اليهود' (متّى 27: 37). لقد حكى يسوع الملك قصّته في هذه الطلبة وكشف سرّه. وهل أحلى من الصلاة عندما تكون حكاية؟ تكلّم يسوع كثيرًا، في أمثاله، على هذا الملكوت المدهش الذي فيه (استعمل يسوع عبارة 'ملك الله' 90 مرّة من أصل 120 في العهد الجديد)، وكشف أنّه عطيّة الله (يسوع هو عطيّة الله) وأنّه موهبة مجّانيّة يغدقها الله بابنه على الذين يوافقون بطاعتهم إرادة الروح ويحيون بعمقٍ فاعلٍ شركة الكنيسة (محبّة الله و الأخوة). نعم، إنّ يسوع حقّق ملكوته بإتمامه تدبير أبيه، ونحن ننتظر أن يظهره تامًّا في يومه، ولهذا نصلّي برجاء كبير: ' آمين! تعال أيّها الربّ يسوع' (رؤيا يوحنّا 22: 20). غير أنّ تعاليم يسوع حول الملكوت تبيّن، تاليًا، أنّ أنوار هذا الملكوت المدهش تضيء في العالم الذي مازال البشر فيه يريدون للشيطان سلطة، وذلك ليعرف الجميع أنّ كلّ إنسان - مهما عظمت خطاياه - قادر، إذا شاء حرًّا أن يرمي عنه رداء العار، على القيام والتجدّد، وذلك لأنّ نور الربّ يشرق على 'المقيمين في بقعة الموت وظلاله'. حين يصلّي المسيحيّون 'ليأت ملكوتك' فهم يوجّهون أبصارهم نحو اكتمال الملكوت راجين اعتلانه هنا بتقويض سلطة إبليس وخلاص البشر. ولكنّ هذا، في كلّ حال، لا يعني أنّ هذا الاكتمال المجيد يتعلّق بجهود البشر المخلصين الذين لا يحكمهم، في الدنيا، شرّ أو صنم، ولا يقبلون أن يلطّخوا شرف الآب وحكاية ابنه. فهؤلاء يعرفون أنّ اكتمال الملكوت سرّ يحفظه الله، وهم في وسعهم، بالشوق، أن يرجوا حضوره كاملاً، وأن يهيّئوا قلوبهم، بودّهم وإخلاصهم، لاستقبال هذا الملكوت الأخير الذي افتتحه يسوع بمجيئه وقيامته. لتكن مشيئتُكَ كما في السماء كذلك على الأرض ليست مشيئة الله في السماء 'إرادة حقوقيّة'، بل هي 'خلاص العالم' (راجع: يوحنّا 6 : 39- 40؛ وأفسس 1: 3 - 10)، أو كما يقول اللاهوتي الأرثوذكسيّ المعاصر أوليفييه كليمان: هي 'دفع تدفّق حياة، ما يعطي الوجود ويجدّده عندما يتيه'. وهذه المشيئة كشفها الله الآب، في ملء الزمان، في ابنه يسوع الذي لم يكن فيه 'نعم ولا، بل نعم وآمين' (2 كورنثوس 1 : 19)، وهي التي تطيعها الملائكة في السماء (مزمور 103: 20)، وتعلّيها صلوات القدّيسين (رؤيا 11: 4)، وهي، في الأخير، ما يريد الله أن تظهر في الكنيسة المجاهدة قبل أن يستقبلها في ملكوته الأخير بعد أن تكون قد تخلّصت من كلّ ما يناهض مشيئته. والله الذي بيّن صدقه وحبّه علانيةً يفعل ما يشاء باستقلاليّة تامّة وقدرة مطلقة. غير أنّ قصده يتحقّق، في العالم، من خلال جوابنا نحن البشر وطاعتنا له كأبناء أحبّاء. فهو يريدنا قدّيسين (1تسالونيكي 4 : 3). ولقد أعطانا روحه ليقوّم تقاعسنا ويقوّي فينا كلّ عزم لنكون موافقين وعاملين 'في سبيل رضاه' (فليبي 2: 13؛ عبرانيّين 13: 21). لقد رأينا في طلبتَيْ: 'ليتقدّس اسمك' و'ليأتِ ملكوتك'، أهمّيّة أن يكون الإنسان منفتحًا على متطلّبات الله في حياته. وهنا، في هذه الطلبة، نجد المعنى عينه، وذلك أنّ مشيئة الله لا تتمّ في الأرض كلاميًّا فحسب، ولكن بالفعل أيضًا، أي بطاعة الحياة. هذا ما أظهره يسوع 'في ضيعة يقال لها جثمانيّة' (متّى 26: 42 وما يوازيها)، إذ صلّى قبل آلامه بثقة كاملة واستسلام كامل وحرّ لمشيئة الله أبيه، استسلام هو، في حقيقته، تعبير عن خضوعه لأبيه وتواضعه أمامه (قال: لتكن مشيئتك لا مشيئتي). الربّ، في هذا النزاع الأخير، لم يطلب أن ينجّيه أبوه من الموت القريب، بل أراد أن يدلّ على تجاوبه وإرادةَ أبيه. وهذا ما يطلبه الربّ من الذين يرغبون بأن يعرفوا الله مخلّصًا وقدّوسًا: أن يتشبّهوا بيسوع فيثقوا بالله مهما كانت ظروفهم صعبة، ويبتعدوا عن كلّ شرّ يهاجمهم ويصلحوا أنفسهم دائمًا على ضوء رحمته ومحبّته (أنظر: رومية 12 : 1- 2). ما يبيّن، إذًا، أنّنا قَبِلْنا هذه الطلبة هو أن نتخلّى عن مشيئتنا. وذلك لأنّ 'من يتخلَّ عن مشيئته فهو قدّيس'، كما يقول أبونا البارّ يوحنّا السلّميّ (المقالة 9/17). وهذا (أن نتخلّى عن مشيئتنا) لا يعني، بالطبع، أن نكون بلا مشيئة، ولكن أن تصبح مشيئة الله هي إيّاها مشيئتنا. فالذين يطلبون مشيئة الله حقًّا هم أولئك الذين لا يقيمون وزنًا لما في هذا العالم من مغريات، وهم الذين مهما اشتدّت عليهم التجارب والمحن، لا يهادنون ولا يساومون على الحقّ، بل يقبلون النعمة التي أعطيت لهم بالمسيح الذي خلّص العالم من كلّ شرٍّ وموت لمّا استسلم كلّيًّا لمشيئة أبيه. يقول القدّيس كيرلّس الإسكندريّ: 'أولئك الذين يتوسّلون في صلواتهم أن تتمّ مشيئة الله على الأرض، ينبغي بالضرورة أن يحيوا هم أنفسهم بلا لوم، وألاّ يبالوا بالأمور الأرضيّة، بل أن يتحرّروا من كلّ دنس، ويقفزوا خارجًا من حفرة الإثم 'مكمّلين القداسة في خوف الله' (2 كورنثوس 7: 1). لا يُكرهنا يسوع على شيء، فهو لا يطلب منّا أن نقبل إرادته غصبًا عنّا، ولكن بحرّيّة تامّة. والحرّيّة هي صورته فينا. يريدنا أن ننفذّ إرادته لأنّه ربّنا، ولأنّه يعرف مصلحتنا أفضل منّا. لا يُكرهنا الله على شيء، لأنّنا أبناؤه، ولسنا عبيدًا. العبد ( قد) لا يقتنع دائمًا بما يريده سيّده، ولو نفّذ إرادته. أمّا الابن فيعرف أنّ أباه يحبّه فيطيعه في كلّ حال، ولو قسا عليه يعرف أنّ قسوته وجه من وجوه حبّه إيّاه. صحيح أنّ الأبرار يستعبدون أنفسهم لله (لوقا 17: 10)، ولكنّه هو لا يراهم عبيدًا، بل أبناء، يقول يسوع: 'لا أدعوكم عبيدًا بعد اليوم، لأنّ العبد لا يعلم ما يعمل سيّده. فقد دعوتكم أحبّائي لأنّي أطلعتكم على كلّ ما سمعته من أبي' (يوحنّا 15: 15). ولعلّه من المفيد أن نذكر أنّ بعض علماء التفسير رأوا أنّ عبارة 'كما في السماء كذلك على الأرض' لا ترتبط بهذه الطلبة حصرًا، ولكن بما سبقها أيضًا. وهذا ما أوحى به قديمًا العلاّمة أوريجانس بقوله: 'يمكننا أن نفهم عبارة متّى (كما في السماء كذلك على الأرض) بمعنى أوسع. فالصلاة المطلوبة منّا هي كالتالي: ليتقدّس اسمك كما في السماء كذلك على الأرض، ليأت ملكوتك كما في السماء كذلك على الأرض، لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض. فاسم الله قدّسه سكّان السماء؛ وملك الله أقيم فيهم؛ وإرادة الله تحقّقت فيهم. فكلّ هذه الأشياء التي هي ناقصة لسكّان الأرض، بوسعها أن تتحقّق إذا عرفنا أن نكون أهلاً لأن يستجيب الله لنا'. غير أنّ هذا التوسّع، يجب أن لا يولّد لنا، كما يقول الأب ليف (جيله)، فيما نتلو هذه الطلبة 'تأثيرات خاطئة'... لأنّه لا يمكن أن تجري مشيئة الله على الأرض تمامًا وكمالاً كما هي في السماء، وذلك لسبب بسيط، وهو أنّ الأرض ليست كاملة، أبديّة، نهائيّة كما هي السماء. الأرض مسيرة أمّا السماء فغاية. الأرض مؤقّتة تتكامل باستمرار وتتحسّن بغير انقطاع. أمّا السماء فهي نهاية، تكميل، كلّيّة. ولكن بين تحقيق المشيئة الإلهيّة في السماء وتحقيقها على الأرض تجاوب وتناظر وتقابل. إنّ السماء نموذج الأرض، أو بكلمة أصحّ هي إكمال وتتميم ذلك الذي يبدأ على الأرض'. في الأخير، تكشف لنا هذه الطلبة خلاص الله الـذي صالح، بمـوت ابنه وقيامته، السماء والأرض (السماويّين والأرضيّين) ووحّدهما به. هذه هي مشيئته التي خالفها الجـدّان الأوّلان في الفـردوس فأُخرجا خارجه بعيدًا عـن الله، والتي جاء يسوع متجاوزًا كلّ حدودٍ ومسافةٍ وضعتهما الخطيئة ليعيدنا إلى الله أبيه. وهو ينتظـر دائمًا أن نعمل نحن رضاه لتسـود مشيئته فـي الأرض، ليكون في الأرض نور السماء وحبّها وإخلاصها. خبزنا الجوهريّ أعطنا اليوم ثمّة جدل كبير ومعقّد بين علماء التفسير حول ما تعنيه لفظة 'جوهريّ' (epiousios) في هذه الطلبة. والواقع أنّ هذه اللفظة، التي استعملت في العهد الجديد حصرًا في الصلاة الربّيّة، يمكن أن تعني، في أصلها اليونانيّ، حسب اشتقاقاتها المتنوّعة: الخبز الضروريّ للعيش ( خبزنا اليوميّ )، الخبز من أجل المستقبل، أو خبز الغد...، أو الخبز الجوهريّ. وهذا المعنى الأخير هو الذي تستعمله كنيستنا الأرثوذكسيّة وتجده أكثر توافقًا وسياق الصلاة الربّيّة. ومع أنّ كلّ حصر لا يرى في هذه الطلبة سوى طلب الحاجات الأرضيّة هو ناقص، فإنّ طلبة الخبز الجوهريّ لا تهمل طلب حاجات الإنسان الضروريّة للحياة. وذلك أنّ الله الذي يحضّ المؤمنين على أن يطلبوا أوّلاً ملكوت الله وبرّه (متّى 6: 33)، يحمل أتباعه على أن يدركوا جوده وإحسانه هنا في حياتهم دائمًا، وأن ينتظروا منه كلّ شيء بثقةٍ لا تتزعزع. فإذا قال الربّ صلّوا: 'خبزنا... أعطنا'، فهو يريد منهم أن يتوجّهوا إليه معترفين به إلهًا وسيّدًا على حياتهم، وأن يثقوا بفعله وخلاصه في زمانهم الحاضر. يعلّمنا يسوع، في إنجيله، أن نتّكل على الله وحده في كلّ شيء (اطلبوا تجدوا، اقرعوا يُفتح لكم...). أن نتّكل عليه في كلّ شيء، أو أن نسلّم حياتنا له، هو أن نستلمها منه. نقول 'خبزنا... أعطنا'، والخبز هو من ضرورات هذه الحياة. هو، كما ترى التوراة، عطيّة من السماء وكرمًا من الله يتوّج عمل البشر. يسوع يريدنا دائمًا أن نطلب الخبز، في صلواتنا، من الله أبينا لنتعلّم أن نكون أمامه كالأطفال الذين ينتظرون كلّ شيء منه (متّى 7: 9 وما يوازيها). يقول القدّيس كيرلّس الإسكندريّ في شرحه هذه الطلبة: 'إنّه من الأليق جدًّا بالقدّيسين (أي المسيحيّين) أن يسعوا بكلّ جهد ليحسبوا مستحقّين العطايا الروحيّة. ولكن من جهة أخرى ينبغي لنا أن نفهم أنّه حتّى إذا ما كانوا يطلبون مجرّد الخبز العاديّ، إلاّ أنّه لا لوم عليهم البتّة في ذلك إذا كانوا يسألونه من الله حسبما يدعوهم المخلّص أن يفعلوا هكذا، لأنّ هذا يليق بتقوى حياتهم'. أن نطلب، إذًا، من الله خبز اليوم أمر يقينا من الاتّكال على ذواتنا حصرًا، أو أن ' ننهك أنفسنا باهتمام اليوم التالي'. فيسوع لا يريدنا أن نهتمّ بالغد أو بأيّ ملك أرضيّ، بل أن نؤمن بعناية الآب المطلقة (متّى 6: 25- 34)، بعنايته بنا 'اليوم'. وهذا ما يؤكّده أيضًا القدّيس كيرلّس بقوله: ' فالربّ إذ أوصاهم أن يسألوا من أجل الخبز، أي من أجل خبز يوم واحد. فهذا برهان واضح على أنّه لا يسمح لهم بامتلاك أيّ شيء، بل يطلب منهم أن يمارسوا الفقر اللائق بالقدّيسين'. ويقول أيضًا: 'إذًا فلنسأله ونحن ' ملقون كلّ همّنا عليه' (1بطرس 5: 7) ما يكفي لحياتنا، أي الطعام والكساء وكلّ ما يقوم بأود الحياة متجنّبين كلّ رغبة في الغنى. لأنّ ذلك يهدّد حياتنا بالدمار، وإن كانت هذه هي إرادتنا فإنّ المسيح يقبلنا ويباركنا'. عناية الله الآب بنا حقًّا 'اليوم' بيّنها يسوع بخاصّة في حادثة تكثير الخبز في البريّة (متّى 14: 14- 21)؛ الخبز الذي قدّمه أصلاً أناس من أجل غيرهم؛ فتكون، تاليًا، إرادة يسوع في تعليمنا أن نطلب الخبز هي أن نتحسّس جوع الآخرين وقلقهم وأن نطعمهم من 'خبزنا'، أن نسدّ جوع أخوتنا المنتشرين حولنا وفي العالم من عطايا الله. فهذه الطلبة لا تسمح للمسيحيّ بأن يعتقد أنّ الخبز الذي يطلبه من الله هو خبزه الشخصيّ فحسب، بل 'خبزنا' أيضًا، أي خبزه وخبز أخوته في آنٍ. ولعلّه من المفيد جدًّا أن نذكر هنا ما كتبه أوليفيه كليمان في شرحه هذه الطلبة، إذ قال: إنّ 'التقاسم يجب أن نمارسه أوّلاً ما بين إنسان وإنسان، عائلة وعائلة، ربّما في إطار رعايانا التي من المرغوب فيه أن تصير تقريبًا جماعات(شركويّة) رعويّة حقيقيّة. علينا أن نضع تصميمًا لذلك في محيطنا، أن نحبّذ الوصول إلى تحقيقه في مواقفنا المدنيّة، على صعيد الأمّة، في احترام الغريب، المهاجر واستقباله، لا لكي نتمثّله، بل بالمحافظة على ثقافته، إن رغب في ذلك. وعلى صعيد البشريّة التامّة، أكرر أيضًا ذلك. نستطيع أن نحلم، أن نقترح، أن نحدّد بدقّة نظامًا اقتصاديًّا عالميًّا. نحن بحاجة إلى علماء اقتصاد صارمين وواقعيّين، ولكن قادرين أيضًا على أن يضعوا علمهم في خدمة الصلاة'. ويتابع متوجّهًا إلى الله بقوله: 'أعطنا، نحن، جميع البشر، الخبز الضروريّ، وليكن أيضًا خبز الملكوت، خبز الحلم الأخويّ (المودّة الأخويّة) والجمال'. يرفعنا هذا القول الأخير إلى أن نرى في طلبة 'خبزنا الجوهريّ أعطنا اليوم' معنى أعمق من طلب الحاجات الأرضيّة، لأنّ يسوع الذي قال 'ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان' (متّى 4: 4) يريدنا 'اليوم' أن نطلب 'الخبز الجوهريّ'، وهذا، كما فهم الآباء عمومًا، يدلّ على كلمة الله التي يقرأها المؤمن في الكتاب المقدّس ويجدها في تعليم الآباء القدّيسين وفي مقرّرات المجامع المسكونيّة، وعلى 'الخبز النازل من السماء'، أي 'يسوع الإله المخلّص الذي يقدّم لنا جسده ودمه في سرّ الشكر (المناولة)' (كما يقول أوريجانس وكبريانوس وغيرهما)، وعلى خبز الملكوت، خبز مائدة اليوم العظيم الآتي. ثمّة مواقع عديدة، في العهد الجديد، يشبّه فيها الربّ ملكوت الله بمائدة (متّى8: 11، 26: 29، مرقس 14: 25 ولوقا 22: 18؛ رؤيا 19: 9). ذلك أنّه أراد أن ينشد أتباعه أوّلاً الحياة الأبديّة، وأن يعكسوا توقهم إليها في حياتهم اليوميّة، وأن يسمحوا للمحبّة بأن تغلبهم ليسود الملكوت في هذا 'العالم الحاضر الخدّاع' وتحلو الحياة لمن غلبه اليأس، ويرجو. يريدنا يسوع في هذه الطلبة أن نحبّ ملكوت الله، نطلبه ونمتدّ إليه، لأنّه هو وحده الحقيقة الواقعيّة الذي نرى ومضاته في محبّة الله والناس، بخاصّة أولئك الذين وحّد يسوع نفسه بهم وجعلهم مرقاتنا إلى وجهه المنوَّر. واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمن لنا عليه يتكلّم العهد القديم كثيرًا على مغفرة الخطايا. فالله الذي لا يحبّ الخطيئة ويجرحه ابتعاد شعبه عنه وتصلّب رقابهم، هو إله رحيم ومترئّف بشعبه، ويحبّهم كما يحبّ الأب أبناءه والعريس عروسه (هوشع 2: 1؛ إرميا 2: 2؛ حزقيال 16 و23)، وهو يعدهم بالمغفرة والحياة إذا قبلوا دعوته وعادوا إليه بالتوبة (مزمور 31 : 5؛ إشعيا 55: 7-9؛ إرميا 3: 12-14؛ حزقيال 18 : 31-32 وهوشع 14 : 2- 9...). وهذا عينه يتابعه العهد الجديد، فيكشف لنا أيضًا صورة الآب الغفّار والحنون الذي أرسل ابنه إلى العالم لينقذ الناس من شقائهم ويطّهرهم، بموته وقيامته، من خطاياهم ويلبسهم حلّة جديدة، هي إيّاها حلّة العرس. والحقّ أنّ الربّ ترك لنا كلّ 'ما علينا'، لا بل حمله هو (1بطرس 2: 24)، لمّا عُلّق مصلوبًا على رابية من روابي أورشليم. وكشف - على الصليب - أنّ محبّة الله تفوق بما لا يقاس كثرة خطايانا، وأنّ هذه المحبّة تطالنا فعلاً إذا سمحنا لله بأن تسكن رحمته فينا، وتركْنا نحن أيضًا بدورنا ' لمن لنا عليه'. من النوافل القول إنّ من يعترف بأنّ الله رحيم، هو بالضرورة يقرّ بأنّه إنسان خاطئ، وبأنّ الله، تاليًا، قادر على أن يعيد له مكانته الأولى، أي أن يصنعه جديدًا. وإذا فكّرنا قانونيًّا، فإنّ اعترافنا بذنوبنا يعني أنّنا لا نستحقّ مغفرة الله، بل عقابه. ولكنّ محبّة الله تمنعنا من أن نفكّر على هذا المنوال، لأنّ منطقه يخالف منطق هذا العالم وقوانينه. فهو يغفر للناس لأنّه يحبّهم، وليس لأنّ البشر يستحقّون (رومية 5 : 8). وهذا الفعل عينه يريدنا الربّ أن نترجمه مع الآخرين، وذلك أنّ من يقرّ بخطاياه لا يرى خطايا البشر شيئًا. وليس هذا فقط، ولكن أن نعرف أنّ كلّ شرّ يرتكبه أحد بحقّنا، ليس هو بشيء أمام الشرور التي نرتكبها نحن بحقّ الله. يقول القدّيس غريغوريوس النيصصيّ: 'إنّ ديون أخوتنا لنا، لو قارنّاها بتجاوزاتنا تجاه الله، لبدت وكأنّها بضع قطعة نقديّة لا تذكر، يسهل عدّها، قياسًا بالوزنات التي تلقّيناها من الله، وهي لا تحصى' (أنظر مثل 'العبد غير الشفوق'، في متّى 18: 23- 35). فالله يريدنا أن نغفر للآخرين ذنوبهم كما غفر لنا المسيح (أفسس 4: 32؛ كولوسي 3: 13)، وهو يرتّب غفرانه الأخير على أساس غفران البشر بعضهم لبعض. عظمة هذه الطلبة أنّها تحضّ المؤمنين على أن تكون أخلاقهم شبيهة بأخلاق أبيهم السماويّ. وهذا ممكن لا لأنّ الإنسان قادر عليه، بل لأنّ الله الآب نفسه يمكّن أخصّاءه منه. وهذا لا يفهمه الذين يصرّون على سلوك الطرق الرديئة - فهؤلاء لا يمكنهم أن يصلّوا هذه الطلبة أو يسلكوا بموجبها - ولكن الذين انتموا، برضاهم، إلى ملكوت الله. وإذا عدنا إلى موقع الصلاة في إنجيل متّى، نجد أنّ الربّ بعد أن علّم أتباعه هذه الصلاة، قال لهم: ' فإن تغفروا للناس زلاّتهم يغفر لكم أبوكم السماويّ، وإن لم تغفروا للناس لا يغفر لكم أبوكم زلاّتكم' (6: 14- 15). وهذا يفترض أن يتحمّل أتباع يسوع الحقيقيّون، في أحيان كثيرة، الظلم وأن يبتعدوا عن الحقد ويتنازلوا عن كلّ انتقام (أنظر متّى 5: 39- 40). فالرحمة واجبة في كلّ حال، وهي واجبة قبل الذبيحة. وذلك أنّ الله لا يرضى أن يقف أمامه عابدًا من أظلم قلبَهُ الحقد. يقول الربّ: ' فإذا كنتَ تقرّب قربانك إلى المذبح وذكرت هناك أنّ لأخيك عليك شيئًا، فدعْ قربانك هناك عند المذبح، واذهب أوّلاً فصالح أخاك، ثمّ عُدْ فقرّب قربانك' (متّى 5: 23- 24). وهذا يؤكّد أنّ الشركة مع الله تمرّ عبر مصالحة القريب، هذه المصالحة التي لا يؤجّلها أمر ولا حتّى تقديم العبادة لله نفسه. ومن الثابت أنّ الربّ أعطى المغفرة مكان الصدارة في حياة الجماعة، نقرأ: 'فدنا بطرس وقال له: 'يا ربّ، كم مرّة يخطأ إليّ أخي وأغفر له؟ أسبع مرّات؟' فقال له يسوع: لا أقول لك: سبع مرّات، بل سبعين مرّة سبع مرّات' (متّى 18: 21- 22). وهذا يجب أن نفهمه في سياق تصرّفات الله معنا. فالله الذي رحمته كاملة يدعونا إلى الاقتداء به. دونكم هذه القصّة الرائعة التي توضح أهمّيّة المغفرة: 'كان نيكفورس أنطاكيًّا من عامة الشعب التقيّ البسيط. وكان صديقًا حميمًا لأحد الكهنة ويدعى سبريسيوس. ثمّ حدث فتور بين الصديقين فنزاع فانقطاع. ودام ذلك زمانًا طويلاً، إلى أن أحسّ نيكفورس بخطئه فقرّر أن يسعى إلى الصلح. فأرسل بعض الأصدقاء المشترَكين إلى الكاهن مرّة ومرّتين طالبًا صفحه. غير أنّ الكاهن سبريسيوس رفض الاعتذار. ثمّ أرسلهم مرّة أخرى، ولكن من دون جدوى. أخيرًا ذهب نيكفورس نفسه إلى منزل الكاهن يلتمس المغفرة، ولكنّ هذا الأخير كان مصمّمًا على أن يصمّ قلبه عن كلّ اعتذار. وكانت الكنيسة، في ذلك الوقت (أواسط القرن الثالث)، تعاني اضطهادًا مريعًا... فأُمسك الكاهن سبريسيوس وسيق إلى الموت، وخيّره الولاة، قبل تنفيذ القضاء، بين العذاب فالموت وبين أن يجحد المسيح. فأبى أن ينكر الربّ... فعذّبوه، وحكموا عليه بقطع رأسه، وساقوه إلى موضع تنفيذ الحكم. علم نيكفورس بما حدث. فحزن وخاف أن يموت صديقه قبل أن يتصالحا ويتصافيا. فلاقاه على الطريق وانطرح عند قدميه طالبًا أن يغفر له. فازدراه ولم يجبه. فكرّر نيكفورس ما فعله مرّة وأخرى، حتّى إنّ الجنود الذين كانوا يسوقون الكاهن سخروا منه لأنّه يحاول نيل رضا إنسان لا يلبث أن يموت، فلم ينل منه سوى الازدراء. ولمّا انتهوا إلى مكان الإعدام، كانت نعمة الروح القدس قد فارقت ذلك الكاهن الحقود. ولمّا رأى سبريسيوس السيّاف يتهيّأ لقطع رأسه ارتعدت فرائصه هلعًا. فما كان منه إلاّ أن صرخ: 'لا تفعل، فأنا طوع أوامر القيصر وعبد للآلهة'. وقع هذا الكلام كالصاعقة على نيكفورس الذي كان مازال واقفًا ينتظر لعلّه يحظى بغفران الكاهن، واشتعل قلبه بالغيرة المقدّسة وأخذ يصرخ: 'أنا مسيحيّ، أنا مسيحيّ'. فأطلق الجنود سراح الكاهن الجحود الذي لم يطع قول الربّ (متّى 6: 14 -15)، وقطعوا رأس نيكفورس، فنال إكليل الشهادة جزاء تواضعه ومحبّته'. ما هو ثابت في كشوفات الكتب المقدّسة أنّ الله لا يغفر لنا لأنّنا نغفر نحن للآخرين. ولكن لأنّه يغفر ينتظـر أن نغفـر نحن أيضًا. فرحمـة الله أوّلاً تفهمنـا عملـه الخلاصيّ وتحدّد سلوكنـا مع الآخريـن، وهي تعطينـا أن نمتدّ إلى اليوم الـذي سيختار فيه الله مـن تشبّهـوا برحمة ابنه التي هي محكّ الإيمان الصادق والحقيقيّ. ولا تُدخلنا في تجربة لكن نجّنا من الشرّير هي آخر طلبة في الصلاة الربّيّة. السؤال الذي يطرح ذاته، هو: ما هي التجربة التي يطلب المؤمن من الله ألاّ يدخله فيها؟ ويتبعه سؤال آخر عالجته معظم تفسيرات الصلاة الربّيّة، وهو : من هو المجرّب؟ والجواب عن هذين السؤالين سنبيّنه في ما يلي. في الكتب المقدّسة وردت كلمتان متناقضتان بمعنى التجربة، هما: الامتحان والإغراء. الامتحان، هو طريقة تأديبيّة يمرّر الله فيها الإنسان (تكوين 1: 22؛ خروج 15 :25، 16: 4، 20: 20؛ تثنية 8: 2، 16؛ قضاة 2: 22، 3: 1 و4؛ 2 أخبار 31: 32)، لينقّيه كما ينقّى الذهب والفضّة (حكمة 3: 6؛ مزمور 66: 10)، هو (الامتحان)، إذًا، فرصة تساعد الإنسان على أن يكتشف إيمانه وتقوده إلى أن يحيا لله وحده. وأمّا الإغراء فهو حركة تردّد في النفس البشريّة بين النعمة الإلهيّة والخطيئة. المغري دائمًا هو الشيطان (أو الشهوة التي في داخل الإنسان)، وهي، بهذا المعنى، دعوةٌ إلى الموت (يعقوب 1: 13- 15؛ أنظر أيضًا: 1كورنثوس 7: 5؛ رؤيا 2: 10)0 وهذا (الإغراء الذي مصدره الشيطان) هو معنى التجربة في هذه الطلبة. هذه المقدّمة تردّ على الذين يتبادر إلى ذهنهم أنّ الله هو الذي يجرّب (يغري) الناس. فالله قدّوس ولا يمكن أن يعمل عمل الشيطان (سيراخ 15: 11 و12). ولكن، يقول بعض: إنّنا نتوجّه إلى الله في هذه الصلاة، ونقول له: 'لا تدخلنا في تجربة'. جوابنا هو: أنّ هذه العبارة لا تعني لا تجرّبنا، بل تعني، حسب المصطلحات الساميّة: لا تسمح بأن ندخل، أن نقع ونسقط، ويمكننا أن نترجم النصّ اليوناني هكذا: 'لا تجعلنا، أو لا تدعنا ندخل في تجربة. وكأنّنا نقول لله: لا بدّ من أن نُجرَّب (متّى 4: 1، 16: 22- 23، 26: 36 وما يوازيها)، لأنّك تريدنا أن نختارك أحرارًا، فلا تتخلّى عنّا وساعدنا في وقت المحنة، لأنّ الشرّير المغلوب لم يُبطل إغراءه، وأنت يا ربّنا 'نجّنا منه'. وهذا يعني أنّ أحدًا في الأرض لا يمكنه أن يختار الله سيّدًا على حياته ومعينًا له في شدائده ومحنه ومدافعًا عنه في أوقات التجربة إلاّ حرًّا. يقول الأب ليف (جيله): 'الله يفضّل أن يرى محبّته محتقرة ويدوسها الناس من أن يمسّنا ويضغط على حرّيتنا'. بيد أنّ هذه الطلبة تفيد أيضًا، وبشكل خاصّ، ازدياد الشرّ في 'آخر الأزمنة'، حيث يبلبل الشيطان وعبيده أفكار المؤمنين ليوهم الضعفاء بأنّه هو سيّد الكون وعريس الأمّة. وهذه التجربة هي واحدة من أقوى التجارب التي يمكن أن تواجه الإنسان، لأنّها يمكن أن توحي إليه بأن الله يتفرّج على الناس في محنهم ولا يتدخّل. فمن مثل هذه التجربة التي تقود إلى الجحود نطلب النجاة (لوقا 22: 31 و32). ولعلّ هذا ما دفع بعض المفسّرين إلى أن يترجموا هذه الطلبة هكذا: 'أيّها الربّ، احفظنا من الجحود'. وهذا يمكننا أن نشعر بوجوده، في هذه الأيّام، عن طريق الظلم والإباحيّة والشكّ الذي يثيره الألم، وعن اعتبار المسيحيّة إيديولوجيّة، أو مجموعة عادات وتقاليد قديمة، وعن إبدال حياة الشركة بالفرديّة أو الانفلاش أو الاستهتار أو التفرّج، وعن افتتان البشر بالعجائب وصانعيها... ويبقى أنّ هذا المعنى الأخير (ازدياد الشرّ في آخر الأزمنة) يحمل معنى آخر، ولعلّه الأقوى، وهو ما يرتبط بموقف الله الأخير، أي دينونته لكلّ إنسان، وكأنّ المؤمن يقول في هذه الطلبة: لا تجعلني، في يوم الدينونة، عن شمالك. غير أنّ الدينونة هي حكم الله الأخير على حياة كلّ إنسان ومواقفه وتصرّفاته هنا في الأرض. فكلّ سقوط في خطيئة يسبّب لنا، إن لم نتب عنها كلّيًّا، الانفصال عن الله. ولذلك فإنّ الإنسان المؤمن مدعوّ إلى أن ينضمّ إلى يسوع الغالب بموته وقيامته، ليخوض حربًا طاحنة ضد الخصم الأكبر (الشيطان) الذي يسعى إلى استعباد البشر. وهذه الحرب التي لا هوادة فيها سلاح المؤمن فيها غلبة الربّ ذاتها التي نذوق بركاتها في السهر وطاعة كلمة الله والاندماج الواعي في كنيسة خصّصت ذاتها لله. وهذا يفترض إيمانًا عميقًا واتّكالاً كاملاً على الله الذي 'بدونه لا نستطيع شيئًا'. فالله هو الذي يحمي شعبه من إغراء الخطيئة ويدافع - معهم - عنهم ليثبّت في الأرض مخطّط حبّه دائمًا. وذلك لأنّه آب رحيم وقائد الكنيسة وربّانها في بحر هذا العمر الهائج. يقول الرسول بطرس في رسالته الأولى ' كونوا قنوعين ساهرين. إنّ إبليس خصمكم كالأسد الزائر يرود في طلب فريسة له، فقاوموه راسخين في الإيمان، عالمين أنّ أخوتكم المنتشرين في العالم يعانون الآلام نفسها. وإذا تألّمتم قليلاً، فإنّ إله كلّ نعمة، الإله الذي دعاكم إلى مجده الأبديّ في المسيح، هو الذي يعافيكم ويثبّتكم ويقوّيكم ويجعلكم راسخين' (5: 8- 10). ثمّ إنّ الله الأمين في مواعيده لا يسمح بأن يجرَّب الإنسان فوق طاقته (1كورنثوس 10: 13؛ 2تسالونيكي 3: 3). وهذا يعني أنّه يمنحه، في ظروفه الصعبة، نعمة ابنه الحبيب (عبرانيّين 2: 10- 18)، ليتمكّن من أن ينتصر على كلّ شرّ يداهمه. فنصر يسوع الذي تمّ على الصليب هو حاضر في زمان أحبّائه الذين ولدوا من الله لئلاّ يمسّهم شرّ إبليس (1يوحنّا 5: 18)، ويثبتوا على إخلاصهم. يريدنا يسوع، في هذه الطلبة الأخيرة، أن نلتمس من الله الآب عونه ورضاه وحمايته من كلّ شرّ وشرّير يتربّص بنا في العالم. وهذا ما يلتقي وصلاة يسوع التي رفعها إلى الله أبيه من أجل تلاميذه في عشيّة موته، إذ قال: 'لا أسألك أن تخرجهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير' (يوحنّا 17: 15). فلنطلب إلى الربّ، فيما نتلو هذه الطلبة، برجاء كبير، أن يحفظنا هو اليوم وفي كلّ يوم في صلاته ومحبّته ويردّ عنا هجمات الشرّير، لأنّه حبيب الآب الغالب دائمًا. لأنّ لك الملك والقدرة والمجد... تختم الصلاة الربّيّة بتسبيح ليتورجيّ كان المسيحيّون الأوائل يتلونه باطّراد (لأنّ لك الملك والقدرة والمجد أيّها الآب والابن والروح القدس الآن وكلّ أوان وإلى دهر الداهرين، آمين). وهذا التسبيح يخصّ المؤمنين جميعًا، ولو أنّ الكهنة يعلنونه وحدهم في الخدم الليتورجيّة. ما يؤكّده الدارسون أنّ هذا التسبيح غير موجود في المخطوطات القديمة، ولا نجده قبل القرن الثاني المسيحيّ (في كتاب الديداكيّة). غير أنّ أهمّيّته، فيما يدعم استعماله تقليد الكنيسة الحيّ وطقوسها وإيماننا بأنّه يعكس مشيئة يسوع، أنّه يدعونا إلى إتمام الصلاة بالتضرّع إلى الله المثلّث الأقانيم. فبعد أن عظّمنا، في الصلاة التي علّمنا إيّاها يسوع، الله في سماواته وقدّسنا اسمه وطلبنا حلول ملكوته وعاهدنا مشيئته ورجونا فرحه الأخير (هنا في حياتنا أيضًا) وغفرانه وحمايته، نسبّحه، ثالوثًا، كملك وقدير ممجّد، نسبّحه لأنّ إتمام ما قلناه (في الصلاة الربّيّة) يخصّه، لأنّه القادر على أن يساعدنا عليه. فالصلاة الربّيّة لا يمكن لأحد من الناس أن يتمّمها بقدرته الذاتيّة، ولكن بنعمة الله ودعمه. نختم الصلاة، إذًا، بتسبيح. والتسبيح أحد عناصر الصلاة الحيّة وذروتها، أو هو، كما يسمّيه المطران جورج (خضر) 'الدعاء الأكبر' . هو والصلاة يطلبان بعضهما بعضًا ويحرّك أحدهما الآخر. هما معًا يساعدان المؤمن على الارتقاء نحو 'وجه الآب' الكلّي القدرة والجمال. وتسبيح الله على صفاته وعلى صنائعه هو خصوصًا ركيزة رجاء المؤمنين. فكلّما وقفنا، مؤمنين، أمام الله لنسبّحه على حبّه المجّانيّ وملكه وقدرته ومجده، يزداد رجاؤنا فيسكب الله علينا ما يساعدنا على التسبيح مجدّدًا. يبدأ هذا التسبيح بلفظة 'لأنّ'، التي تؤكّد أنّ الله الذي توّجهنا إليه في الصلاة الربّيّة قادر على إعطائنا ما طلبناه، لأنّنا أبناؤه، ولأنّ ما طلبناه هو ضمن إمكاناته. الملك، كما ورد معناه في المزمور 102: 19 ('ملكوته يسود الجميع') يفيد سيادة الله على الخليقة، علينا، كملك، وهو ما رجوناه في طلبة 'ليأت ملكوتك'. وهو الأمر الذي لا يرضى عنه الشرّير الذي طلبنا من الله في الصلاة، بإلحاح، أن ينجّينا منه ومن كلّ تجربة تصدر عنه. فالشرّير يكره التسبيح ويعتبره كذبًا. ويثير المؤمنين محاولاً أن يمنعهم من إتمامه. ولذلك قلنا أعلاه بضرورة أداء المؤمنين هذا التسبيح، لأنّهم بذلك يبيّنون أنّ الشرّير الذي يريد تقويض مملكة الله هو الكاذب، كما وصفه يسوع، ومصدر الكذب، ويبيّنون، تاليًا، أنّ الله هو 'ملكهم قبل الدهور' الذي 'يصنع الخلاص في الأرض' وينقذهم من براثين الشرّير. أمّا قدرة الله فتدلّ، كونها والمجد من صفات ملكه، على سيادته التي يظهرها في إحسانه على خليقته الحرّة. هي ليست قدرة متهكّمة أو متعسّفة، ولكنّها القدرة التي تبيّن أن الله صالح في جوهره وصالح في تدبيره الخلاصيّ. وإذا قلنا لله 'لك المجد' فإنّنا نريد مـن قـولنا أن نؤكّد أنّ الله صانعنا وفادينا. هو، الآن وكلّ أوان وإلى دهـر الداهرين، مجيد في ذاته وفي ما يعمله في العالم. ونريـده أن يكون مجيدًا في قلوبنا التي لا يمـلك عليها إن لم نقدّمها له أحرارًا كأبناء حقيقـيّين. وهـذا يفترض تعهّدًا منّا بأنّنا لن نخون حبّه أبدًا. وأنّنا سنلتزم، ما حيينا، تسبيحه وعبادته في كلّ وقت. ومن قدر على اتّخاذ هذا القرار، بجدّيّة كاملة، يشركه الله في حياته الإلهيّة ويورثه الملكوت الـذي أعدّه لأحبّائه والمخلصين له. ولعلّه من المفيد أن نذكر أنّ موقع الصلاة الربّيّة التي يتلوها المؤمنون في القدّاس الإلهيّ هو بعد استحالة القرابين وقبل تقدّمهم من مناولة جسد الربّ ودمه. وهكذا يكون هذا التسبيح إعلان الكنيسة المجتمعة التي تمجّد الله الحاضر والآتي في آخر الأزمنة. فالإفخارستيا شأنها أن تنبّه المؤمنين أو تذكّرهم بأنّ هذا الملكوت الآتي حاضر الآن وهنا، وهم يمكنهم أن يذوقوه بالشوق والواقع 'الآن' ويقبلوه 'الآن' في اجتماعهم المقدّس. فكنيسة المسيح المجتمعة حوله هي 'المكان' (إذا جاز التعبير) الذي يحضر فيه الله المثلّث الأقانيم بمجده، يحضر ليرفعهم إلى 'فوق'، إلى 'المكان' الذي أعلنوا في الخدمة عينها أنّهم منتمون إليه. كلّما قلنا لله المثلّث الأقانيم: 'لأنّ لك الملك والقدرة والمجد'، فلنذكر أنّه ملك وقدير وممجّد باستقلال عنّا، وأنّ هذا التسبيح يكون صلاتنا الحقيقيّة إذا قبلناه ملكًا وحيدًا على حياتنا، وفهمنا أنّه معيننا ومنقذنا، بقدرته، في أوقات الفوضى وفي كلّ وقت. ولنذكر، تاليًا، أنّنا إذا تخلّينا، في حياتنا، عن كلّ مجد زائل يريد العالم أن يوهمنا أنّه أبديّ، يهبنا الله المجد الحقيقيّ في يوم الفرح الأخير ويعترف بنا أنّنا أبناؤه حقًّ |
||||
16 - 09 - 2014, 02:45 PM | رقم المشاركة : ( 6138 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
آيات من الكتاب المقدس عن الصلاة
1- فدعوا الرب الرحيم باسطين اليه ايديهم فالقدوس من السماء استجاب لهم سريعا" (سفر يشوع بن سيراخ 48: 22) 2- "باركوا الرب يا عبيد الرب سبحوا وارفعوه الى الدهور" (تتمة سفر دانيال 1: 85) 3- "ايها الرب الاب يا اله حياتي لا تتركني ومشورة شفتاي" (سفر يشوع بن سيراخ 23: 4) 4- "اسْمَع يَا رَبُّ صَلاَتِنَا وَتَضَرُّعِنَا، وأنْقِذَنَا لِأجْلَك، وَأَنِلْنَا حُظْوَةٌ أَمَام وُجُوه الذين أَجْلُونَا" (سفر باروخ 2: 14) 5- "صرخ كل الشعب إلى الرب بابتهال عظيم، وذَلَّلوا نفوسهم بالصوم والصلاة هم ونساؤهم" (سفر يهوديت 4: 8) 6- "تضرُّع الفقير يبلغ إلى أذنيّ الرب؛ فيجرى له القضاء سريعاً" (سفر يشوع بن سيراخ 21: 6) 7- "أُبَارِكُ الرَّبَّ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَفِي كُلَّ حِيِنٍ تَسْبِحَتَهُ فِي فَمِي" (سفر المزامير 34: 1) 8- "سَمِعَ الرَّبُّ تَضَرُّعِي. الرَّبُّ يَقْبَلُ صَلاَتِي" (سفر المزامير 6: 9) 9- "مُبَارَكٌ الرَّبُّ، لأَنَّهُ سَمِعَ صَوْتَ تَضَرُّعِي" (سفر المزامير 28: 6) 10- "أَحْبَبْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَسْمَعُ صَوْتِي، تَضَرُّعَاتِي" (سفر المزامير 116: 1) 11- "اَلَّلهُمَّ اِلْتَفِتْ إِلَى مَعُونَتِي. يَا رَبُّ أَسْرِعْ وَأَعِنّي" (سفر المزامير 70: 1) |
||||
16 - 09 - 2014, 02:46 PM | رقم المشاركة : ( 6139 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصلاة بين الصراخ والتمجيد وخرّ عند قدمي يسوع شاكراً المطران بولس المطران حلب "أشكرك يا ربّ لأنّك لم تستجب لي"!!! * الأولى أنّه اكتشف فيما بعد أن طلبه الذي لم يتحقّق لم يكنْ في صالحه، لأنّه لم يكن يعلم آنذاك ما هو صالحه. والآن بعد مرور الزمن ظهر أن الصمتَ الإلهيّ على ذلك الطلب كان دراية بمصلحة هذا الإنسان وعناية به وليس هجراناً وتغاضياً. * أو بالحالة الثانية، أنّه كانت لهذا المسيحيّ درجة من الإيمان بعناية الله وصلاحها وبمحبّة سيده لدرجة، يعرف فيها أن الصمت الإلهيّ أو التلبية في حالتيهما هما الإجابة الإلهيّة الصالحة والموافقة للإنسان. وأن الطلب يعقبه الشكر عليه قبل الإجابة، بغضِّ النظر عن نوعها. الإجابة الإلهيّة هي صالحُنا بغضِّ النظر عن مقدار وكيفية إدراكنا لها. وتتكرر هذه الحالة في حادثة الأبرص العاشر، ففي النصّ الإنجيلي مشهدان: الأوّل هو مشهد صرخة قلبية متألمة متضرعة، بأجمل العبارات، التي أحبها الأدبُ المسيحيّ وتبنّاها الرهبان والعلمانيون كصلاة دائمة "يا يسوع ابن داؤود ارحمنا". والمشهد الثاني هو العبد السامري الذي عاد وشكر، عند هذا المشهد توقف يسوع وأشاد به. تكون الصرخة الصلاة من القلب، وكما يقول القدّيس مكسيموس المعترف، لسببَين: السبب الأوّل هو الشعور بتردّي الوضع البشريّ، أي الملل من ذلك الوضع الذي يضيِّق على الإنسان. وفي حالتنا هنا في النصّ، كان وضع البَرَص مؤلماً جداً. فالأبرص عند اليهود ملعون، ومعزول، ومطرود من المجتمع ولا يُتعامل معه ومحروم من المحبّة. وبَرَصُهُ هذا كان دليلَ خطيئته. فهو إلى جانب وضعه الجسدي المتردي كان يعاني من وضعه الإنسانـيّ والاجتماعيّ المتردي أيضاً. وإذا كان مرض البرص شكلاً من أشكال تردي الوضع البشريّ، فإن أي ظرف آخر لا يقل عن البرص حرجاً وألماً ينـزع من داخلنا صرخة قوية "يا يسوع ارحمني". البرص الروحي، الخطايا الشخصيّة، الآلام الداخلية والنتانة الحقيقيّة، هذه كلّها البرص الحقيقيّ، أعمال الظلمة هي التي تفتك دائماً بكثير من الناس. وهذا البرص الخفي إذا ما عاينه الإنسان في ذاته هو كافٍ ليدفعنا إلى تضرعٍ قلبيٍّ وصلاة حارة. إن معاينة الذات تدفع فينا الرغبة الشديدة لتجديد هذه الذات، وتدفعنا إلى الطلب بحرارة. ولكن من أين لنا أن نعرف ذواتنا، دون الهدوء ومراجعة الحسابات ومراقبة النفس والتصرّفات؟ وذلك كلّه على ضوء وصايا الإنجيل ونموذج حياة القدّيسين، بالإضافة إلى المطالعات الروحيّة الدائمة والاعتراف المتواتر! فهذه كلّها إذن يجب أن تسبق الصلاة لتكون هذه الأخيرة صادقة وصارخة أما السبب الآخر للصلاة الحارة فهو إدراك مقدار العطاء وحجم المحبّة الإلهيّة، كما نجده في المشهد الثاني، لذلك السامري الذي عاد وشكر، فهو ما يلفت انتباهنا ويستحق منا التأمل به. غالباً ما نتوجّه إلى الله مرّات عديدة متضرّعين وسائلين، وعندما ننال سؤالنا، كما حصل مع التسعة البرص السابق ذكرهم، عندما نحظى بما نريد، لا نعود إلى الله شاكرين. يجب ألا تكون "الحاجة" هي المسألة بيننا وبين الله كهدف وغاية. عندما يحتاج الابن يطلب ولكن تلبية هذا الطلب هي مجرّد "علامة" على عناية الأب بابنه. كلّ ظرف بالحياة، من ضيق أو ألم أو احتياج أو فقر أو عوز، هو فرصة توجهنا إلى الله بصرخة قلبية وبصلاة طلب، لكن يجب أن تصير بعدها سبباً "للقاء" مع العناية الإلهيّة ولشكر الربّ. فصلاة الطلب أي الصراخ القلبي يجب أن تقودنا إلى صرخة التمجيد والشكر. لا يمكننا أن نفهم الله كخادم لطلباتنا، بل كمعتن بنا. كلّ طلب يستجاب هو إشارة على تدخل الله في حياتنا وسبب لكي نحوّل صلاتنا إلى الشكر. ظروف الحياة ليست مستقلة بحد ذاتها كغايات، وإنّما هي ظروف نتعامل فيها مع الله فنكتشف حبه وعنايته بنا. صرخة التوجع حين تُستجاب إما بتحقيقها أو بالصمت يجب أن تنقلب إلى تَسبحة. المسألة ليست حلاً لمشاكل أو حاجات. إنّما المسألة هي أن نسير مع الله وأن يسير هو معنا، أنّه عمانوئيل الذي جاء يحمل معنا وعنا أتعابنا. الصلاة الحقيقيّة هي تلك التي تبدأ بالطلب وتنتهي بالتمجيد، وبالعكس كلّ صلاة هي مزيفة إذا لم تنته بالشكر والتسبيح. تبدأ صلاتنا بطلبات إلى الله الذي نتكلّ عليه ويجب أن تنتهي بتسبحة الشكر لله الذي نكتشفه بعنايته أباً وراعياً. نبدأ إذن طالبين أموراً لحياتنا، فنجد ونلتقي حياتنا، التي هي "هو". نبدأ كالتسعة وننتهي كالعاشر. صلواتنا وطلباتنا طريق لمعرفة الله وللقياه والحياة به. |
||||
16 - 09 - 2014, 02:47 PM | رقم المشاركة : ( 6140 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الصلاة هي الجواب الإنسان بصَلاتِه. لا هو بقواه الفكرية ولا النفسية ولا الجسدية ولا بما يقتنيه. كل هذه تموت. إذاً ليست هي بشيء. عابر سبيل. ليس الإنسان مشروع موت بل مشروع حياة. لو كان الإنسان يولد أصلاً ليموت لما كان هناك معنى لوجوده ولا قيمة. حياته تكون تافهة وموته تافه. في حسّه العميق توّاق هو إلى الحياة. وليس توّاقاً إلى الحياة وحسب، بل ما يسري فيه، في مياهه الجوفية العميقة، يمدّه بتيّار الحياة بلا انقطاع. لو لم يكن مجرى الحياة في الإنسان دفّاقاً لما أمكنه أن يستمر، أن يندفع إلى الأمام، يوماً بعد يوم. لو ملأه حسُّ الموت دون الحياة لتوقّف عن الحياة في الكيان وزال. اذاً الحياة، في الواقع والخبرة، هي ملء الإحساس في الكيان ولو كان الإنسان ليموت. الحياة الأبدية لديه بديهية كيانية. هذا مزروع فيه. هكذا انبرأ. الموت شيء طارئ وليس من طبيعة الإنسان. السؤال هو: من أين تأتيه الحياة وليست له حياة في ذاته إذ كل نفسٍ ذائقةٌ الموت؟ صدّق أو لا تصدّق: من الصلاة! الصلاة هي التي تصله بنبع الحياة الأبدية، بالله. الصلاة هي حبل الصرّة الذي يمدّ الإنسان بالحياة. لهذا السبب بالذات يستبين القول الإلهي بديهياً أنّه "ينبغي أن يُصلَّى في كل حين ولا يُمَلّ" (لو 18: 1). وكذا "صلّوا بلا انقطاع" (1 تسا 5: 17). وإن قلنا صلاة قلنا صلة بالله. وأما الله فوحده يسوع قدّمنا إليه. هو قال: "مَن رآني فقد رأى الآب" و "ليس أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي" و"ليس أحد صعد إلى السماء إلاّ الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء". والله، كما كشفه الربّ يسوع، بات واضحاً لعين الإيمان مَن يكون. يسوع كشف وجه الآب وأرسل لنا الروح القدس. من الآن فصاعداً إن قلنا "الله" قصدنا "الإله الواحد"، "الآب والابن والروح القدس". هذا مَن نصلّي إليه. هذا مَن بتنا على صلة به. ليس أنّ الله واحد أو ثلاثة في العدد، أو واحد وثلاثة في آن معاً. الله لا يُعدّ لأنّه لا يُحدّ. الوحدة هي الملء وفوق الملء والكمال والتمام. الوحدة هي الجوهر الواحد، هي الطبيعة الواحدة. لذا كل ما في الآب وللآب والابن والروح القدس واحد. ومع ذلك هكذا تجلّى: آباً مميَّزاً عن الابن مميَّزاً عن الروح القدس بلا اختلاط ولا تشويش. هذا هو الإله الواحد الذي نصلّي إليه، إذاً. وهذا انكشف بيسوع. فمَن ليس له الابن ليس له الآب أيضاً ولا له الروح القدس. على هذا، من بعد يسوع، متى قلنا "الله" قصدنا "الآب والابن والروح القدس"، أو قصدنا "الآب" أو "الابن" أو "الروح القدس" وفق ما يُستدَلّ من سياق الكلام. وحتى لو قصدنا "الآب" أو "الابن" أو "الروح القدس" فإنّ الثالوث يبقى حاضراً كلّه لأنّه ليس أيٌّ من الأقانيم قابلاً لأن يكون معزولاً عن الأقنومَين الباقيين. هذه المداخلة كانت لازمة لنعرف مَن نصلّي إليه. الصلاة إلى الله، بالمعنى العام للكلمة، لم تعد كافية. إذاً ليست كل صلاة صلاة. الموضوع ليس موضوع فرْض. الموضوع موضوع وداد وصلة بإله تعرف مَن يكون لأنّه انكشف لك. على هذا نقول إن غاية الحياة البشرية هي الانوصال في المحبّة بالله، آباً وابناً وروحاً قدساً، وأداةُ هذا الانوصال هي الصلاة. الصلاة، بهذا المعنى، هي أهم عمل يمكن أن يقوم به الإنسان وأكثر الأعمال قربى إلى قلب الإنسان لأنّ الصلاة، ووحدها الصلاة، هي الجواب على شوق الإنسان وتوقه ونزوعه إلى الحياة الأبدية. ولأنّ الصلاة هي على هذه الأهمية المركزية في حياة الإنسان فإنّ كل شيء يعمله الإنسان هو إما تهيئة للصلاة وإما ثمرة لها، كل شيء بلا استثناء. اسمعوا هذه النبذة من سيرة البار نيقيطا الكييفي المتوحّد المعيَّد له في 31 كانون الثاني: هذا استقامت سيرته في وقت لاحق، ولكن في مطلع سعيه وقع في تجربة قاسية. كان يريد أن يصل إلى الرفعة بسرعة. طلب من الله موهبة صنع العجائب. احتال عليه عدوّ الخير. ظهر له إبليس كأنّه ملاك. أول ما قاله له: "لا تصلِّ. فقط اقرأ الكتب لأنّك من خلال الكتب سوف تجد نفسك في حوار مع الله وسوف تتمكّن من إسداء النصح للناس الذين يأتون لزيارتك". وانطلت على نيقيطا الحيلة. توقّف عن الصلاة واستغرق في القراءة حتى لمع. درى الآباء القدّيسون بأمره فصلّوا وطردوا إبليس من أمامه فنسي كل ما كان يعرفه من الكتب. حتى القراءة نسيها بالكلية...". أوردتُ لكم هذه النبذة لأقول لكم كل ما يُبعدكم عن الصلاة إلى الله ليس من الله بل من الشيطان، عدوّ الخير. قد يخطر ببالكم فكرٌ يقول لكم يكفيكم أن تعملوا أعمالاً صالحة. هذه تعادل الصلاة، لا بل هي أهمّ منها. لا تصدّقوا! إذا لم تَصُبَّ أعمالكم، مهما كان ظاهرها برّاقاً، في الصلاة فإنّها لا تنفعكم شيئاً ولا تعطيكم الحياة الأبدية. من دون صلاة، في أعمالكم، ولو بدت خيِّرة، الكثيرُ من الهوى والكبرياء والمجد الباطل، من حيث تدرون ولا تدرون. لو كانت أعمالكم نقيّة حقّاً، لكانت تدفعكم، بصورة تلقائية، إلى الصلاة. لو كانت لمجد الله فعلاً، ولخير الآخرين دون تباهٍ، لما أمكنها إلاّ أن تحرِّك نفوسكم إلى الصلاة لأنّ الصلاة هي كمال الأعمال الصالحة. الصلاة هي ثمرة الروح القدس لكم. لذلك نقول، استطراداً، إنّ كل ما يصرفكم عن الصلاة من أعمال وأفكار، كقراءة الكتب والأعمال الإنسانية والنشاطات المختلفة هي مشروعات نفسانية فكرية أهوائية تصبّ في فخاخ عدوّ الخير. لا تُضحّوا بالصلاة مهما كانت الاعتبارات لديكم لأنّ الصلاة هي الجواب وهي الحلّ لكل هَمّ ولكل مشكلة. كل شيء تعملونه اعملوه بروح الصلاة. وتذكّروا ما قلتُه لكم: كل الأعمال والتدابير في حياتكم إما أن تكون تهيئة للصلاة أو ثمرة لها. فإن داومتم على أموركم اليومية بهذا الفكر نفعتم أنفسكم دنيا وآخرة وتيسَّرت أموركم، وإن ضحّيتم بالصلاة لكل عمل أو نشاط فإنّكم تتعبون عبثاً ولا تنتفعون شيئاً. لا تنسوا: الإنسان صلاة. بالصلاة يصير إنساناً وبدون الصلاة يتحوّل آلة أهواء وشهوات |
||||