![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 51 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() تدريب الميل الثاني ![]() قال السيد الرب "من سخرك ميلًا، فأذهب معه اثنين. من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضًا" (مت5: 40، 41). وبنفس الوضع تحدث الرب عن الخد الآخر، فقال "من لطمك على خدك الأيمن، فحول له الآخر أيضًا" (مت5: 39). وكأنه أراد أن يقول: كن مظلومًا لا طالمًا. وكن مصلوبًا لا صالبًا. لا تنتقم لنفسك. إن الذات تريد أن تأخذ حقها، وتأخذه بنفسها، وهنا على الأرض، وبسرعة على قدر الإمكان. أما تعليم الرب لنا في إنكار الذات فهو: "لا تقاوموا الشر" (مت 5: 39). ![]() لا تجعل ذاتك تتدخل، لتنال حقوقك أو لتنتقم. واذكر قول الكتاب "لي النقمة. أنا أجازي، يقول الرب" (رو12: 19). ومع أن النقمة للرب، لكن لا تطلبها منه لنفسك. بل الكتاب يقول: "المحبة لا تطلب ما لنفسها" (1كو13: 5). ولماذا لا تطلب ما لنفسها؟ لأنها بعيدة عن الذات، بعيدة عن الأنا التي تطلب.. تدريب آخر في التخلص من الذات، وهو قول الرسول: "لأحيا لا أنا.." (غل 2: 20). |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 52 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الكبرياء تلد المجد الباطل والبر الذاتي المجد الباطل Vain Glory هو المجد المتعلق بأمور المادة والعالميات، وليس المجد الخاص بالروح ومركزها في الأبدية. والمنشغل بالمجد الباطل يسره مديح الناس له، أو مديح نفسه له. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 53 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() بر الذات وأخطر ما يتعب الإنسان روحيًا، أن تمدحه نفسه من الداخل. ويظن في نفسه أنه قد وصل، أو أن فيه شيئًا يستحق الإعجاب من الآخرين. حتى من غير أن يمدحه أحد من الخارج، تكبر نفسه في عينيه من الداخل. ويكون "حكيمًا في عيني نفسه" (أم 26: 5) أو "بارًا في عيني نفسه" (أى 32: 1)، وهذا ما يسمى بالبر الذاتي. وفيه "يرتئي الإنسان فوق ما ينبغي له أن يرتئي" (رو12: 3). ![]() ومديح النفس قد تكون له أسباب دنيوية أو أسباب روحية: فالأسباب الدنيوية هي أن تمدحك ذاتك من أجل مركز عالمي وصلت إليه، أو من أجل غنى أو جاه، أو جمال جسدي، أو شهرة، أو ذكاء، أو قدرات معينة في العمل أو في الترفيه عن الآخرين، أو في الحيلة، أو الدهاء، أو القدرة على قهر الآخرين، وما إلى ذلك من أسباب. أما عن مدح النفس لأسباب روحية: ![]() فكأن تمدحك نفسك بسبب صلواتك أو أصوامك أو مطانياتك، أو خدماتك الروحية للآخرين، أو قدرتك على التأمل، وفهم الكتاب وحفظه واستخدامه، أو بسبب توبتك أو نموك الروحي، أو بسبب بعض الفضائل التي تظن أنك قد وصلت إليها.. ![]() وتزداد خطورة مديح النفس، إن ارتبطت بالمقارنة أيضًا. فلا تظن فقط أنك بار، وإنا أكثر برًا من الآخرين. أو تظن أن خدمتك أنجح من خدمة غيرك. وأن تأملاتك أعمق، ومستواك الروحي أعلى..! وبالتالي ترى باستمرار أن غيرك أقل منك.. ![]() وتزداد خطورة إن اقترنت باحتقار الآخرين أو الإقلال من شأنهم. أو إدانة الناس، والحديث عن مستواهم الضعيف وفهمهم الضئيل، والمقارنة بين نجاحك وفشلهم.. وقد يصل الأمر إلى حد مواجهة الآخرين، وتوبيخهم على أعمالهم وأخطائهم. وربما تنسب إليهم ما ليس فيهم من الضعفات والنقائص والأخطاء. وتفرض عليهم مستواك، أو ما تظن أنك قد وصلت إليه من مستوى ومن فهم. ![]() أو أن تفرض رأيك على غيرك، موقنًا أنه الرأي الوحيد السليم، بعكس ما يقوله الغير. وهكذا تكون "حكيمًا في عيني نفسك" (أم 3: 7). ويدفعك الإحساس بالحكمة والفهم، إلى التشبث برأيك أو موقفك مهما كان خاطئًا! وإلى الجدل والمناقشة حتى إلى درجة العناد.. ومقاطعة الآخرين لكي تتكلم أنت.. ومعارضة كل من لا يوافقك فهمه.. وربما في كل هذا تفقد صداقة الناس ومودتهم، أو أنك تفقد الروح الاجتماعية، والتعاون مع الآخرين واحترام الغير.. ![]() والإنسان الذي تمدحه نفسه، من الصعب أن يعترف بأخطائه. ربما لأنه لا يجد لنفسه أخطاء يعترف بها! أو لأن الكبرياء الداخلية تدفعه إلى تبرير أعماله أيًا كانت، أو التماس الأعذار لها.. هو لا يرى نفسه مخطئًا. ولا يقبل من غيره أن يراه مخطئًا. وهكذا يكون "بارًا في عيني نفسه" (أى 32: 1). ومادام هو بارًا في نظرته إلى نفسه، فبأي شيء يعترف؟! ![]() الاعتراف هو أولًا إدانة النفس من الداخل. ثم إعلان ذلك. والمتكبر لا يدين ذاته.. لا يرى أنه قد اخطأ. وإن وُجد خطأ، ينسبه إلى الظروف المحيطة به، أو يلقى التبعية فيه على غيره. أو يسمى أخطاءه بأسماء روحية، ويحاول أن يلبسها "ثياب الحملان" (مت7: 15). ويضع وراءها نيات طيبة ومقاصد روحية، تجعلها تبدو على غير حقيقتها سليمة لا عيب فيها! ![]() وإن كان لا يعترف بخطئه، فبالتالي لا يعتذر لغيره. في كل خصومة بينه وبين أحد من الناس، يعتبر أن الطرف الآخر هو المخطئ والطرف الآخر هو الذي يجب ان يعتذر، وهو الذي يجب أن يسعى إلى المصالحة! مادام لا يعترف في داخله أنه قد اخطأ، فبالتالي لا يعترف بخطأ أمام الأب الكاهن، ولا يذهب لمصالحة الطرف الآخر قبل الذهاب إلى التناول من الأسرار المقدسة، لأنه "لا يتذكر أن لأخيه شيئًا عليه" (مت 5: 23، 24). وإن حاول أحد أن يقنعه بأنه مخطئ، يدخل في متاهة لا تنتهي من المناقشات وقلب الحقائق. ويجد أمامه ميزانًا خاصًا تقيم به الأمور ويحكم عليها حسب مفهوم خاص غير مفهوم للآخرين! ![]() إن البار في عيني نفسه، يود أن يكون بارًا أيضًا في أعين الناس. فهو إما أن يعلن عن هذا البر ويحكى عنه للآخرين، وإما أن يدافع بكل جهده عما يشين هذا البر من نظرات الناس إليه. وإما أن يأخذ مظهرًا معينًا يقنع الناس ببره، مهما كانت داخلياته! وإما أن يحيط نفسه بأصدقاء ومريدين يتحدثون عنه بالصلاح كل حين. ويمتدحونه.. أو أن يحيط نفسه باستمرار بمن هم أقل منه سنًا أو معرفة أو مركز أو درجة روحية، حتى يبدو الأكبر أمامهم في كل وقت. ولا يعطى فرصة لأي نقد يُوجه إليه. لأن كل المحيطين به يمجدونه ويمدحونه، وربما يستشيرونه في كل شيء أو يتتلمذون عليه.. ![]() أما المتواضع فهو يقارن نفسه باستمرار بمستويات أعلى منه. وأمام هذه المستويات الأعلى، تصغر نفسه في عينيه، ويرى أنه لا شيء.. وهو يبحث باستمرار عما هو أكمل وأعلى، شاعرًا أنه لم يصل بعد إلى المستوى المطلوب منه.. إنه يضع أمامه قول الرب "كونوا قديسين لأتى أنا قدوس" (1بط 1: 16). وأيضًا قوله "كونوا أنتم أيضًا كاملين، كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (مت 5: 48). والمستويات العليا التي ينظر إليها، قد تكون من الأمثلة الحية أمامه. أو يجدها في تاريخ القديسين وفي شخصيات الكتاب المقدس. بل حتى في مثاليات من العلمانيين الفاضلين.. وكما قال القديس بولس الرسول "أنسى ما هو وراء، وأمتد إلى ما هو قدام. أسعى نحو الغرض" (فى 3: 13، 14). وكلما امتد إلى قدام، ينظر إلى الكمال الموضوع أمامه، فيقول "أيها الأخوة، أنا لست أحسب نفسي أنى قد أدركت" "ولكنى أسعى لعلى أدرك" (فى3). كان أحد الرهبان كلما حورب بالمجد الباطل بسبب جهاده الروحي، يقول لنفسه: ألعلي قد بلغت إلى درجة الأنبا أنطونيوس أو الأنبا بولا؟! ![]() الإنسان المتواضع إذا حورب بالبر الذاتى، يتذكر خطاياه.. يتذكر ماضيه السابق وكل ضعفاته وكل سقطاته وكل خطاياه. وحينئذ تخف عليه الحرب فلا يتكبر. إن القديس بولس الرسول الذي تعب أكثر من جميع الرسل (1كو15: 10)، والذي صعد إلى السماء الثالثة (2كو12: 2، 4) كان يقول "أنا الذي لست مستحقًا أن أدعى رسولًا، لأنى اضطهدت كنيسة الله" (1كو15: 9). مع أن ذلك حدث في ماض ٍقد انتهى وغفره له الله، ودخل بعده في عهد جديد مع الرب "كإناء مختار يحمل اسمه أمام أمم وملوك" (أع 9: 15). ولكنه يُذكر نفسه بذلك الماضي فيحيا في اتضاع.. وبالمثل كان داود النبي يقول "خطيتي أمامي كل حين" (مز50). ![]() إن أتتك أفكار البر الذاتي، أذكر نعمة الله العاملة معك. تذكر أن كل خير فيك لست أنت سببه أو مصدره. إنما هي نعمة الله التي عملت فيك وقوة الله التي عملت فيك، وقوة الله التي سندتك. وأنك بدون الله ما كنت تستطيع أن تفعل شيئًا (يو15: 5). فلا يليق أن تأخذ عمل الله وتنسبه إلى نفسك وتنسى عمل النعمة. لأنك إن نسبت عمل النعمة إلى نفسك، قد تتخلى عنك النعمة فتسقط. وذلك لكي تعرف ضعفك، ولكي تعترف بضعفك. ولكي تخاف من البر الذاتي، وتحترس من الافتخار الرديء. وقد تسقط في الخطايا التي انتقدت الناس عليها، وظننت أنك أقوى منهم في مواجهتها. حقًا إن البار في عيني نفسه، يتخيل أنه قوى وأنه يستطيع! ![]() أيضًا لكي تتخلص من ابر الذاتي، أنظر باستمرار إلى الأبدية. لا تحاول أن تبنى مجدك على الأرض، فالمجد الأرضي مجد باطل. ولا تحاول أن تنال أجرك هنا، فكله أجر زائل. إنما باستمرار اعمل من أجل أبديتك. وقل لنفسك لا أريد ههنا شيئًا.. حاول أن تزهد في كل كرامة دنيوية وكل كرامة بين الناس. وأطلب شهادة الرب لك لا شهادة البشر، ولا شهادة نفسك لنفسك. ليكن كنزك في السماء، وليس على الأرض (مت6: 19). ولا تجعل المجد الأرضي يفقدك المجد السمائي. وإلا تكون أنت الخاسر. ![]() أذكر أيضًا طبيعتك الضعيفة القابلة للميل والقابلة للتغير. هذه الطبيعة القابلة أيضًا للسقوط. واعرف أنك لست أقوى من الأقوياء الذين سقطوا. فقد كُتب عن الخطية أنها "طرحت كثرين جرحى. وكل قتلاها أقوياء" (أم7: 26). لذلك أذكر أنك إن تهاونت ولو قليلًا، أو إن تخلت النعمة عنك ولو قليلًا، ما أسهل أن يتغلب العدو عليك.. ![]() إذن احفظ نقاوة قلبك بالاتضاع. لأنه بالاتضاع تلصق بك النعمة (يع4: 6). فتستطيع بها أن تغلب. قل لنفسك: أنا مازلت سائرًا في الطريق، ولم أصل إلى نهايته بعد، والعبرة كلها بالنهاية , فلأكن إذن محترسًا، ومتذكرًا قول الرسول: "من يظن أنه قائم، فلينظر لئلا يسقط" (1كو 10: 12). وإله السماء قادر أن يحفظك بالاتضاع، ويعطيك النصرة من عنده. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 54 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الكبرياء تلد المجد الباطل، والمجد الباطل يلد محبة المديح والكرامة
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 55 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() محبة المديح المديح شيء، ومحبة المديح شيء آخر. وقد يُمدح الإنسان ولا يُخطئ، ولكنه لو أحب المديح يكون قد أخطا. آباؤنا الرسل مُدحوا، والقديسون والشهداء مُدحوا أيضًا. ولكن كل هؤلاء لم يخطئوا. فليس الخطأ في أن يسمع الإنسان مديحًا، وإنما في أن يحب هذا المديح ويُسر به حينما يسمعه. ![]() هناك نوعان من الناس لا يهوون المديح: أولهما نوع يهرب من المديح الذي يأتي إليه. سواء كان مديحًا من الناس، أو مديحًا من الشياطين، أو من نفسه. والنوع الثاني يتمادى في الهروب من المديح والكرامة، حتى أنه ينسب لنفسه عيوبًا كثيرة. وحتى يُظهر عن نفسه جهالات ونقائص تحط من قدره. ولو أدى الأمر أن يُقال فيه ما ليس فيه. وهذا النوع توجد عنه قصص كثيرة في سير الرهبان والراهبات. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 56 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() أنواع الذين يحبون المديح الذين يحبون المديح درجات متفاوتة في الخطأ. ![]() إنسان يأتيه المديح دون أن يسعى إليه. وعندما يسمع المديح، يسر به ويبتهج، على الرغم من أنه لم يسع إليه. وهذا الصنف من محبي المديح على درجات وأنواع: أ- إنسان يسر بالمديح، ويسمعه في صمت، وهو قابع في مكانه: صامتًا ومسرورًا في داخله، دون أن يشعر به أحد. ب- إنسان آخر يسمع المديح، ويتسبب في الاستزادة منه. أي يظل يقول بعض عبارات تجعل الذي يمدحه يزيد في مديحه. كأن يجره من موضوع المديح إلى موضع آخر يُمدح منه، أو نقطة أخرى في نفس الموضوع تستحق المديح. أو يلجأ إلى أية وسيلة تجعل مادحه يزيد المديح. ج - هناك إنسان يحب المديح وهو مسرور. ويتظاهر بعدم السرور بالمديح أو يرفضه، مع أنه مسرور من الداخل. ويظل يتمنع فيزيد الآخر في مدحه. أو يذكر عن نفسه نقائص وهو لا يقصد أن يعيبها أو يشينها. بل في قرارة نفسه يريد أن يسمع المزيد من المديح. ![]() أصعب من النوع السابق قليلًا: إنسان لم يأته المديح، ولكنه يشتهى أن يسمعه. وفي اشتهائه يسلك أحد طريقين: ![]() أ- يشتهى المديح، ويظل صامتًا حتى يصله، متحيلًا أسباب يسمع بها المديح. كأن يبدأ موضوعًا معينًا، يشمل عملًا قد عمله يستحق فيه مديحًا. أو يجر الكلام خطوة خطوة، حتى يصل إلى النقطة التي لابد أن يسر بها الناس ويمتدحونها، ويمدحونه بسببها. ب- أو أنه يشتهى المديح، فيعمل أعمالًا صالحة أمام الناس، لكي ينظروه فيمدحوه. كما قال الرب عن الذين استوفوا أجرهم على الأرض (مت6). ![]() وهو أصعب من النوعين السابقين. وفيه إنسان يحب المديح ويشتهيه. لكن المديح لم يأته بعد، على الرغم من أنه ينتظره ويتحيل له أسبابًا.. فماذا يكون رد فعله على انتظاره المديح بلا نتيجة؟ إنه يصل إلى درجة أخرى. فيها يكره من لا يمدحه ويعتبره عدوًا، ويكون بينهما سوء تفاهم. ذلك لأنه لم يلاحظ بعد ما فيه من صفات فاضلة تستحق المديح، وما قام به من أعمال توجب له تقدير الناس.. نعم إن هذا الإنسان لم يضره في شيء حتى يصير عدوًا، إنما يكفى أنه لم يمدحه ببعض الكلام الطيب. لم يقابله مقابلة لطيفة، ولم يقدم له احترامًا زائدًا، ولم يكرمه إكرامًا من نوع خاص! مثل هذا الإنسان الذي يكره من لا يمدحه، ماذا يفعل إذن بالذي ينتقده؟! إن كان الساكت فقط عن مدحه، أصبح موضع كراهيته، فكم إذن يكون شعوره من جهة ناقديه؟! ![]() هناك نوع آخر يشتهى المديح، ويُسر عندما يسمعه، ويكره من لا يمدحه. ولكنه لا يكتفي بذلك. بل هو يمدح نفسه إذا لم يجد أحدًا يمدحه. فيتكلم عن أعماله الفاضلة التي عملها وتستحق المديح. وفي نفس الوقت يخفى خطاياه الشخصية هذا الإنسان هو الذي يتحدث كثيرًا بالخير عن نفسه. ![]() إنه أصعب كثيرًا من ذلك النوع السابق الذي يمدح نفسه. ذلك لأن مديح النفس من صنفين: واحد منهما -الذي ذكرناه- وهو الذي يمدح نفسه بما فيه. فيظل يتكلم عن أفعاله المجيدة التي عملها، وعما توجد فيه من صفات حسنة. أما الصنف الثاني -الذي نذكره حاليًا- فهو حالة إنسان يمدح نفسه بما ليس فيه. وينسب إلى نفسه فضائل ليست عنده، بل يدعيها ويتخيلها. أو يذكر صفات حسنة عنده، ولكنه يبالغ في الحديث عنها ويكبرها.. أو أنه ينسب فضيلة غيره إلى نفسه! فإن كان مشتركًا في عمل، قد تم نجاحه بمجهود مجموعة من الناس.. فإنه حينما يحكى عن هذا العمل، يركز على نفسه فقط كما لو كان هو وحده السبب في نجاح العمل، وليس مجرد مشترك فيه، لكي يكون المديح له وحده. متجاهلًا كل الذين اشتركوا في العمل وساهموا في نجاحه، وكأنهم لم يكن لهم وجود ولا مجهود!! بل قد يحدث في بعض الأوقات ما هو أسوأ من هذا: أن ينسب إلى زملائه في العمل كمية كبيرة من العيوب، ويتهمهم بالتقصير أو الضعف، ويخفى حقهم ودورهم. كأن يقول عن واحد منهم -على غير حق- أنه لم يستطع أن يتكلم، وكان متلعثمًا حتى تضايق الناس منه.. إلى أن تدخل هو وقال الرد الصحيح. أي أنه كان بطل الموقف بينما أخطأ غيره!! مثل هذا الإنسان لم يمدح ذاته فقط، بل أضاف إلى امتداح نفسه، أنه ذم الآخرين وشهر بهم. وبنى كرامته على امتهان الآخرين! ![]() وعن التواضع الذي هو عكس هذا النوع من مديح النفس: أذكر قصة راهب فاضل كان ينكر ذاته جدًا. فحينما كان يعمل في خدمة الدير عملًا حسنًا، ويدرك أنه لابد سينال مديحًا بسببه، كان يشرك معه راهبًا آخر في جزء ضئيل جدًا من العمل. أو في نهاية العمل يطلب من أحد الرهبان أن يساعده. فإن مُدح على ذلك العمل بعد إتمامه، يقول "بارك الله أبانا فلان الذي تم العمل على يديه".. وهكذا ينسب إليه الفضل، حتى يُبعد المديح عن نفسه. هناك مثل آخر واضح في لعبة كرة القدم. فلو كان كل لاعب في الفريق يبحث عن مدح نفسه، سيفشل الجميع. لآن كلا منهم يريد أن يكون الهدف بواسطته وحده! ولكن بروح الفريق يلعب الجميع. وقد يسير أحدهم بالكرة حتى يصل إلى قرب المرمى، ثم يمرر الكرة لغيرة فيكسب زميله الهدف ويمتدحونه. المهم هو انتصار الفريق وليس فردًا معينًا منه. فإن كان هذا في الروح الرياضية، فكم بالأكثر تكون الحياة الروحية. إن الإنسان الذي يسعى إلى مدح ذاته، متجاهلًا باقي الناس والظروف المحيطة، وقد يتجاهل عمل نعمة الله معه، إنما يمدح نفسه بما لا يستحق.. ![]() وهو يمثل أردأ نوع من محبي المديح. إذ قد تصل محبة المديح بشخص إلى الدرجة التي فيها يجب أن يكون المديح له وحده. ويتضايق إذا مُدح شخص آخر غيره. أو يغتاظ إن شاركه أحد في المديح. فهو يريد أن يُمدح وحده وليس غير. وإن مُدح أخر يغار ويحسده، ويحقد عليه ويتكلم عنه بالسوء. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 57 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الخطايا التي تنتج عن محبة المديح والكرامة ما أكثر الخطايا التي تنتج عن محبة المديح والكرامة. نذكر من بينها: 1 - الرياء: محب المديح قد يصير إنسانًا مرائيًا، لا يعطى صورة حقيقية عن نفسه. فهو يخفى النقط السوداء التي فيه، ويُظهر فقط النقط البيضاء التي تجلب له المديح. وإخفاء النقط السوداء يتدرج فيه إلى نواح كثيرة. وكذلك إظهار النقط البيضاء التي تجلب له المديح. وإخفاء النقط السوداء يتدرج فيه إلى نواح كثيرة. وكذلك إظهار النقط البيضاء يتدرج فيه إلى نقط خطيرة. وبهذا يقع في عيوب لا تحصى. ![]() مادام محب المديح يخفى عيوبه، فبالتالي لا يقبل أن يُوجه إليه أي عيب. فيكون إنسانًا يكره الانتقاد. وإذا انتقده أحد، فإنه لا يحتمل. وربما لا يقف فقط عند حد عدم الاحتمال، بل قد يتطور به الأمر إلى الغضب والنرفزة والثورة إلى آخر هذا الطريق. فكيف ينقده شخص ويقول عنه كلمة سيئة؟! وكيف يذكر له عيبًا معينًا؟! لهذا فإنه يثور ويضج، ويتعب من الداخل ومن الخارج. كما أنه يُتعب معه الآخرين أيضًا. وكل هذا بسبب محبته للمديح والكرامة. ![]() وهنا يجب أن نعلم أن علاج أنواع كثيرة من الغضب، هو ألا يكون الإنسان محبًا للمديح ولا للكرامة. لأن كثيرًا من غضبنا يكون مصدره هو محبة المديح، إذ لا يحتمل الإنسان كلمة إهانة أو نقد أو أية إساءة. ![]() محب المديح قد يكره من لا يمدحه. ويكره أيضًا بالأكثر من ينتقده. كما يكره من يمدح غيره أمامه. لأنه يريد المديح له وحده! ![]() محبة المديح والكرامة هي من الأسباب الأساسية للحسد. فالحاسد يريد أن يأخذ مركز غيره ومكانته عند الناس. ولا يريد أن يكون غيره أفضل منه. فلهذا يحسد كل من يراه موضع التقدير والإعجاب! ![]() يقع محب المديح في هذه الأخطاء. ذلك لأنه يحب أن يكون جميع الناس أقل منه. لذلك فهو يشوه أعمال الغير، لكي يكون هو وحده الذي بلا عيب. ولهذا فإنه يقع في إدانة الآخرين، وفي التشهير بهم. كما يقع في السب، وما إلى ذلك من انتقاص حقوق الآخرين. ![]() يخسر محبة الذين ينتقدهم، ومحبة أصدقائهم وأقاربهم. ويخسر محبة من لا يعجبه هذا الأسلوب في تشويه الآخرين. ![]() 7 - هو أيضًا يحب المتكآت الأولى: ولأنه يحب العظمة، فإنه يتنازع مع الناس على المتكآت الأولى، ويدخل في خصومات وفي مشاكل مع من يجلس في المتكآت الأولى، كما لو كان ذلك الشخص يغتصب حقًا من حقوقه، أو لا يعترف بمكانته وأولويته! إنه يريد باستمرار أن يكون هو الأول والمتقدم والبارز والظاهر، والمختص بالاحترام والهيبة. وكل من ينافسه في هذا، لابد ان يسئ إليه، ويتكلم عنه رديًا. ![]() إن كان الإدعاء يوصله إلى مركز مرموق بين الناس، فلا مانع عنده ان يكذب ويدعى ما ليس فيه من مواهب وصفات. وربما يختلق قصصًا وأحداثًا لإثبات ذلك. ![]() يتمكن بها من أن ينزع بها الظاهرين من مراكزهم، لكي يبقى هو وحده في الصورة، بلا منافس وبلا شريك في العظمة وفي إعجاب الناس. ![]() فقد تؤدى بمحب المديح إلى اشتهاء موت الآخرين لكي يأخذ مكانهم، أو على الأقل يشتهى فشلهم وعزلهم، لكي ينال موضعهم. فإن كان وكيلًا، وليس له رئيس، فإنه يتطلع إلى منصب هذا الرئيس، ويشتهى وظيفته بأية وسيلة! ويطلب أن يُزاح من مكانه، لكي يجلس هو على كرسيه، ويتخيل خيالات توصله إلى ذلك، كأن تقدم شكاوى ضد هذا الرئيس، ويحقق معه، وتثبت إدانته ويُعزل، ويصبح الجو ممهدًا أمامه هو، ويخلو له المكان. وربما لا يسمح له ضميره أن يقول كلمة سوء عن رئيسه. ولكنه ينتظر بفارغ صبر أن تقال تلك الكلمة من غيره، فيفرح بها ويُسر، ولا يدافع عنه مع معرفته الأكيدة بأنه برئ. ولكنه لا يشهد بشهادة في صالحه! فلننظر كم من الخطايا قد وقع فيها مثل هذا الشخص، لفساد قلبه! ![]() فكيف ينصحه غيره؟ هل هذا الغير أفضل منه، أو يفهم أكثر منه؟! بينما هو العارف والفاهم والعالم، والناصح والموجه والمرشد!! بل قد يتطور المر معه، فلا يحتمل إنسانًا ينصح آخر أمامه. لأن النصح والإرشاد هما له فقط! هو الذي ينصح. وهكذا يتضايق دون ان يدرك أحد لماذا تضايق! إنه يغلى من الداخل. وإذا سُئل عن سبب ضيقه، لا يستطيع أن يقول السبب. ![]() وربما إذا سُئل غيره في وجوده، أو احترم الناس غيره في وجوده، لدرجة شعر بها أنه كان الأحق بهذا الاحترام، أو أن الاحترام الذي قد وجه لغيره كان أكثر مما وجه إليه، يتضايق ويتعب في الداخل، ولو من أجل سبب بسيط، كأن يدخل إنسان، ويسلم على غيره باشتياق أكثر أو باحترام أكثر! فهذا الإنسان المحب للمديح يصبح متعبًا. فهو لا يحتمل الناس. كما أن الناس أيضًا في مثل الحالة لا يحتملونه.. ![]() لأنه لا يسير على مبدأ واحد، وليست له خطة واضحة. وإنما إن كان هذا الأمر يسبب له المديح فإنه يفعله. وإن كان عكسه يأتى بالمديح، فإنه يفعل العكس! إنه يتلون مع الناس كيفما كانت صورهم وأساليبهم واتجاهاتهم: مع الوقور يكون وقورًا ومتزنًا. ومع المهزار يكون مهزارًا!! "ولكل شيء تحت السماء وقت". والوقت عنده هو مجال المديح: مع محب الكلام يكلمه كثيرًا لكي يُمدح على قدرته على الكلام. ومع الذي يحب الصمت، يصمت هو أيضًا لكي يُمدح على صمته. إن كان الدفاع عن الحق يجلب له المديح، فإنه يدافع عنه. لا حبًا في الحق، وإنما حبًا في المديح! وإن كان الدفاع سيغضب البعض منه، فإنه لا يقول الحق لئلا يغضبهم. وبذلك يخسر مديحهم له!! إنه يريد المديح وكفى، بأية طريقة وبأية وسيلة. ولا مانع من التلون مع الناس، لكي يصل إلى مديحهم له! يلبس لكل حالة لبوسها - ويتخذ أمام كل إنسان صورة وشكلًا وتصرفًا ليكسب رضاه ومديحه: أمام إنسان يحب الاتضاع، يجلس بوقار في اتضاع، ويعمل الأعمال التي يُمدح عليها كمتضع. ومع المتكبر يكون في صورة من العظمة التي يحبها. ![]() يعيش في شقاء وتعاسة. يفقد سلامه الداخلى ك يشتاق إلى الكرامة. فإن لم تأته، يتعب ويشقى. وإن أتته يفرح ويُسر. ولكنه يفرح وقتيًا، ويلازمه الشقاء: إما لخوفه من ضياع تلك الكرامة، أو لاشتياقه إلى كرامة أفضل. ويعيش في تعب، لأن الكرامة الأفضل لم تصله بعد وسلسلة التعب النفسي معه تتوالى ولا تنتهي. ![]() وهذه تقوده إلى باقى الشرور. الكبرياء تدفعه إلى محبة المديح. وإن نال هذا المديح يزيد مقدار الكبرياء عنده. ويتحول إلى الغطرسة. ![]() لأن كل الفضائل التي يجهد ذاته في عملها، تتشوه تشويهًا شاملًا إذ يدخلها حب المديح فيفسدها، أو يكون حب المديح هو هدفها، وليس حب الخير! فلا تصبح له فضيلة على الإطلاق، لآن كل فضائله قد تشوهت بسبب فساد الهدف والدافع إليها. ![]() ولا جزاء له عند الله، لأنه أخذ أجرته على الأرض. إذ يقول له الرب في اليوم الأخير إنك استوفيت أجرته على الأرض مديحًا وكرامة وعظمة. ولا تستحق شيئًا عندي في السماء (مت6: 2، 5، 16) إنك -لست من أجل الرب- عملت الفضائل بل من اجل كرامة تنالها من الناس، وقد نلتها وانتهى الأمر. فضائلك كانت من أجل ذاتك لكي ترتفع هذه الذات أمام الآخرين، وقد حصلت على ما تريد. فماذا بعد؟! وهكذا يخسر الإنسان الملكوت الأبدي والعشرة مع الله وقديسيه. وبسبب نزاعه مع الناس في محبته للكرامة، يخسر الناس أيضًا، لأنهم لا يحبون المتغطرس والمتكبر، ويشمئزون من سعيه وراء المديح. فيتعرض بهذا إلى ازدرائهم واحتقارهم، كلما يمتدح نفسه أمامهم. ![]() وصدق ماراسحق حينما قال: من سعى وراء الكرامة، هربت منه. ومن هرب منها بمعرفة، سعت إليه. إن كان الأمر هكذا، فكيف ينجو الإنسان إذن من محبة المديح والكرامة؟ |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 58 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الهروب من المديح والكرامة: يمكن الهروب منهما بإخفاء الفضائل والبعد عن الرئاسات
|
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 59 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() إخفاء الفضائل طالما فضائلك ظاهرة أمام الناس، فأنت عرضة للمديح.. فإن أردت أن تهرب من مديحهم، عليك بقدر إمكانك أن تخفى فضائلك وأعمالك الحسنة. ليس معنى هذا أنك لا تعمل شيئًا حسنًا أمام الناس. وإنما لا تعمل أمامهم بهدف أن تنال مديحهم. فإن كان العمل ضروريًا ولا يمكنك إخفاءه عن الناس، فعلى الأقل لا يكون هدفك وقصدك هو محبة المديح، بل عمل الخير ذاته. ![]() ![]() وقد تعرض القديس أوغسطينوس لهذه المسألة في تفسيره للعظة على الجبل: يقول الرب "احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم، وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات" (مت 6: 1). ويقول أيضًا "فليضئ نوركم هكذا قدام الناس، لكي يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذي في السموات" (مت5: 16). فهل يوجد تناقض بين القولين؟ وكيف نوفق بينهما؟ يقول القديس أوغسطينوس في هذا الموضوع "ليس هناك تناقض. لأن العيب ليس في أن ينظر الناس أعمالكم الحسنة. إنما العيب هو أن تعملوا الأعمال الحسنة لكي ينظروكم. فينبغي عليك أن تعمل الخير سواء نظرك الناس أو لم ينظروك. لا يكن هدفك أن يراك الناس وأنت تعمل الخير، ولا أن يمدحوك. بل اعمل الصالح، لا لكي تتمجد أنت به، بل لكي يتمجد الله "لكى يمجدوا أباكم الذي في السموات". يقول البعض إنهم يعملون الصلاح لكي يكونوا قدوة أمام الناس. ولكن علينا أن نفهم أن للقدوة مواضع، وأناس مفروض فيهم بحكم موضعهم أن يكونوا قدوة. مثل رجال الإكليروس والقادة والمسئولين والرسل والأنبياء والرعاة. فهؤلاء إن لم يكونوا قدوة، سيعثرون الآخرين. أما الإنسان المتواضع، فإنه لا يرى في نفسه شيئًا يقتدي به الناس. ويحاول أن يهرب من مواقف القدوة بحجة أنه خاطئ وضعيف. وعلى عكس هذا يُظهر نقائصه وضعفاته. ومع ذلك قد يصبح قدوة باتضاعه.. ![]() وكلما حاربه الفكر أن يكون قدوة، يقول لنفسه: لا أستطيع أن أكون مرائيًا، أظهر بغير حقيقتي. ويصرخ أمام الله قائلًا: أنت تعرف يا رب ما بداخل القبور المبيضة من عظام نتنة. إن كنت أنت برحمتك قد سترتني، وأخفيت عيوبي عن الآخرين، هل استغل أنا هذا الستر، لأمثل دور القدوة؟! بينما أنا إنسان خاطئ بعيد عن حياة البر!! أما الذي يريد أن يصير قدوة، فلكي يظهر أمام الناس حسنًا يجوز أن يقع في الكبرياء والرياء. فيجب أن نرضى الله لا الناس. ![]() فلا يكن هدفنا أن نكون قدوة، حتى لو صرنا قدوة بتدبير من الله. هكذا كان الآباء القديسون يتركون تدبير أمر معين في الفضيلة إذ اشتهر عنهم ويعملون غيره، إذ كانوا يهربون جدًا من المديح، ولكن ليس معنى هذا أن تترك كل تدبير حسن تسير فيه لئلا يأتيك المديح بسببه، بل اثبت في كل تدريب صالح من أجل نموك الروحي وليس لكي ينظرك الناس. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 60 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() البعد عن الرئاسات * الإنسان المتواضع لا يسعى وراء المناصب والرئاسات. بل في حكمة يهرب منها. وقد نبغ في ذلك كثير من آباء الرهبنة ومنهم القديس بينوفيوس الذي عرفنا قصته من يوحنا كاسيان مؤسس الرهبنة في فرنسا. كان القديس بينوفيوس رئيسًا على دير يضم أكثر من مائتيّ راهبًا في منطقة البرلس. وكان متضعًا جدًا ومُهابًا، وله مكانة عند الكثيرين. إذ كانوا يحبونه بسبب قداسته وحياته الفاضلة، ولمواهبه العظيمة التي منحه الله إياها وأيضًا بسبب كهنوته، ولأنه شيخ وقور. جلس هذا القديس ذات يوم إلى نفسه وقال: ماذا تكون نتيجة هذا الوضع الذي أنا فيه؟ كل يوم مديح وكرامة واحترام وتوقير!! إنني أخاف أن يقول لي الرب في اليوم الأخير "إنك استوفيت خيراتك على الأرض" (لو16: 25). فأين منى الطريق الضيق والكرب الذي أوصى به الرب، وقال إنه المؤدى إلى الحياة (مت7: 14). وأين منى قول الكتاب: "إنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله" (أع14: 22)؟ وهوذا أنا رجل متمتع باحترام وتوقير وكرامة ورئاسة! لذلك هرب القديس بينوفيوس ذات يوم من الدير دون أن يشعر به أحد. ![]() وتنكر في زى علماني، وسار جنوبًا حتى وصل إلى أحد أديرة القدس باخوميوس في إسنا وطرق الباب طالبًا أن يقبلوه في الدير. فنظروا إليه متعجبين من أمر هذا الشيخ الذي أتى ليترهب! وقالوا له "هل أتيت بعد أن شبعت من العالم، وشبع العالم منك؟! أتريد أن تأخذ مظهر القداسة في أواخر أيامك؟ إنك لا تصلح، فارحل عنا". فألح القديس بينوفيوس عليهم فرفضوا. وقالوا له "أنت رجل شيخ، ولا تحتمل الرهبنة وجهاداتها" , فظل يلح عليهم وهم يرفضونه. ووقف عند الباب مدة على الرغم من رفضهم، دون أكل أو شرب. فلما رأوا احتماله وصبره، أدخلوه الدير على شرط ألا يُرسم راهبًا، ويكون في زى العلمانيين يخدم في الدير. وأسندوا إليه مساعدة الراهب الشاب المسئول عن حديقة الدير ليكون كصبي عنده. فلم يمانع. وكان الشاب يوجه إليه أوامر يعمل بها، فكان مطيعًا له وخاضعًا. وتحول القديس الذي كان يحترمه الناس ويطيعونه إلى تلميذ. وكانت هذه أمنيته أن تتغير حياته، ويكون خاضعًا لغيره بدلًا من خضوع الغير له. وكان معلمه الشاب شديدًا عليه جدًا. يريد أن يربى الشيخ تربية صحيحة، لأن الرهبنة ليست كسلًا! وصار القديس يطيعه طاعة كاملة، وينفذ أوامره بكل دقة، لا يجادل ولا يناقش. وسار على هذا المبدأ مدة وسرَ به الشاب. وأيضًا كان يقوم في ساعة متأخرة من الليل -والرهبان نيام- ويعمل الأعمال التي يشمئز منها الآخرون لقذارتها. فإذا ما استيقظوا في الصباح، يجدون كل شيء قد تم دون أن يعرفوا من الفاعل، فيبتهجون ويباركون الرب من أجل ذلك. أما هو فكان مسرور بهذا العمل. وظل على هذا الطقس ثلاث سنوات وهو يقول "أشكرك يا رب من أجل عطاياك ونعمك العظيمة، إذ خلصتني من الاحترام والتوقير، ونقلتني إلى حياة الطاعة والخضوع". حدث بعد ذلك أن أتى لزيارة هذا الدير راهب من أديرة البرلس. ورأى القديس بينوفيوس يحمل السباخ ويضعه حول الشجر. فشك في الأمر ولم يصدق أنه هو! وأخيرًا سمعه يرتل المزامير بصوته المعهود، فعرفه وسجد له، وكشف أمره للرهبان. فأخذوه بمجد عظيم وأعادوه إلى ديره. وبعد ذلك هرب أيضًا إلى بيت لحم، وعمل خادمًا في قلاية يوحنا كاسيان. وتصادف أن ذهب راهب آخر إلى زيارة الأراضي المقدسة، فرآه وعرفه. وأعادوه مرة ثانية باحترام إلى ديره. وزاره يوحنا كاسيان عند مجيئه إلى مصر، وكتب عنه في مؤلفاته أنه مثل حي للهروب من الرئاسات.. فالذي يريد أن يخلص من مديح الناس والكرامة، عليه أن يهرب من محبة الرئاسات والمناصب.. لأنه إن نجح في تلك المناصب، تشعره بانه قد صار موضعًا للكرامة. وإن فشل فيها، وقع في دينونة عظيمة. ![]() * إن أحلام الرئاسة تعب داخلي: لأنه أحيانًا يخلو الإنسان إلى نفسه. وفي أحلام اليقظة يتصور أنه في مركز هام، وأنه يعمل ويعمل.. وتدور في ذهنه مشروعات كبيرة وأمور خطيرة. ويظن انه لو أعطى السلطان، لسوف يعمل ما لم يستطع غيره أن يعمله! وهذه تخيلات المجد الباطل، وكبريائه موجودة في الداخل تشعر الإنسان بأنه يستطيع الشيء الكثير. وقد يسمح الله أن تسند إلى هذا الشخص مسئولية، فيفشل فيها ليعرف مدى ضعفه. ![]() ذهب أحد الشيوخ ليزور راهبًا شابًا في قلايته الخاصة. وعندما همَ بقرع الباب، سمع صوتًا في الداخل، فانتظر قليلًا حتى لا يعطل الراهب الشاب. فسمعه يعظ من الداخل. فانتظره حتى انتهى من العظة وصرف الموعوظين قائلًا "أمضوا بسلام". ثم قرع الباب، وفتح الراهب الشاب، وفوجئ بالشيخ أمامه. فخجل وفكر ما عسى أن يقول عنه الشيخ إذا كان قد سمعه يعظ بمفرده دون موعوظين! فقال "إني آسف يا أبانا، لئلا تكون قد جئت من زمن وتعطلت على الباب" فابتسم الشيخ وقال له "جئت يا بني وأنت تصرف الموعوظين"،وعرف الشيخ أن هذا الراهب مُحارب بالمجد الباطل، إذ يتصور أنه قد صار معلمًا وواعظًا.. فاحذر أن تتخيل أنك قد صرت رئيسًا أو قائدًا أو مشيرًا. قل لنفسك إنك لم تصل إلى هذا المستوى بعد. ويكفى أن تكون أمينًا للوضع الذي أنت فيه. ![]() * إن الرئاسات ضارة لغير الناضجين: قال القديس أوروسيوس احد خلفاء القديس باخوميوس الكبير: "إن الرئاسة مضرة للأشخاص الذين لم ينضجوا بعد" وضرب مثلًا لذلك فقال: "إذا أحضرت لبنة لم تحترق بعد بالنار وألقيتها في الماء، فإنها تذوب. أما إذا احترقت بالنار، فإن ألقيت في الماء، فإنها تبقى وتشتد". كذلك الشخص الذي يصل إلى الرئاسة قبل أن ينضج، وقبلما يُمحص بالنار، أي باختبارات الحياة، وقبلما تزول منه محبة المجد الباطل، فإنه مُعرض للهلاك. كذلك مساكين هم الذين يخضعون لرئيس محب للمجد الباطل. فإنه يضيع نفسه، ويضيع الناس معه، بسبب المجد الذي يطلبه منهم. |
||||
![]() |
![]() |
|