![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 51 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() تأمل الرب يسوع لاحظوا كيف كان هذا الرّجل مذهولا, بغاية الاضطراب ولا يَعْرفُ ماذا يَفعَلُ معي. وكي يهدئِ غضبِ الغوغاءِ، أْمر أن أجَلد. أُمَثاَّل بيلاطس، رَأيتُ نفوساً تنَقصَها الشّجاعة أن تَنفصلَ نهائياً عن مطالبِ العالم وعن طبيعتهم. وبدلاً من تفادى الأخطارِ التى يخبرهم ضميرهم عنها, بأن لا ينقادوا من قبل العالمِ ولا من قبل طّبيعتهمِ، يُخبرهم عقلهم الواعي أَنْ لا يَكُونوا تابعين لرّوحِ الصلاحِ. ومن ثم يَستسلمونَ لنزوةِ، ويُمتّعُون أنفسهم برضاءِ عابر، ويَستسلمونَ جزئياً إِلى ما تتطلبه عواطفهم. وليُسكتواَ إحساسهم بالذنب، يُقولون لأنفسهم :" لقد حَرمت نفسي بالفعل من هذا أو من ذاك، وهذا يكفيُ. " سَأقول فقط إِلى هذه النفس : " أنك تَجْلديني كما صنع بيلاطس, لقَدْ خطوت خطوة بالفعل وغداً ستُكون الخطوة التاليةً. هَلْ أنت عازمة أَنْ تَرضي عواطفك بهذه الطريقة؟ كلا! أن عواطفك ستَطْلبُ المزيد قريباً. وكما لَمْ يكن عندك الشّجاعةَ لتُقاتليَ طبيعتكِ في هذا الشيء الصّغيرِ، فيما بعد ستكون شجاعتك أقل عندما ستكون الواقعة أعظم." لقد عوقبت بكثير من العنفِ قبل الجلد بحيث أنه لم يكنَ هناك جزءاً منّي لم يكنَ فريسةَ للألمِ الأكثر فظاعة. الضّرب والرّكل سَبّبت جراحَ لا حصر لها ومرة بعد مرة سَقطتُ بسبب الألمَ الذى سببته الركلات. انظرْوا إليّ يا أحبائي. لقد تَرْكت نفسي مُقاد بوداعة الحملِ إِلى تّعذيبِ الجلّد الفظيعِ. انهال الجلادون بوحشيه وبقسوة رهيبة على جسدى المغطّى بالفعل بالضرب والمقهور بالإعياء بسياط من حبال مضفرة وبعصي. العصيَ مَزّقتْ ونثرت أجزاء من جلدي ومن جسدى. تفجرت الدماء من كل أعضائي. جسدي كَانَ في حالة بشعة حتى أنى أشَبهتُ مسخ مشوه أكثر منى كإنسان. قسمات وجهي قَدْ فَقدتْ شكلها؛ لقد كان مُنْتَفخِاً بالكامل. التفكير فى أن عديد من النفوس، التي ستكون بعد ذلك مُلهمهُ كى تَتبع خطواتي، قد ذوانى حبِّاَ. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 52 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() الفصل الخامس والثلاثون العذراء مريم خلال جلد إلهناالصالح لقد رَأيتُ العذراءَ المباركةَ خلال وقتِ جَلْدِ ابنها الإلهي؛ لقد رَأتْ وعَانتْ بحبِّ وأسىِ يتعذر وصفه كل العذابِ الذى كَانَ يَتحمّلهُ. كانت تتأوه بضعف، وعيناها كَانتْ حمراء من كثرة البُكاءِ. لقد كانت مُغطاة بإزار كبير، ومتكئة على مريم التى لهالي، أختها الأكبر سنا , التي كَانتَ كبيرة السنَ ومثل أمّها حنة, كَانت هناك أيضا مريم التى لكلوبا، ابنة مريم التى لهالي. وقف رفاق يسوع ومريم حول مريم؛ مرتدين إزارات كبيرةَ، بدوا مغلّوبُين بالأسىِ والقلقِ، وكَانواَ يَبْكون. رداء مريم كَانَ أزرقَ؛ طويلاً، ومُغَطَّى جزئيا بعباءةِ مصنوعة من الصّوفِ الأبيضِ، وإزارها كَان إلى حد ما أبيضِ مُشرباً بصفرة. كانت المجدلية مستغرقة بالكلية فى الأسىِ وشعرها كَان طليقاً تحت إزارها . عندما سقط يسوع عند العمودِ، بعد الجلدِ، رَأيتُ كلوديا بروكليس، زوجة بيلاطس، تُرسلُ بعض قِطَعِ من الكتان الكبيرةِ إِلى أمِ الرب. لم اَعْرفُ إن كانت تظن أنّ يسوع سَيُطلقُ سراحه، وأن أمه ستحتاج للكتان لتكسى جراحه، أم أن هذه السّيدةِ العطوفةِ كَانتْ مدركه للاستعمال الذي سَيَؤدى بهديتها. عند انتهاء الجَلْدِ، انتبهت مريم لنفسها لبرهة، ورَأت ابنها الإلهي مُمَزَّقاً بالكامل ومشوهاً، لِكَونِهِ اقِتيدَ بعيداً بعد الجَلْدِ مِن قِبل الجنود, مَسحَ عينيه، اللتين امتلأتا بالدّمِ، لكي يَنْظرُ إلي أمه، وهي مدّتْ يديها نحوه، واستمرّتْ تَنْظرَ إلي آثارِ الدّمِ على مواضع خطاه. ثم رَأيتُ مريم والمجدلية تقتربان من العمود حيث جُلِدَ يسوع؛ وسَجدا راكعتين على الأرضِ قُرْب العمود، ومَسحا الدّم المقدّس بالكتّانِ الذي أرسلته كلوديا بروكليس. يوحنا لم يكنَ فى ذلك الوقت مع النِّساءِ القدّيساتِ، اللواتي كُنّ حوالي عشرون سيدةِ. كان هناك أبناء سمعان وعوبيد، وفيرونيكا، وأيضا أبني أخ يوسف الرامى آرام وسيمني, بينما كان يوحنا في الهيكلِ، وبَدا مَغْمُوراً بالأسىِ. لم تكن الساعة قد جاوزت التاسعة صباحاً عندما انتهى جَلْد يسوع . |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 53 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() الفصل السادس والثلاثون وصف المظّهر الشّخصي للعذراء المباركة بينما كانت هذه الأحداثِ الحزينةِ تَجري كُنْتُ في أورشليم، أحياناً في نّاحيةِ وأحياناً في ناحية آخرِ؛ لقَدْ كنت مُغلّوبة تماماً، آلامي كَانتْ حادَة، وشَعرتُ كما لو أنى عَلى وَشَكِ الموت. خلال وقت جَلْدِ عريسي الحبيبِ، جَلستُ بقربه، في الجزءِ الذي لم يتَجاسرَ يهوديُ أن يقترب منه، خوفا من أن يُدنّسُ نفسه؛ لكنى لم أخِاف، كُنْتُ حريصة فقط على أَنْ تَسْقطَ قطرةِ من دّماءِ إلهى عليّ، لتَنقّيني. لقد شَعرتُ بأنني منسحقة القَلْب بالكامل حتى أنى يَجِبُ أَنْ أَمُوت طالما أنى لا أستطيع أَنْ أُحل محل يسوع، وكل ضربةِ نالها جذبت منّي مثل هذه التنهدات والتأوهات حتى أنّي شَعرتُ بأنى مذهولة تماماً لَكُوني لم أُبَعَد. عندما أخذ الجلادون يسوع نحو بيت الحرس, ليُتوّجوه بالأشّواكِ، اشتقت أَنْ اَتبعه لأَتأمّله ثانية في آلامه. حينئذ أم يسوع، ترَافقَها النِّساءِ القدّيساتِ، اقتربنَ من العمودِ ومَسحنَ الدّم من عليه ومن على الأرضِ من حوله. كَانَ باب بيت الحرسِ مفتوحَاً، وسَمعتُ الضّحكَ الموجع للرّجالِ القساة الذين انشغلوا في إنْهاءِ إكليل الشّوكِ الذي أعدّوه لإلهنا. لقد كُنْتُ متأُثّرة كثيرا حتى الَبْكاء، لكنى سَعيتُ أن أذهب بقُرْب المكانِ حيث كَانَ الرب يسوع سيُتوّجُ بالأشّواكِ. مرة أخرى رَأيتُ العذراء المباركة؛ كَانتْ شاحبَة وضعيفة، عيناها حمراء من كثرة البُكاءِ، لكن نُبلها البسيطَ فى سلوكها لا يُمكنُ أَنْ يُوْصَفَ. على الرغم من حزنها وآلامها، على الرغم من الإعياء الذي تَحمّلتْه لكونها كَانتْ تجولُ منذ المساء السّابق خلال شوارعِ أورشليم وعبر وادي يهوشافاط، إلا أن مظهرها كَانَ هادئاًَ ومعتدلاًَ، ولا طيّةَ من ردائها كانت فى غير موضعها. نَظرتْ حولها بنبل، وطرحتها متهدلة على كتفيها. تحَرّكتْ بهدوء، ومع أن قلبها كَانَ فريسةَ للأسىِ المرّ، هيئتها كَانتْ هادئةَ ومستسلمة. ردائها كان مبتل من النّدىِ الذي سَقطَ عليه خلال اللّيل، ومن الدّموعِ التي ذرفتها بمثل هذه الوفرةِ؛ دون هذا كان غير مُتسخ بالكليةً. جمالها كَان عظيماً، لكن يتعذر وصفه، لأنه فوق طاقة البشر,َ خليطَ من العظمة والقداسة والبساطة والنقاوة. مظهر مريم المجدلية كَانَ مختلفَ بالكليةً؛ كَانتْ أطولَ وأكثر قوةَ، تعبيرات مُحياها أظهرت تصميماً أعظمَ، لكن جمالها قَدْ ذبل تقريباً من طريقة حياتها السابقة التى انغمسَت فيها طويلا، ومن التوبة والحزن الذى عاشته منذ أن أحست بخطاياها. كان مؤلماً أَنْ تَنْظرَ إليها؛ لقد كَانتْ صورةَ من اليأسِ، شعرها الطّويل الغير مرتب قَدْ تغُطّيِ جزئيا بطرحتها المُمَزَّقةِ والمبلّلةِ، ومظهرها كَان مظهر إنسان مستغرق بالكامل فى البلاء، ومنزوية فى نفسها من الحُزنِ. كثيرين من سكان مدينة مجدل كَانوا يَقفونَ قُريْبا، يحدقون فها بدهشة وفضولِ، لأنهم كانوا يعَرفونها في الأيامِ السّابقةِ، أولا في ازدهار وبعد ذلك في إذلالِ وبؤسِ. أشاروا إليها، القوا الوحل عليها، لكنها لم تر شيئاً ولا عَرفتَ شيئاً ولا شَعرتْ بشيء، محتفظة بآلام أحزانها |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 54 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() الفصل السابع والثلاثون خَطبَ بيلاطس فى عامة الناسَ مرات عديدة خلال وقت جَلْدِ يسوع، لكنهم كانوا يقَاطعونه ويصرخون : " أنه سَيُعدم، حتى لو متنا من أجل ذلك. " عندما اقتيد يسوع نحو بيت الحرسِ، صرخوا جميعاً ثانية : " أَصْلبه، أَصْلبه! "التتويج بالأشّواك بعد هذا كانت هناك فترة صمتَ. شغل بيلاطس نفسه فيها بإعْطاءِ الجنود أوامر مختلفة، وأحضر خدم رؤساء الكهنة بعض المرطباتِ لهم؛ بعد ذلك دخل بيلاطس إلى الجزءَ الدّاخليَ من قصره لأجل أن يَستشيرَ آلهته، وكي يبخر لها . عندما جمعت العذراء المباركة والنِّساء القدّيسات دماء يسوع، من العمودِ ومن الأجزاءِ المجاورةِ له، تَركن الساحة ودَخلن دارِ صغيرة مُجَاوَرَة، لم أعرف مالكها. يوحنا على ما أعتقد، لم يكن حاضرا عند جَلْدِ يسوع. فى رواق يحيط بالقاعة الدّاخليةَ لبيت الحرسِ تُوّجَ يسوع بالأشّواكِ، والأبواب كَانتْ مفتوحةَ. الأشرار الجبناء، الذين كَانوا يَنتظرونَ بلهّفة أن يَرضوا قسوتهم بتَعذيبِ وإهانةِ إلهنا، كَانواَ خمسين تقريباً، معظمهم عبيد أو خدم للسّجّانين والجنودِ. تجمع الغوغاء حول البنايةَ، لكنهم أزيحوا فى الحال مِن قِبل ألف جنديِ روماني كانوا قد اصطفوا هناك ومُنعوا من أَنْ يَتْركَوا صفوفهم، هؤلاء الجنودِ على الرغم من هذا فعَلوا كل ما بوسعهم بالضّحكِ والتّصفيقِ ليُحرّضوا الجلادين القساة على مضاعفة إهاناتهم كذلك زادت كَلِمات تشجيعهمِ قسوة هؤلاء الرّجالِ كثيراً . فى وسط القاعة انتصب هناك عمودِ، ووضع عليه كرسي صغير منخفض جداً غطاه هؤلاء الرّجالِ القساة بمكر بأحجار حادةِّ وقطعِ من الخزفِ المَكْسُورِ. ثم نزعوا ملابسَ يسوع، لذا انفتحت كل جراحه مرة أخرى؛ القوا على كتفيه عباءة قرمزية قديمة وَصلتْ بالكاد إلى رُكَبتيه؛ جروه إِلى المقعدِ، ودَفعوه عليه بقسوة، ووَضعَوا إكليل الشّوكِ على رأسه. إكليل الشّوك كَانَ مصنوعاً من ثلاث أفرعِ مضَفرة معا، الجزء الأعظم من الأشّواك كان متجهاً للداخل عن قصد لكي يَثْقبَ رأس الرب. وضعوا أولاً هذه الفروعِ المَلْفُوفةِ على جبهته، رَبطوها بإحكام من الخلف، وما أن أُتمّواِ ذلك حتى وَضعوا قصبةَ كبيرةَ في يدّه، فاعَلين كل ذلك بسّخريةِ كما لو إنهم كَانوا يُتوّجونه ملكاً حقاً. ثم أخذوا القصبةِ، وضَربوه على رأسه بها بغاية القسوة حتى أن عينيه قَدْ امتلأتا بالدّمِ؛ لقد سَجدوا أمامه، سَخرواَ منه، بصقوا في وجهه وصفعوه قائلين في نفس الوقت، " السلام يا ملك اليهودِ! " ثم طَرحوا كرسيه الصغيرَ، أقاموه ثانية من الأرضِ حيث كان قَدْ سَقطَ، أجلسوه بأعظم وحشيةِ ممكنة. من المحال تماماً أَنْ أَصفَ الإساءة القاسية التي ارتكبها هؤلاء الوحوشِ التى بهيئة بشر. مُعاناة يسوع من العطشِ كَانتْ حادَة، سببها الحمى التي أوجدتها جراحه وآلامه . لقد ارتجف جسده بالكامل، لحمه قَدْ مُزّقَ إرْبا إرْبا، لسانه تَقلّصَ، والترطيب الوحيد الذى ناله كَانَ الدّمَ الذي يقطّرَ من رأسه على شفاهه الجافّةِ. هذا المشهدِ المخزيِ قَدْ امتد نصف ساعة كاملة، واستمر الجنود الرّومان خلال كل الوقت يُصفّقون ويُشجّعَون الجناة على فعل المزيد من الإساءةُ . |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 55 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() تأمل الرب يسوع انظرْوا، لقد عشَت أياماً من الحزنِ الشديد بإرادة الأبِ بلا تذمر بل بَقْبولُ ما أراده الآب أَنْ يَجْعلني اَشْعرَ به. عندما قُبض علىّ في البستان، أسرعوا فى اتهامي كاذبين, وأنا بلا أدنى مقاومة, سَمحت لهم أَنْ يَأْخذوني إِلى حيثما أرادوا أن يأخذوني. وعندما أرادوا أَنْ يُطوّقوا رأسي بتاجِ الشّوكِ، أحنيتُ رأسي بلا مقاومة، لأنى أَخذتُ كل شيءَ من أياديِ من أرسلني في العالمِ. عندما استنزفتني أذرع أولئك الرّجالِ القساة بقوةِ الضرب الذى وجهوه ضد جسدي، وَضعوا تّاجاً نَسجوه من أفرعِ الشّوكِ على رأسي، واسْتِعْرضوا أمامي قائلين :" ها أنتَ هكذا ملك؟ ها نحن نُحيّيك!", البعض صفعني؛ آخرون أهانوني؛ آخرون وجهوا الضربَ من جديد ضد رأسي، كل ضربة أضافت ألماً جديداً إِلى جسدي، المجروح والمسحوق بالكامل . لقد تعبُت؛ لم يكن لى أى موضع لأستريح فيه. أعيروني قلوبكمَ وأياديكم لأَغطّي نفسي بحبّكمَ. أنى مرتجفاً من البرد ومحموماً؛ احتضنوني ولو للحظةِ قبل أن يَستمرّوا فى هدم هيكلِ الحبِّ هذا. دفع بعض الجنود والجلادون جسدى بأياديهم القذرة وآخرون دفعوني برماحهم لكونهم مشمئزين من دمائي، وبهذا أُعادوا فتح جراحي. أجلسوني عنوة على أحجارِ مدببة؛ لقد كنت أبكى بصّمتِ بسبب الألم. بطريقةِ بشعةِ، سْخرواَ من دموعي. فى النهاية مزّقواَ صدغيّ، وغرسوا لأسفل التّاجَ المنسوج من الأغصان الشّائكةِ. خذوا بعين الاعتبار كيف أنني بذلك التّاجِ، أردتُ أَنْ اصنع كفارة عن خطيئةِ الكبرياءِ عن الكثير من النفوس التي ترَغْب أنْ تُمْدَحُ على نَحْو زائد، تاَركه نفسها متأثرة بآراءِ العالم الباطلة. فوق كل شيء، سَمحت لهم أَنْ يُتوّجوا رأسي بالأشّواكِ. تألم رأسي بقسوة بهذه الطّريقة كي أصنع كفارة من خلال الإذلالِ الإرادي من أجل البغض والافتخار والمظهرية لكثير جداً من النفوسِ. النفوس التى بسبب منزلتها وحالتها، يَحْكمون علىّ بلا استحقاقَ، رافضين أَنْ يتَبعوا الطّريق الموَضوعَ لهم بتدبيري. لا يوجد طريق مُهين عندما يكون مُخَطّطاًَ بإرادة الرب .... بلا جدوى تَعتزمون خْداع أنفسكم، فكّروا فى إتباع إرادة الرب وباستسلام كامل مهما كان ما يطلبه منكم. هناك أناسُ في العالمِ، عندما تحين لّحظة اتخاذ قرارِ، يفكرون مَليّا ويَمتحنُون رغبات قلوبهم. فعلى سبيل المثال من يريدون الزواج يبحثون عن شريك حياتهم لعلهم يَجدون فيمن ينوون الاقتران بهم الأساس الصّلب والتقى للحياة المسيحية. قد يَرون إنهم سَيَتبعون واجبات عائلاتهم بطريقة ما ضرورية تَرضى رغباتهم فى السّعادةِ. لكن الزهوَ والكبرياءَ يَحْجبان روحهم فيَتْركون أنفسهم مُنجذبين برغبة أن يَكُونُوا بارزين وظاهرين. حينئذ يَفْعلونَ ما بمقدورهم كى يَبْحثوا عن شخص يَكُونَ أغنى أو من طبقة أعلي، كي يَرضون طموحهم. أه! كم بعناد يَعمونَ أنفسهم. كلا، أنا سَأُقول لهم، أنكَم لَنْ تَجدواَ سعادة حقيقية في هذا العالمِ وأَتمنّى أن تَجدوها في العالم الآتي, انتبهْوا، أنكم تَضعُون نفوسكم في خطرِ عظيمِ! سَأَتحدّثُ أيضا إِلى النفوس التي اَدْعوها إِلى طريقِ الكمالِ. كم كثير من الأوهامِ تكون في أولئك الذينِ يُقولون لى إنهم مستعدين أَنْ يصنعون مشيئتي وبعد ذلك يَثْقبونَ رأسي بأشواكِ تاجي. هناك أيضا نفوساً أُريدهاُ لي. أنى أَعْرفها وأحَبّها، أُريدُ أَنْ أضعها حيث أقيم، أريد أن أضعها بحكمتي اللانهائيةِ حيث سَيَجدونَ كل ما هو ضروري ليَصلَوا إلى القداسة. هناك حيث سَأَجْعلُ ذاتي مُعلنة لهم، وحيث سَيَعطونني راحة أكثر، محبة أكثر، ونفوساً أكثر. لكن، بكثير جداً من المكرِ! كثيراً جداً من النفوس تكون مَعمية بالكبرياءِ والزهو من أجل طّموحِ واه. مالئين رؤوسهم بأفكارِ عقيمةِ وبلا فائدةِ؛ إنهم يَرْفضونَ أَنْ يَتبعوا الطّريق الذي وَضعَته بدافع محبّتي لهم. أحبائي يا من قَدْ اخترتُهم، هَلْ تظنون أنّكم تُحققون مشيئتي بمُقَاوَمَةِ صوتِ النّعمةِ الذي يَدْعوكمَ ويرشدكم إلى ذلك الطّريقِ الذي يَرْفضه كبرياؤكَم ؟ هناك نفوس تُدَعىْ إِلى حالة الكمالِ، لكنها تتُناقشُ مع النّعمةِ وتتّراجعِ عندما توَاجه مذلةِ الطّريقِ الذي أريه لها، َخَائفة كيف إنها ستُحاكم من قبل العالمِ أو عندما تُُقيّم قدراتها، مُقنعة أنفسها إنها سَتَكُون أكثر فائدة فى موضع آخر لخدمتي ومن أجل مجدي. سأجيب تلك النفوسِ: قولوا لى، هل رَفضتُ أو حتى تَردّدتُ عندما رَأيتُ نفسي أولدَ في الليل لوالدينِ فقيرين متواضعين وفي إسطبلِ، بعيداً عن مسكني وعن بلدي وفي أقسى فصولِ السّنةِ؟ بعد ذلك عِشتُ ثلاثين سنةَ أمارس عملاً بسيطاً في ورشةِ: مُتعرضاً لازدراء ومهانة الناسِ الذين يطَلبون عملاً مِن يوسف، أبي. أنى لم أبغض مُسَاعَدَة أمي في أكثر المهام خدمهِ في الدّارِ. ومع هذا، هَلْ لم يكَنَ لدى موهبةُ أكثرُ من تلك التى يتَطَلّبهاِ العملِ القاسيِ كنجارِ؟ أنا، من في سن الثانية عشر عَلّمتَ العلماء في الهيكلِ ... لكنها كانت إرادة أبي السّماويَ وهكذا، مَجّدته. عندما تَركتُ الناصرة وبَدأتُ حياتي العامّة، كَانَ من الممكنُ أَنْ أجعل نفسي معَروفاً أنى أنا المسيا وابن الإله، حتى يسمع البشر تعاليمي بتّبجيلِ، لكنى لم أفعَلُ ذلك لأن رّغبتي الوحيدة كانت أَنْ أَعمَلُ مشيئة أبى .... وعندما حان وقت آلامي، من خلال قسوةِ البعض وإهاناتِ الآخرين، من خلال هجر خاصتى وجحودِ الغوغاءِ، من خلال العذاب العظيم الذى لا يوصف لجسدي واشمئزاز نفسي، انظروا كيف بأعظم حب, كنت ما زِلتُ كاشفاً ومُعانقُاً إرادة أبي السّماوي. هكذا عندما تَتغلّبُون على الصّعوباتِ وعلى الاشمئزاز، تُقدّمُ النفس ذاتها بشكل كريم إِلى إرادة الرب. تأتى لحظةُ، تجدون أنفسكم متّحدين بقوة به، وتَتمتّعُ النفس بعذوبة يتعذر وصفها . ما قُلتهُ للنفوس التي تَحتقرُ الحياة المتواضعة والمخفية، أُكرّرهُ إِلى أولئك الذينِ أَدْعوهم إِلى اتصال ثابتِ بالعالمِ، بينما يفضلون هم أن يحيوا فى عزلة كاملةَ وعملَ متواضعَ ومخفيَ. أحبائي المختارين، إن سعادتكمَ وكمالكمَ لا يقومان على أتباع مذاق ما تفضلونه وعلى اتباع ميولكمَ الطّبيعية، بَكُونُكم مَعْرُوفين أو مجهولين من قبل المخلوقاتِ، بكونكم تسْتِعْملون أو تَخفون الموهبة التى لديكم، بل ستكون سعادتكم بتَوحيدِ وتَوفيُقِ نفوسكم من خلال محبِّة مشيئة الرب والاستسلام الكلى لهاِ، الاستسلام إِلى من يطلب منكم من أجل مجده ومن أجل قداستكَم . أن الجلادين الذين يُحطّمونَ جسدي ليسوا عشَره ولا عشرين. هناك الكثير من الأياديِ التي تجرح جسدي؛ مُتلقيين العشاء الرباني في الأيادي, أنه العملِ المدنسِ لإبليس ! كيف يستطيعون أَنْ يَتأمّلوني في خضّم هذا الألمِ والمرارةِ بدون أن تتحرك قلوبهم بالشّفقةِ علىّ؟ لكن لَيسَ الجلادين من ينبغى أَنْ يَواسوني بل أنتم، أنتم أحبائي المختارينَ، واسوني حتى تخففوا آلامي. تأمّلواْ جراحي وانظروا إن كان هناك من تألم بقدر ما تألمت أنا لأظهر محبّتي لكم. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 56 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() الفصل الثامن والثلاثون الحكم علي يسوع حينئذ عاد الجلادون القساة واقتادوا يسوع إلى قصر بيلاطس والعباءة القرمزية كانت ما زالت مُلقاة على كتفيه وتاج الشّوك على رأسه والقصبة في يديه المقيّدتين. لقد كان من المستحيل تمييزه بالمرة، عيناه، فمه، لحيته, الكل مُغطّى بالدّم، لم يكن جسده سوى جرح واحد، وظهره انحنى كأنه رجل مُسن، بينما كانت كل أطرافه ترتعد عندما يسير. عندما رآه بيلاطس واقفاً عند مدخل محكمته، حتى هو, وهو المعروف عنه القسوة, ارتخى وارتجف بالرّعب والحنو، بينما كان الكهنة البرابرة وعامة الشعب بعيدين عن الإحساس بالشفقة تجاهه، استمروا فى إهاناته والسخرية منه. عندما صعد يسوع الدّرج، تقدّم بيلاطس، أعلن البوق أنّ الحاكم على وشك أن يتكلّم، وخاطب رؤساء الكهنة قائلاً : " انظروا الرجل، لقد أحضرته إليكم، لكى تعرفوا أننّي لست أجد علة فيه. " حينئذ اقتاد الجنود يسوع نحو بيلاطس، حتى يُمتع الشعب عيونهم القاسية مرة أخرى برؤيته، في الحالة المُزرية التى وصل إليها. مُهاناً ومُحتقراً حقا كان المنظر الذى قُدّم به، انفجر صياح الرّعب من الحشود، تلاه صمت مميت، عندما رفع يسوع بصّعوبة رأسه الجريح المتوّج بالأشّواك، وألقى نظرة منهكة على الحشود الثائرة. صاح بيلاطس بينما يشير إلى الشعب: " انظروا الرّجل! " كراهية رؤساء الكهنة وتابعيهم كانت تزداد من منظر يسوع، وصرخوا : أسلمه إلى الموت؛ أصلبه. " فقال بيلاطس " ألستم قانعين. لقد نال عقاباً يكفي بدون شك أن يحرمه من كل شهوة لأن يجعل من نفسه ملكاً ", لكنهم صرخوا أكثر، وواصلت الحشود الصراخ : " اصلبه، اصلبه! " حينئذ قال بيلاطس : " خذوه أنتم واصلبوه، لأنى لست أجد علة فيه" أجاب الكهنة " نحن لدينا ناموسنا، وطبقا لذلك الناموس هو يجب أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الرب. " جملة "جعل نفسه ابن الرب" جددت رعب بيلاطس؛ فاخذ يسوع في غرفة أخرى وسأله؛ " من أين أنت ؟ " لكن يسوع لم يُجب. قال بيلاطس " ألا تكلمني؟ ألا تعلم أن لى سلطاناً أن أصلبك وسلطاناً أن أطلقك ؟ " فأجابه يسوع " ليس لك أي سلطان علىّ، ما لم يُعط لك من فوق؛ لهذا الذي أسلّمني إليك خطيئته أعظم. " تردد وضّعف بيلاطس ملأ زوجته كلوديا بروكليس بالقلق؛ أرسلت له رسولا آخر، لتذكّره بوعده، لكنه رجع فارغاً بإجابة تعنى أنه يجب أن يترك القرار فى القضية فى النهاية إلى الآلهة. بعد أن سمع رؤساء الكهنة والفريسيين عن جهود كلوديا لإنقاذ يسوع، أشاعوا بين الشعب، أن الموالين ليسوع قد أضَلوها، وأنه سيُطلق سراحه وبعد ذلك سينضم للرومان وسيجلب الدمار لأورشليم ويبيد اليهود. كان بيلاطس في حالة من التّردد والاضطراب؛ لقد كان لا يعرف ما هى الخطوة التالية التى ينبغي عليه أن يخطوها، وخاطب أعداء يسوع ثانية بنفسه، مُعلناً أنه لا يجد أى جرم فيه لكنهم طلبوا موته بصورة أكثر شغباً. حينئذ تذكّر تناقض التهم الموجهة ضد يسوع وأحلام زوجته الغامضة، والتأثير الغير قابل للتفسير الذي أحدثته كلمات يسوع عليه هو شخصياً، ولهذا صمّم أن يسأله ثانية لكى يحصل على بعض المعلومات التي قد ترشده للطريق الذى يجب أن يتّبعه؛ لذا رجع إلى القصر، ذهب بمفرده في غرفة، وطلبت يسوع. نظر إلى الإنسان المعصور والناّزف أمامه، وصاح فى نفسه : " أيمكن أن يكون هذا إلهاً " ثم التفت إلى يسوع واستحلفه أن يخبره إن كان هو الرب، إن كان هو الملك الذي قد وُعد به اليهود، فأين مملكته تكون، وإلى أى صنف من الآلهة ينتمي, أما يسوع فقد لزم الصمت. كان بيلاطس متردداً بين الخوف والغضب من كلمات يسوع؛ عاد إلى الشّرفة، وأعلن ثانية إنه سيطلق يسوع؛ لكنهم صرخوا " إن أنت أطلقت هذا الرّجل, فلن تكون مُحب لقيصر, لأن كل من يجعل نفسه ملكاً يكون ضد قيصر." آخرون قالوا إنهم سيتّهمونه إلى الإمبراطور بأنه أزعج عيدهم؛ وأنه لابد أن يقرر فى الحال، لأنهم ينبغى أن يكونوا في الهيكل قبل العاشرة ليلاُ. دوّى صياح " أصلبه! أصلبه! " فى كل الجوانب؛ حتى أنها تردّدت من أسطّح البيوت التى قرب المحكمة، حيث تجمّع عليها عديد من الأشخاص. رأى بيلاطس أنّ كل جهوده عقيمة، وأنه لن يستطع أن يؤثر على الغوغاء الغاضبين؛ الذين كانت صرخاتهم ولعناتهم تصمّ الأذان، وبدأ يخاف من التمرد. حينئذ اخذ ماء وغسل يديه أمام الشعب قائلا : " إني برئ من دم هذا الرجل البار؛ أبصروا أنتم فى ذلك ", حينئذ صدر صياح مخيف وجماعي من الحشود التي تجمّعت من كل أجزاء إسرائيل " دمه علينا وعلى أبنائنا ". |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 57 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() تأمل الرب يسوع مُتَوَّجاً بالأشّواكِ ومُغَطّى بعباءةِ أرجوانيةِ، قَدّمني الجنود مرة أخرى إِلى بيلاطس. بدون أن يَجد فيّ جريمة واحدة كى يُعاقبني عليها، سَألني بِضْعة أسئلةَ، تسائل لماذا لا أجيبه رغم علمي أنّه له كل السّلطة علىّ . حينئذ، كْسرتُ صمتي وقلت له : " أنك لَنْ يَكونَ لك ذلك السلطان ما لم تنله من فوق، لكن لابد أن تتم الكتب المقدّسةِ " وَتْركتُ نفسي إِلى أبي السّماويِ، لقد صمتَّ مرة أخرى . |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 58 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() الفصل التاسع والثلاثون الحكم على يسوع بالصلب بيلاطس، الذي لم يرد أَنْ يَعْرفَ الحقيقة، بل كَانَ حريصاً فقط أَنْ يَخْرجَ من المأزق بدون مشاكل، صار متردداً أكثرَ من ذى قبل؛ هَمسَ ضميره داخله : " أن يسوع برئُ " قالتْ له زوجته " إنه قدّيسُ " مشاعره المؤمنة بالخرافات جَعلته يَخَافُ من أنّ يكون يسوع فعلا عدواً لآلهته؛ وجبنه مَلأه بالُخوفِ لئلا يُنتقم يسوع لنفسه إن كان هو فعلا الرب. لقد كَانَ غاضَباً ومنتبّهَ لكلمات يسوع الأخيرةِ، وحاول مرة أخرى إطلاق سراحه؛ لكن اليهودَ هَدّدوه فى الحال إنهم سيتّهمونهِ أمام الإمبراطورِ. هذا التّهديد أفزعه، وقرر أن يذعن لرغباتهم، مع أنه مقتنعَ ببراءةِ يسوع بقوة، وواعيا تماماً أنه بنطق عقوبة الموتِ علي يسوع فإنه يَنتهكَ كل قوانينِ العدالةِ، هذا بالإضافة إلى نْكثُه بوعده الذى وعد به زوجته هذا الصّباحِ. وهكذا ضحى بيسوع، وسْعي إلى أن يرضى ضميره بغَسْلِ يديه أمام الشعب قائلا " إنى بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هَذَا الْبَارِّ. فَانْظُرُوا أَنْتُمْ فِي الأَمْرِ!. " عبثاً تُعلنُ هذه الكَلِماتِ يا بيلاطس, لأن دمه على رأسك أيضاً؛ أنك لا تستطيع أن تغسلَ دماه لا عن نفسك، ولا عن يديك ما أن تَوقّفَت تلك الكَلِماتِ المخيفةِ : " دمه علينا وعلى أولادنا " عن أن تَدوّي، حتى شرع بيلاطس فى إعداد حكم الموت. طَلبَ الرداء الذي يرتديه فى المناسباتِ الرسمية، وَضعَ تاجاً مرصع بمجموعة من الأحجار الكريمةِ على رأسه، غَيّرَ عباءته وجعل عصا أمامه. لقد كان مُحاطَاً بجنودِ وضبّاطِ المحكمةِ، وبعض الكتّبِة، الذين حَملواَ رقائق الكتابةِ وكتبِ تستعملَ لكِتابَةِ الأسماءِ والتواريخِ. سار رجلُ إلى الأمام وكان يحَملَ بوقاً. تقدَّم الموكبُ بهذا الترتيب من قصرِ بيلاطس إِلى الساحةِ، حيث يوجد مقعد مرتفع، يُستعمل فى هذه المناسباتِ الخاصةِ، موُضِوعَ قبالة العمود حيث جُلِدَ يسوع. هذه المحكمةِ تُدعِي جَبَّاثَا؛ أنها شرفة واسعةِ مستديرةِ، يُصَعدَ إليها بدرج؛ يوجد بها مقعدَ لبيلاطس، وخلف هذا المقعدِ منصة، ويصطف عددَ من الجنودِ حول الشرفة وكذلك على الدرج. غادر عديد من الفريسيون القصر ومضوا إلى الهيكلِ، وتبع حنان وقيافا وثمانية وعشرون كاهناً الحاكم الرّوماني إِلى الساحةِ، وأُخذا اللّصان إلى هناك في ذلك الوقت الذي قَدّمَ فيه بيلاطس مُخلصنا إِلى الشعب قائلا :" انظروا الرجل " كان يسوع ما زالَ يكتسي بردائه الأرجواني وتاج الشّوك على رأسه، ويداه مقَيّدتان، عندما أحضره الجنود إِلى المحكمةِ، ووَضعاه بين الشّريرين. ما أن جلس بيلاطس، حتى بدأ يخاطب أعداءَ يسوع ثانية بهذه الكَلِماتِ " اَنْظرُوا ملككَم! " لكن نداءاتَ " أَصْلبه! أصلبه! ' دَوّت من كل جانبِ. قال بيلاطس " أأصْلبُ ملككَم؟ ". رَدَّ كبار الكهنة " لَيْسَ لنا ملكُ سوى قيصرَ!" . وَجدَ بيلاطس أنه لا يجدي بالمرة أَنْ يَقُولَ أي شئ آخر، ولهذا شَرعَ فى إعداد حكم الموت. اللّصان كانا قد تلقيا الحكم بصلبِهما من قبل؛ لكن كبار الكهنة قَدْ حَصلوا على تأجيلِ لهما، من أجل أن يُصلب يسوع معهما ليَعاني عاراً إضافياً لَكُونُه يُصلب مع مجرمين من أردأ المجرمين. صليبا اللّصان كَانا بجانبهما؛ أما صليب يسوع لم يكن قد جُلب بعد، لأنه لم يكَنَ قد حُكمَ عليه بالموتِ حتى الآن. اقتربتَ العذراء المباركة لتَسْمعَ النطق بعقوبة الموتِ على ابنها وإلهها. وَقفَ يسوع وسطِ الجنود، عند بداية السّلمِ الذى يُؤدّي إلى المحكمةِ. دوى البوق ليَطْلبَ الصمت، وبعده أعلن القاضي الجبان، بصوتِ مرتجفًِ مترددً، عقوبة الموتِ على الإنسان البارِ. أنهكني منظر جبنِ ونفاق هذا الإنسان، وكذلك بهجة الجلادين ووجوه كبار الكهنة الذين بدوا منتصرين، بالإضافة إِلى الحالة المحزنةِ التي وصل إليها مُخلصنا الحبيب، وأسى أمه الحبيبة, كل ذلك زِادَ من آلامي. نَظرتُ ثانية، ورَأيتُ اليهود القساة يَلتهمونَ تقريباً ضحيّتهم بأعينهم، الجنود يَقفونَ ببرود، وحشود من الشّياطينِ المروّعةِ تَعْبرُ ذهاباً وإيابا وتخَتلْط بالحشودِ. شَعرتُ أنّي كَانَ يجبُ أَنْ أكُونَ في موضع يسوع، عريسي الحبيب، لأن العقوبة حينئذ لَنْ تكون ظالمةَ؛ لكنى كنت مقهورة بالألمِ، وآلامي كَانت حادةَ جداً، حتى أنى لا أستطيع أَنْ أَتذكّرَ بالضبط كل الذي رَأيتُه. على أية حال، سوف أروى كل شئ تقريباً بقدر الإمكان . بعد مقدمةِ طويلةِ، قَدْ أُعدّتْ بالدرجة الأولى كقصيدة مدح للإمبراطور ِطيباريوس، تَكلّمَ بيلاطس عن الاتهامات الموجهة ضد يسوع من قِبل رؤساء الكهنة. قالَ إنهم قَدْ أدانوه إِلى الموتِ لكونه يُعكر السّلام العامّ، وكَسرَ ناموسهم بدُعوةِ نفسه ابن الرب ِوملكِ اليهودِ؛ وأن الشعب قَدْ طَالب بشكل جماعي أن حكمهم لابد أَنْ يُنفّذَ. هذا القاضيِ على الرغم من قناعته المتكرّرة ببراءةِ يسوع، لم يكن خجلاناً من أن يقَولِ أنه أيضاً احترم قرارهم كقرار عادل، وإنه لهذا يَجِبُ أَنْ يعلنَ الحكم الذى صاغه في هذه الكَلِماتِ : " إني أُدينُ يسوع الناصري، ملك اليهودِ، بأنْ يُصْلَبُ " وأَمرَ الجلادين أَنْ يُحضروا الصّليب. أَعتقد أنى أَتذكّرُ أيضاً أنه اَخذَ عصا طويلةَ في يديه وكَسرها، وألقاها عند قدمي يسوع. بسّماعِ كَلِماتِ بيلاطس هذه, أغمى على أم يسوع لبضع دقائق، لأنها تأكدت الآن أن ابنها الحبيبَ لابد أَنْ يَمُوتَ الموت الأكثر خزيا وألماِ. حملها يوحنا والنِّساء القديّسات، لَمْنعَ هذه الكائنات القاسية التي أحاطت بهم من أضافه جريمةِ إِلى جريمتهم بالسخْرِية منِ أحزانها؛ لكنها أفاقت بعد مدة قليلةَ وتوسلت لرفاقها أنْ يأخذوها ثانية إِلى كل بقعةِ قَدْ تقُدّستْ بآلامِ ابنها، من أجل أَنْ تُبلّلها بدموعها؛ وهكذا قامت أمَ إلهنا، باسم الكنيسةِ، بتكريم تلك الأماكنِ المقدّسةِ.ُ كتب بيلاطس الحكم، وأولئك الذين وَقفوا خلفه نَسخوه فى ثلاث نسخ. الكَلِمات التي كَتبَها كَانتْ مختلفةَ تماماً عن الكلمات التي أعلنها؛ إنى أستطيع أَنْ أرى بوضوح أنّ ذهنه قَدْ تحرك على نَحْو مُفزِع, ظَهرَ ملاك كى يُوجّهَ يدّه. خلاصة الحكم المكتوبِ كَانتْ كالآتي : " لقد أُرغمتُ، خوفاً من التمردِ، أَنْ أخضع لرغباتِ رؤساء الكهنة والسنهدريم والشعب، الذين طَلبوا الموت بصخب ليسوع الناصري، الذي اتّهموه بأنه يٌعكر السّلام العامّ، وأيضا لكونه يجدف ويكَسرَ ناموسهم. لقَدْ أسلمته لهم كى يُصْلَب، على الرغم من أن اتهاماتهم بَدت بلا أساسِ. لقَدْ فعلتُ هذا خوفا من وشايتهم للإمبراطورِ بأنني أُشجّعُ التمردَ، وأُتسبّبُ فى الاستياء بين اليهودِ بإنْكار حقوقهم فى العدالةِ." ثم كَتبَ لوحة للصّليبِ، بينما كان كتّابه ينَسخَون الحكم عدة مرات، لُترسل هذه النّسخِ إِلى المناطق البعيدةِ من البلدِ. استاء رؤساء الكهنة بشدة من كَلِماتِ الحكم، التي قالوا إنها ليست صادقة؛ وأحاطوا المحكمةَ بصخب سْاعين أن يُقنعوه بأَنْ يُعدّلَ اللوحة، وأَلا يَضعُ كلمة ملك اليهودِ، بل أنه قالَ، أنا ملكُ اليهودِ. اغتاظ بيلاطس وأجابَ بشكل غير صبور، " ما قَدْ كَتبته قَدْ كَتبته! ' لقد كَانوا حريصينَ أيضاً على ألا يكون صليبِ يسوع أعلى من صليبي اللّصين، لكن ذلك كان ضروريَا، وإلا لن يكون هناك مكانَ كافٍ لوضع لوحة بيلاطس؛ لذا كانوا حريصين على أَنْ يُقنعوه بألا تُوضع هذه اللوحة البغيضِة بالمرة. لكن بيلاطس كان مصمماً ولم تؤثر كَلِماتهم عليه؛ لذا كان لابد من تطويل الصّليب بقطعةِ إضافية من الخشبِ. ولذلك كان شكل الصّليبِ مميزاً, بدا الذراعان مثل فرعىِ شجرةِ ينْموان من جذعِ شجرة، والشّكل كَان على شكل حرف y، الجزءِ السفلي أطَوّلَ لكي يرتفع بين الذراعين اللذين قَدْ وُضِعاَ منفصلين، وكَانَا أنحفَ من جسمِ الصّليبِ. سُمّرتْ قطعة خشب قرب نهاية ساق الصّليبِ لتستقر عليها القدمان. خلال الوقت الذي كان فيه بيلاطس يُعلنُ حكمه الجائر، رَأيتُ زوجته، كلوديا بروكليس، تُرد له التعهد الذي سبق أن أعطاه لها، وفي المساءِ تَركتْ القصر وانضمت إلى رفاق يسوع، الذين أخفوها في قبو تحت الأرضِ في دارِ لعازر في أورشليم. بعد ذلك في نفس اليوم. صارت كلوديا بروكليس مسيحيةَ وتبعت القديس بولس وأصبحت أحد رفاقه المقربين . ما أن أعلن بيلاطس حكمه على يسوع حتى أُسلم إلي أياديِ الجنود، والملابس التي قَدْ تبدلت في محكمةِ قيافا أعادوها إليه ليرتديها ثانية. أَعتقدُ أن بعض الأشخاصِ المُحسنين قَدْ غَسلوها، لأنها بدت نظيفة. الأشرار الذين أحاطوا بيسوع حَلّوا يديه ليبدل رداءه، وجذبوا العباءة القرمزية التي كَسوه بها ليسخروا منهِ، بذلك تفتحت كل جراحه مرة أخرى؛ أرتدي ملابسه بأيادي مرتعدة، والقوا وشاحه على كتفيه. ولأن تاجِ الشّوكِ كَانَ كبيراً جداً ومنِعَ العباءة الغير مُخيطة، التي صنعتها له أمه، من المرور من رأسه، نزعوه بقسوة، غير عابئين بالألمِ الذى وقعَ عليه. القوا رداؤه الصّوفي الأبيض بعد ذلك على كتفيه، وأعطوه حزامه العريض وعباءته. بعد هذا، ربطوا ثانية حلقه مغَطّاة بقطع حديديةِ مدببة حول خصره، ورَبطوا بها الحبالَ التي اُقتيد بها، فاعلين كل ذلك بقسوتهم الوحشيةِ المعتادةِ. كَانا اللّصان يَقفانِ، واحد على يمينِ يسوع والآخرِ على يساره، أياديهم مقيدة وكانت توجد سلسلةَ حول رِقابهم؛ وقَدْ تغُطّوا بعلاماتِ سّوداءِ وزرَقاء مِن أثر الضرب, نتائج الجَلْدِ فى اليومِ السّابقِ. وكان سّلوك أحدهم هادئاَ ومسالمَ، بينما الآخرِ على العكس، كَانَ عنيفا ووقحاً، وشارك الجنود في إهانةِ يسوع والتجديف عليه، بينما نَظرَ يسوع على رفيقيه بحبِّ وشّفقةِ، وقدم آلامه لأجل خلاصهما. جمع الجنود كل ما هو ضروري من أدواتِ لأجل الصّلبِ، وأعدوا كل شيء للرّحلةِ الشاقة والمؤلمةِ إِلى الجلجثة . تَخلّى حنان وقيافا أخيرا عن مُعَارَضَةِ بيلاطس، وانسحبا بغضب، آْخذُين رقّ الكتابةِ التي كُتِب عليها الحكم؛ خَرجوا في عجالةِ، خشية أَنْ يصلوا الهيكلِ متأخرين لذبح الفصحِ. هكذا فعَلَ رؤساء الكهنة بجهل، تاركين حملِ الفصحِ الحقيقيِ. لقد ذَهبوا إلى هيكلِ مصنوع من حجارةِ، ليذبحوا ذلك الحملِ الذي لم يكن سوى رمزَ، وتَركوا حملَ الفصحَ الحقيقيَ، الذي كَانَ يُقاد إِلى مذبحِ الصّليبِ مِن قِبل جلادين قساة؛ لقد كَانوا حريصين ألا يرتكبون أدنى تلوث خارجي، بينما كانت نفوسهم من الداخل مدُنّسَة بالكامل بالغضبِ والكراهية والحسد. لقَدْ قالوا " أن دمه علينا وعلى أولادنا ! " وبهذه الكَلِماتِ أتموا الطقس، حيث وَضع مُقدم الذبيحة يده على رأسِ الذبيحة. هكذا تشّكل طّريقان, طريق يقود إِلى مذبحِ يختص بالشريعة اليهوديةِ، وآخر يقود إِلى مذبحِ النّعمةِ. اَخذَ بيلاطس، ذلك الملحد المتكبر والمتردّدِ، عبدِ ذلك العالمِ، الذي ارتعدَ في حضرة الإله الحقيقيِ، ومع ذلك مَجّدَ آلهته الكاذبة، طريقَاً متوسّطَاً وعاد إِلى قصره. صدر الحكم الجائر في حوالي العاشَرة صّباحاِ. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 59 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() الفصل الأربعون حِمل الصّليب عندما ترك بيلاطس المحكمةَ تبعه جماعة من الجنودِ، وصاحبوا المذنبين. جاء ثمانية وعشرون فريسياً مُسَلَّحاً إِلى الساحة على الجيادِ، من أجل أَنْ يُرافقَوا يسوع إِلى موضع تّنفيذِ الحكم، ومن بين هؤلاء كَان أعداءَ يسوع السّتة، الذين سَاعدوا في اعتِقاله في بستان الزّيتونِ. أقتاد الجنود يسوع إلى منتصفِ القاعةِ، طرح العبيد الصّليبَ عند قدميه، والذراعان قَدْ رُبِطا حالاً على القطعة العمودية. ركع يسوع بجانبه، طَوّقه بيديه المقدّسةِ، وقَبّله ثلاث مرات، موجهاً في نفس الوقت، صلاة شكر مؤثرة للغاية إِلى أبيه السّماويِ لأجل عملِ الفداء الذي قَدْ بَدأهَ. لقد كان التقليد بين الأمم أَنْ يُعانقَ الكاهن المذبح الجديد، ويسوع بمثل ذلك عَانق صليبه، ذلك المذبحِ الجليلِ الذي كَان عَلى وَشَكِ أَنْ تُقدم عليه الذبيحة الدّمويةِ والكفاريةِ. أنهضه الجنود وبعد ذلك سْجدُ ثانية، ووُضع الصّليبِ الثّقيلِ على كتفه الأيمنِ، سانداً وزنه العظيمَ بيدّه اليمنى بينما كَانَ على رُكَبتيه وكان ما زالَ يَصلّي . وضع الجلادون أذرع الصليبان الآخرين على ظهرِ اللّصين، ورَبطواْ أياديهم بإحكام بها. الأجزاء العمودية للصّليبينِ حملها بعض العبيد، لأن القِطَعِ المستعرضةِ لم تكن مثبتة حتى قبل وقتِ التّنفيذ. أعلن صَوّتَ البوقُ مغادرة خيالةِ بيلاطس، وجاء أحد الفريسيون الذى ينتمى إلى الحرس إِلى يسوع، الذي كان لا يزالَ راكعاً وقالَ له " انهض، لقد أَخَذنا كفايتنا من الكلام المعسول؛ اَنْهضُ للمسير " لقد أقاموه عنوة، لأنه كَانَ عاجزَا بالكليةً عن أَنْ يَنْهضَ بدون مساعدة، وشَعر على أكتافه بثقل ذلك الصّليبِ الذي يَجِبُ أَنْ نَحْملَه خلفه، طبقاً لوصيته الصادقة والمقدّسة بأَنْ نتبعه. هكذا بَدأَ ذلك الموكبِ المنتصرِ لملكِ الملوكِ، موكب بغاية الخزي على الأرضِ، وبغاية المجد في السّماءِ. سند جنديان الصليب بواسطة الحبال التي ربطها الجلادون به، ليَمْنعَا تُشَابَكه في أي شئ، وأمسك أربعة جنود آخرين بالحبالِ الأربعة، التي رَبطوها بيسوع أسفل ملابسه. منظر إلهنا الحبيب مَرتجف تحت حمله، ذَكّرني بإسحاق، عندما حَملَ حطبَ محرقته إلى الجبلِ. أعلن بوق بيلاطس الأمر ببدء الموكب، لأنه نَوى أَنْ يَذْهبَ بنفسه إلى الجلجثةِ علي رأسِ فصيلةِ من الجنودِ، ليَمْنعَ أى إمكانية للتمردِ. كَانَ على صهوة جوادِ، مُغطى بدّرعِ ومحاطَ مِن قِبل ضّبّاطه وسلاح الفرسانِ، ويتبعه حوالي ثلاثمائة من المشاةِ. تقدم الموكب نافخ البوق الذي نفخ بوقه في كل زاويةِ وأعلن الحكم. سار عدد من النِّساءِ والأطفالِ خلف الموكبَ بالحبالِ والمسامير والأوتاد وبسلال ممتلئة بأشياء مختلفةِ في أياديهم؛ الآخرون، الذين كَانوا أقوىَ، حملوا السلالم والقطع الرأسية لصليبي اللّصين، وتَابع بعض من الفريسيون الموكب على ظهور الجيادَ. حمل صبى اللوحة التى كتبها بيلاطس للصليب، حَملَ أيضا علي طرف عصى طويلةِ إكليل الشوك الذي كان قَدْ أزيل عن رأس يسوع، أنه لم يبدُو شّريرا وقاسياِ مثل الباقينِ. بعد ذلك رأيت مُخلّصنا المباركَ وفادينا, قدميه عاريتين ومتورمين تَنزفان وظهره منحنى كما لو كَانَ عَلى وَشَكِ الغرقَ تحت الوزنِ الثّقيلِ للصّليبِ، وجسده بالكامل مغَطّي بالجراحِ والدّمِ. بَدا بغاية الإعياءِ لكونه لم ينام ولا شرب منذ عشاء اللّيلةِ السّابقةِ، بدا ضعيف من نزف الدّماءِ، ظمآن نتيجة الحمىِ والألمِ. لقد كان يسند الصّليبَ الموضوع على كتفه الأيمن بيدّه اليمنىِ، يده اليسرى تدلت بضعف بجانبه، لكنه حاول من وقت لأخر أَنْ يمسك بها رداؤه الطّويل ليَمْنعَ قدميه النَّازِفتين من أن تتُشَابَكا معه. سار الجنود الأربعة الذين أمسكوا بالحبال التي رُبِطتْ حول خصره بعيدا عنه قليلا، الاثنان اللذان فى الأمامِ يسحبانه، والاثنان اللذان فى الخلف كانا يجرانه للخلف، لكي لا يستطيع الَتقدّمَ بالمرة إلا بصّعوبة. يداه تقطعَتا مِن الحبالِ التي قُيد بها؛ وجهه كان ملطخاً بالدماء ومشَوّهَاً؛ شعره ولحيته مشبعان بالدّمِ؛ وزن الصّليبِ وقيوده جعلت رداؤه الصّوفي يخترق جراحه، ويُعيدُ فتحها: الكَلِمات الساخرة والقاسية هى فقط التى وُجهت إليه، لكنه استمرَّ يَصلّي من أجل مضطهديه، ومُحياه يُبدى تعبيراً ينم عن الحبِّ والاستسلام. سار عديد من الجنودِ المسلّحين بجانبِ الموكبِ، وبعد يسوع جاءَ اللّصان، اللذان كانا يُقتادان على نفس النمط، أذرع صليبيها، مَوْضُوعَة على ظهريها وأياديهم مقيدة بأحكام بنهايتها. كانا يرتديان مآزر كبيرةِ، مع وشاح بلا أكمام يغَطّى الجزء الأعلى من جسمهما، وكَانا يرتديان قلنسوتين على رأسيهما. اللّص الصغير السن كَانَ هادئا، لكن الآخرَ كُان على العكس، غاضبا ولم يتَوقّف عن اللَّعْن والسب. مؤخّرة الموكبِ كان بها بقيّةِ الفريسيون على ظهور الجيادِ، كانوا يمشون ذهاباً وإياباً لحفظ النظام. بيلاطس وحاشيته كَانواَ علي مسافةِ فى الخلف؛ كان في وسطِ ضبّاطه مرتدياً دّرعهِ، تسَبقَه فرقة من سلاح الفرسانِ، ويتَلوه حوالي ثلاثمائة جندي من المشاةِ؛ عَبرَ الساحة، وبعد ذلك دَخلَ أحد الشّوارع الرّئيسية، لأنه كَانَ يسير خلال المدينةِ من أجل أَنْ يَمْنعَ أي شغب بين الشعب . اقتيد يسوع من شارعِ خلفيِ ضيّقِ، لكى لا يُزعج الموكب الأشخاص الذاهِبينَ إلى الهيكلِ، ولكي يأخذ بيلاطس وفرقته الشّارعُ الرّئيسيُ بالكامل لأنفسهم. الجموع كانت قد تفَرّقَت بعد قِراءةِ الحكم، والجزء الأعظم من اليهودِ أمّا رَجعوا إِلى بيوتهم أو إِلى الهيكلِ، ليعدوا حمل الفصح؛ لكن البعض منهم كانْ لا يزالَ يُسْرِع في فوضىِ كي يبصروا مرور الموكبَ السّوداوي؛ منع الجنود الرّومان كل الأشخاصِ من الانضمام للموكبِ، لهذا كان الأكثر فضولاً مضطراً أَنْ يتجه نحو الشّوارعِ الخلفيةِ، أو أَنْ يُسرّعَ ليصلَ الجلجثة قبل يسوع. الشّارع الذى اقتادوا يسوع خلاله كان ضيقاً وقذراً؛ لقد عَانى الكثيرَ من المرورِ منه، لأن الجنود كَانَوا قريبين ويحثونه. الأشخاص الذين وَقفوا على أسطح البيوت، وفي النّوافذِ أهانوه بلّهجة مخزيةِ؛ العبيد الذين كَانوا يَعْملونَ في الشّوارعِ القوا القاذورات والطينَ عليه: حتى الأطفال حَرّضهم أعداؤه، لقَدْ ملئوا جيوبهم بالحجارة، وكانوا يلقونها أمام أبوابهم حيث كان سيعَبرَ يسوع، لكى يضطر أَنْ يَدُوسَ عليها. |
||||
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 60 ) | ||||
..::| VIP |::..
![]() |
![]() تأمل الرب يسوع بينما كان قلبي مستغرقاً فى الحزن من أجل هلاك يهوذا الأبدي، وَضع الجلادون القساة، عديمي الحس بآلامي، الصّليبِ الصّعبِ والثّقيلِ على كتفي المَجْرُوح, الصليب الذي كان علىّ أَنْ أُكملَ علية سر فداء العالم ِ. تأمّلوني يا ملائكة السّماءِ. انظروا خالقَ كل الأعاجيب؛ انظروا الإله الذي تُقدم إليه كل الأرواحِ السّماويةِ الإجلال؛ انظروا الإله يَسْير نحو الجلجثةَ حاملاً على كتفيه الخشبة المقدّسةِ والمباركةِ؛ انظروا الإله الماضي كي يُلفظ أنفاسه الأخيرة. اَنْظروا إلى أيضا يا أحبائي, يا من ترغبوا فى أنْ تَكُونواَ مُقتدين أمناء بى. إن جسدي المُنسحق بكثير من العذابات يَمْشي بلا قوةَ، مغسولاً في العرقِ والدّماء .... إنى أُعاني، بدون أن يكون هناك أي أحد آسفاً على آلامي! الغوغاءُ يَمْشون معي ولَيسَ هناك شخصَ واحد يَشْعرُ بالرحمة تجاهي. إنهم جميعاً يُحيطون بي كذّئابِ جوعي تُريد أَنْ تَلتهمَ فريستها... كل الشّياطينِ جاءتْ من جهنمِ كى تَجْعلَ آلامي أسوأ. إنّ الإعياءَ الذي شْعرت به كان عظيماً جداً والصّليبُ ثقيلُ جداً حتى أننى فى منّتصف الطريقِ، سْقطُت. انظروا كيف يَنهضوني أولئك الرّجالِ المتوحشين بغاية الوحشية. أحدهم يجذبني من ذّراعي، آخر يجذب ملابسي المُلتصقة بجراحي، بتُمزّقها انَفْتحَت جراحي مرة أخرى.... هذا الحارس يمسكني من رّقبتي، الآخر من شّعري، آخرون يضربونني بقبضات أياديهم وكذلك بأقدامهم ضرباتِ موجعة في جميع أنحاء جسدي. سّقط الصليب فوقي وبوزنه تسبّبُ فى جراحَ جديدةَ... وجهي نظّفُ أحجارِ الطّريقِ والدّمِ الذي نزف من وجهي التصق بعيني اللتين انَغْلقتاِ تقريباً بسبب الضّرب الذى نالاهما؛ التراب والطّين اختلطا بالدّمِ وقد تحوّلتُ إلى شيء أكثر من كريه. أرسلْ أبى ملائكةَ لمعونتي لمساندة نفسي لكي لا يفقد جسدي الوعي عندما يَسْقطُ، حتى لا تُحسم المعركةَ قبل أوانها ويُفقد كل شعبي . لقد دُسُت على الأحجارِ التي أدمت قدمايّ. تعثّرتُ وسْقطُت مرة ومرة أخرى. نْظرتُ إلى جانبيِ الطّريقِ، بْاحثاً عن نظرةِ حب صغيرةِ، نظرةِ استسلام، نظرةِ اتحاد بآلامي، لكنى لم آري ولا نظرةِ واحدة. أبنائي، يا من تَتبعوا آثار خطاي، لا تَتْركُوا صليبكَم حتى وإن بدا ثقيلاً جداً. افعلوا هذا من أجلى. بحَمْلِ صليبكَم، سَتُساعدونني على حْملُ صليبى، وفى الطّريقِ الصّعبِ، سَوف تَجدُون أمي وكل النفوس المقدّسة وسيَعطونكَم المساندة والراحة. استمرّْوا معي لبضع لحظاتِ، وبعد عدة خطوات ستبصرونني بحضورِ أمي المقدّسةِ التي خْرجُت كى تلاقيني وقلبها مطعون بالألمِ, لقد جاءت لسّببين: أولهما لتنال المزيد من القوة لمواجهة آلامها برؤية إلهها، ثانيهما كى تَعطي ابنها بصمودهاِ البطولي التشجيع ليَستمرّ فى عمل الفداءِ. خذوا بعين الاعتبار استشهاد هذين القلبين. إن ما أحبته أمي بالأكثر هو ابنها.... أنها لا تستطيع أَنْ تُهدّئَ آلامي وهي تَعْرفَ أنّ زيارتها سَتَجْعلُ آلامي أكثر سوءاً، لكن ذلك سَيَزِيدُ قوتي أيضا كى أنفذ مشيئة الأب. إن أمي أعظم حبيب لى على الأرضِ، وليس فقط أننى لم أستطع أَنْ أعزيها، بل أن الحالة الحزينةَ التى َرأتني عليها سبّبُت لقلبها آلاماً عميقة مثل آلامي. لقد دعت تنهداتها تفلت منها. لقد تلقت في قلبها الموتِ الذي كنت أَعانيه في جسدي.أه كم ثبّتتُ عينيها عليّ وثبّتُ عينيّ عليها! نحن لم نَنْطقُ بكلمة واحدة، لكن قلبينا قالا أشياءِ كثيرة في هذه النّظرةِ المؤلمةِ. نعم، لقد شَهدتْ أمي كل عذابِ آلامي من خلال رؤى سمائية. بِضْع تلاميذ، بالرغم من إنهم ظلوا بعيدينًَ خوفاً من اليهودِ، إلا أنهم حَاولَوا أَنْ يَكتشفوا كل شيء ويُعلمُوا أمي. وعندما وَجدتْ أنّ حكم الموتِ قَدْ صدر بالفعل، رحلت كى تُقابلني ولم تتَركني حتى وَضعوني في القبرِ. |
||||
![]() |
![]() |
|