منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 09 - 09 - 2014, 02:31 PM   رقم المشاركة : ( 5921 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,044

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الندامة
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



لا معنى أبداً لسر التوبة ما لم ترافقه الندامة أي التوبة الباطنية والقصد الصادق في اتخاذ الوسائل اللازمة لمحاربة الخطيئة.

والندامة لا تخشى النزول حتى عمق الخطيئة، حتى عمق الكيان. ففي الشعور الصادق بالذنب أمسك خطيئتي بيدي وأنظر إليها وجهاً لوجه، واعترف بها، واقبلها. وأتحمل نتائجها، وفي الوقت نفسه أنكرها فكرامة الإنسان الكبرى وعظمته تقومان على تحمله مسؤولية عمله.

فالندامة إذاً هي قرار عميق يتخذه التائب في عمق كيانه بالعودة إلى كنف الثالوث الأقدس للانطلاق في مرحلة جديدة من حياته ويوجه فيها كل طاقاته إلى محبة الله والقريب.

تنطوي الندامة على تغيير في العقلية وتبدل في التفكير، إنها انقلاب على الذات، عزوف عن الخطيئة وعودة إلى الله أنها موت للحياة حسب قول بولس:"نحن الاحياء. نسلم دائماً إلى الموت من أجل المسيح، لتظهر حياة المسيح أيضاً في جسدنا المائت." (2قو4/11).

والندامة هي التي قادت بطرس إلى دموع التوبة. أما التحسر فقاد يهوذا إلى حبل الشنق.

ولا مجال للمصالحة بدون الندامة أي التأسف على إهانة الله والقريب والعزم على عدم الرجوع إلى الخطيئة والعودة إلى الله.

وتكون الندامة مطلقة وشاملة عندما نعطي الله الأولوية ولا نُفضل عليه شيئاً واحداً وأن نرذل جميع خطايانا المميتة دون استثناء لأنها تمس الله في صداقته مساً خطيراً ونرذل جميع الخطايا العرضية لأنها تنال من صداقة الله أيضاً.

والندامة نوعان:



1- كاملة: إن الندامة كاملة إن هي انطلقت من محبة صادقة لله ومن الشعور بأننا أهنا كائناً كنا قد اخترنا أن نحبه فوق لك شيء.

2- غير كاملة: تكون الندامة غير كاملة إن هي انطلقت من دافع إيماني غير المحبة كالعدل الإلهي مثلاً.



وتقتضي الندامة أن يكون عند التائب نية التغير والتجدد والأمانة للرب واتخاذ الوسائل الواقعية والممكنة لمنع التكرار فإن المسيح يشدد دائماً على ذلك. "اذهبي. ولا تعودي إلى الخطيئة من بعد." (يو8/11).

وإن صدمنا بقلة النتائج الظاهرة في صراعنا ضد الخطيئة فهذا لا يعني عدم صدق الندامة. فالإنسان ضعيف ونعمة الله ليست عصا سحرية، نعمته خمير يفعل فعله وإن لم يكن بالسرعة التي نتمناها إنما هي تجعلنا ننهض من كبوتنا ونجدد العزم على المضي قدماً.



 
قديم 09 - 09 - 2014, 02:32 PM   رقم المشاركة : ( 5922 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,044

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الاعتراف
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يقول لاكروا في الاعتراف: "إن رفض الاعتراف بالذنب هو رفض الذات والشعور الصادق بالذنب هو ثمرة للنقد الذاتي أي الاعتراف بوجود نقص وعدم اكتمال، وإدراك للمجهود الذي به يمكننا متابعة اكتمالنا وتحقيقه".

كثيراً ما كان كبار القديسين يلجأون إلى سر التوبة مثل: فرنسيس، منصور دي بول، تريزيا الطفل يسوع، شربل مخلوف... ذلك أن المرء كلما تقدم في القداسة، اكتشف ضعفه وازداد شعوره بأدنى الهفوات.

ومنهم ما كان يعترف يومياً مثل مار منصور ذلك أن الزجاج كلما ازداد نقاوة وصفاء ازداد تأثراً بأدنى الغبار.



أما الإنسان البعيد عن القداسة فيعترف كلما شعر بالحاجة إلى التوبة الصادقة. كالتكفير عن سقطة جسيمة، تقويم عادة سيئة خطرة اقبال على حياة جديدة (زواج_نذور....) الاحتفال بالأعياد الكبرى كالميلاد والفصح والعنصرة..

أو بمناسبة رياضة روحية أو خلوة شخصية أو نهضة كنسية.

كل ذلك شرط أن لا يصبح الاعتراف عادة رتيبة، فالاعتراف هو الاعتراف برحمة الله ومحبته الغافرة، قد نظر إلي أنا الخاطئ فأشيد له واعترف برحمته ومحبته وأن المسيح قد أدركني بمحبته ، فأسعى أن أدركه بمحبتي.

فالاعتراف مصالحة، والمصالحة حدث يحتفى به، كما كان من أمر المجدلية وزكا العشار والابن الشاطر.. وكما في القرون المسيحية الأولى في رتبة العماد.

قد يقول البعض لماذا أعترف بخطاياي وأنا عالم بأني سوف أعود إلى الخطيئة في المستقبل؟



الجواب: هو أنه ينطلق من نظرة خاطئة إلى سر التوبة , تعتبر هذا السر مجرد ً غسل من الخطايا ً فهذا لا يعفيني من أن أكون نظيفاً الآن، ورفض الغسل يزيدني تلوثاً، فالتوبة ليست مجرد غسل من الخطايا بل هي عودة الى محبة الله التي ابتعدت عنها.

إنها إعلان لمحبة الله التي ترافقني في كل أعمالي الصالحة والشريرة في الماضي والحاضر والمستقبل ، ولأمتلئ من محبة المسيح، التي تدفعني إلى الأمام لتكون حياتي في المستقبل جواب محبة على محبة الله الدائمة.

إن رفض الاعتراف بالذنب هو رفض السمو والنمو، فحين يصل الاعتراف بالذنب الى عمق الذات، فانه يسبب قفزة وارتفاعاً ، كالكرة التي تسقط على الأرض وتصطدم بها ، ثم تقفز إلى الأعلى. وكثيراً ما يعجز الإنسان عن القفز لأنه لا يريد أن يلمس أرضية كيانه ولأنه يرفض أن يسقط الى عمق ذاته ، ففي هذه الحالة ليس هناك إعادة نظر ولا تجدد ولا سمو. فبالصلاة التي يكون موضوعها الاعتراف بمحبة الله والاشادة بالمغفرة التي يسكبها علينا على الدوام برحمته الغافرة ، نستقي القوة لمتابعة طريقنا في الحياة مع المسيح.
 
قديم 09 - 09 - 2014, 02:33 PM   رقم المشاركة : ( 5923 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,044

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الحل من الخطايا

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

إن الكاهن يمثل الكنيسة التي تمثل الله والبشر، فالكاهن خادم سر التوبة، يمثل الله والبشر معاً، فالذي يغفر الخطايا ليس الكاهن ولا الكنيسة بل الله نفسه، والكاهن ليس سوى شاهد لحضور المسيح. والتائب لا يقرّ بخطاياه أمام إنسان بل أمام المسيح وأمام الله.

ان الكنيسة تندد بالخطيئة التي هي منافية لحياة الله فلا مساومة بينها وبين الخطيئة، ولا تواطؤ بينها وبين الشرير، شأنها شأن عريسها: "من كان من الله سمع كلام الله ، فإذا كنتم لا تسمعون فلأنكم لستم من الله بل أولاد ابيكم ابليس".ً ( يو 8 / 47-44 ). فالكنيسة على غرار سيدها تربط الخطيئة صراحة وجهرا كما أنها يمكن أت تحرم الخاطئ من حياة الشركة كالتناول (متى 18- 17) ولكنها في نفس الوقت تخضع نفسها وحكمها لسيدها.



يمتد دور الكنيسة إلى أن تحل ما ربطته مانحة التائب غفران الله، وتحرره وتدخله في شعب الله، لأن الله جامع البشرية في جسده، أي الكنيسة.

هكذا تصرف المسيح في حياته العلنية، إذ غفر الخطايا للمقعد عندما لاحظ إيمان الجموع، ومع السامرية التي دعت أهل بلدتها للمشاركة بيسوع في حياتها الجديدة ، فتصالح الجميع مع يسوع. ومثل اللاوي وزكا والمرأة الخاطئة والزانية ولص اليمين صفح عنهم يسوع أمام الجميع كما صفح عن بطرس أمام التلاميذ ، ومثل الابن الشاطر عندما أدخل الاب ابنه المهتدي الى بيته وأهله، خلافا للابن البكر الذي رفض الدخول.

فمثلما تصرف يسوع تتصرف الكنيسة، فلا تحل الخاطئ حلاً فردياً بل جماعياً تدخله في جماعة المؤمنين وتحضنه من جديد.فلا بد من المبادرة الاولى من قبلنا، مبادرة الاقرار والانهيار لكي تتم المصالحة ويغمرنا الرب بعطاياه.



روى أحدهم أن شحاذاً انتظر يوماً مرور الأمير في المنطقة، وهو يقول في نفسه: "هذه فرصة العمر"..

أطل الموكب الملكي. وقف الشحاذ على حافة الطريق ومدّ يده. وإذا بالأمير يوقف عربته، ينزل منها، يمد يده هو نحو الشحاذ مستعطياً!.. ذُهل الشحاذ! لكنه أخرج من جيبه حبة قمح واحدة، ووضعها في يد الامير... وفي المساء أفرغ الشحاذ جيوبه، فوجد بين حبوب القمح العديدة حبة واحدة من ذهب.

فلطم جبينه وقال :" ليتني أعطيته كل ما معي ". هكذا هو الله انه يتخذ منا في سر التوبة موقف الشحاذ "أعطني خطاياك". وهو يريد أن يغدق علينا ذهب السماء كله أي ملئ الحياة حياته هو، لكنه لن يستطيع شيئا، احتراماً لنا ، ما لم تصدر منا مبادرة الإقرار.



 
قديم 09 - 09 - 2014, 02:33 PM   رقم المشاركة : ( 5924 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,044

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مفاعيل سر التوبة
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



ان سر التوبة لا ينتهي بالحلة التي ينالها التائب من الله والمسيح بواسطة الكاهن، بل يمنح التائب السلام والوحدة مع الله ومع نفسه والآخرين ومع الكنيسة والعالم:

1- مع الله: إن الله لا يكتفي بأن يمنح غفرانه، بل ويمنح ذاته وحبه، بحيث يأتي الى الخاطئ، آباً وابناً وروحاً قدساً، يجعلون عنده مقرهم. ( يو 14 / 23 ).

فالتائب يفتح باب قلبه للإله الواقف وهو يقرعه طالباً السماح بالدخول ( رؤيا 3\20 ). وإذا فعل يصبح المسيحي المملوء خلقاً جديداً على مثال المسيح: ابناً في الابن: "اعتمدنا بروح واحد لجسد واحد" (1كو 12/13).

"إن الذي مسحنا هو الله، وهو الذي ختمنا وجعل عربون الروح في قلوبنا" (2كو1/21- 22 ). "فصرنا شركاء في الطبيعة" ( 2 بطرس 1/4 ).



2- مع الذات: من جراء العودة إلى الذات الأصيلة المرتبطة بالله ارتباطاً كلياً ، ذلك الإله الذي يسكن الانسان ويجدده ، يبلغ الانسان اكتماله وغاية وجوده ، ويستعيد توازنه الأصلي ، وهذا لا يعني أنه يصبح معصوماً عن الخطأ، لكنه سوف يتقدم في التواضع والمحبة.



3- مع الآخرين: الاتحاد بالله لا يكون صحيحاً إن لم ينفتح الإنسان على كل إنسان، فالمحبة الحقيقية لا تعرف الحدود، والاتحاد بالله يكون وهماً إن هو انغلق على الذات الإلهية أو الذات الشخصية، ولم ينفتح على الذات الأخوية.



4- مع الكنيسة: لأن الله يسكن في الكنيسة، كما في هيكله، ولأن جميع الأخوة أعضاء الجسم الكنسي: "نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح، وكل منا عضو للآخرين" ( رومية 12/5 ).



5- مع العالم: بحيث يعود التائب فيدخل "دينامية" قيامة المسيح الذي لا يزال يعمل في تاريخ العالم، فيلتزم في بيئته رسالة الملكوت. "اذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما اوصيتكم به وها أنا معكم كل الأيام الى انقضاء الدهر" (متى 28/19-20).

ويندد بالشر ويكافح جميع أنواع الظلم.

إن هذا التجدد لا يتوقف عند هذا الحد من السلام والوحدة مع الله والذات والقريب والكنيسة والعالم. إنما هناك اهتداء من الوثنية إلى الإيمان ومن الإيمان إلى الاندفاع الكلي في طريق الكمال. كما يقول اكليمنضوس الأسكندري.

 
قديم 09 - 09 - 2014, 02:34 PM   رقم المشاركة : ( 5925 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,044

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

البعد اللاهوتي لسر التوبة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

كل شيء ينبع من الله الخلق والعهد كمبادرة من الحب الإلهي، أي أن الله هو المبادر الأول للمحبة، وأعظم ما أوحى به إلينا يسوع المسيح أن "الله محبة"، فهو في حد ذاته محبة، لذلك هو ثالوث أي تبادل حب بين الآب والابن والروح بينهما وعطاء متبادل فيما بينهم. ومن أروع ما فاض من الله هذا الكائن البشري الذي هو على صورته كمثاله والذي أقام عهداً معه وبلغ هذا العهد ذروته عندما: "جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" ( يو 3/16-17 ).

عندما يقترف الانسان الخطيئة، فلم يقترفها في ذاتها، إنما في محبة الله، التي يرفضها الإنسان. فالخطيئة هي الوجه السلبي لمحبة الله.. لم يخلقها الله، لذلك لا وجود لها أنطولوجياً (كيانياً). هي إذاً نقص في حد ذاتها، كما أنّها نقص في الإنسان لا نقص من شيء ، إنما نقص مطلق ، إذ هي نقص من الإنسان تجاه الله وبالتالي تجاه البشر. وهي أخيراً نقص، لأن الله يخلص منها، فيزيلها، فتعود الى اللاكيان، اللاشيء ، اللاوجود. فلا تستقي الخطيئة معناها إلا عندما يحرر الله الإنسان منها أي عندما تزول.

هكذا استطاع اغوسطينوس أن يصرخ فيها: "طوباكِ، أيتها الخطيئة، لأنكِ استحققتِ لنا مخلصاً مثل هذا".

فهي تُظهر محبة الله في التجسد والفداء، ولكن في ذلك تحكم على نفسها بالزوال بفضل التجسد والفداء اللذين يحرران الانسان منها، ويستعيضان عنها بالنعمة.

ففي البدء لا خطيئة ، وفي النهاية لا خطيئة ، لذلك هي لا شيء.
 
قديم 09 - 09 - 2014, 02:36 PM   رقم المشاركة : ( 5926 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,044

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

كرازة يوحنا المعمدان بمعمودية التوبة
بحث أبائي
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

+ «جاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن، يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا» (لو 3: 3).
بين همهمات الواقفين المنتظرين دورهم في المعمودية، انفتحت السماء (لو 3: 21) وانشقَّت، ونزل الروح القدس على الرب يسوع، وهو في نهر الأردن.
والأردن يعني النزول. إنه ”نزول“ نهر الله، نزول بقوة. إنه الرب مُخلِّصنا، وفيه ننال معموديتنا بالماء الحقيقي والماء المُخلِّص. والمعمودية هي أيضاً «لمغفرة الخطايا» (مر 1: 4)(1).
الإيمان بالمسيح هو أعلى غاية للتوبة:إن ثمار التوبة هي في غايتها العظمى ”الإيمان بالمسيح“. وبجانبها الحياة الإنجيلية الحقَّة، وأعمال البرِّ والتقوى على أساس أنها المضادة لحياة الخطية. وأعمال البر هي الثمار اللائقة بالتوبة التي ينبغي على التائب أن يحياها(2).
والعلاَّمة أوريجانوس، يعتبر أن التوبة هي إعدادٌ لمعمودية يوحنا. اسمعه يقول:
[الصوت الصارخ في البرية، السابق للمسيح، كرز في برية النفس التي لم تكن تعرف السلام. ولم يكن في ذلك الزمان فقط؛ بل أيضاً الآن، نور بهيج وملتهب يأتي أولاً ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا، ثم يتبعه النور الحقيقي، مثلما قال يوحنا نفسه: «ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص» (يو 3: 30). فقد جاءت البشارة إلى البرية وانتشرت إلى كل الكور المحيطة بالأردن](3).
أما القديس يوحنا ذهبي الفم، فيرى أن إعداد الطريق هو أن نطلب ثمار التوبة. ففي عظاته على إنجيل القديس متى يقول:
[هكذا كتب النبي (إشعياء) أنه سوف يأتي قائلاً: «أَعِدُّوا طريق الرب، قوِّموا في القفر سبيلاً لإلهنا» (إش 40: 3). حتى يوحنا نفسه قال حين جاء: «اصنعوا أثماراً تليق بالتوبة» (لو 3: 8)، والتي توازي «أَعدُّوا طريق الرب» (لو 3: 4). انتبهوا، أنه من خلال كلمات النبي، ومن خلال بشارته هو نفسه؛ استُعلِن الأمر نفسه. فقد جاء يوحنا صانعاً طريقاً ومُمهِّداً وليس مُعطياً العطية - أي الغفران - ولكن مُرشداً تلك النفوس التي ينبغي أن تؤمن بإله الكل](4).
إعداد الطريق لاستقبال المسيح:أما القديس كيرلس الكبير، فيُرشد أولاده في طريقهم الروحي قائلاً:
[كان يوحنا آخر الأنبياء، وقد اختير أيضاً لكي يكون رسولاً. ولأجل هذا، حيث لم يكن الرب قد أتى، قال: «أَعدُّوا طريق الرب». وما معنى ذلك؟ تعني: استعدُّوا لاستقبال أيِّ شيءٍ يريد المسيح أن يصنعه. اسحبوا قلوبكم من ظل الناموس، استبعدوا الصور الغامضة، ولا تُفكِّروا بانحراف. اصنعوا طُرُق الله مستقيمة، لأن كل طريق يؤدِّي إلى الخير هو مستقيمٌ وسويٌّ، ولكن المُعْوَجَّ يؤدِّي بمَن يسيرون فيه إلى الهلاك](5).
ويصف العلاَّمة أوريجانوس الطريق الذي يعدُّه يوحنا المعمدان بأنه في القلب، فيقول:
[«أَعدُّوا طريق الرب»، ما هو هذا الطريق الذي ينبغي أن نعدَّه للرب؟ بلا شكَّ أنه ليس طريقاً مادياً. وهل يمكن أن يَعْبُر كلمة الله مثل هذه الرحلة؟ أَلاَ ينبغي أن يُعَدَّ الطريق للرب في الداخل؟ أَلاَ ينبغي أن تُبنَى الطُرُق المستوية والسهلة في قلوبنا؟ هذا هو الطريق الذي دخل به كلمة الله. هذا هو موضع الكلمة: في أماكن القلب الإنساني](6).
مجيء الخلاص:ويرى القديس يوحنا ذهبي الفم أنَّ إشعياء النبي يتنبَّأ أن التغيُّر في الطبيعة يشير إلى مجيء الخلاص. اسمعه يقول:
[حينما يقول: «كل وادٍ يمتلئ، وكل جبل وأَكَمَة ينخفض، والشعاب تصير طُرُقاً سهلة»، فإنه يُشير إلى ارتفاع المتضعين واتضاع الواثقين في أنفسهم، فغلاظة قلب الناموس تغيَّرت إلى يُسْر الإيمان. لأنه يقول لا يكون بعد تعب ومشقة، ولكن نعمة وغفران الخطايا، مُتحمِّلاً تكلفة الطريق إلى الخلاص. ثم يذكر أسباب هذه الأمور: «يُبصر كل بشرٍ خلاص الله»، ليس فقط يهود ودخلاء؛ بل كل الأرض والبحر وكل جنس البشر سوف يخلصون. ويقصد بكلمة ”الأشياء المُعْوجَّة“ كل حياتنا الفاسدة، العشَّارون والزواني، اللصوص والسَّحَرة، وكل مَن انحرف من قبل، كلهم يعودون إلى الطريق الصحيح. مثلما قال الرب يسوع نفسه: «إن العشَّارين والزواني يسبقونكم إلى ملكوت الله» (مت 21: 31)، لأنهم آمنوا](7).
لا يزال حتى الآن يعمل:ويُشير العلاَّمة أوريجانوس إلى أنَّ بشارة يوحنا المعمدان في الإعداد لمجيء المسيح ما تزال تعمل حتى الآن، فيقول:
[إني أومِن أن سرَّ يوحنا لا يزال يعمل في العالم اليوم. إن كان أحد سيؤمن بالمسيح يسوع، فإنَّ روح يوحنا وقوته تأتي أولاً إلى نفسه، و”تُعدُّ شعباً مستعدّاً للرب“، فتجعل طُرُق القلب الخشنة سهلة، وتُعدِّل طُرُق القلب](8).
أما القديس أُغسطينوس أسقف هيبُّو، فيصف ”خلاص الله“ بأنه ”مسيح الله“، فيقول:
[انتبه إلى النص: «ويُبصر كل بشرٍ خلاص الله». ليست هناك أية صعوبة أن يكون المعنى: ”ويرى كل بشر مسيح الله“. على كلٍّ، لقد رأينا المسيح في الجسد، وسوف نراه في الجسد حين يأتي مرة أخرى ليدين الأحياء والأموات.
والكتاب المقدس يحوي نصوصاً كثيرة تبيِّن أنه «خلاص الله»، خاصةً كلمات الرجل الشيخ الوقور سمعان، الذي أخذ الصبي بين يديه وقال:
«الآن، تُطلِق عبدك، يا سيِّد، حسب قولك، بسلام. لأن عينيَّ قد أبصرتا خلاصك» (لو 2: 30،29)]
 
قديم 09 - 09 - 2014, 02:43 PM   رقم المشاركة : ( 5927 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,044

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

غربةُ الإنسان في عصرنا
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


تركوني أنا ينبوع المياه الحي واحتفروا لأنفسهم آباراً، آباراً مشقّقة لا تمسك الماء" (ارميا ٢:۱٣).

يؤكد غير قليل من المعطيات السائدة في بيئاتنا الاجتماعية أننا نعيش في عصر لا يقيم وزناً لفضائل مثل التيقظ الروحي والسهر على حفظ الحواس وصون النفس من الزلل. مجتمعاتنا الجادة في طلب السعادة عبر وسائل اللذّة والاستهلاك والتكنولوجية لم تعد تتحسس الابعاد الروحية للقيم كالجمال والطبيعة والفن والجسد... البشر جملةً في حركة متسارعة الى اللهو.

كلام كثير يذاع هنا وثمّة عن "حقوق الانسان"، ومعظمه لا غاية له سوى استغلال الانسان وانتهاك حرماته أو بكلام آخر جعله باسم الحرية عبداً. هذا، ويذهب غير قليل من المحلّلين الاجتماعيين الى أن فلسفات الأنسنة والتي هي وليدة عصور "التنوير الغربي"، لم تترك مكاناً للبعد الروحي في حياتنا. حضارة اليوم تدعو كلّ واحد منّا وتمهّد له السبيل للاستغناء همّا هو ديني روحي، ليكتفي بالغايات الآنية لوجوده، فيرتاح الى ما يحقّقه من انجازات بشرية صغيرة كانت أم كبيرة، ويبني أهراءات المال والسلطة واللذة التي تؤمّن مستقبل مجتمعه واستقراره.



غير أن الحقيقة الأكثر صدقاً أن انساننا المعاصر، العابث، إنما يتذرّع بفلسفات الانسنة وسواها ليبرّر إخفاقه في اكتناه الحقائق الروحية وعيشها. إننا عوضاً عن أن نواجه ذواتنا برصانة وصدق نميل في معظم الأحيان الى خلق الأعذار المبنية على الظروف والمعطيات الخارجية المتعدّدة والشديدة التعقيد، لنقول من ثم إن التعاليم الروحية للكنيسة أضحت بعيدةً عن الواقع لا صلة لها بالانسان المعاصر وتطلّعاته وأشجانه.

لكن المحاسبة النزيهة للضمير تظهر غير هذا. ما ينكشف، حين نتحقق عن كثب من واقع المشكلة، أن الانسان اليوم هو بأمسّ الحاجة الى القيم المسيحية الروحية التي هي السبيل الأنجح بل الأوحد الى حلحلة أزماته وتهدئة اضطرابه.

غير أن البشر يفضلون الهروب من كل هذا. الانسان المعاصر يخاف الدين وما فيه من إلزام ووعيد، لأن الشعور بالذنب يُثقل كاهله. صورة الإله القاضي حامل الميزان في يمناه ليحاسب بصرامة كلاًّ عمّا فعل باتت منفّرة تكسر ظهر الانسان عوضاً عن أن تساعده. هذه الصورة الحقوقية لله والتي كرّسها لاهوت الغرب مع ترتوليان، مروراً بأوغسطين وأنسلمس ووصولاً الى سخولاستيكيّة الإقويني ومن حذا حذوه، جعلت الناس يجحدون الاله. ما لا شك فيه أن "اللاهوت المسيحي" في بعض اتجاهاته المدرسيّة قد أذنب إذ خسر كل إمكانية في محاورة الناس، بل جعل الانسان المعاصر يفقد غايته، يفقد الرؤيا السليمة في حياته التي كان علم اللاهوت وحده قادراً على تزويده بها. فحين ينزاح اللاهوت عن مساره الأصيل، يميل البشر الى إرواء عطشهم إما من روحانيات غريبة، وإما بالإقبال الأعمى على اللذة وأسبابها، أو بنوع من اللامبالاة وعدم الحسّ...

"اللاهوت المسيحي" يذنب حين يفقد أصالته، يفقد رسالته الرعائية التبشيرية وإمكانية شفاء الانسان وبلسمة جراحه.

لا يعود اللاهوت ذاك السامري الشفوق الذي ينحني ليرفع الانسان من وهدة جراحه. يُضحي صيغاً فكرية عقيمة لا تسلّي سوى المتحذلقين عوض أن يكون منهاجاً لشفاء الانسان "لتكون له حياة (بالاستنارة) وليكون له افضل (بالتمجيد)" (يوحنا ۱٠:۱٠).

وحدها اسرار الكنيسة قادرة اليوم على انتشال الانسان من دوامة الظروف الحياتية التي تسيّره وتستعبده. ولكن مفتاح هذا كلّه يبقى ذلك الشعور الذي انتاب الابن الشاطر حين اشتهى أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله، ولم يستطع. ساعتئذٍ، يخبرنا الإنجيل، أنه "رجع الى نفسه... وقال أقوم أذهب الى أبي وأقول له أخطأت يا ابي الى السماء وأمامك..."(لوقا ۱٥:۱٧-۱٨).



هذا الشعور بسوء حالنا، وحاجتنا الى المسارعة الى المسيح هو سرّ التوبة، الذي به وحده يمكن خلاص إنساننا اليوم.


 
قديم 09 - 09 - 2014, 02:50 PM   رقم المشاركة : ( 5928 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,044

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الشعور بالذنب المَرَضي والمعرفة الواعية للخطيئة
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


"من يعرف خطيئته خير من الذي يقيم الموتى" (القديس اسحق السرياني).

يصف علم النفس المستحدث شعورَ الانسان بالذنب بأنه حالة عُصابيّة. وأنه كسائر "الأمراض النفسية" يؤدّي تدريجيّاً بصاحبه الى شيء من التراجع فالتدهور ثم التداعي. أو على الأقل يضايقه بمقدار يحدّ من انتاجيته الفكرية والعملية بحيث يفقد فاعليته في مجتمع دينه وديدانه التنافس في الانتاج والاستهلاك.

ويماهي علماء النفس ما بين الشعور بالذنب ولون من الفرح بالخطيئة كامن في حنايا عقل الانسان الباطن، حيث يتحرك بفاعلية كبرى وهو مستعد أن يؤدّي في لحظة غير منتظرة الى الانفجار والتعبير بشكل جامح أو عنيف عن هذا التضعضع في شخصية الفرد أو حتى المجتمع برمته. وكثير من المغالين في التحليل يحمّلون الدين مسؤولية هذه الحالة. إذ يرون فيه نظاماً أخلاقياً يحدّ الانسان بموانع ونواهي لا تؤدي إلا الى كبت ما فيه من حيوية. ولكن إن طبقنا منهج سيغموند فرويد نفسه، وهو خير من درس جدلية الشهوة والكبت في الانسان، أفلا يتضح لنا أن عقدة الذنب هذه إنما تعود في جذورها الى البنية الاوديبية للأسرة، الى الاضطراب

وعدم الاتزان في مناخ العائلة التي نشأ فيها الولد في سنيه الخمس الأولى خاصّة، والى ما صادفه من صدمات وكبت في المرحلة اللاحقة في نموّه وتفتّحه الاجتماعي والعاطفي.

فمشكلة الشعور بالذنب إذاً، لا تأتي من قيم دينية يتربى عليها الانسان، بل من تلوث أو فساد في عائلته، كما نلاحظ اليوم في الكثير من البيئات "الحديثة" حيث انفرط عقد الاسرة وبات كلٌّ يعيش على هواه. الشيء الأول الذي ينبغي لنا أن نقف عنده هو أن القيم الروحية وما فيها من ضوابط، إنما تجمع شمل الاسرة وتبقي اللحمة فيها بحيث يتأمّن جوّ معتدل ملائم لتفتّح الفرد ونموّه بشكل متزن.

أما الأمر الثاني فهو أن الشعور بالذنب المرضي والناتج عن كبت وعقد، هو غير الإدراك الواعي للخطيئة الذي عبّر عنه داود في مزموره الخمسين "لأني أنا عارف بإثمي وخطيئتي أمامي في كل حين"، والذي يتأتّى من شفافيّة أو بصيرة تشبه أعين الشيروبيم الدائمة اليقظة التي تشاهد جمال الخالق وتستحي لقبحها امامه، فتشتاق الى مصالحته. والشوق يولّد في الانسان حركة، يصير فيه ديناميكيّة بخلاف الشعور المرضي بالذنب والذي ما هو إلا جمود وموت. "ووعي الخطيئة"، أي هذه الحساسية الروحية التي عبّر عنها اللّص المصلوب عن يمين المسيح وزكّا العشّار حين أدرك قصر قامته فاعتلى الجميزة، أساسٌ هامّ لفهم الانان لسرّ الاعتراف بل للحياة الروحيّة كلّها.

لا بدّ للانسان من أن يعرف معنى الخطيئة من حيث هي واقع يؤثّر على كيانه بجملته، يشتّت قواه ويبعثر مواهبه فيصير عقيماً لا يقوى على الدنوّ من مبدأ الحياة أي "معرفة الله" (يو ۱٧:٣) التي تعطي معنىً وهدفاّ لوجود كل انسان. الخطيئة تقود الانسان الى العبث. وتجاهُل الخطيئة عبر طرحها خارج مفاهيمنا الاخلاقية يقود بدوره الى العبث. لأن الحقيقة لا يقربها الانسان إلا بالمواجهة الصادقة للذات والله والمجتمع. فوعي الخطيئة هو قبل أي شيء عودة الى حيّز الواقع، أي استدراك النفس التائهة في التخيلات لحالها المتدهورة.

وهذا ما يسمّى في قاموس آباء الكنيسة "يقظة روحية" أي معرفة الانسان لحاله الواقع، وسهره على معالجة الاعوجاج فيها، والمحاولة الجادة منه للتمسك بهذا الوعي وما يصحبه من مسعى جاد. لذا فإن كل تطبيق شكلي لطقوس سر الاعتراف يبقى عديم الجدوى إذا لم يسبقه أو يصحبه نزوعُ النفس الأصيل الى تبديل ما فيها من قباحة تؤذي علاقتها الحميمة بالمسيح. شعورنا بالحاجة الى التوبة هو الأساس لسرّ الاعتراف. ولا اعتراف من غير توبة. لأن الاعتراف تكميل لما في النفس من ندامة وحزن مغبوط وشوق الى الله. الله يجتذب الانسان بنعمته الى التوبة. والتوبة تقتاد الانسان بنعمة الله إلى الاعتراف. والاعتراف يؤول بالانسان الى مغفرة الخطايا.

وما المغفرة إلاّ بدايةً للنمو الروحي. فنحن لا نعترف لنفي ديناً على الله، بل لنكسر الحواجز الدهريّة القائمة في دربنا الى وحدة الحال مع المسيح. نعترف لنعبّر لله عن تعلّقنا به، وعن حاجتنا الى نعمته الشافية، وعن رغبتنا في الانفتاح عليه والاتحاد بشخصه. وهكذا لطالما عَبَرَ المسيحيّون المجاهدون بالتوبة، وفي كل الأزمنة، من الاستنارة الى الكمال فالتمجيد بنعمة الروح القدس.



 
قديم 09 - 09 - 2014, 02:51 PM   رقم المشاركة : ( 5929 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,044

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الانسان المعاصر وأزمة التواصل مع الآخر

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



أسوأ ما في التطور الواسع النطاق لوسائل الاتصال في عالمنا، والتي يقال إنها جعلت الكون قرية صغيرة، أنها عزلت الانسان بشكل كامل عن اخيه الانسان. الثورات المتتالية، النهضة الأوروبية وما رافقها من حركة ادبية وفنية، الثورة الصناعية وما صاحبها من قيام لطبقة بورجوازية لها فكرها ومجتمعها، الثورة الفرنسية وانهيار الانظمة الملكية والثيوقراطيات، الثورة البلشفية وسيادة مارد الإلحاد، الحربان العالميتان وفقدان قيمة الانسان الذي بات يُباد كالبرغش بعشرات الآلاف، ثم ثورة الطلاب التحررية في فرنسا عام ۱٩٦٨... كل هذه وما آلت اليه من تفلت واتجار بالجنس والقيم، حوّلت العلاقات بين الناس الى آليات لا حياة فيها ولا عافية: مجرد اتجاه الى من نحتاجه أو لنا مصلحة في صحبته.

أليس هذا استمراراً لسقطة آدم التي لعنت الارض وكل ما فيها فباتت الحيوانات التي كانت تألف وجهه تفرّ هاربة منه وبات عارياً يسعى بالأغطية الى شيء من الطمأنينة أو راحة البال فلا يجد لأنه فقد محبته وفقد مصدر سلامه واستقرار.

لا أشاء أن انقض حاجة الانسان في مجتمعاتنا الى وسائل الاتصال، ولكن ما أود تسطيرَه أن هذه الوسائل باتت ناجحة في تستّر الانسان خلف قناع كاذب: يدّعي الانفتاح بينما هو يعتكف على أناه لعجزه عن تخطّي عقدها. الانسان المعاصر يتصل بالجميع ولكنه لا ينجح في لقائهم الشخصي. لا مجال البتة للقاء الوجوه.

قد تشاهد من تعرفه على شاشة الكومبيوتر ولكنك تعجز عن ان تجلس إليه لتنظر في عينيه. تتكلم كثيراً مع الناس ولكنك نادراً ما تفتح قلبك لهم، لأنه لا يمكنك أن تأتمنهم على ما في القلب. العلاقات البشرية في مجتمعاتنا غدت هكذا سطحية هامشية. والانسان بات منغلقاً على ذاته غير قادر على تخطي حدود أنانيتها. حتى فضيلة الحب لم تنجُ من هذا الداء. الحب البشري بات ملوّثاً، حبّاً أنانياً خالياً من أي بذل إلا على صعيد القبيلة أو العائلة الصغيرة. نحن اليوم في قريتنا الكونية التي تطال أطرافها أرجاء الكون بأسره ضيّقون أكثر من اي وقت مضى، فالانفتاح الحقيقي إنما يكون في تخطّي حاجز الخطيئة الذي يعرقل الانسان. كلٌّ منّا رازح تحت أعباء آثامه منكمشٌ عليها، وإن أقرّ بها فهو يقرّ بينه وبين نفسه فقط، لأنها من "خصوصياته"، أو يعترف بها "بينه وبين الله" كما يقول. كلٌ منا يحوّل حياته الداخلية الى قدس أقداس لا يلجه أحد ولا حتى المسيح لأن الباب بات مقفلاً بالخطيئة وحب الذات.

"هائنذا واقف على الباب أقرع، يقول الرب، فإن سمع احد صوتي وفتح لي أدخل إليه وأتعشى معه وهو معي" (رؤ ٣:٢٠)

المسيح يشاء بسر التوبة أن يكسر طوق الانعزال الذي يحيط بنا من خلال الخطايا. هو يدعونا الى أن ندخل في سر الكنيسة من جديد إذ نطرح على عتباتها آثامنا ونلج لابسين حلّة جديدة لنشارك الابن بالعجل المسمّن. فإن المؤمن حين يلتجئ الى الكاهن وينحني بعد اعتراف تحت البطرشيل، يدخل في هذا السر الذي به تنفتح القلوب على نعمة الله وعلىكنيسته، فيتصالح مع السماء ومع الناس ويصير من جديد وارثاً لفردوس آدم المفقود. الانسان يستعيد دالته لدى الله فتصير صلاته مسموعة مقبولة بل إحساناً الى الناس.

يخرج من ركود الخطايا القابعة في القلب الى نور جدّة الحياة، ويلتقي مجدداً الاخوة. ولعل هذا اللقاء المحبّ خيرُ دواء وسلوة للنفس المتعبة والرازحة تحت الأحمال. لأنه كما يقول فرويد "أجمل شعور لدى الانسان هو أن يحسّ المرء بأنه محبوب ممن هو يحبّه". وهذه المحبّة إن تمكنت من تخطي الأنانية كما يذكّرنا الأب يوحنا رومانيدس، فهي تصير شفاءاً للانسان. وإن رقّت بالأكثر تستحيل إيقونة لمحبة الله التي بها يكون كل بذل وعطاء، وكل "تأنٍ ورفق" (۱كور ۱٣:٤)، حتى تصطلح العلاقات الاجتماعية بخلوّها من الريب، وتتشكل بسر التوبة كنيسة المسيح ملكوت الله على الارض. لأن الكنيسة في بعدها الانساني الأعمق، ما هي إلا كما يعرّفها القديس أفرام السرياني "جماعة الخطأة الذين يتوبون".

 
قديم 09 - 09 - 2014, 02:52 PM   رقم المشاركة : ( 5930 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,044

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الاعتراف علاج للمرض الروحي في الانسان
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



"ولكن لكي تعلموا أن لابن الانسان سلطاناً على الأرض على ترك الخطايا، حينئذٍ قال للمفلوج قم احمل سريرك واذهب الى بيتك" (متى ٩:٦).

كم هو غريب هذا الأمر الذي يختبره الأرثوذكس في اعترافهم! فإنهم في لقاء مع أب روحي في اعتراف غير طويل يتمكّنون من أن يتخلّصوا من كل اضطراب أو توتر من شأنه أن يعرقل مسيرة حياتهم. بينما ترى الناس في المجتمع يصرفون الساعات والأشهر في الاختلاف الى الأطباء النفسيين، ويعللون النفس بالآمال، ويدفعون المبالغ الطائلة دون أن يحصلوا على اية نتيجة جدية تذكر.

إذ إن العلاج في أكثر الحالات يقتصر على لون من التخدير للهوى القابع في الانسان، اي خفض لحدّة التوتر في النفس عبر إيجاد الاشكال الاجتماعية المقبولة للتعبير عما فيها من أهواء معابة (ما يسمى في الطب النفسي تصعيداً). فكأن التحليل النفسي لا يسعى إلا الى إقناعنا بقبول ما في النفس من نزعات وما يسمّيه "تخطياً لعقد"، أي بكل بساطة: الرضى بما نحن عليه من عدم استقامة، ليكون بهذا "سلام الانسان".

أما في أسرار الكنيسة فالامر يختلف بالكلية. الكنيسة تصرّ على معالجة المشكلة من جذورها. وهذا يتطلب في طبيعة الحال مرشداً روحياً مختبراً وليس اي انسان. لأن الوعي الروحي المصحوب بالجهاد الحقيقي هو السبيل الى تمييز طبيعة الهوى أو مصدر التشويش في النفس ومعالجته بما يوافقه. والخبرة الأرثوذكسية في أن الانسان يتخذ مرشداً يصير له أباً روحيّاً فريدةٌ في العالم المسيحي.

فهي ليست مجالاً لتخطي الانسان لكل ذاتية في الحكم في الأمور الروحية فحسب، بل أن المسيحي، كما يوضح القديس سمعان اللاهوتي، يجد في شخص الأب الروحي من يسير امامه ممسكاً بيده ليمهد له السبيل "الى ينبوع المياه الحقيقي ليغسل فيه وجهه ويرحض كل أثر للادناس".

ولن أتوسع في مناقشة أو شرح ما يوضحه الآباء عن آلية الاضطراب الحاصل في نفس الانسان من جراء خطيئته، والذي يؤدي الى انفصال الذهن عن القلب أي تشظي شخصيّة الانسان، والتشتت في الافكار الأثيمة، ثم جمود القلب وموته. هذا البعد المورفولوجي في المرض الروحي أتركه ههنا جانباً لأقف عند البعد الاجتماعي النفسي والذي هو مرض مَلَكَة الحب في الانسان. فالحب الانساني كما ذكرنا، يصير بالخطيئة أنانياً يتجه به الانسان الى نفسه عوض أن يكون معطاءاً منفتحاً على الله والآخرين. هذه الفيزيولوجيّة المعطّلة لحواس الانسان الروحية هي تماماً المرض الروحي. فالانسان من حيث يدري أو لا يدري يستعمل كل الأشياء بأنانية واستغلال. "أناه" تصير محور الكون. وهذا الأمر، الذي لن يخالفه البتة عالم النفس ألدر، هو جذر كل خطيئة.

أمّا صحّة الانسان فتكون في تخطّيه لذاته عبر اتجاهه الى وجه خالقه وتقديمه له السبح النقي والشكران. وهذه الحقيقة الانسانية الروحية عبّر عنها آباء الكنيسة حين عرّفوا الانسان "بالكائن الهيمنولوجي"، أي أن معنى وجوده قائم في أن يكون الله الذي يليق به كل تسبيح محور حياته. فيحيا "بكل كلمة تخرج من فمه" (متى ٤:٤؛ لو ٤:٤۱)، ويجد ذاته المشتتة، حين يتجه الى المسيح، يجد ذاته تلتئم لتشكل صورة الله. وفي صورة المسيح المصلوب ليدفُن الصورة القديمة التي فينا، نجد قيامة صورتنا من الفساد. الانسان حين يعترف، يستدعي النعمة لتجلي أدران النفس وتعيده الى حقيقة صورة الله. وإذ تبدو صورة الله في الانسان من جديد، يعود الله ليتخذ المكانة المركزية في حياتنا، ويصير المسيح "الكل في الكل" (۱كولوسي ٣:۱۱). وعوضاً عن أن نكون عبيداً رازحين تحت نير الخطيئة وكثافة "الأنا" ننعتق لنصير أبناءاً "وارثين لله بيسوع المسيح" (غلاطية ٤:٧)
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 03:47 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024