![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 59131 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() لأَنَّ طُرُقَ الإنْسَانِ أَمَامَ عَيْنَي الرَّبّ، وَهُوَ يَزِنُ كُلَّ سُبُلِهِ ( أمثال 5: 21 ) صديقي .. قبل أن تفعل أي شيء، ذكِّر نفسك أنك تصنعه أمام عيني الرب؛ فكيف ينبغي أن تفعله؟ في أفضل حال بالطبع! وقبل أن تسمح لنفسك أن تفعل شرًا، ذكِّر نفسك بالأمر نفسه، واطلب منه العون حتى لا تفعل ما لا يحسن في عينيه. هكذا فعل يوسف؛ فعاش تلك الحياة التي أرضت قلب الله. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 59132 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() القديس الأنبا أنطونيوس لم يمتلئ بالروح القدس وهو في بطن أمه، كالقديس يوحنا المعمدان. ولكنه ولد كشاب عادى، من أسرة غنية. وكان المنتظر لمثله أن يرث أباه في غناه وسلطته، وأن يتزوج، ويعيش سعيدا في ظل الغنى والعظمة، ويكون ناجحا في حياته وكل الإمكانيات متوفرة. ولكن الأنبا أنطونيوس جاهد لا لكي يستفيد من هذه الإمكانيات، وإنما لكي ينحل منها جميعا. وكيف كان هذا؟ 1- نجح في اختبار "ما أعسر أن يدخل غنى إلى ملكوت الله" (مت19: 23). قال السيد المسيح هذا، أما الأنبا أنطونيوس، فأجابه: لا تحسبني يا رب من هؤلاء الأغنياء.أنني حسب وصيتك سأبيع كل مالي وأعطيه للفقراء وأتبعك فقيرًا. والشاب الغنى أنطونيوس دخل الملكوت، وأدخل الآلاف معه.... حقا كان يملك المال، ولكن المال لم يكن يملكه.. كان هو السيد على المال، يصرفه كيفما شاء. ولم يسمح للمال أن يكون سيدا، يقوده في مسالك أخرى. ولأن المال لم يملك قلبه، استطاع أن يتركه ويوزعه، ويمضى إلى الملكوت بدونه. وحينما كان الشياطين ينثرون الذهب أمامه على الرمل، ما كان يهتم به. كان كالحصى في نظره. وفقد المال قيمته في قلب الأنبا أنطونيوس، لأن قلبه كان منشغلا بما هو أثمن وأهم. أذن المال في حد ذاته ليس هو الخطورة، وأنما الخطورة تكمن في محبة المال، والتعلق به والسعى وراءه، والاتكال عليه، والافتخار به. 2- وكما أنتصر الأنبا أنطونيوس على محبة المال، أنتصر أيضا على محبة الجاه والسلطة، فلم يهتم بأن يكون له مركز أبيه. 3- بل أنتصر على محبة العالم كله. ونفذ وصية: "لا تحبوا العالم والأشياء التي في العالم، لأن العالم يبيد وشهوته معه". وصار الأنبا أنطونيوس قلبًا نقيًا خالصًا، وليس فيه شيء من شهوة المادة والجسد والملاذ الدنيوية المتنوعة. كان قلبا مات تماما عن العالم وكل ما فيه. 4- وكما انتصر في كل هذه الميادين، أنتصر على محبته لأخته أيضًا، ونجح في تدبير مسئوليته من جهتها.. كان يمكنه أن يقول: ماذا أفعل؟ أنا أريد الرب، ولكن ظروفي العائلية لا تساعدني، وأنا مسئول عنها..؟ كان يحب أخته، ولكن كان يحب الرب أكثر من أخته، لذلك أمكنه أن ينتصر. وأودع أخته في أحد بيوت العذارى، وشق طريقة نحو الله، منتصرا على هذه العقبة. 5- وفى أول جهاده، حاربه الشياطين بشكوك عديدة، فانتصر عليها. شكوك من جهة صحة الطريق ذاته، وإمكان استخدام المال في أعمال الخير تحت إدارته وتصرفه.. وهكذا يوقعونه في التردد. ويحولونه من حياة الصلاة والتأمل إلى حياة الخدمة.. شكوك أخرى من جهة أخته ومدى اطمئنانه عليها. شكوك ثالثة من جهة نجاحه في هذا الطريق، وقدرته على الاستمرار فيه... وشكوك عديدة أخرى لا حصر لها. ولكن قلبه كان راسخا، لم يتزعزع إطلاقا أمام الشكوك. 6- صادفت الأنبا أنطونيوس عقبة أخرى هي الإرشاد، فانتصر عليها: عاش وحيدا، بلا مرشد، بلا أب اعتراف، بلا كنيسة، بلا معونة من أحد. ولكنه انتصر على هذا كله أيضًا.. أخذ أولا من النساك الذين إلى حافة القرية. ولما دخل إلى الجبل، بدأ يأخذ من الله مباشرة. وأعطانا درسا أنه حيثما لا توجد معونات بشرية، فإن المعونة الإلهية لا تتخلى. ومنح الله لهذا القديس إفرازا وفهما روحيا وحكمة لم تكن للذين تمتعوا بإرشاد من البشر. 7- ثم دخل الأنبا أنطونيوس في حرب أخرى وانتصر فيها، وهى حرب الرعب والخوف، في البرية القفرة المنعزلة.. لما وجد الشياطين أن المال والعظمة لا تهمه، وأن الأفكار والشكوك لا تزعزعه، وأن الشهوات لا تغلبه بدأوا معه حربًا عنيفة لإخافته. فكانوا يظهرون له في هيئة وحوش كثيرة، لها أصوات مخيفة عالية، تهجم عليه بقصد افتراسه. ولكن قلبه ما كان يخاف.. بل أنتصر على هذه المخاوف بوسائل ثلاث: الاتضاع، والفهم، والصلاة: بالإتضاع كان يقول لهم: [أيها الأقوياء، ماذا تريدون منى أنا الضعيف أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم]. وكان يصلى قائلا: [أنقذني يا رب من هؤلاء الذين يظنون أنني شيء، وأنا تراب ورماد]. فلما كانوا يسمعون هذه الصلاة المملوءة اتضاعًا، كنوا ينقشعون كالدخان. ومن جهة الفهم، كان يقول: [أنني أعجب لتجمهركم على بهذه الكثرة. ولو كنتم أقوياء حقا. لكان واحد منكم يكفى] وهكذا بالإيمان أيقن من ضعف الشياطين، وكان هذا الإيمان يخزيهم فيمشون.. وقد استعملوا معه طرق الإيذاء والضرب، وبخاصة حينما كان ساكنا في مقبرة، ولكنه صمد وكان يصلى مزمور "الرب نوري وخلاصي ممن أخاف، الرب عاضد حياتي ممن أرتعب؟! إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي. وإن قام على القتال، ففي هذا أنا مطمئن". مكان في أيمان عميق يقول لمهاجميه: [إن كان الله قد أعطاكم سلطانا على، فمن أنا حتى أقاوم الله؟! وإن كان الله لم يعطكم سلطانا على، فان يستطيع واحد منكم أن يؤذيني]. وهكذا عاش الأنبا أنطونيوس في حياة الإيمان، لا يخاف. وفى كل مرة ينتصر، كان يزداد أيمانه، وينتزع منه الخوف بالأكثر، إلى أن زال منه الخوف تماما، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى.وقال أيضًا: [أنا لا أخاف الله،لآني أحب الله]. هذا هو رجل الجبال، جبار البرية الذي لا يخاف، حتى من الوحوش المفترسة، وحتى من الشياطين. وبخبرته الروحية، استطاع فيما بعد أن يجمع تلاميذه، ويلقى عليهم كلمة عميقة عن ضعف الشياطين وعدم الخوف منهم. وقد سجل لنا القديس أثناسيوس الرسولى هذه الكلمة في كتابه عن حياة الأنبا أنطونيوس. وفى انتصار الأنبا أنطونيوس وعدم خوفه، ظل محتفظا بتواضعه. يشعر بضعفه، يصرخ إلى الله، فينقذه الله بقوته الإلهية. قال الأنبا أنطونيوس: [في إحدى المرات أبصرت فخاخ الشيطان مبسوطة على الأرض كلها. فقلت يا رب من يفلت منها؟ فأجابني الصوت قائلا: "المتواضعون يفلتون منها"]. 8- ولعل من مظاهر التواضع العملي في حياة الأنبا أنطونيوس، وعدم التشبث بفكره، أنه كان يخضع لفكر الآخرين أحيانًا. ولا شك أن في انتصار من الإنسان على نفسه.. وسنضرب لهذا الآمر في حياة قديسنا عدة أمثلة: أ- إنه أقتنع بحياة الوحدة ومارسها، وعاش 30 سنة مغلقًا على نفسه لا يرى وجه إنسان.. وأخيرا أزدحم الناس على بابه، مصرين أن يفتح لهم، وأن يصير لهم مرشدا. وكان ممكنا لهذا القديس أن يهرب من هؤلاء، حتى لو فتح لهم، وأن يتمسك بحياة الوحدة الكاملة التي أرادها لنفسه. ولكنه خضع لهم وتحول من متوحد بالمعنى الكامل إلى متوحد ومعلم للوحدة. واضطر أيضا أن يفتح بابه لكثير من الزائرين. وغير شيئا من أسلوب حياته. لأجل الناس. وقبل الوضع الذي أراده له، وتنازل عما أراده لنفسه. ب- في اعتقاده أن الرهبنة موت عن العالم، وبعد عن العالم، وحياة وحدة في البرية. ولكن لما طلب اليه الآباء الأساقفة أن ينزل ليعلن رأيه في الأريوسية، خضع لهم، ونزل إلى الإسكندرية، وسط جماهير الشعب، وقضى هناك ثلاثة أيام، أكمل فيها الرسالة المطلوبة منه، ثم عاد ملتمسا ديره... كان من النوع المطيع (المهاود)،على الرغم من نزوله وقتذاك كان من حوالي المائة من عمره.. ج- ونزل قبل ذلك أيام الاستشهاد، وكان يذهب إلى حيث محاكمة الشهداء وتعذيبهم، ويشجعهم ويقويهم. في تواضعه، انتصر على التطرف، وعلى التحجر والجمود عند فكر معين. أعطاه التواضع مرونة وسهولة في التعامل.. 9- وإنتصاره على التطرف، جعله معتدلا في حياته، يسير بإفراز وحكمة، سواء مع الناس، أو مع نفسه أيضًا. أ- قال عنه القديس الأنبا أثناسيوس، إنه لما خرج من وحدته وحبسه لمقابلة الناس، ما كان نحيفا جدا بسبب النسك، ولا كان بديلًا مترهلًا بسبب قلة الحركة في حبسه. إنما كان معتدلا في قامته، لأنه كان يسلك في وحدته باعتدال وعدم تطرف. ب- وظل الإفراز من أولى الفضائل التي يحبها، حتى أنهم حينما سألوه عن أهم الفضائل، قال لهم الإفراز، أي الفهم والتميز والحكمة في التصرف.. وقال أنه هناك من صاموا وصلوا وسكنوا البرية، وهلكوا،لأنهم تصرفوا بغير إفراز. أما هذا القديس فقد كان يسلك بفهم واتزان وحكمة وتمييز، بعكس الرهبان الذين يتطرفون في أي قانون منقوانين الرهبنة، حتى يخرجهم تطرفهم ليس فقط عن مبادئ الحياة الرهبانية، إنما أيضا عن مبادئ السلوك الروحي عمومًا.. ج- وفى انتصاره على التطرف، انتصر على التزمت أيضا: ولذلك كان بشوشا باستمرار، وجهه يفيض بالسلام على الآخرين، فاشتهى تلاميذه مجرد النظر إلى وجهه. وكان كل من ينظر إلى وجهه يمتلئ بالسلام. وهكذا أنتصر القديس أنطونيوس على حرب الكآبة التي يقع فيها رهبان كثيرون، ولا يوجدون أمامهم في الكتاب المقدس سوى عبارة: "بكآبة الوجه يصلح القلب" ناسين الآيات التي تقول: "أفرحوا في الرب كل حين"،"فرحين في الرجاء".. فحياتهم في الرهبنة كلها عبوسة..! أما الأنبا أنطونيوس، فلم يكن هكذا. كان بشوشا ولطيفا. ومع ذلك فيه كل فضائل الرهبنة. يحيا في وحدة وفى صمت. وإذا ألتقي بالناس، يلتقي بهم في سلام وحب، يعطى فكرة عن المتدين السعيد بتدينه، الذي تنظر إلى وجهه فتتعلم الهدوء والسلام والبشاشة والطمأنينة واللطف. كان صاحب وجه مريح.. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 59133 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() نجح في اختبار "ما أعسر أن يدخل غنى إلى ملكوت الله" (مت19: 23). قال السيد المسيح هذا، أما الأنبا أنطونيوس، فأجابه: لا تحسبني يا رب من هؤلاء الأغنياء.أنني حسب وصيتك سأبيع كل مالي وأعطيه للفقراء وأتبعك فقيرًا. والشاب الغنى أنطونيوس دخل الملكوت، وأدخل الآلاف معه.... حقا كان يملك المال، ولكن المال لم يكن يملكه.. كان هو السيد على المال، يصرفه كيفما شاء. ولم يسمح للمال أن يكون سيدا، يقوده في مسالك أخرى. ولأن المال لم يملك قلبه، استطاع أن يتركه ويوزعه، ويمضى إلى الملكوت بدونه. وحينما كان الشياطين ينثرون الذهب أمامه على الرمل، ما كان يهتم به. كان كالحصى في نظره. وفقد المال قيمته في قلب الأنبا أنطونيوس، لأن قلبه كان منشغلا بما هو أثمن وأهم. أذن المال في حد ذاته ليس هو الخطورة، وأنما الخطورة تكمن في محبة المال، والتعلق به والسعى وراءه، والاتكال عليه، والافتخار به. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 59134 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() القديس الأنبا أنطونيوس له فضائل وميزات عديدة أقصد أنه واحد من الذين شقوا طريقا جديدا، طريقا صعبا وجميلا، لم يسبقه إليه أحد من قبل. رهبان كثيرون ملأوا الدنيا آلاف وملايين. لكنه كان أول راهب في العالم، له مكانته، لأنه أول من سار في الطريق، وأول من وضع نظمه وأسلوب حياته، وأول من شرحه للناس وعرفهم به. تماما كما نقول مثلا أن كثيرين كتبوا عن لاهوت السيد المسيح. لكننا نذكر القديس أثناسيوس الرسولي كأول لاهوتي كبير، ألف، ورد على الأريوسية في هذا المجال.. وكثيرون كرزوا باسم السيد المسيح في أرض مصر. لكننا نذكر أسم القديس مار مرقس، لأنه أول من كرز فيها، ولم يسبقه في ذلك أحد من قبل. إن الأوائل الذين بدأوا الطريق،لهم مكانتهم. كلنا، إن سرنا في طريق الرهبنة، إنما نتبع أقدام القديسين الأوائل، وكما ساروا نسير. أما القديس الأنبا أنطونيوس، فحينما شق طريقه في الرهبنة لم تكن هناك أقدام سبقته في هذا المجال من قبل. إنه أب لطريق،بل أب لأصعب طريق، طريق الموت عن العالم، طريق التجرد الكامل عن كل شيء. وقد سار في هذا الطريق وحده،لما بدأ.. عظمة الأنبا أنطونيوس، أنه لم يوجد أحد يقوده ويرشده في الرهبنة بل هو الذي قاد وأرشد الكل. كل من يترهب حاليًا، آباء ومرشدين، يشرحون له كيف يبدأ، وكيف يتدرج وينمو. ويحكون له أسرار الحياة الرهبانية وأعماقها وطقسها، ويظهرون له حروب وحيل الشياطين، وكيفية الانتصار عليها.. ويمسكون بيد هذا المبتدئ، ويقودونه خطوة خطوة، حتى يصل.. أما الأنبا أنطونيوس فلم يجد له مرشدا، وسار وحيدا. يقول الكتاب: "اثنان خير من واحد لأنه إن وقع أحدهما، يقيمه رفيقه. وويل لمن هو وحده إن وقع، إذ ليس ثان ليقيمه" (جا 4: 9،10). وكان الأنبا أنطونيوس وحده، ولكن لم يقع.. سار وحده في طريق الرهبنة، بلا أب، بلا مرشد، بلا زملاء في الطريق، بلا تعزية من أي إنسان. بل أيضا بدون الوسائط الروحية المتاحة للجميع، بلا كنيسة.. بلا شيء يسنده في الغربة والقفر والوحدة والحروب.. سوى إيمانه بأن الله معه. ومع ذلك لم يستصعب الطريق، بل سار وحده، ومعه الله. لهذا نحن نكرم الأنبا أنطونيوس.. وكل الذين يترهبون الآن، مهما ارتفعوا، لا يمكن أن يصلوا إلى درجة هذا القديس فعلى الأقل الدفعة أتتهم من الخارج. هناك من تابعوهم في حياتهم الروحية النسكية، حتى وصلوا.. لكن الأنبا أنطونيوس، أتته الدفعة الأولى من داخله. ولما دخل إلى الرهبنة في أيامه، دخل إلى المجهول.. سار في طريق لا يعرف معالمه، ولا يعرف حروبه. حاليا توجد كتب للرهبنة، يوجد بستان الرهبان، والعديد من الكتب النسكية، كتبها كبار الآباء عن الحياة الرهبانية، وتوجد أيضا سير الآباء المتوحدين والسواح. والذي لا يجد مرشدا، يمكنه أن يتعلم من الكتب.. أما في وقت رهبنة الأنبا أنطونيوس ترد على الذين يبررون في سقطاتهم، معتذرين بأنهم لم يجدوا أب اعتراف، ولا مرشدا روحيا، ولا قدوات صالحة أمامهم. لذلك سقطوا! هو ذا الأنبا أنطونيوس لم يجد شيئا من هذا كله، ومع ذلك سار في طريق الكمال بلا عثرة. وكان الرب يرشده.؟ إنه لم يكن أبا للرهبان فقط، إنما أبا للرهبنة ذاتها. هو ذا الذي وضع أسسها وروحها، وقدم للعالم صورته. وإن أردنا أن نفهم ما هي الرهبنة في أصولها، إنما نرجع في ذلك إلى الأنبا أنطونيوس.. لذلك كانت حياته ذات تأثير عجيب، أينما عرفت.. كانت سيرته مسكا لأنها كانت شيئا جديدا على العالم.. كانت حياته جديدة لم يعرفها العالم من قبل.. لقد أعطى العالم صورة جديدة عن طقس في الحياة لم يكن مألوفًا من قبل. فكان الناس يأتون من أقاصي الأرض لكي يروا هذه الحياة الجديدة، وهذا الإنسان العجيب، الذي يسكن الجبال والمغاير والبرية القفرة، وتمر عليه ثلاثون سنة لا يرى فيها وجه إنسان، ومع ذلك فهو سعيد في وحدته وعزلته ونسكه.. كان أعجوبة في عصره. مجرد النظر اليه كان يفرح القلب.. كما قال أحد تلاميذه: [يكفيني مجرد النظر إلى وجهك يا أبى]. وكثيرون أحبوا الرهبنة لمجرد النظر إلى وجهه، واشتهوا أن يحيوا نفس حياته التي أعجبوا بها.. لقد كانت حياته،فى صمت، عظة جذبت إليه الكثيرين. كانت حياة جديدة. لم تكن هروبا من العالم.. الأنبا أنطونيوس، كان شابًا غنيًا، وكان العالم منفتحا أمامه. كان يملك ثلاثمائة فدان من أجود الأطيان في الصعيد، وكان أبوه ذا مركز وسلطان، ويستطيع أن يرث أباه في المركز والكرامة. إن الدنيا لم تضق في وجهه ليهرب منها. فلماذا إذن تركها؟ إنه لم يهرب من العالم، بل أرتفع فوق مستوى العالم وكان هذا هو سر عظمته، وسر إعجاب الناس به.. لقد أرتفع فوق مستوى الأطيان، فوق مستوى الغنى، وفوق مستوى السلطة، بل فوق مستوى العالم كله، بكل شهواته. وشعر أن العالم كله ليست له قيمة.. وأعطى للناس درسا عمليا في تفاهة العالم، كما أعطاهم درسا مقابلا في اهتمام الإنسان بأبديته، قبل كل شيء. وفيما كان الناس يتنافسون على ملاذ العالم وعظمته، وجدوا أنسانا يرتفع فوق هذا المستوى كله، وينظر إلى شهواتهم كتفاهات، ويحمل عصاه في يده، ويضرب بقدمه في البرية، خارجا من العالم بإرادته، واهبا كل أمواله للفقراء، لكي يحيا حياة الفقر الاختياري.. مع الله. وكان هذا شيئا جديدا عل الناس. وكان جديدا عليهم أيضا أن يسكن في مقبرة.. ومهما ضربته الشياطين فيها، وأخافته بكل طرق الرعب، يظل باقيا متحديا قوة الشياطين، قائلا لهم [.. وإن كان الله لم يعطكم سلطانا على، فلن يستطيع أحد منكم أن يؤذيني].. إنسان يظهر له الشياطين بهيئة أسود وفهود ونمور، وبأصوات مفزعة، يحاربونه لكيما يخاف ويرجع. ولكنه يصمد. إنه فوق مستواهم، وفوق مستوى مقدرتهم وسلطانهم... لقد أرتفع فوق مستوى الخوف،لا في المقبرة، ولا في الوحدة. لم يخف الشياطين، فخافت منه الشياطين.. وكان هذا شيئا جديدا على الناس، أذهلهم واستهواهم. من هذا الذي يعيش في أعماق الجبل وحده، حيث الوحوش والحيات ودبيب الأرض، وحيث العزلة المخيفة، والوحدة المملة، وحيث حروب الشياطين؟! ومع ذلك فهو لا يخاف، ولا يل، بل يحيا سعيدا، مفضلا هذه الحياة على كل ملاذ العالم..! رجل له قلب من حديد. دخل البرية ليس فقط بالنسك والزهد والصلاة، وإنما أيضا بشجاعة عجيبة. إنه نوعية جديدة من الناس، لم يرها البشر من قبل. أغلق على نفسه مغارة ثلاثين سنة، لا يستقبل أحد. وكان الناس يقرعون على بابه، ويتركون له بعض الحبوب والبذور، ويمضون لشأنهم.. وأخيرا لم يحتمل الناس البعد عنه. كان وراء هذا المجهول شيء يستهويهم. كان وراء بابه المغلق شيء يجذبهم.. فظلوا يقرعون بابه. ولما لم يفتح لهم، كسروا الباب ودخلوا، وقالوا له: نريد أن نعيش معك، ونحيا الحياة التي تحياها، بأية طريقة، نبقى معك تحت ظل صلواتك. استهوتهم هذه الحياة المرتفعة عن مستوى العالم واستهواهم هذا القلب، الذي يحيا وحده، مكتفيا بالله.. هذا القلب، الذي لا يحتاج إلى عزاء الناس، لأن عزاء الله يكفيه.. والذي لا يحتاج إلى أحاديث الناس،لأن الحديث مع الله يشبعه. استهواتهم حياته كلها، فبقوا معه.. هذه هي عظمة الأنبا أنطونيوس. لم يكن سرها ارتفاعه في فضائل معينة كأن يطوى بعض الأيام صومًا كالقديس مقاريوس الإسكندري، كلا بل كان لعظمته سبب أخر: سر عظمته، أنه اكتشف طريقا، ما كان الناس يعرفونه قبلا. وأحب الناس هذا الطريق، وأحبوا الأنبا أنطونيوس معه. كانت للأنبا أنطونيوس فضائل كثيرة. فكان مشهورا باتضاعه، وبصلاته، ومعرفته وإفرازه وزهده. ولكن ما أكثر من اتصفوا بهذه الصفات. أما الذي ينفرد به هذا القديس عن الجميع، فهو قيادته لطريق الرهبنة الروحي. في فترة حديثة، كان البعض يتشاجرون ويصيحون قائلين: "لا بد من أن يكون البطريرك من الرهبان..!" أما في أيام الأنبا أنطونيوس، فلم يكن البطاركة من الرهبان. كانت الرهبنة طقسا روحيا، أعلى من عمل الرعاية، حقا لم تكن أعظم من الكهنوت ورئاسته، وإنما كانت حياة أجمل، هي الأقرب إلى حياة الملائكة.. من الآباء كان يقبل أن يترك جمال الرهبنة ويصير بطريركا؟! عاش الأنبا أنطونيوس 105 سنة، وعاصر بطاركة عديدين. ولم يصير من الآباء البطاركة، بل شماس من تلاميذه، هو الأنبا أثناسيوس صار بطريركًا. وبقى الأنبا أنطونيوس في حياته الروحية الحلوة. بكل عمقها، وكل ارتفاعها. ساعة واحدة يقضيها مع الله، يمكن أن تنفع الكنيسة أكثر من جهاد سنوات وشهور في عمل الرعاية.. لما انتشرت البدعة الأريوسية، وصارت خطرا على الكنيسة، وظل القديس أثناسيوس يقاومها بالآيات والتفسير، وبالجدال اللاهوتي والحوار المنطقي، أرسل الآباء الأساقفة إلى القديس الأنبا أنطونيوس، لكي ينزل إلى الإسكندرية. لا للجدل اللاهوتي، فما كان رجل جدال، وإنما من أجل تأثير روح الله الذي فيه. فنزل القديس، وكان عمره حوالي المائة عاما. وقضى في الإسكندرية ثلاثة أيام كان لها تأثير عجيب عميق في الناس. يكفى أن يسمعوا من فمه الطاهر أن الابن مساو للأب في الجوهر.. كلمة يقولها بلا جدال، تسندها حياته المملوءة قدسا المحبوبة من جميع الناس، تذكرنا بقول قائد المائة للرب: "قل كلمة فقط، فيبرأ غلامي" وكان الناس ينتظرون من الأنبا أنطونيوس أن يقول كلمة فقط. فقال وأحدثت الكلمة تأثيرها. القديس الذي كان مرعبا للشياطين، أما كان مرعبا للهراطقة؟! وبعد ذلك تقول سيرة القديس، أنه عاد إلى ديره، كغريب يلتمس وطنه. حقا كان العالم غريبا عليه.. غريبا على رجل الجبال والبراري والوحدة..وأبى الرهبنة الأصلية. وصدقوني أن كلمة (رهبنة) ترجمة غير سليمة لحياة الوحدة. إن كانت مأخوذة من عبارة: يرهب الله آي يخافه، فالقديس الأنبا أنطونيوس نفسه قال لأولاده: [أنا لا أخاف الله. ذاك لآني أحبه، والمحبة تطرح الخوف إلى خارج] (1يو 4: 18). فبماذا نسمى الرهبنة التي قادها الأنبا أنطونيوس؟ الرهبنة هي حياة الملائكة الأرضيين أو البشر السمائيين. الرهبان بشر يحيون حياة الملائكة، وهم على الأرض. وقد كان القديس الأنبا أنطونيوس هو أول الملائكة الأرضيين. لي يا أخوتي مقر في دير الأنبا بيشوى، أقضي فيه نصف أو ثلث كل أسبوع. وفى أعلى هذا المقر، لي كنيسة خاصة أسميتها: "كنيسة الملاك ميخائيل والأنبا أنطونيوس هو رئيس الملائكة الأرضيين. غير أن الأنبا أنطونيوس يتميز على الملاك ميخائيل بميزتين: *الأولى أن الملاك ميخائيل، خلقه الله هكذا، ملاكا.. أما الأنبا أنطونيوس. فقد ولدته أمه إنسانا. ولكنه تحول بسيرته الطاهرة إلى ملاك، وأصبح في مقدمة الملائكة الأرضيين. *والميزة الثانية أن الأنبا أنطونيوس ولد على الأرض، واستطاع أن يحول الأرض إلى سماء، والرهبان إلى كواكب، فسموه: "كوكب البرية" وسموا "تلاميذه كواكب البرية".. لقد أكتشف الأنبا أنطونيوس أن الدنيا لا تساوي شيئًا. وهذا الاكتشاف عرفه قبله اثنان، وبقيا يعملان في الدنيا. أولهما سليمان الحكيم، الذي قال أن الكل باطل وقبض الريح، ولا منفعة تحت الشمس (جا 2: 11). ومع ذلك بقى سليمان حياته كلها يعيش وسط هذا الباطل. والرجل الثاني هو القديس بولس الرسول، الذي قال: "خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية، لكي أربح المسيح" (فى3: 8). ومع أنه عرف أنها نفاية، بقى في الدنيا من أجلنا، يخدم، لأنه ائتمن على وكالة. وهكذا عاش في الدنيا، ولم يعش في نفايتها. سليمان بقى في العالم كملك، وبولس بقى كرسول. أما الأنبا أنطونيوس، فلم يبق في العالم، ولو للخدمة. أرتفع فوق مستوى الخدمة الأرضية التي كانت لسليمان، وفوق مستوى الخدمة الرعوية التي كانت لبولس. وعاش في الخدمة الملائكية التي كانت لطقس السارافيم. وقدم لنا هذه الحياة نموذجا لطقس الملائكة الأرضيين. كل راهب في الدنيا يعتبر نفسه أبنا للقديس الأنبا أنطونيوس، ليس الأقباط فقط، وإنما الكاثوليك أيضًا، وكل الأرثوذكس شرقيين وغربيين، وكل محبي الوحدة في العالم.. الكل يشتركون معا في محبته، وفى إكرامه، وفى البنوة له. لقد قدم للعالم كله حياة التأمل والصلاة، حياة الوحدة والسكون، حياة الزهد والتفرغ الكامل لله.. قدم لنا حياة جديدة، لا تستمد عظمتها من الخارج. لا تستمد عظمتها من الألقاب، ولا من الجاه والسلطان، ولا من الوظائف، ولا من الكهنوت، ولا من الرعاية، ولا من العلم والجدل والمعرفة. إنما تستمد عمقها من الداخل، من الصلة الدائمة بالله، في حياة الروح. هذا هو المنهج الجديد الذي قدمه الأنبا أنطونيوس. ونحن نكرمه كأب لهذا المنهج، ونقول: مبارك هو الرب الذي منحنا الأنبا أنطونيوس. وفتح لنا به بابا للسمائيات، وقدس أقداس وسط الجبال.. وقدس لنا رمل البرية، وتلالها، ومغائرها. وصارت مغارة الأنبا أنطونيوس مزارًا يتبارك به الناس من كل أنحاء العالم، ليروا مكانا حل الله فيه، مرافقًا للأنبا أنطونيوس ومباركًا. ونشكر الله لأن الأنبا أنطونيوس فبل أن يقود الرهبنة. لم يصر أن يحيا وحده كالأنبا بولا، في عزلة كاملة عن العالم، يقضى حياته كلها لا يرى وجه إنسان.. مبارك هو اليوم الذي قبل فيه الأنبا أنطونيوس، أن يرشد آخرين، ويعلمهم هذا الطريق الملائكي الذي أختبره |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 59135 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() كثيرون ترهبوا. وكثيرون كانوا قديسين، وسواحًا، ومتوحدين، ولم ينالوا شهوة الأنبا أنطونيوس. الأنبا بولا السائح مثلا، ترهب قبل الأنبا أنطونيوس. وفى لقاء هذين القديسين، كان الأنبا بولا يخاطب الأنبا أنطونيوس بعبارة يا أبني، فيرد عليه بعبارة يا أبى. كان الأنبا بولا أكبر منه سنًا، وأقدم منه في هذه السيرة الملائكية. ولكنه لم ينل نفس الشهرة، لأنه لم يكن مثل الأنبا أنطونيوس أبا لرهبان كثيرين. ولم يكن مثله أبا لمدرسة من المدارس.. كان الأنبا أنطونيوس أبا لرهبنة. كان أبا لمدرسة رهبانية، لأول مدرسة رهبانية. وكان أبا لفكرة معينة انتشرت في كل مكان.. أنه لم يتزوج، ولم ينجب أبنا. لكن له مئات الآلاف من الأبناء. له أبناء في كل بلد من بلاد العالم. كل رهبان العالم أولاد الأنبا أنطونيوس. عندما يدخل الأنبا أنطونيوس إلى الملكوت، يقول لله: "هأنذا والأولاد الذين أعطانيهم الرب" (إش8: 18)، يدخل وراءه ألوف ألوف، وربوات ربوات... لأنه أب لمدرسة. تتلمذ عليه تقريبا كل قادة الرهبنة في مصر: فمثلا كان من تلاميذه الأنبا آمون أبو جبل نتريا، أبو منطقة القلالي. وقد رأى الأنبا أنطونيوس روح الأنبا آمون وهى صاعدة إلى السماء، تزفها الملائكة في فرح.. وكان من تلاميذه أيضًا، القديس الأنبا مكاريوس الكبير، أتى وتتلمذ عليه وألبسه الأنبا أنطونيوس إسكيم الرهبنة. وأشتغل معه، وشهد له بقوله: [إن قوة عظيمة تخرج من هاتين اليدين].. وتتلمذ عليه الأنبا بيشوى، أو الأنبا سيصوى من أباء الجبل الشرقي، هو وتلاميذه. وتتلمذ عليه القديس الأنبا بولس البسيط، والأنبا بيساريون، والأنبا سرابيون. وتتلمذ عليه القديس الأنبا ببنوده رئيس أديرة الفيوم. وقد كتب إليه القديس الأنبا أنطونيوس رسالته العشرين. وتتلمذ عليه القديس الأنبا إيلاريون الذي نشر الرهبنة في سوريا وفى فلسطين. وعندما كان يأتي إلى الأنبا أنطونيوس أحد من تلك المناطق يطلب إرشاده، كان يقول لهم في أتضاع: [لماذا تأتون إلى، وعندكم الأنبا إيلاريون؟]. وتتلمذ عليه شيوخ عديدون انتشروا في الأرض كلها.. ونشروا الرهبنة في كل مكان.. وأصبح الأنبا أنطونيوس أبا لفكرة، ولمدرسة، ولطريق حياة، أبا لمنهج روحي له فروعه في كل مكان.. وأطال الله عمر الأنبا أنطونيوس.. ولد سنة 251 م، ورقد في الرب سنة 356 م. وله من العمر 105 سنة شيخا كبيرا في الأيام.. العجيب أن الأنبا أنطونيوس، لم يتتلمذ عليه رهبان فقط.. إنما تتلمذ عليه أيضا البابا البطريرك.. كان القديس الأنبا أثناسيوس الرسولى البابا العشرون من تلاميذه. درس عليه الروحيات. تلقى عنه أيضا كثيرا من أفكاره اللاهوتية.. إن بعض العلماء، حينما يدرسون فكرة أثناسيوس اللاهوتية، إنما يرجعون كثيرا من أفكاره اللاهوتية إلى القديس أنطونيوس الكبير. حقا إن هذا لعجيب.. والقديس أنطونيوس تتلمذ عليه كثيرون لم يروا وجهه أبدًا.. لقد تتلمذوا على حياته، على سيرته التي نشرها في الغرب القديس أثناسيوس الرسولى في كتابه: (حياة أنطونيوس). وهذا الكتاب كان سببًا في انتشار الرهبنة في روما وفى بلاد الغرب. فترهب كثيرون هناك وأتى العديد منهم إلى مصر. لمجرد أنهم تنسموا حياة القديس الأنبا أنطونيوس. وكان لهذا الكتاب تأثيره في هداية أوغسطينوس.. لقد تأثر أغسطينوس تأثيرًا عميقًا بسيرة القديس أنطونيوس، فتاب، وترك حياة الفجور، بل صار راهبًا وقديسًا.. ومصدرا من مصادر الحياة والتأملية في العالم.. بفضل سيرة الأنبا أنطونيوس. والقديس الأنبا أثناسيوس الرسولى، كاتب هذه السيرة، حينما كان يذهب إلى آي مكان من بلاد أوربا، كانوا يسألونه عن أنطونيوس، وعن أخبار الرهبنة في مصر، وعن الرائحة الزكية التي تفوح من البرية.. وهكذا كان للأنبا أنطونيوس تأثير في أمكنة عديدة جدا لا توضع تحت حصر. وكثيرون كانوا يأتون من بلاد الشرق والغرب، لكي يتتلمذوا على القديس الأنبا أنطونيوس في التدبير الرهباني. وكان بعض الفلاسفة يأتون إليه، ويسألونه، ويحاورونه، ويندهشون كثيرا من علمه ومن ذكاءه.. لدرجة أنهم قالوا له في إحدى المرات: [أنت لا تملك الكتب، ولا تقرأ الكتب، فمن أين لك هذه المعرفة وهذا الفهم العجيب؟].. فأجابهم بسؤال عجيب: [أيهما أسبق: العقل أم المعرفة؟ فلما قالوا له: العقل طبعا أسبق، أجابهم: إذن المعرفة يمكن أن يلدها العقل، بدون كتب..]! وكان يقول: [أنا أن أردت معرفة شيء، أصلى إلى الله، فيكشف لي، وأتأمل في آيات الكتاب، فأفهم منها. فلا حاجة بي إلى الكتب]. وكما أن الناس كانوا يأتون من مشارق الدنيا ومغاربها إلى الأنبا أنطونيوس، يطلبون منه كلمة منفعة، يجعلونها دستورا لحياتهم. كذلك فإن الإمبراطور قسطنطين الكبير أرسل إليه رسالة، يطلب منه فيها بركاته وصلواته. ولما لم يقراء القديس هذه الرسالة لتوه. تعجب تلاميذه. فقال لهم: [لا تتعجبوا من هذا، بل تعجبوا بالأكثر أن الله يرسل لنا الرسائل كل يوم في كتابه المقدس، ونحن لا نسرع إلى قراءتها]..! محاربته للأريوسية: كان الأنبا أنطونيوس في نظر الناس نبعًا كبيرًا للقداسة، ومعلمًا كبيرًا للروحيات.. وكانت كل كلمة تخرج من فمه هي كلمة ثقة وصدق: لدرجة أنه عندما انتشرت الأريوسية في الإسكندرية، نتيجة للشكوك العنيفة التي أثارها الأريوسيون ضد لاهوت السيد المسيح، طلب الآباء الأساقفة من القديس أنطونيوس أن ينزل لكي يقول كلمة فيسند بها تعليم البابا أثناسيوس الرسولى.. ونزل الأنبا أنطونيوس، إلى الإسكندرية، وهو فوق المائة من عمره، وقضى ثلاثة أيام، فيها ثبَّت الناس في الأيمان. ويقول المؤرخون أن الأيام الثلاثة التي قضاها الأنبا أنطونيوس في الإسكندرية كان لها مفعول السحر في الناس وكانت أكثر دسما من سنوات عديدة في التعليم.. كانت كلمة التعليم تخرج من فم الأنبا أنطونيوس، تسندها قداسة سيرته، وتسندها المعجزات، وتسندها ثقة الناس به.. إنه رجل الله. فكل ما يقوله هو كلام من الله. إن الشخص العادى حينما يتكلم، ربما يحتاج إلى أدلة كثيرة، وإثباتات وبراهين كثيرة لكي يقنع الناس. أما الإنسان القديس، الذي يشهد الله بآيات ومعجزات، الإنسان القديس الذي هو موضع ثقة الناس بروحياته. فيكفى أن يقول كلمة وينتهي الآمر.. هكذا كانت كل كلمة للأنبا أنطونيوس.. لها ثقل عجيب! وكان الأنبا أنطونيوس يعلم، ليس فقط بالكلام، وأنما أيضا بالرسائل. وله عشرون رسالة، أرسلها إلى أولاده. ترجمت هذه الرسائل إلى العربية، وهى موجودة في مخطوطاتنا في الأديرة، آخرها رسالته إلى تلميذه ببنوده. وقد طبع البعض هذه الرسائل ونشرها. وكانت موضع دراسة لعلماء كثيرين. وللقديس أنطونيوس تعاليم كثيرة ضمنها بستان الرهبان: خاصة بنصائحه إلى أبنائه الرهبان، في النسك والروحيات.. وله سيرته وحياته المقدسة التي كان يتغذى بها الناس. وتعاليمه كانت إما في كلمات قليلة يرد بها.. أو في عظات طويلة كما في رسالته، وفى سيرته: وله في كتاب سيرته التي وضعها القديس أثناسيوس، عظة طويلة قالها عن ضعف الشياطين، وأنه ليست لهم القدرة الخيالية التي يخشاها الناس لذلك لا داعي أبدا لأن يخافهم الناس ويرتعبوا منهم.. إنها عظة طويلة.. وكلمات الأنبا أنطونيوس كان لها تأثيرها، ليس في الأشخاص العاديين فقط إنما أيضا في شيوخ الرهبنة وقادتها ومرشديها.كانوا جميعا يعرفون أنه يتكلم بالروح القدس. ولم تكن كلماته فقط نافعة للتعليم، أو سيرة حياته فقط نافعة للتعليم، وإنما حتى مجرد ملامح وجهه.. زاره مرة ثلاثة من الرهبان، أخذ اثنان منهم يسألانه عن بعض أمور. أما الثالث فبقى صامتا. فسأله الأنبا أنطونيوس، لماذا لا يطلب شيئا مثل زميليه؟ فأجاب: يكفيني مجرد النظر إلى وجهك يا أبى وقد قال القديس أثناسيوس عن الأنبا أنطونيوس: [من الناس كان مضطرب القلب أو مر النفس، ويرى وجه الأنبا أنطونيوس، إلا ويمتلئ بالسلام..] لعله كان أيضا من مصادر السلام بالنسبة إلى الأنبا أثناسيوس نفسه في وسط ضيقاته الكثيرة. وكان الأنبا أنطونيوس يحب الإفراز، آي الحكمة والتمييز والمعرفة: ففي إحدى المرات سأله أولاده عن الفضيلة العظمى في الرهبنة. فقال لهم: إنها الإفراز، لأن كثيرين صاموا، وأضروا أنفسهم بصومهم. وكثيرين صلوا وفشلوا في صلواتهم، بسبب عدم الإفراز. وله عظة عن الإفراز في بستان الرهبان. ذلك لأن الشخص الذي يقتنى الإفراز والتمييز، يستطيع أن يميز بين النافع والضار اللائق وغير اللائق. لذلك أهتم الأنبا أنطونيوس بفضيلة الإفراز. وهو أيضا كانت له هذه الفضيلة. ولم يكن يفرح بالآراء بقدر ما كان يفرح بالعمل الروحي الفاضل، وبخاصة الباطني منه. فى إحدى المرات زاره بعض الرهبان، وسألهم في تفسير رأيهم آية معينة، فأبدى كل منهم وجهة نظره. وكان الأنبا يوسف معهم فبقى صامتا. فسأله القديس الأنبا أنطونيوس عن رأيه في تفسير الآية، فأجاب: صدقني يا أبى أنى لا أعرف. وهنا قال له الأنبا أنطونيوس: [طوباك يا أنبا يوسف، لأنك عرفت الطريق إلى كلمة لا أعرف]. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 59136 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() ما مصادر المعرفة عند الأنبا أنطونيوس؟ وممن إستقى تعليمه؟ فلا يمكن لشخص أن يرتقى إلى رتبة التعليم، ما لم يتعلم أولا ويتتلمذ ويفهم. فأين تتلمذ القديس الأنبا أنطونيوس؟ وعلى يد من؟ كان الأنبا أنطونيوس يطلب المعرفة من كل مصدر: وكانت هذه هى الصفة الأولى في تلمذته.. يطلب العلم من كل مصادره. لا يتعلم فقط من الأساتذة الكبار، وإنما من كل شيء، ومن كل أحد، ومن كل حادث، ومن كل شخص حتى لو كان خاطئا.. *أول درس له، تعلمه من إنسان ميت: وعجيب أن يتلقى أول درس له في الرهبنة، لا من إنسان حي، إنما من شخص ميت. وكان هذا الميت هو أبوه.. لما مات أبوه، نظر إلى جثمانه المسجى، وتعلم من هذا الموت شيئًا.. نظر إلى أبيه الميت، الذي كان يملك ثلاثمائة فدان من أجود أطيان قمن العروس ببني سو يف، وكان له غنى ونفوذ بين مواطنيه، وقال له: [أين هى قوتك وعظمتك وسلطانك؟ أنت خرجت من العالم بغير إرادتك. ولكنني سأخرج منه بإرادتي، قبل أن يخرجوني كارها]. وهكذا تلقى أول درس في الموت عن العالم. تأمل في ذلك الرجل الغنى العظيم، الذي كان يملأ الدنيا قوة وسلطة، وهو الآن بلا حراك، لا يملك حتى التصرف في جسده! * أما الدرس الثاني، فأخذه من الإنجيل.. والأنبا أنطونيوس كان يسمع كلام الله في عمق، وكان جادا في سماعه. وكل كلمة يسمعها، كان يعتبر أنها موجهة إليه شخصيا.. ففي إحدى المرات -وهو في الكنيسة- سمع قول الرب للشاب الغنى: "إن أردت أن تكون كاملا، أذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء، وتعال اتبعني". وكان أول من سمع هذا الكلام الإلهي شابا غنيا مثله سمع ومضى حزينا مع أنه سمع هذه الآية من فم الرب يسوع المسيح نفسه، من صوت السيد المسيح المملوء تأثيرًا وعمقًا وروحانية. ولكنه لم يتأثر ولم ينفذ، لأن محبة المال كانت في قلبه. أما الأنبا أنطونيوس، فلما سمع هذه العبارة، وكان هو أيضا شابا غنيا، لم يمضى حزينا، وإنما مضى وباع ما له فعلا، وأعطاه للفقراء. أخذ الآمر الإلهي بطريقة جدية، لأنه كان يسير في حياته بهذا الأسلوب الجدي.. ولما بدأ يدبر الأمور، ويفكر كيف يصرف هذا المال، وكيف يدبر أيضا مستقبل أخته،، مضى إلى الكنيسة فسمع صوت الرب: "لا تهتموا بما للغد". فأعتبر هذا الكلام أيضا موجها إليه هو بالذات، وأسرع في الخروج من العالم. بينما في أيامه، لم تكن هناك رهبنة بالمفهوم الحالي، والنظام الحالي، لأنه هو أول الرهبان. كم من مرة نسمع نحن الآيات تقرأ علينا في الكنيسة، ولا نتأثر ونعمل مثلما تأثر بها الأنبا أنطونيوس وعمل..! ولكنه كان إنسانا يود أن يستفيد، ويعتبر أن كلام الله للعمل، وليس لمجرد السماع والمتعة الروحية به. كان جادا في سماعه، يحول كلام الله إلى حياة. كان يعمل بقول الرب: "الكلام الذي أقوله لكم، هو روح وحياة". فكان يفهم الروح الذي في الكلام، ويحوله إلى حياة.. لقد تعلم درسه الأول في الرهبنة من موت أبيه. وتعلم درسه الثاني من آيات الإنجيل التي سمعها. فمن تعلم درسه الثالث إذن؟ تعلم درسه الثالث من القدوة الحسنة.. كان هناك بعض النساك يعيشون على حافة القرى. ففي أول خروج الأنبا أنطونيوس تعلم من هؤلاء النساك. ولم يشأ أن يكون مقلدًا لشخص معين منهم، وإنما أخذ من كل واحد شيئا: كان يتعلم من هذا الهدوء، ومن ذاك الوداعة والاتضاع، ومن ثالث الصمت، ومن رابع المداومة على الصلاة، ومن خامس النسك، ومن سادس السهر.. كان يبحث عن الشيء الفاضل في آي إنسان يقابله، ويتعلمه منه، دون أن يكون صورة طبق الأصل لشخص واحد بالذات. *أما الدرس الرابع، الكبير، فتعلمه من امرأة مستهترة.. كان متوحدا إلى جوار النهر، وإذا بامرأة لا حياء لها، قد جاءت إلى حيث كان ساكنا يتعبد. وبدأت تخلع ملابسها لتنزل إلى البحر لتستحم أمامه، وهى لا تخجل! أما هو فقد خجل، وأنبها قائلا: [يا امرأة أما تستحين أن تتعرى أمامي وأنا رجل راهب؟!] فأجابته: [لو كنت راهبا، لدخلت إلى الجبل في البرية الجوانية، لأن هذا المكان لا يصلح لسكنى الراهبان]! قالت ذلك، وهى تضحك منه باستهزاء..! أما الأنبا أنطونيوس، فأخذ كلمة الاستهزاء هذه، بجدية، وقال: [حقا هذا صوت الله لي على فم هذه المرأة]. وقام فعلا، وترك ذلك المكان، شاعرا أنه لا يناسبه فعلا كراهب، ودخل أعماق الجبل، وكان دخوله بركة العالم.. حتى كلمة الاستهزاء والتهكم التي سمعها، أخذها بعمق وروحانية وتنفيذ. ولم يغضب بسببها، إنما أنتفع روحيا.. ويبدوا أن نساء شريرات كثيرات، كن على غير قصد منهن، سبب بركة وتعليم لكثير من القديسين: وكما يقول الكتاب أن الله يخرج من الجافي حلاوة (قض14: 14). + وقد رأينا كيف أن الأنبا أنطونيوس أنتفع روحيا من كلمة قالتها امرأة لا تستحي من أن تتعرى أمامه. + والقديس مقاريوس الكبير، كان سبب دخوله إلى البرية أيضًا، امرأة أخطأت مع شاب، وحملت منه، ولما أنكشف أمرها اتهمت هذا القديس المتوحد ظلما. فأتى أهلها وأهانوه أشد إهانة وكلفوه بالعانيه بها، ولما حان موعد ولادتها لأبنها، تعسرت ولادتها جدًا. وكادت تموت، فاعترفت بخطيئتها وظلمها لهذا القديس، فأتى الناس ليعتذروا إليه، فهرب من المجد الباطل، وترك تعبده على حافة القرية، ودخل إلى البرية. + امرأة خاطئة أخرى، قابلت القديس مار أفرام السرياني، والظاهر أنه كان جميل الصورة جدًا، فأخذت تتأمل جمال وجهه، وثبتت عينيها على وجهه، فخجل ولامها على ذلك، فقالت له. [أنا امرأة، في الأصل مأخوذة من رجل، فمن الطبيعي أن أنظر إليك. أما أنت فرجل مأخوذ في الأصل من تراب، كان ينبغي أن تنظر إلى التراب الذي أخذت منه].. فأنتفع القديس مار أفرايم، وجعل وجهه في الأرض، وتركها ومضى، واستفاد من عدم حيائها.. وطبعا لا يجوز أن تفعل النساء هكذا، معتمدات على منطق هذه المرأة! فإنها امرأة خاطئة، وليست مثالا. عموما، آن الشخص الذي يريد أن يستفيد روحيا يمكنه أن يتخذ كل مصدر لفائدته، حتى المرأة الخاطئة. وكما يقول الكتاب: "كل شيء طاهر للطاهرين" (تى 1: 15). إن ربنا يسوع المسيح علمنا أن نستفيد دروسًا روحية، من تأملنا لزنابق الحقل التي تلبس أعظم من سليمان في كل مجده، ومن طيور السماء التي لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبونا السماوي يقوتها. ولقد أعطانا دروسا، من الزارع والبذار، ومن الحنطة والزوان، ومن الشباك والصيد، ومن الخميرة، ومن الابن الضال. لأن من أراد أن ينتفع، يمكنه أن ينتفع. ومن له أذنان للسمع، سيسمع ما يقوله الروح للكنائس. وعلى رأى أحد الآباء الروحيين، الذي قال: [تعلمت الصمت من الببغاء]. آي أنني لما رأيت تفاهة الثرثرة، تعلمت الصمت. لقد تعلم القديس الأنبا أنطونيوس دروسه الأربعة: من جسد إنسان ميت، ومن آيات الإنجيل، ومن القدوة الصالحة، ومن صوت الله على فم امرأة خاطئة.. فماذا كان المصدر الثابت لتعليمه، ليس في الدرس الخامس فقط إنما في دروس عديدة؟ * لقد تعلم أيضا من التأمل في الكتاب: عيبنا في هذا الزمان أننا نقرأ كثيرا، ولكن تأملنا قليل، لذلك لا ندخل إلى أعماق المكتوب.. أما الأنبا أنطونيوس، فلم تكن لديه كتب كثيرة مثلنا. كان راهبًا بسيطًا، من غير المعقول أن ينتقل في البرية من مكان إلى أخر وهو مثقل بأحمال من المخطوطات! كان يقرأ قليلا في كتاب الله، ولا يقف عند المعنى الخارجي للكلمة، أو المفهوم السطحي، إنما يدخل في عمق إلى روحانية الكلام. وحسبما قال القديس بولس الرسول: "خمس كلمات بفهم، أفضل من عشرة آلاف كلمة بدون فهم" (1كو 14: 19). بهذا كان القديس أنطونيوس يفهم معاني الكتاب أكثر من غيره. وبهذا شهد له الكثيرون. *وكان القديس أنطونيوس يتعلم أحيانا من أولاده.. من أولاده الذين هو معلمهم. كما قال، أنه كان يأخذ أحيانًا من تلميذه الأنبا بولس البسيط، وكان هذا يسكن في مغارة تحت مغارة معلمه في الجبل. وكانت في حياته بساطة ونقاوة، يصلح سلوكه أن يكون نافعا ومفيدا لمن يرغب في المنفعة. وهناك أمور تعلمها القديس أنطونيوس من الله مباشرة، عن طريق الكشف، آو عن طريق الملائكة: فلما حورب بالضجر في الوحدة، أرسل له الله ملاكا يريه كيف يصلى ويعمل بيديه، ويقاتل الضجر بعمل اليدين. وأراه الملاك الزي الرهباني، القلنسوة المملوءة صلبانا.. ولما حورب بالمجد الباطل، أرشده الله إلى حيث يوجد القديس الأنبا بولا السائح، ليأخذ درسًا من حياته ويتضع. وقد تعلم القديس أنطونيوس أيضا من الخبرة ومن حروب الشياطين: كان يتعلم من الحيل التي يستخدمها الشياطين معه، ومن أفكارهم وحروبهم ومحاولاتهم لإسقاطه. وهكذا بالخبرة والممارسة تدرب على أشياء كثيرة، واتسعت معارفه. ولهذا بعد أن قضى تلميذه الأنبا بولس البسيط فترة معه، يتتلمذ عليه، ويعيش تحت ظل صلواته، وكان يود أن يستمر هكذا، أمره الأنبا أنطونيوس أن يسكن في مغارة وحده، (لكى يجرب حروب الشياطين).. ويختبر، ويتعلم، ويتقوى.. وفى الواقع كانت اختباراته كثيرة وعلى مدى طويل: لقد عاش في حياة الوحدة والنسك والصلاة أكثر من ثمانين عامًا، وقد حفلت -وبخاصة في بدايتها- بالعديد من الحروب، أثارها الشياطين عليه لكي يبعدوه عن هذه الحياة الملائكية: حاربوه بالأفكار والشكوك وشككوه في هذا الطريق، وفى مصير أخته، وفى إمكانية استخدام المال للخير بدلا من توزيعه على الفقراء. وحاربوه بالحواس، والمناظر المخيفة، وحاربوه في عفته بمناظر العبث والنساء. وظهروا له بهيئة فهود ونمور وأسود وحيوانات متوحشة ليرعبوه فانتصر عليهم ولم يخف. وقال لهم: [لماذا هذا التجمهر؟ لو كنتم أقوياء، لكان واحد منكم فقط يكفى لمحاربتي، بينما أنا أضعف من مقاتلة أصغركم].. نقطة ذكاء.. حاربوه أيضا بالضرب والإيذاء.. وبالأخص حينما كان يسكن في المقبرة، في بدء رهبنته. وربما يكون قليل من القديسين قد ضربوا من الشياطين ضربًا عنيفًا، كما حدث للأنبا أنطونيوس. لقد ضربوه بعنف شيطاني لا رحمة فيه، حتى تركوه في المقبرة ما بين حي وميت. وهو نفسه قال عن هذا الحادث: [إن الضربات التي كانت تقع على. كانت من القوة والعنف، بحيث أنني لا أظن أن قوة بشرية تستطيع أن تضرب بمثل ذلك الإيلام وبمثل تلك القسوة]... ولما جاء العلماني الذي يخدمه ووجده هكذا، حمله إلى كنيسة القرية وهو في غيبوبة، فبكى عليه الناس. وعند منتصف الليل تقريبا، وكان الناس قد انصرفوا، فتح الأنبا أنطونيوس عينيه، وسأل الأخ العلماني: [أين أنا؟] فلما أخبره أنه في كنيسة القرية، قال له: [احملني إلى المقبرة]. ولما أدخله فيها، قال له: [اغلق وأمضى]. ثم أعتدل الأنبا أنطونيوس وقال للشياطين. [إن كان الله قد أعطاكم سلطانا على، فمن أنا حتى أقاوم الله؟! وإن كان الله لم يعطكم سلطانا، فلن يستطيع أحد منكم أن يؤذيني!]. وبدأ يرتل مزاميره: الرب نوري وخلاصي ممن أخاف؟! الرب عاضد حياتي ممن أرتعب؟ عند اقتراب الأشرار منى ليأكلوا لحمى، مضايقي وأعدائي جزعوا وسقطوا. إن يحاربني جيش، فلن يخاف قلبي. وإن قام على قتال، ففي هذا أنا مطمئن". وكانت الشياطين تنحل أمامه كالدخان وتمضى صارخة.. ولما أنتصر هكذا على الشياطين، بدأت الشياطين تخافه عالمة أنه أقوى منها. وتعلم هو من هذا دروسا.. تعلم أن لا يخاف من الشياطين، وتعلم قوة الصلاة والمزامير وعجز الشياطين أمامها. وتعلم الشجاعة أيضًا، والصلابة في الجهاد. وأخذ خبرة في العمل الروحي وفى حروبه. ومن ذلك الحين، بدأت الشياطين تخافه، لأنه هزمها في أكثر من ميدان. وألقى فيما بعد عظته عن ضعف الشياطين. وأخذ قوة من ذلك كله، على إخراج الشياطين وطردهم: وعاش هذا الجبار وحده في الجبل، يملأ البرية صلاة وتأملات وتسبيحا وترتيلا وقدسية وطهرا، وترتعب منه الشياطين، وتحيطه الملائكة. وعرف متى يقول لهم في أتضاع: أيها الأقوياء، ماذا تريدون منى أنا الضعيف؟ أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم. ألا تعلمون أنى مجرد تراب ورماد؟ وتواضعه هذا كان يحرقهم ويطردهم بعيدًا.. وعرف أيضا متى يكون حازما وشديدا معهم. ويقول لهم في ثقة. [لو كنتم أقوياء، لكان واحد منكم يكفى لمحاربتي]. [إن كان الله لم يعطكم سلطانا على، فلن يستطيع أحد منكم أن يؤذني].. وأستطاع أيضا أن يميز أفكارهم وخداعهم وأحلامهم: فى إحدى المرات أتاه الشيطان مرة ليوقظه ليصلى!! فلم يسمع منه. وقال له: متى أردت أن أقوم للصلاة، سأقوم وأصلى. ولكن منك أنت لا أسمع. وفى إحدى المرات تعجب البعض من سر كشفه لهم، فسألوه عن ذلك قال: [أتى الشياطين في حلم وأخبروني]... لقد أكتسب إفرازا وعلما من حروب الشياطين: إن الأنبا أنطونيوس في تعليمه لغيره، إنما كان يعلم من حصيلة خبرة طويلة، لم يكن يعلم من معرفة الكتب. لم يحدث أنه قرأ كتابا وفهمه، وأخذ أفكاره وشرحها للناس. إنما كان يحيا الحياة، ويجرب ويختبر. ثم يعلم: لقد عرف الشياطين وحروبهم، وعرف الأفكار وحروبها، وعرف الجسد وحروبه، وجرب الرؤى والأحلام.. ومن ناحية أخرى ذاق حلاوة العشرة مع الله، في الوحدة والصلاة، والتعزيات الإلهية، والكشف الإلهي، والتأمل ومن واقع هذه الخبرة الطويلة مدى عشرات السنوات، كان يتكلم كلاما عمليا عن خبرة وتجربة، وليس كلامًا من الكتب. لذلك كان لكلامه تأثير.. إن خبرة 90 سنة في الروحيات ليست أمرا هينا إنها رحلة طويلة مشاها مع الله في الجبل المقدس.. مشوار طويل مشاه في البرية، في الصحراء، يده في يد الله، وحياته في قلب الله.. يختبر ويذوق ما أطيب الرب. * والقديس الأنبا أنطونيوس، كانت له عينان مفتوحتان، تكشفان الأسرار وتستطيعان أن تمزقا الحجب، وتريان ما لا يرى. في مرة من المرات كان واقفا مع تلاميذه، ثم رأوه قد سها قليلا ونظر إلى فوق فترة، ثم تنهد. فسألوه.. فقال: [لقد أنتقل اليوم عمود كبير من أعمدة الرهبنة.. لقد رأيت روح الأنبا آمون وهى صاعدة إلى السماء تزفها الملائكة].. صدقوني يا أخوتي، لقد وقفت مذهولا فترة أمام هذه العبارة..! ما الذي رآه الأنبا أنطونيوس؟ وكيف رأى؟ إن أرواح البشر لا تراها العين المحسوسة المادية، وكذلك أرواح الملائكة! فهل رأى الأنبا أنطونيوس هذه الرؤيا بالروح أم بالجسد! إن كان بالروح فكيف وهو في الجسد؟! وإن كان في الجسد فكيف؟ هل ظهرت الملائكة في هيئة منظورة، كما يظهرون أحيانا للبشر، وهل كذلك ظهرت روح الأنبا آمون؟ أم كان الأنبا أنطونيوس في ذلك الوقت: "في الروح "كما كان يوحنا الحبيب (رؤ 1:10)، "في الجسد أم خارج الجسد؟ لست أعلم. الله يعلم" (2 كو 12: 2). كان الأنبا أنطونيوس رجلًا مفتوح العينين، يكشف له الله أمورًا وأسرارًا. وقد تعلم كثيرا من الكشف الإلهي، وتعلم من الرؤى ومن الملائكة.. كما سبق له وتعلم من الموت ومن الحياة، من الأبرار ومن الخطاة، ومن التأمل في كلام الله.. ولما امتلأ علما فاض من علمه على الآخرين.. وكان الفلاسفة يأتون إليه، ليتعلموا من هذا الأمي في نظر فلسفة اليونان والرومان..! هذا هو الأنبا أنطونيوس العجيب.. الكنيسة مملوءة من العلماء والفلاسفة والمفكرين، ومملوءة من الأساقفة والمطارنة والبطاركة وكل رتب الكهنوت. ولكن ليس فيها كثيرون من أمثال الرجل العظيم الأنبا أنطونيوس! من هذه الطاقة الروحية الجبارة، التي احتقرت الدنيا وما فيها..وزهدت كل شئ: المال والشهرة والأسرة، ومتع الأرض كلها، والجسد.. فأصبح الله له هو الكل في الكل. نادرا ما نجد إنسانا ناسكا زاهدا عابدا، مثل الأنبا أنطونيوس! فكم بالأكثر إنسانًا قائدًا معلمًا مثالًا في هذا الطريق كالأنبا أنطونيوس! نبغ في الروحيات، اختبرها، وعلمها لغيره، بالتعليم والقدوة الصالحة.. نطلب بركة هذا القديس العظيم، وبركة هذه الكنيسة المقدسة.. ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد أمين، |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 59137 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() مديح القديس باجوش كلمات مريم فخرى |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 59138 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() مديح الامير تادرس المشرقي (طوباك يا ثيؤدروس) |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 59139 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() مديح تمجيد القديس العظيم يوليوس الأقفهصي |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 59140 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() مديح باكر للقديسين 2 جديد للمرنمه مريم ماجد كلمات ريمون مختار وامل نادي مونتاج امانى عادل |
||||