![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 5871 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() أخذته سحابة أي سحابة مقدسة تلك التي أخذت السيد المسيح عن أعين التلاميذ، أي سحابة تلك التي حجبته عن رؤيتهم؟ كيف تحجبه سحابة وهو "الذي جعل مسالكه على السحاب الماشي على أجنحة الرياح " (مز 104: 3 ). لعلها سحابة من القوات السماوية من أجناد الشاروبيم و الساروفيم المتوهجون نارا. ولقد ارتبط السحاب بظهور الرب ومجده. فقد صار سحاب ثقيل على جبل سيناء عند حلول الله وحضوره وسط الشعب (خر 19: 16)، وكان عامود السحاب يتقدم الشعب في مسيرته (خر 13: 21)، والسحاب ملأ البيت لأن مجد الله حل فيه (2 أي 5: 14)، وتحدثت النبوة عن السحاب هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر (إش 19: 1). وفي حادثة التجلي جاءت سحابة نيرة وظللتهم (مت 17: 5). وقد تنبأ داود النبي عن السيد "سحاب وضباب حوله" (مز 97: 2)، وقال سليمان أن الرب يسكن في الضباب (2 أي 6: 1). إن السحاب وهو المرتفع في مكانه عن الأرض إشارة إلى السماء فكان جدير أن يظهر في صعود الرب إلى السماء وستكون السحب هي العلامة التي تظهر في السماء عند المجيء الثاني للرب "هوذا يأتي مع السحاب وستنظره كل عين" (رؤ 1: 7)، كذلك جعل الرب أن يكون اختطاف المؤمنين على السحاب (إش 4: 17) إننا نشتاق إلى تلك الساعة التي نتلاقى فيها في السحب لملاقاة الرب. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 5872 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() فرح السمائيين بالصعود ![]() بينما كان التلاميذ ينظرون وهم شاخصون بعيونهم في السماء، حيث كان صعود الرب وجاءت السحابة وأخذته عن عيونهم، ظهر ملاكان بلباس أبيض و منظرهما بهي تحدثا مع الرسل، فإذا كانت الملائكة نزلت من السماء حاملة البشارة بالتجسد، فقد نزل جبرائيل يبشر السيدة العذراء، ونزلت أجواق الملائكة تعلن فرح البشرية وقت ميلاده، ووقت التجربة جاءته أيضا الملائكة، وفي البستان ليلة آلامه نزل ملاك من السماء، وفي قيامة الرب نزلت الملائكة تبشر النسوة والرسل، كذلك أيضا في صعود الرب ظهرت الملائكة وظهرت الجنود السمائيين تستقبل ملك الملوك ورب الأرباب، إنه إعلان عن ابتهاج السماء بصعود الرب وشركتها مع الأرض في الفرح وتقديم السجود للرب الظافر الصاعد إلى علاه و أصعدت البشرية معه لتسترد مكانها في السماء، وهذا ما جعل الملائكة تفرح وتبتهج فإذا كانت الملائكة تفرح بتوبة إنسان واحد (لو 15) فكم تكون فرحتها بعودة جنس البشر جميعه، ورجوع البشرية إلى السماء. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 5873 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() جلس عن يمين الآب ![]() بعد أن تمم السيد المسيح عمل الفداء وصعد إلى السماوات جلس عن يمين أبيه، وليس المقصود هنا الجلوس الجسماني في المفهوم البشري فالله ليس له يمين أو يسار وليس هو محدود في طبيعته، ولكن المعنى في جلوس الابن عن يمين أبيه هو أنه بعد أن أكمل عمل الفداء أخذ ماله من مجد وكان ذلك المجد مخفي في زمان تجسده "الذي وهو بهاء مجده ورسم جوهره وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته بعد ما صنع بنفسه تطهيرا لخطايانا جلس في يمن العظمة في الأعالي" (عب 1: 3)، فالسيد بعد أن اجتاز السماوات جلس عن يمين أبيه (مر 16: 19)، وهذه هي صورة المجد وكانت غير منظورة للتلاميذ وقت الصعود. (والرب لم ينقص شيئا بسبب تجسده كذا لم يزد شيئا في صعوده، لا هو قل في تجسده ولا هو كثر في صعوده، فمجده لم ينقص حينما أخذ جسدا بشريا، ولا هو أخذ مجدا ليس له حينما صعد إلى السماء فإنه أي المسيح جلس عن يمين العظمة أي الآب وفي هذا الرد على هرطقة أريوس- "شرح (عبرانيين 1: 3) لأغسطينوس". وهذا المفهوم يتضح في صلاة المسيح الوداعية "أنا مجدتك على الأرض، العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته، والآن مجدتني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم " (يو 17: 5). وفي جلوسه عن يمين الآب جلس على عرش مجده (مز 46). "إذ بالعدل والحق أتقن كرسيه" (مز 97: 2)، فيسوع الذي وضع قليلا عن الملائكة بتجسده، جلس في يمين العظمة في الأعالي، صائرا أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسما أفضل منهم (عب 1: 3-4). إن السيد دخل إلى مجده وقد سبق إشعياء أن تنبأ عن هذا "أنا الرب هذا اسمي ومجدي لا أعطيه لآخر" (إش 42: 8). وفي جلوس السيد في مجده أخضع كل شيء تحت قدميه وهو ما شرحه القديس بولس الرسول "وما هي عظمة قدرته الفائقة نحونا نحن المؤمنين حسب عمل شدة قوته، الذي عمله في المسيح إذ أقامه من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات. فوق كل رئاسة وسلطان وقوة وسيادة وكل اسم يسمى ليس في هذا الدهر فقط بل في المستقبل أيضا. وأخضع كل شيء تحت قدميه" (أف 1: 19-22). وهو ما سبق أن تنبأ به داود النبي "قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئا لقدميك" (مز 11: 1)، ورآه دانيال النبي "أُعطى سلطانا ومجدا وملكوتا" (دا 7: 13). إن السيد المسيح في حياته على الأرض أوضح ذلك الأمر لتلاميذه إذ قال لهما " دفع إلىَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض" (مت 28: 18). وبعد أن جلس السيد وملك فإن الخليقة أصبحت تشترك مع السمائيين لتقدم السجود "وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين مستحق هذا الخروف المذبوح أن يأخذ القدرة والغنى والحكمة والقوة والكرامة والمجد والبركة" (رؤ 5: 12). فالخليقة الساقطة التي عُتقت من الموت وارتفعت بصعود الرب وجلست معه في السماويات تجثو له وتمجده من أجل تدبير عمله المجيد، لذلك رفعه الله أيضا وأعطاه اسما فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء (الملائكة) ومن على الأرض (البشر) ومن تحت الأرض (الذين عتقهم من الجحيم) ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب مجد الله الآب (في 2: 8-11). وفي ذلك أيضا يقول القديس بطرس في رسالته عن المخلص "إذ قد مضى إلى السماء وملائكة وسلاطين قوات مخضعة له" (1 بط 3: 22 ). وإننا إذ نتمتع ببركات هذا الصعود نشكر الله ونسجد له ونمجده إذ حسبنا نحن المؤمنين مع هؤلاء الساجدين له، ولساننا ينطق بالتسبيح لرب المجد، لقد صعد السيد وجلس الملك في مجده، ومساكين هؤلاء الذين لا يريد و ن أن يملك عليهم فهم وقت الدينونة ينوحون وليس من فائدة "و حينئذ تنوح جميع قبائل الأرض" (مت 24: 30)، حقا أنهم مساكين لأنهم يصيرون تحت موطئ قدميه ويسمعون صوت الحكم المخوف هؤلاء الذين لم يريدوا أن أملك عليهم آتوهم واذبحوهم قدامي (لو 19: 27)، أما نحن فقد صار لنا جلوس السيد في مجده مصدر القوة والتعزية، وهي التي رآها إستفانوس وهو يستشهد وأعلنها أثناء محاكمته أمام المجمع اليهودي "ها أنا أنظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائما عن يمين الله" (أع 7: 56). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 5874 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الصعود و استعلان مجيئه الثاني ![]() تحدث الملاكان اللذان ظهرا للتلاميذ وقت صعود الرب عن سر مجيئه الثاني، وأخبرا أن يسوع الذي انطلق وصعد إلى السماء سيأتي في مجد أبيه، لقد كشف الصعود عن سر مجيئه رجاء الكنيسة الذي تنتظره وهي تسير نحو السماء تبشر بموت الرب وتعترف بقيامته من الأموات وصعوده إلى السموات، هذا المجيء الذي سبق الرب وأخبر به تلاميذه قائلا: "وحينئذ يبصرون ابن الإنسان آتيا في سحاب بقوة كثيرة ومجد" (مر 13: 26). لقد ارتبط المجيء الثاني للرب بصعوده وهذا ما قاله السيد لتلاميذه "وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضا وأخذكم إليّ" (يو 14: 3). وفي صعود الرب نالت الكنيسة قوة صعودها وارتفاعها، فتصعد وتأتي إليه في مجيئه الثاني حينما يدعوها "تعالوا إليّ يا مباركي أبي" (مت 25: 34). - الصعود وكمال النبوات تنبأ داود النبي عن صعود الرب في مجده وقال "صعد الله بتهليل الرب بصوت الصور (المزمار) رتلوا لإلهنا، رتلوا لملكنا رتلوا لأن الرب هو ملك الأرض كلها، رتلوا قصيدة فإن الرب ملك على كل الشعوب، جلس الله على كرسي مجده" (مز 46)، وسفر المزامير ملئ بإشارات كثيرة عن صعود الرب (مز 97: 1)، (مز 18: 10). ويفسر القديس بولس البوشي (القرن 13) إشارة إلى الصعود في رؤيا يعقوب (تك 28: 11-13) حيث رأى سلما مرتفع من الأرض إلى السماء وملائكة الله نازلين وصاعدين عليه، والرب فوق أعلى السلم.. . فقد ارتفع الرب فوق في علاه وابتهجت الملائكة بصعوده. ويرى أيضا في قصة الفأس و إليشع (2 مل 6: 1-2) رمزا آخر للصعود فقد كانت هناك فأس وأثناء القطع بها سقطت في الماء وغاصت في القاع، فجاء رجل الله وقطع عودا وألقاها في الماء في المكان الذي سقطت فيه الفأس عندئذ طفا الحديد على سطح الماء فمد الرجل يده وأخذه، وتأمل القديس بولس البوشي في القصة وقال أن سقوط الحديد يشبه سقوط البشرية التي تثقلت بالخطية وانحدرت متردية وسقطت في القاع ولم تقدر أن تصعد ثانية بسبب ثقل (دينونة) الخطية لكن الله تحنن عليها واتحد بجسد طاهر من القديسة مريم العذراء وأصعده بغير مانع وأعطى لجنسنا القدرة على الصعود. وفي صعود النبيان أخنوخ (تك 5: 24)، وإيليا (2 مل 2: 11) نبوة سابقة تخبرنا عن صعود الرب وفيه رجاء لصعودنا معه، ففي صعودهما من الأرض إشارة لصعود السيد المسيح ولكن هناك اختلاف جوهري إذ أن أخنوخ الله نقله، وإيليا أرسل الرب مركبة نارية حملته، أما صعود المسيح أمر فائق للعقل ومملوء مجدا إذ نزل أولا إلى الجحيم وهو يطأ قوات الظلمة إذ جعل أعدائه موطئا لقدميه، وسبى سبيا وصعد إلى السماء ومعه الغنائم، وجلس في عرش مجده (أف 4: 8). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 5875 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() المفهوم الروحي لعيد الصعود ![]() في صعود السيد المسيح إعلان عن لاهوته، فالذي عاش بالجسد معنا على الأرض وهو يخفي لاهوته، اليوم يتمجد فوق الخليقة كلها، فهو إله بطبيعته أزلي في جوهره، والذين ينكرون لاهوت المسيح ولا يعترفون أن الله جاء في الجسد بماذا يجاوبون عن صعوده، فإذ ونحن نعيد اليوم بهذا العيد المجيد نعترف أن يسوع المسيح هو رب المجد (في 2: 11). وفي هذا اليوم توجت البشرية إذ أن السيد الذي شارك البشرية في طبيعتها وأخذ جسدا، اليوم صعد بهذا الجسد إلى المجد، ففي صعوده "دخل كسابق لأجلنا صائرا على رتبة ملكي صادق ورئيس كهنة إلى الأبد" (أف 1: 20-22)، فاليوم صعد إلى السماء، و أصعدنا معه. وبصعود الرب إلى السماء لم نعد نرتبط بالأرض لقد أصبحنا سمائيين، لأنه صعد إلى السماء وهو يحملنا جميعا فيه "أنا فيهم وأنتم في ليكونوا مكملين إلى واحد" (يو 17: 23). وفيه لم تعد طبيعتنا البشرية ساقطة لأن الرب أصعدها في هذا اليوم فصارت ذات كرامة بحلول السيد فيها ثم صارت ممجدة بعد قيامته وصعوده، فالجسد الذي أخذه من القديسة مريم العذراء ومات على الصليب هو ذات الجسد الذي قام من الأموات وصعد إلى السموات، وهو أيضا بذلك يعطي تأكيدا أنه لم يقم روحا فقط، ولكنه قام بجسده أيضا وهو الذي رآه التلاميذ يرتفع حتى غاب عن أعينهم. في هذا العيد نبتهج بفرح إذ عاد التلاميذ إلى أورشليم بفرح عظيم، لقد وهب للكنيسة في هذا اليوم أن تنال فرحها بصعود الرب إلى السماء، ففي هذا العيد المجيد نبتهج ونحن لنا هذا الفرح في هذا اليوم. فلنخرج مع التلاميذ إلى جبل الزيتون جبل الصلاة في اختلاء مع الرب، بعيدا عن العالم حينئذ نكون في مجال جاذبية السماء، ونثبت أعيننا في السماء حيث صعد الرب في مجده، ولنرفع قلوبنا نقية ونفوسنا في اشتياق ونسجد مع التلاميذ في الجبل المقدس، فنكون مع التلاميذ الذين رفع الرب يديه في هذا اليوم وباركهم ورجعوا بفرح عظيم. آمين. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 5876 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() شذرات من الآباء الشرقيين الصعود للقديس يوحنا الذهبى الفم قدَّمَ المسيح الى الآب باكورة طبيعتنا، ونالت التقدمة حُظوة في عينيه نظراً لنقاوتها وسموِّ مُقدِّمها، فقبِلَها وأقامها إلى جانبه، قائلاً له: “اجلِسْ من عن يميني”. فمن هي تلك الطبيعة التي قال لها الله: “اجلسي من عن يميني”؟ منَ الواضح أنها تلك التي كانت قد سمعت هذا القول: “إنك ترابٌ وإلى التراب تعود”. ألمْ يكفِ أن تُرفَع فوق السموات؟ وتُقيم بين الملائكة؟ ألم يكن في هذا كفايةٌ للتعبير؟ كلا، وأَيْمُ الحق! لقد ارتفعتْ على الملائكة، وفاقت مراتب رؤسائهم ومقامَ الكروبين والسارافيم وسَمَتْ على القوَّات ولم تقف إلى أن استولت على عرش الرب عينه. ألا ترى بُعدَ المسافة الفاصلة بين الأرض والسماء؟ أو لننطلق بالأحرى مما هو أسفل، ألا ترى المسافة بين الجحيم والأرض، والأرض والسماء، والسماء وأعلاها، وأعلاها والملائكة ورؤسائهم والقوَّات السماوية وأخيراً عرش الملك؟ لقد جعل المسيح طبيعتَنا تجتاز هذه المسافة كلَّها. تأَمَّل إذاً عمق الهاوية التي تدهورت فيها تلك الطبيعة في دورها الأول، وإلى أيِّ سموٍّ قد رُفعت. لقد كان من المَحال أن تهبُطَ الطبيعة البشريَّة إلى أدنى مما بلغت، كما كان من المحال أن تصعد إلى أسمى مما رفعَها إليه المسيح بعد إنهاضِها. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 5877 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الصعود الإلهي الصعود الإلهي هو حدث ارتفاع المسيح الى السماء، وهو حدث كنسي بمعنى أنه يعبر بنا الى زمن الكنيسة . إنطباع الرحيل فيه لا يسمح للمستنيرين أن يتحسّروا تحسّرا عقيما على الماضي ولا أن يلقوا نظرة سراب الى المستقبل، فمع كون الصعود مفرقا حاسما ونهاية علاقة خارجية مع يسوع إلا أنه، بنوع خاص، افتتاح علاقة إيمان جديدة كليا وإعلان زمن جديد. والصعود، تاليا، هو عيدُ الكنيسة لأنه، بالنسبة اليها، يحوي أكثر الوعود تمجيدا، لكونه باكورة صعودها هي الى السماء. فالمسيح الرب بما أنه رأس الجسد – الكنيسة – (أفسس 1: 20 – 23) وهو قائم بجسده عن يمين العظمة الإلهية (أعمال 7: 55؛ عبرانيين 1: 3 و8: 1) فالكنيسة تعلم علم اليقين أنها تشترك بالمجد ذاته ولو كان عليها أن تجاهد، إلى حين، جهادات الأرض. هذا ما بيّنه القديس يوحنا الذهبي الفم إذ قال:" لقد دخلت إنسانية الجميع نهائيا في ناسوت المسيح في الصعود السماوي، وقد تحققت أبديتنا من دون رجعة.... وأصبح منذئذ " موطننا في السموات" (فيلبي 3: 20). حادثة الصعود هذه على عظمتها وقوة معناها لم تشغل في العهد سوى بالجديد ضعة أسطر. الكتابان الأساسيان اللذان يوردان الحدث هما كتابا لوقا: الإنجيل وأعمال الرسل. إيراد هذه الحادثة على يد كاتب واحد في كتابين، وجعلها في وقتين ومكانين مختلفين، له خصوصية لاهوتية سنحاول الوقوف أمام بعض معانيها. في إنجيل لوقا يكشف يسوع القائم من بين الاموات لخاصته ببراهين كثيرة أنه حي، فيحدّثهم ويعلّمهم ويؤاكلهم ومن ثم، يقول النص:" انفصل عنهم ورُفع الى السماء" (24: 51). إلا أن يسوع، قُبيل رحيله، يعمل معهم عملا خاصّا:"يباركهم"، والتلاميذ يسجدون له. وهذان الأمران (البركة والسجود) مهمّان للغاية، لأنهما كعملين طقسيين ويختصان بالهيكل(هيكل اورشليم) يتممهما يسوع في " بيت عنيا" اي خارج منطقة الهيكل فيعلن، في آخر لحظة له على الارض، أنه وتلاميذه أحرار من الهيكل وأنهم هم الهيكل. وإذا رجع التلاميذ، بعد هذا، الى الهيكل ولازموه(لوقا 24: 53) حقيقتهم أنهم ينفّذون وصية الرب التي قالها لهم: " امكثوا انتم في المدينة إلى أن تلبسوا قوة من العلاء" (لوقا 24: 49). أي انتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني (يوم الخمسين) الذي سيجعلكم هو(الروح القدس) مقرّا لله وشاهدين لقيامتي في العالم أجمع. الصعود الذي يجري، في كتاب أعمال الرسل، في جبل الزيتون (1: 4-11)، هو تتمة السرّ الفصحي ويشكل نقطة ابتداء زمن الكنيسة، ذلك أنه كشْفُ مسبق وتهيئة للحدث العظيم الذي هو "العنصرة". فالروح آت، والرب باق معنا(ولعله هذا يفسّر فرح التلاميذ في إنجيل لوقا 24: 52)إلا أننا لا يمكننا رؤيته بعد الآن إلا بمظاهر الروح القدس لذلك كان لا بدّ للمسيح أن ينطلق " لأنني إن لم أنطلق لا يأتكم المعزي" (يوحنا 16: 7)، وهذا لا يفضي، كما قال هو نفسه لتلاميذه، بالكنيسة إلى الحزن وإنما الى الفرح. فالصعود الإلهي ليس حدثا يؤكد على رحيل الرب – ولو كان هذا ظاهره – وإنما على حضوره معنا إلى الأبد، كما قال لتلاميذه: " هاءنذا معكم كل الأيام إلى منتهى الدهر" (متى 28ك 20) ولكن بروحه القدوس. استعمل المسيحيون الأوائل لغات متعددة ليصفوا قوة هذا الحدث الخلاصي (لغة القيامة، لغة الارتفاع) وذلك أن عملية الفداء تفترض تتويجا، والصعود – من هذه الناحية- يشير إلى دخول المسيح في ملكه. يقول نرساي المعلّم الملقب بلسان الشرق (399-502) في حديثه عن صعود الرب: "حين نظرت ُ طينَنا انذهلت كثيرا كم عُظّم، فمع أنه تراب نال السلطان ومَلَكَ على الكون". إلا أن الفارق الزمني الذي نجده في كتابَي لوقا له، بلا ريب، أبعاده اللاهوتية. ففي الإنجيل يتم كل شيء (القيامة وظهورات القائم لتلاميذه والصعود) في اليوم ذاته، لأن تمجيد يسوع يفترض صعودا إلى الآب، وهذا بمنطق القيامة لا يعوزه زمن أبعد من لحظة القيامة ذاتها، فيسوع القائم من بين الاموات لا يمكن لأي مكان أو زمان أن يحدّ من سلطانه. أمّا في كتاب أعمال الرسل فيتمّ الحدث عينه بعد أربعين يوما من القيامة، ومما لا شك فيه ان هذا الرقم التقليدي لا يشير الى زمن الصعود، ذلك أن ما أراده الكاتب هو أن يوازي بين يسوع وكنيسته، فكما استعد يسوع لرسالته أربعين يوما في البرية(لوقا 4: 2) فهو يهيىء كنيسته أربعين يوما فيكلّمها عن "ملكوت الله" (أعمال الرسل1: 3). صعود السيد الى السماء هو حدث ملازم للقيامة، ولكن مع انتشار تقليد "الأربعين يوما" (أعمال 1: 3) أصبحت القيامة تعني تجدد العلاقة الأرضية بين المسيح وتلاميذه، ويشكل الصعود حدثا منفصلا. وتحتفل الكنيسة في اليوم الأربعين للفصح المجيد بعيد صعود السيّد المسيح إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب. والراجح أنّ الكنيسة، حتّى القرن الرابع الميلاديّ، كانت تعيّد هذا العيد مع عيد العنصرة في مناسبة واحدة. وكانت كنيسة أورشليم هي أوّل مَن جعلت من الصعود عيداً مستقلاًّ سرعان ما أصابت عدواه الكنائس كلّها. لم تفصل الكنيسة الأولى بين أحداث الفصح والصعود والعنصرة، واعتبرت أنّ هذه الأحداث تشكّل حدثاً واحداً وتكمّل بعضها بعضاً. وقد قال القدّيس بطرس الرسول في خطبته الأولى يوم العنصرة: "فيسوع هذا قد أقامه الله، ونحن كلّنا شهود بذلك. وإذ كان قد ارتفع بيمين الله، وأخذ من الآب الموعد بالروح القدس، أفاض هذا الروح الذي تنظرونه وتسمعونه" (أعمال الرسل 2: 32-33). هنا، يجمل الرسول الأحداث الثلاثة بعبارة واحدة، لأنّها بالنسبة إليه لا يمكن فصلها ولا يمكن القيامة أن تكتمل إلاّ بصعود المسيح وجلوسه عن يمين الله وحلول الروح القدس على التلاميذ. يذكر القدّيس لوقا الإنجيليّ الصعود في موضعين مختلفين: في الفصل الأخير من إنجيله وفي الفصل الأوّل من سفر أعمال الرسل. ففي الإنجيل يذكر لوقا أنّ المسيح ارتفع إلى السماء في اليوم نفسه الذي قام فيه (لوقا 24: 50-53). أمّا في سفر أعمال الرسل فيذكر لوقا نفسه أنّ يسوع تراءى لتلاميذه مدّة أربعين يوماً يكلّمهم بما يختصّ بملكوت الله، و"ارتفع وهم ناظرون وأخذته سحابة عن عيونهم" (أعمال الرسل 1: 9). يبدو كأنّ في هذين النصّين تناقضاً من حيث إنّ الربّ يسوع صعد في اليوم الأوّل للقيامة إلى السماء، ثمّ القول بأنّه صعد بعد أربعين يوماً. ولكنّ هذا التناقض يزول إذا ما أدركنا أنّ المسيح بقيامته من بين الأموات قد أتمّ كلّ شيء، فيكون حدث قيامته وصعوده حدثاً واحداً. أمّا الأربعون يوماً فهي المدّة التي كان يسوع يتراءى فيها لتلاميذه لكي يهيّئهم لنوع جديد من حضوره بينهم. إنّ عدد الأربعين في الكتاب المقدّس هو عدد رمزيّ يدلّ على مدّة طويلة تمهّد لحدث عظيم. فشعب العهد القديم سار أربعين سنة في الصحراء قبل دخول أرض الميعاد، والربّ صام أربعين يوماً قبل البدء ببشارته. هكذا لم ينتظر السيّد المسيح أربعين يوماً لكي يصعد إلى السماء، بل صعد منذ اللحظة الأولى للقيامة، وما الأربعون يوماً إلاّ لتهيئة التلاميذ لحضور مختلف للربّ في ما بينهم. أمّا السحابة التي رفعت الربّ يسوع عن عيون تلاميذه فهي رمز لحضور الله. فالله لا يمكن أن يُرى بأعين الجسد، لذلك يُرمز إليه دوماً في الكتاب المقدّس بالسحابة. ففي التجلّي يروي القدّيس لوقا أنّ سحابة قد ظلّلت الحاضرين، وكان صوت من السحابة يقول: "هذا هو ابني الحبيب فله اسمعوا" (لوقا 9: 34-35). يكون، إذاً، دخول السيّد المسيح في السحابة إشارة إلى دخوله في مجد الله. أمّا "السماء" التي ارتفع إليها الربّ يسوع فليست الفضاء الخارجيّ الذي يحيط بالأرض، وليست مكاناً يمكن الصعود إليه بالقدرات البشريّة. إنّه عالَم لا تدركه حواسّنا ومخيّلتنا، ولكنّه عالم حقيقيّ ثابت أكثر حقيقة وثباتاً من عالمنا الحالي، وقد دشّنه الربّ عندما قام من بين الأموات. إنّ لفظ "السماء"، هنا في هذا المقام، لفظ معنويّ يشير إلى الله. إذاً، يكون الصعود إلى السماء صعوداً إلى مجد الله. في السياق عينه، عندما نقول إنّ السيّد المسيح "جلس عن يمين الآب" لا نقصد يميناً مكانيّة، إذ لا يمكن حصر اللامحصور في مكان محدّد. ولكنّنا، كما يقول القدّيس يوحنّا الدمشقيّ، "نعني بيمين الآب مجدَ لاهوته وكرامته اللذين يقيم فيهما ابن الله قبل الدهور، بصفته إلهاً، مساوياً للآب في الجوهر، ثمّ بصفته قد تجسّد، هو يجلس بالجسد (عن يمين الآب)". من هنا أهمّيّة الصعود والجلوس عن يمين الله بالنسبة الى خلاص البشر، فالرسول بولس يشدّد على هذه الناحية في رسالته إلى أهل أفسس حين يقول: "حين كنّا أمواتاً بالزلاّت أحيانا مع المسيح، فإنّكم بالنعمة مخلَّصون. وأقامنا معه وأجلسَنا معه في السماويّات في المسيح يسوع" (2: 5-6). وفي هذا المنحى أيضاً يذهب كاتب الرسالة إلى العبرانيّين حين يعتبر أنّ السيّد المسيح قد دخل إلى قدس الأقداس، أي إلى السماء، من أجل أن يشفع بنا: "لأنّ المسيح لم يدخل إلى أقداس صنعتها الأيدي رموزاً للحقيقيّة بل دخل إلى السماء بعينها ليتراءى الآن أمام وجه الله من أجلنا" (9: 24). والمسيح، بحسب الرسالة ذاتها، هو سابقٌ لنا قد أعدّ لنا مصيراً أفضل إذا قبلنا الدخول معه إلى حضرة الله الأبديّة، فيقول صاحب الرسالة إلى العبرانيّين: "حتّى نحصل على تعزية قويّة نحن الذين التجأنا إلى التمسّك بالرجاء الموضوع أمامنا الذي هو كمرساة أمينة راسخة تدخل إلى داخل الحجاب حيث دخل يسوع كسابق لنا وقد أقيم حَبراً إلى الأبد على رتبة ملكيصادق" (6: 18-20). لقد صعد المسيح إلى السماء. رجاؤنا أن نكون معه حيث هو في مجده. الصعود، بواقعه ومداه، هو صعودنا نحن أيضا. فالبشرية الجديدة تأتي من السماء حياة وسلوكا وشوقا لا ينقطع الى الموطن الحقيقي. فإن عيّدنا للصعود، منتظرين الروح الالهي، فلنتذكر أننا مواطنو الملكوت وأننا مدعوون، كل يوم، لأن نعلن هذه المواطنية. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 5878 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() خميس الصعود زمن القيامة ![]() هو خميس الصعود، صعود الرّب الى السماء وجلوسه في المجد عن يمين الله الآب. نفرح ونبتهج لأنّ الرّب بقيامته أقامنا، وبصعوده يدعونا الى مشاركته مجد ملكوت السماوات. في هذا العيد نكتشف دعوتنا الحقيقيّة: أن نكون في مسيرة دائمة نحو الملكوت، لا نكلّ ولا نتعب رغم صعوبة الطريق، وضيق الباب. نسقط أحياناً ونحن نسير، نقوم بنعمة الله تائبين ونكمل المسيرة. وجودنا البشرّي لا ينتهي في هذا العالم، نحن لم نقم مع المسيح لنعود ونموت وندفن، فقيامتنا التي تتمّ بالرّب تأخذ كمال صورتها في حدث الصعود الى السماء، وجودنا البشري يأخذ قِمّة معناه في حدث الصعود. نحن لسنا مجرّد مخلوقات بين مخلوقات أخرى تتمايز عنها بالكيان أو بالشكل، بل نحن كائن فريد دعاه الرّب الى مشاركته مجد وجوده، دعاه ليصبح إلهاً من خلال مشاركته الحياة الإلهيّة. صعود الرّب هو دعوة الى الرّجاء، نرجو على هذه الأرض ما سبق وحضّره لنا الرّب يسوع، نحيا في العالم منترقّبين ساعة اللّقاء، ساعة ملاقاة وجه الرّب الحبيب، عندها فقط يصل الإنسان الى غاية وجوده ويحيا السعادة الحقّة. حين يعلم أن الأرض هذه في مجرّد محطّة على طريق الأبد، نحلّ فيها حيناً ونتوق الى بيت الآب الأبديّ حيث نتّحد الى الأبد بالله خالقنا في رباط من حبّ لا ينتهي. وقالَ لهُم: اَذهَبوا إلى العالَمِ كُلِّهِ، وأعلِنوا البِشارةَ إلى النـّاسِ أجمعينَ حدث الصعود هو ليس حدث الهروب من العالم، بل هو يعطي العالم معنى وجوده الحقيقيّ. لم يقل الّرب للرسل: إبقَوا مجتمعين وصلّوا الى أن تحين ساعة صعودكم أنتم أيضاً"، بل أرسلهم الى العالم ليعلنوا للعالم حقيقة الإنجيل ويعطونه الخلاص. إن عمل الخلاص الّذي تمّ بموت الرّب وقيامته لا بدّ أن يبقى مستمرّاً من خلال رسالة الكنيسة التي تعلن الإنجيل وتكمّل في حياتها وجود الرّب ومحبّته للبشريّة. حبّ الرّب للعالم ليس اختياريّاً أو إنتقائيّاً، إنّما هو حبّ شامل. الرّب يريد خلاص البشريّة كلّها، ولأنّه يثق بنا، أعطانا أن نكمل نحن عمله هذا. الصعود هو مسؤوليّة ثمينة وكبيرة تُلقى على عاتق كلّ واحد منّا. صعود الرّب الى السماء يدعونا الى أن نتحمّل مسؤوليّة خلاص الإخوة ونحمل لهم الإنجيل، دون تمييز بين مكان وآخر، بين لون وآخر، بين دين ودين أو بين الإنتماءات. عملنا هو أن نصبح مسيحاً آخر، نسعى الى خلاص البشريّة بأسرها، لنكون على مثال السيّد، كلاّ للكلّ لكي نربح الجميع الى الملكوت. "هذه هي رسالتنا، أن نحمل الإنجيل الى الجميع، ليختبر الجميع فرح المسيح يسوع وليعمّ الفرح كلّ مدينة ندخلها. هل هناك مدعاة للفرح أكثر من هذا؟ هل هناك أعظم وأبهج من المشاركة في نشر كلمة الحياة في العالم بأسره؟ إعطاء ماء حياة الرّوح القدس؟ إعلان كلمة الحياة والشهادة لها في العالم، هذا هو محور رسالتنا... إن نكون معاونين في حمل الفرح الى الآخرين... خاصة من هم حزانى أو من قد فقدوا الرّجاء". (البابا بندكتوس السادس عشر، 27 نيسان 2008). كُلُّ مَنْ يُؤمِنُ ويتَعَمَّدُ يَخلُصُ، ومَنْ لا يُؤمِنُ يَهلِك والّذينَ يُؤمِنونَ تُسانِدُهُم هذِهِ الآياتُ: يَطرُدونَ الشَّياطينَ باَسمي، ويَتكلَّمونَ بِلُغاتٍ جَديدةٍ، ويُمسِكونَ بأيديهِم الحيّاتِ. وإنْ شَرِبوا السُّمَّ لا يُصيبُهُم أذًى، ويَضعونَ أيديَهُم على المَرضى فيَشفونَهُم. هذه الكلمات تحدّد غاية وجود الكنيسة: إكمال عمل المسيح ليعم إنجيله الأرض قاطبة، وإعطاء كلّ إنسان في كلّ مكان وزمان إمكانيّة إختبار خلاص الرّب في حياته الخاصّة. من يؤمن ويعتمد يخلص، لأنّه يشارك الرّب في صعوده وجلوسه عن يمين الآب. فالتبرير الّذي نناله بالرّب يسوع، ومن خلال المعموديّة، هو الّذي ينزع عنّا خطيئة آدم ويعيدنا من جديد الى حياة النعمة. لا معنى للكنيسة من دون رسالة، وإن نحن أهملنا هذه الرسالة، نخون رغبة الرّب ونفشل في تحقيق خلاصة في عالم اليوم. خمس علامات تؤكّد حضور الرّب في حياة الكنيسة من خلال رسالة التلاميذ: - يطردون الشياطين: هو تحقيق عملّي لما قام به الرّب في حياته وموته وقيامته، هو انتصار الخير على الشرّ وتحقيق ملكوت الرّب. هو الإلتزام في قناعات يسوع في حياة التلميذ اليوميّة، أن يكفر بما يقدّمه له روح الشرّ من ملذّات وحقد ودمار وعنف، وإعلان سلام المسيح وحبّه وغفرانه في عالم يتألم بسبب كثرة العنف والحروب. - يتكلّمون بلغات جديدة: هي موهبة سوف تتحقّق ساعة العنصرة بحلول الرّوح القدس. هي القدرة على إعلان رسالة يسوع الى الشعوب كلّها. الربّ هو الّذي يساعدنا على إيصال إنجيله حتى عندما تخور قوانا الإنسانيّة ونفقد الأمل. تكلم الألسنة لإيصال الإنجيل هو القدرة على الدخول في علاقة مع كائن يختلف عنيّ، وحضارة غريبة وثقافة متمايزة، والرّب يعلن أن رسالتنا هي أن نزرع إنجيله في كلّ ثقافة وعرق ولسان. - يمسكون بإيديهم الحيّات: الأفعى التي أعلن الرّب في سفر التكوين أنّها تسعى للسع عقبنا قد أمسكناها بأيدينا. نحن في عالم يملأه العنف والخوف واليأس، أفاعٍ كثيرة تسعى الى زرع الذعر في قلوبنا، والرّب يعلن أن أدوات الشرّ كلّها تعجز أمام تلميذ الرّب المؤمن. نحن مدعوّون الى أخذ المبادرة والسيطرة على الشرّ بالخير، إمساك الأفعى هو شلّ لحركتها، ونحن التلاميذ مدعوّون الى السيطرة على الشرّ الموجود أوّلاً في داخلنا وبعدها في الكون كلّه. - وإنْ شَرِبوا السُّمَّ لا يُصيبُهُم أذًى: هذه العلامة ترتبط إرتباطاً وثيقاً بالعهد القديم، وبالتحديد بسفر العدد 21، 4-9. حين كاد الشعب يفنى بسبب لسعات الأفاعي والسمّ القاتل الّذي تسبّبه، أمر موسى الشعب بأن يجعلوا على قمّة الجبل أفعى نحاسيّة، يكون أن كلّ من نظر اليها يشفى. لقد صارت هذه الحيّة النحاسيّة المنصوبة على جبل نبو رمزاً للصليب الّذي غُرس على جلجلة أورشليم، وكلّ من نظر اليه يشفى. هي علامة من الرّب أن في صليب الرّب الخلاص، فلا خوف على من يتأمّل به من سمّ الشرّ والشيطان. بالصليب ينال التلميذ الغلبة على الخوف والموت والشّرير، لأنّ بالصليب فقط يطتشف معنى وجوده وقيمة حياته. - ويَضعونَ أيديَهُم على المَرضى فيَشفونَهُم: هي أيضاً علامة نهيوّية تشير الى حضور الرّب الفاعل دوماً في كنيسته من خلال رسالة الكنيسة. لقد صار الشفاء للإنسان بواسطة المسيح يسوع، وصعود الرّب الى السماء يتحوّل الى فعل إرسال للتلميذ لإكمال مسيرة الرّب إذ يضعون حدّاً لألم الإنسان. فالمرض لم يعد بعد المسيح سبب موت ويأس، بل صار وسيلة قداسة واشتراك بصليب السيّد، علامة حسيّة ومنظورة لإنتصار الصليب كعلامة للحياة على المرض كبوابة للموت والقنوط. وضع اليد من قِبل التلاميذ هو استمراريّة لعمل يسوع، وشفاء الأمراض ليس مجرّد أعجوبة، بل هو عمل كلّ تلميذ يسمع دعوة الرّب يسوع يقول له: أستمر في العمل وكنّ رسولي، أكمل العمل الّذي قد بدأته أنا". الرّب يدعونا لنكون الى جانب الإخوة، نشفيهم من أمراضهم الجسديّة من خلال الوقوف الى جانبهم والصلاة لأجلهم ومسحهم بزيت الرّب. نشفيهم من أمراضهم الرّوحيّة من خلال مساعدتهم على المصالحة مع الله، مع ذاتهم ومع الآخرين من خلال سرّ المصالحة والتوبة. نشفيهم من أمراضهم النفسيّة، أمراض الوحدة والخوف واليأس، حين نؤكّد لهم أن الرّب حاضر يرعاهم، وهو حاضر من خلالنا، حين يدركون بواسطتنا كم أن الرّب يحبّهم ويهتمّ بشأنهم. الصعود دعوة لكلّ تلميذ، لا للهرب من العالم ومن واجبات الرسالة المسيحيّة بحجّة الإختلاء والتأمّل، بل هو دعوة لكلّ مسيحيّ ليكون أداة للسيّد، فالرّب يثق بنا ويكل إلينا إكمال الرسالة ليعمّ الإنجيل المسكونة. الصعود هو يوم انطلاق الكنيسة التي سمعت الرّب يدعوها للإنطلاق الى البشارة، ليعم فرح الإنجيل الكون بأسره. الأب بيار نجم ر.م.م. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 5879 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() خميس الصعود
المطران جاورجيوس مطران جبيل والبترون آخر مظهر للقيامة هو الصعود. وهو شبيه بالتجلي من حيث المعنى. في جبل ثابور وهنا كان السيد نيرًا، وفي ثابور كما في بيت عنيا التي منها صعد كان الحديث عن آلامه. ولكن ماذا يعني ارتفاع المسيح الى السماء اذ لم يبرح احضان الآب؟ "ان المسيح صعد الى حيث كان اولا" (صلاة المساء). صلاة المساء تقول ايضا متوجهة اليه: "أَصعدت طبيعتنا الهابطة وأجلستها مع الآب". في الخطاب الوداعي (بعد العشاء السري) يؤكد اولا: "اني انا في ابي وانتم فيَّ وانا فيكم" ولكنه يقول ايضا: "اني مُنطِلق الى الآب"... اترك العالم وأمضي الى الآب، وبعد ان قال هذا يعود الى التأكيد: "انت ايها الآب فيّ وانا فيك". العودة الى الآب (مع كون طبيعته الإلهية لم تنفصل عن طبيعة الابن) هي اذًا رفع جسده الى الآب. "ليدخل ملك المجد" اي ليدخل بكيانه الكامل الإلهي والإنساني. ومن هذا الكيان الإلهي والإنساني معا يرسل الروح القدس الى العالم ليمتد هذا الكيان الإلهي-الانساني الموحد بالروح القدس الى الإنسانية. نحن بالنعمة نأخذ المسيح الكامل، والأسرار الإلهية يتقبل من يساهمها المسيح الكامل، لذلك يمكن الكنيسة ان تكون جسده اي واحدة مع القائم من بين الأموات بجسده. "واما انه صعد فما هو الا انه نزل ايضا (اولا) الى اقسام الأرض السفلى" (اي الجحيم التي هي مملكة الموت). الذي نزل هو الذي صعد ايضا فوق جميع السموات لكي يملأ الكل" (افسس 4: 9و10). ولكن قبل ان ينزل الى الجحيم نزل الى الإنسان بالتجسد والميلاد ولازم الإنسان. عندنا حركة نزول الى البشرة ثم الى الموت تقابلها حركة ارتفاع عن الموت بالقيامة التي يليها الصعود. غاية ذلك كله ان نكتمل نحن، ان نتحرك الى ما سماه الرسول "انسانا كاملا" حتى نبقى في دوام التوجه الى "ذاك الذي هو الرأس المسيح". صعوده وحركتنا اليه والى ابيه وروحه هذا ما ينشئ الكنيسة، هذا ما يبنيها ويبني كل واحد فيها. فاذا فهمنا هذا نعرف اننا منذ الآن جالسون معه في السمويات وان وطننا صار السماء وأنها هي مطلبنا. فالأرض مكان ارتقاء اليها. فكرنا لا يتكون الآن من الأرض وما عليها ولكنه اصبح فكر المسيح. ومهما تقلبت على الدنيا شؤون وشجون نعرف ان المسيح لكونه يحبنا هو الذي يهيمن علينا ونسعى الى هيمنته هذه بالطاعة لكلماته. بها يثبت فينا ونحن فيه. كل شيء فينا قد صار جديدا ولو كنا نتعاطى الأشياء المعروفة منذ القديم (الحياة العائلية والفكرية والاقتصادية والسياسية). الرب لا يريد ان نتركها اذ لا بد ان نأكل ونشرب ونبني عائلة ونقوم باعمالنا المختلفة ونحيي المجتمع بتداول شؤونه. ولكن اذا عملنا كل هذه الأشياء نحيا حياة الجالس عن يمين الآب. نكون على الأرض ونحن سماويون. في هذا المنطق لا نحتقر الجسد كما احتقرته بدع قديمة والحركات البوذية ولا نذله ولا نهمله ولا نستسلم للمرض ذلك لأن: "اجسادكم هي هياكل للروح القدس" وقد مُسحت بالميرون وتناولت القرابين. وبسبب القرابين التي فينا نقوم في اليوم الأخير. اجسادنا ونفوسنا معا مشدودة الى الجالس فوق على العرش مع أبيه وروحه القدوس. ولكون جسد المسيح صار ممجدا وإلهيا نحترم اجساد الآخرين فلا نقهر احدا ولا ندنسه لا بروحه ولا بجسده بل ندعوه بالمحبة ان يصير مقدسا مستمعا الى كلام يسوع ومرتقيا منذ الآن اليه. الصعود كان اذًا مفتاح سلوكنا وسبب انجذابنا الدائم الى يسوع، لذلك اوصانا بولس ان نطلب دائما ما هو فوق فلا ينبغي ان نهتم بالصغائر ولا ننهمك بالمجد العالمي الذي يحجب عن قلوبنا المجد الإلهي. لقد جئنا من فوق بالخلق ونعود الى فوق بآلام السيد وقيامته وصعوده. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 5880 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() عيد صعود سيدنا يسوع المسيح الى السماء ![]() نحتفل اليوم بعيد الصعود... صعود يسوع إلى السماء... بخميس الصعود يُتِمُّ يسوع رسالته على الأرض. وكما ترك السماء وجاء إلى الأرض في التجسّد والميلاد، ها هو الآن يترك الأرض ويعود إلى السماء. يجلس يسوع عن يمين الآب، حاملاً معه تغييراً جذرياً هذه المرّة، وهو اتحادُه بالطبيعة البشرية التي اتحدت مع طبيعته الإلهية في شخصه الإلهي الواحد. وسيبقى متحداً بها إلى الأبد. رأت الكنيسة دائماً في عيد الصعود نصراً وتمجيداً للرأس والجسد: فجسد المسيح السري الذي لا يزال على الأرض، يتمجّد اليوم في رأسه يسوع الذي فدى البشرية وداس الموت وعاد بنصر مظفّر ليُجلسه الآبُ عن يمينه ملكاً للدهور والعالمين. ورأت في الصعود فكرة الصمود للأعضاء الذين وهم في دار الجهاد والمحنة العظيمة يَحيوْن في الأمل، لأنهم يرون من الآن رجاءهم محققاً في رأسهم الذي أصبح لهم الخطة والطريق للوصول إلى المجد. حثَّ القديس بولس المسيحيين في عصره على النظر دائماً إلى الأمور التي في العُلى حيث المسيح قد جلس عن يمين الآب: وهي من الأساليب العملية الروحية العميقة التي ساعدت هؤلاء وتساعدنا اليوم على أن لا يُثقَلَ قلبُنا بأمور الأرض والجسد، بل علينا أن نكون مشغولين بأمور الروح، فالروح هو الذي يُحيي على رأي مار بولس، وأما الجسد والحرف فهما يُميتان. ولكننا اليوم واعتماداً على ما قاله الملاكان للشاخصين إلى يسوع وهو يختفي في الغمام: "أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء...؟" نرى أن الملائكة لامت الرسل واعتبرتْ نظرتَهم إلى السماء مضيعةً للوقت. وكأَنَّ المعنى الذي قصده الملاكان هو: "مِن الآن فصاعدا انظروا إلى الأرض. الأرض وديعة بين أيديكم. انتهى دور يسوع وبدأ دوركم. المسؤولية الآن ملقاة على عاتقكم". لقد اختفى المسيح وراء الأفق. مَنْ سَيُظهره للعالم؟ جاء دور المسيحيين لعمل ذلك. لقد بدأ مشوار الكنيسة المسافرة في ربوع العالم: "فذهب أولئك يُبشرون في كلّ مكان، والرب يعمل معهم ويؤَيّد كلمته بما يصحبها من الآيات". (مرقس 16: 20) عندما كان يسوع على الأرض كنا نرى الله في الإنسان (يسوع)، أما الآن بعد صعود يسوع وحَمْل المسؤولية مكانه، علينا أن نُظهِر الله في الإنسان. الإنسان أصبحَ فضاء الله. وبحسب رأي أحد الفلاسفة: "هذا الإله يلمسُكَ من خلال وجه الإنسان". وهذا دورنا بعد الصعود... "الله يستمر في الظهور والكلام والاقتراب من خلال وجهنا". حتى يظهر المسيح بعد الصعود ينبغي على المسيحيين أن يعيشوا في شركة وفي جماعة وفي وحدة. هذا هو الشرط الأساسي. كي يُؤَثّر المسيحيون على العالم... عليهم أن يتوحّدوا أوّلاً. الشركة بين المسيحيين هي أعظم علامة على أنهم يحملون المسؤولية تجاه العالم. عليهم أولاً أن يكونوا فنانين وخبراء في عمل الوحدة والمحبّة وممارسين للعلاقة الثالوثية بينهم (أحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم) ليتسنى لهم أن يذهبوا للقاء العالم. يبدأ لوقا أعمال الرسل بهذه الكلمات: " ألـَّفت كتابي الأول يا تاوفيلس، في جميع ما عمل يسوع وعلّم، منذ بدء رسالته إلى اليوم الذي رُفِعَ فيه إلى السماء...". في كتاب لوقا الأول، وضع جميع ما عمل يسوع وعلّم. وفي كتاب لوقا الثاني: عليّ أن أكتب أنا أعمالي في هذا الجيل أيضاً كما فعل بطرس وبولس وأصحابهما في الجيل الأول. فقط هكذا يُصبح الصعود عيد الأرض أو عيد نشر ملكوت الله على الأرض. صعود يسوع هو عيد تجسّد المسيحي في العالم. بشهادتنا الحقيقية للمسيح في العالم، نستطيع عندها أن نساعد إنسان اليوم الذي ينظر كثيراً إلى الأرض، أن يرفع طرفه وينظر إلى الأمور التي في العلى حيث المسيح قد جلس عن يمين الله. تساعية الروح القدس تبدأ يوم خميس الصعود وتنتهي يوم العنصرة، وكما كان الرسل مجتمعين في علية صهيون يصلون كعائلة واحدة، نشجع الجميع على صلاة هذه التساعية بروح العائلة الواحدة. ![]() أهلنا يا رب أن نكون شهوداً أمناء لك على هذه الأرض، فيراك الناس من خلالنا ومن خلال أفعالنا... فنستحق أن نتمتع معك بفرح السماء... آمين |
||||