منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08 - 09 - 2014, 02:31 PM   رقم المشاركة : ( 5861 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,052

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تلميذا عمواس

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يروي لنا القديس لوقا الإنجيلي لقاء السيد المسيح مع تلميذين للسيد وهما في طريقهما إلى عمواس، قرية تبعد حوالي 7.5 ميلاً شمال غربي أورشليم، يرجح أنها في موقع قرية"الخماسية" أو "القبيبة".

هذان التلميذان أحدهما "كليوباس" [18] وهو اسم مختصر من "كليوباتروس" أو "المجد الكامل
أما الثاني فيرى الدارسين أنه لوقا الإنجيلي نفسه، ويرى العلامة أوريجينوس والقديس كيرلس الكبير أن الشخص الثاني يدعى "سمعان" من السبعين رسولاً، خلاف سمعان بطرس وسمعان القانوي.


ويلاحظ في القصة كما رواها القديس لوقا الآتي:


أولاً: كان التلميذان - وهما من السبعين رسولاً - يسيران في طريق عمواس الذي يمتد سبعة أميال ونصف، فإن كان رقم 8 يشير للحياة الأبدية، لأن رقم 7 يشير إلى زماننا الحاضر، فإن هذين التلميذين قد عبرا الحياة الزمنية لكنهما لم يبلغا قوة القيامة وكمالها (رقم 8). بمعنى آخر سلوكهما في هذا الطريق يشير إلى الإنسان الذي يؤمن بالقيامة في فكره وتكون موضوع حديثه لكنه لا يتمتع بها ولا يمارسها.
كثيرون يؤمنون بالقيامة بل ويكرزون بها لكنهم لا يعيشونها. هؤلاء لا يزالوا في طريق عمواس يحتاجون إلى ظهور السيد لهم وحديثه معهم ليلهب قلوبهم في الحياة الداخلية بالحياة المقامة، فيعيشونها قبل رحيلهم من هذا العالم.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


ثانيًا: يحدد الإنجيلي تاريخ هذا اللقاء، بقوله: "في ذلك اليوم" [13]، أي في يوم أحد القيامة، وكان ذلك نحو الغروب حيث قارب النهار أن يميل [21] وكأن التلميذين بقيا النهار كله تقريبًا في أورشليم يسمعان ويتحاوران مع بعضهما أو مع النسوة وبطرس ويوحنا الذين ذهبوا إلى القبر، كما كانا يسترجعان الذكريات عن أحاديث الرب بخصوص قيامته قبل آلامه، ومع هذا لم يحملا يقين الإيمان، إنما "كانا يتكلمان بعضهما مع بعض عن جميع هذه الحوادث" [14].
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


ثالثًا: "وفيما هم يتكلمان ويتحاوران، اقترب إليهما يسوع نفسه، وكان يمشي معهما" [15]. حقًا لم يكونا على يقين الإيمان لكنهما كانا مشغولين بالسيد يتكلمان ويتحاوران، وفي ضعفهما لم يستطيعا إدراك الحق، فحّل الحق في وسطهما يعلن ذاته ويسندهما إذ سبق فأكد لنا:
"حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم" ( مت 18: 20).




رابعًا: "ولكن أُمسكت أعينهما عن معرفته" [16].
ربما عجزا عن معرفته، لأنه إذ قام حمل جسده نوعًا من المجد عن ذي قبل، لذا لم يستطيعا معرفته، كما حدث مع مريم المجدلية (يو 20: 14)، والتلاميذ على شاطئ البحيرة (يو 21: 4). وربما كان علة عجزهما عن معرفته ضعف إيمانهما وتباطؤهما في الفهم الروحي، أو بقصد إلهي حتى يكشف لهما السيد أسراره الإلهية وتحقيق النبوات فيه. "ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" [27]
v إذ صار له الجسد الروحي (ذات جسده المولود به من العذراء يحمل طبيعة جديدة تليق بالحياة السماوية) لا تمثل المسافات المكانية عائقًا لحلوله (بالجسد) أينما أراد، ولا يخضع جسده لنواميس الطبيعة بل للناموس الروحي والفائق للطبيعة.

لذلك كما يقول مرقس أنه ظهر لهما "بهيئة أخرى" (مر 16: 12)، فلم يسمح لهما أن يعرفاه.
قيل: "أمسكت أعينهما عن معرفته"، حتى يعلنا حقًا مفاهيمهما المملوءة شكًا، فينكشف جرحهما ويتقبلا الشفاء، ولكي يعرفا أنه وإن كان ذات الجسد الذي تألم قام ثانية لكنه لم يعد منظورًا للكل، وإنما لمن يريدهم أن ينظروه.
وأيضا لكي لا يتعجبا أنه لم يعد يسير وسط الناس (كما كان قبل القيامة)، مظهرًا أن تحوله لا يناسب البشرية بل ما هو إلهي، مقدمًا نفسه مثالاً للقيامة المقبلة حيث نصير سائرين كملائكة وأبناء الله.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


الأب ثيؤفلاكتيوس
vبحق حجب إعلان نفسه عنهما بظهوره بهيئة لا يعرفونها؛ فعل هذا بخصوص الأعين الجسدية من أجل ما فعلاه هم بنفسيهما داخليًا بخصوص عين الذهن. فإنهما في الداخل وإن كانا قد أحبا لكنهما شكا. فإذ تحدثا عنه ظهر لهما، ولكنهما إذ شكا أخفى هيئته عنهما.
البابا غريغوريوس (الكبير)
إن كانت أعينهما قد أمسكت عن معرفته، لكنه تقدم بنفسه إليهما ليبدأ الحديث معهما، إذ سألهما: "ما هذا الكلام الذي تتطارحان به، وأنتما ماشيان عابسين؟" [17]. فإن كان السيد قد تألم وصلب فالموت لم يفصله عن تلاميذه، وإن كان قد قام فقيامته لم تبعد به عنهم. من أجلنا قد صلب ومات وقام لكي يقترب إلينا ويبادرنا بالحب، مشتاقًا أن يدخل معنا في حوار، لكي يقدم ذاته لنا، فنفتح أعيننا لمعاينته وقلوبنا لسكناه فينا.
على أي الأحوال، إن قصة لقاء السيد المسيح بتلميذي عمواس اللذين أُمسكت أعينهما عن معرفته هي قصة كل إنسان روحي، يرافقه الرب كل الطريق، ويقوده بنفسه، ويلهب قلبه، ويكشف له أسرار إنجيله، ويعلن له قيامته، ويفتح بصيرته لكي يعاينه ويفرح به.
يقول القديس أغسطينوس: [ليس غياب الله غيابًا. آمن به فيكون معك حتى وإن كنت لا تراه. فعندما اقترب الرب من الرسولين لم يكن لهما الإيمان... لم يصدقا أنه قام، أو أنه يمكن لأحد أن يقوم... لقد فقدا الإِيمان ولم يعد لهما رجاء... كانا يمشيان معه في الطريق. موتى مع الحيّ، أمواتًا مع الحياة. كانت "الحياة" تمشى معهما، غير أن قلبيهما لم يكونا ينبضان بالحياة.]




خامسًا: "فقال لهما: ما هذا الكلام الذي تتطارحان به وأنتما ماشيان عابسين؟!" [17].
إن كنا في هذا العالم نبكي على خطايانا ونحزن لكن خلال لقائنا مع المسيح المقام يلزمنا ألا نمشي عابسين بل نفرح بالرب، لأن ملكوت الله هو "برّ وسلام وفرح في الروح القدس" (رو 14: 17).

جاء عن القديس أغسطينوس في اعترافاته أن الله كان يمزج عبادته بنشوة روحية تفوق كل ملذات العالم لكي يفطمنا عن لذة الخطية.
قيل عن القديس أبوللو الذي التقى به القديس جيرومفي منطقة طيبة أنه كان دائم البشاشة، وقد اجتذب كثيرين إلى الحياة النسكية كحياة مفرحة في الداخل، ومشبعة للقلب بالرب نفسه. كثيرًا ما كان يردد القول:
[لماذا نجاهد ووجوهنا عابسة؟! ألسنا ورثة الحياة الأبدية؟ اتركوا العبوس والوجوم للوثنيين، والعويل للخطاة، أما الأبرار والقديسون فحري بهم أن يمرحوا ويبتسموا لأنهم يستمتعون بالروحيات.]




سادسًا: ما هو إيمان تلميذي عمواس؟
بلا شك لم يكونا بعد قد استطاعا أن يدركا لاهوته، ولا أن يقبلا سرّ الصليب، إنما كانا يتوقعان فيه محررًا لإِسرائيل أو فاديًا لليهود من الحكم الروماني. وقد حطم الصليب آمالهما، إذ قال كليوباس عن السيد المسيح:
"كان إنسانًا نبيًا مقتدرًا في الفعل والقول أمام الله وجميع الشعب.
كيف أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه.
ونحن كنا نرجو أنه هو المزمع أن يفدي إسرائيل،
ولكن مع هذا كله اليوم له ثلاثة أيام منذ حدث ذلك.
بل بعض النسوة منّا حيرننا، إذ كن باكرًا عند القبر.
ولما لم يجدن جسده أتين قائلات:
إنهن رأين منظر ملائكة قالوا أنه حيّ.
ومضى قوم من الذين معنا إلى القبر،
فوجدوا هكذا كما قالت أيضًا النسوة،
وأما هو فلم يروه" [19-24].
ويعلل الإنجيلي يوحنا عدم إيمان التلاميذ بقوله: "لأنهم لم يكونوا بعد يعرفون الكتاب أنه ينبغي أن يقوم من الأموات" (يو 20: 9).

ويضيف القديس كيرلس الكبيرلتلميذي عمواس عذرًا آخر... وهو أن الأخبار التي نقلتها النسوة لم تكن كافية أن يؤمنا بالقيامة، بل كانت موضوع دهشة وحيرة:
"بعض النساء منا حيرننا..." لأنها تحمل أنباء القبر الفارغ وشهادة الملائكة. ولا حتى الأخبار التي نقلها بطرس لأنه لم يرَ سوى القبر الفارغ والأكفان، كما قال التلميذان: "وأما هو فلم يروه" [12].


سابعًا: إذ أعلن التلميذان ضعف إيمانهما أو خطأه، قدم لهما تأكيدات من الناموس والأنبياء، إذ قال لهما: "أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء. أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده؟! ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" [25-27].


يقول القديس كيرلس الكبير: [قدم الرب للتلميذين موسى والأنبياء، وكشف لهما ما غمض عليهما من معانيهما. فالناموس هو تمهيد للطريق، وخدمة الأنبياء هي إعداد الناس لقبول الإيمان. لأن الله لم يرسل شيئًا بلا فائدة، بل لكل شيء فائدته في وقته. فالأنبياء هم الخدام الذين أرسلهم السيد أمامه لتكون نبواتهم تمهيدًا لمجيئه. وكأن هذه النبوات كنز ملكي مختوم، ينبغي أن يفتح في الوقت المناسب ما فيه من رموز.]


ثامنًا: "ثم اقتربوا إلى القرية التي كانا منطلقين إليها، وهو تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد" [28].لم يقل لهما أنه منطلق إلى مكان أبعد، وإنما تظاهر هكذا، لكي لا يقحم نفسه بنفسه في موضعهما، إنما إذ يطلباه ويصرا في طلبه يستجيب.

الله لا يقحم نفسه في حياتنا بغير إرادتنا، لكنه يطلب أن ندعوه، ونلح في الدعوة معلنًا كمال حرية الإنسان في قبوله أو رفضه. هذا من جانب ومن جانب آخر،

كما قال البابا غريغوريوس (الكبير) إنهما إذ كانا لا يزالا غريبين في الإيمان "تظاهر كأنه منطلق إلى مكان أبعد".




تاسعًا: "فألزماه قائلين: امكث معنا، لأنه نحو المساء وقد مال النهار" [29].
النفس التي ذاقت ما ذاقه التلميذان لا تكف عن أن تقول مع عروس النشيد: "في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي...فأمسكته ولم أرخه، حتى أدخلته بيت آمي وحجرة من حبلت بي... شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني... تحت ظله اشتهيت أن أجلس، وثمرته حلوة لحلقي" (نش 3: 1، 4، 2: 3، 6).


يقول القديس أغسطينوس: [إن كنت تريد الحياة تشبه بالرسولين حتى تتعرف على الرب. لقد ألحا عليه بالدعوة، وتظاهر هو كأنه ينوي مواصلة الطريق... غير أنهما أمسكا به وقالا له: امكث معنا لأنه نحو المساء.]

كما يقول: [امسك بالقريب إن أردت أن تتعرف على مخلصك، فقد أعادت الضيافة إلى التلميذين ما نزعه الشك وعدم الإيمان، وأعلن الرب ذاته عند كسر الخبز... فتعلم أين تطلب الرب فتحظى به على مائدة الطعام.]



عاشرًا: "فلما اتكأ معهما أخذا خبزًا وبارك وكسر وناولهما، فانفتحت أعينهما وعرفاه، ثم اختفى عنهما" [30-31].

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


يرى البعض أن ما فعله السيد المسيح هنا هو "سّر الإفخارستيا"، وأن الرب يعلن ذاته خلال هذا السرّ، يفتح أعين مؤمنيه الداخلية لمعاينته،

وإن كان البعض الآخر يرى أنه لم يكن "سّر اإأفخارستيا"، إذ لا نسمع عنه أنه أخذ كأسًا أيضًا وناولهما، كما لم يذكر عند كسر الخبز أنه جسده المبذول عنهما، كما فعل في العشاء الأخير.


يقول القديس أغسطينوس: [متى أعلن الرب عن نفسه؟ عند كسر الخبز... لذلك عندما نكسر الخبز نتعرف على الرب، فهو لم يعلن نفسه إلا هنا على المائدة... لنا نحن الذين لم نستطع أن نراه في الجسد، ولكنه أعطانا جسده لنأكل. فإذا كنت تؤمن بهذا فتعال مهما كنت. وإذا كنت تثق فاطمئن عند كسر الخبز.]


يقول الأبثيؤفلاكتيوس: [تُفتح أعين الذين يتقبلون الخبز المقدس لكي يعرفوا المسيح، لأن جسد الرب يحمل فيه قوته العظيمة غير المنطوق بها.]
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يعلل القديسكيرلسالكبير اختفاء السيد المسيح عنهما بقوله:

[لقد اختفى الرب عنهما، لأن علاقة الرب بتلاميذه بعد القيامة لم تعد كما كانت عليه من قبل. فهم في حاجه إلى تغيير، وإلى حياة جديدة في المسيح... حتى يلتصق الجديد بالجديد وغير الفاسد بالفاسد. وهذا هو السبب الذي جعل الرب لا يسمح لمريم المجدلية أن تلمسه كما ذكر(يو 20: 17) - إلى أن يصعد ثم يعود مرة أخرى.]


أحد عشر:ختم القصة بقوله: "فقاما في تلك الساعة، ورجعا إلى أورشليم...".

هذا هو غاية عمل الله فينا أن يهبنا قوة القيامة، إذ يقول: "قاما"، بهذه الحياة المقامة نرجع إلى أورشليم العليا التي تركناها، نرجع إلى مدينة الله الملك العظيم (مت 5: 35)،

إلى "أورشليم العليا التي هي أمنا جميعًا" (غل 4: 26). بمعنى آخر يحوّل الله اتجاهنا، فبعد أن كنا متجهين إلى عمواس معطين ظهورنا لأورشليم، نعطي ظهورنا لعمواس متجهين بوجهنا وقلبنا وفكرنا نحو أورشليم.
+ + +
ملحوظة: كم مرة كنا فيها مثل تلميذي عمواس، نطلب الخلاص بالطريقة التي نراها نحن وليس بحسب رأي الرب. فمن هو مريض ولا يستجيب الله صلواته ويشفيه يظن أن الله لم يخلصه كما ظن تلميذي عمواس أن المسيح لم يخلصهم لأن الخلاص في مفهومهم هو خلاص من الرومان.
وأيضا عليك أن تلاحظ أن مرض بولس كان لخلاصه. وإذا تعرضت إرادتنا مع إرادة الرب فإن عيوننا تعمى ولا نعرف الرب ولا نراه كما حدث مع تلميذي عمواس بل نتصادم معه.

 
قديم 08 - 09 - 2014, 02:34 PM   رقم المشاركة : ( 5862 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,052

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الأحد الثالث من زمن القيامة
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


في هذا الأحد الثالث من زمن القيامة، تضعنا ليتورجيتنا المارونية، أمـام نص مـن إنجيل لوقا (24/13-35)، غني بالمعاني وواسع للتأمّل، ممّا يساعدنا على الولوج في سر المسيـح.

فنحن مدعوون الى السّير مع تلميذي عمّاوس، لكي نستقبل معهما، " الضيـف الغريب"، لكيما تضطرم قلوبنا وتنفتح أعيننا مع كسر الخبز.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
فإذاً نحن أمام تلميذين يتركان أورشليم - والتي سيعودان اليها لاحقاً ( وهذا ما يميّز إنجيل لوقا الذي تبدأ أحداثه في مدينة أورشليم وتنتهي فيها) ? قاصدين قرية تُدّعى عمّاوس، والجدير بالذكر، أنهما كانا خائبين، يائسين، لما حلَّ بمعلّمهما ،

فهما حزينين لأنَّ آمالهما تبدّدت بموت يسوع، ولم يصدقا كثيراً ما سمعاه حول قيامته ( هذه حالة كل الرسل والتلاميذ على ما يبدو).
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وإذ "بيسوع نفسه"وهنا يود الانجيلي أن يقول أن يسوع شخصياً ظهر، وليس طيفاً أو خيالاً اعترى التلميذين يدخل على الخط، يبادر الى لقاء التلميذين، يسير معهما ويسألهما عمّا يتحدثان، فيعتبرانه " غريباً عن أورشليم" ، عن هذه المدينة التي من المفترض حسب النبوءات، أن يتمّ فيها الخلاص عندها استفاضا بالكلام عن قدرة يسوع الناصري وأعماله، ودوره النبوي، واعتباره فادياً لاسرائيل، ولكن هذا تبدّد عندما أُسلم الى الموت، رغم بعض الاصداء المُدهشة التي تردّد : أنه حيّ.

يسوع يترك التلميذين يعبران عن صدمتهما، ثم يشرع كمعلّم فيشرح لهما حدث القيامة: منطلقاً من الكتب المقدسة، متّبعاً ترتيب التوراة بأقسامها الثلاث الكبرى، والتي تُشير الى تألّم المسيح، وموته، دون أن تقف هنا، بل تصل الى المبتغى والاساس، أي القيامة، والتي على ضوئها تفهم كل الكتب، وبالتالي كل أعمال وأقوال المسيح ونبوءاته.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إذاً ففي تصميم الله أن يتألّم المسيح وأن يموت ومن ثمَّ "يدخل في مجده" أي يقوم.

وبعد ذلك الشرح الكتابي المستفاض والعميق، يمرّ الوقت مسرعاً، مع رفيق درب التلميذين، فيدعوانه الى المكوث معهما، طالما حلّ المساء، كيف لا وقد أُخذا كلّياً بهذا "الرفيق" ؟!
وهنا ندخل من جديد، مع الانجيلي لوقا، بحدث أساسي يكمّل كل ما رأيناه سابقاً ، وهو فعل الكسر، الذي يتخطّى اللقاء العائلي اليهودي، الى اللقاء الاسراري المسيحي، ولذا توقف عند ذكره لوقا في هذا النص مرتين، الاولى عندما قام به يسوع نفسه، والثانية، عندما أخبر التلميذين الرسل ومن معهم عمّا جرى معهما.

إن حدث " كسر الخبز" يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعشاء الأخير، إذ في كليهما يقوم يسوع بأربع حركات: أخذ الخبز، وبارك (شكر)، وكسر وناول.

و"كسر الخبز" ، ليس مجرّد ذكرى عابرة ووقوف على الاطلال، بل هو شراكة واتحاد مع القائم من بين الاموات.

فكل هذه العملية، أزاحت البرقع عن عيون التلميذين، فعرفا الرب، وبالتالي تغلّبا على يأسهما، وعادا إلى أورشليم، وأخبرا اخوتهم بما جرى، وكيف عرفاه عند كسر الخبز فلم يستطيعا البقاء في عمّاوس، رغم هبوط الظلام، إذ إن نور الرب القائم، كشف لهما عتمة قلة (بطىء) ايمانهما، وأنار قلبيهما جاعلاً اياهما " سريعَين " في الايمان، فهرعا ليحملا البشارة الى الرسل والاخوة.

إن ظهور الرب يسوع للتلميذين السائرين، من أورشليم نحو عمّاوس، وشرحه الكتب المقدسة لهما، مشعلاً قلبيهما، وانتهاء الظهور بكسر الخبز، يجسّد الاحتفال الليتورجي.
ففي " مشوارهما" مع يسوع، وايضاحه لهما ما يقوله موسى والانبياء عنه، يضعنا أمام ليتورجية الكلمة، التي نتأمّل فيها في القسم الأول من القداس الالهي.
أما كسر الخبز، فيحملنا الى ليتورجية وليمة الافخارستيا، التي نعيشها في القسم الثاني من القداس، غائصين في سر موت المسيح وقيامته، مصغين الى كلماته التي قالها في العشاء الأخير ولم يزل يردّدها:

"خذوا كلوا، هذا هو جسدي واشربوا، هذا هو دمي".
وبالتالي نتغلّب على اليأس والقنوط، لنصبح مبشرين بقيامة الرب، فنكون عندها في ليتورجية الحياة والرسالة وتصحّ عندها هذه المقولة: " إن القداس يبدأ عندما ينتهي".

فالكلمة والخبز، الانجيل والافخارستيا، مائدتان (ضمن وليمة واحدة) يأتي اليهما تلميذ المسيح ليستمدّ القوة والحياة لكل كيانه وللعالم من حوله، ويقول المجمع الفاتيكاني الثاني:

" لقد احترمت الكنيسة دوماً الكتب الالهية كما فعلت أيضاً نحو جسد الرب بالذات وهي لا تنفكّ، ولا سيّما في الليتورجية المقدّسة، تأخذ خبز الحياة على مائدة الكلمة وعلى مائدة جسد المسيح، لتقدّمه للمؤمنين".

هذا ما نعيشه في كل قداس فنحن عندما نذهب الى الكنيسة، إنّما نكون بأقدامنا البشرية حاضرين فيها، وتكون عقولنا وقلوبنا الملتهبة بنار حب الله، حاضرة أمام القبر الفارغ وذلك يتمّ دون أية أزدواجية في حياتنا، لأنّنا في حضرة الله القدّوس، الذي يخضع له الزمن، فالماضي والحاضر والمستقبل هم كطرفة عين أمامه.

فالذبيحة الالهية تأخذنا الى "طريق عمّاوس"، لنسير مع يسوع ونفهم من خلاله الكتب المقدّسة، ونمكث معه؛ وبالتالي نسافر روحياً لنلتقي به متألّماً ومائتاً، ومنتصراً على الموت بقيامته.

فالافخارستيا هي العلامة الكبرى لقيامة الرب، وهي سر الدخول في ملكوت الله، دخول عالم السماء في عالم الارض، لكي تدخل الكنيسة التي في الارض في عالم السماء، الافخارستيا هي تذكار ( وليست ذكرى من الماضي) لحضور يسوع الدائم في كنيسته بعد غيابه الجسدي، وصدى صوته يتردّد في أعماق قلوبنا قائلاً :

" إصنعوا هذا لذكري" (لو 22/19).

ففي القداس " نندمج " مع الرب القائم، لكي نُدحرج عن قلوبنا حجر الخطيئة، ونقوم منتصرين ("بقوّة الذي يقوّينا ")، ونردّد بافتخار هذا النشيد الرائع من ليتورجيتنا:

" وحدّت يا رب لاهوتك بناسوتنا وناسوتنا بلاهوتك، حياتنا بموتك وموتنا بحياتك أخذت ما لنا ووهبتنا ما لك لتُحيينا وتُخلّصنا لك المجد الى الابد".

وختاماً، نطلب من ربنا يسوع المسيح، رفيق الدرب الأمين، أن يُبقي قلوبنا مضطرمة بحبه،

ومهما "حان المساء ومال النهار" ، نمكث معه في كنيسته، ضمن الأسرار المقدّسة، لنظل شهوداً صادقين لقيامته.

الأب نبيل رفّول ر.م.م.
 
قديم 08 - 09 - 2014, 02:39 PM   رقم المشاركة : ( 5863 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,052

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أحد ظهور يسوع لتلميذي عمّاوس


(لو 24/13-35)

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



تتمحور كل من أناجيل زمن القيامة حول ظهور يسوع المعلّم والمرافق والحاضر في حياة تلاميذه بعد قيامته من بين الأموات. بعد موت يسوع إذ بالتلاميذ يعيشون حالة إحباط وتشتّت وفشل ذريع حيث عاد كل منهم إلى تجربة الماضي أي إلى ما كان عليه. عاد بطرس الرسول ورفاقه إلى صيد السمك ورجع تلميذا عمّاوس إلى قريتهما بعد خيبة أملٍ كبيرة. فبعد أن رأينا نشأة الكنيسة وتكوين صورتها في ظهور يسوع وسط تلاميذه والأبواب مغلقة، نرى في هذا النصّ ظهور يسوع لإثنين منهم على طريق عمّاوس وهما يتحادثان بكل تلك الأمور التي حدثت ويشرح لهما الكتب المقدّسة ولم يعرفاه إلاّ عند كسر الخبز. هذا ما يؤسس لتأسيس سّر الإفخارستيا في قسميه: قسم الكلمة وقسم الخبز الذي يشكّل جوهر الحياة المسيحيّة.


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




"وكانا يتحادثان بكل تلك الأمور التي حدثت" نستخلص من هذا النصّ بأن هناك أزمة حاصلة بعد موت يسوع حيث الجماعة المسيحيّة أضحت مقسّمة ومشتّتة. إثنان من التلاميذ يعودان بعد أن خاب أملهما إلى قريتهما وهما يتحادثان بكل تلك الأمور التي حدثت ليسوع الناصري، فهما يعلمان بأدق التفاصيل كلّ ما يختص بيسوع لكن عيونهما حُجبت عن معرفته:" وكنّا نحن نرجو أن يكون هو الذي سيفدي إسرائيل". ان ما يجري في هذا الحدث يشهد له اثنان من التلاميذ وليس إذًا عمليّة خياليّة. في هذه الأزمة النفسيّة والإيمانيّة يدخل يسوع في حياة التلميذين بصفة الغريب بالرغم من السنوات التي أمضياها معه ويبدأ يشرح لهما الكتب المقدّسة. حرّكهما ذاك الغريب إذ جعلهما يتكّلمان وحضّهما على قراءة الماضي بانتباه فأشعل قلبهما وأنار عقلهما.

ان يسوع القائم من الموت لم يظهر على هامش حياة أزمة التلاميذ بل في وسط محنتهم وهو لم يقترب من تلميذيّ عمّاوس فقط بل أخذ يسير معهما بالرغم من أعينهما التي أمسكت عن معرفته. عندما يدخل يسوع في حياتنا اليوميّة وقضاياها المعقّدة عندئذ يبدأ تاريخ حياتنا يُستكمل بوجوده ونخبره وقائع حياتنا والفشل الذي وصلنا إليه عبر ما كنّا نظّنه سوف يتمّ حسب مخيلتنا وتخطيطنا البشري. فنحن نريد أموراً لا تتماشى مع مخطّط الله، لكنه في ظهوره بيننا يمنحنا معرفته ويصحّح تفكيرنا. ولا نريد حتى أن نؤمن بشهادة الآخرين الذين ينقلون لنا شهادة حياتهم عن قيامة الله فيهم:"غير أن نسوة منّا قد حيّرتنا، فإنهّن بكّرن إلى القبر فلم يجدن جثمانه فرجعن وقلن انهنّ أبصرن في رؤية ملائكة قالوا إنه حي...



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





"ان تلميذي عمّاوس لا يعرفان يسوع في الطريق ولا يفهمان حدث موته ولا يؤمنان بقيامته رغم شهادة النساء وبعض التلاميذ. لكن يسوع يتخّطى فشهلما وإيمانهما ويبدأ يشرح لهما ما تقوله عنه الكتب المقدّسة. وقد عرفاه عندما كسر الخبز أمامهما كما فعل في العشاء السرّي. من هذا المنطلق تكّون صورة الإفخارستيا التي أعطتهما القوة والدفع والمعرفة، ثمّ يعودان إلى أورشليم يبشّران التلاميذ.



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



ان المشاركة في مائدة الإفخارستيا تعطي القوة والجرأة للشهادة ليسوع القائم من بين الأموات حيث يقوم التلميذان حالاً ويعودان في الليل دون انتظار انبلاج الصباح، يعودان إلى أورشليم بعزم جديد ويشتركان في حدث القيامة والشهادة له. حيث يدخل يسوع يدخل اليقين والفرح مكان الشكّ والحزن، ويمنح قوّة جديدة للعودة إلى جماعة الرسل في الليل. يشرح يسوع الكتب ويعلّم الجماعة التي تتمحور حوله ويحوّل الليل الى نور والتعب إلى قوّة والعوز والجوع إلى شبع وبحبوحة.

ان هذا التحّول أعاد تكوين الجماعة بعودة المسافرين إلى أورشليم حيث تحدث كل منهما عن خبرته. فالكنيسة تتكوّن من خلال الخبرات التي تعيشها وتتداولها الجماعة:"كلّما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي أكون أنا في وسطهم". هذا الحدث يرسم مسبقاً صورة الكنيسة، حيث يعي التلميذان أهمية الطريق في اكتشاف القائم من الموت. ان طريق الحياة يمرّ بمسيرة صعبة واختبار مؤلم ومواجهة لا بدّ من أن نعيشها لكن حدث القيامة يمنعنا من المكوث في اليأس والإحباط والفشل. ان معرفة يسوع لا تتمّ بالعقل والفهم فقط بل بالقلب وهو المكان الذي تحصل فيه معرفة سّر الله عبر الكنيسة والكتب المقدّسة:"ألم تكن قلوبنا مضطّرمة فينا حين كان يكلّمنا في الطريق ويشرح لنا الكتب المقدسة؟"(لو24/32). ان الكتب المقدسة تبقى مختومة بصعوبات الفهم، يسوع فقط يمكنه أن يفتح أذهان التلاميذ ليفهموا الكتب(لو24/26).



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



"فانفتحت أعينهما وعرفاه فإذا هو قد توارى عنهما" نرى أنه عندما كان يسوع يظهر نفسه لتلاميذه كان يختتم نهاية ظهوره بكسر الخبز وهذا ما بدا ظاهراً في الأناجيل وخاصة في ظهوره لتلميذيّ عمّاوس حيث أخذ الخبز وباركه وأعطاهما عند ذلك عرفاه. ان تكثير الخبز الذي يرمز إلى الإفخارستيا في إنجيل يوحنا (يو6) حيث أخذ يسوع الأرغفة الخمسة والسمكتين وشكر ووّزعهما على الشعب. وعلى شاطئ بحيرة طبريّة طلب يسوع إلى تلاميذه قائلاً:"هاتوا من ذلك السمك الذي أصبتموه الآن"(يو21/10)، ثمّ أخذ يسوع الخبز وناولهم وفعل مثل ذلك في السمك"(يو21/13). كل هذه الأمثلة الثلاثة تحمل جميعها مضموناً إفخارستياً الذي هو إحتفال بعطيّة الله الخلاصيّة للإنسان. لذلك تحتفل الكنيسة بهذا السّر بما تحقّق في التاريخ بقيامة يسوع من الموت. فالإفخارستيا هي المكان الذي تتمّ فيه معرفة يسوع المسيح، ليس اللاهوت ولا الفلسفة ما يكشف عبر النظريات عنه، يسوع هو نفسه يكشف عن ذاته على المائدة المقدّسة.

لهذه المائدة مكانة هامّة في العهد الجديد إذ تعني الملكوت والشراكة في حياة الوليمة، ولا يريد المسيح ان يبقى أحد خارج العرس وبعيداً عن هذه المائده. هذه الإفخارستيا تكّون الكنيسة وتعطي القوة للعيش في الجماعة وعدم وجود المسيح يبدّد المجتمعين ويحبط حياتهم ويفقدون كل مبادرة أخويّة إلى بعضهم البعض. فالإفخارستيا هي من أهم الأسرار التي تجعلنا نتّحد بالمسيح ونتحّول إليه ونشهد لقيامته فينا.

كانت الإفخارستيا في الكنيسة الأولى سّر الغفران والشفاء وهذا ما تحمله إلينا اليوم. فيسوع الذي شفى المرضى وغفر للخطاة أثناء حياته العلنيّة هو حاضر في الإفخارستيا بقوّة القائم من الموت. ففي الإفخارستيا نتّحد به من خلال التناول المقدّس حيث يأتي ويسكن في قلوبنا ويحوّلنا إليه فنصبح واحداً معه كما الكرمة والأغصان(يو15)، ويتمّ التعبير عن إيماننا من خلال هذه الصلاة:"أيها الرب يسوع المسيح لا يكن لي تناول جسدك ودمك دينونة لي وهلاكاً بل تعطّف واجعلها حماية لنفسي وعلاجاً لجسدي". كما كان الفصح عبور الشعب من العبودية إلى الحريّة هكذا الإفخارستيا هي العبور من عبودية القلق إلى يقين حرّ في الإيمان في حياة المسيح المستترة، والخروج من عبودّيات التكرار اليومي إلى حريّة يوم الرب وجدّته. فالذبيحة هي عملية إتحاد بالآخرين من خلال البعدين:البُعد الإلهي والبُعد الإنساني في أن معاً بمعنى أننا عندما نجتمع للإشتراك في الذبيحة الإلهيّة نعيش إختباراً مشتركاً للتحرّر من العبوديات المختلفة التي يرمز إليها العبور من مصر إلى أرض الميعاد، هذا العبور معاً يجعل من الجماعة المتضامنة شعب الله في حلّه وترحاله. ان رواية القديس يوحنا للعشاء الأخير تتضمن غسل الأرجل 13/1-17)، هي تعبّر عن روح الخدمة وما يتحقّق في الذبيحة هو ممارسة عمليّة حيث تتمّ الذبيحة ضمن المحبّة الأخويّة. فالقديس متى يؤكّد كملة يسوع:"إذا قدّمت قربانك وعلمت أن لأخيك ديناً، فاترك قربانك واذهب أولاً فصالح أخاك"(متى 5/23-24). لذا لا يمكن أن تكون هناك إفخارستيا إذا لم يكن هناك غفران ومصالحة. يسوع بعد قيامته من الموت جمع في شخصه الماضي والحاضر والمستقبل أي لم يعد هناك زمان ولا مكان وهذا ما يحدث في عيش الإفخارستيا الذي يجعلنا نتحرّر من الماضي ويجعلنا نعيش الحاضر ويوجهّنا نحو المستقبل.

لذلك لا شيئ يعوّض عن هذا العمل الإفخارستي أي عن حضور الذبيحة الإلهيّة في حياتنا التي هي تاريخ الخلاص مع الإنسان منذ القديم حتى اليوم. فكم من المسيحيين يختارون من الحياة المسيحيّة ما يناسب أهواءهم وتفكيرهم. هناك أناس لديهم (فتلة روحيّة) فيتذرّعون بأنهم لا حاجة لهم بأن يعترفوا للكاهن فيعترفون وحدهم لله. وهناك أناس لا يأتون إلى الكنيسة إلا إذا كانت الكنيسة خالية من المؤمنين لأن زحمة الناس تمنعهم من لقائهم بالله. ان كل هؤلاء أضحوا بحاجة ماسّة إلى نعمة الله لكي يصحّح تفكيرهم ويشفي إيمانهم وينمحهم إدراك نعمته.

فكلنا معرّضون بأن يكون لدينا كل المعلومات والبراهين الثابتة والكافية عن الله لكننّا قد نفتقد إلى معرفة سّره وهوّيته. هذا يمكن بأن نعيشه في الكثير من الأحيان ويعيشه أصحاب البدع والهرطقات الذين لا يعترفون بالأسرار وخاصة الإفخارستيا إذ أنهم يملكون كل المعلومات التاريخية عن الله للمجادلة لا للعيش لكنهم بعيدون كل البعد عن إدراك سرّه وهويته. وهذا ما عاشه كل من تلميذيّ عمّاوس اللذين كانا يدركان كل ما كان يتعلّق بيسوع الناصري، لكنهم لم يعرفاه إلاّ عند كسر الخبز. لذلك نحن مدعوون لأن ندرك أن الإفخارستيا أي (الذبيحة الإلهية) يجب أن تكون لنا بمثابة خطّ أحمر في حياتنا لا يمكن تجاوزه لأنه لا يمكن بأن يستعاض عنه.

فمن خلال إنجيل تلميذيّ عمّاوس نحن مدعوون لأن نؤمن بأن خيبات الأمل والإحباط والفشل يظلّ لنا بمثابة القناة التي تتسرّب فيها قدرة الله ونعمة محبته إلى نفوسنا المضطّربة. ان معرفتنا لله تبقى معرفة ناقصة ومبهمة إن لم تنطلق من الكتاب المقدّس، والإفخارستيا هي المكان الوحيد الذي تتمّ فيه معرفة الله وخلاصه حيث تحدث فيها كل التحّولات. يقول القديس بيو:"ان المسيحي الذي يدرك عظمة الذبيحة الإلهية في حياته لا يمكنه إلاّ أن يقسم حياته إلى قسمين: القسم الأول من حياته يصرفه في حضوره وعيش هذا السّر، والقسم الثاني يظلّ يشكر الله على عظمة هذا السّر الممنوح للانسان". يوم نشعر أن الرب بعيد وغائب عن عيوننا نحن مدعوون لأن نؤمن أنه يكون أقرب إلينا ممّا يمكننا تصوّره، هو يظهر في وسطنا ويسير معنا. فالعلّة تكمن في قصَر نظرنا عن رؤيته:"أما كان قلبنا يشتعل في صدرنا حين حدّثنا في الطريق ؟" ففي زمن الأزمات والمحن التي تعصف بنا اليوم ومهما اهتزّت قلوبنا وساورتنا الشكّوك والمخاوف ومهما ضعفنا وتردّدنا، نحن مدعوون لأن نؤمن بأن الله حاضر في وسطنا ويقود مسيرة حياتنا ويفتح قلوبنا للآية للإيمان به.



أسئلة للتامل والتفكير:

1-
ما مدى معرفتي للكتاب المقدّس؟ هل ندرك ان معرفتنا لله دون الكتاب المقدّس هي معرفة ناقصة ومبتورة؟ هل نؤمن ونثق في ليل التجارب والمحن والأزمات بأن الله يسير بيننا ويقود مسيرة حياتنا وقراراتنا؟




2-
هلّ ندرك عظمة سّر الإفخارستيا في حياتنا اليوم أم نظّنه عملا تقوّياً عادياً يمكن أن يُستعاض عنه بأي شيئ آخر؟ هل نؤمن بأن هذا العمل هو الأوحد الذي نختبر فيه حضور الله الذي يجعلنا نتحّول ونتحرّر وندرك هوّيته؟




3-
كيف نفهم هذا القول:" وعرفاه عند كسر الخبز وتوراى عنهما؟"هل ندرك بأن العمل الإفخارستي أصبح بديلاً عن يسوع القائم من الموت؟ هل ندرك بأن كل ذبيحة إلهيّة هي تكرار لكلّ ما عمله يسوع على الأرض؟




صلاة: أيها القائم من الموت لتعيد لنا الحياة، يا من تظهر في وسط إحباطنا وفشلنا وتسير معنا في كل لحظة من تاريخ وجودنا. إفتح عيوننا وعقولنا لنفهم الكتب المقدّسة التي تقود قلوبنا إليك. دعنا نفهم سّر حضورك فيما بيننا الذي يتجلّى في كلّ ذبيحة إلهيّة حيث تظهر وتتجلّى عظمة حبّك وسعة رحمتك وسمو غفرانك. فعندما يحين المساء ويميل النهار إفتح قلبنا للآية لنظلّ نؤمن بأنك في زمن المحن والتجارب تظهر في وسطنا، وعندما يسارونا الشكّ تقود قراراتنا وخياراتنا وتسير بيننا فنشهد لقيامتك. لك المجد إلى الأبد أمين.



الأب نبيل حبشي ر.م.م.



 
قديم 08 - 09 - 2014, 02:41 PM   رقم المشاركة : ( 5864 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,052

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

طريق عمّاوس
الأب فوزي نصري اليسوعي
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الطريق الذي يقود إلى عمّاوس هو طريق حياتنا العادية، طريق فيها مطبّات، فيها منعطفات كثيرة لكن أيضا فيها دروب ممهّدة. هذا الطريق ليس طريقا خاصا بل عام: انّه طريق كلّ منّا.

دعونا نأخذ هذا الطريق مع " قلاوبا"، الذي يمكن أن يكون كلّ واحد منّا. لقد أدار ظهره لأورشليم وهو يائس، ترك أورشليم مدينة الله، كلّ شيء بالنسبة إليه انتهى " حتى تنتهي الرواية قصة الحبّ العجيب، مات بين المجرمين...." وجد رفيقا للطريق حتى يدردش معه في تلك الأمور التي حدثت: " كنّا نرجو"، كنّا قد وضعنا آمالنا في يسوع، لكن كلّ شيء قد انتهى.
أحيانا نحن أيضا يكون لنا الموقف نفسه، أي نقول : " كنّا نرجو..."
على هذا الطريق بالذات، على طريق قريتهما " عمّاوس "، كان المسيح ينتظرهما عالما بهذا اليأس الذي حلّ فيهما.
كانا اثنين فأصبحا ثلاثة، نحن نعرف هذا الشخص الثالث، لكنّ التلميذين لم يعرفاه بعد. يرافقهما يسوع على نفس الطريق ... طريق الحياة.
يعرف يسوع خزفية الرجاء، وكيف تصيب قلب الإنسان، ويعرف أنّ الظلام أحيانا يحجب الحقيقة الموجودة في قلب الإنسان: قلب كلّ واحد منّا.
الطريق طويل، لا بأس إن أدركهما الليل. فالموضوع بحاجة إلى وقت كي يفهمهما. يسوع يأخذ وقته، ونحن أيضا يجب أن نأخذ وقتنا. لا بدّ من انحسار الشتاء كي يأتي الربيع. الوقت مهمّ كي تنبت حبّة الحنطة التي دفنت في الأرض وتزهر وتعطي ثمرا.
لا بدّ من وقت للنمو.
إن تلميذي عمّاوس بحاجة إلى وقت كي تنفتح عيونهما ويعرفاه. الوقت مهمّ كي يتطهّر القلب بنار الحبّ.
الوقت مهمّ كي يشرح لهما القصّة من البداية، منذ الخلق، فالأنبياء، فالتجسّد، فالفداء وحتى القيامة.
الوقت مهمّ كي تعمل كلمة الله فينا وتوحي إلى قلب الإنسان حقيقة القيامة. الوقت مهمّ كي أقبل كلمة ربّي وأتركها تعمل فيّ وتشتعل.
يسوع، كلمة الله الحيّ، كلمة الله المحيية التي تجسّدت، هو نفسه يسير معنا على طريق حياتنا ويزرع شيئا فشيئا في قلبنا السلام.
ليست كلمته فارغة إنما هي حضور، وحضور فعّال.
سهرة ومشاركة وكسر خبز " عيش وملح":
تفضّل وابق معنا، لن نتركك تمضي. امكث معنا وشاركنا طعامنا.
سار يسوع على إيقاع خطواتهما وهو يسير على إيقاع خطواتنا.
احترم يسوع إيقاع أفكارهما وإيقاع نبض قلبهما إن صحّ التعبير. هو يحترم إيقاع ونبض أفكارنا وقلوبنا.
احترم يسوع إيقاع عاداتهما كما يحترم إيقاع عاداتنا، لذلك وقف ودخل معهما وشاركهما العشاء كما يشاركنا اليوم.
لقد أصبح كلّ شيء واضحا عندما أخذ الخبز وباركه، وهنا انفتحت عيونهم مع كسر الخبز الذي هو علامة حضور الله، علامة حضور يسوع الدائم في الإفخارستيا.
افتح عيوننا يا ربّ حتى نعرفك.
" امكث معنا يا ربّ". لقد عرفاه ودخل السلام قلبيهما وقد مال النهار...
ذهبت الظلمة عنهما، ونور معرفة المسيح أضاءت عيونهما وقلبيهما.
" امكث معنا يا ربّ".
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


لكنّه لم يعد موجودا هنا، لقد اختفى، انه غير موجود بجسده لكن حاضر في غيابه، ونحن وإن لم نره رؤية العين لكننا نعرف ونؤمن أنّه حاضر في سرّ القربان.
كلّ شيء تغيّر، لم يبق شيء كما كان، من غير الممكن أن يبقى تلميذا عمّاوس على حالتهما الأولى: لقد امتلأ قلباهما بفرح القائم.
وفورا أخذا طريق العودة، في البداية كان الطريق طويلا، لكنّه أصبح الآن قصيرا، لقد عادا بسرعة إلى أورشليم حتى يدردشا في الأمور التي حصلت معهما. لقد انتعش رجاؤهما.

ليتنا نعرف: أن يسوع يمشي دائما معنا وان لم تعرفه أعيننا. هو يسير معنا ويعطينا علامات الطريق، طريقه هو. هذا الطريق الذي كابد فيه الألم والموت ليدخل في مجده، وهذا ما يعطي معنى لحياتنا، معنى لأحداث حياتنا، حتى المؤلم منها.

ليتنا نعرف: انّه في شكّنا وفي يأسنا، يقدّم يسوع لنا دائما مائدة لا ينقص عنها الخبز أبدا. خبز كلمته، خبز حياة جماعتنا، الخبز الذي يتوجب علينا تناوله ومشاركة الآخرين به.

ليتنا نعرف: أن مع يسوع، الحاضر معنا، يغدو الطريق الطويل الذي لا نهاية له قصيرا، والمملوء بالحُفر ممهّدا.
بالإيمان، نفهم أكثر أنّ يسوع هو رفيق الطريق. يرافق كلّ واحد منّا على طريق حياته الشخصية.
يأخذ يسوع إيقاع خطواتنا ويمشي وفق سرعتنا، ويحترم إيقاعنا سريعا كان أم بطيئا. انّه يرافقنا إلى أن تنفتح عيوننا، حتى نستنير وتدفأ قلوبنا وتمتلئ حرارة.
ليت كلامه يسكن قلوبنا كما سكن قلبي تلميذي عمّاوس، فنذهب ونُخبر نحن أيضا أنّه قام من بين الأموات. وهنا تبدأ رسالتنا، رسالة الحبّ التي تُترجم بالأفعال لا بالأقوال لأنّ يسوع هو الذي يرسلنا.
 
قديم 08 - 09 - 2014, 02:42 PM   رقم المشاركة : ( 5865 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,052

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الأحد الجديد

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

هو الأحد الأوّل، لقد قام السيّد منذ ثمانيّة أيّام وانتهت بهجة القيامة لمن لا يفتّش عن القيامة إلاّ في هذا العيد. لقد عبرنا فصح الرّب ودخلنا في حقيقة صعوبات حياتنا المسيحيّة: أن نؤمن بما لا يمكن لعقل أن يفهمه، أن نصدّق أن الرّب قد قام، وأنّه قام من أجلي أنا. صعوباتنا الإيمانيّة هي صعوبة توما نفسه، أحبّ كثيراً فخاف أن يكون كلام الرّسل مجرّد اوهام، خاف من الأمل الخادع، خاف ان يعود الى ألم موت المسيح مرّة أخرى إذا اكتشف ان ما تقوله النسوة والرسل هو مجرّد وهم عابر. هي قصّتنا نحن، قصّة خوفنا من المجهول، نفضّل عدم التصديق، نفضّل أن نعتبر المسيح غائباً عن حياتنا لئلاّ نتألّم من فقده مرّة أخرى. هي قصّة اتّكالنا المبالّغ به على عقلنا وقوانا العاقلة وتفتيشنا عن حقيقة الله من خلال المنطق الإنساني والدلائل العلميّة. هي قصّة قلب خفت حبّه تحت وطأة عقل كثر شكّه. هي قصّة مجتمع لم يعد يؤمن الاّ بما هو ملموس، وبما هو في متطاول يده.
لقد حضر الرّب الى العليّة مرّة أخرى، من أجل توما هذه المرّة، فالرّب يرفض ان يخسر واحداً من القطيع ولو كان القطيع كبيراً جدّاً، فالرّب جاء من أجل الجميع، وخلاصه لا ينتهي الاّ بخلاص من لا يزال خارجاً، لذلك أسلمنا أن نكمل الخلاص معه، ان نعلن خلاصه للعالم ونبشّر بقيامته في كلّ لحظة من لحظات حياتنا.



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
وبعد ثمانيّة أيّام: يرتبط هذا التاريخ بالآية 19، "وفي مساء ذلك اليوم، وكان يوم أحد". هو إذا يوم الأحد التالي إذا أخذنا بعين الإعتبار الطريقة اليهوديّة في عدّ الأيّام، إذ يضمّون اليوم الأوّل والأخير الى قائمة الايّام التي يريدون عدّها. في اليوم الثامن تمّ العديد من الأحداث المهمّة والمرتبطة بقيامة الرّب يسوع: رواية تلميذي عمّاوس، لم يتعرّف عليه التلميذان إلاّ من خلال كسر الخبز الإفخارستي، وهنا وتوما لم يؤمن به إلاّ بعد الدعوة الى لمس جسده، وحدث التجلّي في لوقا يتمّ في اليوم الثامن، لأنّه حدثٌ لا يُمكن للتلاميذ فهمه إلاّ من خلال قيامة الرب من بين الأموات، ومن خلال الإفخارستيا داخل الجماعة الكنسية. ما علاقة اليوم الثامن بالقيامة وبالإفخارستيا والكنيسة؟ "بالنسبة الى التقليد الرسولي، الذي يجد مصدره في يوم قيامة الرب ، تحتفل الكنيسة بالسرّ الفصحي كل ثمانية أيّام، في اليوم الذي يُدعى بحقّ يوم الرب أو يوم الأحد (Dies Dominica). إن يوم قيامة المسيح هو في الوقت عينه "اليوم الأوّل من الأسبوع"، تذكار اليوم الأول من الخلق، و"اليوم الثامن" الذي بعد "راحة السبت العظيم" إبتدأ المسيح "اليوم الذي صنعه الرب"، اليوم الذي لا يعرف غروباً، وعشاء الرب هو محوره لأن جماعة المؤمنين كلّها تلتقي فيه بالسيد القائم الذي يدعوها الى مائدته" . إن تسمية يوم القيامة، يوم الأحد، باليوم الأول بعد السبت، أي بعد اليوم السابع (متى 28، 1؛ مر 16، 2؛ لو 24، 1) قد كان سببه رؤية يوم القيامة كيوم أوّل وأخير، يربط الخلق وبالفداء.
إنجيل برنابا المنحول يتكلّم أيضاً عن اليوم الثامن كيوم قيامة الرب من بين الأموات وصعوده الى السماء في إطار إحتفال الجماعة الليتورجي: "نحن أيضاً نحتفل بفرح في اليوم الثامن، حين قام أيضاً يسوع من بين الأموات وصعد الى السماء" (بر 15، 9) إن آباء الكنيسة قد حافظوا على هذه النظرة، فنجد يوستينيانوس يقول: "نجتمع كلّنا معاً في يوم الشمس، لأن هذا هو اليوم الأول بعد السبت اليهودي، إنما أيضاً اليوم الأول الذي بعد أن بدّل فيه الله الظلمة والمادة، خلق الكون، وفي هذا اليوم أيضاً قام من الأموات بسوع المسيح فادينا" . والقدّيس أغوسطينوس يقول: "سيكون اليوم الثامن مثل اليوم الأول، والحياة الأولى (أي الخلق) لن تُلغى، بل تتبدل الى حياة أبدية" .
"كان التلاميذ في البيت مرّة أخرى". هذه الآية تحمل دلالة كنسيّة وأسراريّة افخارستيّة بغاية الأهميّة: البيت يشير دوماً الى الكنيسة، مكان لقاء الكنيسة الأولى. لن نبالغ فنقول أن التلاميذ كانوا مجتمعين لكسر الخبز في ذلك اليوم، فهم لا يزالوا مجموعة من الفارّين من وجه اليهود، يختبؤون خوفاً من الموت أو من العقاب. إنّما لا ننسى أيضاً أن هذا النّص قد انتقل من المرحلة الشفهيّة المتناقَلة الى حالة النّص المكتوب بعد فترة زمنيّة طويلة نسبيّاً، كان الكنيسة في أثنائها قد أوضحت نظرتها للإفخارستيّا وللقاء الكنسي ولمفهوم البيت- الكنيسة. تاريخيّاً، كان التلاميذ مختبؤون، أمّا من ناحية الجماعة التي تقرأ هذا النّص فاليوم الثامن يعني يوم الرّب، يوم اللّقاء وكسر الخبز، وتأتي كلمة "بيت" لتؤكّد على هذا الأمر. إن مسيحيّي جماعة يوحنّا قد قرأوا النّص من هذا المنظار وفهموا أن معرفة الرّب واللّقاء الحقيقيّ به تكون من خلال كسر الخبز ولمس يسوع بيد الإيمان ومعاينته كسيّد وكإله.
وكانَ توما معَهم: لسنا نعرف أين كان توما في لقاء الأسبوع السابق، فلا بدّ أنّه كان مختبئاً يترقّب ما سوف تؤول اليه الأمور في أورشليم. أما اليوم فقد انضمّ الى جماعة الرّسل. من العهد الجديد نعرف أن توما يتميّز بشكّه الدائم ورغبته في الحصول على ضمانات وتأكيدات محسوسة (مر 14، 5)، وبطبعه الحماسيّ غير الخالي من تهكّم (11، 16). إن توما هو صورة الإنسان المفتّش عن الفهم، يبحث عن أجوبة على أسئلته وعن ضمانات. إن التفتيش عن الفهم ليس خطأ، وسوف نرى في تاريخ الكنيسة عظماء مثل أغوسطينوس القائل: "أؤمن لكي أفهم وأفهم لكي أؤمن"، وتوما الأكويني الفيلسوف واللاهوتيّ الغائص في بحور العلوم الشاملة، وأنسلمس القائل بالإيمان الباحث عن الفهم. إنّما الخطأ في التفتيش عن الفهم هو الإنطلاق من نقطة: لا أومن إن لم أفهم. فالقدّيسين إنطلقوا من الإيمان وفتّشوا عن الفهم لكي ينيروا إيمانهم وإيمان الآخرين، وحين وصلوا الى نهاية طريق العقل، إستسلموا بين يديّ الله بعين الإيمان، دون حاجة الى ضمانات.
كلمات يسوع لتوما: إلانّك رأيت تؤمن؟ هو توبيخ قاسٍ للتلميذ الّذي عايش معلّمه وسمعه يقول للرجل الّذي جاء يلتمس شفاء فتاه: "أنتُم قوم لا تُؤمنونَ إلاَّ إذا رأيتُمُ الآياتِ والعَجائِبَ" (يو 4، 48). فالتتلمذ يعني الدخول في علاقة حبّ، والحبّ لا يبحث عن ضمانات، الحبّ يثق ويرجو ويعرف الإنتظار ليفهم حين يحين الأوان.
هَاتِ إِصبَعَكَ إِلى هُنا فَانظُرْ يَدَيَّ، وهاتِ يَدَكَ فضَعْها في جَنْبي، ولا تكُنْ غَيرَ مُؤمِنٍ بل كُنْ مُؤمِنا. لقد قبل يسوع تحدّي توما حبّاً به، جاء يتمّم مطلبه ليجعله مؤمناً، وفي عمل يسوع هذا استمراريّة لما تمّ على الصليب، فهو جاء يفتّش عن الخروف الضّال، والخروف الضّال هو واحد من تلاميذ الرّاعي المقرّبين، يجتذبه اليه من جديد لكيما من خلال يجتذب الكثيرين الى الأيمان والدخول في صداقة مع السيّد.
طلب توما هو تعبير عن رفضه لشكّ الصليب: لقد رأى التلميذ معلّمه يُصلَب، ومع المعلّم رأى وعود الله كلّها تضمحل. بموت يسوع تبدّدت آمال توما وطموحاته، سقط في لحظة الصلب أملَ إعادة المُلك الى إسرائيل. لقد آمن توما كثيراً لذلك كان رفضه قاسياً: آمن بمعلّم على قياسه، بربّ جاء يحقّق مشاريع توما الخاصّة، أو يتمّم إنتظارات جماعة الغيورين السياسيّة. طلب رؤية آثار الرمح والمسامير، لأن الرمح مزّق لا قلب يسوع فحسب، بل أحلام توما أيضاً، والمسامير خرقت، مع يدّي المخلّص، آمال التلميذ ومشاريعه الزمنيّة.
قبول يسوع لتحدّي توما كان لإعادة الإبن الى أحضان أبيه. لم يستجب الرّب لتحدّيات الصالبين الصارخين: "إن كان ابن الله فليخلّص نفسه نازلاً عن الصليب" كما لم يستجب لتجارب الشيطان الثلاثة. فتوما يختلف عن الباقين، لقد طلب الضمانة لأنّه أحبّ كثيراً، والرّب جاء يعيده لأنّه حضّر لتوما مشروع حياة، مشروع حمل الإنجيل الى أقاصي المسكونة.
إن قيمة إيمانِنا لا تظهر في المحتوى الفكريّ والقدرة على التحليل المنطقيّ لما آمنّا به، إنّما هي تكمن في القدرة على الدخول في علاقة شخصيّة مع يسوع المسيح، الحاضر، القائم في وسط الجماعة، والعامل في حياتنا. أن أومن لا يعني بالضرورة أن أفهم فكر حبيبي وأخضعه لنور المنطق، إن أومن يعني أن أحبّ هذا الشخص الّذي أدخلني الى حياته، أن أثق به وأن أنمو في معرفته. هذا لا يعني أن الإيمان لا علاقة له بالعقل، فالقدرة العقليّة هي أساسيّة في الإنسان، تساعدني على فهم محتوى الإيمان، إنّما حين يفشل العقل في إعطاء أجوبة شافية، عندها استسلم بين يديّ الربّ كابن له، أثق به، أفتّش عنه أن أكون مسيحيّاً لا يعني على الإطلاق أن أكون كائناً يهمّش عقله وذكائه والمواهب الفكريّة التي أعطاني إيّاها الله، بل أنا مدعو للتعرّف الى خالقي بكلّ أبعاد إنسانيّتي. إنّما الفارق بين الإيمان المفتّش عن الفهم وبين الإيمان الّذي يشترط الفهم ليستمرّ هو أن الأوّل يعرف أن لا إمكانيّة لعقلنا البشريّ أن يدرك سرّ الله بعمقه، إنّما يسعى الى التعرّف اليه أكثر فأكثر، معرفة سوف تستمر مدى الأبد، إنّما حين يدرك المفتّش الحدّ الأقصى لقوّته العقليّة، عندها يرتمي بثقة بين يديّ الله، يؤمن به لأنّه يحبّه ويثق به، ويقدر أن يعرف أسراره بواسطة الحبّ لا بواسطة العقل فقط. أمّا الإيمان الطالب الفهم كشرط لإستمراريّته فهو إيمان وُلد ميتاً، هو إيمان مشروط، ينقصه الحبّ والرّجاء، تنقصه الثقة، هو إيمان مبنيّ على عقليّة تجاريّة، بقدر ما أفهم بقدر ما أؤمن، عندها لا ضرورة للإيمان، لكان الإيمان أضحى يقيناً، ولكان الله أصبح مجرّد ثابتة علميّة لا تحتاج للإيمان.
لقد فتّش توما عن الفهم كما نفتّس نحن كلّنا، إنّما علم أن الرّب يطلب الصداقة والثقة، ويقدر أن يعطي الأجوبة والضمانات. ويا لها من ضمانات نالها توما فآمن: جراح وآثار مسامير. هذا هو سرّ إيماننا كلّه، لا يكفي أن نؤمن بإله تجسّد وهو مالك على الكون بأسره، نحن مدعّوون لنؤمن بإله تألّم من أجلنا، إله صار ضعيفاً، متألّماً، لا يعطينا أيّة ضمانة أننّا لن نتألّم، بل بالعكس، يعدنا بالألم والتضحية والصعوبات على هذه الأرض، لنعيش شخصيّاً مسيرة آلامه وصولاً الى القيامة. الضمانة الوحيدة التّي يقدّمها المسيح لنا هي جراحه، هي آلامه وقيامته، لتصبح لنا برنامج حياة، نقبل إلهاً تألّم بسبب الحب، فنقبل نحن بالتضحية بأنفسنا حبّاً به وبالآخرين.
توما هو مثال للكائن المؤمن الموجود في كلّ واحد منّا:
"توما، أحد الإثني عشر والملقّب بالتوأم، لم يكن معهم حين جاء يسوع (يو 20، 24). لقد كان الغائب الأوحد، علم بما جرى حين عاد إنّما لم يشأ أن يصدّق بما سمع. لقد عاد السيّد مجدّداً وكشف للتلميذ غير المصدّق جنبّه ليضع الإصبع، أضهر له يديه وآثار المسامير، وشفى جراح عدم إيمانه، شفى جرح خيانته. ماذا تجدون إيّها الإخوة في هذا كلّه؟ هل ظننتم أنّ بالصدفة كان هذا التلميذ غائباً، وحين عاد سمع، وحين سمع شكَّ وحين شكَّ لمسَ وحين لمسَ آمنَ؟. لا، لم يتمّ هذا صدفةً، إنّما بتدبير إلهيّ.


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

لقد شاءت الرحمة الإلهيّة أن هذا التلميذ غير المصدّق، وبواسطة لمس معلّمه، يشفي فينا نحن جراح الخيانة. لقد اتى عدم إيمان توما علينا نحن بفائدة أكبر من إيمان سائر الرسل، لأنّ بلمسه السيّد عاد الى الإيمان، ومن خلاله خلعت نفسنا عنها كلّ شكّ وتثبّتت في الإيمان؟ لقد سمح الربّ أن يشكّ التلميذ بقيامته، إنّما لم يتركه في شكّه. لقد صار التلميذ الّذي يشكّ ويلمس لمس اليد شاهداً لحقيقة القيامة، كما كان خطيّب العذراء الأم حاميّاً للبتوليّة الأكمل" (البابا غريغوريوس الكبير، العظة 26).
من خلال شخص توما ندرك كم هي عظيمة الرّحمة الإلهيّة، التي تحتفل الكنيسة الكاثوليكيّة بعيدها أيضاً في هذا الأحد الأوّل بعد القيامة. فالرحمة التي رفضت أن تتركنا في موت الخطيئة، وخلّصتنا بواسطة الآم الفادي، هي نفسها تأتي لتساعدنا في مسيرة إيماننا. نحن بالنعمة الإلهيّة مخلّصون، وبالنعمة الإلهيّة نثبت على إيماننا، وبمعونة الله نحافظ على معموديّتنا. الإيمان نعمة من الله نحافظ عليها بسعينا، بصلاتنا، بالتزامنا، بثقتنا بكلام الله لا سيّما في أكثر الأمور تعقيداً وصعوبة. حين نرفض أن نصدّق أن يسوع قد قام ويقيمنا معه في كلّ مشكلة تصادفنا نكون مثل توما، ويسوع يأتي ليظهر لنا رحمته ومحبّته غير المحدودة. حين تصبح الآلام والصلبان في حياتنا علامة شكّ وسبب رفض، يأتي يسوع ليظهر لنا جراحه وآلامه، يقول لنا أنّنا تلاميذ معلّم تألّم من أجل أحبّائه، ومات ليخلّصهم، وقام ليعلّمهم أن لا موت، ولا ألم ولا مشكلة ولا صعوبة يمكنها أن تكون عائقاً أمام من آمن بموت السيّد وبقيامته، فنحن دُعينا الى الرّجاء والى الإيمان دون أن نرى ونلمس، فنسمع صوت السيّد يقول لنا: "طوبى للّذين آمنوا دون أن يروا"، فعين الجسد لا تنفعنا شيئاً، لقد عايّنا ونعاين الرّب كلّ يوم بعين الحبّ الّتي لا تخطيء.




 
قديم 08 - 09 - 2014, 02:46 PM   رقم المشاركة : ( 5866 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,052

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الظهورات والعجائب



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الناس شغوفون بالظهورات والعجائب أو ما يُشاع أنّه ظهورات وعجائب. ما إن يُذاع أنّ ظهوراً جرى هنا أو عجيبة جرت هناك حتى يزحفوا في هذا الاتّجاه أو ذاك ليستطلعوا، بدافع الفضول، أو ليستبركوا، بدافع التقوى.


وكثيراً ما لا يكلِّف أحد نفسه عناء السؤال: هل ما قيل إنّه جرى صحيح أم هل هو مجرّد اختلاق؟ كيف نعرف؟ ما مقياس الخطأ والصواب؟ إلى مَن نعود لنتأكّد؟ مَن نسأل؟ رسمياً، الكنيسة، أكثر الأحيان، تتريّث. عملياً كهنة الرعايا تتفاوت آراؤهم وأحياناً تتضارب. مقاييسهم ليست واحدة.

في هذه الأثناء ترى الجمهور لا بل الجماهير تندفع بلا وعي كبير، أو ربما بلا وعي كاف. تتحرّك التقويّات العاطفية. رأيتُ! سمعتُ! هذا يزيد الخبر قليلاً. آخر يفهمه على غير مرماه. ثالث ينقله على طريقته الملحميّة. يصل الخبر على غير ما ابتدأ. ينأى عن الواقع. تتحكّم فيه الخبريّات. تتحرّك المشاعر.

المناخ الجماهيري يصير مشحوناً. تدخل وسائل الإعلام على الخط. يبحثون عن المثير! قال فلان وقال عِلتان. الإعلاميون خبراء في فنّ الإيحاء. يسوقون الأخبار في اتجاهات يرومونها عن حسن نيّة وعن سوء نيّة. وللإعلام سلطان.

في تلك الأثناء تتحرّك السلطات المحليّة، الدينيّة والمدنية، إثباتاً للوجود واستغلالاً للظاهرة الجديدة. تنشط وكالات السفر. تتحرّك شركات النقل. تروج تجارة باعة التذكارات. يصطفّ باعة القطايف والعوّامات. يتحرّك موسم التقويات مرة أخرى.

الكل يستفيد! يزدهر سوق الشمع والبخور والبركات. تنتفخ صناديق المال! شهر، شهران، ثلاثة! سنة سنتان ثلاث! يخبو وهج الظهور المزعوم (أو الأصيل!).

تبهت ألوان العجيبة المدّعاة. يعود كلٌّ إلى شأنه. يتحوّل الأمر إلى خبر يُسرد لتزكية المشاعر والإدّعاءات لا لتزكية التوبة إلى الله. ماذا يكونون قد جنوا؟ استفادوا؟ لم يستفيدوا؟ تعلّموا؟ لم يتعلّموا؟ صاروا أقرب؟ صاروا أبعد؟ اعتادوا العجائب؟ أحبّوا المسيح أكثر؟ تاهوا؟ ضلّوا؟

كلّ هذه تساؤلات تطرح! ولكن يبقى السؤال الأساس: أي موقع تحتلّه الظهورات والعجائب في خبرة الكنيسة؟ هذا أصلاً ما كان ينبغي أن يكون عليه السؤال! أي موقف عام يُستمدد من تعليم الآباء القدّيسين؟ كيف كان علينا أن نتصرّف؟

من حيث المبدأ الظهورات والعجائب حدثت ويمكن أن تحدث، ولكن ليس كل ما يحدث ظهوراً أو عجيبة. هذا يفترض به أن يكون بديهية. ربما ليس لدى كل الناس. الوهم له دور والتضليل الشيطاني له دور. الظهورات والعجائب ربما أتت بالقلّة من الناس إلى الإيمان.

لكن، بالنسبة للكثيرين، ولا إن قام واحد من بين الأموات يؤمنون. الموضوع موضوع ما إذا كانوا مستعدّين لأن يسمعوا كلمة الله أم لا، ما إذا كانوا يحبّون الحقّ أم لا. مَن له مِثْل هذا الاستعداد، هذا تأتيه الكلمة، بعجيبة ومن دون عجيبة. استعداده، متى استقرّت كلمة الله في قلبه، يتحوّل إلى عجيبة.

كل عمل الله عجيبة في كل حال! المهم أن يقترن بقبولنا نحن. "تكلّم يا ربّ فإنّ عبدك يسمع". "ليكن لي بحسب قولك". "إلى مَن نذهب، كلام الحياة الأبدية عندك". "أؤمن يا ربّ فأعن عدم إيماني".

وكلّما شعر بعجزه إزاءها عرف أنّه لا نفاذ له منها إلاّ برحمة من فوق. وكلّما شعر أنّه لا نفاذ له من خطيئته إلاّ برحمة العليّ قارب قريبه، وخطايا قريبِه، بواقعية أكبر ورحمة أشدّ.

إذ ذاك ينعصر قلبه عليه لأنّه بعدما أدرك ما فعلته الخطيئة في نفسه هو بات بإمكانه أن يدرك ما تفعله الخطيئة في الآخرين.

الظهورات والعجائب قد تدعم استعدادنا الطيِّب لأن نؤمن عملياً، في بعض الحالات، لا سيما القصوى: حالات المرض أو الشكّ الكبير أو الضعف الشديد. ثمّ الظهورات والعجائب قد لا تكون، أحياناً، للجماعة بل للفرد. يرسل الله تعزية لفلان أو لفلان. هذه لا تكون بالضرورة برسم الإعلان ولا برسم الإعلام.

تحويل أصحاب الظهورات والعجائب إلى نجوم تلفزيونيّة يعرّضهم روحياً، لأقسى الأخطار. قد تبدأ الظاهرة إلهية ثمّ تتحوّل إلى مفسدة إنسانية وتصير مِضغة شيطانية. هذه ليست أموراً للهو والإرتجال!

يُنقل من رسائل القدّيس برصنوفيوس الغزّاوي أنّ واحداً شُفي من علّة صعبة أصابته بعدما صلّى القدّيس من أجله. ولم يمضِ عليه وقت قصير حتى عادت العلّة فأصابته على أقسى مما كانت.

فلما بعث إلى القدّيس يستفسر أجابه رجل الله: جرى لك ما جرى لأنّك ثرثار! الربّ يسوع قال للمجنون الذي شفاه (مر 5) أن يذهب إلى بيته وإلى أهله ويخبرهم بكم صنع الربّ به ورحمه. لكنّه في غير مناسبة شفى الأصم الأعقد وأوصاه ومَن معه أن لا يقولوا لأحد (مر 7). الخروج عن قصد الله يعرِّض الناس لأخطار جسيمة.

ثمّ نحن، بعامة، لا نسلك بالعيان بل بالإيمان. لذا علينا ألاّ نتوقّع، وبالأحرى ألاّ نرجو، أن نرى مناظر وعجائب. إذا شاء الربّ أن يُنعم بها علينا فهذا شأنه.

هو يعرف تماماً متى وكيف يكون ذلك مناسباً حتى لا يتحوّل ما يريده لخيرنا إلى شرّ وعثرة لنا. والقول صحيح أنّ مَن اشتهت نفسه الرؤى والمناظر والعجائب هذا يكون، بسهولة، عرضة للتضليل.

الله، في مثل هذه الحالة، لا يعطينا ما نرغب فيه لأنّه لا يكون نافعاً لنا بل مضرّاً.

هيرودوس أنتيباس رغب في أن يرى يسوع ويعاين آية تُصنع منه. هل أعطاه السيّد ما يريد؟ رغم أنّه سأل الربّ يسوع بكلام كثير، لم يُجبه بشيء. هذا جعله يحتقر الربّ ويستهزئ به (راجع لو 23). الله يعرف ما في القلوب. يعطي أو لا يعطي بناء على ما في الداخل!

خطورة العجائب والظهورات تكمن في أنّه ليس من حقّ أحد أن يحكم، في شأنها، بحسب الظاهر. أولاً إذا كانت من روح الله فالحكم في شأنها يكون في الروح غير المنظور لا في الظاهر.

فقط مَن له روح الله يحكم في الأمر. فإذا كان للشخص المعني روح الله فإنّه لا يبالي، إذ ذاك، بالعجائب والظهورات.

وإذا لم يكن له روح الله فإنّ عليه أن يسأل مَن له الروح لأنّ الروح يحكم في كل شيء ولا يُحكم فيه من أحد. أما إذا لم تكن العجيبة أو الظهور من روح الله فإنّها إما أن تكون من بنات أوهام الناس أو من الشيطان.

كيف من الشيطان؟ من الشيطان لأنّ الشيطان قادر أن يُحدث العجائب والظهورات ولكن، فقط، في الظاهر.

أي قد يبدو الشيطان أنّه يُقيم ميتاً مثلاً. هذا ما يظهر به للناس، لكنّ الميت لا يكون قد قام. الشيطان خبير في الخداع الشبيه بالخداع السينمائي اليوم. من هنا أنّنا لا نحكم في أمر العجائب والرؤى على أساس ما يظهر منها لأنّ هذا مجال للوهم والخداع الشيطاني بامتياز.

ثمّ الشيطان، كما نعلم، إمعاناً في الخداع، قد يظهر بمظهر نوراني، كملاك من نور. قد يظهر بشكل أحد القدّيسين أو والدة الإله أو الربّ يسوع نفسه.

قد يستعمل الآيات الكتابية. ولكن في الشكل فقط، تمثيلاً.

وللشيطان أساليب متطوِّرة في التضليل. قد يبدو كأنّه يتنبّأ، لكنّه لا يعرف المستقبلات. يعرف ما يكون قد حدث. ميزته أنّه سريع الحركة بشكل فائق. بإمكانه أن ينقل إلى هنا خبر ما يكون قد حدث هناك في لحظات. لذا يبدو كأنّه يتنبّأ. فقط يتعاطى السبْق الصحفي والتخمين الذي قد يصحّ وقد لا يصحّ.

الخبراء يعرفون ذلك! اليوم لأنّنا نعرف، بفضل وسائل الاتصال الحديثة، أن بإمكاننا أن نقف على خبر ما يحدث في أي زاوية من زوايا الأرض في خلال ربع ساعة لا سيما بفضل الأقمار الإصطناعية، نعرف أنّ السرعة عمل آلي وليس تنبؤاً بما ليس معروفاً.

كذلك، قد يقول لنا الشيطان الصدق مرّة ومرّتين وثلاث. ليس هذا لأنّه يريد أن يأتي بنا إلى الحقّ بل لأنّه يريدنا أن نصدّقه. ومتى كسب ثقتنا فإنّه، إذ ذاك، يوقعنا في الضلال.

الشيطان كذّاب وأبو الكذّاب ولو صدق أحياناً. الصدق لا يعني الحقّ. صدقه يكون في معرض الكذب والاحتيال.

لكل هذه الأسباب كان آباؤنا حذرين، لا بل شديدي الحذر. بالنسبة إليهم كان خيراً لهم أن يرفضوا حتى الظهورات الحقّانية التي هي من الله، حرصاً على عدم الوقوع في شيء من أحابيل الشيطان، من أن يصدّقوا كل ظهور يأتي عليهم. إلى هذا الحدّ كانوا حريصين.

القدّيس ديادوخوس الفوتيكي كان يعتبر أنّ مَن يمتنع عن قبول حتى الظهورات الإلهية الأصيلة، من باب الحرص، ليس فقط لا يثير غضب الله عليه بل يلقى موقفُه لدى ربّه استحساناً.

آخرون كانوا، حتى إذا منّ عليهم ربّهم بموهبة صنع العجائب، يمتنعون عن تعاطيها تواضعاً معتبِرين أنفسَهم غير مستحقّين للمواهب الإلهية. لذلك، مثلُ هؤلاء كانت تأتي العجائب على أيديهم عفواً، عن غير قصد منهم أو لبساطتهم المتناهية. في كل حال كانوا يهربون من الأضواء. عينهم، بإزاء ربّهم، كانت على نواقصهم. لم يكن أحد منهم ليستغلّ كونه ذا دالة عند الله.

شيمتهم كانت، ولا زالت، ما عبّر عنه الرسول المصطفى بولس في شأن الربّ يسوع، في علاقته مع الله الآب: "فليكن فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً، الذي إذ كان في صورة الله لم يحسب خِلسة أن يكون معادلاً لله، بل أخلى نفسه آخذاً صورة عبد صائراً في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم" (في 2: 5 ? 9).

بعض آبائنا قال ويقول بوضوح وصراحة: لكي تأمنوا العاقبة لا تطلبوا الظهورات ولا تصدّقوها، أيّاً تكن. لا تهتمّوا لا بالأحلام ولا بالتنبؤات. الحقّ أنّ هذه أرض محفوفة بالألغام.

ما يوجّه إليه آباؤنا الأنظار هو العجيبة الروحية. إذا كان أحد ضالاً فتاب هذا يكون قد ضاع ثمّ وُجد. إذا كان أحدٌ بلا إحساس، من جهة خطيئته، ثمّ أحسّ بها بعمق وصارت أمامه في كل حين هذا يكون كمَن كان ميتاً فعاش.

إذا كان أحد بخيلاً ثمّ صار سخياً، مبدِّداً على المساكين، هذا تكون يده قد شُفيت بعد شلل. إذا سلك أحد في الوقيعة بين الناس ثمّ صار صانع سلام، هذا تكون رِجله قد برئت بعد يباس.

مَن أحبّ الفقير، بعد إعراض، أهم ممَن يقيم الموتى ويشفي المرضى لأنّه كان ضالاً فوُجد وكان ميتاً فعاش. هذا يقوم إلى حياة أبدية لا فقط إلى حياة دهرية.


تبقى نقطة أخيرة، إذا منّ عليك الربّ الإله بتعزية، ظهوراً أو عجيبة أو ما أشبه، فإنّه، في العادة، يعطيك شعوراً بنخس القلب وعدم الاستحقاق وسكوناً في القلب. هذه التزمها ولا تضيِّعها. تسلَّح، في مثل هذه الحالة، بسلاح صلاة يسوع: "أيّها الربّ يسوع المسيح، يا ابن الله، ارحمني أنا الخاطئ". إذا ظهر لك كائن ما لا تصدّقه قبل أن تسأله أن يرسم على نفسه إشارة الصليب أو أن يقول صلاة يسوع أو أن يردِّد: "المجد للآب والابن والروح القدس".

فإذا كان شيطاناً فإنّه لا يستطيع أن يفعل شيئاً من هذا، بل يهرب ويتبدَّد. في كل حال عد إلى أحد الآباء المختبَرين، وأقول المختبَرين المعروفين، واعرض عليه مسألتك.

اسمع ما يقوله لك والتزمه كاملاً دون نقصان. قد يكون هذا أسقفاً، وقد يكون كاهناً، وقد يكون راهباً وقد يكون رجلاً من عامة الناس. لا تتصرّف، على سجيّتك، وكأنّك تعرف. ليس غير الخبير ينجو من فخاخ العدو. اهدأ! لا تعرِّض نفسك للخطر! لا تكن فضولياً! لا تتسرَّع! واعلم أنّه إن توفّرت فيك النيّة الصالحة سلمتَ بنعمة الله.

وإن كان فيك زغل فإنّك ساقط سلفاً مهما حسبت نفسك ذكياً وحكيماً. نقّ نيّتك واسلك بأمانة في الوصايا يوماً فيوماً.

كن مطيعاً لأحكام الكنيسة. لا تستهن بخبرتها. والله، إذ ذاك، يحفظك حفظاً جيّداً. كن بسلام واسلم
 
قديم 08 - 09 - 2014, 02:50 PM   رقم المشاركة : ( 5867 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,052

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

صعود المسيح
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
للأب متى المسكين

فلنفرح بعيد الصعود الذي به أجلسنا المسيح معه في السماويات، وأعد لنا المكان السعيد، الذي سبق فتكلَّم عنه، الذي هو جلوسنا معه عن يمين العظمة في الأعالي.
لأننا صرنا في المسيح مصالَحين مع الآب إلى الأبد، محفوظين برضا ورحمة القدير؛ وليس كما كان آدم الأول في مجرد فردوس وشجر وثمر، يفتقده الله من حين لآخر،

ولكن صرنا في فادينا الحبيب - آدم الثاني - مع الله على الدوام، وإن كنا متغرِّبين الآن عن وطننا السمائي، متألمين يسيراً ليتزكَّى إيماننا ونوجَد أهلاً لهذا النصيب الفاخر،
إلا أننا بالإيمان نعيش وكأننا مستوطنون دائماً بالرجاء الذي سكبه المسيح فينا، وبالحب الذي يحوِّل الألم إلى لذة، وغير الموجود يجعله أمامنا موجوداً بالرؤيا القلبية التي بالنور الخفي ترى النور غير المنظور، متوقعين بالصبر والشكر لحظة اللُّقيا التي نحظى فيها بوجه الحبيب،فلا يعود يُنزع منا إلى الأبد.



لأن مسرَّة المسيح قبل أن ينطلق إلى الآب، التي قدمها بصلاة إنجيل يوحنا الأصحاح 17، أن نكون نحن حيث يكون هو على الدوام لنرى مجده ونوجد فيه؛ هذا الذي صار لنا بعد صعوده حقيقة حية رآها اسطفانوس الشهيد بعينيه، والتي لما رآها وتحقق منها سهُل عليه أن يخلع خيمته الأرضية بسرعة، ناظراً بيقين الإيمان والعيان معاً المكان الذي أعده له المسيح والبناء العجيب الذي في السماء غير المصنوع بيدٍ، الأبدي، جسد المسيح الذي يملأ الكل والكل فيه.


نحن الآن نأكل جسده ونشرب دمه وعيوننا مقفولة لا نستطيع أن نرى بهاء هذا الجسد وروعة هذا الدم،
لئلا نفزع ونرتعب ونسقط على وجوهنا ولا نضبط قوة أن نفتح أفواهنا لتقبُّل جمر اللاهوت المخيف. ولكن ما بالنا لا نرى أنفسنا متحدين اتحاداً بهذا الجسد وهو في ملء نور اللاهوت،
ودم المسيح يسري فينا وهو حامل إلينا روح الألوهة يسكبها في كياننا فنصير ملوكاً وكهنة لله أبيه ونملك معه في ميراث بنوية الآب التي لا تُحدُّ؟


لأجل هذا يدعونا القديس بولس الرسول بإلحاح سرِّي لا يفهمه إلا الواصلون بالروح لسرِّ الوجود الإلهي: «إن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس» (كو 3: 1)، الذي معناه أن القيامة وحدها لا تكفي.
فبعد القيامة هناك أمجاد الوجود في الحضرة الإلهية حيث جلس المسيح - بنا - عن يمين الآب رهن طلب الذين أحبوا المسيح ولم يطيقوا أن يبقوا بدونه أبداً.

فحيث المسيح يوجد الآن يكون لنا حق الوجود. وطلبنا هذا هو من صميم طلب المسيح نفسه ومسرته التي سبق وأن ألحَّ على الآب أن يمنحها لنا كلما طلبناها،

لأنها صارت من حقِّنا بسبب بشريتنا التي اتحد بها بوفاق وحبٍّ وعهد أن لا يخلعها أبداً ولا يهجرها إطلاقاً ولا ينساها لحظة واحدة أو طرفة عين!


أما أن «نطلب ما فوق حيث المسيح جالس»، فهو أن نطلب الوجود الدائم في حضرة الله، الذي صار لنا حقّاً أبدياً في المسيح، نطلبه الآن كطلب بدموع وإلحاح.
فإذا ما أخذناه لا يعود يُنزع منا لأنه نصيبنا المحفوظ لنا في السموات، الذي لا يتدنس قط بسبب قصورنا بعد، ولا يضمحل أبداً بسبب اضمحلال كياننا الجسداني.


والوجود في حضرة الله، بإحساس الاتحاد بالمسيح الذي أكمله فينا ولنا مجاناً، هو سر السعادة التي وفرها المسيح لنا في وسط أحزان العالم وبرغم كل عجز البشرية وقصورها المحزن والمؤلم.


الإحساس بالوجود في حضرة الله بالمسيح كفيل أن يُعطي الإنسان سلاماً قلبياً يفوق العقل بكل اضطراباته وعجزه.


ولكن هذه الحضرة ليست مسرة نلهو فيها، بل هي عينها الصلاة، الصلاة في ملء حرارتها وهدوئها ورزانتها، الصلاة الكاملة

التي فيها يهدأ الجسد وترتاح النفس وتبتهج الروح بذكر الثالوث وتمجيد الآب وترديد اسم المخلص ونداء الروح القدس بتواتر ورجاء ودالة مستمدة من الصليب والدم المسفوك.


وإن كان ينبغي أن نئن كثيراً في أنفسنا من أجل ثقل الجسد، وقد أصبح كالخيمة التي مزقتها الرياح المكروهة ونشتاق في أنفسنا أن نلبس فوقها الذي من السماء، ولكن هذا غير ممكن.
لابد أن نخلعها أولاً حتى نستطيع أن نلبس المسيح ونوجد فيه بلا مانع، لأن الفاسد لا يمكن أن يرث عدم الفساد. لذلك سوف تظل صلواتنا ممزوجة بالدموع، وفرحتنا بالوجود في الحضرة الإلهية يشوبها أنين الحسرة من أجل عدم قدرتنا الآن على لبس السمائي.


ولكن لنا ثقة أنه كما لبسنا الترابي نلبس السمائي أيضاً ولن نوجد أبداً عراة من نعمة الله، لأن الذي خلقنا هو نفسه أعاد خلقتنا وهيَّأها للتجديد المزمع أن يكون في ملء القداسة وبر الله.


لذلك ينبغي، أيها الأحباء، أن نعترف الآن بفقرنا جداً، مع أن غِنَى الميراث كله الذي للابن قد كُتب وتسجَّل لنا نصيباً، ولكن ليس لنا هنا غِنىً أبداً حيث عالم الخديعة والغش.

ليس لنا هنا مدينة باقية ولا وطن دائم ولا كرامة ولا صيت ولا اسم ولا راحة حقيقية، بل نطلب العتيد منها الذي ليس فيه غش ولا ظل دوران.

لذلك يقول القديس بولس الرسول مُلحّاً: «اطلبوا ما فوق»!! وهل ممكن لإنسان يطلب ما هنا ويسعى وراء ما هو في أفواه الناس أو في أيدي الناس أو في تراب الأرض،
ثم يستطيع أن يرى ما فوق أو يطلبه؟ فإما أن نسعى إلى أن نكمل ما هنا ليكون لنا فيه فرحنا وسرورنا وراحتنا ومجدنا، وإما أن نرفض ما هنا لنتفرغ لطلب ما فوق لمجد الله.


الذي يسعى وراء كرامة على الأرض، يطلبها في قلبه ويشتهيها في نفسه، لا يمكن أن يتبقَّى له قوة إيمان بما فوق يمكنه أن يشدَّ نفسه إليها ويطلبها.
الذي يطلب ما على الأرض، لا يمكن أن يقوى على طلب ما فوق!


الذي لم يتفرغ بالحق لطلب ما هو فوق، هو محروم من مجد الصعود، وضيَّع على نفسه ثمرة الصليب والقيامة. لأن المسيح احتمل الأحزان والآلام والصليب من أجل السرور الموضوع أمامه، سرور المصالحة العظمى في آخر مراحلها عندما قدَّم البشرية التي فيه للآب مفديَّة مبرَّأة مطهَّرة مغسولة بالدم، وأجلسها معه عن يمين الآب!


فكما تكلَّلت آلام الصليب بالقيامة، هكذا تكلَّلت القيامة بالصعود والجلوس عن يمين الآب. لذلك ففي الصعود سر الاحتمال الأعظم لكل ألم حتى الموت!!
وفي الجلوس في السماويَّات مع المسيح نهاية كل رجاء وكل فرح، بل وغاية كل الخليقة العتيقة والجديدة.


+ + + أما لنا نحن الرهبان، فالصعود الذي يمثل أوج النصرة على العالم هو عيدنا الذي نرى فيه أنفسنا تطير فوق هموم الدنيا وأوهامها وغرورها.
فلو تمثَّلتم معي وضع الرب وهو صاعدٌ والعالم كله واقع تحت قدميه، لأدركتم معنى الآية: «قال الرب لربي: اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك» (مز 110: 1).

هكذا كل راهب خرج من العالم خروجاً صادقاً بالروح والحق جاعلاً قلبه وفكره فوق في السماء، هذا يكون قد حقَّق قوة الصعود التي وهبها لنا الله بالمسيح منذ الآن بالسر جزئياً، أي بالفكر والقلب، تمهيداً للتكميل الكلِّي المزمع أن يكون.


الراهب الحقيقي - إذن - هو مَن يعيش عيد الصعود مكتفياً بما فوق، وبالروح والحق، كل أيامه. لا يخشى شيئاً ما على الأرض:

لا شدَّة ولا ضيق ولا اضطهاد ولا جوع ولا عُري ولا خطر ولا سيف،



وهو لا يشتهي شيئاً ما مما على الأرض:
لا كرامة ولا صداقة ولا رئاسة ولا سلطان ولا مديح ولا اسم ولا شكل ولا لقب، لأنه يغتذي سراً بما فوق من طعام الحق وشراب الحب الذي كل مَن يغتذي به ينسى كل ما في هذا الدهر، ينسى أهله وينسى موطنه وينسى حتى نفسه.


كل إنسان في المسيح يترجَّى حياة الدهر الآتي حسب قانون الأمانة العام. أما الراهب، يا إخوة، فهو إنسان يعيش الدهر الآتي لأنه مات عن هذا الدهر الفاني. الصعود ليس فقط عيدنا - نحن الرهبان - بل هو عملنا اليومي تجاه هذا الدهر، وهو حياتنا الوحيدة التي تبقَّت لنا.


من الملابسات ذات المعنى وذات الفعل في إنجيل عيد الصعود، قوله: «وفيما هو يباركهم، انفرد عنهم، وأُصعِدَ إلى السماء» (لو 24: 51). لا يمكن أن ندخل حالة الصعود بالروح، يا إخوة، أو نتذوقها إلا إذا كنا في هذه الحالة عينها،

أي «وفيما نحن نبارِك», لا بد أن نكون على مستوى الصلاة والبركة على كل إنسان، على كل مُضطهِد، على كل مُسيء أو شاتم أو مُعيِّر أو مُخرِج كل كلمة شريرة علينا،

لا بد أن يكون قلبنا في حالة صفح كلِّي وسلام صادق وحنو ومودة لكل إنسان، حتى نستطيع أن ننفكَّ من قيود جاذبية الأرض والتراب وننطلق في إحساس الصعود ونتذوقه ونعيشه بالروح والحق.


ثم لابد أيضاً أن نكون في حالة «وانفرد عنهم»، حتى يمكن أن نمارس حالة إصعاد يُتمِّمها فينا المسيح فوق العالم. الانفراد عن الناس يؤهِّل الراهب لحالة تقبُّل قوة داخلية يمارس بها الخروج الدائم والإرادي من العالم.
الإنسان دائماً أبداً يجذب الإنسان أخاه إلى نفسه ليتعظَّم به أو يتقوَّى به أو يُمتَدَح به أو يتسلَّى به، والاثنان في النهاية كل منهما يخسر نفسه بهذا الجذب السلبي. لذلك كل انفراد عن الناس هو قوة، لو أن الانفراد كان مع الله وبالله، وهو حتماً يؤهِّل لحالة الانجذاب إلى الله، أو بمعنى آخر إلى إصعاد روحي بالحق وبالسرِّ.


لذلك قلتُ لكم إن عيد الصعود هو عيدنا نحن الرهبان، بالدرجة الأولى، وهو عملنا وهو حياتنا، لو استطعنا أن نكون دائماً في حالة بركة صادرة من أعماقنا تجاه جميع الناس، وكنا أيضاً في حالة انفراد إيجابي عن الناس من أجل الله.
 
قديم 08 - 09 - 2014, 02:52 PM   رقم المشاركة : ( 5868 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,052

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

عيد الصعود المجيد
اليوم الأربعون من القيامة

للقمص مكسيموس وصفي
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

- مقدمة
" ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض. وقالا أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء. إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلى السماء- حينئذ رجعوا إلى أورشليم من الجبل الذي يدعى جبل الزيتون الذي هو بالقرب من أورشليم " (أع 1).
فإذ قد سبقت السماء حاملة إلى الأرض البشارة المفرحة بنزول المسيح إليها وتجسده و تأنسه، فاليوم نزف إلى السمائيين بشارة فرح وابتهاج بقيامة الرب من الأموات وصعوده إلى السماء.
فأي شكر وتسبيح نقدمه لمخلصنا في هذا اليوم، الذي أقام طبيعتنا و أصعدنا معه، ذاك الذي في صعوده حملنا معه واجتاز السموات ورفع في المجد.
وعيد الصعود أو خميس الصعود من الأعياد السيدية الكبرى، ويعد مجد الأعياد لأن فيه صعد الرب بمجد عظيم إلى السماء أمام تلاميذه بعد أن أكمل تدبير الفداء والخلاص.

وتحتفل الكنيسة بالعيد حسب أوامر الرسل الأطهار إذ جاء في أقوالهم:

"ومن أول يوم الجمعة الأولى أحصوا الأربعين يوما إلى خامس السبوت ثم اصنعوا عيد صعود الرب. الذي كمل فيه كل التدبيرات وكل الترتيب وصعد إلى الله الآب الذي أرسله وهو مزمع أن يجعل أعداءه تحت موطئ قدميه". (الدسقولية الباب 31 ص 167، والمجموع الصفوي ص 198).

- الطقس الكنسي وخميس الصعود

في هذا اليوم يكتمل أربعون يوما بعد القيامة لذلك المحتم أن يأتي الصعود يوم خميس وتشير القراءات إلى أحداث هذا اليوم حيث ظهور المسيح الأخير لتلاميذه بعد أن ظهر مرات عديدة خلال الأربعين المقدسة، ثم أخذهم إلى بيت عنيا وباركهم، ومن بيت عنيا إلى جبل الزيتون القريب منها وعلى هذا الجبل كان الصعود.
- الصعود تاج الأعياد
تنحصر كتابات القديسون الأوائل بالتأملات الروحية حول هذا العيد. فقد مدحه القديس إبيفانيوس
( 320-403م) قائلا: "إن هذا اليوم هو مجد بقية الأعياد وشرفها، لأن الرب أكمل في هذا اليوم عمله الراعي العظيم بمحبته للخراف".
ويمدح القديس ساويرس الأنطاكي
(459-536م ) ، هذا العيد كأَجل الأعياد إذ يقول:

"إني احتفل بتقاليد الرسل القديسين التي سلمها لنا أعمدة الكنيسة كميراث أبدي لا يفنى بعد أن تسلموها كل واحد بدوره كما يتسلم الابن من أبيه، وهذه تمت على أيديهم وأزهرت في الكنيسة، ومن بين هذه التقاليد التي استلمناها ما تنادي به الكنيسة اليوم لتعلمنا به أن المسيح لأجلنا صعد إلى السموات".

وفي تأملات القديس يوحنا فم الذهب (347-407م)، عن هذا العيد إذ يشرح نبوة داود النبي ويقول:
"في صعود المخلص رافقته مواكب الملائكة ورؤساء الملائكة بالتسابيح وحولهم ضياء عظيم في نور ومجد لا يوصف، وعندئذ هتف الروح القدس آمرا القوات السمائية قائلا... ارفعوا أيها الرؤساء أبوابكم ليدخل ملك المجد ".
والسيد المسيح الملك الظافر الممجد في السماء والأرض في أحد الشعانين دخل السيد الظافر أورشليم الأرضية، واليوم في صعوده يدخل غالبا أورشليم السمائية،
كان في أحد الشعانين راكبا على جحش واليوم راكبا على السحاب، دخل أولا وسط تسابيح الشعب واليوم تستقبله الملائكة بالتسابيح أولا كانوا يصرخون خلصنا واليوم يهتفون خلصتنا، دخل أولا هيكل الذبائح واليوم يدخل بذبيحته القديسون،
أولا دخل ليتألم

واليوم دخل إلى مجده في السموات.
 
قديم 08 - 09 - 2014, 02:55 PM   رقم المشاركة : ( 5869 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,052

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

"تألم وقبر وقام من الأموات، وصعد إلى السموات، وجلس عن يمين أبيه.."
قانون الإيمان
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
في سرد حوادث الصعود للقديس لوقا يقول أن السيد فيما هو يبارك تلاميذه، انفرد عنهم وأصعد إلى السماء (لو 24: 51)، فالمسيح ارتفع فوق الأرض واجتاز السموات، فأي قوة تلك التي رفعته فوق جاذبية الأرض!
وليس فقط جاذبية المادة ولكن سلطانها أيضا، فهو بهذه القوة نزل إلى الجحيم بعد أن مات في مساء الجمعة العظيمة وصعد من الجحيم ولم يمسك منه، وبهذه القوة نفسها قام من الأموات في اليوم الثالث،
وبهذه القوة عينها صعد إلى السموات، لا شك أنها قوة لاهوته فبينما السيد هو الأزلي (لا بداية له) في صعوده، لكنه أراد فقط أن يصعد جسديا أمام تلاميذه لكي يشاهدوا صعوده، فكانت مشيئته أن يرتفع بالجسد إلى السماء، وهو فيما كائن باللاهوت لم يفارقها.
فهو إن كان قد نزل إلينا على الأرض وتجسد وتأنس ومشى على الأرض وعاش بجسد بشريتنا لكن لم يخل منه مكان في السماء أو على الأرض فهو مالئ الكل بلاهوته فبعد أن أكمل تدبير الفداء صعد لأنه:
"ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء " (يو 3: 13). وكما أخبر السيد تلاميذه عن آلامه وموته وقيامته (مر 10: 34)، أيضا سبق وأخبرهم عن صعوده إذ قال:
"أهذا يعثركم فإن رأيتم ابن الإنسان صاعدا إلى حيث كان أولا" (يو 6: 63)،

بل ذكر السيد ذلك عدة مرات "أنا أمضي لأعد لكم مكانا " (يو 14: 2، 28، 16: 7، 28، 20: 17) وأيضا في صلاته الوداعية إلى الآب:
"والآن أيها الآب مجدني أنت عندك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يو 17: 5).
والسيد المسيح في اتضاعه كان يجري أعماله أمام تلاميذه، وقد أشار إلى ذلك صراحة حين صار صوت الآب فقال لهم السيد وقتئذ أن هذا الصوت كان من أجلهم هم. وهكذا كانت أعمال السيد ظاهرة لتلاميذه فهو بطبيعته كامل في كل شيء لم يكن محتاجا إلى الختان أو يُقَّدم مثل الأطفال إلى الهيكل،
ولم يكن في حاجة أن يعتمد لكنه تعمد لأجلنا فلم تكن المياه لتطهره بل هو نزل إليها ليطهرها ويقدسها، وعلى هذا المثال صعد إلى السماء قدام تلاميذه، لقد كانت مشيئته أن يصعد لا خفيه بل ظاهرا أمام تلاميذه، وليس معنى صعوده أن السماء كانت بدونه لحظة لأنه هو مالئ الكل بلاهوته،
لكنه صعد بجسده وأجتاز السموات من أجل خاصته (عب 4: 14)، فإن الذي نزل (ولم تخل السماء من لاهوته) هو الذي صعد أيضا (ولم يخل السماء من لاهوته) فوق جميع السموات لكي يملأ الكل في الكل (أف 1: 23، 4: 10)، ولذا قال عنه سفر الأعمال " هذا رفعه الله بيمينه رئيسا ومخلصا" (أع 5: 31).
 
قديم 08 - 09 - 2014, 02:57 PM   رقم المشاركة : ( 5870 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,272,052

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أصعدنا معه


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
" وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات" (أف 2: 6)
في صعود السيد المسيح أصعد البشرية معه، إذ كانت قبلا ساقطة وتحتاج لمن يصعدها، فبدون صعود السيد لم يكن ممكنا للطبيعة الترابية أن تصعد إلى السماء، والذين ليست لهم المسيح وبركات صعوده لن يكون لهم صعود إلى السماء، لأنه كيف يقدر الجسدانيون أن يصيروا روحانيين لو لم يتجسد منهم رب الأرواح،
وكما كان الترابي هكذا أيضا الترابيين وكما هو السماوي هكذا أيضا السماويون، وكما لبسنا صورة الذي من التراب (آدم) سنلبس صورة الذي من السماء (المسيح) (1 كو 15: 49).
ففي تجسد المسيح أخذ طبيعتنا البشرية من العذراء القديسة مريم واتحد بها، وفي قيامته تمجدت طبيعتنا فيه، وفي صعوده أصعدنا معه، لأنه حملنا معه.
فبعد أن اتحد الرب بجنسنا وأخذ منه جسدا تمجد هذا الجنس، فأصعده معه لأنه صعد بهذا الجسد الذي أخذه منا وجعله أهلا أن يصير سماويا إذ أعطى الطبيعة الترابية كرامة ومجدا باتحادها باللاهوت، وهو بذلك وهب لنا نحن الترابيين أن نبلغ رتبة السمائيين لأنه وهو: "باكورة جنسنا لاق بذاك الذي من أجله الكل وبه الكل وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد أن يكمل رئيس خلاصهم بالآلام. لأن المقدس والمقدسين جميعهم من واحد فلهذا السبب لا يستحي أن يدعوهم إخوة" (عب 2: 10-11).
وبغلبة السيد المسيح على الموت وهب لنا هذه الغلبة ورفع طبيعتنا الساقطة المغلوبة "إذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم واشترك هو أيضا كذلك فيهما لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت " (عب 2: 14).
أي شكر وتسبيح نقدمه للسيد مخلصنا الذي رفع طبيعتنا و أصعدنا معه، ذاك الذي في صعوده حملنا معه. واجتاز السموات (عب 4: 14)، ورفع في المجد (1 تي 3: 16).
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 03:53 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024