![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 55721 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() مَنْ لا يعرفُ عقيدتَه الأرثوذكسيَّة لا يكون فعليًّا عضوًا في كنيستِه، ولو كان أرثوذكسيًّا على هوّيته. الصوم الأربعينيُّ المقدَّسُ يعيدُنا إلى البرِّيَّة، إلى الصحراء حيث نتعرَّى من ألبستِنا الجلديَّةِ (أي أهواء النفس والجسد واهتماماتنا الدنيويّة الكثيرة)، لكي نلبسَ مِن جديد لباسَ النعمةِ الإلهيَّةِ، هذا اللباس الّذي يليق بالإنسان الجديد المخلوق على صورة المسيح الإله، الذي خلق كلَّ شيءٍ حسنًا. نعم، تقليدُنا الشرقيّ المسيحيّ الأرثوذكسيّ هو تقليدٌ نسكيّ تقشفيّ. نحن لا نخجل من ذلك بل نفتخر به. لأجل هذا واجب على الإنسان الأرثوذكسيّ أن يصوم عن ملذّاته الجسديّة حتى يشرِقَ من جديد، من قلبه المتطهّر بالأصوام وحتى من جسده، نورُ نعمةِ الله غيرِ المخلوق الذي لا يُشبِهُ بجماله الفائق أيّ شيء من المخلوقات. أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 55722 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() هذا النور الإلهي يحمل لنا السلام الحقيقيّ الذي ليس مثل السلام الذي يعطيه العالم، إنّه يحمل لنا الفرح الذي لا يضاهيه أيّ فرح أو لذّة عالميَّتَين. أيها الإخوة الأحبّاء، يا أبناء كنيستي العزيزة جدًّاً، لِنُقْبِلْ إلى الصِّيام المُشْرِق، بشَغَفٍ، مشتَرِكِينَ بهذه الصلوات الخشوعيّة الجميلة، صائمين عن الملّذات الدنيويّة، مندفعين إلى أعمال الرحمة السخيّة. “لقد تناهى الليل واقترب النهار فلنَدَعْ عنّا أعمال الظلمةِ ونلبَس أسلحةَ النُّور” (رو 13: 12) بفرح صليبه مع آلام هذا العالم متوثِّبين إلى لقاء العريس في فصحه الخلاصي، آمين. أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 55723 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() تكلّم القدّيس غريغوريوس بالاماس عن النُّور الإلهيّ غير المخلوق. تعليمه كان حول القوى الإلهيّة غير المخلوقَة ، وأيضًا حول النّعمة الإلهيّة غير المخلوقَة. قال إنّ النّعمة الإلهيّة الّتي تُقَدِّسُنا هي نور أزليّ إلهيّ. لقد مَيَّزَ القدّيس بوضوح بين الجوهر الإلهيّ غير المُدْرَك والقوى الإلهيّة غير المخلوقَة (النّعمة الإلهيّة) الّتي نستطيع أن نساهم فيها بعد تطهيرنا. بهذا، يأتي الجواب على السّؤال الكبير: “كيف نعرف الله وفي الوقت نفسه لا ندركه؟!”. في كلّ هذا سرّ قداسة الإنسان. ماذا يعني مثلًا أن يتأَلَّهَ الإنسان؟. يعني أن ينزل عليه نورٌ إلهيّ يجعله متحرِّرًا من الأهواء والشَّهَوَات. أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 55724 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() القدّيس غريغوريوس بالاماس من دُعَاة الهُدوئيَّة . والهدوء أو السَّكِينَة الدّاخلية لا يبلغها الإنسان إلَّا عن طريق النُّسْكِ والفضائل، عن طريق نقاوة الجسد والنَّفْس. يُحَدِّدُ القدّيس يوحنّا السُّلَّمِيّ الهدوء بالطريقة التّالية: “الهدوء هو صخرة جاثية على شاطئ بحر الغضب”. القدّيس بالاماس يُعَلِّمُ، كما ذكرنا، عن النُّور الإلهيّ. “قد نَظَرْنَا النُّورَ الحقيقيّ، وأَخَذْنَا الرّوحَ السّماوِيّ وَوَجَدْنَا الإيمانَ الحقّ”. عندما نعيّد في الأحد القادم للصَّليب المحيي، نفهم أنّه الطّريق الصّحيح إلى هذا النُّور. لأنّنا لن نبلغ هذا النّور قبل أن نتطهَّرَ من أوساخ خطايانا. في فترة الصّوم الكبير هناك نُسْكٌ جَسَدِيٌّ وروحِيٌّ، إِمْسَاكٌ عن الخطيئة، في طيّاته نورٌ إلهيّ يَنْبَلِجُ واضِحًا في الفصح. أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 55725 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() البشارة بالخلاص
![]() الخلاص غاية البشارة بالتجسّد الإلهي. ثمرة البشارة عرّفها كاتب رسالة اليوم أن المقدِّس (المسيح) والمقدَّسين (المؤمنين) كلهم من واحد أي الآب وهذا يؤسس الأُخوّة القائمة بيننا وبين المخلّص. وتظهر أُخوّتنا للسيد بأننا نُسبّحه في الكنيسة وبإعلان يسوع (في الرسالة): “ها أنذا والأولاد الذين أَعطانيهم الله” (اولاد الله او أبناؤه). لنا عُنصر اشتراك أساسيّ مع المسيح أننا معه حاملون اللحم والدم اللذين اشترك هو فيهما بالتجسد من مريم لكي يُبطل بموته الشيطان أي فاعلية الشيطان ويُحررنا من العبودية التي كنا خاضعين لها مخافةً من الموت. نرتكب الخطيئة خوفًا من الموت إذ نعتقد أن الخطيئة تُحيينا، تُنعشنا. ولكن ما إن أَحسسنا أننا نموت بها، تُعطينا العدم لأنها عدم إذ ليس فيها قوّة الحياة. بعد هذا يقول الكاتب ان الله اتّخذ نسل إبراهيم. “فمن ثم كان ينبغي أن يكون شبيهًا بإخـوتـه فـي كل شيء”. وأهم شبه له بنا أنه مات إذ الموت أهم شيء في حياتنا وهو أفصح تعبير عن حب يسوع لنا. وأفصح تعبير كان لكاتب الرسالة عن موت المسيح انه سمّاه “رئيس كهنة” وهو الوحيد الذي صار لله أبيه قربانًا بالموت. وهو قرَّب باختياره هذا القربان “حتّى يُكفّر خطايا الشعب”. ثم يوضح أن الرب يسوع تألم مجرَّبًا، والتجربة كانت قاسية في الضرب والهزء وإكليل الشوك وتسميره على الخشبة وطعنه بالحربة. ولكونه ذاق التجربة صار “قادرًا على أن يُغيث المصابين بالتجارب” أي نحن المؤمنين به. الطـريـق ابتـدأ بالبـشارة، ومنذ أخذ هو يبشـّر صـار اليهـود أعـداء له وأرادوا إسكاته وقمعه، ولكنه تكلـّل هـو بانتصاره على المـوت. فإذا ما أَقمنـا ذكـرى البشـارة اليـوم، لـنـبـقَ عـالميـن أننـا نتهيـأ لنُتـابع كل طريقه حتى آخرها على هذه الأرض في الصليب والقيـامـة. ولنـذُق سَيـرنا معـه لأنـه هـو الطريق وليس غيره من طريق. اليوم يوم فرح لأنه يكشف لنا قرب الله من الإنسان ليس فقط كما كان يقول في الأنبياء ولكن في كونه نزل ونصب خيمته في حيّنا وعايشنا في كل أطوار حياتنا، وآخر تعبير عن معايشته أنه مات معنا، وصار موتُنا مجالسة له، وازداد بموتنا قربُنا اليه بعد أن كان الموت “أُجرة للخطيئة” ولعنة. هذا كله تطلّع فصحي. والفصح وحده هو التطلّع وتقبّلنا قوّة الله. فبعد أن كنّا مفصولين عنه، يُخبرنا أن قبول مريم للتجسّد جعلنا أبناء الله بعد أن كنّا أبناء الغضب. ولكون عيد البشارة يقع دائمًا في الصيام، صرنا نفهم أن التقشف والنُسك والتوبة صارت كلها لازمة لنا لنفهم أُخوّة السيد لنا وقيادته لنا الى الخلاص بالصليب والقيامة. ونحن لا نعبُر عيد البشارة إلا لننعطف على الأسبوع العظيم ونفرح فيه ونتهيأ به الى نصر المسيح في الفصح. جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان) |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 55726 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() الخلاص غاية البشارة بالتجسّد الإلهي. ثمرة البشارة عرّفها كاتب رسالة اليوم أن المقدِّس (المسيح) والمقدَّسين (المؤمنين) كلهم من واحد أي الآب وهذا يؤسس الأُخوّة القائمة بيننا وبين المخلّص. وتظهر أُخوّتنا للسيد بأننا نُسبّحه في الكنيسة وبإعلان يسوع (في الرسالة): “ها أنذا والأولاد الذين أَعطانيهم الله” (اولاد الله او أبناؤه). لنا عُنصر اشتراك أساسيّ مع المسيح أننا معه حاملون اللحم والدم اللذين اشترك هو فيهما بالتجسد من مريم لكي يُبطل بموته الشيطان أي فاعلية الشيطان ويُحررنا من العبودية التي كنا خاضعين لها مخافةً من الموت. نرتكب الخطيئة خوفًا من الموت إذ نعتقد أن الخطيئة تُحيينا، تُنعشنا. ولكن ما إن أَحسسنا أننا نموت بها، تُعطينا العدم لأنها عدم إذ ليس فيها قوّة الحياة. بعد هذا يقول الكاتب ان الله اتّخذ نسل إبراهيم. “فمن ثم كان ينبغي أن يكون شبيهًا بإخـوتـه فـي كل شيء”. وأهم شبه له بنا أنه مات إذ الموت أهم شيء في حياتنا وهو أفصح تعبير عن حب يسوع لنا. وأفصح تعبير كان لكاتب الرسالة عن موت المسيح انه سمّاه “رئيس كهنة” وهو الوحيد الذي صار لله أبيه قربانًا بالموت. وهو قرَّب باختياره هذا القربان “حتّى يُكفّر خطايا الشعب”. جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان) |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 55727 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() أن الرب يسوع تألم مجرَّبًا، والتجربة كانت قاسية في الضرب والهزء وإكليل الشوك وتسميره على الخشبة وطعنه بالحربة. ولكونه ذاق التجربة صار “قادرًا على أن يُغيث المصابين بالتجارب” أي نحن المؤمنين به. الطـريـق ابتـدأ بالبـشارة، ومنذ أخذ هو يبشـّر صـار اليهـود أعـداء له وأرادوا إسكاته وقمعه، ولكنه تكلـّل هـو بانتصاره على المـوت. فإذا ما أَقمنـا ذكـرى البشـارة اليـوم، لـنـبـقَ عـالميـن أننـا نتهيـأ لنُتـابع كل طريقه حتى آخرها على هذه الأرض في الصليب والقيـامـة. ولنـذُق سَيـرنا معـه لأنـه هـو الطريق وليس غيره من طريق. اليوم يوم فرح لأنه يكشف لنا قرب الله من الإنسان ليس فقط كما كان يقول في الأنبياء ولكن في كونه نزل ونصب خيمته في حيّنا وعايشنا في كل أطوار حياتنا، وآخر تعبير عن معايشته أنه مات معنا، وصار موتُنا مجالسة له، وازداد بموتنا قربُنا اليه بعد أن كان الموت “أُجرة للخطيئة” ولعنة. هذا كله تطلّع فصحي. والفصح وحده هو التطلّع وتقبّلنا قوّة الله. فبعد أن كنّا مفصولين عنه، يُخبرنا أن قبول مريم للتجسّد جعلنا أبناء الله بعد أن كنّا أبناء الغضب. ولكون عيد البشارة يقع دائمًا في الصيام، صرنا نفهم أن التقشف والنُسك والتوبة صارت كلها لازمة لنا لنفهم أُخوّة السيد لنا وقيادته لنا الى الخلاص بالصليب والقيامة. ونحن لا نعبُر عيد البشارة إلا لننعطف على الأسبوع العظيم ونفرح فيه ونتهيأ به الى نصر المسيح في الفصح. جاورجيوس مطران جبيل والبترون وما يليهما (جبل لبنان) |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 55728 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() القديس أنطونيوس الكبير أبي الرهبان وكوكب البرية 356+ كاتب القصة: في أواسط القرن الرابع للميلاد فاحت رائحة فضائل القديس الأنبا[1] أنطونيوس الذكية في أرجاء العمورة. فكتب بعض المتوحدين الأتقياء في الغرب[2] إلى القديس أثناسيوس الرسولي 373+ مستفسرين منه عن صحة الأمور العجيبة التي قيلت عن هذا الحبيس[3] البار، والناسك القديس. فأجابهم القديس أثناسيوس بكتاب باليونانية شرح فيه بالتفصيل ما رآه بنفسه أو سمعه ممن عاشروا الأنبا أنطونيوس. ويقول في مقدمته: «… إنني أسرعت في الكتابة إليكم عما أعرفه أنا شخصياً إذ رأيت أنطونيوس مراراً، وعما استطعت أن أتعلمه منه، لأنني لازمته طويلاً، وسكبت ماء على يديه، وفي كل هذا كنت أذكر هذه الحقيقة أنه يجب أن لا يرتاب المرء إذا ما سمع كثيراً، ومن الناحية الأخرى يجب أن لا يحتقر الرجل إذا ما سمع عنه قليلاً» وقد نُقلت هذه القصة إلى السريانية[4]. أنارت سيرة القديس الأنبا أنطونيوس الطريق أمام جمهور غفير من الشبان، فتركوا العالم، وتبعوا الرب يسوع، وامتلأت برية مصر بالمتوحدين والمتوحدات، والرهبان والراهبات، بل ازدهرت حياة الرهبانية في العالم المعروف. ذلك أن القديس أثناسيوس كاتب قصة حياة القديس أنطونيوس، حملها إلى روما في زيارته إياها عام 339، وأشاع في إيطاليا طريقة الأنبا أنطونيوس في النسك فانتشرت وكانت أقوى عامل لازدهار الحياة النسكية في غرب أوربا، ولما درسها أوغسطينس 430+ بعدئذ ساعدت على توبته[5] وقد وصف القديس أثناسوس القديس أنطونيوس بقوله: «إنه أبو الرهبان وكوكب البرية»، ويعد أول مصابيح البرية ومؤسس الرهبنة التي هي فلسفة المسيحية الروحية. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 55729 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() نشأة مار أنطونيوس: ولد أنطونيوس في بلدة «قِمَن» (وهي كوم العروس اليوم) في صعيد مصر، حوالي سنة 251م من أسرة مسيحية تقية وتربى في كنف والدين فاضلين أحبهما كثيراً وأطاع أوامرهما، وكان يرافقهما بالذهاب إلى الكنيسة لعبادة اللّـه بالروح والحق. لم يكن للفتى أنطونيوس رغبة في تحصيل العلوم الدنيوية، فنشأ أمياً أو شبه أمي، ولكنه كان يتلذذ بسماع كلمات الإنجيل المقدس، ويحفظ عن ظهر قلبه حوادثه، وآياته الكريمة. ولما أكمل العشرين من عمره نال سر العماد المقدس. وبعيد ذلك بمدة قصيرة انتقل والداه إلى الخدور العلوية تاركين له مالاً دثراً، وأختاً وحيدة أصغر منه ألقيت على عاتقه مسؤولية العناية بها. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 55730 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() اعتزاله العالم: تألم أنطونيوس جداً على وفاة والده، ووقف يتأمله وهو جثة هامدة باردة ويقول: أليست هذه الجثة كاملة ولم يتغير منها شيء البتة سوى توقف هذا النفس الضعيف!؟.. وخاطب أنطونيوس أباه الميت قائلاً: «أين هي عزيمتك، وأمرك، وسطوتك العظيمة، وهمتك العالية بجمع المال الكثير!؟ إنني أرى أن ذلك قد بطل، وقد تركت كل شيء ورحلت.. فيا لهذه الخسارة الفادحة، والحسرة الجسيمة! فإن كنت أنت يا أبتاه قد تركت هذا العالم مجبراً، أما أنا فسأعتزله طائعاً، كيلا يخرجوني منه مثلك يا أبي كارهاً»[6]. بدأ أنطونيوس الشاب التقي يكثر من التأمل بحقارة هذا العالم وبأمجاد السماء. وحدث مرة بينما كان يصلي في الكنيسة، والكاهن يتلو الإنجيل المقدس، جذب انتباهه قول الرب للشاب الغني: «إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء وتعال اتبعني» (مت19: 21). واعتبر أنطونيوس كلام الرب يسوع موجهاً إليه. وأن الرب بهذا الكلام يدعوه ليترك كل شيء ويتبعه كما فعل الرسل الأطهار (مت19: 27ـ 29) فللحال خرج أنطونيوس من الكنيسة، وعاد إلى بيته مصمماً على أن ينفذ الوصية بحذافيرها، فوزع على الفقراء ما ورثه من والديه من مال وعقار، ومن جملة ذلك ثلاثمائة فدان من الأراضي الممتازة، واحتفظ لأخته بيسير من المال فقط. وقد ازداد إيماناً واندفاعاً عندما سمع الرب يقول أيضاً في الإنجيل المقدس: «فلا تهتموا قائلين: ماذا نأكل، وماذا نشرب، وماذا نلبس؟ فإن هذه كلها تطلبها الأمم، لأن أباكم السماوي يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها، لكن أطلبوا أولاً ملكوت اللّـه وبره، وهذه كلها تزاد لكم، فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه، يكفي اليوم شره» (مت6: 31ـ 34). لما سمع الشاب أنطونيوس هذا الكلام وزع البقية الباقية من الإرث على المحتاجين، وأودع أخته بيتاً لبعض العذارى التقيات، واعتزل العالم، وانفرد متنسكاً في مكان قريب لبلدته، إذ لم يكن نظام الرهبنة قد ظهر بعد[7] وبدأ يسترشد ببعض المتوحدين، فقد كان في القرية المجاورة واحد منهم طاعن في السن وقد اعتزل الناس منذ نعومة أظفاره ـ والعزلة عبادة ـ فكان يتعبّد مكثراً من الصوم والصلاة، فقصده أنطونيوس وسمع منه عن حياة الزهد، والنسك، والتوحد، واقتدى بسيرته الفاضلة، كما قصد أنطونيوس غيره من المتوحدين الذين سبقوه في طريقة النسك هذه، وأخذ عنهم ذلك وأفاد من خبرتهم لبلوغ الكمال المسيحي، وشابه بذلك النحلة التي تنتقل من زهرة إلى أخرى ترتشف الرحيق لتعطي الشهد الفاخر. وخرج أنطونيوس بعدئذ هائماً على وجهه في البرية حتى وصل إلى شاطئ النهر فسكن إلى جانب جميزة، وصادف أن شاهد مرة نسوة يستحممن في النهر أمامه، فلامهن قائلاً: أما تخجلن مني وأنا رجل متوحد أعبد اللّـه في هذا المكان!؟ فأجابته إحداهن: على المتعبدين المتوحدين أن يعبدوا اللّـه في البرية الداخلية لا على ضفاف الأنهار، فاعتبر أنطونيوس هذا الكلام رسالة له من اللـه، فترك المكان حالاً وسكن في البرية الداخلية حيث أقام له صومعة قرب وادي العربة. |
||||