25 - 08 - 2014, 02:57 PM | رقم المشاركة : ( 5461 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الكتاب المقدس في فكر آباءنا القديسين أنطونيوس وأثناسيوس[1] د. وهيب قزمان هل كان الكتاب المقدس أداة في يد القديس أثناسيوس، كأي أداة يستلهمها الأديب أو الفنان في عمله؟ أم أنه يا ترى كان يتغلغل في كل نسيج كتاباته وآليات فكره؟ فيمكن أن نلاحظ أن الكتاب كان يتأصل في فكره وقلبه، قبل أن يتحول إلى وسيلة دفاعية في كتاباته. كان القديس أثناسيوس الرسولي يعيش الكتاب فكرًا وقلبًا حقًا، وحين أقتضت الضرورة أن يصيغ فكره اللاهوتي والكتابي، كان الكتاب سباقًا في تشكيل وتحديد معالم فكره، وصبغ التعليم اللاهوتي والأخلاقي لديه[2]. كيف استخدم أثناسيوس الكتاب المقدس؟ لا يمثل القديس أثناسيوس النخبة الفكرية فقط، بل و"الأغلبية الصامتة" لمسيحيي الأسكندرية، الذين وضعوا رجاءهم في خلاص المسيح، دون أن يشغلوا بالهم بأي شيء آخر. أي أن القديس أثناسيوس كرّس اهتمامه كلاهوتي في الشأن الكنسي والرعوي، أكثر منه في الجانب الجدلي والنظري. رغم أن القرن الرابع إشتهر بصراعاته الفكرية واللاهوتية الحادة أحيانًا، والسياسية أحيانًا أخرى. لكن القارئ المدقق لنصوص القديس أثناسيوس أو غيره من كُتاَّب تلك الفترة يجد تركيزًا من جانبهم على "إلتماس وجه الله"، وإن تباينت الأسباب. ورغم تبوأهم لمراكز السلطة الكنسية، سواء كانوا أساقفة أم من المقربين للقصر إلا أنهم وفي مجال الدولة والسياسة كان شغلهم الشاغل أيضًا، هو التماس وجه الله. وذلك ما توضحه أحدث الدراسات في تفكيرهم الكتابي[3]. كان الجدل حول الله، وبصفة خاصة حول علاقة يسوع المسيح، الكلمة المتجسد بالله الآب. هذا الجدل كان جزءًا لا يتجزأ من سعي الآباء إلى القداسة. والذي شمل العبادة الروحية والأخلاقيات المسيحية، والتعليم الصحيح. بل إن المساهمة المتميزة للقديس أثناسيوس في هذا المجال، كانت في تحديده لما يُسمى "بغاية الكتاب المقدس" وهدفه، بشكل ساعد على توضيح تلك العلاقة بين الكلمة المتجسد والله الآب. وتكشف الدراسة أن هذه الغاية قد عبر عنها القديس أثناسيوس بأشكال مختلفة، ليس فقط في كتاباته الرعائية، بل وفي باقي كتاباته الدفاعية والعقيدية والتاريخية أيضًا. وجميعها توضح إهتمامه الأساسي بتجسد الله الكلمة لأجل خلاص البشرية. إن نقطة البدء التي تفيدنا في مناقشة التراث الآبائي الحديث، إنما تتمثل في مقالة نشرها عام 1959 T.E. Pollar[4] ، وفي ذلك الوقت جرت العادة على تصنيف الكُتّاب المسيحيين الأوائل "الرمزيين"، ويقصد بهم الآباء الإسكندريين، و "الحَرفيين" ويقصد بهم الآباء الإنطاكيين. وينصف "بولار" كلاً من القديس أثناسيوس ومعارضيه الآريوسيين على أنهم حَرفْيون، في مقارنة مع المنهج الرمزي في تفسير الكتاب المقدس. وقد كان الآريوسيون "حرفيين متطرفين"، بينما يُقال عن القديس أثناسيوس، إنه أظهر في تفسيره تأثره بمدرسة الإسكندرية ذات التقليد الرمزي. مبادئ التفسير الكتابي: لقد إتبع القديس أثناسيوس، وبشكل محدد وواضح، المبادئ التفسيرية التالية: 1ـ أساسية الكتاب المقدس. 2ـ الغاية من الكتاب. 3ـ عادة (έθος ) الكتاب. 4ـ مفهوم (διανοια) الكتاب. 5ـ أسلوب الكتاب. 6ـ المضمون Context، أو سياق المعنى في الكتاب. ويوجز "بولار" قائلاً إنه "بطرح هذه المبادئ في التفسير، وباستخدامها بعناية في نقده للتفسير "الإنتقائي عند الآريوسيين"، كان القديس أثناسيوس قادرًا على توضيح أن الفكر اللاهوتي عند هؤلاء الآريوسيين لم يكن كتابيًا. ويدعو "بولار" هذه المجموعة من المبادئ، طريقة القديس أثناسيوس في التفسير، ويرى في "غاية" الكتاب المقدس مبدءًا مهمًا في علم التأويل عند القديس اثناسيوس، وإن لم تكن عنصرًا حاكمًا في منهجه التفسيري. وبالنسبة لمبدأ أساسية الكتاب المقدس، فإن القديس أثناسيوس يرى أسبقية التعليم الكتابي على المنطق الجدلي، مؤكدًا أن الكتاب المقدس يوفر له دعمًا قويًا في طرحه لأسس العقيدة. ويجد الباحث عند قديسنا ما يؤكد سلطان الكتاب المقدس والتقليد كمصادر للتعليم والعقيدة، ويرى فيها إستجابة من جانب القديس أثناسيوس لجدل ما، كان قد نشأ فيما بعد. أما الكلمتان "معنى" و "عادة" الكتاب المقدس، فهما ليستا باللفظتين المترادفتين بالضرورة عنده، أما كلمة "الأسلوب" فربما كانت أقرب إلى كلمة "العادة". وأما المبدأ التفسيري الخاص بالمضمون أو السياق، فهي طريقة مبسطة للإشارة إلى العديد من العناصر المرتبطة، والتي تمثل في الحقيقة المبدأ الصريح الوحيد عند القديس أثناسيوس، في منهجه الخاص في التفسير. لكن مقالة "بولار" وإن كانت لا تطرح علينا تلك المبادئ التفسيرية الواضحة المعالم، إلا أنها رغم ذلك تشير إلى أسئلة ونصوص مهمة، وعناصر محتملة لمنهج تفسيري محدد للقديس أثناسيوس. ومن الأعمال المتميزة الكبيرة الأهمية رسالة الدكتوراه حول تفسير القديس أثناسيوس للكتاب المقدس، الصادرة عام 1968 للباحث سيبن H.Sieben حول إستخدام أثناسيوس للمزامير[5]، وقد يتعجب المرء لعدم الإهتمام الكافي بهذه الرسالة، والتي تضم خمسة أجزاء. الثالث منها فقط والمعنون بالألمانية "المزامير النبوية"، هو الذي يعتمد بشكل كامل على التفسير. وذلك لأن هذه الرسالة لم تنشر، فكان من الصعب الوصول إليها ويعلن الباحث أن الإشكالية الكبرى التي تواجه الدراسات القديمة التي تناقش رأى القديس أثناسيوس حول الكتاب المقدس، كانت تتمثل إما في أن الباحثين كانوا يهتمون فقط بكتاباته العقيدية أو أنهم كانوا يكتفون بوصف تفسيره بأنه رمزي أو حَرفْي، أسكندري أو أنطاكي. ويشير الباحث إلى أن الحاجة ماسة إلى معرفة المجالات المختلفة التي كان القديس أثناسيوس يكتب عنها حول الكتاب المقدس، فيما يخص العلاقة العضوية بينها. فهل هي ببساطة: مجرد تصنيفها عقيدية أم دفاعية أو تفسيرية أو وعظية، وهو ما يراه سيبن بحسب وجهة نظره إجراءً غير شافٍ أو مقنع في الدراسة، ولأن الكتابات العقيدية قد تجعل الاستخدام النماذجي (المثالي) Typology في العهد القديم يبدو ثانويًا في كتابات أخرى. ويقول إنه من الأفضل أن نركز ليس على الكتابات التي تصادف أنها كانت متواترة، بل على شخص القديس أثناسيوس التاريخي، لأن الكتابات العقيدية كانت إستجابات أو ردود أفعال، أثناء الجدل الآريوسي. فهي حتى إن شغلت مكانًا متميزًا في الأدب الآبائي المعروف لقديسنا، إلا إنها لم تستغرق إلا وقتًا قليلاً من حياته كأسقف. الكتاب المقدس في حياة القديس انطونيوس: وحينما أراد الباحث "سيبن" أن يختار تفسير المزامير للقديس أثناسيوس كنموذج من أسفار الكتاب المقدس، لكي يتبع خطى كتاباته، وكانت غايته في دراسته أن يبرز هذا الدور الذي يلعبه الكتاب المقدس، ليس كثيرًا في فكر أثناسيوس اللاهوتي، مثلما هو الحال في حياته وعالمه الروحي والرعوي، ولكنه فضَّل أن يبدأ باستخدام الكتاب المقدس في كتاب "حياة القديس أنطونيوس" (الجزء الأول من رسالة الدكتوراه)، ثم ينتقل إلى "الرسالة إلى مارسلينوس" حول تفسير المزامير (الجزء الثاني)، وتفسير المزامير (الجزء الثالث)، والكتابات العقائدية (الجزء الرابع)، وأخيرًا {الرسائل الفصحية} (الجزء الخامس). يقول "سيبن" إن القديس أثناسيوس قد اشتهر بأنه بطل العقيدة، وكان إستخدامه للكتاب المقدس، والذي أنتقل إلينا في أعماله، ذا طبيعة عقيدية بالأساس. ولكن علينا أن نميز بين استخدامه للكتاب المقدس في المجادلات العقائدية، والذي فُرض على القديس أثناسيوس لظروف تاريخية معينة، وذلك الإنخراط التلقائي لفهم ودراسة الكتاب المقدس، الذي نما بدافع من تقواه الشخصية، وآرائه في العالم المحيط به. أما اختيار الباحث لكتاب "حياة أنطونيوس"، كنقطة البدء في دراسته، فقد تأسس على إفتراض أن هذا العمل، الذي يرسم ملامح حياة القديس أنطونيوس بوجه عام، وعلاقته بالكتاب المقدس بوجه خاص، يعكس وبمنتهى الدقة المواقف والمبادئ الشخصية للقديس أثناسيوس نفسه، بالنسبة للكتاب المقدس. صحيح أن حياة القديس أنطونيوس، وإن كانت لا تحتوي على إشارات صريحة لطبيعة وتفسير الكتاب المقدس، لكن يمكن لنا أن نلمح في هذه الحياة منهج القديس أثناسيوس في الاقتراب من الكتاب، والنابع من الأنثروبولوجيا اللاهوتية عنده، أي سيرة حياة إنسان بصورتها الإلهية، متمثلة بشكل نموذجي في حياة أشهر الرهبان في العالم[6]. وفي حياة القديس أنطونيوس نرى القديس أثناسيوس راعيًا بالأساس، أكثر منه لاهوتيًا. ويبدأ الباحث تورانس في مناقشة ملاحظة هرناك: أن القديس أثناسيوس يهتم بالتعليم الإسكندري عن اللوغوس، خاصة ذلك التعليم الفلسفي التقليدي، فبدلاً من أن يفسر علاقة الإبن من خلال مفهوم اللوغوس، كان يرى المسيح الكلمة وبشكل أساسي في ضوء مفاهيم لغة الكتاب المقدس، التي تركز على علاقة الآب بالابن، فالابن هو الابن الوحيد للآب، وواحد معه في الجوهر (Homo ousios). إن علاقة الآب بالابن بحسب المفهوم الكتابي، وقد أصبحت بدورها المبدأ الذي يجب أن نفسر على ضوئه الكتاب المقدس. ويرفض ق. أثناسيوس أيضًا ذلك التمييز الأفلاطوني بين عالم الإدراك الحسي، وعالم المعرفة، والذي أتخذه العلامة أوريجينوس أساسًا لتفسيره الرمزي. أما القديس أثناسيوس فقد أبقى على التفسير النماذجي، ولكن هذا وبحسب رأي تورانس كان التفسير المقابل للتفسير "الرمزي". لأن كلاً من المِثال وضده إنما هي أعمال الله في التاريخ[7]. التفسير الصحيح للكتاب المقدس: إن التفسير الصحيح للكتاب المقدس ممكن فقط حين يُميز المفسر تلك العلاقة بين كلمات الكتاب المقدس، والكلمة اللوغوس الناطق فيها. هكذا نرى في تجسد الله الكلمة، والذي ندركه كعمل الله الخلاصي، المفتاح لكل هذه المعضلات، من ثم فإن التفسير يكون صحيحًا ودقيقًا حين يتبع ما يلي: 1ـ يحافظ على غاية الإعلان الإلهي في الكتاب المقدس. 2ـ يحترم الطبيعة التدبيرية (economical) لأعمال الله وكلماته. 3ـ يحافظ على العلاقة بين معاني كلمات الكتاب المقدس وعباراته، حتى تفي بالغرض من تفسيرها. 4ـ فحص العبارات والتدليل عليها، وفقًا لقاعدة الإيمان، التي تنشأ عن فهم الكنيسة للكرازة (The Kerygma)، كما إنتقلت إلينا، بواسطة الكتابات الرسولية[8]. وهنا الاستنتاج، يأخذ في الإعتبار غاية الكتاب المقدس، ثم الطبيعة التدبيرية (إيكونوميا) للعبارات الكتابية، وأخيرًا طريقة تفسير الكتاب المقدس. إن مناقشة غاية الكتاب تعتمد بشكل أساسي على النصوص وثيقة الصلة في "المقالة الثالثة ضد الآريوسيين"، لكنها تتوفر أيضًا عبر كل كتابات ق. أثناسيوس وعند الإنتقال من غاية الكتاب إلى "غاية الإيمان" أو العقيدة، فإن الباحث يؤكد أن الغاية الموضوعية من الكتاب المقدس هي المسيح نفسه. الأمثلة الكتابية: ويكمل تورانس تعليقه هذا بقوله: "إن الكرازة الرسولية لا يمكن اختزالها في كلمات، بل يجب النظر إليها على أنها قبول شخص المسيح نفسه بالإيمان، من ثم فإن تفسير الكتب المقدسة، بحسب التسليم يعني فهمها في سياق حياة الإيمان الذي تعيشه جماعة المؤمنين[9]. ولأن الكتاب يتحدث عن الله، الذي لا يمكن فهمه على نفس مستوى فهمنا للبشر، فإن لغته هي بالضرورة لغة رمزية، ومن ثم يستخدم الكتاب ما يعرف بالأمثلة Παραδείγματα، ويقول الباحث إن القديس أثناسيوس يستخدم الكلمة ببساطة، ولا يتبع في إستخدامها لا تقنية البناء اللفظي، ولا الميتافزيقا الأفلاطونية. إن الإشارة إلى ملمح ما من ملامح العالم المادي المنظور، وإتخاذه كوسيلة. أي أن الكتاب المقدس لا يُفسر بالأسلوب البياني ولا بالفلسفة، بل بأعمال الله التدبيرية، التي يوضحها بالنماذج والأمثلة في تاريخ الخلاص البشري للإشارة إلى شيء سماوي، لا يمكن اختزاله في كلمات، أو إلى واقع إلهي غير مدرك، إذًا ما أردنا أن نعكس مجد الله الذي نعجز تمامًا عن معاينته. هكذا فإن العلاقة بين الشمس والشعاع، والنبع والنهر والجوهر والتعبير هي مجرد مؤشرات، ولكنها ذات قيمة لأنها ليست إختراعات بشرية، بل إنها معطاة لنا بالإستعلان، ومتأصلة في أعمال الله الحقيقية. ومع ذلك فهي لا تزال مجرد أمثلة، لا ينبغي أن نركز عليها كثيرًا. فهي "مجرد أمثلة أو نماذج، يمكن بواسطتها أن نصور بعض الملامح". وفي الحقيقة وعند نقطة معينة لابد أن نتجاوزها إلى الإدراك غير التخيلي للمفاهيم الأصلية التي تمثلها، ولكنها تُشكل فعلاً الأساس للمحاكاة البشرية لله (الغير المرئي والغير الموصوف). لكن التوازي بين الله والبشر، حيث تقوم الأمثلة الكتابية بتوضيح معالم الطريق للبشر، ليتبعوها، إنما هو وبالكامل نتاج التدبير الإلهي للنعمة (الإيكونوميا). أي تدبير الخلاص كله بوجه عام، والتجسد بوجه خاص[10]. إن حقيقة التجسد الإلهي، وخاصة ذلك الإتحاد الذي لا ينفصم بين الطبيعة البشرية للإبن (الناسوت)، واللاهوت، إنما هي ضمان لكي ندرك أن التصوير الكتابي ليس خياليًا، بل هو مؤشر أمين وصادق لواقع إلهي. ويعتقد "تورانس" أن "التفسير المنهجي Tpottological للإنجيل" في فترة ما قبل ق. أثناسيوس في التقليد الأسكندري قد أخفق في التقدير الكافي لحقيقة هذا الإتحاد الذي لا ينفصل. |
||||
25 - 08 - 2014, 02:59 PM | رقم المشاركة : ( 5462 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الخطيئة الجديّة وإعادة ولادتنا القديس سمعان اللاهوتي الحديث تعريب الأب أنطوان ملكي سقط آدم بعيداً عن الحق لأنّه وثق بالشيطان الذي كذب عليه، فتذوّق شجرة المعرفة، وهكذا كإنسانٍ صدّق كاذباً. بعد هذا، جاهدت الطبيعة البشرية كثيراً في طلب الحقيقة لكنّها لم تجدها. هذا تأكَّد بوضوح مع كل حكماء اليونان الذين لم يتمكنوا بأي شكل من الأشكال أن يتوافقوا حول تنوّع الحكمة البشرية أو يتحَدّوا هذا التنوّع أو يوجّهوه على الطريق الصحيح، بالرغم من أن الكثيرين استعملوا وسائل لهذا الهدف وكتبوا كمّاً من الأعمال الطويلة التي فيها يتفحّصون البر والرذيلة من كل وجهات النظر. إن الحق هو من الله وهو مشتَمَل في كلمة الله ويُبلَغ إليه بنعمة المسيح. النعمة التي بيسوع المسيح، في قدرتها التي لا تُوصَف، بسّطَت النظرات المتعددة المعقّدة، صححتها ووحدتها في وحدة ملموسة غير مهتزّة، مظهرةً بهذا أنّ كلّ السبل الأخرى والمقاربات عاجزة وغير عملية وبلا جدوى. إن الذين تقودهم هذه السبل يرتكزون على تحقيقات لكي يجدوا الحقيقة ولكنهم لا ينجحون في إيجادها: فهي بعدل مختفية عنهم. إذ بما أنّ الإنسان، من ذاته وبدون أي قسوة، قَبِل الكذبة وصدّقها، فقد أدين بالبحث عن الحقيقة وعدم إيجادها، بالسعي وراءها وعدم بلوغها. وإلى هذا، بما أن الحقيقة احتجبت عنّا لأننا صدّقنا الكذب، بالطريقة نفسها تظهر الحقيقة مجدداً لنا عندما نؤمن بالحقيقة. آدم صدّق كذبة كانت مختبئة وغير واضحة، لكننا نؤمن بسرّ عظيم وجليّ: الله المتجسّد. لقد حملت تلك الكذبة في ذاتها عدم قابلية التصديق لأنّها كانت بشكل مباشَر ضد تطبيق وصية الله، بينما حَمَل سر تجسّد المسيح الشهادة على صحّته من اسم الله. تلك الكذبة، ما أن صدّق آدم أنها الحقيقة، حتى انكشفت فوراً ككذبة لأنّ الذي صدّقها طُرِح بها في الفساد والموت، بينما هذا السر عندما يؤامَن به يستَعلِن حقيقة لأنَه يحرّر المؤمن به من الفساد والموت إذ تُطرَح منه قوة الخطيئة بعيداً وتُعطى له حالة النعمة أو البِر. وهكذا، فإن الحقيقة والكذبة تتضحان من نتيجتهما. إذا أردتم أن تعرفوا نوع الخطيئة التي ارتكبها الشيطان، وطبيعة خطيئة آدم، فلن تجدوا إلاّ الكبرياء فقط. فالشيطان وآدم تكبّرا بسبب المجد العظيم الذي أُعطياه بسخاء. لقد تكبّرا لأنهما أُلبِسا المجد من دون أن يعرفا التواضع ولا الخزي، فهما لم يريا التواضع ولم يعرفا مقدار ضعة المرء وخزيه عندما يُطرَح من علو المجد. وبالتالي، فقد تكبرا إذ لم يكن فيهما الخوف من حدوث هذا. فقط فكِّروا، كم هو عظيم اتضاع السيد يسوع، وهو الإله، عندما واضع نفسه حتى إلى الموت الطوعي ومات على الصليب الذي كان عقاب أسوأ البشر. وهكذا، لقد كان هناك خطيئة واحدة، الكبرياء، وفضيلة واحدة، التواضع العظيم. فمَن مِنّا، بعد أن وجدنا أنفسنا في هذا الصِغَر والفقر، سوف يتكبّر، إلا إذا كان عادم الإحساس وأحمق؟ لا يملك أيُ واحد في هذه الحياة القوة الإلهية لكي يظهِر مجداً لامعاً، ولا يوجد أي إنسان يرتدي المجد قبل التواضع والخزي. لكن كلّ إنسان يُولَد في هذا العالم بلا مجد وبلا قيمة، وفقط فيما بعد يتقدّم، قليلاً قليلاً، ويصبح ممجَداً. إذاً، ألا يكون الإنسان عادم الحسّ وأحمقاً إذا تكبّر بعد اختباره المسبَق لهذا الخزي والتفاهة؟ أليس القول بأنّه لا يوجد أحد بلا خطيئة إلا الله، حتى ولو عاش على الأرض يوماً واحداً، إشارة شخصية إلى الذين يخطئون، إذ كيف لابن يوم واحد أن يخطأ؟ لكن في هذا القول تعبير عن إيماننا بأن الطبيعة البشرية خاطئة منذ ولادتها. لم يخلق الله الإنسان خاطئاً بل نقياً ومقدساً. لكن بما أن أول المخلوقات آدم خسر لباس القداسة هذا، ليس بسبب أي خطيئة إلا الكبرياء وحدها، وصار فاسداً وقابلاً للموت، كل البشر الذين أتوا من نسل آدم مشاركون في الخطيئة الجدية منذ الحمل بهم وولادتهم. إن الذي وُلد على هذا المنوال، حتى ولو لم يرتكب أيّ خطيئة، هو خاطئ بهذه الخطية الجدية. لهذا السبب صار هناك ولادة أخرى، أو ولادة جديدة، تجدد الإنسان بالمعمودية المقدسة بالروح القدس، وتوحّده مجدداً بالطبيعة الإلهية كما كان يوم خلقه بيدي الله، وتعيد كل قوى نفسه، وتجددها وتأتي بها إلى الحالة التي كانت عليها قبل عصيان آدم أول الخلائق؛ بهذه الطريقة تقوده إلى ملكوت الله، حيث لا يدخل أي إنسان بلا معمودية، وتنيره بنورها وتمنحه تذوّق أفراحها. وهكذا فإن كل معتمد يصبح مثل آدم قبل العصيان ويُقاد إلى داخل الفردوس العقلي ويتلقّى الوصية كي يعمل بها ويحفظها: يعمل بها بإتمامه وصايا يسوع المسيح الذي أعاد خلقه، ويحفظها بحفاظه على نعمة الروح القدس التي أُعطيَت له بالمعمودية المقدسة والاعتراف بأن قوة هذه النعمة الساكنة فيه تنجز معه وصايا المسيح. في هذا يكمن الحفاظ على الوصية. وكما أنه يستحيل أن يقف بيت بلا أساس، كذلك أيضاً يستحيل على النفس التي تؤمن بالمسيح أن تظهر الحياة التي ترضي الله إذا لم يكن أساسها نعمة الروح القدس. فالصوم والسهرانيات والنوم على الأرض والسجدات والتضرّع وكل أنواع العذابات التي يسببها الشرير ليست شيئاً من دون النعمة الإلهية. وإذا سمعتم بأن أحداً ما، بعد أعمال مسيحية جليّة، سقط بعيداً عن المسيح، فاعلموا أن نعمة الله لم تكن معه في ذلك الحين. فالروح القدس يعطي الحياة للنفس، كما تعطي النفسُ الحياةَ للجسد، وتصبح النفس قوية راسخة وثابتة. عظيم هو هذا السر. فليكن الإنسان وقوراً أمامه، ولينتبه له ويحفظه. بهذه النعمة من الروح القدس تتم في القلب ذبيحة التسبيح ويصبح القلب طاهراً منسحقاً متواضعاً وعارفاً بأن لا شيء مما عنده يتعالى من دون الكبرياء. إن تواضع القلب المنسحق الذي يقلل من شأن نفسه، هذا التواضع الحقيقي الذي ليس للتباهي ولا هو من المجد الباطل، هو بالضبط ذبيحة التسبيح المقدمة إلى الله. ليس كل الخطأة غير طاهرين أمام الله بل بالأحرى كلّ المتعالين والمتكبرين، لأنه ليس هناك مَن هو بلا خطيئة. أما متواضع القلب فهو بار وهو يتصرّف ببر، لأنه ممتلئ من نعمة الروح القدس التي تعلّمه على كل خير وتقويه فيه. هذه النعمة تعطيه ذلك الشيء الذي بدونه ?لن يرى أحد الرب? (عبرانيين 14:12). لهذا السبب قيل: ?فليخزَ الشرير، حتى لا يرى مجد الرب? (أشعياء 10:26). ومَن هو الشرير؟ إنّه المتعالي الذي فيه تتساوى درجة قلة التقوى بدرجة كبريائه، وعلى عكس ما تتساوى درجة التقوى بدرجة التواضع في متواضع القلب. لكن مَن هو متواضع القلب؟ ليس الحكيم، ولا صاحب المعرفة الواسعة، ولا الباحث، ولا الفنان، ولا العامل، بل هو مَن حاز على نعمة الروح القدس التي، إذ تطهر الروح من كل خطيئة وتعلّمها أن تحيا بالبِر وإرضاء الله، تعطي للنفس الحكمة الصحيحة والمعرفة والقدرة على التصرف. لهذا صار ابن الله إنساناً ومات، مقدّماً ذاته فداءً لكل البشر. ومع ذلك، فإن موته كان ضحية لا غنى عنها من أجل الأبرار الذين ماتوا قبل مجيئه بالجسد. إذ أن أحداً، بعد عصيان آدم، من بين الأبرار، لم يكن ليخلص لأن كل البشر كانوا خاضعين لخطيئة سلفهم آدم وللفساد والموت، فيما كان السيف الملتهب يمنع أياً كان من دخول الفردوس الذي طرد منه آدم، لأن تلك المنازل في الفردوس ما كانت لتستقبل أحداً غير النفوس غير المدنّسة والطاهرة من كل خطيئة على ما يقول الرسول: ?لا يرث الفساد عدم الفساد? (1كورنثوس 50:15). وهكذا، كان ضرورياً أن يُقدّم ابن الله غير الفاسد، عن طريق جسده القابل الفساد، كذبيحة ليعتِق هؤلاء الأبرار من الفساد. هم كانوا عاجزين عن التوصل بأنفسهم إلى عدم الفساد الذي سقط آدم منه، بل هذا كان عمل حكمة المسيح الذي تمّ بالرأي الصحيح والبِر. وللذين وُلِدوا بعد ميلاد المسيح، أعطى أيضاً تضحية وغذاءً من خلال تناولهم الأسرار الفائقة الطهارة، التي بها يجدد الإنسان ويعيد ولادته من خلال الاتحاد الذي يدخل فيه مع الذين يتناولون، وبقوة الألوهة غير الموصوفة يضمّهم جوهرياً إلى نفسه، أي أنه يجعلهم آلهة بالنعمة، تماماً كما النار بتغلغلها تجعل الأجسام الصلبة التي تتلقاها ناراً فتخترقها، كما هو حال الحديد والبرونز وما شابهها من الأشياء التي تصير ناراً. ومع ذلك، إنه لا يغيّر طبيعتها بل ما يسببه فقط هو أن هذه الأجساد تكون ناراً طالما هي في هذه الوحدة مع النار. وهذا ما اشتهاه الأنبياء والملوك والأبرار الذين كانوا قبل المسيح، لأنهم رأوا مسبقاً أولئك الذين سوف يكونون جسداً من جسد المسيح وعظماً ومن عظامه، فيما رأوا أنفسهم محرومين من هذه الأمور الحسنة العظيمة. أمّا للذين تعلّموا سرّ المسيحية العظيم وفهموه وآمنوا به ومن ثم سقطوا لكونهم أناساً يحملون الجسد، فلاستعادة ما فُقِد لا يوجد أي وسيلة غير التوبة عن كل خطاياهم. عليهم أن يسرِعوا إلى الطبيب الروحي، وبعد أن يعترفوا بخطيئتهم ويكشفوا جرحهم أمامه، ولكي يشفوا عليهم، بطاعة ورغبة، أن يقبلوا ما يعطيهم أبوهم الروحي من الفروض التي تتوافق مع القوانين، لأنّ هذه الفروض تفك رباطات الخطيئة وتنفع الجراح كعلاج مناسب للنفس. إنه أساسي، أقول، أن يحمل الذين يخطئون بعد المعمودية فروضاً، لأنهم قد سبق واستناروا وتذوّقوا العطية الإلهية (عبرانيين 4:6)، أي أنهم عرفوا قوة المسيح بالخبرة، وبالتالي عليهم أن يقفوا بشجاعة في وجه التجارب ولا يخطئوا، على ما يقول الرسول: ?الخطيئة لن تسودكم لأنكم لستم تحت الناموس بل تحت النعمة ? (روما 14:6). لو أنهم لم يزدروا بنعمة الله التي سبقت لهم معرفتها لما كانوا سمحوا لأنفسهم أن يخطئوا. لقد جعلوا أنفسهم مذنبين نحو دم المسيح بعد أن طهّروا ضميرهم من الأعمال الميتة لكي يخدموا الإله الحي الحقيقي. إذاً، إنهم بحاجة إلى تطهير ثانٍ بالتوبة المصحوبة بالأعمال والعَرَق، بالتأوهات والدموع، حتى أن كلاً منهم يستطيع أن يقول للرب: ?أُنظُرْ إلى عنائي وتَعبي، واَغْفِرْ جميعَ خطايايَ? (مزمور 18:24). هذا ضروري ليس لأن الله يحتاج هذه الأعمال والعرق من التائب بل لأن التائب، وقد حصل على نعمة الله بدون تعب، لا يزدريها مجدداً كما في السابق فلا يُدان أبدياً بالاحتراق في نار الجحيم التي لا تُطفأ. لكن هناك مَن لا يعرفون سر المسيحية وهم مدعوون ?مسيحيين? لمجرد أنهم تعمّدوا، وهم القسم الأكبر من المعمّدين. لكن أحداً لم يعلمهم التعليم المسيحي فبقوا جاهلين بالكلية، وأقول، بقوا بغير استنارة، أقصد الاستنارة بالمعمودية وليس الاستنارة بالمعرفة، لأنهم لا يعرفون ولا يفهمون بالحقيقة ما هو سر المسيحية، فعندما يعترفون نادمين بما ارتكبوا من الخطايا بعد المعمودية، فينبغي عدم ربط نفوسهم كثيراً ولا تحميلهم فروضاً صعبة، فهذا لن ينفعهم لأنّهم، كونهم لم يتعلّموا ولم يستنيروا ولا يملكون معرفة سر المسيح، لا يحسون بهذه الفروض والرباطات كما يناسب. إنهم يؤمنون عن جهل وبالجهل خطئوا وكما أنهم أخطئوا من غير فهم، فلن يستطيعوا أن يفهموا حساسية علاجهم الروحي كما يلائم. أمّا للذين تعلّموا واستناروا ويعرفون سر المسيحية، على قدْر معرفتهم وخطيئتهم، فيُحكَم بحسب نوع معرفتهم للمسيحية وإدراكهم لها وبحسب صرامة الخطيئة التي ارتكبوها، ولهم مطلوبة الرباطات والعلاجات والحروقات وعذاب الشر، أي الأصوام والسهرانيات والنوم على الأرض والركوع وما تبقى. أمّا الذين لم يعرفوا ولم يتعلّموا سر المسيحية فلهم مطلوب في التعليم الآتي إعلان الإيمان والاستنارة، فقط بعد الكفارات القانونية. إذ إنه بلا معنى الربط والحرق، أي أنه بلا معنى فرض الكفارات بحسب القوانين على من يعجز عن الإحساس بها، تماماً كما هو بلا معنى إعطاء العلاج لإنسان ميت. ومع ذلك، يقول بولس الإلهي، أن الذين أخطئوا في الناموس، أي عن معرفة بسر الإيمان والمسيحية، فسوف يدانون بالناموس، أي أنهم سوف يحاكَمون ويعطَون كفارات بحسب كامل صرامة القوانين المقدسة. أمّا الذين أخطئوا من دون الناموس، أي أنهم لا يعرفون كل ما يتعلّق بالإيمان وما هو ضروري للخلاص ولم يتعلّموه، فسوف ?فَبِغيرِ شريعةِ موسى يَهلِكونَ? (روما 12:2) أي أنّهم سوف يهلكون، حتى ولو بدون تطبيق القوانين الإلهية عليهم، إذا لم يتوبوا، وبالرغم من أنهم قد يقدّمون، بلا جدوى، في دفاعهم حقيقة أنّهم لم يعرفوا كيف ينبغي أن يتصرّفوا، لأن الرب قال ?يكرَز ببشارة الملكوت هذه في كل المسكونة شهادة لجميع الأمم? (متى 14:24). إذا أُدينت الشعوب بهذه الطريقة (بسبب الجهل)، فكم بالحري هؤلاء المسيحيون سوف يدانون كونهم في حظيرة كنيسة المسيح، لا يعرفون التعليم الحقيقي عن الورع المسيحي لأنهم لم يهتمّوا في أن يتعلّموا فيه بالطريقة الصحيحة، بسبب قلّة الاهتمام والازدراء بهذا العمل العظيم الذي قام به ابن الله لأجلنا. بالنسبة لهم، الله، كونه إلهاً، صار إنساناً وتحمّل الهزء المفرِط وقبل الموت على الصليب حتى ولو كان صانع شر. إن الإيمان بالمسيح لهو عمل جيد وعظيم، لأنّه بدون الإيمان بالمسيح من المستحيل لأي كان أن يخلص، لكن على المرء أن يُرشَد في كلمة الحق ويفهمها. إنّ التعلّم في كلمة الحق أمر حسن، وفهمها ضروري. لكن على الإنسان أن يتقبَل المعمودية باسم الثالوث الإلهي المعطي الحياة لإحياء النفس. إنه لأمر حسن تقبّل المعمودية ومن خلال المعمودية الحياة الروحية الجديدة لكنه ضروري أن يحسّ الإنسان بشكل واعٍ بهذه الحياة السرية أو هذه الاستنارة العقلية في الروح. لكن على المرء أن يظهِر أعمال النور. إنّه لأمر حسن القيام بأعمال النور لكن على الإنسان أن يلبس تواضع المسيح وطول أناته لكي يكون شبيهاً به بشكل كامل. إن الذي يبلغ إلى هذا يصبح متواضعاً ومتخشعاً في القلب وكأنه بشكل طبيعي صاحب هذه الصفات، سوف يدخل على الأكيد ملكوت السماوات وفرح ربّه. فضلاً عن ذلك، في ما يختصّ بكل الساعين على درب الرب بحسب الترتيب الذي أشرتُ إليه، إذا حدث وقطع الموت سعيهم في وسطه، فسوف لن يُبعَدوا عن أبواب ملكوت الله ولن تُغلَق هذه الأبواب أمامهم، على نحو رحمة الله غير المتناهية. أما الذين لا يركضون بهذه الطريقة، فإن إيمانهم بالسيد المسيح تافه، هذا إذا كان عندهم إيمان. للرب المجد والشرف الآن وإلى الأبد وإلى دهر الداهرين. آمين. |
||||
25 - 08 - 2014, 03:04 PM | رقم المشاركة : ( 5463 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هل القداسة ومعاينة الله بمتناول الجميع؟ الأرشمندريت أفرام كرياكوس في الحقيقة، الموضوع غير سهل. موضوع الكلام على الإتحاد بالله أو القداسة، موضوع سهل وغير سهل في آن واحد. هذا الإنجيل يدعونا كلّنا، نحن المؤمنين أن نكون قدّيسين: "كونوا قدّيسين كما أنّ أباكم السماوي قدوس" (1بطرس 16:1) أو كاملين (متى48:5) وفي مكان آخر، يقال: "ليس قدّوسٌ سواك يا رب". إذاً القداسة هي من الله، ليست من الإنسان لأن القدّيس الوحيد هو الله. لذلك لا يستطع أحد من البشر أن يطمح أن يلبس القداسة وحده بدون الله: هذه نقطة رئيسية في الموضوع كله. لا بدّ أولاً أن نذّكر ببعض الحقائق الكنسية المستقاة من خبرة القدّيسين ونحن على درب القداسة. القداسة هي من الروح القدس. القداسة هي من صنع الروح القدس، أو إن شئتم هي من عمل النعمة، نعمة الروح القدس. هذه النعمة الإلهية موجودة فينا موجودة منذ المعمودية. هذا يعني أن لدينا إمكانية التقديس، إمكانية الإتحاد بالله ومشاركة الحياة الإلهية (2بطرس 4:1)، عن طريق الأسرار الكنسية المقدّسة، خصوصاً المعمودية والميرون والمناولة. يقول القديس نيقولا كباسيلاس: "الأسرار المقدسة قنوات تنقل إلينا النعمة الإلهية". هذا أمر مهم لنا كلنا في حياتنا في الكنيسة. كيف يمكن لمَن لا يواظب على الكنيسة وعلى الأسرار الإلهية أن يكتسب النعمة الإلهية إذ "بالنعمة أنتم مخلّصون" (أف5:2و8)؟ هذا الأمر يفسّر الكثير من الانحرافات الحالية في العالم خصوصاً عند المسيحيين الذين ابتعدوا عن الكنيسة وعن أسرارها المقدسة. يريد مني قدس الأب جرمانوس أن أحكي عن سبل توصّل الإنسان المسيحي العادي، لأن يتقدّس أو على الأقل أن يسير على طريق القداسة؟ في الكنيسة الأولى، كما نرى واضحاً في أعمال الرسل، كان المسيحيون يواظبون على حياة الكنيسة. "كانوا يواظبون على الصلاة، وتعليم الرسل، وكسر الخبز، وكان كلّ شيء فيما بينهم مشتركاً" (أعمال42:2 و32:4)، كانوا كلهم ملتزمين، لهذا نفهم القانون الذي يقضي بحرمان المسيحي من عضويته في الكنيسة إذا غاب ثلاث مرات متتالية عن القداس الإلهي. والرسول بولس في رسائله إلى أهل أفسس، كورنثوس، الخ... كان يدعو المؤمنين "قدّيسين" لأنه يعرف أنهم ملتزمون في حياة الكنيسة، ممارسون، أعضاء أحياء لا مجرّد مسيحيون بالاسم. هذا أول شرط للسير في طريق القداسة: الالتزام بالكنيسة، المواظبة على الأسرار الكنسية وخصوصاً القدّاس الإلهي، هذا ما ينقصنا في مجتمعنا الحاضر، خصوصاً عند الجيل الجديد، حتى تفعل نعمة الله فينا ونتقدّس ونقدّس الآخرين. يقول أحد الآباء المعاصرين، الأب بورفيريوس، أن الإنسان الذي يعيش مع الله ويحمل نعمة الله فاعلة فيه، يؤثّر على الآخرين وينقل هذه النعمة إلى الآخرين بمثابة طاقة إلهية تفعل في الآخرين وتقدّسهم. هكذا تفعل الصلاة حتى ولو كان بعيداً مكانياً أو كان ميتاً هذا كله فعل النعمة الإلهية. كيف تفعل هذه النعمة الإلهية والمؤلّهة للإنسان؟ هنا تكمن النقطة الأساسية التي توضح موضوع القداسة ومعاينة الله والإتحاد بالله أو على الأقل السير في هذا الطريق. هذه النقطة يوضحها لنا الآباء والقدّيسون ونحن بدورنا نختبرها ولو بشكل جزئي أو متقطّع. النعمة الإلهية، كما قلنا موجودة في الإنسان منذ المعمودية ونحن في الكنيسة نتدرّب على العيش مع الله من خلال الصلوات والأصوام، من خلال الأسرار وطبعاً تطبيق الوصايا الإنجيلية. هذه هي الخطوة الأولى المطلوبة من الإنسان المسيحي: تطبيق الوصايا والعيش في الكنيسة. النعمة الموجودة في الإنسان هي نعمة كامنة بالقوة كطاقة موجودة بالقوّة. هذه النعمة كما سبقنا وأشرنا سابقاً يكتسبها الإنسان منذ معموديته على اسم الثالوث القدّوس ممّا يعطيه إمكانية الاتصال بالله. نحن المخلوقون لا نستطيع الاتصال بالخالق إلاّ عن طريق هذه النعمة الإلهية غير المخلوقة. "وبنورك نعاين النور": أي عن طريق شيء من الله يبثه فينا. هذه العمليّة، عملية الاتصال بالله أو معاينة الله، تحصل عندما تكون النعمة الإلهية فاعلة في الإنسان أي عندما تتحوّل "الطاقة بالقوّة" إلى "الطاقة بالفعل". عند ذلك يبدأ الإنسان يشعر بحضور الله. هذا الإحساس بحضور الله مرتبط بعمل النعمة الفاعلة في الإنسان. وهو البرهان واليقين لوجود الله. كثيرون من الناس يصلّون دون أن يشعروا بشيء، هذا لأن النعمة لم تبدأ بعد بالعمل في داخلهم. الإيمان عند الإنسان المسيحي مطلوب أولاً وهو بحسب الرسول بولس "الثقة بالأمور المرجوّة وتصديق الأمور غير المنظورة" (عب 11:1). لكننا نحن لا نؤمن فقط بالله بل نودّ أن نعيش الله أن نشعر بوجوده، أن نعاينه. هذا على الرغم مما قيل "طوبى للذين آمنوا ولم يروا". المعاينة هنا ليست مادية بالعيون الحسّية بل بالعيون الروحية. نعود ونطرح السؤال: كيف تصبح النعمة فاعلة فينا لكي نعاين الله ونشعر ونتحسّس حضوره فينا؟ هناك شرط أساسي معروف في اللاهوت الشرقي الأرثوذكسي ألا وهو نقاوة القلب: "طوبى لأنقياء القلوب لأنهم يعاينون الله" (متى 8:5). هنا تكمن مساهمة الإنسان، حريّته، إرادته، هذا ما يشرحه بصورة جليّة القديس ذياذوخس فوتيكيس في كتابه الجميل "في المعرفة الروحية". لا بدّ للإنسان أن يبدأ بالخطوة الأولى حتى تبدأ النعمة الإلهية تفعل فيه. الله لا يعمل في الإنسان دون إرادته. إنه يحترم حريّته. هذه الخطوة الأولى وهي معروفة عند الآباء بمرحلة التطهير من الأهواء. يأتي كلّ التعليم اللاهوتي وراء هذا القول. إذ إن إيماننا أو عقيدتنا تقول أن الإنسان سقط يوماً ما وأصبح قلبُه مظلماً، لذا نرى الكثيرين يقولون إنهم ضائعون ويفتّشون عن الحقيقة. هذا السقوط والظلام الذي يتبعه ناتجان طبعاً عن الخطيئة، ليس فقط خطيئة آدم بل كلّ خطايانا. من هنا نسمع كلام السابق القديس يوحنا المعمدان ومن بعده كلام الرب يسوع في بشارته، إذ يدعوان إلى التوبة بقولهما: "توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات" (متى2:3 و17:4). إذاً الشرط هو التوبة أو التنقية. من هنا نفهم أهمية الصوم، إنه الباب لملكوت السماوات، انه زمن التوبة، زمن التنقية، تنقية أو تطهير الإنسان جسداً ونفساً وروحاً. الصوم ليس هدفاً، إنه وسيلة. حتّى الصلاة وسيلة. الهدف هو المسيح، العيش مع المسيح، مع الله، معاينة الله أو الإتحاد به، هو أن نشعر بحضور الله في حياتنا، في كلّ جوانب حياتنا. الهدف هو القداسة. كيف يمكن أن تكون حياتنا ممتلئة من حضور الله، كيف يمكن لأعمالنا أن تكون كلها تمجيداً لله؟ هذا كله، مرّة أخرى، يتطلّب توبة، تطهيراً للنفس من كلّ غشاوة أو ظلمة، يتطلّب صوماً عن كلّ هوى أو شهوة ضارة، عن كلّ شيء يعيق هذه الطريق السائرة إلى القداسة. إذا كنا فعلاً نريد الوصول إلى الله، علينا أن نُزيل كلّ عائق يمنعنا من الاقتراب إليه. طبعاً مَن يقترب من الله، يقترب من الآخرين. مَن يحبّ الله، يحبّ الآخرين. لذلك الصوم يرافَق بالصلاة وبأعمال الرحمة. هناك جهاد توبة أي صلاة وصوم ورحمة. والله يؤازرنا في هذا الجهاد حتى الموت. طالما الإنسان في هذا الجسد، عليه أن يتوب كونه معرّضاً دائماً للتجربة. لكن كلّما تقدم في جهاد التوبة يزداد فعل نعمة الله فيه. هذه النعمة كامنة في أعماق القلب. إذا استنار الإنسان وطهّر قلبه، كما نطهّر الزجاج المغشى بالأوساخ والغبار، أخذت النعمة تتحرك وتملأ كيان الإنسان وحتى حواسه الخارجية. يقول القديس سمعان اللاهوتي الحديث: عند فعل النعمة الإلهية في الإنسان تصبح حواسه حواس المسيح: كلامُه كلام المسيح، فكرُه فكرَ المسيح حتى يداه يديّ المسيح... وكذلك الأب برفيريوس يقول: يصبح الإنسان شفافاً يرى حتى نفوس الآخرين، يصبح "رائياً"، يرى حتى الله بنعمة الروح القدس: "الروح القدس يفحص كلّ شيء حتى أعماق الله" (1كور10:2). إذا ابتدأت النعمة الإلهية تفعل في الإنسان التائب، يتوق هذا الأخير نحو إنكار الذات ويدخل في نطاق المحبة الإلهية "المحبة التي لا تطلب ما لنفسها" (1كور5:13). الصوم ليس إماتة للنفس، هو لتهذيب النفس، لتطهيرها من أدران الخطيئة. إنّه تهيئة للقاء مع الله، تهيئة للفصح. هنا أودّ أن أذكر لكم ما يقوله الرسول بولس في رسالته إلى أهل رومية: "ليس ملكوت الله أكلاً وشراباً بل هو برّ وسلامٌ وفرحٌ في الروح القدس" (رو17:14). هذا ما نعرفه أيضاً عند بولس في رسالته إلى أهل غلاطية: "وأما نمو الروح فهو محبة فرح سلام طول أناة لطف صلاح إيمان وداعة تعفف" (غلا 22:5). هذا عندما تبدأ الفضائل الإنجيلية بالظهور لدى الإنسان. الإنسان الدنيوي يعتقد أن الحياة كائنة في معيشته، في تأمين حاجات المعيشة، وهذا شيء شرعي. لكن أن يرى الحياة في تأمين الرفاهية والراحة فهذا شيء خطر، يمكن أن يقود إلى الخطيئة. لذا، نرى الكنيسة ترتل في الأحد الخامس من الصوم، في ذكصا الإينوس في السحر: "ليس ملكوت الله طعاماً وشراباً. بل برّ ونسكٌ مع قداسة". لماذا عدّلت الكنيسة كلام بولس في رومية، هذا لأنها أرادت في الصوم الكبير، في أحد البارة مريم المصرية كما في أحد الصليب وأحد القديس يوحنا السلمي، أرادت أن تشدّد على النسك، نسك التوبة للوصول إلى القداسة والى الفضائل الإنجيلية. النسك هو التمارين الجهادية التي من شأنها أن تقود إلى التوبة، ومن التوبة إلى الاستنارة ومعاينة الله والقداسة. لا بدّ من التعرّي من حبّ الذات لكي تفعل فينا نعمة الروح القدس وتُثمر بالفضائل، لا شكّ أن تقليد كنيستنا تقليدٌ نسكي. ما أريد أن أقوله في الخلاصة أنّ هذا المشروع المعروض علينا، مشروع القداسة كما يدعونا الإنجيل إليه "كونوا قدّيسين"، مشروع معروض على الجميع، جميع المؤمنين وليس فقط على الرهبان. مَن هم القديسون في النهاية؟ يقول القديس افرام السرياني إنهم التائبون العائدون إلى الله. لا بدّ للإنسان المسيحي في عصرنا أن يكون صادقاً مع نفسه، مع الله، مع إيمانه، مع الناس. لا بد لي أن ألتزم مع المسيح، مع وصاياه، مع كنيسته. هذا الذي ينقصنا. لا يوجد حلّ وسط في المسيحية، لا يوجد ميوعة في تقليدنا. لا يمكن لي إذا أردت القداسة أن أحضر القداس شكلياً وآتي إلى الكنيسة كواجب اجتماعي فحسب. الطريق ضيّق ويطلب تعباً وربما يتعرّض المؤمن اليوم إلى الاضطهاد، ليس فقط في الكنيسة بين أهله بل أيضاً في العالم في مصالحه. الله موجود وهو يحميه ويوفّقه. الزمن الحاضر زمان توبة وعلى كلّ واحد منا أن يلتزم بأسرار الكنيسة ليس فقط بسرّ الأفخارستية، أي القداس والمناولة، بل أيضاً بسرّ الاعتراف والتوبة. هكذا تفعل فيه النعمة ويمكن له أن يتذوّق شيئاً من فرح الملكوت، شيئاً من ثمار الروح القدس ممّا ينتظرنا في الحياة الآتية. يكبر ويقترب من الموت ولا يخاف إذ قد عرف ولمس أن شيئاً أفضل ينتظره في الملكوت الآتي |
||||
25 - 08 - 2014, 03:07 PM | رقم المشاركة : ( 5464 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سلسلة مخافة الله 11 تصل إلي مخافة الله بالخشوع واحترام
المقدسات بقلم قداسة: البابا شنودة الثالث إذا وقفت لتصلي, تذكر أمام من أنت واقف؟.. أنت واقف أمام ملك الملوك ورب الأرباب أمام هذا الإله المهوب, الذي تقف أمامه الملائكة بخشية.. الشاروبيم والسارافيم: بجناحين يغطون وجوههم وبجناحين يغطون أرجلهم.. والأربعة والعشرون كاهنا الجلوس علي عروشهم, يطرحون أكاليلهم أمام عرشه, ويسجدون للحي إلي أبد الآبدين, وهم يقولون أنت مستحق أيها الرب أن تأخذ المجد والكرامة والقدرة لأنك أنت خلقت كل الأشياء, وهي بإرادتك كائنة (رؤ 4: 10, 11). وأنت أين مخافة الله في قلبك أثناء صلاتك؟ ليتك تقف أمامه بالهيبة التي تقف بها أمام رؤسائك!! يقول مارإسحق عن مخافة الله أثناء الصلاة قف أمام الله في الصلاة, كما لو كنت واقفا أمام لهيب نار إن أبانا إبراهيم حينما وقف أمام الله, قال شرعت أن أكلم المولي, وأنا تراب ورماد (تك 18: 27). أتقول إنك في صلاتك تكلم أبا؟.. نعم, ولكنه ليس أبا عاديا, وإنما علمنا الرب أن نقول أبانا الذي في السموات تذكر إذن عبارة السموات هذه, التي هي عرش الله (مت 5: 34) لذلك نحن حينما نصلي, نرفع أعيننا إلي فوق, متذكرين عرش الله في السماء. مارإسحق يتحدث عن الزي الحسن أثناء الصلاة. الذي من أهم مظاهره جمع الحواس, وجمع الفكر.. قف في صلاتك بتوقير, في مهابة, عالما أمام من أنت واقف. قف منتصب القامة لا تحرك يديك ولا رجليك ولا تسمح لحواسك أن تنشغل بشيء آخر, ولا أن تقطع صلاتك بأي شيء يستفلت حواسك, فتلتفت إليه وتسرح بعيدا عن الله. وبين الحين والآخر, تبرهن علي احترامك لله, بالانحناء أو الركوع أو السجود وأنت مركز الفكر في حديثك مع الله. سألني البعض لماذا أصلي, وأفكاري تطيش في موضوعات أخري؟ فقلت له: لأنها صلاة خالية من مخافة الله حقا, لو أن مخافة الله ثابتة في قلبك, لكنت تصلي بفكر مركز, ولا يسرح عقلك في شيء آخر أثناء حديثك مع الله ولا تظن أن بنوتك لله تنسيك مهابته!! وإن حاول فكرك أن يطيش, أرجعه بسرعة.. ربما لم يتعود التركيز بعد لذلك دربه علي الثبات في الرب. كذلك الذي يصلي بلا فهم, وبلا مبالاة, أو ينسي ما يقول.. هذا أيضا يصلي, وليست مخافة الله في قلبه.. إنه ليس احتراما لله, أن تتحدث معه هكذا, بلا خشوع, وبلا فهم.. أو أن تنشغل بغيره أثناء حديثك معه, أو أن تكلمه وأنت لا تدري ماذا تقول!! أو أن تسرع في صلاتك لكي تنتهي منها بسرعة, كأنك قد ملك من الحديث مع الله! أو لديك أمور أخري أهم تريد أن تنشغل بها!! أو أسوأ من هذا, أن تقول: ليس لدي وقت للحديث مع الله!! وكل هذا يدل علي عدم المخافة. إن مخافة الله تمحنك احترام الله في صلاتك وأيضا الخشوع في الصلاة يوصلك إلي مخافة الله. وتدخل في هذا الخشوع, ألفاظ الاتضاع التي تستخدمها في الصلاة. كأن تبدأ صلاتك بعبارات التمجيد والتسبيح, وتقول من أنا يارب حتي أتحدث إليك؟ أنا التراب والرماد, أنا الخاطئ المتدنس.. كذلك تذكر اسم الرب بكل إجلال, وليس مثل الذين يقولون يا يسوع, يا يسوع بل كن مثل السارافيم الذين يقولون قدوس قدوس, قدوس رب الجنود. مجده ملء كل الأرض (إش 6: 3) فتهتز الأساسات لصلواتهم. وكما تظهر مخافة الله في صلاتك, تظهر أيضا في علاقتك بكتاب الله وبيت الله, وكل ما يتعلق بالله. فتدخل إلي الكنيسة بكل احترام, وأنت تصلي في قلبك وتقول للرب أما أنا فبكثرة رحمتك أدخل إلي بيتك وأسجد قدام هيكل جسدك بمخافتك (مز 5: 7). أشعر وأنت في الكنيسة, أن هذا هو بيت الله وبيت الملائكة وبيت العبادة. وأذكر قول المزمور: لبيتك ينبغي التقديس يارب كل الأيام (مز 93: 5) هذا التقديس يمنحك مهابة للكنيسة, ومهابة للهيكل, ومهابة للأسرار المقدسة للصلوات.. ولا تتكلم في الكنيسة مع أحد أثناء الصلوات فهذا يدل علي عدم احترامك للكنيسة, وعدم احترامك للصلاة, وانشغالك عنها بالكلام, وعدم اشتراكك في الصلاة وكل هذا يدل علي أنك قد دخلت إلي الكنيسة بغير مخافة الله! ليتك تذكر قول أبينا يعقوب أبي الآباء: ما أرهب هذا المكان ما هذا إلا بيت الله, وهذا باب السماء (تك 28: 17). نعم رآه مكانا رهيبا, وخاف, علي الرغم من محبة الله التي أظهرها له في ذلك المكان, وافتقاده بالسلم السمائي وبنظره للملائكة. لاشك أن المكان الذي يحل فيه الرب, هو مكان رهيب والمكان الذي يحل فيه الروح القدس عاملا في الأسرار المقدسة, هو مكان رهيب. من أجل هذا, لما اقترب موسي من موضع يكلمه فيه الله, قال له الرب, ليدخل الخشية إلي قلبه: اخلع حذاءك من رجليك. لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة (خر 3: 5). ونفس الكلام قيل أيضا ليشوع النبي (يش 5: 15) إن خلع الحذاء يرمز إلي خلع كل الأمور المادية والأرضية, أثناء وجودك في بيت الله.. كما يدل علي احترام الأماكن المقدسة. علي الأقل نقف في الكنيسة بمخافة الله, ونجلس فيها - وقت الجلوس - بمخافة الله ولا نتكلم مع من يجلس إلي جوارنا ونحكي!! ونعلق علي ما نسمعه وما نراه!! إن الذي يفعل هكذا, ليست فيه مخافة الله, وكذلك الذي يدخل إلي الكنيسة وفي يده مجلة, أو في جيبه علبة سجاير!! الذي لا يوقر بيت الله, طبيعي لا يوفر الله نفسه. فإن وقر الله سيوقر بيته. نقول هذا ونحن نأسف لبعض المسئولين في الكنيسة من خدامها, الذين يدخلون الكنيسة بسلطان, بغير هيبة للمكان يأمرون وينهون ويرفعون صوتهم, ويمشون في عظمة!! ولا يفرقون, بين بيت الله وبيوتهم الخاصة!! أما الذي يهاب الكنيسة, فمن الطبيعي أن يهاب الهيكل بالأكثر. ولذلك فنحن في كنيستنا القبطية لا ندخل إلي الهيكل مطلقا بأحذيتنا. كما تفعل كنائس الغرب!! ولا نسمح بالدخول إلي الهيكل, إلا لخدام المذبح فقط ونحن نسجد أمام الهيكل والأب الكاهن يبخر أمامه ونحيط الهيكل بلون كبير من المهابة وبالأكثر مذبح الله الذي يوجد في داخله, الذي نرفع حوله البخور. أما الذين لا يهابون الهيكل ولا المذبح, فسيأتي وقت عليهم لا يهابون فيه الأسرار المقدسة أيضا!! المهابة أيضا ينبغي أن تشمل الكتاب المقدس لذلك فعند قراءة الإنجيل في الكنيسة المقدسة, يصبح الشماس قائلا قفوا بخوف من الله, وأنصتوا لسماع الإنجيل المقدس, فيقف الشعب كله احتراما, ورئيس الكهنة ينزع تاجه من فوق رأسه خشوعا أمام كلمة الله. بل قبل قراءة الإنجيل, يصلي الكاهن أو شية يقول فيها للرب اجعلنا مستحقين أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة, بطلبات قديسيك. ويرفع البخور ونقبل الإنجيل. فهل بنفس الاحترام نتعامل مع الكتاب المقدس في بيوتنا؟ هناك أشخاص قد يضعون الكتاب المقدس في أي مكان في بيوتهم. وقد يكون تائها وسط الكتب! أما الإنسان الروحي الذي يخاف الله, فلا يضع شيئا فوق الكتاب المقدس. الكتاب المقدس لا يوضع فوقه إلا الصليب أو كتاب مقدس آخر. هكذا نحترمه ونوقره كذلك نقرأ الكتاب في توقير داخل بيوتنا. وبقدر ما نهاب الكتاب, نهاب أيضا الوصايا المكتوبة فيه, وتدخل مخافة الله في قلوبنا. ينبغي أن يفرق كل إنسان بين قراءة الكتاب المقدس وقراءة أي كتاب آخر. فلا تقرأ الكتاب وأنت نائم, أو وأنت مستلق في استرخاء أو وأنت تشرب كوبا من الشاي. كل هذه الأخطاء تطرد مخافة الله من قلبك. هناك من يبدأون قراءة الكتاب بصلاة. وهذا أفضل كما يصلي الكاهن قائلا اجعلنا مستحقين أن نسمع ونعمل بأناجيلك المقدسة مجرد السماح يحتاج إلي صلاة وإلي استحقاق. وإلي رفع بخور في الكنيسة فلنأخذ من هذا درسا. تلزمنا أيضا المخافة في كل ما يتعلق بالله المخافة أثناء حضور القداس الإلهي. هذه المخافة التي يفقدها البعض, وهم يستعمون إلي القداس المذاع أم إلي القداس المسجل علي شريط كاسيت أو شريط فيديو. فيستمعون وهم منشغلون ببعض أمور البيت, أو وهم في العربة مركزين في قواعد المرور وهم جلوس!! يستحسن في العربة استبدال القداسات المسجلة, بألحان أو عظات أو تراتيل. كذلك من احترام القداس أن تحضر إليه مبكرا, ولا تخرج أثناءه, بل بعد سماح البركة والتسريح. وكذلك كل أنواع المخافة التي تتعلق بالتناول: مثل الاستحقاق للتناول من توبة وصلح وصوم والهيبة أثناء التناول وعدم التزاحم, والصلاة قبل التناول وبعده والحرص الجسدي أيضا. إن الذي يهاب الكنيسة والهيكل والتناول, لابد أن مخافة الله تسكن في قلبه. كذلك الذي يهاب رجال الله من ملائكة وبشر. فيهاب الملاك الحارس له, ويستحي من أن يخطئ أمامه, ويهاب ملائكة المذبح والذبيحة, وملائكة الكنيسة. كذلك الذي يهاب أرواح الذين انتقلوا, ويخاف أن ينظروا إليه وهو في حالة خطية, أو يروا أي منظر له يعمله في الخفاء, أو أي رياء يظهر به أمام الناس! كذلك الذي يهاب رجال الكهنوت عموما, وأيضا الأب الروحي والإرشاد الروحي, عالما أنهم وكلاء لله علي الأرض (تي 1: 7) ووكلاء سرائر الله (1كو 4: 1). لاشك أن الذي يهاب ملائكة الله, ورجال الله, وقديسي الله, لابد أن مخافة الله تدخل إلي قلبه. بل إن كثيرين يحترمون مجرد أيقونة القديس والكنيسة تبخر أمام أيقونات القديسين المدشنة, وترتل الألحان تمجيدا للملائكة والقديسين فكم بالأولي خالقهم. وكما نوقر رجال الرب, نوقر أيضا يوم الرب فالذي بكل مخافة, يخشي أن يكسر تقديس يوم الرب, لابد أن تكون مخافة الله ساكنة في قلبه وبنفس الوضع الذي يخشي أن يكسر وصية الصوم لأي سبب من لاأسباب, ولا يتهاون في ذلك, لابد أن تكون مخافة الله ساكنة في قلبه. كذلك يصل إلي مخافة الله من يحرص علي عهوده مع الله ويوفي للرب نذوره. ولا يحاول بعد أن ينذر نذرا, أن يتفاوض في الأمر, من حيث الوفاء بالنذر, أو تغييره, أو تأجيله, غير واضع في قلبه أن النذر هو اتفاق بينه وبين الله واجب الاحترام والهيبة, كما قال الكتاب.. خير لك أن لا تنذر من أن تنذر ولا تفي (جا 5: 5). إن الالتزام بالنذور والعهود, توصل الإنسان إلي مخافة الله, وكسر النذر يطرد مخالفة الله من القلب. تبقي أمور أخري متفرقة تساعد علي الوصول إلي مخافة الله, أرجو أن أتحدث عنها في العدد المقبل إن أحبت نعمة الرب وعشنا. |
||||
25 - 08 - 2014, 03:09 PM | رقم المشاركة : ( 5465 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
رسالة العلمانيين مفهوم كلمة "علمانيون" يفهم هنا بمن يسمون علمانيين مجموع المسيحيين الذين ليسوا أعضاء في الدرجات المقدسة، ولا في الحالة الرهبانية التي أقرتها الكنيسة، أي المسيحيين الذين إذ انضموا إلى جسد المسيح بالمعمودية، واندمجوا في شعب الله، وجعلوا شركاء، على طريقتهم، في وظيفة المسيح الكهنوتية والنبوية والملوكية، يمارسون، كل بما عليه، في الكنيسة وفي العالم، الرسالة التي هي رسالة الشعب المسيحي بأجمعه. إن الطابع الخاص الذي يتميّز به العلمانيون هو الطابع العالمي. ذلك بأن أعضاء الدرجات المقدسة، وإن وجدوا أحياناً يتعاطون الشؤون العالمية، بل يحترفون مهنة زمنية، فإنهم يلبثون، بحكم دعوتهم الخاصة، موجَّهين أصلاً وبصراحة للخدمة المقدسة؛ والرهبان أيضاً فإنهم، بحكم حالتهم، يشهدون على العالم شهادة ساطعة بأنه لا قِبَل له بأن يتحول ويُقرَّب لله بمعزلٍ عن روح التطويبات. وأما العلمانيون فدعوتهم الخاصة بهم هي أن يطلبوا ملكوت الله من خلال إدارة الشؤون الزمنية التي ينظمّونها بحسب الله. إنهم يعيشون في وسط العالم، أي إنهم مرتبطون بمختلف موجبات العالم وأعماله كلها، وبالأحوال المألوفة في الحياة العيلية والمجتمعية التي كأنَّ وجودهم قد نُسج منها. ففي موضعهم هذا دعاهم الله ليعملوا، فعل الخمير من الداخل، على تقديس العالم بمزاولة مهامهم الخاصة بهدي الروح الإنجيلي، وليعلنوا المسيح للآخرين بشهادة حياتهم، قبل أي شيء آخر، وليشعّوا إيماناً ورجاءً ومحبة؛ فمنوط بهم، بوجه خاص، أن ينيروا ويوجّهوا جميع الحقائق الزمنية التي يرتبطون بها ارتباطاً وثيقاً بحيث تُتمَّم وتنمو في اطّراد بحسب المسيح، وتكون لمجد الخالق الفادي. (س ك، 31) هُويّة العلمانيين بعدما أوضحنا مفهوم كلمة العلمانيين سوف نحاول الإجابة على السؤال: ما معنى أن ??نكون مسيحيين?? وأن ??نكون مسيحيين علمانيين??؟ سنعالج، إذن، هُويّة المؤمن العلماني، من خلال البحث في دعوته ورسالته داخل الكنيسة وفي العالم. يتحدثون كثيراً عن أزمة هُويّة عند المسيحيين. إن المادية العلمية والعقلية الاستهلاكية اللتين تسودان المجتمع توّلدان اللاّمبالاة الدينية، وتنشران أنماطاً من العيش المُفرَغ من وجود الله. وبمزيد من الانكفاء ينحصر التديّن في نطاق الحياة الخاصة، وغالباً ما تؤدي التسويات مع الثقافة العلمانية والمعلمَنَة إلى تفريغ الإيمان من حيويته وأصالته الإنجيلية... ويصبح كلام القديس بولس، اليوم، أكثر آنية من أي وقت مضى، عندما يقول:??فاعتبروا، أيها الإخوة دعوتكم?? (1قور 1: 26) أو بمعنى آخر:??تذكروا من أنتم??. ترتكز الهُويّة المسيحية على الإيمان الحي والراشد. أما الخطر فيكمن، اليوم، في تقلُّص ??كياننا المسيحي?? إلى دائرة اجتماعية ثقافية محضة، وإلى تقليد، ورواسب من الماضي، وبعبارة واحدة، إلى مسيحية لا أثر لها على الحياة اليومية الملموسة لكل مؤمن أو جماعة. ينبغي أن تقوم الفضائل الإلهية الثلاث، الإيمان والرجاء والمحبة، في صميم وعينا الذاتي. تعني الهُويّة المسيحية، في كل حال، علاقة شخصية وحميمة مع يسوع المسيح. دون الانطواء على الذات والانغلاق حيال الآخرين. إنها روح شركة وحوار. تتسم الهُويّة المسيحية أيضاً بـِ ??علامة المناقَضَة?? التي تتجلى بشكل واضح في حياة المسيحيين الذين يعيشون وسط ثقافة مُفرَغَة من العناصر المسيحية. حيث من الصعب أن يكون الإنسان ذاته، وأن يكون حقيقياً، وأن يكون مسيحياً منسجماً مع ذاته، إن ذلك يتطلب شجاعة من نوع خاص. ولكن ينبغي للنور الإنجيلي أن يسطع في الظلمات وللملح ألا يفسد طعمه... في هذه الحال، إذاً، ما هي الهُويّة؟ يعطي قداسة البابا يوحنا بولس الثاني التعريف التالي للهُويّة، وذلك عندما كان رئيساً لأساقفة كراكوفيا، إذ قال:??إن الهُويّة تعني أن أُدرِك مَنْ أنا وأن أتحمّل مسؤولية ما أنا عليه??. وهنا تُطرح أسئلة كثيرة: أنا المسيحي العلماني، هل أعلم فعلاً مَنْ أنا؟ وهل أُدرِك في قرارة نفسي أنيّ مسيحي؟ هل أشعر أني مسؤول عمّا أنا عليه؟ أليست حياتي وخياراتي الفعلية متناقضة، أحيانا،ً مع إيماني؟ معالم في تكوين هُويّة العلمانيين المؤمنين 1 - شخصية يسوع المسيح : إن المَعْلَمَ الأول والأكثر أهمية إنما يرتكز إلى شخص يسوع المسيح. فالمسيحية ليست عقيدة بقدر ما هي حَدَث تاريخي حسي. والمسيحي هو تلميذ يسوع المسيح، ابن الله، الذي تجسّد من أجل خلاصنا، والرب، والمعلم، الذي ينادي تلميذه باسمه قائلاً: ??اتبعني??. وقد روى الإنجيل أنَّ سمعان وأندراوس ويعقوب ويوحنا سمعوا هذا النداء فتركوا كل ما كانوا يملكونه من شباك وزوارق وبيوت وتبعوا معلمهم منذ ذلك الحين (متى 4: 19 ? 22). فَغيّر هذا النداء حياتهم تغييراً كاملاً. وهذا ما ينبغي أن يحصل في حياة كل مسيحي. أما الاستجابة بـِ??نعم?? لدعوة يسوع المسيح فتتطلب القيام بخَيار جَذري لا عودة عنه. خَيار نلتزم به على مدى الحياة، مما يقتضي منا تحوّل القلب وتغيير طريقة التفكير والعيش تغييراً جذرياً، وعدم التمسّك بالماضي. وبالتالي ليس ذلك من الأمور السهلة. لكن يسوع المسيح يساعدنا بنعمته:??أستطيع كل شيء بذاك الذي يقويني?? (فل 4: 13). إنَّ الإيمان المسيحي ملموس جداً. وهو يتعارض كلياً والروحانية المُبهَمة وغير المتجسِّدة. إنَّ المسيحي لا يستهويه المعلم عن بعد. فالإيمان لا ينفك يتطلب خوض الطريق مقتضياً منا أجوبة ملموسة، مما يفترض نضوجاً يتخطى ??الإيمان التقليدي?? أو ??إيمان المجموعات الإتنية?? إلى ??الإيمان الراشد?? الذي ينبع من الخَيار الشخصي. 2 - الكنيسة سر الشَرِكة : إن المَعْلَمَ الثاني المُكوِّن للهُويّة المسيحية إنما هو سر الكنيسة. قال اللاهوتي هانس أورس فون بالتازار:??لا يكون المسيحي مسيحياً إلاّ من خلال عضويته في الكنيسة (...) ولا سبيل لأحدٍ أن يكون مسيحياً لحسابه الخاص??. لذلك من الأهمية بمكان أن يشعر العلمانيون المؤمنون بـِ??حِسٍ كنسي?? بصورة حية وعميقة. الكنيسة ??شركة عضوية?? يتعايش فيها التنوّع وتكامل الدعوات والخدمات والمهام والمواهب والمسؤوليات، من دون تعارض أو انقسام بل بالتبادل والتناسق. ??وبفضل هذا التنوع وهذا التكامل يصبح كل من المؤمنين العلمانيين على علاقة بالجسد كله، ويُسهِم كل بنصيبه في خدمة هذا الجسد?? (ع م 20). يظهر جلياً من صورة ??الكنيسة الشركة?? أن لكل مسيحي دورَه في الكنيسة. كل واحد منا هو، في الوقت نفسه، الموضوع والفاعل المُنفِّذ لرسالة أوكلها إليه يسوع المسيح، سواء أكنا أساقفة أم كهنة أم رهباناً أم راهبات أم علمانيين مؤمنين من هنا تتجلى ضرورة أن يتشارك العلمانيون المؤمنون مشاركة فاعلة ومسؤولة في حياة جماعتهم الكنسية، بحيث ينبغي ألا يشعر العلمانيون المؤمنون أنهم أعضاء في الكنيسة وحسب، بل عليهم أن يعلموا أنهم، بالشركة مع رعاتهم يشكلون الكنيسة. 3 - العالم : المَعْلَمُ الثالث المكوِّن لهُويّة العلمانيين المؤمنين يتمثّـل بالعالم. ولا تقتصر النظرة إلى العالم على البعد الاجتماعي، بل هناك نظرة لاهوتية أساسية انطلاقاً من سر الخلق والفداء. عالم خلقه الله وافتداه يسوع المسيح. هذه النظرة تُفضي إلى مقاربة إيجابية وتفاؤل متأصّل في الإيمان. يُقيم العلمانيون المؤمنون علاقة مميزة مع العالم، وذلك بسبب هذا ??الطابع الدنيوي?? الذي يُشكِّل موضع التمييز الرئيس بين العلمانيين وباقي أفراد شعب الله، أي الاكليروس. وهو ما ينبغي النظر إليه، أيضاً، نظرة لاهوتية محضة، لا نظرة اجتماعية ووظيفية. لا يُحدِّد الطابع الدنيوي هُويّة العلمانيين فحسب بل يُضفي أيضاً سِمَة مميّزة على رسالتهم وروحانيتهم عبر الإرشاد إلى طريق القداسة. يحتلّ العلماني المؤمن نقطة التقاء حساسة بين الكنيسة والعالم. وله رسالة خاصة يؤديها، لا سبيل لغيره أن يؤديها عنه. لم يُخطِئ الكاردينال جوزف كاردين، مؤسّسُ حركة الشبيبة العاملة المسيحية، عندما أكّد أن العلمانيين يحتلون الخطّ الأول في نشر رسالة الإنجيل في العالم. المسيحيون في العالم هم بمثابة الروح في الجسد. فكما تنتشر الروح في كل أنحاء الجسد، كذلك ينتشر المسيحيون في مدن العالم. وكما أنَّ الروح تسكن الجسد وهي ليست من الجسد، كذلك يسكن المسيحيون في العالم وهم ليسوا من العالم.. إن المَهَمَّة التي أوكلها الله إلى العلمانيين هي مِن النُبْلِ بمكان لدرجة أنه بات من غير المسموح به لهم التخلّي عنها. دعوة العلمانيين - دعوة إلى الشهادة: نحن كلُّنا مدعوون لكي نشهد في العالم لِتجدُّد حياتنا المسيحية، الذي اكتسبناه في سر العماد المقدس، وجمال هذه الحياة وروعتها. لقد دُعينا لنعلن للملأ بأنّ الأمر يستحق العناء وأنه جميل أن نكون أتباعاً للمسيح، وأنّ السير على خُطاه يمنح فرحاً لا يوصف. وعلينا اليوم أكثر من أي وقت مضى، أن نستعيدَ هذا الطابَع المفرح الذي تتميّز به الشهادة المسيحية. - دعوة إلى المشاركة مع المسيح:عندما يولد العلمانيون المؤمنون بالمسيح من جديد، عن طريق المعمودية، فإنهم يشاركون المسيح بوظيفته المثلثة: الكهنوتية والنبوية والملوكية. 1 - الوظيفة الكهنوتية : يُدعى العلمانيون من خلال المشاركة في الوظيفة الكهنوتية، إلى أن يُقدّموا لله العبادة الروحية وثمار القداسة المسيحية الأصيلة: ??ذلك بأن جميع نشاطاتهم وصلواتهم ومشاريعهم الرسولية وحياتهم الزوجية والعيلية، وأعمالهم اليومية وتسلياتهم العقلية والجسدية إذا عاشوها بروح الله، وحتى محن الحياة إذا تحمّلوها بطول أناة، كل هذا يتحوّل إلى قرابين روحية مَرضية لله بيسوع المسيح?? (1بط 2: 5) (س ك، 34). إنّ هذا الطابع الكهنوتي الذي يتّسم به وجود العلمانيين المؤمنين لعلى جانب كبير من الأهمية. إنّه كهنوت مشترك بين كل شعب الله وإن اختلف ??في الجوهر لا في الدرجة فقط?? مع كهنوت الخدمة (س ك،10). 2- الوظيفة النبوية : يُدعى العلمانيون من خلال المشاركة في الوظيفة النبوية لإعلان بشارة الإنجيل بالكلمة وبشهادة الحياة. ??إذَّاك يتّسم هذا العمل التبشيري بطابع مميّز وفعالية خاصة بكونه يتمَّم في أوضاع العالم المألوفة?? (س ك، 35) ولا تقتصر الرسالة النبوية على إعلان البشارة وحسب، بل تشمل أيضاً التنديد بالشرور التي تفتك بالإنسان والمجتمع، كالظلم وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية. وعلى العلماني المؤمن أن يُبدي الكثير من الشجاعة في أداء هذه الرسالة النبوية التي أوكلها المسيح إليه. 3 - الوظيفة الملكية : من خلال الوظيفة الملكية يُدعى العلمانيون المؤمنون أيضاً إلى المساهمة في بناء ملكوت الله، في العالم وفي داخلهم، مما يعني جهاداً روحياً متواصلاً على قوى الشر والخطيئة:??وعلى العلمانيين، إلى ذلك، أن يستجمعوا قواهم ليُدخلوا على المؤسسات وعلى أوضاع الحياة في العالم عندما تستهوي إلى الخطيئة، التطهيرات الملائمة، لكي تتجاوب كلها مع سُنن البِرّ، وتساعد على ممارسة الفضائل بدلاً من أن تكون عَقَبة في طريقها. فَبِعملهم هذا يُشيعون القيم الروحية في الثقافة وفي الأعمال البشرية??. (س ك، 36) - دعوة إلى القداسة: لدى جميع المعمدين دعوة شاملة إلى القداسة:??فواضح، إذن، للجميع أن الدعوة إلى ملء الحياة المسيحية وكمال المحبة موجّهة إلى جميع المؤمنين بالمسيح أياً كانت حالُهم وكان نهج حياتهم??(س ك، 40). تُشير هذه الدعوة التي تشيد بكرامة العلمانيين المؤمنين إلى أنّ الطريق المؤديّة إلى تجدّد الكنيسة تمرّ عبر قداسة أعضائها. القداسة المسيحية هِبة من الله ويجب، قبل كل شيء، أن تُعاش بوصفها هِبة. ليست الدعوة إلى القداسة مجرد حثّ أدبي أو أخلاقي، إنما هي من المقتضيات العميقة للدعوة المسيحية ولكيفية ??أن نكون مسيحيين??. لكن ينبغي لقداسة الكائن أن تُتَرجم في عمل كل واحد منا، أي عَبر السير الفعلي والجذري على خطى المسيح، والإصغاء إلى كلمته وتقبّل التطويبات والمشورات الإنجيلية، وبخاصة عيش وصية المحبة، كما يجب أن تُتَرجم القداسة في الوحدة وتماسك الحياة. ليست قداسة العلمانيين المؤمنين قداسة من ??الفئة الثانية?? كما كان يظن البعض في الماضي أنّ القداسة هي حال من الكمال الرُهباني. القداسة المسيحية فريدة. إلاّ أنّ قداسة العلمانيين تتّسم بمزايا تنفرد بها دعوتهم الخاصة. إنهم يعيشون في وسط العالم، وفي موضعهم هذا دعاهم الله ليعملوا. تتحقق قداستهم إذن في العالم وليس بهروبهم من العالم. يتقدسون في الحياة الزوجية والعيلية وعبر التحصيل الثقافي المدرسي والجامعي، وفي مزاولة عملهم البشري، وفي التزامهم الثقافي والاجتماعي والسياسي. إن الروحانية العِلمانية، هي نوع من ??روحانية التجسّد?? الله صار إنساناً ودخل العالم لإنقاذه. هذا هو المثال الأسمى للروحانية المسيحية. ??لا تخافوا من أن تُصبِحوا قِدّيسين??. بهذه العبارة خاطب قداسة البابا يوحنا بولس الثاني الشُبان والشابات في يوم الشبيبة العالمي عام 1989. ويجب أن يتردّد صدى هذه الكلمات ليصل إلينا، لا تخافوا من أن تصبحوا قديسين، لأنّ القداسة هي الغاية الأسمى للدعوة المسيحية. رسالة العلمانيين تتلازم الدعوة والرسالة في حياة كل مسيحي تلازماً وثيقاً، إذ تنطوي الواحدة على الأخرى ??اذهبوا في العالم كله، وأعلنوا البشارة إلى الخلق أجمعين?? (مر16: 15). هذا ما عهد به المسيح إلى الكنيسة كلها. الكل مدعو إلى الرسالة في الكنيسة وبموجب سِري العماد والتثبيت. الكل مدعو للعمل في كرم الرب (مت20: 3 ? 4). إنّ في الكنيسة خِدَماً متنوّعة ولكن الرسالة واحدة. (ر ع، 2). لا يمكن أن نتصوّر عمل الكنيسة في عمل البشارة من دون مساهمة العلمانيين. يتحدث المجمع عن واجب، وفي الآن نفسه عن حق في الرسالة (رع، 2). يشارك العلمانيون المؤمنون بشكل ناشط ومسؤول في رسالة الكنيسة. لذا لا يجب النظر إلى رسالتهم نظرة تُقلِّل من أهميتها أو تعتبرها مجرد مساعدة تُقدَّم إلى رسالة التراتبية الكنسية (الهيرارشية)، مع أنّ العلمانيين المؤمنين مدعوون، في معظم الأحيان إلى التعاون مع الرعاة. لذا يتعيّن على العلمانيين المدعوين إلى وضع كفاءاتهم الخاصة ومواهبهم في خدمة البشارة أن يُدرِكوا حقّ الإدراك أنهم كلّ في موقعه، عناصر فاعلة في نشر الرسالة. يؤدي العلمانيون المؤمنون عملهم الرسولي فردياً أو جماعياً. إذ يُترجَم ذلك عبر شهادة الحياة والبشارة الصريحة بالكلمة. ونحن ندرك، اليوم، مدى الشجاعة التي تقتضيها الشهادة بالمسيح شهادة صريحة في عالم اليوم. تتطلّب رسالة العلمانيين التربية الملائمة، أي المتكاملة، المسيحية والإنسانية في آن، وينبغي أن يَحظى العلمانيون المؤمنون بدعم الأساقفة والكهنة، لكي يتمكنوا من تحقيق رسالتهم على أكمل وجه داخل الكنيسة وفي العالم. ومن بين المعوِّقات الأساسية التي تعترض رسالة العلمانيين نذكر:
يدعو المسيح ربُّ الكرم الجميع للعمل في كرمه، لذا أصبحت دعوة العلمانيين المؤمنين رسالة. وبات على كلّ مسيحي أن يشعر بأنه معنيّ بالبشارة. ??الويل لي إن لم أُبشِّر?? (1قور9: 16) إن الحصاد الإنجيلي وفير ولكنّ الفَعَلة قليلون. كتب القديس بولس قائلاً:??وكيف يدعون من لم يؤمنوا به؟ وكيف يؤمنون بمن لم يسمعوه؟ وكيف يسمعونه من غير مُبَشِّر؟ وكيف يُبَشِّرون إن لم يُرسَلوا؟ وقد ورد في الكتاب ما أحسن أقدام الذين يبشِّرون??.(رو10: 14 ? 16). عالم اليوم بحاجة ماسّة إلى رسل، وإلى رسل يحملون الإنجيل بشجاعة. كهنوت المؤمنين وكهنوت الخدمة المسيحيون هم جميعاً كهنة، بالمعمودية والتثبيت، ويشتركون في رسالة المسيح كمعلم وكاهن وملك ??ابنوا من أنفسكم، كَمِنْ حجارة حية، بيتاً روحياً، وكهنوتاً مقدساً، لإصعاد ذبائح روحية، مقبولة لدى الله بيسوع المسيح... أنتم جيل مختار، كهنوت ملوكي، أمة مقدسة، وشعب مُقتنى لتُشيدوا بحمد الذي دعاكم من الظُلمة إلى نوره العجيب?? (ا بط2: 5 ? 9) يمارس المسيحيون كهنوتهم بتقدمة حياتهم وأعمالهم ذبائح روحية، وبالشهادة للمسيح في كل مكان، وبالاشتراك في الصلوات والأسرار، ولا سيما الإفخارستيا. يشترك جميع المسيحيين في السِمَة الكهنوتية التي تتسم بها الكنيسة جسد المسيح. إلا أن بعضاً منهم تُوكَل إليهم مهمة خاصة في هذا الجسد. فالفرق بين النوعين من الكهنوت ليس على صعيد كيان المسيحي والكاهن، بل على صعيد المهمة في الجسد. هذا الفرق تُوضِّحه جيداً طقوس الأسرار. فكهنوت المؤمنين المشترك يُمنح بالتغطيس بالماء في المعمودية، ومسحة الميرون في سر التثبيت. فبالمعمودية يشترك المسيحي في موت المسيح وقيامته ويصبح عضواً فيه، وبالتثبيت يُمنح خَتْمُ موهبة الروح القدس، وكلا السِرّين يتعلقان بكيان المسيحي فيُجدِّدانه ويجعلانه كائناً جديداً على صورة المسيح، إنساناً ممتلئاً من روح الله، مسكناً وهيكلاً للروح. فإذا حدّدنا الكهنوت بالوساطة بين الله والناس، يتّضح لنا أنّ تلك الوساطة قد تحققت في شخص المسيح الذي هو إله وإنسان معاً، وتتحقق في كل إنسان يصير عضواً للمسيح. كهنوت المؤمنين هو إذاً على صعيد الكيان. أما كهنوت الخدمة فيُمنح بوضع اليد. ووضع اليد يعني إعطاء سلطة ومَهَمَّة خاصة. فكهنوت الخدمة يمنح الكاهن مَهمَّة خاصة. ما هو قوام تلك المَهمَّة ومضمونها؟ 1- كهنوت الخدمة هو وظيفة عضوية في جسد المسيح : من الخطأ اعتبار كهنوت الخدمة سراً يُمنح لقداسة الكاهن الشخصية. فالمسيحي لا يصير كاهناً ليُخلِّص نفسه. الكهنوت خدمة في الكنيسة،وظيفة عضوية في جسد المسيح. وعندما يتكلم بولس الرسول عن الخِدَم المختلفة يعتبرها مواهب لخدمة الكنيسة: ??أنتم جسد المسيح، وأعضاء كل بمقدار، فلقد وضع الله البعض في الكنيسة أولاً رسلاً وثانياً أنبياء وثالثاً معلمين، ثم من أُوتوا موهبة العجائب، فمواهب الشفاء، فالإعانة، فالتدبير، فأنواع الألسنة?? (1كو 12: 27 ? 28). لا يمكننا تعريف كهنوت الخدمة في ذاته بل في دوره في الكنيسة، والخدمة التي يؤديها فيها. كما لا يمكننا اعتبار كهنوت الخدمة فوق الجماعة المسيحية أو مستقلاً عنها. كهنوت الخدمة وظيفة، ولكن ليس وظيفة اجتماعية، بل وظيفة عضوية لا معنى لها خارج الجسد. كالأعضاء بالنسبة للجسد لا يمكن التعريف بها خارج الجسد، ولا يمكن الاستغناء عن دور أي منها، وإن السير الحسن للأعضاء المختلفة يضمن صحة الجسد كله ونموه المنسجم. (1كو12: 21) (أف4: 11 ? 13). 2- كهنوت الخدمة هو استمرار لدور المسيح رأس الكنيسة : كهنوت الخدمة لا يحلّ محلّ المسيح، والكاهن ليس مسيحاً آخر بقدر ما هو سرّ المسيح، أي العلامة المنظورة للمسيح غير المنظور. يتكلم بولس الرسول على المفاصل التي تتعاون لينمو الجسد ويرتقي إلى مَنْ هو الرأس، أي المسيح، الذي منه ينال الجسد كله التنسيق والوحدة. فالدور الذي تقوم به المفاصل في الجسد يقوم به كهنوت الخدمة في الكنيسة. فالرأس يضمن التنسيق والوحدة بين أعضاء الجسد. لا شك أنّ المسيحيين كأفراد يستطيعون الاتصال بالمسيح وبالله. وهذا ما أكده لوثر. ولكن الكنيسة ليست مجموعة أفراد، بل جسد منسق ومنسجم، ودور الكهنوت هو العمل على حفظ رباط الروح بين أعضاء الجسد الواحد. 3- الخدم الكهنوتية هي مواهب من الروح القدس : كل خدمة هي موهبة يمنحها الروح القدس لمنفعة الكنيسة كلها: ??إنّ الخِدَم على أنواع، إلا أن الرب واحد. إن الأعمال على أنواع، إلا أن الله واحد، وهو يعمل كل شيء في الجميع. وكل واحد إنما يعطى إظهار الروح للمنفعة العامة??(1كو:12 5- 7). الجماعة المسيحية لا تختار هي نفسها كهنتها ولا تمنحها هي سلطتهم ومهمتهم. إنما تمّيز من بين أعضائها من وَهَبهم الروح تلك الموهبة. لذلك في صلوات الرسامة يُنادى على المرتسم:??هذا هو العبد المختار من الله ومن الروح الكلي قدسه...?? وكذلك يُقال في صلوات وضع اليد:??النعمة الإلهية التي في كل حين تشفي المرضى وتُكمل الناقصين هي تنتدب فلاناً...??. حديثنا هذا ليس إلا دعوة للجميع لكي يدرك كل منا دوره ومسؤوليته في بناء جسد المسيح السري، ويعمل كل ما يطلبه منه الروح لكي يتمِّم دعوته التي دعاه بها الرب، لنصل جميعاً إلى ملء قامة المسيح. |
||||
25 - 08 - 2014, 03:10 PM | رقم المشاركة : ( 5466 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القيامة الأرشمندريت كاسيانوس عيناتي النصوص الليتورجية والآبائية تُظهر قبل كلّ شيء أنّ القيامة هي غلبة الحياة المحيية على الموت والجحيم. أمّا الموت فلا يعني فقط نهاية الحياة، ولا الجحيم هو حالة روحية في ما وراء الموت. ولكن الأول والثاني يجسّدان حالة وجودنا المظلمة وذروة يأسنا الهالك حيث يرتجف كلٌّ منا مع الشعور بأنّه خسر كل شيء وحتّى حياته نفسها. وبالرغم من الحنان والجمال اللذين يغمراننا، هناك الانسلاخ الذي لا مفرّ منه، الانسلاخ عن الحياة الذي يدعوه القديس غريغوريوس النيصي ?الحياة المائتة?. ولكن فجأة من أعماق الجحيم يستمع الرب إلى صوتي، فجأة الصليب يظهر كشعاع لا ينهزم ويقلب حائط السياج الفاصل. نعم، الصليب هو شعاع نور يضيء في ظلمات الجحيم فينساب نهر الجحيم في بحيرات فصح الرب. نعم، بتنازله اللامتناهي وبآلامه وموته وقبوله اللعنة، قبِل المسيح أن تدخل فيه حالة الجحيم الساقطة حتى إلى ثقل التجديف ?إلهي إلهي أنظر لماذا تركتني؟? فالكآبة والغصّ والكره وألم الانفعال كلها قد دُمِّرَت بالذي لا يُغلَب لأنه ثقة وحب واتّحاد لا ينفد. فالهوّة التي أنشأتها حرية الإنسان تبخّرت كنقطة زهيدة في عمق نار الألوهة. فالجحيم نفسها ابتُلِعَت في ملء الذي ?وهو مالئ الكلّ- استطاع أن يقول لشريكه في الحكم: ?اليوم تكون معي في الفردوس?. فبنزوله إلى الجحيم، أنزل المسيح الحبَّ إلى الكائن الروحي المثقَل هناك بالحقد والكراهية. فهكذا الجحيم طُعِنَت وفنيَت بالنار الإلهية التي قبِلَت في قلبها المطعون في جنبه بحربة لخلاصنا نحن المرتلين ?مبارك أنت أيها الإله الفادي?. فالمسيح مات ليقوم الإنسان، وبالقيامة، أعاد الإله-الإنسان وحدة البشرية بكاملها به. وهذه القيامة تخصّ الكون بكامله أيضاً، لأن جسم الإنسان لا ينفصل عن جسم الكون. بعض نقاط من الدم أعادت بناء الكون بكامله، يقول القديس غريغوريوس النزينزي. فهذا البناء الجديد يصبح حقيقة بواسطة الأسرار الإلهية في الكنيسة التي هي سرّ المسيح القائم: حيث ينقلب الموت إلى حياة بالروح القدس المحيي؛ وكل مناسبة للموت تصبح موتاً قيامياً، ذبيحة حية بقوة الروح القدس ?معطي الحياة?، فبالمعمودية التي نحن بحاجة ماسة إليها في كل يوم حتى لحظة النزاع الأخير، ننزل بكامل وعينا إلى الجحيم لملاقاة المسيح القائم، ?حتى إذا غُرِِسنا معه على شبه موته فنكون على شبه قيامته أيضاً? (رو 5:6). إذاً المعمودية هي أصلٌ وجَذرٌ في المسيح ولكنها لا تبلغ أوجها إلا في سرّ الإفخارستيا الإلهي حيث الروح القدس الذي حلَ فينا بالمعمودية يجعلنا غرسة واحدة وكائناً واحداً مع القائم: إخوة له بالدم وأعضاء جسده الممجد. وهكذا يكون جسد المصلوب جسداً إفخارستياً بالروح القدس للبشرية قاطبة وللكون بأجمعه. فالمسيح بموته لا ينفصل عن شيء ولا عن إنسان. وفي ظفره على الموت، ظفَر على كل انفعال. لذلك لا يستطيع تيار الإلحاد اليوم أن يستقيم ولا تستطيع حضارات العالم وقوّته ووسعُ إطار معرفته أن تستوي إلا إذا أدركت معنى القيامة. اليوم، البشرية تهرب من الموت ولكنها تسلك طرقاً تؤدي إلى الانتحار. لذلك يجب على المسيحيين قبل كل شيء أن يعلنوا ويذيعوا عن فرح القيامة ويجعلوه مشعاً من خلال ممارستهم الليتورجية وشهادات القديسين: بكل حركة من حركات حياتهم اليومية، إن كان ذلك في الصلاة أو في المهَن، أو الفن، أو العلم أو بكل وجه حضاري. أن يعبّروا بحنان كبير ومحبة صادقة نحو العالم وهم يجاهدون بثبات وعزم ضد كل أشكال الموت الحالّة فينا أو حولنا أو في المجتمع أو في العالم. لأن قيامة المسيح ليست فقط على أزلية النفوس بل تتخطّى ذلك لتشمل كل الأرض، الكائنات، الأشياء، الزمن، الوجوه، الأجساد، القش اليابس، والغيوم الرقيقة. كل شيء يجب أن يجد محلاً في جسم المسيح القائم الممجَّد. على هذا المنحى القيامي، نحن مدعوون عبر التاريخ أن نهيئ المجيء الثاني للمسيح والكلّ قادر على ذلك ولو كان مسمّراً على فراش الموت. قليل من الثقة، قليل من الحب، من الفرح، من الصلاة المتواضعة والانسحاق يسمح لقوى القيامة أن تجري في العالم. |
||||
25 - 08 - 2014, 03:13 PM | رقم المشاركة : ( 5467 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لم يحبوا حياتهم "مَنْ سيَفصِلُنا عن مَحَبَّةِ المَسيحِ؟ أشِدَّةٌ أم ضَيقٌ أم اضطِهادٌ أم جوعٌ أم عُريٌ أم خَطَرٌ أم سيفٌ؟ كما هو مَكتوبٌ: إنَّنا مِنْ أجلِكَ نُماتُ كُلَّ النَّهارِ. قد حُسِبنا مِثلَ غَنَمٍ للذَّبحِ. ولكننا في هذِهِ جميعِها يَعظُمُ انتِصارُنا بالذي أحَبَّنا. فإني مُتَيَقنٌ أنَّهُ لا موتَ ولا حياةَ، ولا مَلائكَةَ ولا رؤَساءَ ولا قوّاتِ، ولا أُمورَ حاضِرَةً ولا مُستَقبَلَةً، ولا عُلوَ ولا عُمقَ، ولا خَليقَةَ أُخرَى، تقدِرُ أنْ تفصِلَنا عن مَحَبَّةِ اللهِ التي في المَسيحِ يَسوعَ رَبنا" (رو8: 35-39). مَنْ يتبع المسيح سيمشي في طرق وعرة وضد التيار.. & "اُدخُلوا مِنَ البابِ الضَّيقِ، ما أضيَقَ البابَ وأكرَبَ الطريقَ الذي يؤَدي إلَى الحياةِ" (مت7: 13-14). & "ها أنا أُرسِلُكُمْ كغَنَمٍ في وسطِ ذِئابٍ... وتكونونَ مُبغَضينَ مِنَ الجميعِ مِنْ أجلِ اسمي" (مت10: 16، 22). & "ومَنْ لا يأخُذُ صَليبَهُ ويتبَعُني فلا يَستَحِقُّني... مَنْ أضاعَ حَياتَهُ مِنْ أجلي يَجِدُها" (مت10: 38-39). & "إنْ أرادَ أحَدٌ أنْ يأتيَ ورائي فليُنكِرْ نَفسَهُ ويَحمِلْ صَليبَهُ ويتبَعني، فإنَّ مَنْ أرادَ أنْ يُخَلصَ نَفسَهُ يُهلِكُها، ومَنْ يُهلِكُ نَفسَهُ مِنْ أجلي يَجِدُها" (مت16: 24-25). ومع ذلك فإن تيار المسيحية (ضد تيار العالم) لم ولن ينقطع، بل لقد صمدت المسيحية ضد أعتى القوى وضد أبواب الجحيم.. فما تعرضت له الكنيسة على مر العصور كان كفيلاً بأن يقضي عليها، لو أنها مؤسسة بشرية، ولكن نعمة الله الغنية العاملة فيها رفعتها فوق الزمان، ونصرتها على الأحداث. تُرى ما الذي دفع الناس أن يتبعوا المسيح، ويتمسكوا به، ويحبوه هكذا حتى الموت؟ ما الذي يدفع بإنسان أن يسلك طريقًا وعِرة تؤول إلى عذاب وحرمان من مُتع العالم الحسّية، ثم في النهاية الموت العنيف؟ لم يكن الاستشهاد ثم الرهبنة، أو جهاد الخدمة والنسك.. تهورًا أو اندفاعًا عاطفيًا من المسيحيين، ولم يكن نوعًا من التعصب والتمسك الأعمى بقيم ومبادئ فقط، لكن كان الاستشهاد أعمق من هذا بكثير. فما الذي شجّع المسيحيين ودفعهم للاستشهاد؟ (1) المعمودية إن المعمودية المقدسة هي السر الباطن الذي يعمل فينا بقوة، ويدفعنا نحو الاستشهاد، وذلك بسبب: أ- جحد الشيطان: فالبديل الوحيد للاستشهاد هو عبادة الشيطان، فكيف نعبد من جحدناه في المعمودية؟ كيف ننكث عهدنا ونتقهقر إلى الضياع بعد أن أدرنا ظهورنا للظلمة والموت والشيطان؟ كيف نجبن وننكر اعترافنا بالمسيح إلهنا المحب؟ إن الموت بكل سطوته وعنفه أهون علينا من أن نرجع إلى الشيطان بعد أن تقيئناه في المعمودية. ب- الموت الذي جزناه في المعمودية: & "مَدفونينَ معهُ في المَعموديَّةِ" (كو2: 12). & "نَحنُ الذينَ مُتنا عن الخَطيَّةِ، كيفَ نَعيشُ بَعدُ فيها؟ أم تجهَلونَ أنَّنا كُلَّ مَنِ اعتَمَدَ ليَسوعَ المَسيحِ اعتَمَدنا لموتِهِ، فدُفِنّا معهُ بالمَعموديَّةِ للموتِ، حتَّى كما أُقيمَ المَسيحُ مِنَ الأمواتِ، بمَجدِ الآبِ، هكذا نَسلُكُ نَحنُ أيضًا في جِدَّةِ الحياةِ؟ لأنَّهُ إنْ كُنّا قد صِرنا مُتَّحِدينَ معهُ بشِبهِ موتِهِ، نَصيرُ أيضًا بقيامَتِهِ" (رو6: 2-5). هذه المعمودية التي مُتنا فيها جعلتنا فوق تهديد الموت، وأسمى من رُعب القبر.. & "مُبارَكٌ ومُقَدَّسٌ مَنْ لهُ نَصيبٌ في القيامَةِ الأولَى (المعمودية). هؤُلاءِ ليس للموتِ الثّاني سُلطانٌ علَيهِمْ" (رؤ20: 6). & "فمَنْ ذا الذي يخاف من الموت وقد جازه في المعمودية، ولم يعد بالنسبة لنا موتًا بل انتقالاً" (أوشية الراقدين). ج- الإنسان الجديد الذي أخذناه في المعمودية: & "الإنسانَ الجديدَ المَخلوقَ بحَسَبِ اللهِ في البِر وقَداسَةِ الحَق" (أف4: 24). & هذا الإنسان المنتمي إلى السموات والذي يشتاق إلى السموات.. "ليَ اشتِهاءٌ أنْ أنطَلِقَ وأكونَ مع المَسيحِ، ذاكَ أفضَلُ جِدًّا" (في1: 23). & الإنسان الذي يعتبر سكناه هنا غربة.. "نَحنُ واثِقونَ كُلَّ حينٍ وعالِمونَ أنَّنا ونَحنُ مُستَوْطِنونَ في الجَسَدِ، فنَحنُ مُتَغَربونَ عن الرَّب... فنَثِقُ ونُسَرُّ بالأولَى أنْ نتغَرَّبَ عن الجَسَدِ ونَستَوْطِنَ عِندَ الرَّب" (2كو5: 6، 8). كيف لإنسان مثل هذا أن يهاب الموت وهو يشتهيه ويعلم "إنْ نُقِضَ بَيتُ خَيمَتِنا الأرضيُّ (الجسد الترابي)، فلَنا في السماواتِ بناءٌ مِنَ اللهِ (الجسد الروحاني الذي أخذناه في المعمودية)، بَيتٌ غَيرُ مَصنوعٍ بيَدٍ، أبديٌّ" (2كو5: 1)، "فإنَّ سيرَتَنا نَحنُ هي في السماواتِ" (في3: 20). إن المسيحي الحقيقي يشتاق دائمًا للعودة إلى مكانه الأصلي السموات التي انتمى إليها بالمعمودية. (2) الإفخارستيا والإفخارستيا وقود يلهب نار المعمودية فينا، فلا تنطفئ أبدًا، وبها نأخذ: أ- الخلود: & "أنا هو خُبزُ الحياةِ.... هذا هو الخُبزُ النّازِلُ مِنَ السماءِ، لكَيْ يأكُلَ مِنهُ الإنسانُ ولا يَموتَ. أنا هو الخُبزُ الحَيُّ الذي نَزَلَ مِنَ السماءِ. إنْ أكلَ أحَدٌ مِنْ هذا الخُبزِ يَحيا إلَى الأبدِ. والخُبزُ الذي أنا أُعطي هو جَسَدي الذي أبذِلُهُ مِنْ أجلِ حياةِ العالَمِ.... الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنْ لم تأكُلوا جَسَدَ ابنِ الإنسانِ وتشرَبوا دَمَهُ، فليس لكُمْ حياةٌ فيكُم. مَنْ يأكُلُ جَسَدي ويَشرَبُ دَمي فلهُ حياةٌ أبديَّةٌ، وأنا أُقيمُهُ في اليومِ الأخيرِ.... فمَنْ يأكُلني فهو يَحيا بي.... مَنْ يأكُلْ هذا الخُبزَ فإنَّهُ يَحيا إلَى الأبدِ" (يو6: 48-58). إن مَنْ يأكل جسد الرب ويشرب دمه يخرج من الكنيسة وقد امتلأ من الحياة الحقيقية التي تهزأ بأي تهديد للموت، وتستهين بكل ألم.. فقوة الخلود التي نأخذها في الإفخارستيا أقوى من قوات الجحيم، ففينا يكون المسيح نفسه.. "الذي أقامَهُ اللهُ ناقِضًا أوجاعَ الموتِ، إذ لم يَكُنْ مُمكِنًا أنْ يُمسَكَ مِنهُ (من الموت)" (أع2: 24). "فالمسيح هو حياتنا كلنا" (أوشية الإنجيل)، فإذا اقتنيناه فينا بالإفخارسيتا تصير فينا الحياة التي لا يغلبها موت الاستشهاد أو الموت الطبيعي. ب- الثبات في المسيح: & "مَنْ يأكُلْ جَسَدي ويَشرَبْ دَمي يَثبُتْ فيَّ وأنا فيهِ" (يو6: 56). هذا الثبات يؤول إلى قوة وإثمار.. & "الذي يَثبُتُ فيَّ وأنا فيهِ هذا يأتي بثَمَرٍ كثيرٍ، لأنَّكُمْ بدوني لا تقدِرونَ أنْ تفعَلوا شَيئًا" (يو15: 5). & "إنْ ثَبَتُّمْ فيَّ وثَبَتَ كلامي فيكُم تطلُبونَ ما تُريدونَ فيكونُ لكُمْ" (يو15: 7). & وتصير للشهيد قوة المسيح.. "إنْ كانَ اللهُ معنا، فمَنْ علَينا؟" (رو8: 31). ج- غفران الخطايا: "يُعطى عنّا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمَنْ يتناول منه" (القداس الإلهي). إن ما يزعج الإنسان ويجعله يخاف الموت هو الخطية التي تفقدنا سلامنا وثقتنا، وتهدد مستقبلنا الأبدي، فإذا كنّا ننال كل يوم الغفران بدم المسيح في الإفخارستيا.. فما الذي يرعبنا من الموت أو يهدد أمننا وسلامنا؟ فالمسيح هو غفران خطايانا وخلاصنا، لذلك فنحن نتقدم للموت بخطوات ثابتة واثقين في مراحم الرب الصادقة وغفرانه الأكيد بدمه الثمين في الإفخارسيتا. 3- التعليم الكنسي والتعليم الكنسي في كنيستنا هدفه إعداد المؤمنين للشهادة.. "الخطاة الذين تابوا عدّهم مع مؤمنيك. مؤمنوك عدّهم مع شهدائك" (القداس الغريغوري). لقد علّم الآباء أن الاستشهاد هو كمال المحبة، وأنه أحد البراهين على صدق المسيحية، إذ أن احتقار الموت لدى الشهداء يدل على أنهم حطموا قوى الشر التي كانت تستخدم الموت كأداتها للتعذيب، وكان القديسون يتبارون في اشتهاء الاستشهاد مثل: أغناطيوس الأنطاكي، وبطرس خاتم الشهداء.. وغيرهم، حاسبين أن الاستشهاد هو أقدس مهام الإنسان المسيحي، حيث يظهر به شهوة الاتحاد بالله. لذلك فالشهيد في الكنيسة ينال تطويبًا خاص أكثر من كل القديسين. (راجع مجمع التسبحة حيث يترتب كالآتي: العذراء ? الملائكة ? الأنبياء ? الرسل ? الشهداء ? القديسون ? البطاركة). فأي فرح أعظم من فرح الاستشهاد!! قال أحد الآباء: "أفضل ما يحل بنا هو أن يكون لنا موت الشهيد".. وكان رعاة الكنيسة يحفزون أولادهم على قبول الاستشهاد، كواجب حتمي على كل مسيحي حقيقي يحب الله، ويرغب في الاتحاد به، لكنهم كانوا أيضًا يحذرونهم من إثارة الحكام ورجال الدولة والجند بتهور سعيًا وراء الاضطهاد. فالمسيحي لا يهاب الموت لكن لا يطلبه بتعجل كمَنْ ينتحر. لقد علم الآباء أن الاستشهاد هو شركة في صليب المسيح، وممارسة للحياة الإنجيلية، واستجلاب ليد الله لحضور الله فينا، كما في الأتون مع الفتية القديسين، وفي الجب مع دانيال، بالاستشهاد نصير أخوة للرسل ومحصيين معهم. بالإجمال.. فالاستشهاد في نظر الآباء هو معبر إلى المجد الأبدي.. "آلامَ الزَّمانِ الحاضِرِ لا تُقاسُ بالمَجدِ العَتيدِ أنْ يُستَعلَنَ فينا" (رو8: 18). بذلك كانت الكنيسة تشجع أبناءها على قبول الاستشهاد بفرح وحب وشغف عظيم. ولدينا شهادة مبكرة للعلامة أوريجانوس تصف حماس المسيحية للاستشهاد إذ يقول: "إذ عاد المسيحيون من المقابر بعد أن حملوا أجساد الشهداء القديسين إلى مدافنهم، اجتمعوا في الكنيسة للصلاة، وكانت تظهر عليهم علامات القداسة.. كان الجسد المسيحي (يقصد جماعة المؤمنين) كله هناك. ولم يبدو الخوف على أي منهم. هناك كان الموعوظون يتعلمون الدرس العملي، باستماعهم إلى تقارير عما قاله الشهداء القديسون لقضاتهم، وثباتهم في اعترافهم بإيمانهم حتى لحظة موتهم. إني أعرف رجالاً ونساءً مسيحيين ممَنْ شهدوا أمورًا غريبة حدثت في تلك الاجتماعات تصل إلى معجزات حقيقية". |
||||
25 - 08 - 2014, 03:14 PM | رقم المشاركة : ( 5468 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأنفس المطهرية
* الكنيسة الجامعة: تنقسم الكنيسة الجامعة إلى ثلاثة أقسام: هناك "الكنيسة المجاهدة" وتمثل البشرية الحية المؤمنة والتي ما تزال تكافح يوميا في النفس والجسد وفي مختلف قارّات الأرض لعمل مشيئة الله. وهناك "الكنيسة المنتصرة" وتمثل الأنفس التي رقدت بسلام الرب, والمحررين من كل عداء وانقسام, يتنعمون إلى الأبد في السماء باتحادهم مع يسوع المسيح وحبه ونعمه, ويشاهدون المجد الأبدي لله وأبنائه المخلصين. وهناك أيضا "الكنيسة المتألمة" التي توفي أبناؤها وهم في حالة النعمة, ولكن قبل أن يكفـّروا عن كامل ذنوبهم التي اقترفوها على الأرض. هؤلاء الأنفس التي تتألم في "المطهر" لتتطهر مما كان عالقا بها من أوساخ الخطيئة عند انتقالها من هذا العالم, لتصبح نقية بلا شائبة, كي تتمكن من الإنتقال للأمجاد السماوية, والإتحاد مع خالقها. إن الروابط الوثيقة التي تجمعنا مع القديسين في السماء من جهة, ومع الأنفس المطهرية المعذبة من جهة أخرى, تفرض علينا واجبين: مع المختارين, الذين نفرح بدخولهم إلى نعيم الآخرة ونتضرع إليهم لكي يحمونا ويساعدونا على العيش حياة مسيحية حقيقية من جهة, ومع الأنفس المطهرية من جهة أخرى, لنعطيهم الراحة بصلواتنا وتقشفاتنا وحسناتنا, وخاصة بالذبيحة الإلهية. يحبّ القديسون عمل الرحمة هذا. فبكمال حبهم, يفرحون للراقدين المؤمنين الذين ينتقلون من عذابات المطهر التي استحقوها من جرّاء سيرة حياتهم الأرضية ليشاركوا أبناء الله في الحياة السماوية الخالدة. * رؤية المطهر: يتح الله لبعض النفوس, من جراء حكمته ورحمته, لزيارة النفوس المتألمة في المطهر. وتؤكد لنا كتابات قديسين لا حصر لهم عقيدة وجود "المطهر" التي تعترف وتقرُّ بها الكنيسة. ونذكر هنا ما حدثتنا به القديسة فوستين ( ١٩۰٥ - ١٩٣٨ ) في كتابها "الرحمة الإلهية" عن رؤيتها للمطهر, حيث كتبت :"في المساء, رأيت ملاكي الحارس الذي أمرني أن أتبعه. فوصلت بعد حين إلى مكان مغمّ مليء بالنار يتعذب فيه جمع غفير من النفوس المتألمة. يقوم البعض منهم بتقديم صلوات على نيّاتهم الخاصة ولكن دون فائدة. نحن فقط نستطيع أن نمدّ لهم العون. النار التي كانت تلتهمهم لم تصل إليَّ أبدا. أما ملاكي الحارس, فلم يغادرني لحظة. وسألت النفوس عن عذابها الأكبر, فأجابت بصوت واحد: إنَّ العذاب الأكبر هو توقها لله. رأيت القديسة مريم العذراء في زيارة للمطهر, وهي تلطف من عذابات النفوس المتألمة, حيث تدعوها هذه النفوس "نجمة البحر ." وهنا سمعت صوتا في داخلي ) المسيح ( يقول: لا تريد رحمتي هذا العذاب, لكن هذا ما توجبه العدالة الإلهية. ومنذ ذلك الوقت صرت أكثر اتحادا بالنفوس المعذبة. وبعد خروجي من سجن العذاب هذا, وفي وقت لاحق, تأملتُ في خطيئة الملائكة وعقابهم الفوري. فسألت يسوع: "لماذا عوقب الملائكة, فور ما خطئوا, في نار جهنم الأبدية؟ " فسمعت هذا الصوت: "بسبب معرفتهم العميقة بالله. لا أحد على الأرض, ولا حتى أكبر قديس, يعرف الله كما عرفه الملائكة." "غير أنك أظهرت لي رحمتك يا الله, مع كل حقارتي, مرة تلو الأخرى. إنك تحملني في حضن رحمتك وتسامحني كلما أطلب منك المغفرة بقلب منسحق". ثم تُكْمِل القديسة فوستين: "جاء إليَّ الرب اليوم وقال لي: ساعديني يا ابنتي على خلاص النفوس. ستذهبين إلى قرب أحد المنازعين وستباشرين بتلاوة مسبحة الرحمة الإلهية, فتنالين له الثقة برحمتي, فهو الآن على حافة اليأس. رأيت نفسي فجأة في فندق غريب, حيث كان ينازع رجل في غمرة آلام مرهقة. تجمّع حول سريره مع أفراد عائلته, جماعة من الشياطين. ولمّا بدأت بتلاوة المسبحة, هربت أرواح الظلمة, موجِّهة إليَّ الصفير والتهديدات. اطمأنّ الرجل ووثق برحمة الله ورقد بالرب بسلام." * كيف يمكننا مساعدة الأنفس المطهرية -١ أولاً بتقديم ذبيحة القداس التي لا يمكن لأي شيء الحلول مكانها. -٢ بالعذابات التكفيرية: أيُّ عذاب جسديّ أو معنويّ يقدّم للأنفس يخفف من آلامها. -٣ صلاة الوردية, وصلاة مسبحة الرحمة الإلهية, هي الوسيلة الأكثر فعَّالية, بعد ذبيحة القداس, لمساعدة الأنفس المتألمة. كل يوم ينال عددٌ كبير من الأنفس الخلاص بفضل هذه الصلوات, التي من دونها كانت لتتعذب سنوات أطول. -٤ ممارسة درب الصليب, في زمن الصوم أو غيره من أزمنة السنة الليتورجية, له فائدة كبيرة للأنفس المطهرية. فهي تقلل من عذاباتها الملتهبة, وتفتح أبواب السماوات والمجد الأبدي لنفوس أخرى. -٥ تقول الأرواح إنّ للمراحم قيمة لا تُقدَّر. إنها تخصيص للرضى الذي يقدمه يسوع المسيح إلى الله أبيه. من ينال, خلال حياته الأرضية, الكثير من المراحم للراقدين, سوف ينال هو أيضا الكثير عند ساعة مماته: نعمة نيل الغفران الكامل الذي يُمنح لكل مسيحيّ عند الممات. إذ إنه من القساوة ألا تستفيد النفوس المطهرية من كنوز الكنيسة وممارساتنا التقوية على نيَّتها. -٦ وكذلك الصلوات المخصصة لراحة الأنفس المتألمة والتساعيات والطلبات لها من الأهمية بمكان, وتحتل الصدارة في علاقتنا مع الكنيسة المتألمة. -٧ التصدّق على الفقراء والمحتاجين, وأعمال البرّ, وخاصة الهبات للإرساليات التي تعمل على نشر نور الخلاص بين الأمم, تساعد الأنفس المطهرية. -٨ إضاءة الشموع على نيتها لا تذهب هباء. أولا, لأنّ هذا العمل هو نظرة إهتمام وعربون محبة تجاهها, وثانيا, لأنّ الشموع مباركة وتُضيء الظلمات التي توجد فيها الأنفس. -٩ كما أن رشَّ المياه المباركة يخفف آلام الموتى. في يوم من الأيام رشت إحدى المؤمنات التقيات مياها مباركة للأنفس, فسمعت صوتا يقول لها: المزيد! إنَّ هذه الوسائل لا تساعد الأنفس بالدرجة ذاتها. فإذا كان القداس لا يعني الكثير لشخص ما, خلال حياته, فالقدّاس لا يساعده كثيرا وهو في المطهر. وإذا كان شخص ما قاسيا خلال حياته, ينال القليل من المساعدة. والذي كان في حياته يشنع في الكلام ويقذف به للأذى, يكفِّر عن ذنوبه بشكل قاسٍ أيضاً. أمّا من كان قلبه طيبا. فينال مساعدة أكبر. * مريم العذراء والأنفس المطهرية إنّ القديسة مريم العذراء هي أمّ الرحمة بالنسبة إلى الأنفس المطهرية. عندما يدوّي اسمها في المطهر, تعتري الأنفس سعادة كبرى. قالت نفس مطهرية يوم عيد انتقال العذراء إلى السماء: إنّ مريم طلبت يوم رقادها وانتقالها إلى الأمجاد السماوية في أنْ تُخَلَّصَ جميع الأنفس التي كانت في المطهر, وأنّ يسوع حقَّقَ طلب والدته. رافقت هذه الأنفس مريم إلى السماء في يوم الإنتقال, وفي ذلك اليوم, تُوِّجت مريم أمّ الرحمة وأمّ النعمة الإلهية. في المطهر, توزِّع القديسة مريم النعم حسب مشيئة الله, وغالبا ما تزور أبناءها المتألمين في المطهر لتخفف من عذاباتهم |
||||
25 - 08 - 2014, 03:17 PM | رقم المشاركة : ( 5469 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حاملات الطيب الوفاء حتّى إنّ حاملات الطيب هم النسوة اللواتي أتينالنهاية القبر باكراً ليطيّبن جسد يسوع على عادة اليهود في إكرام موتاهم. ويذكر لنا الإنجيل أسماؤهنّ، وكأنّ ما فعلنه له أهميّة مميّزة. إنّهنّ: مريم المجدليّة، مريم أم يوسى، ومريم زوجة قلاوبا (متّى 28/1-8). وكنّ يتساءلن: مَن تراه يدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟ الموقف الأوّل : لقد أرادت النسوة أن يعبّرن عن محبّتهنّليسوع من خلال رغبتهنّ بدهن جثمانه بالطيب. فالموت لم يستطع أن يزيل المحبّة الّتي في قلوبهنّ. إنّهنّ نساء. ولا يحقّ للمرأة في ذلك العصر أن تدلي بشهادة أمام المجلس، لأنّ الشريعة تشكّك بشهادة المرأة، ولا أن تلجأ إلى الحاكم الروماني، لأنّ المجتمع سيتّهمها بإقامة علاقةٍ غير شريفة معه. كل ما فعلنه هو الحضور: حضور عند الصليب، وحضور إلى القبر. كان هذا كافيّاً للربّ كي يجعلهنّ أوّل شهود القيامة. الثبات في المحن. هذا ما أوصى به يسوع: «ثقوا، فقد غلبت العالم». ففي حياة مملوءة بالصعاب، علينا أن نظلّ أوفياء. أن نقوم بما علينا أن نقوم به، بدل من اليأس والتحديق بما لا نستطيع عمله، أو لا يحقّ لنا فعله. الموقف الثاني : «ورأين الحجر قد دُحرِج». يقول الإنجيل إنّحاملات الطيب شعرن بالخوف أمام هذا المشهد. لقد شعرن بالرهبة. وازداد الخوف حين أكّد لهما الملاكان خبر القيامة: «لماذا تبحثن عن الحي بين الأموات؟» فانفراج أيّة أزمة يولّد الخوف. خوف ألاّ يكون هذا صحيحاً، خوف أن يكون وهماً. وفي خضمّ هذا الخوف، يحدّد الملاك أربع نقاط: عدم الخوف، يسوع الميت لا وجود له، انظرن، وأخبرن إنّ حقيقة القيامة تبدأ بالفرح لا بالخوف. كلّ إنسان يخاف في إيمانه، يشعر بالخوف من الله ودينونته لا بالمخافة منه وأمام أبوّته، لا يكون تلميذ القائم من بين الأموات. والمرحلة الثانية، هي ألاّ نبحث عن المسيح في عالم الأموات والقبور. علينا أن نبحث عنه في كلّ ما هو حي. هذا ما يتساءله الإنسان أمام كلّ مصيبة. أين هو الله؟ والجواب: إنّه ليس هنا. ليس في المصيبة. التفت إلى ناحية أخرى تجده. تعال وانظر إلى الشر والألم، لكي تتأكّد من أنّ المسيح ليس فيه، وأنّ هذا الشر أجوف، فارغ، بلا معنى ولا طعم. فاذهب وبشِّر بهذا. لا علاقة لله بالشر، وهو ليس فيه، بل فوقه، يسمو عليه ويسوده |
||||
26 - 08 - 2014, 01:49 PM | رقم المشاركة : ( 5470 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الفصح الذي هو البدء والمنتهى والنور الذي لا يعروه مساء المطران جورج خضر عن جريدة النهار ومضات فقط لنلتمس شمس الاسبوع الذي نفتتحه غدا بالشعانين بعد بعث اليعازر من الموت اليوم. واهم ما في الحادثة حوار السيد مع مرتا اخت الميت لما قال لها: سيقوم اخوك. فقالت له انا اعلم انه سيقوم في القيامة في اليوم الاخير. قال لها يسوع: "انا هو القيامة والحياة". المعنى ان القائم هو من كان في المسيح وان القيامة العامة تأتي تحقيقا اخيرا لهذا الحاصل اليوم. المؤمن في مماته او معاشه الظاهرين انما يأتي مني ويصير مثلي. واذا قام فيّ لا يحتاج الى شيء آخر يكمله. هذا العاشق ليسوع حي يعبر هذا الوجود وما بعد هذا الوجود. في حادثة بعث اليعازر دشن المعلم موته اذ دخل اورشليم وخرج الجمع الكثير للقائه. سنخرج نحن بدءا من غد من كل وطأة الدنيا لنلقى وجهه وفي هذا اللقاء غسل عينينا. وبعد ان تنقضي الشعانين نقيم في كنيستي ثلاث ليال ما نسميه صلاة الختن. هذا مصطلح سرياني يعني العريس. ونرسم ليسوع العريس صورة لآلامه ونقيمها في الكنيسة لنقول ان من اقتبل منا، تواضع. هذا المسوق الى الذبح تصبح نفسه عروسة المسيح ولكن هذا يقتضي تشبها بالسيد في كل شيء. ونجترئ على الكلام عن دخولنا خدر المسيح لان حبه لنا هو زواجه الحقيقي مع الانسان. وهذا التزاوج بيننا وبين المخلص سيتحقق في دمه يوم الجمعة العظيمة عندما يرفعه الخطأة على الصليب، ذلك ان كل عرس لا يتم الا بالدم. دخل يسوع اورشليم واخذ يعلم. ندد بالفريسيين تنديدا واسعا، شديدا. ثم يحمل السوط ليطرد التجار من الهيكل. الاسبوع المقبل صعب اذ كل منا مضطر الى ان يفحص قلبه ليعرف اذا كان من المنافقين او من تجار الهيكل وبعد ان يتعرى بتوبيخ يسوع له يصبح فقط من احبائه. عندذاك يجالسه في العشاء الاخير عندذاك تهطل عليه الكلمات الجسام التي قالها السيد عن يهوذا الاسخريوطي: "ويل لذلك الرجل الذي يسلم ابن الانسان. كان خيرا لذلك الرجل لو لم يولد". السؤال المخيف هو هل انا يهوذا آخر خائن لابن البشر بعد ان آلفته طويلا ثم حولت وجهي عنه لألهو بمغريات هذا العالم ام اتناول خاشعا، مكسورا المخلص ذاته بالحب عملا بقول الكتاب: "وفيما هم يأكلون اخذ يسوع الخبز وبارك وكسر واعطى التلاميذ وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي. واخذ الكأس وشكر واعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم لان هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا". نحن لا نزال في لغة الاتحاد حيث ينبث في كياننا كله وفي قراءة اعظم سحرا هو يأكلنا ويشربنا او بتعبير ابسط في العشاء السري هذا يحل فينا ونحل فيه. ابوه الذي نخطئ اليه ينسى، عندذاك، كل خطايانا. - في انجيل يوحنا ذكر لعشاء عادي وليس فيه ذكر لتقدمة الخبز والخمر ربما لان يوحنا كان قد تكلم طويلا عن خبز الحياة في موضع آخر. ولكن بعد الاشارة الى ان يهوذا اشترك في الطعام قال البشير عنه: "فلما اخذ اللقمة دخله الشيطان ثم قال فلما اخذ اللقمة خرج للوقت. وكان ليلا". كل عشاء يتم في الليل. ما يذكره اذا يوحنا لا يدل على الوقت. المعنى الذي استدل عليه من السياق ان التلميذ دخل الليل قلبه. هذا جزاء الذين ينكرون يسوع كل على طريقته. - في هذا المخاض تتهيأ امة اليهود لتقتل الذي كان منها حسب الجسد وهي التي اسلمته الى الوالي الروماني. بعض علماء الغرب يقول ان بيلاطس هو الذي اصدر حكم الاعدام وما قامت على مجمع اليهود خطيئة. غير ان هذا المجمع مع الرعاع هم الذين ضغطوا على بيلاطس وبتأثير خوفه من هياجهم الجماهيري اعدم السيد. ليس البحث الحقوقي مفيدا اليوم وما البحث في تبرئة فريق ذا معنى فكل خطيئة ارتكبها احدنا قاتلة للمسيح. ولا رجوع عن مسؤولية هذا الذبح الدائم الا بالرجوع الى وجهه والانضمام اليه. - نحن لا نتحدث عن هذه الميتة الا لكونها مطرح النصر والبر فالقيامة. وقبل ان يتم القتل الفعلي اسلم المعلم نفسه الى مشيئة الآب في البستان. في هذه الصلاة لتكن مشيئتك لا مشيئتي" وحد المخلص ناسوتيته طوعا بارادة ابيه وانهار الفاصل بين الله والبشر، هذا الفاصل الذي اقاموه ليستقلوا عن خالقهم ويؤلهوا انفسهم على غرار آدم. كان يسوع هو الوسيط بينهم وبين الله. فلما غربوه عنهم ورفعوه على الخشبة غفر للقاتلين ولنا وبهذا "تمجد ابن الانسان وتمجد الله فيه". ارادوا استئصاله ولما نظر اشعياء اليه قبل ذلك بقرون قال: "لا صورة له ولا جمال فننظر اليه ولا منظر فنشتهيه". ولكنا الان وبعد ظفره صار هذا الوجه كل النور. كذلك قال اشعياء "لكن احزاننا حملها واوجاعنا تحمّلها... وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا... تذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق الى الذبح وكنعجة صامتة امام جازيها فلم يفتح فاه". هذا لا يزال المشهد أمام كل مؤمن به على رغم فيض النور من كل جسده. ذلك انه لما أخذ على نفسه كل اوجاعنا رفع عنا التوجع ولكن بقينا نتأمل في آلامه لنكف عن معاصينا ونذكر ان الله اشترانا بثمن عظيم لنخرج في غفرانه الى روحية النصر. لذلك لا نتفجع لانه حررنا من كل فاجعة واقامنا معه في مجد لا ينقطع. ان ايماننا هو ان الحياة الالهية الساكنة في جسده نزلت الى مملكة الموت وأبادتها. لذلك عندما نريد ان نعبر عن القيامة لا نرسمه خارجا من القبر ولكنا نصوره نازلا الى الجحيم ومنهضا بيد آدم وبيد حواء اي جنس البشر قاطبة من حكم الموت واتعاب الخطيئة ليجلسنا معه في السماويات. لذلك استطاع صاحب سفر الرؤيا ان يقول: "رأيت سماء جديدة وارضاً جديدة" اي كوناً ظاهره كما تعرفونه وحقيقته ان الله يراه نورا ساطعا من المسيح. وأكمل كاتب الرؤيا: "سيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون في ما بعد لان الامور الاولى قد مضت". بالدقة اللاهوتية هذا لن يكتمل الا عند المجيء الثاني. لكن المؤمنين التائبين يذوقون سلفاً كنه هذا. تكسرهم ضعفاتهم هنا والاهواء ويتجلون في آن بمقدار ما يحبون بعضهم بعضا وليس من حب اذا استولت عليهم الشهوة. "بهذا يعرف الجميع انكم تلاميذي ان كان لكم حب بعضكم لبعض". ليس من مضمون للمسيحية الا هذه المحبة. وهي الفصح الدائم على هذه الارض والفصح الابدي في آخر الازمنة. الآن نسير الى الله وفي تعمقنا الروحي منذ الآن نسير في الله لكون البشرة فينا قد انضمت الى ناسوتية المسيح بضيائه وحبه. عندنا هذا هو مركز كل شيء ومدى كل شيء والله يحب العالم بقوة هذه المصلوبية التي تجعل الدنيا كلها محتواة في قلوبنا ولكن مضاءة. نحن الذين اتكأنا في حضنه كما التلميذ الحبيب في العشاء السري يرفعنا الى صدره لنسمع تلك الكلمات التي لا يسوغ النطق بها، لنتكلم مثلما تكلم ونصبح واحدا معه بسبب من عطفه وكرمه وانحنائه على كل ثنية من ثنايا كياننا. اي نكون في حركة العبور اليه كل حين. هذا هو الفصح الذي هو البدء والمنتهى والنور الذي لا يعروه مساء |
||||