23 - 08 - 2014, 04:50 PM | رقم المشاركة : ( 5431 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التعليم والطاعة وشركة القديسين في النور [ ينبوع الحكمة كلمة الله في العُلى، ومسالكها الوصايا الأزلية ] (سيراخ 1: 5) [ فاسمع لصوت الرب إلهك واعمل بوصاياه وفرائضه التي أنا أوصيك بها اليوم ] (تثنية 27: 10) [ فقال صموئيل (النبي لشاول الملك) هل مسرة الرب بالمحرقات والذبائح كما باستماع صوت الرب (طاعته). هوذا الاستماع أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش. لأن التمرد كخطية العِرافة والعناد كالوثن والترافيم. لأنك رفضت كلام الرب، رفضك من المُلك ] (1صموئيل 15: 22 – 23) [ من أجل إنكم قد بخرتم واخطأتم إلى الرب ولم تسمعوا لصوت الرب ولم تسلكوا في شريعته وفرائضه وشهاداته من أجل ذلك قد أصابكم هذا الشرّ كهذا اليوم ] (إرميا 44: 23) [ نضطجع في خزينا ويُغطينا خجلنا لأننا إلى الرب إلهنا أخطأنا نحن وأباؤنا منذ صبانا إلى هذا اليوم ولم نسمع لصوت الرب إلهنا ] (إرميا 3: 25) حينما يدخل الإنسان في سرّ التوبة والإيمان يدخل في سرّ الحياة الجديدة في المسيح يسوع، وإيمانه يًصبح عاملاً بالمحبة التي تولد في قلبه أشواق نحو الله حبيبه الخاص، وتنفتح آذانه الداخلية على صوته فيبدأ يتعرف على مشيئته، وبكون إيمانه اصبح حي فأنه يصغي للتعليم الصادر من الكتب المقدسة ليُطيع، لأن لو هناك إيمان حي حقيقي في القلب فأن علامته الحقيقية هي الطاعة، والتي تدل على أن الإيمان حقيقي عامل بالمحبة، وهذا يثبت اننا أصبحنا عملياً رعية مع القديسين وأهل بيت الله: [ فأجاب وقال لهم (يسوع) أُمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها ] (لوقا 8: 21)، ولذلك الرب بنفسه ليعلن هذه الحقيقة ويُثبتها ويوضح علامة الطريق الصحيح لحياة التوبة والإيمان الصريح قال: [ الذي عنده وصاياي ويحفظها (يتذكرها ويطيعها ويحيا بها) فهو الذي يحبني، والذي يحبني يحبه أبي، وأنا أُحبه وأُظهر له ذاتي... الذي لا يحبني لا يحفظ كلامي والكلام الذي تسمعونه ليس لي بل للآب الذي أرسلني ] (يوحنا 14: 21 و24) والرسول يقول عن كيف نحب: [ يا أولادي لا نحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق ] (1يوحنا 3: 18) لذلك من تاب توبة حقيقية وبدأ يعيش بالإيمان إذ قد نال نعمة حقيقية وقوة داخلية من الله، فأنه يسعى بكل جهده لأن يستمع للتعليم الذي من الله:
الله يختار وقد وقع اختياره عليك.. ثابر على التعاليم، وحتى أن قضينا فيها وقتاً طويلاً في الكلام، فلا تدع ذهنك يضعُف أو يمل، لأنك تتسلم أسلحة ضد القوات المُعادية ] (من عظات القديس كيرلس الأورشليمي) وطبعاً بعد أن وعينا أهمية التعليم في الكتب المقدسة والاستماع لمن لهم موهبة التعليم بالروح القدس، علينا أن نعي أن التعليم لا يُأخذ في إطار فردي بل في إطار شركة القديسين في النور، أي شركة الكنيسة، أي جماعة المؤمنين الأحياء بالله: [ شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور ] (كولوسي 1: 12)، [ ولكن أن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية ] (1يوحنا 1: 7)، فلا تطهير بدون شركة بعضنا مع بعض... ولننتبه جيداً جداً للمكتوب:فلا تضلوا يا إخوتي، لأن كل من لا يشتاق لأخيه ولا لشركة القديسين في النور ويتولد عنده العزم للقاء معهم في مواظبة شركة الصلاة وقراءة الكلمة والمواظبة على التعليم، فأنه يعلم يقيناً أن هناك شيء ما خاطئ عنده وإيمانه غير مستقيم، لأن مستحيل أهل البيت الواحد لا يحيون مع بعضهم البعض في شركة المحبة لملكهم ومخلصهم [ انكم كنتم في ذلك الوقت (قبل الإيمان) بدون مسيح، أجنبيين عن رعوية إسرائيل وغرباء عن عهود الموعد، لا رجاء لكم وبلا إله في العالم... فلستم إذاً بعد (الآن) غرباء ونُزلاً، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله ] (أفسس 2: 12 و19). ثم كيف يقف إنسان أمام الله ولا يتولد في قلبه محبة وشوق لرؤية أخيه الذي هو ابن لله معه:
+ هؤلاء كلهم كانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته (أعمال 1: 14)يا إخوتي لن ننمو نمواً صحيحاً وتستقيم حياتنا مع الله على الإطلاق ونحن نعيش فرادى منعزلين عن بعضنا البعض عن قصد منا أو لا مبالاة، وكل القديسين أحباء الله الحي شركاءنا في التوبة والإيمان، لأن الرسول يقول:
|
||||
23 - 08 - 2014, 05:16 PM | رقم المشاركة : ( 5432 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القداسة طموح الشهداء لقد رأى المسيحيون الأوائل أن قمة حياة القداسة هي الاستشهاد، خصوصاً أن المسيحية انتشرت في عصر الاضطهاد، لذلك نرى أن معظم تلاميذ يسوع سفكوا دمائهم تمسكاً بإيمانهم (تأمّل: رو8/35-00). فكانوا حقاً "زرع الكنيسة"، حسب تعبير ترتليانوس. فاقتدوا بيسوع في حياته وموته لتستمر الكنيسة بمجدهم "فلا تقوى عليها أبواب الجحيم" (مت16/18). هكذا وُصفت الشهادة على أنها الشكل الأعلى والأسمى للقداسة. فالشهداء هم الذين غسلوا حُللهم وبيّضوها بدم الحمل" (رؤ7/15). ولدينا المثال على ذلك القديس اغناطيوس الانطاكي. فلنصغِ إلى ما يقول: "لن تتاح لي فرصة كهذه للذهاب إلى الله.. إني لا أطلب منكم شيئاً. أطلب فقط أن تتركوني أن أقدّم دمي فدية على مذبح الرب، مادام المذبح معدّاً.. إني أموت بمحض اختياري من أجل المسيح.. اتركوني فريسة للوحوش. هي التي توصلني سريعاً إلى الله. أنا قمح أُطحَن تحت أضراسها، لأُعدّ خبزاً نقياً للمسيح.. لقد ابتدأت أكون تلميذاً للمسيح.. لا شيء يمنعني عن المسيح.. ماذا تفيد ملذات العالم، مالي وفتنة هذا العالم. إني أفضل أن أموت مع المسيح من أملك أطراف المسكونة.. قرُبت الساعة التي أولد فيها. اغفروا لي يا اخوتي.. دعوني أحيا حقاً.. اتركوني أصل إلى النور النقي. إذ ذاك أصبح إنساناً حقيقياً. اقتدوا بي فأنا اقتدي بآلام ربي.. إن رغبتي الأرضية قد صلبت ولم تبقَ فيّ أي نار لأحب المادة، لا يوجد غير ماء حي يدمدم في أعماقي ويقول تعال إلي أيها الآب" (رسالته إلى أهل رومة). ليس الموت طريقاً لحياة القداسة ولكن إن كان لا بدّ منه فأهلاً به. إن الشهيد، حسب القديس اكليمنضوس الإسكندري، هو "دعوة الإنسان إلى الكمال". والشهادة ليس نهاية حياته ولكنّها تُظهر "كمال المحبة". فلا يحمل الشهيد القداسة لإخوته فقط "بل لكل الكنيسة والعالم والكون". وكما يقول أحد الفلاسفة الوجوديين: عندما تكون كنيسة قديسة يصدر عنها قديسون، وبالمثل القديسون يجعلون من كنيستهم قديسة. |
||||
23 - 08 - 2014, 05:17 PM | رقم المشاركة : ( 5433 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القداسة مسيرة صحراء بعد أن أعلن السلام القسطنطيني مرسوم ميلانو سنة 313 م الذي سمح بحرية انتشار المسيحية وأنهى زمن الاضطهاد. خيّم على الكنيسة بعض مظاهر الرخاء والتملّق والمحاباة، وازداد ذلك كلما نعمت الكنيسة بالهدوء والاستقرار، وكادت الروحانية المسيحية، التي أعلنت ملء مصداقيتها بدم الشهداء، تفقد عمقها لولا أن الله افتقدها ليأتي بها "إلى البرية ليخاطب قلبها" (هو2/16)، ويدعوها مجدداً إلى نوع آخر من الشهادة، إنها شهادة الصحراء. لقد نشأت الحياة الرهبانية في صحراء مصر أولاً، ثم في سورية وفلسطين، و"حتى أقصى الأرض"، احتجاجاً على أن الزمن، وإن كان زمن قيصر، هو أولاً زمن ملكوت الله. فلا بدَّ من الصحراء، حيث يضعف ملكوت قيصر. فالرهبنة ليست بدعة في حياة الكنيسة، بل العكس تماماً. فكما كانت شهادة الدم هي ملء حياة القداسة زمن الاضطهاد، تكون الرهبنة نموذج للقداسة في زمن سطوة العالم .يتكلّم القديس إيرنيموس عن عطش كنيسة زمانه إلى الصحراء، فيقول: "أيتها الصحراء حيث سطعت أزهار المسيح الفتيّة. أيتها الخلوة حيث ولدت تلك الأحجار التي تبنى منها مدينة الملك العظيم حسب سفر الرؤيا.." ويتحدث إلى أحد أصدقاءه فيقول: "ماذا تعمل أيها الأخ العزيز في هذا العالم هل ستبقى محبوساً تحت الأَسقف.. وإلى متى؟.. إلى متى ستبقى في سجن المدن المدخنة؟.. صدقني، لا أستطيع أن أصف لك النور الغير الموصوف الذي يقع تحت عيني. ما أشد سروري أن أخلع ثوب الجسد الثقيل لأطير في طهارة الإشعاع الساطع.." إن الصحراء ترمز إلى حاجة الإنسان إلى الخلوة الداخلية. حيث المؤمن يكتشف صورته الأصلية في رؤيا الحبيب (أُنظر: نشيد الأناشيد 4) فيتحوّل العالم المليء بالقحط والأنانية والعنف إلى سلام وهدوء (أُنظر: أشعيا 35) والاستسلام لله هو أهم ما تقدمه الصحراء (رؤ3/20) وبه يستطيع المؤمن الانتصار على كل سطوة إبليس (مت4/1-11) إذ أنه في عمق الصمت يمكن الإصغاء، والإصغاء لله يُحقق الانتصار. |
||||
23 - 08 - 2014, 05:18 PM | رقم المشاركة : ( 5434 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القداسة.. صحراءٌ في قلب العالم لقد أكد القديس أنطونيوس الكبير على ضرورة النزوح إلى الصحراء المكانية لتحقيق ذروات في حياة القداسة. ليأتي بعده القديس أفرام السرياني (373- 306) ليطوّر هذه الحقيقة. فيعتبر أن حياة التأمل هي ضرورة ملحة للالتزام العميق بالمسيحية. ويطلق قولاً للمسيح غير موجود في الإنجيل: "حيث يكون متوحد فأنا أكون".. ويضيف: "إن المسيح هو معنا.. هو فرحنا". ولكن التوحد والتأمل لا يتنافى مطلقاً مع الالتزامات الإنسانية الأخرى. فمع القليل من قوة الروح، يمكن عيش الشهادة في زحمة الحياة، فلا ضرورة، برأي القديس أفرام، للهرب من العالم. ويتكلم أفرام عن البتولية وعن إمكانيتها في حياة المجتمع، لا بل يشدد على ضرورتها لتعلن للمؤمنين رؤى الحياة الأبدية. ويتكلم أيضاً عن ضرورة ممارسة حياة الفقر والصوم والسهر والصلاة المستمرة ليتمكن المؤمن من إعلان حضور الله في حياته. لقد كان أفرام شاعراً فرتل في قلب العالم ما تمجد به أباء الصحراء. ويأتي أيضاً القديس باسيليوس الكبير 330-370) ليؤكد أن للالتزام بحياة القداسة في عمق التأمل لا يتكرّس إلا "بالعمل" و"المشاركة". فنراه ينظم الحياة الرهبانية ويدعمها بالمشاريع الاجتماعية التي تنسجم مع اندماج يسوع باخوته الصغار الذي فيهم يكون جائعاً وعطشاناً ومريضاً وغريباً..ً (مت25). فلا يمكن الفصل في حياة القداسة بين التأمل والخدمة، بين الصحراء والمجتمع. وتأخذ الصحراء في قلب العالم بُعداً مميّزاً مع القديس فرنسيس الأسيزي (1182) حيث تبدأ خبرته الروحية بلقاءه مع المسيح المصلوب، ومن خلال مسيرة داخلية طويلة أخرجت فرنسيس من بيئته البرجوازية. لتنطلق به وتضعه في نور الرب مقدماً له ذاته في أعمال فقير وأخ صغير للفقراء والبرص والهامشيين. ففي كنيسة سان داميان طلب المصلوب من فرنسيس: "يا فرنسيس، اذهب وأصلح كنيستي التي تنهار". لم يفهم مباشرة معنى هذا النداء. ولكنّه شعر برغبة عميقة للتخلي. فترك كل شيء له وتوجه للتأمل بالمصلوب ملتزماً بحياته بكل ما تحمل من فقر وتواضع ووداعة ومحبة، وعلاقة الخالق بالخليقة. إن الإقتداء بالمسيح والتشبّه بحياته وخصوصاً بفقره وتواضعه هو أساس بناء الروحانية الحقة. والمؤمن الذي يتخلى عن كل شيء وعن ذاته إقتداء بالمسيح يغتني بالمسيح في آخر المسيرة. فالله يؤلهه متقبلاً تقدمة ذاته. إن تنازل الله نحونا يرفعنا ويمنحنا الكرامة الحقة. وكان القديس فرنسيس يرجع دوماً إلى "التوبة"، وحتى، وهو على فراش الموت، يتذكر كيف قاده الله إلى التوبة. فالتوبة هي حركة مستمرة في حياة المؤمن. وتأخذ حياة التأمل المندمجة فيقلب العالم وجهاً معاصراً مع الأخ شارل دو فوكو (1858- 1916) فتمنح النور الأوفر لحياة يسوع في الناصرة. فقد شعر بأنه مدعو إلى أن يكرز بالإنجيل لا بالكلام والنشاطات الخارجية، بل بالحياة: "يهتف بالإنجيل بحياته". بحسب عبارته الشهيرة. ولا ننسَ كم غرف هذا الأخ ليسوع قبل اهتدائه من ينابيع القوة العبثية واللهو والمجون. لقد كان ابن عائلة غنية وحاكمة في الجيش الفرنسي آنذاك. يترك كل شيء ليعيش حياة الاندماج بالمجتمع متخفٍ كيسوع العامل البسيط في الناصرة، كل ما لديه من غنى هو فقط يسوع. يقول الأخ شارل في يومياته: "يجب أن تكون رسالتي رسالة صلاح. ينبغي أن يقول الناظر لي.. بما أن هذا الرجل صالح، لابد أن يكون إيمانه حسناً. وإذا ما طُلب إلي لماذا أنا لطيف ووديع علّي أن أقول.. لأنني خادم لسيد يفوقني جداً بصلاحه، فيا ليتكم علمتم أن سيدي يسوع هو صالح.. وأني لأتمنى أن أكون صالحاً بالكفاية كي يقال.. إن هذا العبد هكذا، فماذا عن السيد.. علّي أن أكون كلا للكل.. أضحك مع الضاحكين وأبكي مع الباكين.." |
||||
23 - 08 - 2014, 05:19 PM | رقم المشاركة : ( 5435 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القداسة "لمجد الله الأعظم.." "لمجد الله الأعظم" نغمة رتلها إذ كان بعد في العالم، وأصرّ أن تكون أنشودة حياة الروح. فكان كذلك له ولقلوب كثيرة.. إنه القديس أغناطيوس دي لويولا (1556) مؤسس الرهبنة اليسوعية. إن هذا المعلم الكبير الذي قادت روحانيته، خصوصاً من خلال "الرياضات الروحية"، الكثير إلى النهوض والقداسة. والرياضة الروحية هي أهم ما يميز هذه الروحانية. وهي عبارة عن تمارين تنتقل بممارسها (وبإشراف مرشد) إلى اكتشاف حب الله القوي واعتلان مجده الأعظم في هذا الحب. فتحاول أن تقرأ حياة الإنسان على صفحات الكتاب المقدس. فالكتاب المقدس هو اختبار روحي، يمكن للمتريض أن يكتشف فيه خبرة علاقته بالله القدوس القوي في حبه. وهكذا ينتقل المتريض بين الأمجاد في حياته والكبوات أيضاً، ولكن ليس بحركة العقل وحسب، بل بالإصغاء لهمسات الروح القدس، لاكتشاف "مشيئة الله" وتمييز إرادته واختيار القرار المناسب لوضع ذلك في الحياة والعمل.. فمهما تنوّعت التعدديات، لابدّ من الاختيار، ولابدّ من الالتزام به. ونجد القديس أغناطيوس رغم ذلك يمنح المكانة للقلب. فنراه ساعات طويلة في حوار عميق مع الحبيب حتى أن الدموع تنهمر سخية من عينيه.. دموع التوبة.. ودموع الفرح في الرؤيا. فرجل الإرادة والعزم والعمل تغذي دموع التوبة والرغبة في رؤيا الله والاتحاد به. لقد تفرعت من هذه الروحانية تيارات عديدة اتسم بعضها "بالعملية"، وبعضها الآخر "بالنظرية". ولمعت عنها شخصيات كان لها شأناً مهماً في التاريخ ولا يزال. وقد أحببت أن ألتقي إليكم في هذه الأمسية المباركة، الأب تيار دو شاردان (1955) الراهب اليسوعي العالم المعروف في أوساط علماء الجيولوجيا والطبيعة والانثروبولوجيا، وأيضاً علم المستحاثات ونظرية التطور... ولدي قول له يعبر أصدق تعبير عما يدور في فلك سماءه: "إذا كنت منذ حداثتي أحببت وسبرت الطبيعة والكون باكتمال وبعقيدة متزايدة، فأني لا أستطيع القول ما فعلت ذلك كعالم بل كمتعبد، ويبدو لي أن كل جهد لدي وحتى لو تناول شيئاً طبيعياً صرفاً، كان أبداً جهداً دينياً ووحيد بجوهره وإني لمدرك بأني سموت في كل شيء إلى المطلق. ولو كان هدفي غير هذا الهدف لما كانت لي الشجاعة على العمل، حسبما أعتقد. إن العلم (أي كل أشكال النشاط البشري) والدين ما كانا في نظري إلا شيئاً واحداً. كلاهما بالنسبة إلي سعي إلى غاية واحدة". (عن نشرة "عالمي" 14/4/ 1918). حقاً إن مجد الله الأعظم هو الإنسان الحي، كما يقول القديس إيرناوس. |
||||
23 - 08 - 2014, 05:20 PM | رقم المشاركة : ( 5436 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
القداسة مسيرة واقعية.. إن الطموح الأول والأخير للمسيحي الحق، كما رأينا، هو القداسة. وهكذا كانت تيريز ليزيو (الطفل يسوع) تعلن باستمرار عن هذا الطموح. فتقول بشجاعة: "إن الشوق إلى القداسة، لازمني حياتي كلّها". لذلك سوف نتأمل روحانيتها بشكل أعمق لعلنا نشاهد فيها وجها نموذجياً ومعاصراً (1897) للقداسة، خصوصاً بعد أعلنتها الكنيسة "معلمة" فيها.. إن تيريز، بالرغم من وعيها إن القداسة هي دعوةٌ للجميع بفضل نعمة المعمودية، اكتشَفَتْ سرَّ دعوتها الخاصة. فقد كتبت في باكورة رسائلها في "السيرة الذاتية" لأختها "الأم أنييس يسوع" مُفسِّرةً قول الإنجيل: "صعد يسوع إلى الجبل، ودعا إليه الذين أرادهم، فأقبلوا إليه" (مر3/13)، لتحدثها عن "سرّ دعوتها، بل سرّ حياتها كلها، وسرّ ما خصَّ به يسوع نفسها"، فتقول: "لقد طالما تساءلتُ: ترى لماذا نجد لدى الله خصائص تتناول هذا أو ذاك؟ لماذا لا تتساوى النفوس كلها في نِعَم الله؟ وكان يأخذني العجب لدى رؤيته يغمر بعطايا خارقة، قديسين حَفَلتْ فترة من حياتهم بالخطيئة، كالقديس بولس والقديس أغسطينوس، بل إنه كان يُرغمهم على قبول نِعَمِه. وعندما أقرأ سيرة بعض القديسين، وكنت أرى أن الرب قد طاب له أن يداعبهم من المهد إلى اللحد، وكان يُبادر هذه النفوس بمواهب خاصة، دون أن تخبو إشراقة حلّة العماد فيها... لقد تنازل يسوع وكشف لي هذا السر. لقد وضع أمام عينيَّ كتاب الطبيعة ، وأفهمني أن الزهور التي أبدعها، كلها جميلة، وأن روعة الوردة ونقاء الزنبقة لا يقضيان على أريج البنفسجة الصغيرة، والبساطة الأخّاذة في الأُقحوانة... وفهمت أن الزهرات الصغيرة، لو كانت كلّها وروداً، لفقَدَتْ الطبيعة حلّتها الربيعية، وحُرِمَت الحقول تنوُّع الزهور فيها. تلك هي الحال في دنيا النفوس، أعني بستان يسوع. فقد شاء أن يغرس القديسين العظام، على غرار الورود والزنابق، وشاء أن يغرس زهرات صغيرة، لابدَّ لها أن تكتفي بأن تكون أقحوانات أو بنفسجات يتمتع بها نظر الله.. فالكمال هو في الأمانة لإرادته، وفي أن نكون ما يشاء لنا أن نكون". تؤكد هذه الراهبة الصغيرة، التي ما تعلَّمت يوماً في مدارس اللاهوت، بل الطبيعة وكلمة الله كانتا مدرستها، أنَّ محبة يسوع تشمل جميع البشر دون استثناء، فهي "تتجلّى في النفس الأكثر وضاعة، تلك التي تتجاوب كلياً مع نعمته، كما تتجلّى في النفس الأكثر سموّاً". ذلك "أن ميزة الحب أن يتنازل.. وفي تنازل يسوع، تتجلّى عظمته اللامحدودة". فالطفل "الذي لا علم له بشيء.. وساكن الأدغال الذي ليس له ما يقود مسيرته إلا الناموس الطبيعي.."، هما أيضاً مدعوان إلى القداسة!.. هكذا "يعتني الرب يسوع بكل نفس ، كما لو كانت فريدة". ويمنح كلَّ إنسان التطلع إلى اللقاء به. إذ "لا يمكن لله، تقول تيريز في نفسها، أن يبعث فينا أشواقاً يستحيل تحقيقها. فبوسعي، إذن، وبالرغم من صِغَري، أن أصبو إلى القداسة". وما يميِّز دعوة تيريز إلى القداسة هو رغبتها السريعة في تحقيقها، رغم إدراكها لحقيقة الضعف المتأصلة في الإنسان، تقول: "لابدَّ لي من أن أقبل واقعي كما هو، بكلِّ ما فيه من نواقص. إني أريد أن أذهب إلى السماء، سالكةً طريقاً مستقيمة وقصيرة المدى، طريقاً صغيرة وجديدة. فنحن في عصر الاختراعات، ولم يَعُد ضرورياً أن نتسلَّق السلالم درجة درجة.. هناك المِصعَد!.. أنا أريد أن أجد مصعداً يرفعني إلى يسوع، فأنا أصغر من أن أتسلَّق سلّم الكمال، وهي سلّم شاقة". ولكن، ما هو المِصعَد في نظر صغيرتنا القديسة؟!.. الطبيعة..؟ أم الكتب المقدَّسة؟.. أم كلاهما معاً؟.. لقد وجدت تيريز في تأملها الكتب المقدسة "ما كانت تسعى إليه". فكانت تعتبر أن كلمة الله هي دائماً واقعية، بشكل أن تكون موّجهة إلينا مباشرة، وشخصيّاً، ولقد كانت باستمرار "موضوع أشواقها". فحين تتأمل مثلاً نصاً إنجيلياً يتحدَّث عن مريم العذراء، تقول: "يجب ألا نذكر عن مريم أموراً مجهولة أو يصعب تصديقها. مثلاً، أنها ذهبت صغيرة إلى الهيكل لتقدّم ذاتها للرب بعواطف حب مضطرمة وحرارة خارقة العادة، في حين أنه ذهبت ربما لمجرّد طاعة والديها. فلكي يأتي بثمر تأمل عن العذراء، يجب أن يظهر هذا التأمل حياتها الواقعية كما تستشف من الإنجيل، لا حياتها المفترضة. ومنه ندرك أن حياتها الواقعية في الناصرة، شأنها فيما بعد كانت حياة عادية... يروننا العذراء بعيدة عن متناولنا. يجب أن يرونا إياها كمن يمكن الإقتداء به، أي أنها كانت تمارس الفضائل خفية. وأن يقولوا أنها عاشت نظيرنا من الإيمان، مستندين إلى براهين مأخوذة من الإنجيل". ولَكَم كانت الطبيعة أيضاً مصدر إطلالة حبِّ الله عليها، حتى أكثرت من الاستعارات والتشابيه المستمّدة من الطبيعة كالورود والطيور والشمس والعاصفة والمطر والضباب، تقول: "يا يسوع، يا أول صديق، يا صديقي الأوحد، أنت الذي أحبك وحدك، فَسِّر لي هذا السر.. . لماذا لا تحصر التطلعات الوسيعة في النفوس الكبيرة، في النسور التي تُحلِّق فوق القمم؟.. أنا أحسب ذاتي عصفوراً صغيراً.. لست نسراً، إلا أنَّ لي عينا النسر وقلبه، لأني برغم صغري، أجرؤ على التحديق بالشمس الإلهية ، شمس الحب، وقلبي يشعر في أعماقه ، بكل ما للنسر من تطلعات.. يا يسوع إني أتفهَّم حبك للعصفور الصغير.. ولكني على عِلمٍ أيضاً ، وكذلك أنت، أن هذا المخلوق الناقص ، مع التزامه أن يبقى تحت أشعة الشمس، قد يسهو قليلاً عن اهتمامه الأوحد، فيلتفت تارةً إلى اليمين، وطوراً إلى اليسار، ليلتقط حبة صغيرة، أو يسعى وراء دودة صغيرة... وإذا ما لحظ قليلاً من الماء قد تجمَّع على الأرض، عدا إليه ليُبلِّل ريشه الطري؛ وإذا وقع نطره على زهرة تحلو له، مال إليها تفكيراً واهتماماً.. . ولأنه لا يستطيع أن يُحلِّق كالنسور، يعكف العصفور الصغير على توافه الأرض، ويوليها اهتمامه. مع ذلك، وفي أعقاب هذه النقائص، وبدلاً من أن يندُب فيها شقاءه ويموت ندماً، يلتفت العصفور الصغير صَوْب شمسه الحبيبة، ويعرض لأشعتها المُحيية، جناحيه الصغيرين المُبلّلين، ويتنهَّد على مثال السنونوة ويُغني، وعبر نشيده الشجي، يسرد تفاصيل إساءاته ويستودعها من يستمع له.. ويستجلب عطاء أغزر من حب ذاك الذي لم يأتِ ليدعوَ الصديقين بل الخطأة..." لم تتردَّد تيريز مطلقاً أن تظهر في سيرتها نقائصها التي كان يسوع ساهراً على تجاوزها، لذلك "لا تجد صعوبةً في النهوض عندما تكبو"، على حدِّ قولها. فحين يكتشف الإنسان ضعفه، تقول تيريز: "يتحمَّل نقائص الغير، ولا تصدمه مواطن الضعف فيه". فلا يكفي أن نقول أننا نحبُّ الآخرين، "بل علينا أن نقيم الدليل على هذا الحب". وكما قالت القديسة تيريزيا الأفيلية: "ينبغي أن نتعامل بفن مع ضعفنا"، عاشت تيريز الصغيرة هذا الفن، ليس مع ضعفها وحسب، بل ومع ضعف الآخرين أيضاً. ولقد اقتبست هذا الفن، كما تقول، من يسوع نفسه الذي هو "فنّان النفوس". لم تتأخر تيريز في إظهار عفويتها، ومواقفها المرحة، كأن تذكر مثلاً أن أمها كانت تنعتها بالـ"عفريته".. وأنها حين كانت تمازح أباها تتمنى له أن يموت لكي يذهب إلى السماء. وعندما تهددها الوالدة بأنها ستذهب إلى جهنم حين لا تكون "عاقلة"، تردُّ عليها أنها سوف تتعلّق بها لتذهب معها إلى السماء، "إذ كيف يمكن للرب، تقول تيريز لها، أن يُبعدني؟ ألا تضميني إلى ذراعيكِ بشدة". كأنها كانت على قناعة أن الله "لن يستطيع حيالها شيئاً" طالما هي بين ذراعي الأم! التي هي بدورها، تصف صغيرتها، أنها، رغم صراحتها وشفافيتها و"قلبها الذهبي"، "طائشة"، "عنادها لا يقهر.. عندما تقول "لا"، لا يمكن لأي شيءٍ أن يُزعزعها". وتحتار الأم حول مستقبلها وتتساءل عنها "ماذا ستكون"؟.. ليتكِ علمتِ أيتها الأم الفاضلة التي قدَّمَتْ للكرمل أربع زهرات من بناتها، أن الصغيرة منهن ستكون قديسة!! تختار تيريز الطفولة الروحية طريقةً لقداستها التي طالما تشوَّقت إليها، تقول: "لستُ في حاجةٍ لأن أكبر، بل بالعكس، لابدَّ لي من أن أظلّ صغيرة، وصغيرة جداً، وأن أصغر أكثر فأكثر". ولكن، كيف تفهم قديستنا الطفولة الروحية: "سوف أبقى أبداً طفلةً، ابنة سنتين أمامه تعالى كي يضاعف اهتمامه بي.. فالطفل يرتضي بصغره وضعفه، ويقبل أن يكون بحاجة إلى المعونة.. سأتوكَّل على الله أبي في كلِّ شيء، وأطلب إليه كلَّ شيء، وأرجو منه كلَّ شيء. سأترك له الماضي مع ما فيه من المتاعب والمآثم ليغفرها.. وسأقبل الحاضر والمستقبل منه مسبقاً كما تشاء يده الحنون أن تنسجها لي.. سوف أبقى أبداً طفلةً أمامه، وأحاول دوماً أن أرتفع إليه بالرغم من ضعفي ووهَني.. الطفل الصغير يستطيع المرور بكلِّ مكان لصغره.. كم أتوق إلى السماء، حيث نحبُّ يسوع دون تحفظ أو حدود.. في قلب يسوع، سأكون دوماً سعيدة.. الشيء الوحيد الذي أرغب في أن تطلبه نفسي، هو نعمة حبِّ يسوع، وأن أجعل، قدر إمكاني، كلَّ إنسان يحبه.. سوف أعكف دائما على التغني بمراحمك.. " تطمح تيريز في طفولتها الروحية إلى النبوءة، وإلى الكهنوت. وتتشوّق، كبولس الرسول، إلى المواهب العظمى، لتكتشف في النهاية، أن الحب هو غاية المواهب والدعوات، تقول: "يا يسوع، سامحني واشفِ نفسي بمنحها ما تصبو إليه!!.. أن أكون عروستك.. أن أكون كرميلية.. أن أكون، باتحادي بك، أماً للنفوس.. كان يجب أن أكتفي بهذا... ولكن الواقع غير هذا.. لأني أشعر في ذاتي بدعوات أخرى.. أشعر بدعوة إلى الكهنوت والرسالة والتعليم والاستشهاد.. أشعر في نفسي بالحاجة والشوق، إلى أن أقوم في سبيلك، يا يسوع، بكلِّ الأعمال الأكثر بطولة!.. مع أني صغيرة، أتشوّق إلى أن أنير النفوس، على غرار الأنبياء والمعلمين. إني مدعوَّة إلى الرسالة... ورغبتي أن أجتاز الأرض، وأنادي باسمك، وأغرس في الأرض النائية، صليبك المجيد. ولكنَّ رسالةٌ واحدة لا تكفيني. يا حبيبي، أنا أريد، في الوقت نفسه، أن أحمل بشارة الإنجيل ، إلى القارات الخمس، وحتى الجُزُر القاصية.. وأريد أن أكون مرسلة، ليس على عدد من السنين وحسب، بل منذ خلق العالم، وحتى اليوم الأخير.. ولكني أصبو، فوق كل شيء، يا مخلصي الحبيب، إلى أن يُراق دمي لأجلك، حتى النقطة الأخيرة".. ولكنها، ولشدة واقعيتها تختار دعوتها في المسيح أن تكون الحب، فتقول: "أجل، وجدتُ موقعي في الكنيسة. وهذا الموقع، قد أعطيتنيه أنت، يا إلهي.. في قلب الكنيسة، أمي، سأكون الحب.. وسأكون بهذا الحب كلَّ شيء.. . لقد وعيت أن الحب يحوي في ذاته، جميع الدعوات، وأن الحب هو كلّ شيء، وأنه يَلُفُّ جميع الأزمنة والأمكنة، وبكلمة، إنَّ للحبِّ الخلود.. يا يسوع، يا حبي، لقد اهتديتُ أخيراً إلى دعوتي ، إنَّ دعوتي هي الحب!". لذلك نجدها، وبهذا الحب، تصلّي من أجل جميع الناس، خصوصاً الذي يحملون دعوة التكريس الكامل لله والخدمة، ولعلها كانت تحمل الكهنة في كلِّ صلاةٍ لها. هكذا، تتجلى قداسة تيريز في واقعيتها الطموحة. تعرف حدودها، تسرُّ بصغرها، ولكن لا تمنع نفسها التطلع إلى العظائم. لعل القدير الذي ينظر إلى ضعتها، يمنحها كفتاة الناصرة عظائمه، وهكذا فعل، تقول: "إنَّ كلَّ شيء يؤول في النهاية إلى خلاصي وسعادتي ومجده تعالى.. الله يعلم كلَّ شيء، وهو قادرٌ على كلِّ شيء.. ويُحبني.. إن أصغر لحظة حب خالص، لأكثر فائدة لها ، من جميع ما عداها من نشاطات مجتمعة.. " "يا يسوع، كن لي كلَّ شيء. هب لي ألا تتمكن أشياء الأرض من أن تلقي الاضطراب في نفسي، وألا يُقلق سلام نفسي أي شيء . يا يسوع لست أسألك إلا السلام، والحب أيضاً، ذاك الحب اللامتناهي، الذي لا يحده غيرك... الحب الذي يُحوِّلني من ذاتي إليك.. أعطني أن أموت شهيدة.. يا يسوع لتكمُل مشيئتك فيَّ بكمالها.. إن مسرتك وعزاءك، هما محور ما أريد". |
||||
23 - 08 - 2014, 05:48 PM | رقم المشاركة : ( 5437 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الوقت هو أهم وأغلى عملة في هذه الحياة لأن ما تصرفه منه لا يمكنك استرجاعه أبدًا! كانت هناك طفلة اعتادت أن تجلس مع أبيها يوميًا، يقضيان معًا وقتًا في الكلام واللعب ويستمتعان ببعضهما.. ثم مضى أسبوعًا كاملاً لم تجلس فيه هذه الطفلة مع أبيها تمامًا.. وبدا الأب حزينًا.. وفي يوم، جاءت الطفلة وفاجأت أبيها بالهدية التي أعدتها بنفسها لعيد ميلاده؛ لقد رسمت لوحة رائعة لأبيها وقد استغرقت كل وقتها في الأسبوع الماضي لتنتهي منها.. أخذ الأب الهدية وشكر ابنته جدًا لمجهودها الرائع الذي بذلته، لكنه قال لها: لقد فرحت جدًا بما فعلتيه من أجلي، ولكني افتقدتكِ أنتِ! فالوقت الذي أقضيه معكِ أثمن كثيرًا في عيني من أي شيء تقومين به من أجلي- لو كان هذا الشيء سيحرمني من وقتي الخاص معكِ! |
||||
25 - 08 - 2014, 02:18 PM | رقم المشاركة : ( 5438 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الله يتوقّع الشّر ويُفاجأ بحدوثه تُطلعنا الفصول الستة الأولى من سفر التكوين على عدّة قصصٍ لشّرٍ حصل من دون أن يكون متوقّعاً. ففي الفصول الثلاثة الأولى، يبدو أنّ الله خلق خليقةً حسنة. ثمّ تأتي حيّة غامضة "هي أحيل جميع حيوانات الحقول التّي صنعها الربّ الإله" (تك3/1)، وتبلبل النظام القائم. ويسقط آدم وحوّاء في التجربة. وفي اليوم التالي:"نادى الربّ الإنسان وقال له: أين أنت؟ قال: إني سمعتُ وقع خطاكَ في الجنّة فخفتُ لأنيّ عريان فاختبأتُ. قال: فمَن أعلمكَ أنّكَ عريان؟ هل أكلتَ من الشجرة التي أمرتكَ ألا تأكل منها؟..." (تك3/9-11) يبدو من هذا الحوار أنّ الله فوجئ بعصيان آدم. لكنّه كان يتوقّع ذلك وإلاّ، لماذا منع الأكل من شجرة معرفة الخير والشر؟ (تك2/16-17). ألا نمنع ما نتوقّع احتمال حدوثه؟ أو أقلّه ما يمكنه أن يغوي؟ لذلك يمكننا القول، إنّ الله كان يتوقّع الشّر، واتخذ كافّة الإجراءات المتاحة له ليمنعه، لكنّه فوجئ بأنّه حصل. تماماً كما يربّي الأهل أولادهم تربية حسنة، ويحمونهم بشتى الوسائل من الانحراف. لكنّ هذا لا يلغي حريّة الابن في فعل الشر. فإذا فعله، يُفاجأ الأهل. وتأتي المفاجأة الثانية في قصّة قايّين وهابيل."فقال الربّ لقايين: أين هابيل أخوك؟ قال: لا أعلم. أحارس لأخي أنا؟ فقال: ماذا صنعتَ؟ إنّ صوت دماء أخيك صارخ إليَّ من الأرض" (تك4/9-10). والمفاجأة الثالثة أقسى."ورأى الربّ أنّ شرّ الإنسان قد كثُر على الأرض، وأنّ كلّ ما يتصّوره قلبه من أفكار إنماّ هو شرّ طوال يومه. فندم الربّ على أنّه صنع الإنسان على الأرض وتأسّف في قلبه. فقال الربّ:"أمحو عن وجه الأرض الإنسان مع البهائم والزحّافات وطيور السماء...." (تك6/5-7). فالمفاجأة غير سارّة، وخيبة الأمل شديدة. إلاّ أنّ الله لم يُبِد البشرية. فقد "نال نوح حظوة في عينيّ الرب". وحافظ الله على نوحَ البار وعائلته، أملاً في خلقٍ جديد. وتتكرّر المفاجأة. فقصّة سُكرِ نوح وسلوك ابنه حام تجاهه تبيّن أنّ "الإنسانيّة الجديدة" المولودة من نوح ليست أشرف من الأجيال السابقة. فالله لم يستبدل بعملٍ فاشلٍ تحفةً ناجحة، والإنسان هوهو، خاطئ وضعيف.وتأتي أحداث برج بابل لتعيد مأساة خطيئة آدم. فالله يغيب أو يتغيّب، ليفسح المجال أمام الانسان كي يمارس حريّته. وكلما غاب الله عن الإنسان، برزت الرغبة الجامحة في قلب كلّ بشر بأن يصبح شبيهاً بالله، معه، بدونه، ضده، فيرتكب الشر. وعندما رأى الله أنّه كلّما غاب ضلّ الإنسان، أبرم عهداً أبدياً مع إنسانيّة ناقصة وخاطئة."لن أعود إلى لعن الأرض بسبب الإنسان، لأنّ ما يتصوّره قلب الإنسان ينزع إلى الشرّ منذ حداثته" (تك8/21). منذ ذلك الحين، زال عنصر المفاجأة. وعزم الله على تشكيل الإنسان وإعادة تشكيله كما يصنع الخزّاف (إر12). وعزم على أن يأخذ الخطيئة والشر في عين الاعتبار، أثناء تشكيله هذا، وأن يُدخلها في مخطّطه الخلاصيّ. وعلى الإنسان الذّي يريد أن ينضمّ إلى مشروع الله الخلاصيّ أن يقبل بوجود الشرّ والخطيئة، لا أن يعيش في وهم الحماية الإلهيّة التي تمنع عنه المرض والألم والموت. وبفضل كشفٍ إلهيّ مدهش، يدرك بيقينٍ راسخ "أنّ آلام هذه الدنيا لا توازي المجد الذّي سيتجلّى فينا ... فقد نلنا الخلاص، ولكن في الرجاء ... وإذا كنّا نرجو ما لا نشاهده، فبالصبر ننتظره" (روم 8/18-25). |
||||
25 - 08 - 2014, 02:22 PM | رقم المشاركة : ( 5439 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الله هو الضحيّة الأولى حين كلّم يسوع شاول على طريق دمشق قال له:"أنا يسوع الذّي أنتَ تضطهده". ما الذي فهمه شاول الفريسيّ في تلك اللحظة؟ لقد فهم أنّ الله يُمَسّ مباشرة بما يحدث للبشر، ينجرح بما يجرحهم. واجلى أمام بطرس معنى الكتب التي كان يظنّ أنّه يعرفه: إنّ الله يتماهى بالإنسان المتألّم ويؤازر الخاطئ. فالله هو أوّل ضحيّة لمغامرة الخلق، هذه المغامرة النابعة من محبّته الفائقة، وهو يتحمّل مسؤوليتها. وبما أنّ حنانه مطلق، فهو سهل التعرّض للتجريح ممّا يقتل الإنسان أو يسيء إليه أو يدمّره. إنّه يتألم مع ضحايا الخطيئة، بل يتألّم أكثر منهم لأنّه يحبّهم أكثر ممّا يحبّوا أنفسهم. إنّه يتألم مع مرتكبي الإثم حتى وإن لم يشعروا بالألم من إثمهم، لأنّه يحبهّم أكثر ممّا يحبّوا ذواتهم. لكنّ ألم الله لا يقلّل من قدرته على المحبّة، بل على العكس، فإنّ قلب المسيح الذّي تطعنه الخطيئة ينفتح فيتدفّق منه الدم والماء، الحياة والمحبّة. هذا ما يعنيه طعن يسوع المصلوب بالحرية (يو19/31-37). المحبّة تجعل الشخص يتفاجأ. فمن يحب، يرجو كلّ خير ممّن يحبّه. ولا يكمن في قلبه سوء نيّة أو نظرةً سلبيةً تجاه الآخر. وإذا تصرّف الآخر بسلبيّة، إذا ارتكب الشر، يتفاجأ المحب؛ ينجرح قلبه. فالله المحب هو إله معرّض للتجريح.وتعرضّه للتجريح لا يتعارض مع كونه كلّي القدرة، بل يكشف سرّ المحبّة العجيب. فالمحبّة الضعيفة لا ترضى بأن تنجرح. أمّا المحبّة الصافية الصرفة، "تتحمّل كلّ شيء، وتعذر كلّ شيء" (1قو13/7). ومحبّة الله تزيل خطايا العالم (يو1/29). فيقف الحمل المطعون منتصراً على الموت والخطيئة (رؤ 5/6-14) كما وقف القائم من بين الأموات أمام توما (يو20/24-28). لقد خطّط الله مشروع خلاص دفع هو ثمنه. وتوقّع مسبقاً الشرّ الذي سيصيبه والمحبّة الّتي سينتصر بها عليه. فإذا افترضنا أنّ الله تفاجأ بشرّ الإنسان في بداية الخليقة، فإنّنا نحن أيضاً نتفاجأ بالمحبّة الإلهيّة الّتي تفوق توقّعاتنا وإدراكنا. نتفاجأ بمشروعه المدهش لأجلنا وبدعوته لنا كي نتألّه، كي نصير على صورته، كي نشاركه ألوهته وسعادته وأبديّته. |
||||
25 - 08 - 2014, 02:23 PM | رقم المشاركة : ( 5440 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مشروع الله هو أن نصير آلهة إنّ تفكيرنا في مسألة الشرّ ينطلق من مشروع الله كما يصفه الكتاب المقدّس. وما هو هذا المشروع؟ إنّه دعوة كائنات إلى أن يصيروا مثله.أي أنّ الله يريد كائنات قادرة على المشاركة في العلاقة الثالوثيّة. وهذه العلاقة هي علاقة حريّة ومحبّة صرفة. نحن لا نشترك في عهدٍ كهذا بالقوة ولا بطريقةٍ تلقائيّة. فقبول الإنسان لما يعرضه الله قبولاً حرّاً شرط أساسيّ لإقامة هذه العلاقة. نحن نعلم من الخبرة أنّه ما من محبّة صادقة بدون حريّة. كان الله يستطيع أن يخلق "حيواناتٍ راقية" لديها قدرات تشبه قدراتنا، وأن يبرمجها لتسلك سلوكاً لا خلل فيه بحسب مخططٍ حكيم مدوّن في كيانها. فتكون كائنات بغريزةٍ مضبوطة كغرائز الحيوانات، لكنها لا تتمتع بالحريّة، ولا تتساءل في مسألة الخير والشّر، وبالتالي، لن تفعل الفظائع التّي نحن قادرون على فعلها، ولن تفتش على طرائق تأنسها. إلاّ أنّ كائنات كهذه لن تتألّه كما يريد الله. وستكون فائقة التنظيم، لكنّها ستظلّ كما هي أبداً دائماً. فالنمو هو قدرة على التغيير، والتغيير يتطلّب حريّة. والحريّة تعني القدرة على رفض النمو أو قبوله، فعل الشرّ أو الامتناع عنه. إنّها كما يقول القديّس أوغسطينس،"القدرة على التألّه". لقد خلق الله متألهّين على صورته كمثاله (تك1/26-27) ودعاهم إلى أن يكونوا قدّيسين مثله (1ح19/2) كاملين مثله (متّى5/48) رحماء مثله (لو6/36) وهو يريد أن يهبهم الحياة الأبديّة (يو17/2-3) في مسكن الأب (يو14/2-3). ولأنّ الإنسان قادر على الألوهة capax Dei ، لم يُخلَق كاملاً. وكماله في الله يتمّ في علاقة محبّة ويتطلّب تعاونه الحر، لقد خلق الله الإنسان على مرحلتين: أولاً في ظروفٍ مؤقتة من عدم الكمال والتوق إلى المطلق، أي إلى الله. في أثناء هذه المرحلة - وهي حياتنا الأرضية- هناك تعاون دائم وسرّيّ بين الله وقلب كلّ واحد كي ينجح المشروع. فروح الله ينضمّ إلى أرواحنا (روم8/16) لينيرنا ويغيرّنا. ويُضاف إلى هذا العمل الخفيّ تدخّل مرئيّ لله في تاريخ شعبه. ويبلغ هذا التدخّل ذروته في التجسّد والسّر الفصحيّ. إنّه الرباط الأصليّ الذيّ يوحّدنا به (را. قور1/15-20) والّذي أصبح جزءاً من تاريخنا وينيرنا إلى الأبد. كلّ هذا مدعوّ إلى أن يبلغ تمامه في الفترة الثانية، وهي الفترة النهائية، فيها يكون الله كلاًّ في الكل (1قو15/28). فصورة الله أُعطيت لنا منذ ولادتنا، لكنّها أعطيت كرسمٍ تخطيطيّ (كروكي). وتشابهنا معه يتحقّق من خلال مسار تألّه. فالتشبّه بالله هو أولاً هبة من الله وثانياً استجابة من الإنسان. إنّ الفارق الشديد بين حالتنا في البداية - حالة غير مكتملة ? ودعوتنا إلى أن نصير مثل الله يخلق مسافةً تكون فيها الخطيئة ممكنة. فالإنسان غير المكتمل هشّ. ويبدو أنّ احتمال ظهور الشرّ مسجّل في البنية الأدبيّة للخليقة. وبما أنّ الإنسان هش، فإنّ رفضه للنظام ليس مجرّد ثورة ثانويّة سطحيّة سببها فساد الخطيئة البشرية، بل على العكس، يظهر هذا الرفض وكأنّه أمر لازم لخليقة هشة وضعيفة في جوهرها. ففي المساحة التي ترعى فيها الخطيئة، تفيض النعمة أيضاً (روم5/20). حين نجعل أنفسنا في منظار مخطّط الله، لا يُبَرّر الشرّ الذي نرتكبه بل يمكننا أن ندركه بطريقة واضحة انطلاقاً من إيماننا. فهو لم يعد لغزاً غامضاً، لأننا بدأنا نفهمه بنور الوحي الإلهيّ. ويندرج في هذا المنظار أيضاً الشرّ الّذي يصدر من الطبيعة. فالعالم أيضاً خليقة لم تكتمل بعد. أي أنّه لا يعمل تلقائياً لصالحنا. فقد سلّمنا الله إيّاه كي نحوّله إلى مكان إقامة هانئ آمن بتعلّمنا ماهيّة الطبيعة وسيطرتنا عليها وتوقّع أخطارها، ومعالجة أمراضها. وبفعلنا هذا، نستثمر طاقاتنا في صراعٍ يبني العالم ويبنينا: إنّه جهد جماعيّ تتقدّم الإنسانية بفضله تدريجيّاً نحو كمالها. إنّ الصراع من أجل أنسنة العالم يجب أن يرافقه صراع ضدّ الخطيئة. فنحن لن ننجح إلاّ معاً. هذا يعني أنّه علينا تخطّي أنانيّاتنا وكبريائنا كي نقيم بيننا، على مستوى الكرة الأرضيّة، روابط تعاون وعدالة ومحبّة |
||||