21 - 08 - 2014, 02:54 PM | رقم المشاركة : ( 5341 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بركة يعقوب لأبنائه
كانت بركة أبينا يعقوب لأبنائه الأسباط الاثنى عشر مليئة بالمعاني المسيانية.. التي تشير إلى السيد المسيح بمنتهى الوضوح.. تعالوا معًا نشبع بكلمة الله، ونتأمل في هذه المعاني: "ودعا يعقوب بنيه وقال: اجتمعوا لأُنبئكُم بما يُصيبكُم في آخر الأيام. اجتمعوا واسمعوا يا بني يعقوب، واصغوا إلى إسرائيل أبيكم" (تك49: 1-2) إن آخر الأيام التي يتكلم عنها الأب يعقوب هي أيام مجيء المسيا. (1) رأوبين "رأوبين، أنت بكري، قوتي وأول قدرتي، فضْل الرِّفعة وفضل العزِّ" (تك49: 3) + إنه يرمز للبّر الذاتي والكفاية البشرية.. إنه "بكري وقوتي وأول قدرتي".. لذلك ليس له نصيب مقدس مع الرب بسبب هذا البر الزائف، وهذا رمز للفريسيين الذين وبخهم السيد المسيح بقوة. + لذلك قيل: "لأنه هو البكر، ولأجل تدنيسه فراش أبيه، أُعطيت بكوريته لبني يوسف بن إسرائيل، فلم يُنسب بكرًا" (1أخ5: 1). إن كل مَنْ يعتمد على مهاراته وقدراته البشرية يُحرم من نعمة الله. (2) ، (3) شمعون ولاوي + يشيران إلى الكتبة والكهنة.. إنهما "أخوان، آلات ظُلم سيوفهما" (تك49: 5).. لأن الكتبة والكهنة قد ظلموا المسيح، وجمعوا عليه مجمعًا ظالمًا.. لذلك قيل: "في مجلسهما لا تدخل نفسي. بمجمعهما لا تتحد كرامتي" (تك49: 5).. "لأنهما في غضبهما قتلا إنسانًا (ربنا يسوع المسيح)، وفي رضاهما عَرقبا ثورًا (الذبيحة المقدسة)" (تك49: 6). + لقد أسلموا المسيح حسدًا، وبغضب شديد أرادوا أن يصلبوه، وإذ هم قد فرحوا وسروا بأنهم تخلّصوا من المسيح.. كان هذا الرضا بمثابة تقديم الذبيحة المقدسة التي هي ربنا يسوع المسيح على الصليب المقدس.. فتحقق فيهم هذا القول النبوي: "في غضبهما قتلا إنسانًا وفي رضاهما عَرقبا ثورًا". (4) يهوذا + هو السبط الذي تجسد منه السيد المسيح، لذلك قيل في النبوات: "لأن يهوذا اعتز على إخوته ومنه الرئيس" (1أخ5: 2).. والنبوة الخاصة بيهوذا تشير بكل وضوح إلى ربنا يسوع المسيح فتقول: + "يهوذا، إياك يحمد إخوتك" (تك49: 8): لأن منه يأتي "المسيح حسب الجسد، الكائن على الكل إلهًا مباركًا إلى الأبد. آمين" (رو9: 5). + "يدك على قَفَا أعدائك" (تك49: 8): لأن السيد المسيح انتصر على الشيطان. + "يسجد لك بنو أبيك" (تك49: 8): لأنه هو الله الظاهر في الجسد فيحق له السجود والعبادة. + "يهوذا جَرو أسد" (تك49: 9): وقيل عن السيد المسيح: "الأسد الذي من سبط يهوذا" (رؤ5: 5). + "من فريسة صعدت يا ابني" (تك49: 9): هو أسد بسبب قيامته بقوة، وهو فريسة لأنه صُلب عن ضعف، ولكن بالصليب غلب الشيطان، وحطم مملكته، ثم صعد من هذه الفريسة بالقيامة من الأموات. + "جثا وربض كأسد وكلبوة" (تك49: 9): لأنه مات ودفن في القبر. + "مَنْ يُنهضه؟" (تك49: 9): مَنْ يستطيع أن يقيمه من الموت. إنه سيقوم بقوته الذاتية الإلهية. + "لا يزول قضيب من يهوذا" (تك49: 10): قضيب الملك لأن السيد المسيح هو "ملك الملوك ورب الأرباب" (رؤ19: 16). + "ومُشترع من بين رجليه" (تك49: 10): أي واضع شريعة من نسله.. والسيد المسيح نسل يهوذا، وهو واضع شريعة الكمال للعهد الجديد. + "حتى يأتي شيلون" (تك49: 10): شيلون هو اسم نبوي للمسيا ومعناه "الأمان". + "وله يكون خضوع شعوب" (تك49: 10): لأن كل الأمم وليسو اليهود فقط قد خضعوا للمسيح، وصار له في كل مكان كنيسة وشعب مجتمع يحبه ويخدمه ويعبده بالحق. + "رابطًا بالكرمة جحشه، وبالجفنة ابن أتانه" (تك49: 11): الكرمة والجفنة هي سر الإفخارستيا، والجحش ابن الأتان هو الكنيسة التي ركبها المسيح، ودخل بها إلى أورشليم السمائية، وقد ربط هذه الكنيسة المجيدة بسر دمه الطاهر في التناول من الإفخارستيا، فصارت علامة الكنيسة المسيحية الحقيقية هي الارتباط بالقداس والإفخارستيا. + "مُسوَد العينين من الخمر" (تك49: 12): إشارة إلى وضوح رؤية العين بسبب التناول من جسد الرب ودمه.. "عرفاه عند كسر الخبز" (لو24: 35). + "مُبيض الأسنان من اللبن" (تك49: 12): إشارة إلى قوة الأسنان بسبب الشبع من اللبن الروحي.. الذي هو كلام الله "سقيتُكم لبنًا لا طعامًا، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون" (1كو3: 2).. والأسنان هنا ترمز إلى الكلام الخارج من فم الإنسان، يكون هذا الكلام قويًا مؤثرًا لأنه شبعان بكلمة الله "الغذاء العقلي". (5) زبولون "زبولون، عند ساحل البحر يسكن، وهو عند ساحل السفن، وجانبه عند صيدون" (تك49: 13) + يرمز إلى الكرازة بإنجيل المسيح بين الأمم (ساحل البحر)، ومن خلال الأسفار في البحر عدة مرات (ساحل السفن). (6) يساكر "يساكر، حمار جسيم رابض بين الحظائر. فرأى المحل أنه حسن، والأرض أنها نزهة، فأحنى كتفه للحمل وصار للجزية عبدًا" (تك49: 14-15) + إشارة إلى أتعاب الخدمة واحتمال أثقال الآخرين، والأرض النزهة هي الأرض المخصبة التي أنتجب قمحًا وعنبًا لجسد الرب ودمه الأقدسين، وهذان هما أكبر مُشجِّع لأن نحنى أكتافنا لحمل الآخرين. (7) دان "دان، يَدين شعبه كأحد أسباط إسرائيل. يكون دان حيَّة على الطريق، أفعوانًا على السبيل، يلسع عَقبي الفرس فيسقط راكبه إلى الوراء" (تك49: 16-17) + إنه السبط الذي سيأتي منه (ضد المسيح) في آخر الأيام، فهو "حيَّة على الطريق" إشارة إلى فعل الشيطان. ولذلك يختم النبوة عنه بكلمة "لخلاصِك انتظرت الرب" (تك49: 18). (8) جاد "جاد، يزحمه جيش، ولكنه يزحم مؤخره" (تك49: 19) + يشير إلى الجهاد الروحي. (9) أشير "أشير، خبزه سمين وهو يعطي لذات ملوك" (تك49: 20) + يشير إلى ثمار الجهاد الروحي، وفيض النعمة. (10) نفتالي "نفتالي، أيِّلة مُسيَّبة يُعطي أقوالاً حسنة" (تك49 :21) + يشير إلى النفوس حديثة العهد بالعبادة الروحية الحقيقية، وهي نفوس رقيقة مرهفة "آيلة مُسيَّبة". (11) يوسف "يوسف، غصن شجرة مثمرة، غصن شجرة مثمرة على عين" (تك49: 22) + يوسف كلمة معناها "يزيد"، وهو يشير إلى الثمر المتزايد، كمثل السيد المسيح الذي أثمر بتعبه وصليبه وأنتج شعبًا عظيمًا.. والعين هي ينبوع الروح القدس الذي يعطي النعمة في الكنيسة. + "أغصان قد ارتفعت فوق حائط" (تك49: 22): الحائط كان من المفترض أنه يعوق نمو الشجرة، ولكنه صار لها سورًا. فكل ما قابل يوسف من ضيقات كان من شأنه أن يعوق نموه الروحي، ولكنه صار دعامة لهذا النمو.. وكذلك بالنسبة للسيد المسيح كانت كل الضيقات والآلامات التي قابلته سببًا في خلاص الإنسان. + "فمررته ورمته واضطهدته أرباب السهام" (تك49: 23): إنهم الشياطين وأعوانهم من الكتبة والفريسيين ورؤساء الشعب الذين مرروا السيد المسيح، ورموه بأفظع الاتهامات، واضطهدوه حتى الصليب. + "ولكن ثبتت بمتانة قوسه، وتشددت سواعد يديه" (تك49: 24): لأنه قام من الأموات منتصرًا على شوكة الموت والجحيم والخطية والشيطان. (12) بنيامين "بنيامين، ذئب يفترس. في الصباح يأكل غنيمة، وعند المساء يُقسِّم نهبًا" (تك49: 27) + إنها نبوة عن بولس الرسول الذي كان في بداية حياته يأكل غنيمة.. حيث كان يضطهد المسيحيين، وفي نهاية حياته كان يُقسِّم نهبًا. |
||||
21 - 08 - 2014, 02:57 PM | رقم المشاركة : ( 5342 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يسوع المسيح الإله والابن 1- ناسوت المسيح سُمي الإله المتجسد يسوع المسيح. أما يسوع فهو كلمة عبرانية معناها " الله يخلص". وقد أطلق هذا الاسم على ابن الله المتجسد نظراً للمهمة الخلاصية التي أتي ليقوم بها، والتي تعبر عن هويته ورسالته معاً6 . لذلك قال الملاك لمريم عندما بشرها: "ها أنت تحبلين وتلدين ابناً وتسمينه يسوع" 7.والملاك الذي ظهر ليوسف قال له متكلماً عن العذراء: "ستلد ابناً فتسميه يسوع لأنه هو الذي يخلص شعبه من خطاياهم" 8. فاسم يسوع يعني أن الله نفسه حاضرٌ في شخص ابنه الذي صار إنساناً لافتداء البشر افتداءً شاملاً ونهائياً من الخطايا. أما كلمة المسيح فتعني الممسوح9 ، وقد كان الأنبياء والملوك والكهنة في العهد القديم يمسحون بزيت مقدس ينالون بواسطته نعمة لإتمام رسالتهم 10، ولذلك كانوا يدعون مسحاء الربّ. ولكن هؤلاء لم يكونوا سوى صورة ورمز ليسوع الذي هو وحده مسيح الروح القدس الذي حلّ على إنسانيته فجعل منه نبياً أنبأ بحقيقة الله كاملة11 . تعتقد الكنيسة الكاثوليكية 12أن للمسيح طبيعتين: إلهية وإنسانية متحدتين في شخص واحد، شخص ابن الله المتجسد وأن هذا الاتحاد قائم بدون انقسام أو انفصال أو تحول أو اختلاط.أي أن كل من هاتين الطبيعتين تحتفظ بصفاتها الخاصة، فلا تفقد الطبيعة الإلهية صفاتها الإلهية ولا تفقد الطبيعة الإنسانية صفاتها الإنسانية 13، لكنهما متحدتان في شخص واحد14 . فحين نعترف15 في قانون الإيمان "ربّ واحد، مولود وحيد" فإننا نؤكد أن يسوع المسيح هو ابن الله المولود الوحيد وهي تعني لاهوتياً الكائن الذي لا يماثله كائن آخر، أي لا يوجد مصدر آخر له. وهنا تكمن هرطقة آريوس، حيث أنه لم يستطع التمييز بين فعل الولادة والخلق، الذي كان يُعبَر عنه، في اللغة اليونانية، بذات الفعل. ولهذا يُعتَبر خطراً الكلام عن الله بواسطة التعابير البشرية 16، حيث أن الولادة تختلف عن الخلق. ولأجل عدم الوقوع في مثل هذه الهرطقات استعمل اليونان لفظة حيث أنها تعني الكائن الذي لا يماثله في كيانه كائن آخر. كما أنها تستعمل للدلالة على أن يسوع هو ابن الله المولود وليس ابنه بالتبني 17. أما عبارة "إله من إله" فقد استعملها آباء المجمع للدلالة على كائن واحد وعلى أقنومين، وذلك للتعبير عن الاختلاف بين عمل الله الآب، وعمل الله الابن من دون وجود أية فوارق بين الاثنين في الجوهر18 .فعمل الأقنوم الثاني يتميز عن باقي الأقانيم حيث أنه كشف لنا بالتجسد عن سر الله متخذا طبيعة بشرية.إن هذه الخاصة لا تنطبق على أقنوم الآب بالرغم من تشابههما في الجوهر الإلهي. وكذلك تأتي عبارة "مولود غير مخلوق" كرد مباشر على زعم آريوس الذي اعتقد بأن المسيح هو مخلوق كسائر البشر. فقد كان بعض اليونانيين يفكرون بأن كل من هو مولود هو مخلوق ، فجاء الرد من قبل المجمع المسكوني الأول ليميز في الإيمان المسيحي بين الولادة والخلق. حيث أن العرف الطبيعي لا ينطبق على شخص المسيح. وأخيراً تأتي عبارة "مساوٍ للآب في الجوهر" التي كانت من أهم قرارات مجمع نيقية وذلك لدحض عقيدة آريوس وأتباعه، فإن هذا الأخير اعتقد بأن الابن مخلوق وبالتالي الآب ليس مخلوق. فجوهر الآب مختلف عن جوهر الابن. حيث أن مفهوم الجوهر للكائنات في الفكر اليوناني يقوم على الأساس الذي لا يتغير، فلكل جوهر خاصته19 التي لا نستطيع تبديلها بين الكائنات، هذا الأساس الثابت، إذا ما أضيف إليه خصائص الصورة20 نحصل على الفرد. فآريوس جعل من الصورة جوهر، فاعتبر أن المولود هو مخلوق وبالتالي لا يكتسي بالطبيعة الإلهية والجوهر الإلهي لدى الآب، فصورة الابن هي الولادة وصورة الآب هو صانع الخلاص والتاريخ. 2- المجامع التي تطرقت إلى ناسوت المسيح أنكرت الهرطقات الأولى ناسوت المسيح الحقيقي أكثر مما أنكرت لاهوته، ومنذ العهد الرسولي شدّدت العقيدة المسيحية على التجسد الحقيقي لابن الله، لكن استفحال هذه الهرطقات أدى بالكنيسة إلى عقد عدة مجامع للدفاع عن إيمانها بألوهية الكلمة المتجسد ووحدته مع الآب في الجوهر. وهنا لا بد من الكلام عن المجامع المسكونية الأربعة الأولى التي تطرقت إلى هذه المواضيع. 1. مجمع نيقية 325. خلال سنة 325 اجتمع في نقية حوالي 318 أسقفاً، كان هدفهم دراسة عقيدة آريوس. فحكموا عليه وأعلنوا أن تعاليمه مناقضة للإيمان القويم، وأوجزوا إيمانهم في القسمين الأول والثاني من القانون الذي لا يزال يتلى حتى يومنا هذا.أعلن آباء المجمع أن يسوع المسيح ليس كائناً وسيطاً بين الله والبشر، بل هو الله ذاته في شخص الكلمة والابن الوحيد، الواحد مع الآب في الجوهر21 . وأعلنوا الحرم على الذين يقولون إنّ ابن الله مخلوق وإنه من غير جوهر الآب. 2. مجمع القسطنطينية 381 عقد هذا المجمع إزاء بدعتين: الأولى منهما كانت لأبوليناريوس الذي قال بأن طبيعة المسيح البشرية ليست كاملة 22، إذ لم يكن يحتوي على نفس بشرية. فأعلن المجمع أن المسيح هو إنسان كامل وإله كامل. أما الثانية فكانت إزاء بدعة مكدونيوس الذي ادعى أن الروح القدس مخلوق، فأعلن آباء المجمع ألوهيته، وثبت قانون الإيمان النيقاوي وأكمله. 3. مجمع أفسس 431 أقيم هذا المجمع لدحض البدعة النسطورية التي كانت ترى في المسيح «شخصاً إنسانياً مقترناً بشخص ابن الله الإلهي»23 ففي المسيح شخصان متميزان غير متحدين. فجاء المجمع المسكوني الثالث معلناً أن المسيح الكلمة قد اتحد بالجسد اتحاداً اقنومياً. فأن الأقنوم الثاني هو ذاته شخص المسيح الذي يعتبر شخصاً واحداً في طبيعتين.والعذراء مريم أصبحت والدة الإله بالحبل البشري، وبالتالي يجوز لنا أن ندعوها والدة الإله . والمسيح هو شخص واحد في طبيعتين، طبيعة إلهية وطبيعة بشرية. 4. مجمع خلقيدونية 451 عقد المجمع المسكوني الرابع إزاء أصحاب الطبيعة الواحدة الذين يعتقدون بأن ليس المسيح بعد التجسد سوى طبيعة إلهية. فدحض آباء المجمع هذه البدعة مؤكدين بقاء الطبيعتين الإلهية والإنسانية، متحدتين في شخص واحد وأقنوم واحد بدون اختلاط ولا تحول ولا انقسام ولا انفصال.«فطبيعته الإنسانية مكونة من نفس عاقلة وجسد، أما جوهره هو جوهر الآب من حيث اللاهوت، وجوهره جوهرنا من حيث الناسوت...، فهو يشبهنا في كل شيء ما عدا الخطيئة 24، وولده الآب قبل جميع الدهور من حيث الألوهة 25» . |
||||
21 - 08 - 2014, 02:58 PM | رقم المشاركة : ( 5343 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يسوع المسيح الأقنوم المتجسد بواسطة الخطيئة انفصل الإنسان عن الله وأضحى مهمشاً غير قادر أن يُنهض نفسه من الهوة التي سقط فيها. لم يكن قادراً أن يرتفع إلى الله ولذلك شاء الله من فيض محبته أن ينحدر بنفسه إلى الإنسان، وذلك لكي يعيد الشركة بين الإنسان ونفسه. فبالتجسد أخذ الله طبيعتنا البشرية المنحطة وضمها إلى لاهوته، لتسري فيها حياة جديدة فتشددها وتنعشها وتعيدها إلى نقائها الأولي.1 - حُبل به من الروح القدس إن هذه الكلمات تلغي فكرة تدخل رجل في الحبل، أي أن يسوع الإله والإنسان، لا يُعرف له أبٌ سوى الله الآب26، فحين البشارة سألت مريم الملاك: « كيف يكون ذلك وأنا لا أعرف رجلاً؟ » فأجابها الملاك: « الروح القدس يأتي عليك 27» . ففي عمل الثالوث الخلاصي كان لا بد من اشتراك الأقانيم الثلاثة في عملية الفداء، فعمل الله الذي أوحي في الكتاب المقدس أولاً، أوحي من خلال الابن ثانيةً، وبالاشتراك مع عمل الروح. فإن عمل الآب هو الخلق وعمل الابن هو الفداء، أما عمل الروح فهو تأليه الإنسان. «فالآب هو كالذراع من حيث تأتي القوة والحركة: الابن هو كاليد التي تنفذ الحركات الدقيقة في العمل؛ والروح كالأصبع التي تؤمن العمل النهائي28» . إن الروح القدس أُرسل إلى حشا العذراء ليقدسه ويخصبه إلهياً، فأصبحت رسالة الروح تواكب رسالة الابن وترافقها29 ، وبما أن ابن الآب الوحيد قد حبل به في أحشاء العذراء مريم فهو ممسوح من قبل الروح القدس، منذ بدء وجوده البشري، حيث أنه ظهر تدريجياً لعدد من الناس، وكما ستظهره لاحقاً حياته المليئة بالأعاجيب 30. 2- تجسَّد من مريم العذراء كما ذكرت سابقاً، إن الله من صميم محبته قرر أن ينحدر إلى الإنسان ليخلصه، إلا أنه ? وهو يحترم حرية الإنسان ? أراد أن يريد الإنسان خلاص نفسه. فبدأ بتهيئة الإنسانية تدريجياً إلى اقتبال الخلاص. وأدت هذه التهيئة إلى مريم العذراء، حيث بدأت منذ العهد القديم31 وأوجزت رجاءها في العهد الجديد في نشيد التعظيم "تعظم نفسي الربّ32-33 "، الذي يعد أنه مليء بالإشارات التي ترمز إلى العهد القديم. وهكذا فإن مريم « هي المثال الأعظم والصورة الأولى للإيمان المسيحي34 » ، وهي « بقبولها للخلاص الذي جعله الله بنعمته ممكناً هو إذاً لحظة أساسية في حدث الخلاص».35 فمريم العذراء هي والدة الله، وهذا ما يعلنه لنا العهد الجديد في العديد من الشهادات 36، وهو ما أعلنه مجمع أفسس سنة 431 كما ذكرت سابقاً، وبالإضافة إلى ذلك فهي أمنا وتتشفع لنا في السماء. إن هذا الاعتقاد لا يمكن إزالته من تراث الصلوات في الكنيسة ، ومن التراث الشعبي المسيحي الذي اعتاد المسيحيون في كنائسهم على ترداده. وأخيراً وليس آخراً، لا بد من التكلم عن بتولية مريم ، فمنذ إعلان الصيغ الأولى للإيمان في الكنيسة، كان الاعتراف بأن حبل مريم هو بقوة الروح القدس وبدون أي زرع من رجل، وقد أكد على ذلك القديس إغناطيوس الأنطاكي في أوائل القرن الثاني حيث قال في رسالته إلى السميرنيّين (1-2): « اتضح لي أنكم على أشد اليقين في ما يتعلق بربنا الذي هو في الحقيقة من ذرية داوود بحسب الجسد 37، وابن الله بحسب إرادة الله وقدرته 38، ومولود حقاً من عذراء (...) وقد سُمّر حقاً من أجلنا في جسده في عهد بنطيوس بيلاطوس (...) فتألم حقاً، وحقاً قام أيضاً»39 . 3 - صُلب من أجلنا ومات يُعتبر السر الفصحي لموت المسيح وقيامته محور عملية التبشير التي قام عليها عمل الرسل والكنيسة من بعدهم، وذلك من خلال الصليب علامة الخلاص المميزة. حيث أن موت يسوع عليه كان في نظر اليهود دينونة ولعنة من قبل الله 40، أما في نظر الرومانيين فهو عار ومدعاة للسخرية والاحتقار41 . ولهذا كانت مهمة الكنيسة المسيحية الناشئة صعبة، إلا أنها كانت دائماً تتذكر إرادة الله وتصميمه الخلاصي، الذي أظهره أثناء العشاء السري42 . فموت المسيح لم يكن نتيجة الصدفة بل هو في سر تصميم الله، حيث أن المسيح مات من أجل خطايانا متخذاً صورة العبد المتألم 43، وذلك ليكفر عن خطايا البشر التي تلت الخطيئة الأصلية وكانت عاقبتها الموت 44. « إن موت المسيح في الوقت نفسه هو ذبيحة فصحية تتم فداء للبشر ذلك بالحمل الذي يرفع خطيئة العالم، وهو ذبيحة العهد الجديد التي تعيد الإنسان إلى الشركة مع الله مجرية المصالحة بينهما بالدم الذي يُراق عن الكثيرين لمغفرة الخطايا45 » . وبعد أن مات المسيح دفن في القبر بجسده من دون أن ينال أي فساد46 ـ وتعتقد الكنيسة الكاثوليكية أنه في مدة إقامة المسيح في القبر بقي شخصه الإلهي ملازماً لنفسه وجسده اللذين فصلهما الموت 47.وحين مات المسيح انحدر بنفسه المتحدة بالشخص الإلهي، إلى مقر الأموات حيث منحهم بشرى الخلاص. وتعتقد الكنيسة الشرقية بأن انحدار المسيح إلى مملكة الموت هو حدث الخلاص الجوهري48 . فكل الأجيال الذين ماتوا من قبل يسوع خلصوا في موته. وقد شمل موته الخلاصي أيضاً جميع آلام التاريخ وضحاياه. |
||||
21 - 08 - 2014, 02:59 PM | رقم المشاركة : ( 5344 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإله القائم، الديّان 1 - قام - صعد إلى السماء « نحن نبشركم بأن الوعد الذي صار لآبائنا قد حققه الله لنا، نحن أولادهم إذ أقام يسوع49 » . بهذا الكلام توجه القديس بولس إلى الجمع المحتشد في المجمع بمدينة إنطاكية، حيث بشرهم بالحقيقة التي تمثل جوهر الإيمان المسيحي. هذا ما اعتقدته وعاشته الجماعة المسيحية الأولى، وتناقله التقليد على أنه حقيقة جوهرية. فمعظم شهادات العهد الجديد تركز على القيامة التي من دونها تكون البشارة فارغة والإيمان باطل، كما ورد على لسان القديس بولس؛ إذ إننا نكون، في رجائنا، أشقى الناس أجمعين 50. « إن أقوال القيامة في العهد الجديد تتسم بتحفظ ملحوظ، فبخلاف الكتابات المنحولة اللاحقة والتصاوير والرسوم الكثيرة، لا يعرف العهد الجديد أيّ وصف لحدث القيامة عينه. 51» لكنه يوجد بعض الصيغ الاعترافية الصغيرة التي تتضمن شهادة إيمانية، مثل الشهادة التي أعلنها بولس للكورنثيّين في رسالته الأولى: « إن المسيح قد مات من أجل خطايانا، على ما في الكتب، ودُفن، وقام في اليوم الثالث، على ما في الكتب، وتراءى لكيفا، ثم للإثني عشر52» . وتراءى يسوع للعديد من النساء القديسات منهم مريم المجدلية وثم إلى الرسل وحثّ القديس بطرس على تثبيت إخوته في الإيمان. وكان يسوع يقيم علاقات مباشرة مع إخوته عن طريق اللمس وتقاسم الطعام. فهو يدعوهم إلى الاعتراف بأنه ليس روحاً، بل جسداً صُلب واستُشهد، إذ إنه لا يزال يحمل علامات الصلب53 . لكنه أصبح ممجداً أي لم يعد محصوراً في الزمان والمكان، لكن بإمكانه الحضور في أي زمان ومكان، « إذ إن ناسوته لم يعد مقيداً بالأرض بل أصبح في عهدة الآب الإلهية54 » . كما يوجد فكرة جوهرية أخرى يجب التركيز عليها، وهي أن قيامة المسيح لم تكن عودة إلى الحياة الأرضية، كما كانت الحال بالنسبة إلى القيامات التي أجراها خلال حياته العلنية، فهؤلاء كانوا سيموتون مجدداً في وقت ما. أما قيامة يسوع فمختلفة جوهرياً، فهو في جسده الممجد ينتقل إلى حياة أخرى بعد الموت، إذ أصبح مملوءاً من الروح القدس55 . فالقبر الخالي واللفائف التي كانت مطروحة بالقرب منه تشهد على أن المسيح أفلت من قيود الموت والفساد بقدرة الله وهي « مبدأ وينبوع قيامتنا الآتية 56» . كما أن القيامة تثبت حقيقة ألوهة المسيح الذي قال: « إذا ما رفعتم ابن البشر فعندئذ تعرفوني أني أنا هو 57» . فهي تحقيق القصد الإلهي، كما أعلن بولس لليهود: « ونحن نبشركم بأن الوعد الذي صار لآبائنا قد حققه الله لنا، نحن أولادهم، إذ أقام يسوع، على ما هو مكتوب في المزمور الثاني: أنت ابني وأنا اليوم ولدتك 58» . كما ذكرت سابقاً إن المسيح بقيامته حصل على جسد ممجد، لكن مجده خلال فترة الأربعون يوماً سيبقى مستوراً عليهم بستار الإنسانية العادية59 حتى « يدخل ناسوته دخولاً نهائياً في المجد الإلهي الذي ترمز إليه السحابة والسماء حيث سيجلس...على يمين الله60 » فهو بموجب ارتفاعه أصبح « ضابط الكون 61» ، فكل شي سيخضع له، والسحابة التي أخذت يسوع عن أعين تلاميذه تشير منذ العهد القديم إلى حضور الله الذي يتخطى الزمان والمكان، فيسوع دخل مجد الله. في تصور لوقا الإنجيلي حول روايته صعود يسوع إلى السماء 62، هناك أربعين يوماً تفصل بين قيامة المسيح وصعوده إلى السماء، وهذا العدد باستعماله في العهد القديم يشير إلى زمن خاص مقدس مع مسيرة شعب الله في الصحراء ومكوث موسى على جبل سيناء ومسيرة إيليا إلى جبل حوريب وصيام يسوع في البرية.كل ما سبق يدل على بدء زمن جديد هو زمن الكنيسة، يتحد مع زمن يسوع خلال هذه الأربعين يوماً. وبعد صعوده سيتابع عمله بواسطة روحه القدوس في الكنيسة وفي التاريخ 63. 2 - يأتي ليدين الأحياء والأموات من خلال العديد من الأنبياء، والذي كان آخرهم يوحنا المعمدان، أُعلنت الدينونة الأخيرة. ومن خلال كرازة يسوع كشف عن هذه الدينونة، حيث سيتم كشف سلوك كل فرد، وسيعلن سرّ قلبه، ويحاسب كل إنسان بحسب أعماله. والمسيح بكونه فادي العالم فله الحق بأن يحكم على أعمال البشر، وقد « اكتسب هذا الحق بصليبه 64» . وتؤمن الكنيسة الكاثوليكية بأن الابن لم يأتِ ليدين، بل ليخلص65. وكل إنسان يرفض نعمة الله المجانية فإنه يحكم على ذاته ويدين نفسه. فالإنسان يستطيع بملء إرادته أن يُهلك نفسه إلى الأبد66 برفضه لروح المحبة 67. إن مجيء يسوع في المجد والدينونة العامة سيكونان حدثاً واحداً 68سيكون الفصل الأخير لانتصار المسيح على الخطيئة والموت. « سيأتي ابن البشر في مجد أبيه مع ملائكته.وعندئذ يجازي كل واحد بحسب أعماله 69» . |
||||
21 - 08 - 2014, 03:02 PM | رقم المشاركة : ( 5345 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الإنسان في عالمنا المعاصر صورة الإنسان المعاصر:إن دارسي العلوم الإنسانية من فلاسفة وعلماء اجتماع وآداب ولاهوت، يشيرون إلى أن حياة الإنسان المعاصر مطبوعة بمظاهر تميزها عن حياة الإنسان فيما سبق، وقبل الدخول في تراثنا اللاهوتي عن الإنسان سنحاول هنا أن نستطلع بعضا من مظاهر حياة إنسان اليوم. 1- التغير وعدم الاستقرار: إن في الكون والطبيعة والمجتمعات البشرية نظام ثابت أبدي، هذا النظام كان سنداً مُطَمئِناً للإنسان في حياته.. لكن الإنسانية فقدت هذا السَنَد في عصرنا إذ اصبح كل شيء خاضعٌ للتغير. فنلاحظ أن "في المضمون البشري تطور وتغير عميق وسريع. ففي الحضارة الدينية الماضية كان المعنى الروحي "مُستَلَم" مثل وديعة تعطيها الأجيال القديمة إلى الجديدة. أمّا في هذه الحضارة فالإنسان المعاصر يرى ذاته مسؤولاً ويجب عليه أن يتأكد ويعيد التفكير بشكل نقدي-نبوي في كل ما قد حققته الأجيال السابقة". إن التغيرات كثيرة وعميقة إلى درجة أن الإنسان المعاصر خلال فترة حياته مجبر أن يعيش لوحده الخبرات التي في القديم كان يعيشها عشرين أو ثلاثين جيلاً معاً". 2- رفض العقائد: هناك جفاء لأي شكل من أشكال الحقيقة والمبادئ والقواعد المطلقة. فإنسان اليوم يرفض العقائد والتقليد: فمنذ عصر الإشراق في القرن الثامن عشر وبعد، أصبح الإنسان أكثر صداً وممانعةً في قبول أي تأكيد أو حقيقة إذا لم تأتي منه أو على الأقل إذا لم يستطيع اختبارها وفهمها وذلك باختبارها هو بنفسه؛ وعنده رفض عميق لكل ما وصله من الماضي، رفض لأي شكل من أشكال التقليد. فبدلا من فكرة التراث وَضَعَ كلمة التطور والتقدم، وبالتالي فان "الكمال"، والنموذج الذي يسعى إليه، لا يأتيه من الماضي بل النموذج هو في ما سيكونه في المستقبل. لذلك فالإنسان المعاصر متوجه إلى المستقبل، إلى الجديد، يريد تجديد كل شيء، واضعاً بالشك ومعارضاً كل ما وصل إليه من الماضي: في حقل الدين والقانون والتربية والأخلاق والسياسة والاقتصاد. 3- التحرر: بعد أن تخلص الإنسان من أي رباط مع الماضي ومن ثقل الحقيقة والقوانين المطلقة، يشعر الإنسان المعاصر بالتحرر بشكل كبير، وفي كل مظاهر حياته: السياسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية والاقتصادية، لذلك فهو بما انه حر يطالب لذاته بحق تحقيق ذاته كما يريد، إن كان بانسجام أو بتعارض مع التقليد، والمجتمع والنظام القائم. 4- العَلمَنَة: في بدء العصور الحديثة وضع الإنسان الله، بشكل منهجي، بعيداً عن السياسة والعلم والفن والأخلاق والقانون وشيئا فشيئا عن أي مظهر من مظاهر الحياة الاجتماعية (وأصبحت الديانة قناعة شخصية). بنفس الوقت وبواسطة العلوم والتقنية اندفع لاكتشاف وغزو العالم، فاهتمامه لم يعد موجها نحو السماء بل نحو الأرض: إن المنظور ما فوق الأرضي اختفى من فكره وعمله وأعطى مكانه للمنظور الأرضي العالمي. إن نتائج العلم جعلت الإنسان المعاصر يثق بالتقدم غير المحدود للبشرية. فالعلماء والبسطاء اليوم، يعتقدون أن المشاكل التي تُقلِق الإنسان ستُحَل لاحقاً أو متأخراً. فبالعلم سيصل الإنسان إلى معرفة دوماً أكبر عن المادة، وبمساعدة التقنيات سيستطيع السيطرة عليها بشكل أكمل دوماً. إن التفاؤل الذي غزا النفوس في القرن الثامن عشر مع عصر الأنوار ما زال يشد الناس حتى في عصرنا هذا. الإنسان المعاصر يشعر انه ناضج، واعِ. فقد تعلم أن يصنع كل شيء وحده، وان يحكم نفسه بنفسه وان يحل مشاكله دون الرجوع إلى أي كائن متعالِ. في السابق عندما كان الإنسان ما زال ضعيفا كان يلتجئ إلى الإله كي ينتصر على الجوع والمرض والبؤس والفوضى الاجتماعية، والظلم والحروب والقمع السياسي والاقتصادي... بينما اليوم يستطيع أن يحصل على نفس النتائج وأحياناً أفضل من السابق عندما يعود إلى أشخاص مثله: الطبيب والاجتماعي والمهندس والمحامي والسياسي. إنسان اليوم يرى نفسه سيداً، ليس فقط سيد اليوم ولكن سيد المستقبل أيضا. فهو يعتني نفسه بنفسه، يبرمج ويعمل مشاريع معتمدا فقط على قوته ومصادره التي يضعها العالم بين يديه. هكذا فان الإنسان اليوم اصبح لا-متدين. وعدم التدين اصبح السلوك المسيطر في الحضارة وفي الحياة المعاصرة. لقد وُضِعَ الله بعيداً أولاً في السياسة ثم في العلم والفلسفة والأخلاق والتربية وشيئا فشيئا عن كل الأعمال البشرية. إن الدين غائب عن الحياة العملية وأيضا النظرية. الإلحاد هو بدون شك السلوك المسيطر في الإنسان المعاصر. 5- العملية: لقد غدا الإنسان المعاصر عملياً بشكل واضح: فهو محمول نحو الفعل، عمل-إنتاج-شغل.. فالحركة هي التي تسحره وتتشربه كلياً. ولم يعد يجد وقتا للتفكير والتأمل بل لم يعد يهمه ذلك مطلقا. حتى عندما يفكر ويتأمل ويدرس فهذا دوماً يكون موجهاً نحو نتيجة عملية. "إن التحول من النظرية البحتة إلى نظرية العمل أمرٌ أكيد وثابت في الفكر المعاصر بشكل عام. انه ليس فكراً تأملياً، بل فكرٌ عامل. العقل لا يتوجه ناحية الإدراك والفهم، بل يتجه إلى الإنتاج. لم يعد يجتهد ليلتقط الجوهر الثابت للواقع، بل اصبح يريد أن يعرف ليحوِّل.. الفكر المعاصر هو فكر للإنتاج والعمل. إنه عملي: وكلمة الواقع أصبحت مرادفة للحركة. فالإنسان لم يعد يصحح أفكاره ويراجع نفسه مقارنةً مع الأفكار والحقائق الأبدية الثابتة بل أصبح يقارن أفكاره بحسب فعلها ونتائجها. "الإنسان اليوم غدا نفعياً، انه يقبل كل ما يُعرَض عليه فقط إذا اتضحت له المنفعة والفائدة لذاته ولمجتمعه. وكل ما لا يحقق ذلك يرميه، حتى ولو كان له ماضٍ طويل أو قصير من المجد". 6- التاريخية: الإنسان المعاصر إنسان تاريخي، إن عنده حِسّ كبير بالتاريخ فالواقع بالنسبة له هو في حركة مستمرة ولا يوجد شيء ثابت أو نهائي أو دائم، وهو يسعى إلى الاختصار دوما اكثر. حتى أن وجوده نفسه بحالة تحول مستمر. كان الفكر الكلاسيكي ينظر للإنسان على انه كائن "طبيعي"، مجهز بمزايا غير متغيرة وراسخة مثل الطبيعة. أمّا الفكر المعاصر فقد رفض هذا المفهوم وأظهر الدور الجوهري الذي تلعبه التاريخية بين العناصر التي تشكل كيان الإنسان.. فالتاريخية ليست فقط من المعطيات الموضوعية، بل أصبحت بنية معارفية، شكل من أشكال فهم الواقع. ولقد نتج عن هذا الوعي التاريخي ضرورة إعادة المناقشة والبحث في أي مذهب وحكمة أو بنية سابقة.. ومناقشة أي محاولة لتحديد ما هي الثوابت على مَرّ الزمن وما الذي يبقى في تغير مستمر. 7- رفض العلوم المجردة: نتيجة لما سبق، يقف الإنسان المعاصر ضد كل العلوم المجردة والمبادئ الميتافيزيقية (الميتافيزيقيا علم ما وراء الطبيعة، شعبة من الفلسفة تشمل علم الوجود وعلم أصل الكون وتكوينه). فبعد أن أزاح كانط Kant الميتافيزيقيا من الفكر النظري وكومط Comte ربطها بفترة الإنسانية التي كانت قاصرا، وأيضا منذ أن استطاع العلم الحصول على شرح وحل للمشاكل التي كانت سابقا تختبئ خلف علم ما وراء الطبيعة، لم يعد الإنسان يرى علم الميتافيزيقيا علم العلوم بل أهملها وأنكرها ووضع نفسه بين أيدي العلم ووضع ذاته في خدمته. الإنسان المعاصر ينظر فقط إلى النتائج: انه واقعي، وعملي. والعلم ونتائجه الذائعة بهرته وسلبته. بينما الميتافيزيقيا بالعكس، لا يمكنها أن تعطي نتائج، ولا تُنتِج أشياء للاستهلاك، ولا تضمن رخاء العيش. لذلك فهو يَعتبر أنها معرفة لا أهمية لها. وحتى لا يمكنها أن تكون مسلية، لأنها مليئة بأشياء غامضة وغير مفهومة.. 8- الخيالية: إن انسياق الإنسان بالتطور التقني والعلمي ورخاء العيش دوما نحو الأفضل، أَوصَلَه إلى نظرة ثقة وتفاؤل بالمستقبل. فهو واثقٌ من نفسه لأنه: يملك تقنيات في تحسن واكتمال دائم، وقد تعلّم استغلال موارد الطبيعة بشكل اكثر فعالية وبتطور دائم ، واصبح يستطيع التحكم بمجرى التاريخ. فإنسان اليوم يضع مشاريع كبيرة وطموحة للمستقبل؛ انه يهدف إلى تحقيق غايات كبيرة في مجتمعه حيث لن يعود هناك بؤس ولا ظلم ولا جهل ولا مرض ولا عنصرية ولا أفضليات بل سيكون هناك مجتمع كامل سيجعل الجميع فرحين كلياً وسعداء. 9- الضياع: إن الإنسان المعاصر اصبح ضائعا وغير مطمئناً. لقد أضاع كل مبدأ ثابت يستعين به على توجيه ذاته ولم يعد باستطاعته أن يُوجِدَ قيم قياسية يؤسس عليها أحكامه. فلم يعد يعرف أن يفرق بين الخير والشر، بين الحق والزيف، بين الجمال والبشاعة، بين النزاهة والخِسَّة، بين المفيد والمؤذي، بين المسموح والمحظور، بين الاحتشام والخلاعة.. الخ. لم يعد متأكداً من أي شيء؛ ليس لديه أي مركز ثابت يستند اليه، يعيش كما المعلق في الهواء. فالأمور الأكيدة القديمة في ثقافته وآدابه قد انهارت؛ والقيم التي تأسست عليها حضارتنا قد تفتتت واضمحلت؛ والمرجعيات اللازمة للتطور والعمل فقدت أهميتها. وحتى المسيحيين أصيبوا بهذا الضياع، "الأزمة التي يمر بها العالم المسيحي اليوم هي أزمة يقين. فالقلق والاضطراب والضياع الذي أصابه نَتَجَ من تكاثر وانتشار أفكار وفرضيات جديدة في حقل اللاهوت، وتفسير الكتاب المقدس والأخلاق، كثير من المسيحيين رأوا انهيار كل الثوابت القديمة ودخلوا في نفق مظلم، كل شيء فيه غير أكيد. فلم يعودوا يشعرون بأنهم متأكدين من أي شيء، ولا حتى من الحقائق الأساسية في الإيمان والأخلاق". 10- الانحراف والخيبة: إن الإنسان المعاصر غدا عبداً لميوله: الأنانية، اللذة، الحسد، الشهوات الحسية، الكذب، الجشع، النصب. ولكي يرضي ميوله الكثيرة فهو يستخدم أي واسطة. لا يهمه كثيراً إذا كان يتسبب بتخريب الجمال الطبيعي، أو إهانة الآخرين، أو الإضرار بحقهم، وقد تصل الأذية إلى حد حرمانهم حقهم الأساسي في الوجود. فالمهم أن تنتصر اللذة والرفاهية. إن المجتمع الاستهلاكي يُدرِّب ويُحرِّض دوافع الأنانية، والإثارة الجنسية، والتكبر، والعنف.. بينما لا نرى تشجيعاً للقيم الأخلاقية والروحية التي تحافظ على صحة المجتمع. هكذا فالإنسان المعاصر، بدلا من أن يتطور نحو الأعلى، يغوص دوما إلى الأسفل، ويصبح دوما اكثر انحرافا، انه فاسد الأخلاق ويجد نفسه غارقا في بحر من الانحراف. وتتضح، أخيرا، على الإنسان المعاصر ملامح الخيبة، والكآبة واليأس. فالمفكرون والأدباء والفلاسفة واللاهوتيون يجمعون على أن واحداً من ملامح إنسان العصر هو الكآبة. تندرج أيضاً صعوبات مجتمعنا الشرقي المسيحي في العالم العربي تحت هذه النقاط العامة الموجودة في المجتمعات المعاصرة. فمن البيان الختامي للمؤتمر الأول للبطاركة والأساقفة الكاثوليك في الشرق الأوسط الذي انعقد في أيار 1999 نفهم بعض الأمور: 1- إن عصر العولمة والمعلوماتية والاتصالات السريعة، جعلت الشعوب تتقارب، وتتداخل الثقافات، وتتمازج القيم، وتتغير أنماط الحياة، وتضاءل الالتزام بالإيمان. ويبدو أن الروح الدنيوية والاستهلاكية والنزعة المادية بدأت تطغى على الروح والقيم المسيحية. 2- ومن الناحية الكنسية، فان كنائسنا المتعددة والتي حَمَلَت تراثات غنية تعيش بشكلِ جُزُر منعزلة هَمُّ كل منها الحفاظ على مميزاتها وامتيازاتها. 3- كذلك فان القلق يساور البعض حيال المستقبل والمصير بسبب الأوضاع السياسية أو الاقتصادية أو تعثر السلام أو تضاؤل الديموقراطية أو الخوف على الحرية وحقوق الإنسان وكرامته، وهذا ما يدفع كثيرين إلى الهجرة التي وصفها البطاركة في رسائلهم بأنها نزيف يهدد جماعاتنا ومستقبلها من جهة، ومن جهة أخرى يعرضها للضياع والذوبان. |
||||
21 - 08 - 2014, 03:03 PM | رقم المشاركة : ( 5346 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
توجهات الإنسان المعاصر من هذه المظاهر التي استعرضناها والتي تميز حياة الإنسان المعاصر، نكتشف أن الإنسان اليوم أكثر مما سبق، يتخطى وضعه الذاتي Autotranscendance ويريد أن يرتفع بذاته دوماً نحو الأمام، نحو الأكثر، ونحو الأفضل فهو في حالة تغير وتحول مستمر. ولقد توقف الفلاسفة والمفكرين طويلا عند هذا الميل في الإنسان، وهذه النزعة تمثل إنسانيته الناضجة، فمن الفلاسفة مَن رأى أن الإنسان يتخطى وضعه الذاتي ليحقق ذاته بشكل أكمل، ومنهم من رأى أن الإنسان يتخطى وضعه الذاتي ليحقق مجتمعاً أكمل، ومنهم من رأى في تخطي الإنسان لوضعه الذاتي إنشدادٌ وتحقيق لذاته الإنسانية في الله.. وسنعالج هذه النقاط فيما يلي: 1- التفسير المتمحور في الذات: قلنا أن الطبيعة الإنسانية العاقلة تتميز بتخطي الذات، فالإنسان مشدود نحو تحرير نفسه من عبودية الجهل، والخطأ، والخوف، والميول. لكن هذا الجهد لتخطي الذات لا يعني انه خروج من الذات وتحول إلى شخص آخر. فان دافع الإنسان لتخطي ذاته يحدو الإنسان للحصول على وجود اكثر حقيقية، وليصل إلى تحقيق أغنى وأكمل لذاته ولإمكانياته. فالإنسان يحاول الحصول على مستوى أفضل من المعرفة، ومن الثقافة الحضارية، والرفاهية، لكن دون أن يرمي في البحر ما كان يعرفه وتعلمه، وما يستطيع فعله وما يمتلكه. إن تخطي الذات ليست تضحية بالنفس لكي نربح شيئا آخر: إنها بالأحرى وقبل كل شيء بحثٌ لأجل شخصية أكثر كمالاً. إن المفكرين الوجوديين أمثال نيتشه Nietzsche وسارتر Sartre وهيدغر Heidegger ، يقولون أن الإنسان يستطيع تخطي ذاته بقواه الذاتية فقط. لكن الخبرة تعلمنا أن محاولاتنا تُحبَط في اكثر الأحيان: فإننا لا نحوز العلم، ولا التملك، والسلطة، ولا ما نرغب به. وان تخطي الذات كهدف بحد ذاته دون وجود غاية تُوَجِّهُهُ وتَسمو به هي محاولة لا معقولة ولا جدوى منها لأنها تصب في الفراغ.. 2- التفسير المتمحور في الإنسان: كثير من المؤلفين بعد ماركس Marx وكومط Comte رأوا أن تخطي الذات حركة لتخطي حدود الفردية والأنانية ومحاولة لخلق إنسانية جديدة متحررة من البؤس الفردي والتفاوت الاجتماعي، وهذا هو الشرط لتحقيق السعادة الكاملة. ماركوس Marcuse يقول إن تعالي وتطور إنسان هذا العصر يكون بسعيه إلى: المعرفة، العلم، التقنية والعملية؛ وهو مثل غارودي Garaudy الذي يؤكد أن نضوج الإنسان ذو طابع تاريخي وزمني بحت ولا يكون على المستوى الميتافيزيقي (الفائق الطبيعة): انه الاندفاع نحو مستقبل المجتمع الأفضل من المجتمع الحالي. أمّا بلوك Bloch فيعتقد أن تخطي الذات نابع من أن الإنسان يسعى إلى "ما ليس بعد"، هذا المدى من الإمكانيات الذي يجده الإنسان أمامه. والأمل هو أن يحقق الإنسان إمكانياته التي ليست محققة بعد وهو أمرٌ بشري بحت ولا علاقة لله بالأمر. إن ما يحمله هذا التفسير من حقيقة هي ان حركة تخطي الذات لها أيضا بعد اجتماعي: فالإنسان ككائن اجتماعي ينمو. ومن ناحية أخرى فان هذه النظرية بتخطي الذات على المستوى الاجتماعي تواجه اعتراضات كثيرة نابعة من تنظيم المجتمع مهما كان نوعه: اشتراكيا كان أم رأسماليا. فما لاحظناه من حركة تخطي الذات يتضمن البعدين الفردي والاجتماعي ولهذا السبب فان ماركس Marx واتباعه الذين يقفون فقط عند البعد الاجتماعي، يعطون تفسيراً لتخطي الذات لا يمكن قبوله لأننا حتى ولو فرضنا أن الإنسانية من خلال تطورها البطيء ستصل إلى تحقيق ذاتها كاملة ولن يبقى هناك احتياجات ناقصة وسيكون تساوٍ بين الناس فان ذلك لن يحل المعضلة الفردية ومتطلبات الإنسان الحالية. وفي الحقيقة لن يستطيع الإنسان أن يعطي معنى لوجوده إذا وضع ثقته بعناصر كونية، فان كل ظواهر العالم لها وقت وتنتهي فيه. ولن يستطيع الإنسان أيضا أن يعطي معنى لوجوده إذا وضع ثقته بالإنسان الآخر لأنه هو أيضا محدود وزائل. ولذلك على الإنسان أن يبحث في منحى آخر ليجد المعنى الحقيقي لتخطي ذاته ولمعرفة معنى وجوده. 3- التفسير المتمحور في الإله: كثير من الباحثين يعطون لتخطي الذات هدف ومعنى إلهي: فالإنسان مدفوع من داخله باستمرار ليتخطى ذاته ويتخطى حدود واقعه، لأنه مدفوع من قِبَل إرادة أعلى منه ليفعل ذلك، وهذه الإرادة هي الله. فالله بسخائه وطيبته وكماله وحضوره في كل مكان، يوجه نحوه كل الخلائق وخصوصاً الإنسان. يَظهر الإنسان للاّهوتي كارل راهنر Rahner ككائنٌ منفتح في جوهره، ولا ينغلق على ذاته أبداً ويقف عند "النهاية". وفي هذه الإنفتاحة غير المتناهية يكمن تخطي الذات: فهي تجعل الإنسان منطلقا دوما نحو الأمام. لكن هذا لا يُقصد به إنفتاحة نحو الفراغ، مثلما يجزم معلمه هيدغر Heidegger ، ولا هي إنفتاحة موجَّهَة نحو مستقبل لن يصبح واقعاً أبداً، كما تخيل غارودي Garaudy وبلوك Bloch ، بل هي إنفتاحة تصبّ في المطلق، هذا المطلق الذي يكون لانفتاحة الإنسان كالختم الوحيد القادر على إغلاقها وتماسكها. إن التفسير المتمحور في الإله لحركة تعالي الإنسان على ذاته فيه الإجابة النهائية لبحث الإنسان عن المعنى الجوهري والحقيقي لانشداده وتعاليه بشكل متواصل، لأن هذه الحركة تقود الإنسان نحو الذي هو أساس كل معنى وكل قيمة، انه الله. بما أن التفسير المتمحور في الإله لتعالي الإنسان يحدد معنى تعاليه في الله، فقد ظهرت ضد هذا التفسير صعوبة كبيرة وهي: إن هذا التفسير ينفي واقعية الله ككائن موجود لأنه تأكيدٌ منطلقٌ من الذات. فاليوم يوجد فلاسفة يؤكدون أن من غير الممكن معرفة الله ولا يمكن برهنة وجوده اطلاقاً، ويقولون أن فكرة الإله بالتالي هي فقط تشخيص لاحتياجات وخيالات الإنسان السامية: وبمعنى آخر، إن الله اختراعٌ من فكر الإنسان. رداً على هذا يكرر اللاهوتيون أن جوابهم على حركة تعالي الإنسان لذاته نحو الله لا تفترض أنها تريد أن تبرهن وجود الله في الأصل، ولكن مع ذلك فان حركة تعالي الإنسان هذه نحو الله هي نفسها تبرهن وتعطينا وثيقة أكيدة لواقعية الله. فان تخطي الإنسان لذاته هي حركة وبالتالي فان أي حركة تفترض غاية وهدفا. وبما أننا وجدنا سابقا أن لا الأنا ولا الإنسانية يستطيعان إعطاء معنى لهذه الحركة، فلا يبقى احتمال آخر إذاً إلا الاعتراف بأن المعنى الأخير لتعالي الذات الإنسانية، وبالتالي المعنى الأخير للإنسان، موجود خارج الإنسان نفسه وهو موجود في الله، بل هو الله. لأن الإنسان لا يخرج من حدود وجوده الشخصي لكي يغوص في اللاشيء، بل يخرج من ذاته لكي يلقي بنفسه في الله، الذي هو الكائن الوحيد الذي يستطيع حمل الإنسان إلى الكمال وتحقيق ذاته الدائم. كما يُخطئ فلاسفة كثيرون إذ يجعلون حركة تخطي الإنسان لذاته الأفقية (أي البعد التاريخي) تعارض حركة تخطيه لذاته العمودية (أي الميتافيزيقية)، كما لو أن الأمر يتعلق بتوتر متعاكس، بينما هو بالأحرى انسجام، لان حركة التعالي الأفقي تأخذ معنى وواقعية فقط من التعالي العمودي، وإلا لأصبح الإنسان أداة لا جوهر له. وبالنسبة للمفكر المسيحي، فان إلحاح الفلسفة على أن تخطي الذات الأفقي يتقوى ويتدعّم ويتلازم مع الحركة العمودية، يجد أفضل تأكيد له على المستوى التاريخي في الوحي الإلهي. والوحي يعلّمنا أن الله، رغم سقطاتنا، وذنوبنا، وبرودتنا، ومقاومتنا له، بقي يريد أن يشفي غليلنا في طموحنا لنكون مثله، فأدمجنا في حياته الإلهية ذاتها، بشكل غامض في هذه الحياة الحاضرة، لكن في وضوح ساطع بالرؤيا الإلهية في الحياة المستقبلية. باختصار نقول أن المسيحي يعرف بالتأكيد أن المعنى الحقيقي والنهائي للإنسان هو الله نفسه، وهذا التأكيد ليس متعاكسٌ بل هو منسجمٌ بشكل تام مع التطلعات البعيدة النظر للعقل البشري، إن هذا التأكيد يجده في ذاته نفسها إذا فهم المعنى العميق الموجود فيها للخبرة المنتشرة في كل مكان عن تخطي الذات وتعالي الإنسان في مجالات الحياة كافةً. |
||||
21 - 08 - 2014, 03:04 PM | رقم المشاركة : ( 5347 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الفكر الكتابي والمسيحي حول الإنسان رأينا في القسم الأول أن المعنى الحقيقي لذات الإنسان وكماله البشري يجده في الله فقط. وهذا ما يُعلِّمه الكتاب المقدس ومن بعده المفكرين المسيحيين معتمدين تعليم الوحي الإلهي بان الإنسان هو "صورة الله" ومثاله. وهذا هو تعليم الإيمان الأساسي حول الإنسان. وبما أن موضوعنا لاهوتي، فسأبدأ بتعريف بسيط لعلم اللاهوت. ان علم اللاهوت يعتمد على مبدأين: الأول هو معطيات الوحي الإلهي في الكتاب المقدس، والثاني هو المبادئ الفلسفية التي يعتمدها اللاهوتي ليبني عليها فَهمه وشرحه وتعليمه لتاريخ الله الخلاصي، وان اختلاف المبادئ الفلسفية التي يعتمدها اللاهوتي ستؤدي حتما إلى اختلاف في النتائج والتعليم، وهكذا يُخلق التباين وأحيانا التشويش في ما بين اللاهوتيين وتعاليمهم المختلفة. لكن ومن ناحية أخرى إن هذه هي الطريق الوحيدة لتطور علم اللاهوت الذي يحاول في كل عصر أن يعيد شرح الإيمان المسيحي وعقائده لأبناء كل عصر وبحسب تطور مفاهيمهم الفكرية والعلمية. في هذا القسم الثاني من حديثنا سنبدأ بعرض معطيات الكتاب المقدس المتعلقة بموضوعنا، ثم سنكتشف تعليم الآباء اليونان والسريان من خلال تعليم غريغوريوس النيسي ومار أفرام، بعد عرض المبادئ الفلسفية التي اعتمدها آباء الكنيسة في الشرق ليبنوا عليها اللاهوت الذي مازالت كنائسنا تعيش منه. وهو في نفس الوقت جواب كنائسنا عن تساؤل الإنسان ويمكن أن يكون جواباً ممكناً حتى في عصرنا اليوم للمسيحي المؤمن. |
||||
21 - 08 - 2014, 03:08 PM | رقم المشاركة : ( 5348 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لماذا أشعر أحياناً بأن صلاتي غير مستجابة؟!..
" ويجيء الروح أيضاً لنجدة ِ ضُعفِنا. فنحن لا نعرفُ كيف نصلي كما يجب، ولكن الروح يشفَعُ لنا عند الله بأناتٍ لا توصف. والله الذي يرى ما في القلوب يعرف ُ ما يريده الروح، وكيف أنهُ يشفعُ للقديسين بما يوافقُ مشيئتَه. ونحن نعلم ُ أنَ اللهَ يعملُ سويةً مع الذين يُحبونهُ لخيرهم في كل ِ شيء، أُولئكَ الذينَ دعاهم حسب قصدِ هِ...." ( رومة 8/ 26-28) " ما أصابتكُم تجرَِبة ٌ فوقَ طاقةِ الإنسان، لأنَ اللهَ صادقٌ فلا يُكَلِفُكُم من التجاربِ غير ما تقدرونَ عليهِ، بل يهبُكُم مع التجربةِ وسيلة َ النجاةِ منها والقدرة َ على احتمالها..." (1 كورنتس 10/13) لماذا لدينا جميعا ً تكرار خبرة الصلوات غير المستجابة؟ سأعطيكم بكل خضوع وببساطة خبرتي الشخصية وليس لي شيء آخر أعطيكم إياه. فقد علمتني صلواتي غير المستجابة بشأن قلة إيماني أولاً. فوجدت نفسي بصحبة الرسل وقلة إيمانهم ودهشة يسوع بشأن ذلك: "وتعجب من عدم إيمانهم.. فلامهم على قلّة إيمانهم وقساوة قلوبهم".. لقد تعلمت أن الله حرّ وإنه لم يكن آلة في خدمتي وإنه يعمل ما هو خير لصالحي. كلمة القديس بولس: "كل الأعمال تعمل معاً للخير للذين يحبون الله"، ساعدتني كثيراً في الثقة في كل ما يحد ث لي من أحداث أو صعاب غير متوقعة. كما تعلمت أن الله أحياناً، ليس على عجل، فهو يأخذ وقته.. فقد انتظرت مرة، 16عاماً حتى اكتشفت أنه استجاب لي... لكن في نفس الوقت ... تعلمت أن الله يستجيب أحياناً بطريقة مختلقة عما ننتظر!!... (نقلاً عن كتاب "رفاق الكرمة" ? العدد 48) |
||||
21 - 08 - 2014, 03:19 PM | رقم المشاركة : ( 5349 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لكن نجّنا من الشرير،آمين التجارب الواردة في الطلبة السابقة مباشرة للصلاة الربانيّة، أثارها ويثيرها الشيطان الذي يسمى هنا الشرّيركما قال المسيح، وفي هذه الطلبة يريد منّا المسيح أن نطلب من الله الآب كي يخلصنا من الشرير. الشيطان ليس قوة وهميّة، وليس حالة الشرّ كما تعلّم الفلسفة والأخلاق الإنسانيّة، لكنّه شخص خاص؛ فقد كان ملاكًا وفقد الشركة مع الله فأصبح روحًا مظلمة. جاء المسيح إلى العالم ليُبطل أعمال الشيطان لأجل هذا أُظهر ابن الله لكي ينقض أعمال ابليس(1يو8:3). ظهر الشيطان في الصحراء ليجرّب المسيح، وقد خلق عثراتٍ كثيرًة. وهذا ما رآه كثير من القدّيسين وحاربوه بقوّة المسيح. في هذه الطلبة للصلاة الربانية، يُوصَفُ الشيطان بالشرير، وتدّل هذه الكلمة على معانٍ كثيرة. في معناها الأول، الشّرير هو ذاك الذي يتعذب بالجسد من الأتعاب لأن هذه الصفة تأتي من الفعل أتألم، ولاحقاً دلّت كلمة الشّرير وتدّل على التعاسة والشرّ والدناءة . مع هذه الطلبة دَعينا الشيطان شريرًا، وخاصّة بالمعنى كليّ المكر الذي يستخدم كلّ شيء ليجعل الإنسان دائمًا بعيدًا عن الله. وفي مكان آخر دعا المسيح الشيطان شريرًا كما في مثل الزارع يأتي الشّرير ويخطف ما قد زُرع في قلبه (مت 19:13). وصف الرسل أيضًا الشيطان بالشرّير المولود من الله يحفظ نفسه والشرّير لا يمسّه (1يو18:5). ودعوة الشيطان بالشّرير يدّل أن الشرّ ليس حالة طبيعية لطبيعتنا، بل هو نتيجة اختيارنا. لم يجبل الله الإنسان لأن يكون سيئًا، بل هذا الشرّ قد دخل كنتيجة للخطيئة، وللعصيان لله الخيّر وإطاعًة للشيطان الشّرير. المَكر صفة معروفة للشيطان أيّ عنده شرّ بالغ، هو يحاربنا باستمرار دون أن نظلمه. الشيطان شّرير في طبيعته، لهذا لا يستطيع أن يتوب. بينما الإنسان يتوب ويقبل محبة الله. بعد ذلك وصف المسيح الشيطان بالشّرير ليعلّمنا أنّه لا يجب أن نتخاصم مع البشر لأيّ سبب سببوه لنا، لأنهم ليسوا هم من يهاجموننا بل الشيطان سبب الشرّ. فهو يحرّض البشر أن يؤذونا. ولهذا ينبغي علينا أن نحوّل عداءنا إلى الشيطان وليس إلى الناس. شرّ الشيطان كبير. وهو ماكرٌ أيضًا، ومحتال، يعمل فينا لأن نخطئ ونبتعد عن الله. نعرف من العهد القديم أن الجبّلة الأولى سقطت في الخطيئة بفكر صالح أيّ بأمل التأله، تظاهر الشيطان أنه يهتم بتألههم وأرشدهم لطريق آخر مختلف عن ذاك الذي أرشدهم إليه الله. الشيطان هو لاهوتيٌ أيضًا، لكنّه يحرّف الأمور، فهو لاهوتيٌ سيء. أرشد الإنسان، قبل ارتكاب الخطيئة، بأن الله محبٌ للبشر وسيغفر له الخطيئة التي سيقترفها. لكن بعد ارتكاب الخطيئة أوحى إليه أن الله قاسٍ ولن يغفر له أبدًا. وبهذه الطريقة يحاول أن يرميه في اليأس والقنوط. وأيضًا يحارب الإنسان من خلال الأهواء والأفكار والتخيلات والرغبات وحوادث الحياة وبكلّ الحالات التي يعيشها الإنسان. وفي كلّ حالة يتناسب بطريقة ليرمي الإنسان إما في اللامبالاة أو في اليأس. الحرب الكبيرة للشيطان ضدّ الإنسان التي تُظهر شرّه هي حرب الأفكار. شرّه هو حرب الأفكار. وبسبب هذا بالضبط يتعلّم الإنسان في الكنيسة مواجهة الأفكار، وبهذا الأمر يتمّ التدريب. وهذا منهج النسك. ففي كتب النسك الكنسيّة مثل الفيلوكاليا والييرونديكون وأعمال الآباء القديسين، يستطيع الإنسان أن يجد الطرق التي يحارب الشيطان بواسطتها. وطبعًا يلعب الأب الروحي دورًا مهمًا في هذا. وبصورة عامة، تواجَه الأفكار إما بالاحتقار الذي يتمّ بالإيمان بالله، أو بطردها وخاصة بصلاة يسوع ياربّ، يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ، وبتنمية الأفكار الصالحة تجاه كلّ مطلب من الإنسان. بهذه الطلبة للصلاة الربّانية، يعلّمنا المسيح أن نطلب من الله أن يخلّصنا من الشّرير، فالشيطان لديه قوة كبيرة وخبرة كثيرة، فهو مجّندٌ أبدي، أما الإنسان فضعيف وعديم القوة. الله وحده يستطيع أن يساعدنا في هذه الحرب طالما أنّ المسيح انتصر على الشيطان وأعطى الإمكانيّة لكلّ إنسان بقوته أن ينتصر عليه. شرّ الشّرير يواجَه بحكمة الله الكلي الحكمة. |
||||
21 - 08 - 2014, 03:25 PM | رقم المشاركة : ( 5350 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المسيح ونحن لا توجد بَرَكة إلا حيث يسكن المسيح. حيث يبارك المسيح تكون الراحة السماوية. وحيث يدير المسيح نظره الكريم يكون الفرح الحقيقي الذي لا يوصَف. بمحبته غير المنقطعة واتضاعه العظيم، وبمعجزاته، يحبّنا المسيح منبّهاً إيانا بشكل غير مرئي ومذكّراً بوجود حياة في ملكوت السماوات. |
||||