14 - 08 - 2014, 03:31 PM | رقم المشاركة : ( 5161 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
في النظرة الشاخصة إليك ينكشف وجه الله جان لافرانس في النظرة الشاخصة إليك ينكشف وجه الله؛ وإذ ذاك تنشأ علاقة الصداقة هذه التي فيها ينظر كائنان إلى بعضهما وجهاً إلى وجه. 1- هل لاحظت المواقف البشرية الكثيرة التي تنسبها المزامير إلى الله؟ فهو ينحني نحو الإنسان، وهو يرى، ويفحص، ويعرف، ويصغي، ويسمع، وهو قريب، ويستقبل ويُشفق. ومع ذلك فإن الله ليس إنساناً، ولا يسع أيّة خليقة إعطاء فكرة عن مجده. إنّه، بكلّ بساطة، الإله الذي تعرفه ف اللقاء. 2- ولكن لله تصاميم ونوايا: إنه يريد الدخول في شركة معك. فعمق كيان الله هو الحبّ، وأمنية الحبّ هي التقاسم. وللإفصاح عن هذا الحبّ، يستخدم الله صوراً، فيشبّه نفسه بالأم التي تهزّ مهد طفلها وتضمّه إلى خدّها. وتشبيه الله بالأم ينير الكتاب المقدّس كلّه... ويشبّه الله نفسه أيضاً بالأب وبالعريس وبالصديق. " الحبّ الذي يحبّنا الله به يقال في العبرية " رحاميم"، جمع رحَم: إنّه حبّ الأم مضاعفاً إلى اللانهاية". وبكلمة فإنّ قلب الله يطفح بالحنان لك؛ وما أنواع الحبّ التي تعرفها على الأرض ( الحبّ الزوجي، أو الوالديّ أو الأبويّ أو حبّ الصداقة) إلا شعاع ضئيل من هذا الحبّ الكلّي المتدفّق من قلب الله. 3- ولأنك تقرأ هذا الحبّ في الله، تكتشف فيه وجه العريس أو الأم أو الصديق. فالله هو ذاك الذي يصرف وجهه إليك، ومن ثمّة يعطيك وجهك الخاص. انه ينظر إليك وجهاً إلى وجه، انه ينفتح ويظهر لك. وأنت تعلم أنّ نظرة الإنسان هي الباب الذي ينفتح إلى عمق قلبه. وفي نظرة أصدقائك المؤثّرة تكتشف ذاتك مفهوماً ومحبوباً لديهم. 4- وهكذا فإنّ الله هو ذاك الذي يرى، لكنّ نظرته حبّ، وتعبّر عن حنان قلبه اللامتناهي. إنّه يراك بكلّ إمكاناتك، ويدعوك إلى الاستجابة لها. وهو يرى الشرّ الذي فيك ويقيسه، ويرى أيضاً خطيئتك ويشجبها. ويصل حكمه إلى أعماق قلبك ولا شيء يصمد أمامه. ولكنك تعرف أن نظرته مليئة بالرحمة والغفران، وأنّها تخلّصك. إنّ نظرة الله لا تفضح سرّك، بل تحفظك وتحميك. وإذا رآك، هو، فذلك لا يعني انه يحكم عليك أو يخذلك، بل يسترك في أفضل حمى. فحبّه لا يفتأ يخلقك إذ يوقظ فيك طاقات القيامة. 5- أن تصلّي، يعني أنك تضع ذاتك تحت نظرة الله وتشتاق إلى أن يراك حتى أخفى أعماق كيانك. والصلاة الحقيقية تبدأ يوم تكتشف نظرة الحبّ هذه. ولكنك بحاجة إلى أن يُنير الله عيون قلبك. فلا تستطيع رؤية وجه الله إلا حين تُتيح لنور عينيه أن يُنيرك. ورؤية وجه الله هي إدراكك أنّ نظرته تخترقك، وبها فقط يمكنك أن تشاهد النور: بنورك نعاين النور ( مز 35/10 ). فشعاع وجهه هو الذي ينيرك ويغمر العالم بضوئه الساطع. 6- في التأمّل، تضرّع إلى الله لكي يكشف لك عن ذاته: الهمّ أرجعنا وأنر بوجهك علينا فنخلص ( مز 80/7 ). وإذ ذاك ستختبر هذه الخبرة المذهلة، وهي أنّ شوقك إلى رؤية الله هو أن يراك ذاك الذي يتقصّى أعماق الإنسان والأغوار. وحينئذ تنشأ علاقة صداقة ترى فيها الله عياناً: رقباؤك قد رفعوا أصواتهم، وهم يرنّمون جميعاً، لأنهم ينظرون عياناً، حين يرجع الربّ إلى صهيون ( أشعيا 52/8 ). 7- وحينما تتوطّد هذه العلاقة، تصبح الكلمات بغير جدوى? لأنك ستفهم كلّ شيء في نظرة الله. وترضى إذ ذاك بالوقوف أمامه بفقرك وعدم كفاءتك وخطيئتك، ولكن أيضاً بشوقك إلى تفهّم نيّته والى مطابقة إرادته. تحت نظرته، تجد دوماً إمكانية لا متناهية للتجديد. 8- في العماد، أنار لك المسيح عينيك فجعلك قادراً على الاشتراك في نظرة حبّه. فالصلاة هي، إذا، الدخول في تبادل النظرات هذا، الذي يتفتّح في شركة حبّ |
||||
14 - 08 - 2014, 03:32 PM | رقم المشاركة : ( 5162 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العدالة الإلهيّة أم العدالة البشريّة؟ قيافا اسم آراميّ ومعناه الصخرة. إنّه رئيس كهنة اليهود من 27-36 للميلاد. صدّوقيّ لا يؤمن بالقيامة ولا الملائكة والشياطين، بل يؤمنون بأنّ التوراة (الأسفار الخمسة الأولى في الكتاب المقدّس) هي وحدها كلمة الله. كان قيافا يحرص بكافّة الوسائل على المحافظة على نفوذه. لذلك نراه يشنّ حملات اضطهاد ضدّ المسيحيّين بعد العنصرة. الموقف الأوّل : مجلس اليهود يناقش مسألة قتل يسوع. حاول قيافا أن يُظهِرَ حرصه على سلامة الشريعة من التعاليم المضلّلة، وأنّه على استعداد لفعل أيّ شيءٍ لحماية الشريعة والشعب من هذه التعاليم. لكنّه كان يخاف في الحقيقة على نفوذه ومكانته بين الناس. كثيراً ما نظهر غيرةً رسوليّة فنستغلّ مناصب الخدمة من أجل مصالحنا الشخصيّة. ونظهر للآخرين اهتمامنا بالشأن العام وبهم، وقد نضحّي بأشخاصٍ مهمّين في الرسالة الّتي نقوم بها في سبيل ديمومة هيمنتنا، ونغلّف دوافعنا الأنانيّة هذه بالغلاف الروحيّ. «إنتم لا تعرفون شيئاً! ألا تفهمون أنّه من الأفضل أن يموت رجل واحدٌ فدى الأمّة بدل أن تهلك الأمّة كلّها» (يو 11: 49-50). الموقف الثاني : قيافا يستجوب المسيح، وحاول أن يبيّن سعة علمه بأسفار العهد القديم وتعاليم الشريعة. وحاول أيضاً أن يحرج المسيح حين سأله: «قل لي بالله عليك، أأنت المسيح؟» (مر 14: 61-62). لم يكن سؤاله استفساريّاً ولا استجواباً لفهم الحقيقة من أجل الإدلاء بحكمٍ عادل، بل كان ينوي الحكم عليه بالموت مهما كانت الإجابة. كثيراً ما نسأل الناس من دون أن نتوقّع الاستفادة منهم. فالشعور بأنّنا كاملون في المعرفة والتقوى يسقطنا في غطرسةٍ تمنعنا عن الإصغاء، وبالتالي، لا نرى علامات حضور الله في حياتنا، ولا ننتبه إلى ما يريد أن يقوله لنا من خلال الآخرين، لا الآخرين الحكماء والفهماء وحسب، بل الصغار والضعفاء والمهمّشين. وفي آخر الأمر، لا نسعى في حياتنا إلى مشيئة الله بل إلى مشيئتنا. الموقف الثالث : قيافا يعلن أنّ المسيح قد جدّف. حين أجاب يسوع عن السؤال: هل أنت ابن الله بالجواب: أنت قلت، مزّق قيافا ثيابه تعبيراً عن غضبه وشعوره بالعار. إنّه لم يتقصَّ الحقيقة من أصولها، بل جعل لها قوالب مسبقة الصنع تنبذ كلّ مَن لا يتطابق معها. في كثير من الأحيان، نحكم على أقوال الآخرين وأفعالهم انطلاقاً من قوالب وآراء مسبقة الصنع، جامدة ولا تأخذ في عين الاعتبار أيّ شيءٍ سوى الحرف والحرف فقط، فيصل بنا الأمر إلى توزيع الإدانة، والحكم بالقتل على كلّ مَن هو مختلف، أو أقلّه، احتقاره والهيمنة عليه والازدراء به. وأخيراً يا صديقي: أيّ موقفٍ من هذ المواقف الثلاثة تعيشه أو عشته، وما الّذي ينبغي عليك أن تفعله؟ |
||||
14 - 08 - 2014, 03:33 PM | رقم المشاركة : ( 5163 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
" صلاة الأبانا "
الأب داود كوكباني عن عيلة مار شربل إنّ أفضل طريقة للصلاة هي التي علّمنا إياها يسوع. سنتأمّل بهذه الصلاة بطريقة موضوعيّة وعلميّة لكي نفهم لماذا الكثير من الآباء قالوا أنّ الأبانا هي مختصر الإنجيل أيّ مختصر البشرى السارّة. صلاة الأبانا موجودة عند متّى الفصل 6 ولوقا الفصل 11. يوجد اختلاف في هذين النصّين بحسب كلّ إنجيلي. متّى " أبانا الذي في السماوات " " ليتقدّس اسمك " " ليأتِ ملكوتك " " لتكن مشيئتك في الأرض كما السماء " " أعطنا خبزنا اليوميّ " " اعفنا ممّا علينا فقد أعفينا نحن أيضاً من " " لنا عليه " " لا تعرضنا للتجربة " " بل نجّنا من الشرير " لوقا " أيّها الآب " " ليقدّس اسمك " " ليأتي ملكوتك " غير موجودة عند لوقا " ارزقنا خبزنا كفاف يومنا " " وأعفنا من خطايانا فإنّنا نعفي " " نحن أيضاً كلّ من لنا عليه " " لا تعرضنا للتجربة " قبل الخوض في هذه الفروقات، فلنرَ في أيّ مناسبة روى كلّ من الإنجيليين صلاة الأبانا. تأتي صلاة الأبانا بحسب متّى في سياق عظة الجبل أي في الفصول 5/6/7 من إنجيله. حيث تكلّم عن الصدقة، الصوم والصلاة. الصدقة (متّى6/1-4 ) "إيّاكم أن تعملوا برّكم بمرأًى من الناس لكي ينظروا إليكم، فلن يكون لكم أجر عند أبيكم الذي في السماوات. فإذا تصدّقت فلا ينفخ أمامك في البوق، كما يفعل المراؤون في المجامع والشوارع ليعظّم الناس شأنهم. الحق أقول لكم إنّهم أخذوا أجرهم. أمّا أنت، فإذا تصدّقت، فلا تعلم شمالك ما تفعل يمينك، لتكون صدقتك في الخفية، وأبوك الذي يرى في الخفية يجازيك." الصلاة (متى6/5-8) "وإذا صلّيتم، فلا تكونوا كالمرائين، فإنّهم يحبّون الصلاة قائمين في المجامع وملتقى الشوارع، ليراهم الناس. الحقّ أقول لكم إنّهم أخذوا أجرهم. أمّا أنت، فإذا صلّيت فادخل حجرتك واغلق عليك بابها وصلِّ إلى أبيك الذي الخفية، وأبوك الذي يرى في الخفية يخازيك. وإذا صلّيتم فلا تكرّروا الكلام عبثاً مثل الوثنيّين، فإنّهم يظنّون أنّهم إذا أكثروا الكلام يستجاب لهم. فلا تتشبّهوا بهم، لأنّ أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه". الصوم (متى6/16-18) "وإذا صمتم فلا تعبّسوا كالمرائين، فإنّهم يكلّحون وجوههم، ليظهر للناس أنّهم صائمون. الحقّ أقول لكم إنّهم أخذوا أجرهم. أمّا أنت، فإذا صمت، فادهن رأسك واغسل وجهك، لكيلا يظهر للناس أنّك صائم، بل لأبيك الذي في الخفية، وأبوك الذي يرى في الخفية يخازيك". إنّ الفكرة نفسها تتكرّر في الثلاثة نصوص: الصلاة علناً - الصلاة الكمرائين - الظهور أمام الناس الآب الذي يجازي في الخفية... وغيرها. ننتقل الآن إلى القسم الثاني من الصلاة : صلاة الأبانا (متى6/7-8) "وإذا صلّيتم فلا تكرّروا الكلام عبثاً مثل الوثنيين، فهم يظنّون أنّهم إذا أكثروا الكلام يستجاب لهم. فلا تتشبّهوا بهم، لأنّ أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه. فصلّوا أنتم هذه الصلاة: (أبانا الذي في السماوات...) إن بنية النص هنا تختلف كلّ الإختلاف عمّا سبقها. فصلاة الأبانا هنا قيلت في مناسبة أخرى وقد أدخلها متّى في سياق هذا النص، فلو كانت المناسبة هي نفسها لما كانت اختلفت بنية النص. أمّا في إنجيل لوقا 11/1 جاء : "وكان يصلّي في بعض الأماكن فلمّا فرغ قال له أحد تلاميذه: يا رب علّمنا أن نصلّي كما علّم يوحنا تلاميذه..." لم يذكر لوقا مكان صلاة يسوع، فالأهميّة ليست للمكان إنّما للشخص المصلّي. لم يجرؤ أحد على مقاطعة يسوع وهو يصلّي، لذلك طلب منه التلميذ أن يعلّمهم الصلاة كما علّم يوحنا تلاميذه، تماماً بعد إنهاء صلاته. يريد الإنجيلي لوقا أن يقول لنا أمر بالغ الأهميّة هو: صلاتك تعبّر عن ذاتك. صلاتك تظهر من تكون. يوحنا علّم الناس الصلاة التي تقول توبوا فقد اقترب ملكوت السماوات، علّمهم الصلاة كجماعة ترقّب، يترقّبون مجيىء الآتي. أمّا يسوع علّمهم الصلاة كجماعة أبناء، علّمهم أن يقولوا: "أيّها الآب"، أي "أبّا". وردت أيّها الآب بحسب إنجيل لوقا، ذلك لأنّه ألغى جميع الكلمات الآراميّة من إنجيله بعكس الإنجيلي مرقس. علّم يسوع تلاميذه بحسب لوقا أن يقولوا "أبّا" أي بابا أي إسم دلع. هذه الصرخة إلى الآب هي صرخة إنسان يعلم تمام العلم أنّه لا يستطيع شيئاً بدون أبيه، هذه الصرخة تحمل الدلع وتحمل أيضاً الإعتراف. ولهذا السبب يقول لنا يسوع: "إن لم تعودوا كالأولاد...". لا تعني أن تعودوا أبرياء إنّما أن تتعاملوا مع أباكم السماوي كما كنتم تتعاملون مع أباكم الأرضي وأنتم في سنّ صغيرة، تحتموا به وتلجأوا إليه. هذه الكلمة هي ثورة. يشبّه العهد القديم الله بالأب وبالأم ولكنّه لم يستعمل قطّ كلمة "أباّ". يسوع وحده استعمل هذه الكلمة في بستان الزيتون وفي صلاة الأبانا. أطرح على نفسي وعليكم هذا السؤال: كيف أنظر أنا اليوم إلى الآب، وكيف هي علاقتي معه اليوم؟ خاصّة ان يسوع يجعلني أنادي الآب بنفس الداليّة والثقة التي ينادي هو بها الآب. يعلّمني إستعمال كلمة "أبّا". هذه الكلمة تضعني في ناحية بواقع ضعفي وبناحية أخرى تضعني على مستوى البنوّة بموازاة يسوع دون أن أكون ابن الله بالطبيعة. يحقّ لي أن أقول عن نفسي ابن الله. لذلك يقول لنا القديس بولس في رسالته أنّنا ندعى أبناء ونحن بالحقيقة كذلك. مّما يعني أنّ الآب السماوي يناديك إبني. تستطيع أن تكون على مثال الإبن الضال أو على مثال أخيه الأكبر أو على مثال الأكبر الذي تصاغر وهو يسوع المسيح ويظهر بذلك وجه الآب الحقيقي. هذه الصرخة بالغة الأهميّة. إنّما علينا إتمامها بالطريقة التي أوردها متّى. أضاف متّى لكلمة "آب" ضمير الجماعة المتكلّم فأصبحت "أبانا"، وربطها بالتالي بظرف مكان، فأصبحت أبانا الذي في السماوات. بقدر ما يركّز لوقا على العلاقة الحميمة بين الشخص وبين الآب يركّز متّى على أهميّة إرتباط الشخص بجماعة الأبناء. يوجد تكامل بين العيش بدلال والعيش مع الآخرين. الآب في الوقت عينه أباً لك وحدك وأباً لكلّ المدعوّين أن يصبحوا كنيسة, تناديه معهم أبانا. أنت مع الكل إبن الآب وشخصياً إبن الآب. ظرف المكان : في السماوات . لكلمة "في السماوات" بعُدان: هي في الأعلى وبالتالي في مكان بعيد. والسماوات هي إشراف أي أن كلّ شيىء يقع تحت بصر الآب لأنّه في الأعلى، يرى كلّ الخطوات ويصبح العالم كلّه تحت بصره. وهنا المشكلة، إمّا أن تكون مطمئناً لأنه يراك أينما كنت ويخلّصك وإما أن تكون غير مطمئناً لأنّه أينما كنت نظره المحبّ يدينك. أن يكون في السماوات لا يعني أنّه قطع العلاقة معك إنّما يبقى على علاقة معك حتّى لو كنت أنت تريد قطع هذه العلاقة. في العهد القديم يذكر الكتاب أنّه حتّى لو انحدرت إلى أعماق الجحيم فعين الله تراني. إذا قبلت الأبوّة، تكون عين الله نعمة في حياتك وإذا رفضت الأبوّة تكون عين الله دينونة في حياتك. عليك قول هذه الصلاة وأنت مطمئن. الرب مرتفع وعالٍ لكي تبقى أنت تحت نظره المحبّ والمخلّص الذي يتحوّل إلى دينونة إذا أنت رفضته، وأينما حاولت الذهاب أنت دائماً في قلب الله. تستعمل كلمة السماء عادة باللغة العبرانيّة بالجمع (السماوات). " أبانا الذي في السماوات ليُقدّس إسمك " . إستعمال هذا الفعل بصيغة المجهول يعني أن الفاعل هو الله، أي قدّس إسمك يا الله، أظهر قداستك للناس وذلك بتجلّيها فينا، حقّق فينا يوماً فيوماً البنوّة واجعلنا نعيها لكي لا ينطبق علينا قول العهد القديم : "بسببكم يجدّف على اسمي القدّوس كلّ يوم". عندما أقول له قدّس إسمك، أكون بكلّ بساطة أطلب منه تقديسي. ومن هنا أهميّة هذه العبارة: "عظيم الله في قدّيسيه"، وأيضاً: "فها منذ الآن تطوّبني جميع الأجيال لانّ القدير صنع بي العظائم". أي تجلّي وعد الله وتحقيق الدعوة إلى البنوّة. " ليأت ملكوتك " يعني أنّ القداسة ليست مشروعي ورغبتي أنا فقط، إنّما هي انتظار البشريّة بأجمعها. وعبارة "ليأتي ملكوتك" تفترض علّي عيش البعد الجماعي منذ الآن مع جميع من يعترف بأنّ الآب هو الملك وبأنّهم سيكونون ملوكاً معه. فيهم جميعاً ستتجلّى قداسة الله عبر المحبّة. مما يعني أن أبناء مملكة يسوع هم ورثة. والملك في هذه المملكة يعطي المُلك للكلّ. نحن شعب ملوكي، نملك صفة ملوكيّة، صفة كهنوتيّة وصفة تقديسيّة، لأنّه أنعم علينا بالإسم الذي أنعم به على يسوع، أي أبناء الله. فورثة نحن إذاً والملكوت الذي ننتظره ونطلبه، علينا بدء العيش به منذ الآن. نعترف منذ الآن أنّ الآب هو الملك وليُعمل بمشيئته على الأرض كما في السماء. هذه العبارة موجودة عند متّى فقط وهي قريبة من عبارة ليأتِ ملكوتك. للطاعة أهميّة في هذا الملكوت. طاعة إبن الملك للملك وليست طاعة إبن المملكة للملك. إبن المملكة قد يطيع الملك خوفاً، أمّا ابن الملك قد يطيع الملك حباً. ننتقل للقسم الثاني . "إرزقنا اليوم خبز يومنا" (متّى) "إرزقنا خبزنا كفاف يومنا" (لوقا) هذا الإختلاف يظهر أهميّة الإختبار الروحي وتأثيره على الأمور. إنّ متّى يخاطب شعباً اختبر المنّ في البرّية، يخاطب جماعة مسيحيّة من أصل يهودي اختبرت الصحراء والمن وأكلت منه حاجة يومها فقط كما طلب الله منها. فاتّكالها ليس على المن إنّما على من يعطي المنّ. أمّا لوقا فيخاطب جماعة لم تعش هذا الإختبار ولن تفهمه، لذلك يقول لهم ألاّ يخافوا لأنّ الله يؤمّن لهم قوت كلّ يوم. القدّيسة تريزيا تقول: "لكيّ أحبّك، لا أملك سوى اليوم". أي نعمة الوقت الحاضر. ما معنى أعطنا خبزنا؟ الإنسان يملك الكثير من الخبز ولكنّه يطلب دائماً الخبز النازل من عند الله. "قد كان لي دمعي خبزاً نهراً وليلاً، إذ قيل لي أي إلهك". كأن بصاحب المزمور يقول لنا أنّه عندما أضاع الله هو ومن معه، أصبحت دموعه وخطيئته خبزه وهذا الخبز ممزوج بعرق جبينه إلى أن يعود إلى التراب الذي منه أخذ. أعطنا خبزك يا الله لأنّ الحياة التي أستقلّ بها عنك، يغدو دمعي وخطيئتي خبزها. أمّا يسوع فيقول لي: "أنا سأصبح خبزك." أصبح الفرق واضحاً الآن بين متّى ولوقا. الطلبات هي أربعة عند متى، أمّا عند لوقا فهي ثلاث طلبات. الطلب الخامس عند متّى والرابع عند لوقا: "إعفنا مما علينا فقد أعفينا نحن أيضاً من لنا عليه" (متّى). "إعفنا من خطايانا فإنّنا نعفي نحن أيضاً مَن لنا عليه" (لوقا). "مما علينا" عند متّى يقابلها "خطايانا" عند لوقا، أمّا بقيّة الطلب فهي مماثلة. لماذا هذا الإختلاف؟ اليهودي الذي يخاطبه متّى، يعتبر أنّه في كلّ مرّة يخطىء، يصبح مديون لله والله يستوفي الدين. ولهذا السبب تقدّم الذبائح التكفيريّة. أمّا لوقا، ففكرته مختلفة لأنّه يخاطب أناساً ليس لديهم هذا الربط بين الدين والخطيئة. لذلك استعمل كلمة "خطايانا". أتوقّف عند هذه العبارة التي تستوقف الكثيرين. ارتسم كاهن من فترة في فرنسا وأخبر هذه القصّة: بعد قدّاسه الاوّل، أتته امرأة وقالت له أنّها ولأوّل مرّة بعد أربعين سنة تقول الأبانا كاملة. سألها عن السبب فأجابته أنّ ابنها تعرّض للقتل أمامها من قبل الألمان وهذه المرّة الأولى في القدّاس، قرّرت أن تغفر لقتلة ابنها وأن تقول الأبانا كاملة. ليس سهلاً أبداً أن أقول للرب: "إغفر لي كما أنا أغفر". من أنا لأتوجّه للرب بهكذا طلب؟ أنا ابنه، وبطلبي هذا أنفتح على دعوة البنوّة وأُؤَكّد على توبتي ورغبتي في العمق أن تتجلّى فيّ قداسة الله. عندما أغفر، أكون سبرت غور السر العميق، سر الإبن الذي يشبه أباه ويعمل عمله. " لاتعرّضنا للتجربة " التجربة بصيغة المفرد وليس التجارب. ما معنى التجربة؟ لا أحد يبغي ما لا يبغيه الله. المشكلة أو التجربة هي أن أحقّق إرادة الله على طريقتي. طلب آدم وحواء أن يصيرا كآلهة عارفين الخير والشر، بالوقت أن الله خلقهما على صورته ومثاله. أرادا أن يصيرا مثل الله على طريقتهما. وهذه هي التجربة. الإنسان يزني لأنّه يفتّش على طريقته عن السعادة. يسرق لأنّه يفتّش على طريقته عن الراحة. يقتل لأنّه يفتّش على طريقته عن الآخر. التجربة هي أن تتبنّى طريقتك وتضع الله جانباً. الله يرى بالقلب أمّ أنا فبالعين، الله يسمع بالقلب أمّا انا فبالأذن، الله يشعر بالقلب أمّا أنا فبالعواطف، الله يتحرّك بالقلب أمّا أنا فبالجنس. المشكلة هي أنّني لا أرى الطريق بكامله وأحياناً لا أملك تناغم بين قلبي وعيني وأذني ورغم هذا أقول لله بأنّه لا يعرف الطريق. أنت واقف دائماً على تقاطع طرق، إمّا أن تسمح لصليب الرب بأن يجمع كلّ طرقك إمّا أن تختارالطريق بنفسك. لا تعرّضنا للتجربة، تعني: أنت الذي تقول طرقي غير طرقكم، أريد ترك طريقي واعتناق طريقك. هذه هي الطريقة الوحيدة للتخلّص من التجربة. "لا تعرّضنا للتجربة"، هي أيضاً صلاة مشتركة بين متّى ولوقا. " نجّنا من الشرير أوّ الشرّ" هي الصلاة الأخيرة الخاصّة بمتّى . أيّ شرّ نطلب النجاة منه؟ نجّنا من الشرير، أي لا تدعنا نفلت من يديك. أعطنا أنّ نسلّمك ذاتنا حتّى النهاية. لأنّه لن أسلم من الشرير، إلاّ إذا سلّمت ذاتي إليه، حتّى لو لم أسلّم ذاتي للشّر. إذا لم أسلّم ذاتي لأبي، أيّ أنّه إذا لم أعش البنوّة بعمقها، يستَلِمني عندها الشرير وأبو الكذب ويجعل منّي عندها كاذباً وابن الكذب مثل آدم القديم. وأعود وأقول: لماذا يوجد عند متّى سبع طلبات بينما عند لوقا خمسة فقط؟. ذلك لأنّ متّى كتب لمسيحيين من أصل يهودي يتلون صلوات البركات السبع يومياً، يقدّم لهم هذه الصلاة ويقول هذه هي صلاتكم الجديدة. هذه الصلاة هي بالغة الروعة ولا عجب في هذا، إذ أنّها صادرة عن يسوع المسيح نفسه. نشكر يسوع لانّه جعلنا بشر رائعين أبناء الآب السماوي آمين |
||||
14 - 08 - 2014, 03:34 PM | رقم المشاركة : ( 5164 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
البئر العميقة/ اختبارات إيمانية جب الهلاك وطين الحمْأة الأب منير سقال "رجوت الرب رجاءً ، فحنا عليَّ وسمع صراخي؛ وأصعدني من جب الهلاك ومن طين الحمْأة" (مز 40/2-3 ) مقدمة يقول كارل روجرز أحد أهم علماء النفس الأمريكيين في القرن العشرين، إننا نحن البشر العاديين أشبه بشخص سقط في بئر عميقة لا ماء فيها . وفي عمق البئر أخذ يعيش حالات من القلق العميق واليأس لشعوره بأنه لن يتمكن من النجاة... فراح يضرب بكفَّيه جدار البئر علّ أحداً في الخارج يسمع. بدا له أن كل محاولاته لابد فاشلة وأن أحداً سيكتشف يوماً أن إنساناً سقط في هذه البئر وقضى ولم يدرِ بوجوده أحد ! ولكنه عاد يطرق الجدران ويداه تدميان... إلى أن سمع في آخر المطاف صوتاً من خارج جدران البئر,فأحس وكأن فرحاً كبيراً قد تفجر في نفسه وخالجه شعور بالارتياح لأن أحداً أخذ علماً بوجوده حيث هو، ولسان حاله يقول : الشكر لله أن أحداً أحس بوجودي. (من كتاب " فن التواصل " للأب جان باول اليسوعي ولوريتا برادى ص 138 ). يلاحظ روجرز أن كلاًّ منا غالباً ما يشبه في حياته ذاك الرجل الذي سقط في البئر وسُجن فيها، فنحس بالوحدة وتفاهة الحياة أحياناً . وفي وحدتنا نشعر بالقنوط وفقدان الأمل، وكأن البديل هو أن يموت كل منا وحيداً من دون أن يدري بوجوده أحد . ولكنه يأبى ذلك فيعود يخبط بكفّيه الداميتين جدران الناس، آنذاك لابد وأن أحداً سوف يصغي . آنذاك سيحس وكأن نسمة الحياة سرت من جديد في عروقه, وأن أحداً تعرّف إلى ما قاساه ووقف على حقيقة وجوده وعمق مشاعره و اختباره. وهكذا هي الحال في اختبار البئر العميقة , الاختبار الروحي مع الله . انطلاقا من الكتاب المقدس, سنتعرف أولا إلى تلك الآبار المشهورة التي وردت فيه, وعلى معنى كلمة "بئر" ثم الأحداث التي تمت عليه و معانيها , لنصل بعدها إلى اختبارات إيمانية عاشها أشخاص قبل وبعد السيد المسيح. الآبار المشهورة من الآبار المشهورة التي وردت في الكتاب المقدس : 1- بئر بيت لحم: فتأوّه داود وقال :"من يسقيني ماء من البئر التي عند باب بيت لحم"(2صم 23/15) 2- بئرعِسِِقْ و سِطْنَه ورُحُوبُوت: وهي الآبار التي بين جرار وبئر سبع. وينسب سفر التكوين إلى الآباء , وهم رعاة ماشية , حفر آبار كثيرة و"بئر يعقوب "في شكيم (وذكره غير وارد في سفر التكوين ) هي البئر التي كشف المسيح بجانبها للسامرية ما هو الماء الحي الحقيقي (يو 4/1) : "وحفر خَدَمُ اسحق في الوادي فوجدوا هناك بئر مياه حية .فتخاصم رعاة جرار ورعاة اسحق قائلين : "هذا الماء لنا "فسمى اسحق البئر "عِسِقْ " لأنهم تنازعوا معه ثم حفروا بئرا أخرى فتخاصموا عليها أيضاً, فسمّاها "سِطْنَه"ثم انتقل من هناك وحفر بئراً أخرى ,فلم يتخاصموا عليها فسماها "رُحُبوت" وقال :"الآن قد رحَّبَ الرب لنا فننمو في الأرض" (تك 26/19-22). 3- بئر هاجَر: "وفتح الله عينيها (هاجر) فرأت بئر ماء ,فمضت وملأت القُرْبة ماء وسقت الصبي" (تك21/19). 4- بئر حاران:"وكان إذا جُمعت القطعان، يُدحرج الحجر على فم البئر, فتُسعى الغنم, ثم يرد الحجر على فم البئر إلى موضعه" (تك 29/3) وعند هذه البئر قابل يعقوب راحيل بنت لابان أخي أمه :"وقبَّلَ يعقوب راحيل ورفع صوته وبكى. وأخبر يعقوبُ راحيلَ أنه ابن أختِ أبيها وابن "رِفْقة"(تك 29/11-12) 5- بئر يعقوب : فَوَصَل (يسوعُ) إلى مدينة في السامرة يُقال لها سيخارة , "بالقرب من الأرض التي أعطاها يعقوب لابنه يوسف، وفيها بئر يعقوب" (يو 3/5-6) والمقصود هنا عين ماء تنبع من قعر بئر عميق. "وقال إسرائيل (يعقوب) ليوسف: "ها أنذا أموت وسيكون الله معكم ويردكم إلى أرض آبائكم. وأنا قد أعطيتك " شكيم " علاوة على إخوتك " (تك 48/21). وشكيم تدل على مدينة ومنطقة شكيم اللتين ستكونان حصة بني يوسف وحيث سيدفن يوسف نفسه ( يش 24/32) . وشكيم هي قطعة الأرض التي اشتراها يعقوب من بني حمور أبي شكيم بمائة قَسيطة. ( تك 33/18-20)؛ على بعد ميل ونصف إلى الجنوب الشرقي من نابلس عند سفح جبل جرزيم بقرب الدرب الموصِل من أورشليم إلى الجليل. البئر اسم مكان "بئر" : اسم عبري وقد جاء: 1- اسم المحطة التي في مؤاب حيث أعطى الله الماء لبني إسرائيل من بئر حفرها رؤساء الشعب . ولا تُذكَر كاسمٍ جغرافي إلاّ هنا . ولا شك أنها مأخوذة من النشيد ( تك 21/17) لا غير: "ورحلوا من هناك إلى البئر، وهي البئر التي قال الرب فيها لموسى: "اجمع الشعب حتى أعطيهم ماءً. حينئذٍ أنشد إسرائيل هذا النشيد: "أصعدي ماءَك يا بئرُ ..." 2- مكان بين أورشلم وشكيم (قض9/21) هرب منها يوئام من وجه أخيه ابيمالك بعد أن ألقى أمثولته عن العَوْسج. وربما كان هذا المكان هو نفس بيئروت. 3- بئر ايليم: اسم عبري ومعناه "بئر البطم" وهو موضع في موآب. وربما كان مكانه اليوم هو "المدينة" في وادي ثَمَد: "فقد شمل الصراخ أرض موآب وبلغ إلى أجلائيم وبئر ايليم". (اش 15/8) . 4- بئر سبع: نذكر هنا اللقاء الذي تم بين إبراهيم وأبيملك ( تك21/22-33) وهذه الحادثة توفِّق بين تفسيرين لاسم بئر سبع (بئر شِبَع) : "بئر القسم "أو" بئر (الخراف) السبع". ووردت أيضاً في تك 26/25-33" ليكن الآن قَسَمٌ بيننا وبينك ... وبكروا في الصباح ، فحلف كل منهم لصاحبه ( اسحق وأبيملك) ... ولذلك اسم المدينة بئر سبع هذا اليوم". 5- بئر الحي الرائي: عبارة عبرية ومعناها "بئر الحي الذي يراني"، وهي عين ماء بين قادش وبارد (تك 16/14 و 24/62 و 25/11) في الطريق من آشور إلى مصر حيث اتجهت هاجر المصرية عند هربها من سيدتها. ويدك (تك 25/11) على أن هذه البئر لا تبعد كثيراً عن جيرار: "فأطلقت (هاجر) على الرب مخاطبها اسم "أنت الله الرائي" لأنها قالت: "أما رأيتُ ههنا قفا رائِيَّ ؟". لذلك سميت البئر بئر الحيّ الرائي" ( تك 16/13-14) . 6- آبار بني يعْقان: "ورحل بنو إسرائيل من آبار بني يعقان إلى موسير" (تث 10/6) " ورحلوا من موسيروت وخيَّموا في بني يعقان " ( عدد 33/31) وهي على حدود آدوم. وربما تكون هاتين "البيرين" نحو ستة أميال جنوب العوجة. أحداث ودلائل أحداث كثيرة شهدها "البئر" وكان لها معناها ومدلولاتها من عهد إلى علامة إلى ثقة وإلى رمز الانبعاث من الموت إلى الحياة. وفي العهد القديم كان الزواج يتم على "العين" هكذا كان عرس اسحق ورفقا. وفي العهد الجديد، اللقاء بين يسوع والسامرية تمَّ على بئر يعقوب؛ وهذا اللقاء دلالة على العرس – اللقاء بين الله (يسوع) والإنسانية الخاطئة (السامرية). عرس بين النور الكامل وانعكاسه على ماء بئر يعقوب، عرس بين النور والماء، بين الله والشعب الصَنَمي. 1- البئر شاهد على العهد: نقرأ في سفر التكوين (21/22-33) أن أبيملك وفيكول، قائد جيشه، كلَّمَا إبراهيمَ قائلَيْن: إن الله معك في جميع ما تعمله. والآن احلفْ لي بالله ههنا أنك لا تخدعني ولا تخدع ذُرّيتي. فقال إبراهيم: أحلُفُ. ثم عاتب إبراهيمُ أبيملكُ بسبب بئر الماء التي غَصَبها خَدَمُ أبيملك ... وأخذ إبراهيم غنماً وبقراً فأعطاها أبيملك وقطعا كلاهما عهداً ... وقطعا عهداً في بئرسبع". وغرس إبراهيم طرفاءَةً في بئرسبع ودعا هناك باسم الرب الإله السرمدي. وشهادة على هذا العهد وضع إبراهيم سبعَ نِعاج من الغنم على حِده, وقال لأبيملك: "سبع نعاج تأخذ من يدي لتكون شهادة لي بأني حفرت هذه البئر". ولذلك سُمي ذلك المكان بئرُ سَبْع، لأنهما هناك حلفا كلاهما. 2- الاستقاء من البئر / علامة إرادة الله: في الفصل 24 من سفر التكوين نقرأ أن إبراهيم لما شاخ وطعن في السن, أرسل خادمه إلى عشيرته ليأخذ زوجةً لابنه اسحق؛ وقال له :إنّ الرب، إله السماء وإله الأرض هو يرسل ملاكه أمامك فتأخذ زوجة لابني من هناك. فقام الخادم ومعه عشرة جمال ومن خيرات سيده ومضى إلى أرام النهرين, حيث كانت حاران محل إقامة والدي إبراهيم (11/31)، إلى مدينة ناحور. فأناخ الجمال خارج المدينة, بالقرب من بئر الماء, عند المساء، وقت خروج المستقيات .وقال : "أيها الرب... اصنع رحمة... هاأنذا واقف بالقرب من عين الماء... فليكن أن الفتاة التي أقول لها :أميلي جرتك حتى أشرب، فتقول : اشرب , وأنا أسقي جمالك أيضا, تكون هي التي عنيتها لعبدك اسحق, وبذلك أعلم أنك صنعت رحمة إلى سيدي... (وهكذا تمّ)... بقي الرجل متأمِّلا إياها صامتاً، ليعلم هل أنجح الله طريقه أم لا... فقال: "بنت مَنْ أنتِ؟ أخبريني هل في بيت أبيك موضع نبيت فيه؟ فقالت له: "أنا ابنة بتوئيل ابن ملكة الذي ولدته لناحور" (أي رفقه بنت تبوئيل بن ناحور الذي ولدته له ملكة)؛ بعدها ركضت رفقة وأخبرت بيت أمها بهذه الأمور وكان لها أخ اسمه لابان, فركض إلى الرجل إلى العين خارجا ودعاه إلى البيت وحلَّ عن الجمال وطرح لها تِبناً وعلَفاً. وبعد أن أخبرهم الخادم ماذا جرى معه, وكيف أن الرب هداه طريقاً صالحاً ليأخذ ابنة أخ سيده لابنه, أجابه لابان وبتوئيل وقالا : "إن الأمر صادر من عند الرب، فليس لنا أن نكلمك فيه بشر أو خير. هذه رفقة أمامك, خذْها وامضِ فتكون امرأة لابن سيدك,كما قال الرب". 3- حفر البئر/ علاقة الثقة بالله: في الفصل 26 من سفر التكوين (تك 26/15-25) يخبرنا الكاتب أن جميع الآبار التي حفرها خدم إبراهيم في أيامه, كان الفلسطينيون قد ردموها وملأوها ترابا. فقال ابيملك لاسحق: انصرف من عندنا لأنك قد أصبحت أقوى منا جداً فانصرف اسحق من هناك وخيَّم في وادي جرار وأقام هناك.ثم عاد اسحق وحفر آبار الماء التي كان خَدَمُ أبيه إبراهيم قد حفروها ومن هناك صعد إلى بئر سبع. فتراءى له الرب في تلك الليلة وقال: "أنا إلهُ إبراهيم أبيك لا تخف فإني معك, أباركك وأُكثِّر نسلك من أجل عبدي إبراهيم" فبنى اسحق هناك مذبحاً ودعا باسم الرب، ونصب هناك خيمة وحفر بئراً ,علامة ثقة واتكال على الله, وكما مع إبراهيم, قطع ابيملك عهداً مع اسحق :ليكن الآن قَسَمٌ بيننا وبينك ونقطع معك عهدا ألا تصنع بنا سوءاً كما أننا لم نَمسَّكَ وكما أننا لم نصنع إليك إلاّ خيراً وصرفناك بسلام. أنت الآن مبارك الرب. وبكروا في الصباح فحلف كل منهم لصاحبه, وصرفهم اسحق. وكان في ذلك اليوم أنَّ خَدَمَ اسحق جاؤوا فأخبروه بأمر البئر التي حفروها وقالوا له :" قد وجدنا ماءً" فدعاها "شِبَعْ". فكان البئر لاسحق دلالة على أن الله معه وانه مبارك من الرب . 4- البئر /ملتقى فَعُرس : على البئر التقيا وكان العرس : آ- لقاء اسحق ورفقة (تك 24/62-67) : وكان اسحق قد رجع من بئر الحي الرائي... وخرج اسحق إلى الحقل للتنزه عند المساء . فرفع عينيه ونظر، فإذا جمال مُقبِلة. و رفعت رفقة عينيها فرأت اسحق فقفزت عن الجمل... فأدخل اسحق رفقة إلى خيمة أمه ساره وأخذ رفقة, فصارت له زوجة وأحبها... وكان بعد موت إبراهيم أنّ الله بارك اسحق ابنه وأقام اسحق عند بئر الحي الرائي . ب- لقاء يعقوب وراحيل: (تك 29/1-30 ): ثم قام يعقوب ومضى إلى أرض بني المشرق. ونظر فإذا بئر في الحقل, وإذا ثلاثة قطعان من الغنم رابضة عندها، لأنهم من تلك البئر كانوا يسقون القطعان... وبينما يعقوب يخاطب رعاة حاران أقبلت راحيل مع غنم ابيها لابان بن ناحور, لأنها كانت راعية. فلما رأى يعقوب راحيل, بنت لابان أخي أمه... قَبَّلَ يعقوب راحيل ورفع صوته وبكى, وأخبرها انه ابن أخت أبيها ابن رفقة؛ فأخبرت أباها... فأحبَّ يعقوبُ راحيلَ وقال: "أخدمك سبع سنوات براحيل ابنتك الصغرى"... (أعطاه أولاً ليئة ثم راحيل بعد سبع سنوات ثانية)... فصنع يعقوب كذلك فأعطاه راحيل ابنته امرأة له... فدخل يعقوب على راحيل أيضا وأحبها أكثر من حبه لليئة . وعاد فخدم لابان سبع سنوات أخرى. ت- لقاء يسوع والسامرية: (يو 4/1-42)... فوصل يسوع إلى مدينة في السامرة يقال لها سيخارة . بالقرب من الأرض التي أعطاها يعقوب لابنه يوسف , وفيها بئر يعقوب . وكان يسوع قد تعب من المسير , فجلس بدون تكلف على حافة... البئر فجاءت امرأة من السامرة تستقي. فقال يسوع : اسقيني... وقالت له المرأة: يا رب، لا دلو عندك, والبئر عميقة, فمن أين لك الماء الحي ؟... الذي يشرب من الماء الذي أعطيه أنا إياه فلن يعطش أبدا بل الماء الذي أعطيه إياه يصير فيه عين ماء يتفجّر حياة أبدية... وعنى يسوع بذلك الحياة والحكمة والروح الذي يَهَبُ الحياة الأبدية. نجح يسوع في حواره مع السامرية , جذبها فجرت وراءه: "اجذبني وراءك فنجري , قد أدخلني الملك اخاديره" (نشيد 1/4) أغواها فانغوت لذلك ها أنذا أستغويها وآتي بها إلى البرية وأخاطب قلبها ومن هناك أرد لها كرومها... في ذلك اليوم، يقول الرب تدعينني "زوجي"... فإني أزيل أسماء البعليم من فمها... وأقطع لهم عهدا" في ذلك اليوم وأخطبك لي للأبد " ( هوشع 2/16-21 ) فتبعته المرأة السامرية وتجدّدت فتمّت المصالحةِ / العرس على البئر وذهبت تبشِّر وتُعلن للناس أنه هو المسيح فآمن به الشعب وآمن منهم عدد أكبر كثيراً عن كلامه . وقالوا للمرأة : " لا نؤمن الآن عن قولك , فقد سمعناه نحن وعلمنا انه مخلص العالم حقا". اختبارات إيمانية عبر كاتب المزمور 88 عن حال من حُسِب مع المنحدرين في الجب، وأنِسَ الظلام، قال : " حُسِبتُ مع المنحدرين في الجُبِّ، صرت كرجل لا قوة له ( 5 )، جعلتني في الجب الأسفل في الأعماق والظلمات ( 7 )، أبعدت عني المحبَّ والرفيق فليس لي سوى الظلام أنيس ( 19 ). "ولكنه صرخ إلى الله من أعماق الجب ورفع صلاته: "إليكَ يارب أصرخ يا صرختي لا تتصامم عني لئلا تصمت عني فأشبه الهابطين في الهاوية" (مز 28/1) ، و قال أيضا : "من الأعماق صرخت إليك يارب، يا سيد استمع صوتي، لتكن أُذناك مصغيتين إلى صوت تضرعي" ( مز 130 / 1 ). أدرك الإنسان غرقه في الوحل وبلغ قعر المياه، فرفع صلاته إلى الله ليستجيب له بكثرة مراحمه ويخلصه: " أنقذني من الوحل فلا أغرق... ولا تبتلعني الأعماق ولا تطبقِ البئرُ عليّ فمها." ( مز 69 / 15 – 16 )، فاستجاب الله لاستغاثته فعظَّمه الإنسان ومّجده وسبّحه : " أعظمك يارب لأنك انتشلتني ولم تُشِمت بي أعدائي... يارب، من بين الهابطين في الهاوية أحييتني... للرب اعزفوا يا أصفياءه واسمه القدوس احمدوا " ( مز 30 / 1 – 5) ويبقى على الإنسان أن يفهم هذا الاختبار الإيماني ويجيب على السؤال : " ما الفائدة من هبوطي في الهُوَّة ؟ في البئر العميقة ؟ من هذه الاختبارات الإيمانية : ثلاثة من العهد القديم ( يوسف وإرميا ودانيال ) وثلاثة كما في البئر العميقة (يونان والرب يسوع وبولس )، ومن تاريخ الكنيسة نذكر القديس كر يكور المنوِّر ( 239 – 326 ) والقديس يوحنا الصليب ( 1542 – 1591 ) 1 - اختبارات من العهد القديم : أ – يوسف وإخوته : يتكلم القسم الأخير من سفر التكوين ( 37 – 50 ) باستثناء الفصلين 38 و49 على سيرة يوسف. وتجري هذه السيرة ظاهريا" من دون أن يتدخل الله ظاهريا" ومن دون وحي جديد ولكنها بكاملها تعليم يفيد -خفياً - بأن العناية الإلهية لا تأبه لخطط البشر وتعرف كيف تحّول نواياهم السيئة إلى الخير. فلا يقتصر الأمر على نجاة يوسف من الموت، من البئر العميقة ،بل تُصبح جريمة اخوته وسيلةً في يد الله. هناك نظرة خلاصية تتجاوز العهد القديم كله وتنفذ متوسِّعة إلى العهد الجديد. وفي هذه السيرة نقرأ الاختبار الذي عاشه يوسف عندما طرحه اخوته في البئر. كان إسرائيل (يعقوب) يحب يوسف على جميع بنيه لأنه ابن شيخوخته . و رأى إخوته أن أباه يحبه على جميع إخوته, فأبغضوه ولم يستطيعوا أن يكلِّموه بمودة . وازدادوا بُغضاً له بعدما رأى يوسف حُلماً و أخبرهم به ( 37/5-11) فحسدوه. وكان هذا حسداً أسودَ قاتلاً. وعندما أرسل إسرائيلُ يوسف إلى إخوته : " امضِ فافتقد سلامة إخوتك وسلامة الغنم وائتني بالخبر " ( 37 / 14 )؛ رأَوه عن بُعْدٍ قبل أن يقترب منهم فتآمروا ليُميتوه. إلا أن رأوبين قال لهم : " لا تسفكوا دماً، اطرحوه في هذه البئر التي في الحقل " (37/22) ومراده أن يخلصه . ولما وصل يوسف , نزعوا عنه القميص الموشّى الذي عليه . "وأخذوه وطرحوه في البئر؛ وكانت البئر فارغة لا ماء فيها, ثم جلسوا يأكلون " (37/24-25) يأكلون وكأنهم ارتاحوا وتحقق مراد حسدهم منه . لكّن تجاراً من مِدْيَن مرّوا بذلك المكان، فاقترح عليهم يهوذا أن يبيعوه للإسماعيليين" ولا تكن أيدينا عليه لأنه أخونا ولحمنا , فسمع له إخوته "( 37 / 26- 27 ) فأصعدوه من البئر وباعوه للإسماعيليين بعشرين من الفضة، فأتوا بيوسف إلى مصر . أما اخوته فأخذوا القميص الموشّى وغمسوه في دم تيْس ذبحوه وأوصلوه إلى أبيهم فقال : " هو قميص ابني. وحش ضار أكله.افترِس يوسف افتراساً " ( 37 /33 ) ولكن أنى لأبي يوسف أن يعرف أنّ ابنه قد افترس افتراسا: حسداً من إخوته؟ أنى له أن يعرف أن نزول يوسف البئر وصعوده منه وبيعه إلى مصر سيكون الخلاص لهم ؟ في هذا الوقت الذي قضاه يوسف في البئر، اختبر قسوة الحسد القاتل . اقترب فيه من ظلمات الموت . و هذا الاختبار نفسه عاشه في السجن في مصر و لأكثر من سنتين من الزمان . و كان الرب مع يوسف وأمال إليه رحمتَه، وبعد أن فسّر لفرعون أحلامه حَسُنَ الكلام في عيني فرعون وعيني حاشيته كلها .فقال فرعون لحاشيته :"هل نجد مثل هذا رجلا فيه روح الله؟" (41/37-38) وقال فرعون ليوسف :" أنا فرعون، بدونك لا يرفع أحدٌ يده ولا رجله في كل ارض مصر" وكان يوسف ابن ثلاثين سنة حين مَثُلَ أمام فرعون، ملك مصر (41/44-46). وبعدكل الأحداث التي جرت من مجاعة على الأرض كلها وشراء القمح من مصر عرّف يوسف نفسه إلى إخوته, وبكلامه إليهم ,ندرك عمق هذا الاختبار الذي عاشه : "أرسلني الله قدامكم ليجعل لكم بقية في هذه الأرض وليحييكم ,لنجاة عظيمة .فالآن لم ترسلوني أنتم إلى ههنا بل الله أرسلني " (45/7-8). فقام يعقوب أبوه من بئر سبع وقدم إلى مصر. "احمدوا الرب… انشدوا له… وفي جميع عجائبه تأملوا …يتذكر للأبد عهده …ودعا بالجوع على الأرض ,وقطع سند الخبز كله . أرسل أمامهم رجلا" : يوسف الذي بيع للعبودية …إلى أن تتم نبوءته وتمحّصه كلمةُ الرب… أقامه سيدا" على بيته وسلطانا" على جميع أمواله (مز 105). ب ـ إرميا النبي : عزلة رجل الكلمة ( إرميا 37 و38 ) "مًلك الملك صدقيا بن يوشيا مكان كنيا بن يوياقيم , ولم يسمع هو ولا رعاياه ولا شعب تلك الأرض لكلام الرب الذي تكلم به على لسان ارميا النبي. وكانت كلمة الرب إلى ارميا النبي قائلا" : هكذا قال الرب… إنه وإن قتلتم كل جيش الكلدانيين الذين يحاربونكم وبقي منهم رجال قد طعنوا، هؤلاء يقومون، كل واحد في خيمته. ويحرقون هذه المدينة بالنار.سخط الرؤساء على ارميا و ضربوه وحبسوه في بيت يوناتان الكاتب ،لأنهم جعلوا من ذلك البيت سجناً. فدخل ارميا إلى الجب المقبب وأقام هناك أياماً كثيرة .وسمع الرؤساء شفطيا وجدليا ويوكل وفشحور الكلام الذي كان ارميا يكلم به كل الشعب قائلاً: هكذا قال الرب: إن الذي يبقى في هذه المدينة يموت بالسيف والجوع والطاعون… فقالوا للملك: "ليقتل هذا الرجل …لأن هذا الرجل لا يطلب لهذا الشعب سلاماً ،بل بلوى … "فأخذوا ارميا وألقوه في جب ملكياً ابن الملك الذي في دار الحرس ، ودلّوا ارميا بحبال .ولم يكن في الجب ماء ،بل وحل ،فغاص ارميا في الوحل . يظهر ارميا بمظهر رجل يعيش في العزلة "جلست منفرداً"، لا يقدر حق قدره ويضطهد ولا يحبه هؤلاء الذين ينتظر منهم أن يحوطوه بعنايتهم ويشجعوه. سيلقى في السجن والجب ويعامل بشراسة ويذهب مكرها" إلى مصر وينهي حياته في أرض بعيدة، ولن يحفظ أحد ذكرى قبره . تلك العزلة، فرضتها عليه قوة خارجية قاهرة ،تنقضّ عليه وتستولي على جوارحه وتؤلمه وتتطلب منه الامتثال التام لإرادتها، فهي تحتاج إلى عزلته حاجتها إلى طريقة عمل في داخل الشعب . تلك القوة التي لاترحم هي كلمة الله .ما من نبيّ وصف كلمة الله وطريقة عملها بمثل ما وصفها من دقّة تشعر بالألم :"كانت إليّ كلمة الرب" . ومع أنها كانت له سروراً وفرحاً فكثيراً ما كانت تكسر قلبه في داخله، وهي شاقة كالنار والمطرقة التي تحطم الصخر. يتقبّلها كبروق مضيئة في اختباراته. يضعها الله على شفتيه ويسهر عليها ويجعلها ناراً تلتهم الشعب المتمرد. ولكنها أحياناً تهجره وتفرض عليه أيام انتظار طويلة ،في قعر البئر العميقة قبل أن تعود إليه . شكى النبي مرارة عزلته واغترابه وقلة جدوى حالته، ولكن الصوت يجيبه أنه لامناص من هذه الحالة وهي جزء من رسالته. اختبر أرميا أنه في الحوار / الخصام بين كلمة الإنسان وكلمة الله، كلمة هي التي تغلب دائماً. كلمة الله عنده، وعند معظم الأنبياء، هي من طبيعتها كلمة كاملة تشمل ما في الحياة البشرية من أبعاد شخصية وجماعية. "وكانت كلمة الله إلي قائلاً: اذهب واصرخ على مسامع أورشليم قائلاً: هكذا قال الرب: ... ساروا وراء ما لا فائدة فيه، فلذلك اتهمكم، يقول الرب ... فإن شعبي صنع شرّيْن: تركوني أنا ينبوع المياه الحية وحفروا لأنفسهم آباراً، آباراً مشققة لا تُمسك الماء." (أرميا 2/ 1، 9، 13) ج- دانيال النبي: دانيال في جب الأسود (دا 6/ 2- 29). "فأُخرج دانيال من الجب. فلم يوجد فيه أذى لأنه توكّل على إلهه" (دا 6/ 24 ب) رسالة دانيال النبي هي رسالة الرجاء. ينظر سفر دانيال إلى المسائل المطروحة في زمانه بوضوح.فتُجاه الحضارات الوثنية التي كثرت فيها الآلهة، كان إسرائيل يجاهر مجاهرة قوية باعتقاده بالإله الواحد. ولم يقتصر على الدفاع عن الدين، بل كان يشيد أيضاً وخاصة بعظمة إيمان يستحق أن يخاطر الإنسان بحياته في سبيله. وعلى كل إنسان أن يعترف بسيادة الله الأحد المطلقة كما تتغنى بمجده كل الخلائق. ويشير السِفر إلى أن الدينونة الإلهية لا تشكّل إلا ساعة حاسمة في انتشار التدبير الإلهي وانكشافه. ووراء هذه الدينونة تبقى آفاق الرجاء أموراً حاضرة أكثر منها في أي وقت كان. عاش دانيال اختبار الثقة بالله والرجاء غير المتزعزع بالإله الأحد وهو في جب الأسود، نتيجة لحسد الوزراء والأقطاب فالتمسوا علّة على دانيال في أمر المملكة، ولكنهم لم يستطيعوا أن يجدوا علة ولا جريمة، لأنه كان أميناً. "فقال هؤلاء الرجال: "إننا لا نجدُ علّة على دانيال هذا، إلاّ أن نجدها عليه في شريعة إلهه" (دا 6/ 6). فطلبوا إلى الملك أن يصدر أمراً بأن كل من طلب طلباً إلى إله أو إنسان إلى ثلاثين يوماً إلا إليك، أيها الملك، يُلقى في جب الأسود" (دا 6/ 8 ب). إلا أن دانيال كان يجثو على ركبتيه ثلاث مرات في اليوم، ويصلي لله ويحمده، كما كان يفعل من قبل. فبادر أولئك الرجال وتكلموا في أمره للملك وسألوه أن يُلقى في جب الأسود. فأمر الملك وأُتيَ بدانيال، وأُلقي في جب الأسود. وقال الملك لدانيال: "إن إلهك الذي تواظب على عبادته هو ينقذك" (دا 6/ 17). وأُتيَ بحجر فوُضِع على فم الجب، وختمه الملك بخاتمه، ثم مضى الملك إلى قصره وبات صائماً، فقد اغتمّ جداً ونفر النوم عنه . وعند الفجر اقترب الملك من الجب ونادى دانيال بصوت حزين: "يا دانيال، عبد الله الحي، هل استطاع إلهك الذي تواظب على عبادته أن ينقذك من الأسود؟" فأجاب دانيال: "إن إلهي أرسل ملاكه فسدّ أفواه الأسود، فلم تؤذِني، لأني وُجدت بريئاً أمامه، وأمامك أيضاً، أيها الملك، لم أصنع سوءاً" (دا 6/ 21- 23). وأمر الملك فأُخرج دانيال من الجب ولم يوجد فيه أذى لأنه توكّل على إلهه. "هو الإله الحي القيّوم للأبد، وملكه لا ينقرض وسلطانه إلى المنتهى. المنقذ المنجّي والصانع الآيات والعجائب في السماوات والأرض وهو الذي أنقذ دانيال من أيدي الأسود" (دا 6/ 27 ب- 28). 2- البئر العميقة / الليل المظلم : ومثل الليل المظلم كمثل البئر العميقة، وقد عاش هذا الاختبار كل من: يونان النبي والسيد المسيح وبولس الرسول. أ- يونان النبي : يرينا سفر يونان الاختبار الباطني الذي اختبره النبي. فنراه صموتاً منعزلاً. فهو على يقين، قبل كل شيء، من أن الله يريد أن يخلص البشر، ولكن عليه عادة أن يباشر خدمته بالكلمة، وهذا أمر يسيّره عكس تيار معاصريه فيُنزل به المحنة ويعزله عنهم. ولكن مهما يكن، وإن قبل أن يكون واعظاً تسليماً لأمر الواقع، ستكون كلمته فعّالة. عاش يونان النبي هذا الاختبار وأدرك قوة كلمة الله والمعجزات التي ترافقها ، تلك الكلمة التي تدعو إلى التوبة والتغيير: "فأعد الرب حوتاً عظيماً لابتلاع يونان .فكان يونان في جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال. فصلى يونان إلى الرب إلهه في جوف الحوت، وقال: "إلى الرب صرخت في ضيقي فأجابني، من جوف مثوى الأموات استغثت فسمعتَ صوتي ... قد طرحتني في العمق ... لكنك أصعدت حياتي من الهوة ... من الرب الخلاص." فأمر الرب الحوت، فقذق يونان إلى اليابسة" (يو 2/ 1- 11 ). ب- الرب يسوع / السيد المسيح : "فكما بقي يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، فكذلك يبقى ابن الإنسان في جوف الأرض ثلاثة أيام وثلاثة ليال" (متى 12/ 40). قابَلَ متى موتَ وقيامة يسوع بأيام يونان الثلاثة والليالي الثلاث. وفي إنباءات يسوع بآلامه وقيامته شدّد على أنه "كان يجب على المسيح أن يُعاني تلك الآلام فيدخل في مجده" (لو 24/ 26). وبهذا الاختبار وطئ المسيح الموت بموته وكسر شوكة ذاك الذي له القدرة على الموت، أي إبليس؛ وحرّر الذين ظلوا طوال حياتهم في العبودية مخافة الموت؛ فأعاد للإنسان حريته وأعطاه السلطان أن يصير ابن الله: "أما الذين قبلوه وهم الذين يؤمنون باسمه فقد مكّنهم أن يصيروا أبناء الله" (يو 1/ 12). وهكذا بنعمة الله ذاق المسيح الموت من أجل كل إنسان. ح- بولس الرسول : "وبينما هو سائر (شاول)، وقد اقترب من دمشق، وإذا نور من السماء قد سطع حوله، فسقط إلى الأرض، وسمع صوتاً يقول له: "شاول، شاول، لماذا تضطهدني؟"… فنهض شاول عن الأرض وهو لا يُبصِر شيئاً، مع أن عينيه كانت منفتحتين. فاقتادوه بيده ودخلوا به دمشق فلبث ثلاثة أيام مكفوف البصر لا يأكل ولا يشرب"(أع 9/1-9 ) ثم أرسل الله حنانيا ليضع يديه عليه فيُبصر ويمتلىء من الروح القدس : " فتساقط عندئذ من عينيه مثل القشور فأبصر وقام فاعتمد ، ثم تناول طعاماً فعادت إليه قواه " ( أع 9/18) . وفي خطبة بولس في أهل أورشليم (أع 22) ينقل إليهم رواية اهتدائه والاختبار الذي عاشه وما خلص إليه فقال على لسان حنانيا: "إن إله آبائنا قد أعدّك لنفسه لتعرف مشيئته وترى البار وتسمع صوته بنفسه. فإنك ستكون شاهداً له أمام جميع الناس بما رأيت وسمعت" (22/ 14 )وفي خطبته أمام أغريبا قال بولس الرسول في هذا الاختبار: "قال الرب: أنا يسوع الذي أنت تضطهده. فانهض وقم على قدميك. فإنما ظهرت لك لأجعل منك خادماً وشاهداً لهذه الرؤيا التي رأيتني فيها… سأنقذك… أرسلك… لتفتح عيونهم فيرجعوا من الظلام إلى النور، ومن سلطان الشيطان إلى الله، وينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيبهم من الميراث" (أع 26/ 15- 18). في هذه الظلمات اختبر بولس أن المسيح جاء إلى العالم ليخلص الخاطئين، فما نال الرحمة إلا ليُظهر يسوع المسيح طول أناته فيه أولاً ويجعل منه مثلاً للذين سيؤمنون به في سبيل الحياة الأبدية. فشكر الرب يسوع الذي منحه القوة أنه عدّه ثقة" فأقامه لخدمته هو الذي كان فيما مضى مُجدفاً مُضطهِداً عنيفاً. ففاضت عليه نعمة الرب مع الإيمان والمحبة في المسيح يسوع. 3 - اختبارات من تاريخ الكنيسة : في تاريخ الكنيسة صفحات نيّرة مشرقة ، تنقل إلينا اختبارات من سبقنا في حقل الكرازة و البشارة و الشهادة والرسالة . و إن ننس فلا ننسى دم الشهداء الذي روى أرضنا الطيبة، الشهداء الدُرّة في جبين الكنيسة ، لا ننس أغناطيوس الأنطاكي الذي طحنته أنياب الأسود ، فصار حنطة خبز الله . من العديد سنكتفي باختبارين : أ - القديس كريكور المنوّر ( 239 – 326 ) ب- القديس يوحنا الصليب (1542 - 1591 ) أ- القديس كريكور المنوّر: سنة 287 م دخل الملك درطاد إلى أرمينيا بعد انتصاره على الفرس وقبل الوصول إلى أرمينيا خيّم على ضفاف نهر كايل قرب قرية أرنيرا و أصدر الأوامر بتنظيم الاحتفالات على شرف الإلهة أناهيد. ومن بين المحتفلين كان أمين سر البلاط كريكور . وكان الملك مخلصا للآلهة الوثنية ويعادي المسيحية بينما كان كريكور وفيا للإله الواحد الحقيقي ، إله السموات والأرض . ولمّا كانت المسيحية قد تأصّلت في قلب كريكور، رفض أن يطيع الأمر الملكي بتقديم أكاليل الزهور لمذبح الإلهة والمشاركة في الطقوس الوثنية فابتدأ درب الجلجلة . خضع كريكور إلى أهوال شتّى أنواع التعذيب ( 12 نوعا من العذابات ): قيود وسلاسل وحرق قمامة تحت أنفة ساعات وأيام ، ضغوط على عظام ساقية وقدميه، مخالب حديدية وخل وملح وحمض النتريك على رأسه ؛ نحت الجسد حتى سالت الدماء غزيرة منه ، أشواك وثقوب وضرب بالمطارق وصب رصاص حار على جسده …وعلى الرغم من أنواع التعذيب المرير لا يزال يتنفس … غضب الملك وأمر بنقل كريكور في الحال إلى مدينة آرداشاد في إقليم آيزاراد. ورميه في (خور فيراب) الواقعة داخل القصر الملكي . لقد كان يُرمى المذنبون في هذه الحفرة (البئر ) وكانت من العمق بحيث يستحيل الخروج منها . ومن كان يرمى فيها سيكون الموت من نصيبه حتما . ولم يفارق كريكور الحياة ،بل بقي فيها منسيا… ولم يكن أحد يهتم بهذا السجين المرمي في الهاوية السحيقة (البئر العميقة ) التي كانت تسمى خور فيراب. كان يستمد قوة الحياة من صبره وجَلَدِه والقوة الروحية التي تنبعث من إيمانه. وكان في ظلام سجنه يخطط لمشاريع مستقبلية بناءة, وهو على يقين بأن الظلام الدامس سينجلي وسيليه انبثاق النور الذي سيتكلل بإشراقة النص. وبقي مدة ثلاث عشرة سنة في السجن المليء بالزواحف السامة والعقارب والثعابين, تملأ حياته قوة الصلاة والإيمان. ومن هذه البئر العميقة انبثق نور الإيمان؛ فعلى أثر استشهاد القديسة هربسميه وصديقاتها , طغت على الملك كآبة شديدة وفي رحلة للصيد اصيب بما يسمى بمرض الذئبية ، وأصاب المرض عدداً كبيراً من رجال البلاط الأرمني باستثناء أخت الملك الأميرة خسروفيتوخت. وهذه رأت رؤيا ملهمة أن كريكور هو وحده يمكن أن ينقذ الملك المريض ورجاله . وفي القلعة أنزل الامير أودا آمادون حبلا إلى الحفرة وصرخ : "كريكور … إن كنت لا تزال حياً فلتخرج من هناك. لقد أمرنا الرب الذي تعبده بإخراجك". فوقف كريكور مشدوها ثم أمسك الحبل وهزّه بشده. أمر الأمير بسحب الحبل إلى الأعلى …كان جسده قد اسودّ اسوداد الفحم. وابتدأت مسيرة الهداية واستمرت ستين يوما . كان يلقي كريكور في أثنائها العظات ويبشّر بتعاليم الكتاب المقدس. كان رجاؤه الوحيد إضفاء النور الإلهي على أبناء شعبه. بعد تلك الأحداث منح يسوع المسيح بقدرته الإلهية الشفاء لجميع المرضى على يد كريكور , واقتبلوا النور الإلهي، وعلى ضفاف نهر الفرات وعند انتهاء مدة الصيام وفي عيد التجلي من سنة 303 م, أجرى كريكور المعمودية الجماعية القومية لكل الشعب والجيش برئاسة الملك والملكة والأميرة, باسم الآب والابن والروح القدس. فأصبح من عاش ثلاث عشرة سنة في ظلمة البئر العميقة، منوِّر الشعب الأرمني وهادي أرمينيا إلى المسيحية. ب- يوحنا الصليب : يتميز الاختبار الروحي الذي عاشه الأب يوحنا الصليب 1542-1591 بأنه كان من الرهبان القدامى الذين لم يَرُق لهم عمله فراحوا يعارضون عمل الإصلاح منذ سنة 1575. فاتُّهِم يوحنا وسائر الكرمليين المصلحين بالثورة على قانون الرهبانية, وفي ليل 2-3 كانون الأول 1577 دهم بيته الصغير، المتاخم لدير التجسد, رهبانٌ كرمليون غير مصلحين مع بعض الجنود , واختطفوه مع رفيق له إلى دير الكرمليين القدامى ثم إلى طليطلة؛هناك أُودِع من دون محاكمة، زنزانة ضيقة ومظلمة (مثلها مثل البئر العميقة ). وبقي في سجنه ثمانية أشهر، يذيقه إخوته الرهبان ألوان الإضطهاد والحرمان والضغوط النفسية والإهانات والجلد والجوع كي يتراجع وينكر ما قام به, لكن يوحنا لم يَلُنْ بل كان يكرر أمام الجميع بوداعة وصبر، أن كل ما عمله كان بإذن الرؤساء. وفي آخر حياته، في الاجتماع العام الذي عقد في 1 حزيران 1591 ، جُرّد الأب يوحنا من جميع مسؤلياته الرهبانية، واختار دير أوبِدَا الذي يرئسه أحد الرهبان الحاقدين عليه . فأذاقه هذا الأخير إذلالاً واحتقاراً. ولكن يوحنا كان يحتمل كل شيئ بسلام وصبر لا يخلو من مرارة . وفي ليل الثالث عشر من شهر كانون الأول1591، انطفأ عند منتصف الليل هاتفاً: "سأتلو صلاة الليل في السماء ". في سجن طليطلة بدأ الأب يوحنا كتابة " القصائد " سنة 1578. ومن هذا الاختبار، اختبار البئر العميقة والليل والظلمة كتب أروع قصائده وأناشيده الروحية ومنها الليل المظلم (1585-1586) والنشيد الروحي (1584). يروي لنا المؤرخون أن يوحنا لما سُجِن في طليطلة وعانى ما عاناه من عذاب وإذلال ومضايقات جسمية ونفسية مرعبة صبَّ معاناته شعراً يبث فيه شكواه: أين احتجبتَ أيا حبيبي, وتركتني رهنَ الأنين؟ هربـتَ مهرب أيّـلِ بعـد أن جـرحتنـي فنهضتُ بعدك أصرخ , لكنك كنت مضيت. هذا الاختبار الروحي الذاتي هو الدافع إلى الكتابة , معاناة طليطلة قال عنها "بعض الورع في حب الله" (النشيد الروحي مقدمة ا)، هذه المعاناة كتبتُها " نفسٌ صوّرها الحبُّ وحرّكها فأتت كلماتها تحمل نوعاً ما وَفرة الحب وفيضه " (النشيد الروحي /ب/ مقدمة) في ظلمة زنزانة طليطلة , ويوحنـا محروم من النور ومن معاشرة البشـر , ومن الاحتفال بالقداس وتناول " خبز الحياة " استطاع بسلسلة بسيطة من المثلثات أن يكشف قوة الإيمان في أحلك الظلمات وأقسى المحن: " يا حُسن معرفتي النبعَ الذي يتفجّر ويسيل ولو في ظلمة الليل في تلك الليلة الظلماء من هذي الحياة ياحسن معرفتي النبع البارد بالإيمان، ولو في ظلمة الليل ليس يغشى الظلامُ قط ضياءه وبعلمي أي نور قابسٌ منه سناءه، ولو في ظلمة الليل" (من قصيدة النبع ) خاتمة واليوم …عندما تحس بالوحدة وتشعر أنك فاقد الأمل , منعزل , منفرد , وكأنك في قعر الهاوية والحمْأة ؛ عندما تعيش اختبار " البئر العميقة" أنظر إلى الأعلى ، إلى فُوَّهة البئر الضيقة، ارفع عينيك ستلاحظ بدون شك أن الله سيضيء عليك بنوره . فالنور آتٍ لا محالة، ستغمرك رحمة الله. حينئذ ستعرف الله معرفة اختبارية بدايتها قعر البئر ولكنها مفتوحة للحياة الأبدي." اللهم خلصني فإن المياه قد بلغت حلقي . غرقت في موحل عميق ولا مستقر , بلغت إلى قعر المياه والسيل غمرني… صرت لإخوتي غريباً ولبني أمي أجنبياً , لأن غَيْرة بيتك أكلتني وتعييرات مصيرك وقعت عليّ … أنقذني من الوحل فلا أغرق , نجني من مبغضي ومن قعر المياه , فلا يغمرني سيل المياه ولاتبتلعني الأعماق ولا تطبق البئر عليّ فمها … أما أنا فإليك صلاتي في أوان الرضى يــا رب . فاستجب لي بكثرة رحمتك وبحق خلاصك … لتحيى قلوبكم أيها الساعون إلى الله لأن الرب للمساكين يستمع وأسراه لم يزْدرِ , لتسبحه الأرض والسموات " مراجع البحث
|
||||
14 - 08 - 2014, 03:48 PM | رقم المشاركة : ( 5165 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العودة إلى حضن الآب العودة إلى حضن الآب ملاحظة: هذا الموضوع منقول عن التسجيل الصوتي لهذا هو اقرب الى اللغة العامية. الله معكمنلتقي مجدداً اليوم تحت نظر الرب وعنايته وبركته وتحت أجنحة القديس شربل. موضوع لقاءنا الروحي: العودة إلى حض الآب. العودة إلى حضن الآب في حياتنا الروحية هي سرّ التوبة والمصالحة والاعتراف. هيَ عودة مباشرة إلى قلب الآب. في الخطيئة بعدٌ وانسلاخ عن قلب الرب أما في التوبة فتقرّب وإعادة بنيان للمحبة. اخترنا هذا الموضوع في زمن الصوم، زمن العودة إلى حضن الآب. والصوم هو أكثر من وقت، هو حالة، حالة تقرّب من الربّ كما تقرَّبَ هوَ منّا بتجسده حتى الموت والقيامة ليجعلنا الأقرب إليه. لذلك فإن طابع هذا الصوم هو طابع قرباني، قرّب الربّ نفسه لأجلنا لنقرّب بدورنا ذواتنا إليه ونتشبه به. نتوقف في - العودة إلى حضن الآب - عند ثلاثة حقائق من الكتاب المقدس: أولاً: نكتشف أكثر وأكثر أبوة الله. أبوة الرب التي تشبه أبوة وحنان الأب. الأب الذي يدلل ابنه ويرى فيه شخصاً ينطلق للحياة. على الصوم أن يوصلني إلى النموّ أكثر فأكثر في علاقتي مع الرب، إذا كنت أعيشه بتصميم وبنظرة مستقبلية. فعلى إماتتي ألا تكون مفروضة عليّ إنما أعيشها بأصالتها المسيحية لتوصلني إلى هدفي وهوَ النموّ والكبر في حقيقة علاقتي بالرب. فالصوم هو التركيز العميق، أكتشف خلاله وجه الآب الذي يحبني بكل الحب الأبوي. النبي هوشع الفصل 11/1-11، يوضح لنا صورة الله الأب، نلاحظ في هذا النص للنبي هوشع أربع درجات: الدرجة الأولى: الدعوة: دعوة الله لشعبه من مصر يسبقها حب مميز، أحببتكم فدعوتكم ونشلتكم من حالتكم. الحبّ الذي يوجهه الرب ويعيشه نحو أبنائه هو أساس هذه العلاقة، ينادي إسرائيل بابنه، أي أن حبه لشعب إسرائيل هو حبّ الأب لإبنه، حبّ طبيعي خالٍ من المصلحة، منبثق من طبيعة الحياة. الدرجة الثانية: العناية: إذا دعوتكم فأنا أعتني بكم. يعتني بشعبه. يحمله يرفعه، يفتح أمامه الطريق. الحب يدعو ليغيّر وليعتني. الدرجة الثالثة: بخّر الشعب الأصنام وعبد آلهة أخرى: كل عناية الرب وحبه قوبل باللاعرفان والتخلي. تخلى الشعب عن الربّ الذي أعطاه كل ما في قلبه من عناية وخلاص. ولكن الرب يعود فيقول (الآية التاسعة) كيف أتخلى عنه. هذا لأنه لا يستطيع أن يكون إلا حبّ. الدرجة الرابعة: الغفران: لا يستطيع الرب ترك شعبه لأنه هو بذاته يشكل الحبّ والغفران. يعود ويقترب منه من جديد، يجدد العلاقة معه ويعيده إلى بيته، إلى بيت الآب. نلاحظ في علاقة الرب مع شعبه تطوّر نابع من الحبّ الأبوي. ينبع من قلب الآب ويصبّ في حياة الإبن الذي يعود إلى قلب الآب. قصة الإبن الضال تُجسد هذه الحركة. أخبرها يسوع فجعلنا نلمس الحبّ الإلهي. الحب يخلصني يدعوني إلى حياة جديدة. يمنحني العناية ويعود بي إلى حضن الآب. فلذا لا يجب أن أبحث في توبتي عن طرق تكفير لأزيل الشعور بالذنب والخطيئة بل ابحث عن مستوى حبّ الآب في حياتي لأنه هوَ الوحيد الذي يرفعني ويعيدني إليه. ثانياً: نعيش في زمن الصوم حالة تقرّب تدفعنا لنكتشف حنان الآب وانحنائه نحو أبنائه. حنان الآب هو الذي يدفعنا نحو حقيقة الخلاص، يضع يده على جرحنا وخطيئتنا ويشفينا من هذا الجرح، يده يد طبيب جراح يفتح الجرح ليزيل المرض. هو يكبرنا وينمينا وينهينا عن العودة إلى الخطيئة. في لوقا 19 قصة زكا العشار إيضاح لهذا الأمر. هو إنجيل مصغر في قلب الإنجيل لأنه يعلمنا أن ابن الإنسان تجسد ليخلص الإنسان ويرشده إلى خلاص نفسه. وهذا ما حصل مع زكا عندما قابل يسوع. في لوقا 18، يسوع يشفي إنساناً أعمى ومن ثم أتى زكا المُبصر ليبحث عن يسوع. انتقل هذا الأعمى من اللامعرفة إلى المعرفة لم يكن يبصر يسوع ومن ثم أبصره, أما زكا فقد رأى يسوع فانتقل إلى إتباع يسوع والتشبه به، وهذا ما يحدث في حياتنا الروحية، في البداية لم نكن نبصر يسوع وعندما نعرفه ونبصره نتبعه لنعيش معه بشكل أعمق أقوى فنتشبه به. من اللامعرفة إلى المعرفة إلى الاتباع يعود الإنسان إلى حضن الآب، ليتشبه به. خمس محطات مهمة في نص زكا: 1- المحاولة: حاول أن يرى يسوع. العودة إلى حضن الآب بفعل التوبة تبدأ بالمحاولة. حاول زكا فرأى يسوع. 2- تقدم وصعد على جميزة ليرى يسوع. ترجم المحاولة بعملين هما التقدم والصعود وتخطي الحواجز. ترجمة المحاولة بالعمل تشكل الحياة الروحية الكاملة، الإحساس بالداخل والترجمة بالخارج. 3- فنزل على عجلة، وأضاف يسوع بفرح. نزل وأضاف، كانت نتيجة جرأته بالتقدم والصعود التقاء عينيه بعيني يسوع فدعاه يسوع وأعاده إلى الأساس فنزل إلى بيته. يدعونا يسوع للتفتيش عنه ولملاقاته من عقر دارنا وفي حياتنا الطبيعية التي نهرب منها. اختبر زكا اللقاء مع يسوع كتلميذي عمّاوس فأكل معه. اختبر زكا اللقاء مع يسوع بالنظر إليه من الجميزة، اختبر حضوره بعمق حياته وفي منزله واختبره على المائدة رمز القربان عندما كسر الخبز معه. كل هذه الاختبارات توصلنا إلى المحطة الرابعة. 4- ما أخذته من الناس أردّه أربعة أضعاف وأعطي نصف أموالي. عندما يمتلئ قلبنا من حبّ الربّ نعطي وبفيض، أما إذا كان فارغاً من حبّ الربّ فلا شيء آخر يستطيع أن يملأه. الحبّ الإلهي جعله يعطي بكثرة وبدون خوف. 5- ابن الإنسان جاء ليفتش عن الإنسان فيخلصه. ذهب زكا يبحث عن يسوع فإذا بيسوع يبحث عنه بنفسه. بحث زكا عن يسوع ليراه، أمّا يسوع بحث عن زكا ليخلصه. العودة إلى حضن الآب هي وصولنا إليه وتكفّله هوَ بكل ما تبقى. لا أستطيع تغيير التاريخ ومحو الخطيئة بل المطلوب مني هو حبّ الربّ والشعور بحنانه وتقديم الذات له، فهو الذي يغيّرني ويجعل مني إنساناً جديداً. استراح زكا عندما منحه يسوع الخلاص، هذا هو حضن الآب. ثالثاً: التعرف على غفران الآب. مغفرة الربّ تختلف عن مغفرتنا المتعلقة بمصالحنا. هو يغفر بدون مساومة، يغفر ليمنحنا الحياة جل ما يريده هو إحياؤنا. إرادة الأب هي أن يحيا الخاطئ ولا يموت. علاقة غفرانه معنا علاقة صافية مجانية. قصة الابن الضال في لوقا الفصل 15، هي مدرسة حقيقية للغفران. غفر الأب لابنه الصغير وكذلك علم الأخ الكبير أن يغفر لأخيه. تستوقفنا هذه القصة في ثلاث محطات: 1- استعاد الابن حالة البنوة بعودته إلى حضن الآب. نصبح أبناء الله بقدر تقربنا منه. استعاد البنوة أي ولد من جديد. 2- كل الرموز من ثوب جديد وخاتم وحذاء تدل على إعادة الآب البنوة للابن. عاد الابن ليكون عبداً عند أبيه، فألبسه الآب بحنانه البنوة من جديد. كانت توبة الإبن على مستواه أراد أن يكون عبداً وخادماً، أمّا غفران الآب فكلّه غنى يرفع إلى الأعلى، يعيده إلى حضنه، لأن الآب لا يقبل ابنه مذلولاً يعيده إليه ويعيد له مسؤولياته ومركزه في الحياة. غفران الآب هو بناء جديد وحياة جديدة وانطلاقة جديدة. 3- الإحتفال: تم الاحتفال بعملية المصالحة والغفران. وعملية الاحتفال لا تكتمل إلا بمصالحة الآخر، أي بالعودة إلى حضن الجماعة. لا تكتمل العودة إلى حضن الآب إلا بالعودة إلى حضن الجماعة، فيفتح لنا فيها الربّ المجال للعمل على هذا الحبّ الإلهي الذي زُرع فينا فيتفرع إلى البشرية جمعاء. بالمصالحة نحصل على نفس رغبة الآب بتوسيع الغفران من خلال قلبنا ليشمل البشرية جمعاء، بهذا نجدد ذاتنا وكل من هم حولنا. نحن مدعوون أن نعيش حبّ الآب (هوشع) وحنانه (زكا) وغفرانه (الإبن الضال) ليس فقط في زمن الصوم إنما في كلّ وقت فنشعر ببنوتنا وبحرية أبناء الله، وكذلك بالمسؤولية للمحافظة على ميراث الآب. العودة إلى حضن الآب ما هي إلاّ انطلاقة إلى حياة الابن، فنعيش حياتنا كأبناء الله آمين. |
||||
14 - 08 - 2014, 03:50 PM | رقم المشاركة : ( 5166 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
همسات روحية لنيافة الأنبا رافائيل هل إسرائيل هي شعب الله المختار؟!! بعد الأحداث الأخيرة التي تعاني منها منطقتنا في الشرق الأوسط، وبالأخص على أرض فلسطين.. بدأت تساؤلات ترد على أذهان الشباب: - هل إسرائيل هي شعب الله المختار؟ - هل وعود الله لإسرائيل في العهد القديم لا زالت سارية المفعول؟ - هل يرتبط مجيء السيد المسيح الثاني ببناء هيكل سليمان؟ - وهل سيخلص إسرائيل؟ دعونا نفحص معًا فكر الإنجيل من جهة هذا الأمر: (1) شعب الله المختار: كان إسرائيل هو الشعب الوحيد الذي يعبد الله، وبقية الشعوب كانت تعبد الأوثان. كان "لهُمُ التَّبَني والمَجدُ والعُهودُ والاِشتِراعُ والعِبادَةُ والمَواعيدُ" (رو9: 4). من هذا المنظور كانوا شعب الله المختار، والآن لم يعد الأمر هكذا لأن شعوب كثيرة صارت تعبد الله وتعرفه، وهذا الشعب "صُلبُ الرَّقَبَةِ" (خر32: 9). في أعز أيامه كان مُخالف لله، ومتعبًا له "لم تشتَرِ لي بفِضَّةٍ قَصَبًا، وبشَحمِ ذَبائحِكَ لم تُروِني. لكن استَخدَمتَني بخطاياكَ وأتعَبتَني بآثامِكَ" (إش43: 24). لقد اختاره الله وجعله متميزًا عن جميع الشعوب، ولكنه لم يكن كفؤًا لهذا الاختيار "الثَّوْرُ يَعرِفُ قانيَهُ والحِمارُ مِعلَفَ صاحِبِهِ، أمّا إسرائيلُ فلا يَعرِفُ. شَعبي لا يَفهَمُ" (إش1: 3). طوال التاريخ المقدس لم يكن إسرائيل يعرف الرب إلاَّ إلى فترات قليلة. فيتكلم سفر القضاة عن الجيل المعاصر ليشوع بن نون والجيل الذي يليه قائلاً: "وعَبَدَ الشَّعبُ الرَّبَّ كُلَّ أيّامِ يَشوعَ.... وقامَ بَعدَهُمْ جيلٌ آخَرُ لم يَعرِفِ الرَّبَّ، ولا العَمَلَ الذي عَمِلَ لإسرائيلَ. وفَعَلَ بَنو إسرائيلَ الشَّرَّ في عَينَيِ الرَّب وعَبَدوا البَعليمَ. وترَكوا الرَّبَّ إلهَ آبائهِمِ الذي أخرَجَهُمْ مِنْ أرضِ مِصرَ، وساروا وراءَ آلِهَةٍ أُخرَى مِنْ آلِهَةِ الشُّعوبِ الذينَ حولهُمْ، وسجَدوا لها وأغاظوا الرَّبَّ. ترَكوا الرَّبَّ وعَبَدوا البَعلَ وعَشتاروثَ. فحَميَ غَضَبُ الرَّب علَى إسرائيلَ، فدَفَعَهُمْ بأيدي ناهِبينَ نَهَبوهُمْ، وباعَهُمْ بيَدِ أعدائهِمْ حولهُمْ، ولم يَقدِروا بَعدُ علَى الوُقوفِ أمامَ أعدائهِمْ. حَيثُما خرجوا كانَتْ يَدُ الرَّب علَيهِمْ للشَّر.... ولقُضاتِهِمْ أيضًا لم يَسمَعوا، بل زَنَوْا وراءَ آلِهَةٍ أُخرَى وسجَدوا لها. حادوا سريعًا عن الطريقِ التي سارَ بها آباؤُهُمْ لسَمعِ وصايا الرَّب، لم يَفعَلوا هكذا (قض: 2: 7-17). واستمر إسرائيل في هذا الجحود بطول التاريخ، لذلك أسلمهم الله إلى السبي والتشتيت لعلهم يتأدبون، ولكن هيهات.. فهم شعب "صلب الرقبة" شهد ضدهم إيليا قائلاً: "يارَبُّ، قَتَلوا أنبياءَكَ وهَدَموا مَذابِحَكَ، وبَقيتُ أنا وحدي، وهُم يَطلُبونَ نَفسي!" (رو11: 3)، كما هو مكتوب: "أعطاهم الله روح سبات وعيونًا حتى لا يبصروا وآذانًا حتى لا يسمعوا لله في هذا اليوم". وداود يقول: "... لتَصِرْ مائدَتُهُمْ فخًّا وقَنَصًا وعَثرَةً ومُجازاةً لهُمْ. لتُظلِمْ أعيُنُهُمْ كيْ لا يُبصِروا، ولتَحنِ ظُهورَهُمْ في كُل حينٍ" (رو11: 8-10). كيف إذًا لهذا الشعب العنيد الذي يشهد ضده أنبياؤه.. كيف لهم أن يدَّعوا أنهم شعب الله المختار؟ حتى إذا سلّمنا أن الله اختارهم من دون الشعوب ليكون خاصة له.. لكنهم لم يحافظوا على هذا الاختيار وهذه الدعوة المقدسة. وهذا ما ينصحنا به مُعلِّمنا بطرس الرسول: "لذلكَ بالأكثَرِ اجتَهِدوا أيُّها الإخوَةُ أنْ تجعَلوا دَعوَتَكُمْ واختيارَكُمْ ثابِتَينِ. لأنَّكُمْ إذا فعَلتُمْ ذلكَ، لن تزِلّوا أبدًا" (2بط1: 10). وإن كان الأمر هكذا في العهد القديم فماذا يكون بعد صلب المسيح؟ وماذا بعد رفضهم للمسيح الذي "إلَى خاصَّتِهِ جاءَ، وخاصَّتُهُ لم تقبَلهُ" (يو1: 11). (2) هل وعود الله لإسرائيل في العهد القديم لازالت سارية المفعول؟ لقد وبخهم السيد المسيح كثيرًا لعدم إيمانهم. وانتهى عهده بهم بهذه اللعنة "هوذا بَيتُكُمْ يُترَكُ لكُمْ خَرابًا" (مت23: 38). لقد لعن السيد المسيح التينة غير المثمرة ? وكان يقصد الأمة اليهودية ? قائلاً: "لا يأكُلْ أحَدٌ مِنكِ ثَمَرًا بَعدُ إلَى الأبدِ!" (مر11 :14). وهذا ما سبق وأنبأ به يوحنا السابق قائلاً: "والآنَ قد وُضِعَتِ الفأسُ علَى أصلِ الشَّجَرِ، فكُلُّ شَجَرَةٍ لا تصنَعُ ثَمَرًا جَيدًا تُقطَعُ وتُلقَى في النّارِ" (مت3: 10). أما من جهة الهيكل، فقد تكلّم عنه السيد المسيح بالخراب قائلاً: "أما تنظُرونَ جميعَ هذِهِ؟ الحَقَّ أقولُ لكُمْ: إنَّهُ لا يُترَكُ ههنا حَجَرٌ علَى حَجَرٍ لا يُنقَضُ!" (مت24: 2). وقد سأله التلاميذ عقب هذا التصريح الخطير قائلين: "قُلْ لَنا مَتَى يكونُ هذا؟" (مت24: 3). فأعطاهم العلامات وختمها بقوله: "الحَقَّ أقولُ لكُمْ: لا يَمضي هذا الجيلُ حتَّى يكونَ هذا كُلُّهُ" (مت24: 34). وهذا ما تحقق بالفعل، إذ هجم القائد الروماني على المدينة المُقدَّسة سنة 70م، وهدمها وهدم الهيكل وخرب المكان وقتل اليهود، ولم تعد لهم قائمة منذ ذلك التاريخ حتى تجمعوا مرة أخرى سنة 1948 بعد وعد بلفور بإقامة دولة قومية لليهود في فلسطين. - لقد مزق رئيس الكهنة ثيابه (مت26: 65)، مُعلنًا بذلك انتزاع الكهنوت من الأمة اليهودية. - وانشق حجاب الهيكل إلى اثنين من فوق إلى أسفل (مت27: 51)، معلنًا انتهاء العبادة اليهودية. - وطرد السيد المسيح الباعة من الهيكل معلنًا انتهاء عصر الذبائح الدموية.. لم تعد هناك حاجة إلى بقرة وماعز وحمام ويمام، بل "دَمُ يَسوعَ المَسيحِ ابنِهِ يُطَهرُنا مِنْ كُل خَطيَّةٍ" (1يو1: 7). لقد انتهى عصر اليهود وجاء عصر المسيحيين، وهذا ما عبَّر عنه مُعلمنا بولس وبرنابا قائلين: "كانَ يَجِبُ أنْ تُكلَّموا أنتُمْ أوَّلاً بكلِمَةِ اللهِ، ولكن إذ دَفَعتُموها عنكُمْ، وحَكَمتُمْ أنَّكُمْ غَيرُ مُستَحِقينَ للحياةِ الأبديَّةِ، هوذا نتوَجَّهُ إلَى الأُمَمِ" (أع13: 46). ومرة أخرى: & "وإذ كانوا يُقاوِمونَ ويُجَدفونَ نَفَضَ (بولس) ثيابَهُ وقالَ لهُمْ: دَمُكُمْ علَى رؤوسِكُمْ! أنا بَريءٌ. مِنَ الآنَ أذهَبُ إلَى الأُمَمِ" (أع18: 6). & "فليَكُنْ مَعلومًا عِندَكُمْ أنَّ خَلاصَ اللهِ قد أُرسِلَ إلَى الأُمَمِ، وهُم سيَسمَعونَ!" (أع28: 28). (3) هل يرتبط مجيء المسيح الثاني ببناء هيكل سليمان؟ لقد أعطى مُعلمنا بولس الرسول علامة لمجيء المسيح هي: "لا يأتي إنْ لم يأتِ الاِرتِدادُ أوَّلاً، ويُستَعلَنْ إنسانُ الخَطيَّةِ، ابنُ الهَلاكِ، المُقاوِمُ والمُرتَفِعُ علَى كُل ما يُدعَى إلهًا أو مَعبودًا، حتَّى إنَّهُ يَجلِسُ في هيكلِ اللهِ كإلهٍ، مُظهِرًا نَفسَهُ أنَّهُ إلهٌ" (2تس2: 3-4). هذا المقاوم سيجلس في هيكل الله ويظهر نفسه كإله، كثيرون يفهمون هذا الهيكل على إنه هيكل سليمان، وبناء عليه يتوقعون حتمية بناء الهيكل حتى يجلس فيه الضِد للمسيح، ذلك كله يجيء قبل مجيء المسيح الثاني. ولكن دعنا ? بقليل من التأمل فيما كُتب في العنصر السابق ? نفهم أن هيكل الله لم يعد هيكل سليمان، بل هو الهيكل المسيحي، وهو كل قلب يصير هيكلاً للرب.. لماذا ? بروح يهودية ? نقصد هيكل الله على هيكل سليمان فقط.. هل سنرجع ليصير الله لليهود فقط؟ إن ضِد المسيح سيجلس في أي هيكل لله، وفي أي قلب كان قد تكرس للمسيح ولكنه انحرف.. سيجلس ويملك على كنيسة لا تسير في خط الإيمان الصحيح والتقوى والأمانة للمسيح، سيجلس ويملك على كل قلب يخضع له ويؤمن بمبادئه، ويجعله إلهًا له. إذًا مجلس المسيح الثاني لا يرتبط من بعيد أو قريب بإعادة بناء الهيكل.. فما هو وزن اليهود الآن في خطة الخلاص بعد أن رفضوا الله وصلبوه معترفين "دَمُهُ علَينا وعلَى أولادِنا" (مت27: 25). (4) هل سيخلص إسرائيل؟ لقد تكلم مُعلمنا بولس الرسول عن هذا الأمر بوضوح قائلاً: "وهكذا سيَخلُصُ جميعُ إسرائيلَ. كما هو مَكتوبٌ: سيَخرُجُ مِنْ صِهيَوْنَ المُنقِذُ ويَرُدُّ الفُجورَ عن يعقوبَ" (رو11: 26). إذًا سيخلص إسرائيل ولكن كيف؟ هل وهم بعد يهود وإسرائيليون؟ وكيف وقد قيل عن السيد المسيح: "ليس بأحَدٍ غَيرِهِ الخَلاصُ. لأنْ ليس اسمٌ آخَرُ تحتَ السماءِ، قد أُعطيَ بَينَ الناسِ، بهِ يَنبَغي أنْ نَخلُصَ" (أع4: 12). إن المسيح وحده هو المُخلِّص.. "لأنَّهُ يُخَلصُ شَعبَهُ مِنْ خطاياهُمْ" (مت1: 21). فإسرائيل سيخلص إن قبل المسيح وآمن به واعتمد.. "مَنْ آمَنَ واعتَمَدَ خَلَصَ، ومَنْ لم يؤمِنْ يُدَنْ" (مر16: 16). وهذا ما شرحه السيد المسيح لنيقوديموس مُعلِّم اليهود قائلاً: & "الحَقَّ الحَقَّ أقولُ لكَ: إنْ كانَ أحَدٌ لا يولَدُ مِنْ فوقُ لا يَقدِرُ أنْ يَرَى ملكوتَ اللهِ" (يو3: 3). & "لأنَّهُ هكذا أحَبَّ اللهُ العالَمَ حتَّى بَذَلَ ابنَهُ الوَحيدَ، لكَيْ لا يَهلِكَ كُلُّ مَنْ يؤمِنُ بهِ، بل تكونُ لهُ الحياةُ الأبديَّةُ" (يو3: 16). إذًا.. & "لم يَرفُضِ اللهُ شَعبَهُ الذي سبَقَ فعَرَفَهُ" (رو11: 2). & "فأقولُ: ألَعَلَّهُمْ عَثَروا لكَيْ يَسقُطوا؟ حاشا! بل بزَلَّتِهِمْ صارَ الخَلاصُ للأُمَمِ لإغارَتِهِمْ (اليهود). فإنْ كانَتْ زَلَّتُهُمْ غِنًى للعالَمِ، ونُقصانُهُمْ غِنىً للأُمَمِ، فكمْ بالحَري مِلؤُهُمْ؟" (رو11: 11-12). & "وهُمْ إنْ لم يَثبُتوا في عَدَمِ الإيمانِ سيُطَعَّمونَ" (رو11: 23). & "... أنَّ القَساوَةَ قد حَصَلَتْ جُزئيًّا لإسرائيلَ إلَى أنْ يَدخُلَ مِلؤُ الأُمَمِ، وهكذا سيَخلُصُ جميعُ إسرائيل"َ (رو11: 25-26). إن الباب مفتوح أمام إسرائيل ليخلص لكن الباب هو المسيح. ولا يمكن أن نصدق أن إسرائيل بما هي عليه الآن يمكن أن تخلص أو أن تكون شعب الله المختار أو أن تتمتع بوعود الله وعهوده للآباء. حقًا "لأنَّ هِباتِ اللهِ ودَعوَتَهُ هي بلا نَدامَةٍ" (رو11: 29). ولكن هذه الهبات والدعوة تنتظر الآن عودة جماعية إلى معرفة الله وقبول المسيا الذي رفضوه وصلبوه فيصير لهم خلاص به وحده |
||||
14 - 08 - 2014, 03:53 PM | رقم المشاركة : ( 5167 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
المرأة في الكتاب المقدس الأخت دُنيز الخوري مقدمة في الصفحات الأولى من الكتاب المقدس نرى المرأة شخص بشري مساوٍ للرجل في كل شيء, يقول سفر التكوين"في البدء خلق الله الإنسان على صورته كمثاله ذكرٌ وأنثى خلقهما وقال لهما أنميا وأكثرا" لم يقل الكتاب المقدس خلق الله الرجل إنما الإنسان فالمرأة هي شخص إنساني لها مكانتها وكرامتها ورسالتها. سنتوقف في حديثنا هذا عند لوحتين نحاول من خلالهما أن نكتشف نظرة الكتاب المقدس (الله والمسيح) للمرأة ودورها في الكنيسة والمجتمع. اللوحة الأولى: مريم العذراء: مريم العذراء هي المرأة المفضلة, الأم المثالية وحواء الجديدة. 1- مريم العذراء في علاقتها مع الله: تُعرف نفسها: متواضعة. لا تنكر نعم الله, تعظم نفسي للرب. في البشارة تستسلم لإرادة الله "أنا آمة الرب". كلها ثقة وإيمان ومحبة. 2- علاقتها مع يسوع: هي الأم المثالية تعطي ما عندها لا تحتفظ بشيءٍ لنفسها. بعد البشارة تذهب إلى أليصابات لتحمل إليها يسوع. تقدم يسوع للهيكل وتقبل كلام سمعان الشيخ. ترافق يسوع وتُعطيه للبشرية جمعاء. 3- علاقتها مع الآخرين: منفتحة على الآخرين وتشعر بحاجة الآخر (عرس قانا الجليل). - العذراء هي مثالنا فأين نحن من كل هذه الصفات؟ أحياناً نريد الله أن يصنع هو إرادتنا. نجعل من ذواتنا محور الحياة, الكل يدور في فلكنا. نمتلك أولادنا نريدهم أن يحققوا لنا ذواتنا, نريدهم صورة عنا في الدراسة, في النجاح, ... الخ. علاقتنا بالآخرين علاقة مصلحة كما أنهم يجب أن يكونوا من مستوانا. اللوحة الثانية: وجوه نسائية من الإنجيل: (مريم أم يعقوب- مريم امرأة كالوبا- مريم المجدلية- صالومي). الأناجيل الأربعة تتحدث عن النسوة اللواتي رافقن يسوع في رسالته وكُنَّ واقفاتٍ بالقرب من الصليب. ثم كُنَّ الشاهدات على القيامة. لوقا 2:8- 3 ............... يساعد يسوع والرسل بأموالهنَ. لوقا 1:24- 11 ........... قرب الصليب وصباح القيامة. متى 55:27- 56 ......... قرب الصليب. متى 1:28- 5 .......... بعد القيامة " لا تخافا اذهبا فبلغا أخوتي أن يمضوا إلى الجليل فهناك يروني" مرقس 40:15- 41 و47 - 1:16- 11 يوحنا 25:19- 1:20- 2 و11 و18 القيامة والترائي.
رسل 14:16- 15 ......... ارتداد ليديا وأهل بيتها (دور المرأة في نقل الإيمان). الرسالة إلى أهل رومة 1:16- 2 و13 .......... يقول بولس إلى أهل رومة "أوصيكم بأختنا فيبة شماسة كنيسة قورنتس فتقبلوها في الرب قبولاً جديراً بالقديسين وأسعفوها في كل ما تحتاج إليه منكم فقد حمت كثيراً من الأخوة وحمتني أنا أيضاً".
نلاحظ من كل ذلك أن الله والمسيح والكنيسة رفعت المرأة وأعطتها المكانة اللائقة بها. إنها رسولة وأم ومربية وشريكة الرجل في بناء المجتمع. ونحن هل ننظر إلى ذواتنا نظرة تقدير واحترام وشعور بالمسؤولية؟ هل نقوم بدورنا كما يريد الله منا؟ هل نبني أولاً ذواتنا ثم أولادنا ومن ثم مجتمعنا؟ |
||||
14 - 08 - 2014, 03:54 PM | رقم المشاركة : ( 5168 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
من أنتِ أيّتها الكنيسة ..؟
مقدمة يختلط مفهوم الكنيسة عند الكثيرين من الناس، فالبعض يظن إنها ذلك البناء الحجري الذي يجتمع فيه الناس للصلاة أيام الآحاد و الأعياد، و البعض الآخر لا يرون فبها إلا تجمعا بشريا تجمعه وحدة المعتقد وآخرون يقلصون نظرتهم إلى المؤسسة الكنسية فلا يرون فيها سوى السلطات الدينية و الأشخاص المكرسين من كهنة ورهبان وراهبات. هذه المفاهيم الشائعة لا تدرك حقيقة الكنيسة و لا تحيط بسرها إذ تبقى أسيرة النظريات البشرية المحدودة. لا يمكن فهم حقيقة الكنيسة إلا على ضوء العلاقة التي تربط الله بالبشر، هذه العلاقة تأخذ أبعادها في العلاقة التي تربط يسوع المسيح بالآب فهو أنموذج لاتحاد الإنسان بالله، و ماهية الكنيسة هي الجمعة المتحدة بالمسيح. هذا الاتحاد مع المسيح يُظهر للإنسان حقيقته العميقة فكل إنسان مدعو لأن يصير على مثال المسيح ابنا حقيقيا لله لان المسيح لأن المسيح هو التحقق لكامل لماهية الإنسان انه ملء الإنسان و الإنسان الذي يكتشف ذاته في المسيح يحقق إنسانيته الأصلية ، ففي الله يجد صورته الحقيقية، و هكذا فالكنيسة و أسرارها هي الوسيلة لتحقيق الاتحاد مع المسيح و على ضوء ذلك يجب آن تفهم طبيعة الكنيسة كسر يجمع الله مع البشر. ينبغي بادئ الأمر أن نعرف كلمة السر ليس السر ما هو المخفي ، أوما يعجز العقل عن فهمه، و لكن كلما تعمق فيه اتعت حدوده لأنه يقودنا إلى عالم غير محدود، السر هو رابط يجمع بين حقيقتين: حقيقة مرئية وحقيقة لا مرئية، انه علامة لشيء آخر ، هذا ما ينطبق على العلاقة بين الله و الإنسان، لذلك فأسرار الكنيسة السبعة هي بمنزلة السلم الذي يربط بين الإنسان و الله، بين السماء و الأرض، يتضمن السر دائما بعدا حسيا منظورا كالماء الخبز و النبيذ و الزيت، فهي عناصر ترمز إلى الحياة البشرية و بعدا لا حسيا، غير منظور، يمثل الحياة الإلهية والنعم التي يسكبها الله في قلب المؤمن، و باختصار نقول: إن السر مكان للقاء الله بالإنسان حيث يعطي نعمه وحياته للإنسان. بهذا تعتبر الكنيسة سراً. الكنيسة سر الكنيسة هي سر لأنها على مثال يسوع المسيح ( إلهية \بشرية ) في آن واحد، (سماوية \ أرضية) في الوقت نفسه، أي أنها مزدوجة النشأة و الطبيعة و الهدف، إنها سر تربط الله بالإنسان إنها سر لأنها معطية الأسرار، إنها السر الأكبر الذي يحتوي باقي الأسرار، إنها سر يسوع المسيح كما أن يسوع المسيح هو سر الله. الكنيسة هي سر ببعديها الإنسان و الإلهي كما هو يسوع المسيح "إذا عرفتموني عرفتم أبي من رآني رأى الآب" (يو14/7-9 )، و لا أحد يتوصل إلى معرفة الآب إلا بالمرور عبر المسيح ( الطريق ) نحو الآب صورة الله الذي لا يرى (كول1/15). هذا هو دور الكنيسة أيضا غايتها أن تظهر المسيح و تقودنا إليه ناقلة لنا نعمه، إن سبب وجودها هو أن تربطنا بالمسيح، و هي الوحيدة القادرة على تحقيق ذلك في كل زمان و كل مكان ، فإذا زالت الكنيسة زال الفداء. الكنيسة هي آية، علامة، و الآية بحد ذاتها لا معنى لها و لكن تشير إلى شيء آخر غيرها، لذلك لا نتوقف عند العلامة، الكنيسة آية تشير إلى المسيح إلى الله إلى الحقائق الروحية إلى الخلاص إلى الوحدة البشرية بالله. الكنيسة بطبيعتها ثنائية الانتماء إنها امحاء أمام ما تدل عليه مثل الكلمات التي تبقى جوفاء إن لم تق إلى المعنى آلي الفكرة، إنها ليست حالة وسطية و لكنها وسيط إنها لا يمكن أن تنعزل عن أي طرف من الطرفين اللذين تربطهما. تربطنا الكنيسة بالمسيح بفضل الروح الذي وهبه لتلاميذه يوم العنصرة، الكنيسة بدأت مع المسيح و لكن بلغت كمالها بالروح إن الروح يعلمنا كلية الحقيقة و لكن ليس أكثر من يسوع، مرسل الآب "انه لا يتكلم من عنده ولا يبحث عن مجده كما أرسلني الآب كذلك أرسلكم" أن الروح لا يعطينا تعليما جديداً و لكنه يفتح أذهانا لفهم تعليم يسوع، مذكراً إيانا بكل ما قاله. لقد تكلم الروح قبل مجيء المسيح بواسطة الأنبياء "الناطق بالأنبياء" كي يعلن عن يسوع، و بعد صعود يسوع إلى السماء أصبح الروح هذا الحضور الذي يسكن في أعماقنا و يحدثنا عن يسوع و يشهد له. كما يشهد يسوع للرب. هكذا يسكن الثالوث داخل الكنيسة فلا أحد يشهد لذاته أو يحل محل الآخر بل يقود إليه، الابن يشهد للآب و الروح يشهد للابن و الكنيسة بفضل روح يسوع تشهد للابن الذي يقودنا نحو الآب. إن الروح روح يسوع المسيح الذي يحيي جسده ، الروح يجمع و يوحد الكنيسة ، شعب الله الجديد، أنا بالروح كما إننا بالمسيح، إذ تعمدنا بروح واحد كي نكون جسداً واحداً. إن الكنيسة هي جماعة الروح والروح يمجد يسوع في الكنيسة. الكنيسة هي سر المسيح ورسالتها الوحيدة أن تجعل يسوع حاضراً للبشر فعليها أن تعلن عنه وتقدمه لهم. إن واجبنا هو الإعلان عن يسوع المسيح إذ يجب أن يظهر يسوع المسيح للآخرين من خلالنا و يظهر كتاب أعمال الرسل دور الرسل في التبشير المسيح و ما يقومون به من نشاط و جهود كي يشهدوا ليسوع في كل مكان: "ولكن الروح القدوس ينزل عليكم فتنالون القوة و تكونون لي شهودا في أورشليم و كل اليهودية و السامرة حتى أقاصي الأرض"(اع1/8 ). لقد انطلقت "الكنيسة الناشئة" لإعلان بشرى الخلاص، بشرى الفرح الكبير مثلما انطلق الملائكة في بداية الإنجيل ليبشروا بالفرح العظيم الذي لا يستثني أحداً، فرح ولادة المخلص. لا تعتمد الشهادة ليسوع المسيح على اللسان و الكلم فقط بل على منهج الحياة و تصرفات الأشخاص، وبقدر ما تصبح حياتنا مسكنا لروح، تنشر رائحة المسيح كرائحة زكية طيبة، تظهر في الاخوة المتبادلة و المحبة بين المؤمنين، لقد كانت شهادة الجماعة المسيحية الأولى بالدرجة الأولى شهادة أخوة و محبة "قلبا واحدا وروحا واحدة". لذا يجب على الكنيسة أن تكون متجسدة في أرض الواقع، حاضرة في التاريخ، ولكنها تشير بذات الوقت إلى حقيقة سماوية، إنها تتعالى فوق التاريخ، ففي حقيقتها المرئية البشرية هناك حقيقة روحانية إلهية لا نراها إلا بعيون الإيمان. لقد أكد المجمع الفاتيكاني الثاني على النظرة الثالوثية للكنيسة و بكونها تعود في أصلها إلى قصد الثالوث الأقدس و تحقيقه المرحلي في التاريخ: إن الرب يدعو جميع الناس للشركة معه في حياته الإلهية، انه يدعونهم في ابنه "جميع الذين يؤمنون بالمسيح، أراد الآب أن يدعوهم لتأليف الكنيسة المقدسة" إنها "أسرة الله" التي جمعها الله و حققها على مدى مراحل التاريخ، لقد بشر بها بالرموز منذ بدء العالم وهيئ لها من خلال شعب العهد القديم، و أنشئها يسوع المسيح و أعلنت بحلول الروح القدوس. تظهر نية قانون الإيمان دور الثالوث الأقدس في الخلق و الخلاص الذي يتجلى حياة جديدة: "نؤمن باله واحد آب ضابط الكل ... وبرب واحد يسوع المسيح ...و بالروح القدوس" وبعد هذا التأكيد على الثالوث الأقدس يأتي الإعلان عن الأيمان بالكنيسة ، كثمرة أولى لعمل الروح كما كان لحلول المحيي. إن الكنيسة ليس لها كيان بذاتها و ليست هدفا بحد ذاتها ، هي بناء المسيح و إليه تتجه، هي امتداد لسر التجسد لتحقق حضور المسيح في تاريخ البشرية. إن حقيقة الكنيسة لا تتجلى إلا إذا حاولنا إن نفهمها على ضوء مشروع الله الخلاص و تتطوره عبر التاريخ أي على ضوء الثالوث الأقدس في البشرية فالمعمودية التي تدخلنا الى الكنيسة هي باسم الآب والابن والروح القدوس، هذا هو المشروع الذي أعده الله بسابق تدبيره منذ الأزل حتى يوحد البشرة" تحت رأس واحد هو المسيح(اف1/10"ويهدي جميع الأمم إلى طاعة" ( روم 16/26 ). إنها سر الله كما يقل القديس بولس، و قد كشف عنه بيسوع المسيح. فما هي العلاقة القائمة بين الكنيسة وعمل الثالوث الأقدس في البشرية؟ و ما هي الأحداث الرئيسة التي قامت عليها الكنيسة ؟ إن الاعتراف الإيماني للآب و الابن و الروح القدوس يقود إلى الاعتراف بالكنيسة ، أولى عطايا الله وما تقوم به الأقانيم الثلاثة من عمل خلاصي إنها فعل الثالوث الأقدس. فسر الكنيسة متجزر في الثالوث الأقدس، و سوف نتوقف لنوع خاص عند ثلاث صور كتابية عن الكنيسة شعب الله، جسد الكنيسة، وهيكل الروح القدوس. سر الكنيسة الثالوثي الكنيسة شعب الله : إن كلمة كنيسة مشتقة من الآرامية تعني الجماعة المدعوة أي الجماعة البشرية التي يدعوها الله و يجمعها في شعب واحد لتكون أداة لخلاص البشرية جمعاء ، و هي الجماعة التي يربطها الإيمان بيسوع المسيح، لأن الكنيسة هي كنيسة يسوع المسيح .إن خلاص الإنسان و تقديسه لا يتم ألا داخل العلاقة التي تربطه مع أخيه الإنسان لذالك ارتبط مخطط الله الخلاص بتكوين شعب و لكن المبادرة لتكوين هذا الشعب تعود إليه فهو الذي يدعو الشعب و بداية هذه الدعوة هي اختيار الله شعبه في العهد القديم إن مفهوم الشعب في الكتاب المقدس يدل على الرباط القائم بين الله و شعبه هذا الانتماء يدعى العهد ، فالله يتعهد بان يهتم بشعبه و يعتني به، و بالمقابل فان على الشعب أن يتعهد بدوره ألا يعبد سوى الله، و الاختبار العميق الذي نجده في الكتاب المقدس هو أن الله كان وفيا دائما لعهده و لكن الشعب هو الذي كان يخون العهد و يبتعد عن الله نحو آلهة أخرى و يسمي الكتاب عدم الأمانة هذه بالزنى و لكن الله وعد الشعب بأنه سيجدد عهده معه هذا العهد لن يكون هذه المرة مكتوبا على حجر ولكن في القلوب "ها إنها تأتي الأيام يقول الرب" أقطع فيها مع بيت أسرائيل و بيت يهوذا عهدا جديدا، لا كالعهد الذي قطعته مع آبائهم يوم أخذت بأيديهم لأخرجهم من أرض مصر لأنهم نقضوا عهدي مع أن كنت سيدهم يقول الرب، و لكن هذا العهد الذي اقطعه مع بيت إسرائيل بعد تلك الأيام يقول الرب هو أنى أجعل شريعتي في بطونهم وأكتبها على قلوبهم و أكون لهم إلها و هم يكونون لي شعبا (ارميا 3/3-34). هذا العهد الجديد الذي بشر به الأنبياء يحققه يسوع بدمه " هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي كلما شربتم فاعلموه لذكري (1كو11/25) داعيا البشرية جمعاء كي تصبح من جديد شعب الله . أن نعرف الكنيسة أنها شعب الله معناه الإقرار أن الكنيسة ولدت من مشروع الهي لتوحد البشرية جمعاء "لا فرق بين يهودي و لا يوناني ليس عبدا و لا حر و ليس ذكرا و لا أنثى لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع"(غلا3/28) إنها شعب سائر نحو الله في دروب البشر ، أي الإصغاء لكل إنسان لتصل إلى كل الشعوب. إن مفهوم شعب الله لا يعني أن الله أصبح حكرا على شعب دون آخر فالله لا يملكه أحد أن اختيار الله شعبا معينا كما اختار يسوع تلاميذه لا يعني أن هؤلاء أفضل من غيرهم بل ان لهم مسؤولية خاصة عن خلاص الآخرين "بك يتبارك جميع عشائر الأرض" قالها الله لإبراهيم، كما أرسل يسوع تلاميذه كي يعلنوا البشارة إلى جميع الأمم إن دور شعب الله إن يكون ملح الأرض و نور العالم إن الانتماء لشعب الله لا يتم من خلال القرابة الدموية و لكن بالولادة من عل (من الماء و الروح )، كما أن شريعته هي الوصية الجديدة "أحبوا بعضكم بعضا كما أنا أحببتكم". و بكون الكنيسة علامة و أداة لوحدة البشرية فإنها تشير إلى حقيقة غير مرئية ، حقيقة اسكاتولوجية (أي عالم آخر الأزمان أو ما نطلق عليه السماء ) صحيح أنها شعب الله المسافر على دروب الزمن و لكن ليس موطنها العالم و هي علامة رجاء لأورشليم السماوية لذلك تحييا في هذا العالم كما في الشتات و الغربة وليس لها موطن دائم (1بط1/1؛ عب3/7-4) فلا يحق لها أن تنظر إلى الأمور كأنها مقيمة في الدنيا على الدوام بل أن تتحد بالمسيح المصلوب الذي يقودها نحو مساكن الأب حيث يعد لها هناك مكانا دائما لأن أرض الموعد الحقيقية للإنسان أي أرضه الدائمة هو الله حيث الله كلا في الكل. الكنيسة جسد المسيح تشبيه الكنيسة بالجد يلقي ضوءا على العلاقة الحميمية بين الكنيسة و المسيح، فهي ليست مجتمعة حوله وحسب إنها موحدة فيه و الاتحاد بالمسيح هو مصدر الوحدة بين الأعضاء، هذه الوحدة تتحقق بشكل جوهري في الأسرار و بنوع خاص في المعمودية التي بها نتحد بموت و قيامة المسيح و في الافخارستيا التي بها نشترك اشتراكا حقيقا في جسد المسيح و نرتفع إلى الشركة معه في حياته و هذا ما يوحدنا بعضنا ببعض. لقد بدأ يسوع حياته العلنية و بشارته بدعوة التلاميذ الاثني عشر الذين سيكونون نواة الكنيسة، و تبع التلاميذ يسوع و تتلمذوا على يده مدة ثلاث سنوات و كانت لهم بمنزلة المعمودية فالمعمودية لا تقوم فقط على الرتبة الطقسية بل هي تنشئة الإيمان إنها مسيرة روحية مع يسوع تلقوا خلالها تعاليم يسوع و رأوا أعماله و اختبروا قلة إيمانهم و ضعفهم و بذات الوقت رحمة الرب و قوة مغفرته إن المعمودية الحقيقيهي مرافقة المسيح في آلامه وموته لننال حياته ، إنها موت مع المسيح و قيامة معه إن التتلمذ ليسوع معناه الإقامة معه و مشاركته حياته كي يتحول إلى صيادي بشر. هذا التحول يمر بالضرورة عبر الألم و الصليب ، ففي البداية استهجن التلاميذ إعلان المسيح عن آلامه المقبلة " فانفرد به بطرس و أخذ يعاتبه "(مر8/32) ووصل به الأمر عندما حانت الساعة إلى نكران معلمه عندها أدرك بطرس ضعفه و خطيئته و كن يسوع قادر على أن يحول البنية الإنسانية الهشة إلى صخر يني عليه كنيسته "و أنا أقول لك أنت الصخرة و على هذه الصخرة سأبني كنيستي" (متى16/18) هذه القوة التي يستمدها بطرس من صلاة يسوع "و قال الرب : سمعان سمعان هوذا الشيطان قد طلبمكم ليغربلكم كما تغربل الحنطة، و لكن دعوت لك أن لا تفقد إيمانك و أنت ثبت إخوانك متى رجعت" (لو22/31) إن بطرس يرمز إلى الكنيسة التي على الرغم من ضعفها ونقائصها البشرية تبقى جالا لعمل نعمة الله. هذه الوحدة بين المسيح و كنيسته يشبهها يسوع بالوحدة بين الكرمة و الأغصان هذه الوحدة ليست خارجي بل هي وحدة داخلية عضوية فكما أن الشجرة و جذوعها واحد كذلك المسيح و المسيحيون هم واحد و كما تستمد الأغصان حياتها من الشجرة كذلك حياة المسيحيين تنبع من المسيح "من يأكل جسدي و يشرب دمي ثبت في أنا فيه" (يو6/56) كل شيء ينطلق من المسيح فهو الرأس و الكنيسة هي الأعضاء هذا التمييز لا يعني الانفصال بل يبين طبيعة الارتباط الكائن بين المسيح و كنيسته "هو قبل كل شيء و به قوام كل شيء و هو الرأس الجسد أي رأس الكنيسة "(قو1/18) هذه الرئاسة ليست سيطرة أو تسلط بل هي أساسها المحبة :"فما أبغض أحد جسده قط بل يغذيه و يعنى به شأن المسيح بالكنيسة" هذه الوحدة بين المسيح و كنيسته هي مصدر الوحدة بين أعضائها. إن الوحدة مصدرها الاشتراك في الخبز الواحد الذي يحولنا جميعا إلى جسده جاعلا منا مسيحا واحدا. إن وحدة الكنيسة تتحقق بالعودة إلى المسيح مصدر حياتها لأنها تتغذى من عشاء الرب الواحد الذي يجمع الجميع ويهدي القلوب فتتحقق أمنية المسيح ليكونوا واحدا كما أنا و أنت واحدا. و يمكن أن نوجز ما سبق : بأن الكنيسة هي جسد المسيح بالروح العامل بالأسرار و لا سيما الافخارستيا وكما أنه يوجد في الجسد أعضاء ووظائف مختلفة و لكنها تبقى مرتبطة مع بعضها كذلك أعضاء الكنيسة هم مرتبطون بعضهم ببعض و خاصة بالمتألمين و الفقراء و المضطهدين إن رأس هذا الجسد هو المسيح إنها تستمد حياتها منه و هي تحيا لأجله و هو يحيا معها و فيها .هذه الكنيسة هي عروس المسيح (أف5/27)التي أحبها و بذل نفسه من أجلها و طهرها بدمه (أف5/26)و جعل منها أما خصبة لجميع أبناء الله . الكنيسة هيكل الروح القدوس إن دور الروح القدوس بالنسة للكنيسة هو بنزلة دور النفس بالنسبة للجسد ، انه يربط أعضاء الجسد بعضها ببعض و بالرأس الذي هو المسيح جاعلا من الكنيسة هيكل الله الحي فحيث هناك روح الله هناك الكنيسة :"و حجر الزاوية هو المسيح بنفسه فيه يحكم البناء كله و يرتفع ليكون هيكلا مقدسا في الرب و به تبنون أيضا معا لتصيروا مسكنا لله في الروح"(أف2/20-22) إن الروح القدوس هو المبدأ الذي يحيي كل الأعضاء في الجسد و هو يحقق الشركة في المحبة و هو الباني للجسد بواسطة كلمة الله "و الآن استودعكم الله وكلمة نعمته و هو القادر على أن يشيد البنيان" (أع20/32) فبفضل المعمودية يكون الروح القدوس جسد المسيح و بالأسرار ينميها و شفي أعضاء المسيح و بنعمته و مواهبه يجدد الكنيسة و يمنح أعضائها القوة للقيام برسالتهم. يعني الهيكل مكان حضور الله الفاعل في العالم فالله كان حاضرا وسط شعبه في مسيرته عبر الصحراء ويعتبر العهد الجديد الكنيسة أي الجماعة الكنسية هيكلا و مكانا لحضور الله و حضور يسوع المسيح "لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فأنا أكون هناك في وسطهم" (متى18/20) و من ثم فالكنيسة لا تعني أولا بناء من حجارة ميتة بل بناء من حجارة روحية حجر الزاوية فيه يسوع المسيح إن الكنيسة كهيكل الروح القدوس تحمل في طياتها روح التعددية لأن مواهب الروح متعددة و كل تعددية مصدر غنى وحيوية، و القديس بولس يشبه هذه التعددية إلى الجسد الذي له أعضاء كثيرة و لكنها على كثرتها تبقى جسداً واحداً (1كو12/12-21) فالمحبة تجمع الأعضاء المختلفة في جماعة واحدة فالمواهب متعددة ولكن الروح واحد :"إن المواهب على أنواع و أما الروح فهو هو، وإن الخدمات على أنواع و أما الرب فهو هو"(1كو12/4-5) و هكذا فان الكنيسة كهيكل للروح واحدة و لكنها متعدة المواهب و الاعمال والخدمات.إن الروح القدوس هي علامة الوحدة :"فإننا اعتمدنا جميعا بروح واحد لنكون جسدا واحدا"(1كو12/13) . إن الروح القدوس يلغي المسافة الزمنية التي تفصلني عن يسوع الناصري و يجعله حاضرا اليوم في حياتي وحياة الكنيسة محولا الحرف الى أنشودة حية . وتعبر الكنيسة عن دور الروح القدوس أجمل تعبير في صلاة الايبكليز التي تقال بعد كلام التقديس و هي صلاة استدعاء الروح القدوس طالبة منه أن ياتي ويحل على القرابين ليجل الخبز جس المسيح و الخمر دم المسيح ، إن الروح يحول الطبيعة و هي هنا (الخبز و الخمر) إلى جسد المسيح و الأفراد إلى جماعة وحدة و محبة مجتمعين في الكنيسة الواحدة لذلك نبتهل إليه سائلين الحدة في الإيمان و شركة الروح القدوس . إن عمل الروح القدوس إذا هو بناء جسد الكنيسة بالشركة هذه الجسد هي جسد المسيح الذي تكون في أحشاء مريم بفعل الروح و لكن يسوع أعطانا جسده على الصليب فأصبح علامة لحضوره الشامل لكل البشر ولكل الأزمنة هذه الشمولية يحققها الروح القدوس في صورة الكنيسة. وعندما تعيد الكنيسة ذكرى هذه العطية (أصنعواهذا لذكري) لا تبتغي من ذلك الحنين إلى الماضي إنما تدلنا على مسؤوليتنا في تحقيق الوحدة في جسد المسيح و شمولية العطاء و المحبة ، فكل منا مدعو أن يحول جسده و دمه إلى ذبيحة حية تجدد ذبيحة المسيح أي أن ضع أنفسنا في خدمة أخوتنا. إن الذبيحة الحقيقية هي ما نقوم به كي نتحد مع الله و ندخل في شركة حقيقية معه و هذا يتحقق عندما نتحرر من التمحور حول الذات و الأنانية لندخل في منطق المحبة التي تبذل ذاتها ، عندها تتحول أجسادنا الى حضور وعطاء للآخرين وهذا ما يحس عليه القديس بولس :" انني أناشدكم إذا أيها الاخوة حنان الله إن تقربوا أشخاصكم ذبيحة حية مرضية عند الله، فهذه هي عبادتكم الروحية" (روم12/1) و عندما تقدم الكنيسة الذبيحة الآلهة إنما تقدم ذاتها لكي تصبح جسد المسيح، بهذا تحيي ذكرى ذبيحة الصليب وتشهد لحقيقة روح الله التي هي عطاء و مشاركة .أما نقيض هذه الروح فهو الانغلاق على الذات وسيطرة منطق التملك . من ما لا شك فيه أن تأسيس الكنيسة يعود إلى يسوع المسيح و أما انطلاقها في الرسالة فيعود إلى الروح القوس ط الروح القدوس ينزل عليكم فتنالون قوة و تكونون لي شهودا " ( أع1/8) فرسالة الكنيسة علامة لحضور الروح القدوس و عمله فيها ، فكما حل الروح القدوس على يسوع يوم عماده قبل انطلاقه بالرسالة ، هكذا حل على التلاميذ يوم العنصرة ، فانطلقوا بالرسالة و بهذا المعنى فان زمن الكنيسة هو زمن الروح القدوس فالروح القدوس و الكنيسة يتممان رسالة يسوع على الأرض. إن الكنيسة هي طريق الملكوت و علامة خلاص للعالم، و يجب أن تكون حسب تعبير يسوع ملح الأرض وخميرة في العجين و خلاصة القول إن الكنيسة هي الجماعة التي تتعرف إلى الله المتجني في يسوع المسيح. شعب الله هذا عليه أن يعمل مع ذوي الإرادة الطيبة لبناء عالم أخوي يسوده السلام و الحب و العدل فحيث توجد المحبة هناك الملكوت ، بهذا يشهد شعب الله للرجاء الذي تحقق بالمسيح الناهض من بين الأموات ، هذا الرجاء يدعو كل إنسان إلى الدخول فيه مجانا و بدون أية شروط . مريم أم المسيح و أم الكنيسة : إن الحديث عن الكنيسة يقود إلى الحديث عن مريم العذراء أم يسوع المسيح ودورها في سر الخلاص . إن مريم أصبحت أم المسيح بطاعتها المطلقة لكلمة الله "فليكن لي حسب قولك" بهذا سمحت لله بواسطة ابنه أن يتخذ منها جسدا و يسكن فيما بيننا و يدخل في تاريخ البشرية . إنها تمثل الإنسانية التي عطت لله المكانة التي يستحقها في أرض البشر ومن خلالها تصلنا نعمة المسيح التي بفضلها نصبح أبناء لله ، بهذا المعنى فان مريم العذراء هي أم للمسيح و أمنا و أم الكنيسة .و كما ولدت مريم العذراء ابنها بأنها وضعت كلمة الله فوق أي اعتبار آخر، كذلك على الكنيسة أن تشع وجه المسيح و تجسده للعالم. إن المعنى العميق لبتولية مريم يشير إلى هوية يسوع ، فكما أنه كسر قوانين الطبيعة عندما أقامه الله من بين الأموات كذلك ولد في عالمنا بدون الخضوع إلى قوانين الولادة الطبيعية ، فبقيامته وولادته يظهر كونه ابن الله و آدم الجديد الذي بفضله تصبح البشرية خليقة جديدة . لهذا فان الإيمان بقيامة يسوع من بين الأموات وبكونه ابنا لله معناه الإيمان بولادته البتولية من العذراء . و إذا كانت الكنيسة تقر ببقاء مريم عذراء رغم الولادة فهذا معناه الاقرار بان خصب الحياة الإنسانية كما هي الحال في المكرسين من أجل الملكوت يتجاوز المفاهيم الطبيعية للولادة و يتحقق في رجاء الخليقة الجديدة المولودة عبر الألم و الموت لهذا تمثل مريم العذراء الكنيسة. إن مفهوم عقيدة الحبل بلا دنس لا يعني كما يعتقد البعض أن مريم العذراء ولدت بدون أب و لكن معناه بأنها كانت بكليتها مكرسة لله لا أثر فيها لأي مقاومة لعمل نعمة الله و فعل كلمته ، هذا ما يشير إليه تعبير ممتلئة نعمة أي لا أثر للخطيئة في قلبها لأن المقاومة لله تأتى من الخطيئة . لهذا اختيرت لتكون أم المسيح .ان انتقال العذراء الذي نحتفل به في 15 آب يدل على المشاركة في الخاص الذي تحقق في يسوع المسيح فقيامة المسيح هي صورة لما سوف يتحقق في البشرية إن مريم ابنة البشرية التي أعطت ذاتها لله تنتمي منذ الآن إلى الخليقة الجديدة هكذا تكون مريم العذراء صورة لما سوف يتحقق في البشرية ففيها تحقق الرجاء الذي يتطلع إليه كل إنسان |
||||
14 - 08 - 2014, 04:05 PM | رقم المشاركة : ( 5169 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التطويبات
شريعة العهد الجديد الأب جورج أبي خازن مقدمة تشمل الشريعة في العهد القديم تشريعات عدة ومواد من كل صنف، لأنها تنظم حياة شعب الله في كل القطاعات. فهناك توصيات خلقية، تبرز خاصة في الوصايا العشر (خر20: 2-17، تث5: 6-21)، تذكر مطالب الضمير البشري الأساسية. هناك قواعد قانونية موزعة في مجموعات عديدة، تخص مختلف نواحي الحياة وترتب العمل بنظم المعاملات المدنية (الأسرية، الإجتماعية، الإقتصادية، والقضائية) . وتوصيات تخص العبادة في طقوسها، وخدامها وشروط إقامتها وقواعد خاصة بالتطهير والطاهر والنجس. ولم يترك شئ للمصادفة. والتعبير العبري للشريعة هو "توراه" والتعبير اليوناني الوارد في الترجمة السبعينية هو "نوموس" وبالعربية "ناموس". ويطلق العهد الجديد اسم " الشريعة " على هذا النظام كله (رو5: 20) تمييزاً له عن تدبير النعمة الذي أسسه يسوع المسيح (رو6: 15 ويو1: 17) . ولو أن العهد الجديد يتكلم هو أيضاً عن "شريعة المسيح" (غل6:2) والوصايا ذات الصبغة الإلزامية (مثل الوصايا العشر) تشكل أوامر مباشرة، بها يعرّف الله مشيئته لشعبه. "فالتوراة" أو "الشريعة" هي تعليم مُعطى بصفة آمرة وملزِمة باسم الله نفسه. وهذه الأوامر والمتطلبات تؤلف مدرسة قاسية. لها الفضل في إعداد وتدريب "الشعب القاسي الرقبة" على السير في طريق القداسة، التي يدعوه الله إليها. إن موقف يسوع من الشريعة القديمة واضح؛ فالشريعة في ملكوت الله "لا ينبغي أن تُلغى بل أن تُتمّم حتى آخر ياء أو نقطة (متى5: 17-19) ومع ذلك فإن يسوع، وهو يعلن إنجيل الملكوت، يفتتح نظاماً جديداً كل الجِدّة فالشريعة والأنبياء ينتهي أمرهما مع يوحنا المعمدان (لو16: 16). وخمر الإنجيل لا يمكن صبها في آنية عتيقة خاصة "بشريعة سيناء". وقاعدة السلوك الواجب اتّباعها في هذا الملكوت هي شريعة كمال اقتداءً بكمال الله الآب (متى5:21-48) وشريعة الملكوت تُلخَص في وصية واحدة "محبة الله والقريب "أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا" (يو15: 12) (مر12: 28-34). وتعلّموا مني أني وديع ومتواضع القلب (متى11: 29). وهي تحوي كل الشريعة والأنبياء. (متى7: 12). وموسى يتلاشى الآن: ففي ملكوت السماوات ليس سوى معلم واحد (متى23: 10) ويتعيّن على البشر أن يُصغوا لكلمته ويعملوا بها (متى7: 24-26) لأنهم بذلك إنما يعملون مشيئة الله الآب (متى7: 21-23). وكما أنّ اليهود المؤمنين، طبقاً للعبارة الحاخامية، كانوا يحملون نير الشريعة، كذلك ينبغي الآن حمل نير المسيح، والإنتماء إلى مدرسته (متى11: 29) وكما أن مصير الناس والشعب كان يتحدد تبعاً لموقفهم من الشريعة. فإنه من الآن وصاعداً سيتحدد تِبعاً لموقفهم من يسوع (متى10: 32-33). يسوع هو كمال الشريعة والأنبياء، ولا بد من المرور به لندخل إلى ملكوت السماوات. فالشريعة والبر والأنبياء تأخذ بعدها الحقيقي من يسوع وفي شخص يسوع. ويسوع لم يأتِ بشرائع جديدة لتحل محل القديمة بل هناك طريقة جديدة تماماً، طريقة انجيلية في ممارسة الوصايا: هي أن نعيشها كأبناء في الإبن الوحيد. كانت الشريعة المربي الذي يقود إلى المسيح (غل3: 24) وفي المسيح التقت بربها وأنهت عملها كمربية. إذاً نحن هنا أمام الشريعة الجديدة التي لا نجدها فقط في إنجيل متى والمعروفة بعظة الجبل بل في شخص يسوع نفسه في سره العميق: هو الطريق الحق الحياة النور. هو المعلم وهذه الصفات كانت من وظائف الشريعة. سُئِل يوماً ايريناوس: ماذا حمل لنا الرب في مجيئه؟ أجاب: اعلموا أنه حمل لنا كل جديد. حمل إلينا ذاته. التطويبات شريعة العهد الجديد يُشبِّه متى الإنجيلي يسوع، وهو يَعِظ على الجبل، بموسى وهو يُعِلن للعبرانيين في سيناء شريعة الرب. وكما أن موسى بدأ إعلانه الشريعة بالوصايا العشر، كذلك بدأ يسوع إعلانه بالتطويبات التي هي شرعة العهد الجديد، إنها خلاصة ما سيقوله يسوع ويُعلِّمه في أثناء حياته الأرضية وما سيعشه. هي الإنتقال من مُلْك الشريعة إلى شريعة الملكوت. و"الجبل" هو تلميح إلى جبل سيناء الذي عليه تقبّل موسى الشريعة. "وفي يسوع كانت تُدوّي كلمة الله نفسها التي دوّتْ على جبل سيناء لتعطي موسى الشريعة المكتوبة والتي تُسمع أيضاً على جبل التطويبات" (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 581). فيسوع هو المُشترِع الذي يُعِلن البشارة ويُقدِّم شرعة الملكوت ويسير بالشريعة القديمة لكي تصل إلى كمالها. وتُقدَّم التطويباتُ على أنها كمال الشريعة. شريعة ملكوت السماوات الذي اقترب والذي يتطلّب التوبة (متى3: 2 و4: 17)، والذي صار حاضراً في التطويبة الأولى والتطويبة الثامنة. التطويبات متى5: 1-12. فلما رأى الجموع صعد الجبل وجلس، فدنا إليه تلاميذه فشرع يُعلِّمهم قال: - طوبى لفقراء الروح فإنّ لهم ملكوت السماوات. - طوبى للودعاء فإنهم يرثون الأرض . - طوبى للمحزونين فإنهم يُعزَّون. - طوبى للجياع والعِطاش إلى البر فإنهم يُشبَعون . - طوبى للرحماء فإنهم يُرحمون. - طوبى لأطهار القلوب فإنهم يشاهدون الله . - طوبى للساعين إلى السلام فإنهم أبناء الله يُدعَون. - طوبى للمُضطهدين على البِرّ فإن لهم ملكوت السماوات . - طوبى لكم، إذا شتموكم واضطهدوكم وافتروا عليكم كل كَذِب من أجلي، افرحوا وابتهجوا: إنّ أجركم في السماوات عظيم، فهكذا اضطهدوا الأنبياء من قبلكم . لو6: 20-26 . ورفع عينيه نحو تلاميذه وقال: - طوبى لكم أيها الفقراء فإن لكم ملكوت الله . - طوبى لكم أيها الباكون الآن فسوف تضحكون. - طوبى لكم أيها الجائعون الآن فسوف تُشبعون. - طوبى لكم إذا أبغضكم الناس ورذلوكم وشتموا اسمكم ونبذوه على أنه عار من أجل ابن الإنسان. افرحوا في ذلك اليوم واهتزوا طرباً، فإن أجركم في السماء عظيم . فهكذا فعل أباؤهم بالأنبياء. لكن *الويل لكم أيها الأغنياء فقد نلتم عزاءكم. *الويل لكم أيها الشِباع الآن فسوف تجوعون. * الويل لكم أيها الضاحكون الآن فسوف تحزنون وتبكون. * الويل لكم إذا مدحكم جميع الناس فهكذا فعل أباؤهم بالأنبياء الكذابين. 1- بعض التعاريف: 1-1. طوبى: طوبى كلمة سريانية تعني السعادة والهناء. ومنها اشتُقَ لقب "طوباوي" الذي يطلقُ على كل من عاش سيرة صالحة، وذلك قبل إعلان قداسته. تَظهرُ كلمةُ "طوبى" = هنيئاً في أماكن كثيرة من العهد الجديد. حين استقبلت أليصابات مريم العذراء قالت لها: "طوبى لمن آمنت" (لو1: 45) . وهتفت امرأة مُعجَبة بيسوع وتعاليمه: "طوبى للبطن الذي حملك وللثديين اللذين رضعتهما" فأجاب يسوع: "بل طوبى لمن يسمع كلمة الله ويحفظها" (لو11: 27-28)، وقال يسوع لسمعان بن يونا: "طوبى لك يا سمعان بن يونا، فليس اللحم والدم كشفا لك هذا، بل أبي الذي في السماوات" (متى16: 17). "فالطوبى" في النصوص التي ذكرناها أُطلِقت على من أظهر قيماً أخلاقية أو دينية في موضع معين أو سلك سلوكاً معيناً. قيلت: - للعذراء مريم من أجل إيمانها. - ليسوع لأنه وضع رباط الروح بالله فوق رباط اللحم والدم وصِلة القربى. - لسمعان بطرس لأنه اكتشف حقيقة يسوع واعترف به مسيحاً: رجاء الشعب ومخلصه. فكلمة "طوبى" إذاً هي كلمة تصف الإنسان السعيد حقاً. الإنسان الصادق. الإنسان الحقيقي. وهي تُعلِن الطريقة التي يمكننا أن نكون بها حَمَلَةً للإنجيل، وتلاميذ حقيقيين ليسوع، أي رجالاً ونساءً سعداء. "طوبى" هي إذاً إعلان تهنئة من اجل حالة من السعادة أو الفرح الآتي. "طوبى" هي إعلان السعادة وعِلّة هذه السعادة. 1-2. ملكوت السماوات : تشير كلمة سماوات في الكتاب المقدس إلى الساكن في العُلى، أي الله. ملكوت السماوات يعني ملكوت الله. فما هو هذا الملكوت الموعود والذي نذكره في صلاة أبانا ونقول : "ليأتِ ملكوتك"؟ "ملكوت" لا يعني مكاناً أو أرضاً يقوم عليها الملكوت. الكلمة اليونانية تشير إلى فعل: عمل القيام بالمُلْك. فالملكوت يعني تدّخلٌ قوي من الله الذي يأتي للقاء الإنسان، الذي يأتي ليملك على البشرية جمعاء. هو أنّ الله يأتي إلينا ويمارس سلطته المَلَكية بطريقة تفوق انتظاراتنا أو رجاءنا. ولا يُمِكن لأي لغة بشرية أن تصف بطريقة وفيّة روعة هذا الفعل الملكي وعظمته. إن وصف ملكوت السماوات عملية صعبة وسهلة في آن واحد. فالملكوت واسع سِعة عمل الله المطلق فينا وفي العالم. وفي الآن نفسه يستطيع الطفل أن يستوعبه. بل ربما لا يستوعبه إلا الطفل. "أحمدك يا أبت" (متى11: 25). الملكوت يحمل احتياجاتنا ورغباتنا في الحياة والحب والمحبة والحق والصداقة والعدل...الخ ولكنه لا يلبّيها بحسب انتظاراتنا، بل بطريقة لا يستطيع أي انتظار بشري أن يحدده أو يحتويه أو يدركه. ملكوت السماوات هو محبة الله. لأن الله محبة. مبدؤها احترام الإنسان في حريته وهدفها تحريره من نير عبودية الخطيئة وجميع أشكال الشر ومظاهره ونتائجه. وغايتها أن تُدخِلنا في حياة لا تعرف الموت. "ملكوتك يا رب، أسلوبك في المُلْك علينا. يفوق دوماً كل ما يُمكننا أن نتمتمه بكلمات ومقولات مُستنبطة من اختبارنا البشري الهزيل المحدود. "ملكوتك هو محبتك الأبوية الفاعلة. إنك تُظِهر نفسك لنا دوماً أباً، بينما نكتشف أننا عبيد، عبيد أمور سلبية كثيرة كالخطيئة والشيطان والأهواء والجهل والمرض والموت. ملكوتك هو أنت، يا من يحب أبناءه أحراراً وذوي كرامة. فأنت يارب تنقذنا من الألم والخطيئة ومن المرض والعجز عن المحبة. وتجعلنا نحب حقاً، أي نحب كما أحب يسوع. ملكوتك يجعلنا في حياة أقوى من الموت" (الكاردينال كارلو مارتيني). 2-1. طوبى...! هذا أمر اتفق عليه متى ولوقا، ولكن مع بعض الإختلاف. تتناول وجوه الإختلاف هذه أولاً تلك الخطبة التي تشكل التطويبات مُستهلَّها. فمتى يستهلُّ خُطبة طويلة من ثلاثة فصول (متى5-7)، نسميها عظة الجبل. ولوقا يستهل خُطبة "السهل" في مكان منبسط (لو6: 17)، وهي أقصر بكثير (لو6: 20-47). وهذه الخُطبة الأخيرة نكاد نجدها كلها في متى. ولكن وجهتي نظرهما تختلفان بعض الإختلاف. تكاد خُطبة لوقا تُركِّز على محبة القريب دون سواها. أما متى فإنه يهتم بالطريقة التي تشكل بها متطلبات الإنجيل تجاوزاً بالنسبة إلى الشريعة اليهودية. هناك فرق بعدد التطويبات. وهناك فرق في المضمون: فالداعي إلى السعادة يختلف على ما يبدو بين متى ولوقا. يتصور لوقا أوضاعاً شاقة : طوبى للفقراء... طوبى لكم أيها الجائعون... بينما ينظر متى إلى مواقف باطنية وأحوال روحية: طوبى لفقراء الروح... طوبى للجياع والعطاش إلى البر... الخ. فلا عجب بذلك لأن أقوال يسوع هي رسالة حياة وأمور وُجدت ليعيش الإنسان بموجبها فتكون له الحياة. فلا يفهمها على حقيقتها إلاَّ من عاشها. لقد أضاف لوقا أيضاً موازاة للتطويبات الأربع "طوبى لكم" أربع مرات "الويل لكم"، وهذه الويلات موجَّهة إلى من يضع ثقته وأمانه بنفسه وأمواله وإلى من يعتقد بأن سعادته تكمن في رَغَد الحياة وملذاتها وبتصفيق الناس له ومدحهم إياه. والقديس غريغوريوس النيصي في عظاته عن التطويبات يقول: "كل يسعى إلى الخير والسعادة ولكن الفشل يكمن في عدم التمييز بين الخير والسعادة الحق، وبين ما نظنه أو يُخيّل لنا بأنه السعادة والخير". وصفحة التطويبات هذه هي أصعب ما نواجِه وهي تُشكل التحدي الأكبر لإنسان العصر، حتى للإنسان المؤمن فهي تُبيّن التناقض الفاضح بين ما نعيشه وبين ما يعرضه علينا المسيح في التطويبات. هو عرض بعكس التيار يتعارض مع عقلية إنسان اليوم وما تصوره وسائل الإعلام ومجتمع الإستهلاك، وتقديس الجسد والغِنى والعظمة والقوة واللذة... التطويبات ومن يرغب بعيشها اليوم ؟! .ولكنها، أي التطويبات، هي طرح الإنجيل لتلبية رغبة الإنسان في تحقيق ذاته وحاجته للسعادة. بوجه عام يشعر بعض المسيحيين بنوع من عدم الراحة تجاه هذه التطويبات. فهي تتكلم بطريقة معينة على الملكوت الذي أتى به يسوع. وهو ملكوت لا يعتمد على منطق البشر. فالعالم الذي نعيش فيه مبني على مبدأ الحياة للأقوى والأعنف والأغنى، وتتربع على ذروته المِتع الأرضية والملذات، بينما يبين يسوع في كلامه على الملكوت وكأنه يميل في اختياره إلى الفقراء والحزانى والمضطهدين وكل من ينبذهم العالم. ولكن المسيح يتجاوز هذه التوترات بدون مساومة. فالتطويبات هي وصف لأهل الملكوت. إنها تعلن عن طباع الجماعات التي تقيم فيه: أنقياء القلوب، رحماء، ساعون إلى السلام... إنهم سعداء ويشرح يسوع في التطويبات سبب سعادتهم... التطويبات بشرى يقلب فيها يسوع سُلّم القيم فيثني على موقف الفقراء والودعاء والمتواضعين والصغار ويشجب، خاصة في لوقا موقف الأغنياء والشِباع (لو6: 20-23). التطويبات إعلان لمحبة الآب الرحيم الذي يرغب أن يُخلِّص الضالين ومَن لا حيلة لهم. ولكن التطويبات التي هي جزء من "عظة الجبل" تتوجّه إلى التلاميذ وبالتالي إلى جميع المسيحيين. 2-3. "التطويبات" الإنجيلية ترتبط بفن أدبي قديم كان قد دخل دخولاً عميقاً إلى العالم اليهودي في زمن يسوع، فامتزجت بمواضيع توراتية: "طوبى لمن تزوج امرأة عاقلة. طوبى لمن وجد الحكمة. ولكن لا أحد يتفوق على "من يخاف الرب" (سي25: 7-11)، وسعادة صاحب المزامير هي ثقة شخصية بالله وإنْ سَخِرَ منها المُترفِّعون. هي تعلق بوصايا الله وحفظها. وبفضل السياق الذي وردت فيه، نستطيعُ أن نكتشف السِمات الكبرى للتطويبات الإنجيلية وهنا نلاحظ توجّهات أساسية أربعة: الأول: سعادة تجد ينبوعها في حضور يسوع ونشاطه وهو يتركز على المسيح (لأجل اسمي). الثاني: سعادة أُخْروية اسكاتولوجية ترتبط بنهاية الأزمنة ولكنها تبدأ منذ اليوم. الثالث: ليست هذه السعادة مُعْطَية ملموسة من معطيات الخبرة، ولا انصياعاً هادئاً لنصيب أُعطي لكل مولود (لايستطيع أن يفعل شيئاً فيقبل حظه وكأنه القدر). هذه السعادة قد أعلنها يسوع، ووعد بها وأعطاها للذين يسمعون كلمته ويعملون بها بإيمان وسط الواقع القاسي والظروف الصعبة. هي سعادة تبدو بشكل مفارقة؛ فرح مع الفقر والألم. الرابع: إنّ لهذه السعادة طابعاً كونياً هي الخليقة تَسْعد وتُسعِد المؤمن، ولكن الخليقة بعد أن أصلحها المسيح، ملك الكائنات، وأعادها إلى وجهتها الأصلية. بل أكثر من ذلك فالتطويبات هي "نعم" قالها الله بيسوع. فبينما توصّل العهد القديم إلى التوحيد بين الله والسعادة يأتي المسيح بدوره كَمَن يحقق الطموح إلى السعادة "ليكن فرحكم تاماً... فملكوت السماوات حاضر فيه وهو يجسد التطويبات إذ عاشها بالكمال وبدا وديعاً ومتواضع القلب" (متى11: 29). 3- التطويبات: تعليم خلاص ومثال حياة وبرنامج حياة مسيحية: 3-1. تعليم خلاص: التطويبات هي قبل كل شيء إعلان الإنجيل، إعلان البشارة. فبسبب حضور المسيح "اقترب ملكوت السماوات" هذا هو الخبر الطيب والسعيد وزمن تحقيق النبؤات ومواعيد الله. ويكرر المعمدان ويسوع والتلاميذ العبارة ذاتها وفي ألفاظ مماثلة (متى3:2؛4: 17؛10: 7). ملكوت السماوات قريب، والخلاص قريب، بل هو "هنا" وموضوع مواعيد الله بدأ يتحقق وقد حدّدت التطويبات الشروط ومَن هم أولئك الذين ينعَمون بالموهبة الإلهية التي يحملها يسوع. الملكوت "هو هنا" بالنسبة للفقراء والحزانى والجياع وأطهار القلوب والساعين إلى السلام والمضطهدين. وهكذا جدّد يسوع على عتبة تعليمه طبيعة مسيحانيته: أيُّ مسيح هو؟! مسيح القوة والعظمة والغنى كما كانت تعتقد شريحة واسعة من العالم اليهودي؟ أم مسيح يعرف الضعف والألم ويتوجّه إلى الفئات المهمَّشة في المجتمع؟. هنا نسمع ما قاله أشعيا عن زمن الخلاص وعمل عبد الله المتألم وسط شعبه، بل وسط الشعوب: "وفي ذلك اليوم يسمع الصُمُّ أقوال الكتاب، وتُبصِر عيون العميان بعد الديْجور والظلام ويزداد البائسون سروراً بالرب ويبتهج المساكين من البشر بِقدّوس إسرائيل (اش29: 18-19). وروحُ السيد الرب عليّ لأنّ الرب مسحني وأرسلني لأبشر الفقراء وأجبر منكسري القلوب وأنادي بإفراج عن المسبيين وبتخلية للمأسورين... وأُعزي جميع النائحين" (اش61: 1-3). ارتبط يسوع بهذه النبؤات الكبيرة، فأعلن أنها تمت الآن (راجع يسوع في مجمع الناصرة لو4: 16-21) "الآن تمت هذه الآية بمسمع منكم"...! ودلّ يسوع على نفسه أنه المسيح الذي يُدشِّن أزمنة الخلاص التي وُعد بها المساكين والحزانى. وسيعود يسوع أيضاً إلى أقوال أشعيا في جوابه إلى مُرسَليْ يوحنا المعمدان اللذين سألاه: "أأنت الآتي أم آخر ننتظر؟!" أجابهما يسوع بعد أن شفى أناساً كثيرين... "اذهبا فأخبرا يوحنا بما سمعتما ورأيتما: العميان يبصرون، العرج يمشون مشياً سوياً، البُرْص يبرأون والصُمّ يسمعون، الموتى يقومون، الفقراء يُبشَّرون وطوبى لمن لا يشك في ..." (لو7: 18-23). في المسيح قَدَّم الله خلاصه لكل الذين لا يملكون شيئاً فلا يستطيعون إلاّ أن يفتحوا أيديهم. الله هو المتسامي ولا يستطيع إلاّ أن يُعطي وهذا ما أظهره المسيح في طرق مختلفة. جاء إليه الأولاد فقال كما قال عن الفقراء بالروح: "ملكوت السماوات هو لهم". تَوسّلَ المرضى إلى حنانه فشفاهم. عاشر الخطأة ودلّهم على رحمة الله الآب. وتصف لنا التطويبات بكلمات بسيطة وأخّاذة سخاء حب الله ومجانيته. 3-2. مثال حياة: التطويبات هي في القلب من كرازة يسوع كما يُعلِّمنا التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية. وإعلانها يُعيد ويحقق ما قُطعَ من مواعيد للشعب المختار منذ ابراهيم ويكملها بتوجيهها لا إلى التمتع بالأرض فحسب بل إلى ملكوت السماوات. وهي موجّهة بنوع خاص إلى الفقراء المساكين والحزانى والجياع والمضطهدين وكل الذين موقفهم هو موقف فقراء أمام الله يتوجّهون إليه كمخلّصهم الوحيد. والتطويبات ترسم وجه يسوع المسيح وتصف محبته وتُعبِّر عن دعوة المؤمنين المشتركين في آلامه ومجد قيامته. وتُنير الأفعال والمواقف التي تميز الحياة المسيحية. وهي تُعلِن من الآن ما سيحصل عليه التلاميذ من البركات والمكافأت. التطويبات تلبي الرغبة الطبيعية في السعادة. وهذه الرغبة هي من أصل إلهي وضعها الله في قلب الإنسان، وهو القادر وحده على إشباعها. التطويبات تكشف عن هدف الوجود الإنساني، عن الغاية القُصوى للأعمال الإنسانية وهي أن الله يدعونا إلى سعادته الخاصة. وهذه الدعوة موجّهة إلى كل واحد شخصياً، ولكن أيضاً إلى الكنيسة في مجموعها، الشعب الجديد المؤلف من الذين تقبلوا الوعد ويحيون به في الإيمان. وكما أن المعجزات تُمنح للمرضى بالنظر إلى استعداد ايمانهم، كذلك يُعطى الملكوت للذين تجعلهم استعدادات قلبهم كالأطفال والصغار. (متى18: 1-4). واستعدادهم لعيش التطويبات. فبفضل الإستعدادات الروحية والخُلُقية، يمثِّل هؤلاء الفقراء مثالاً يجب أن يُقتدي به كل الذين يريدون أن ينعموا برضى الله وخلاصه. فالتطويبات هي نداء يُسمعه يسوع إلى كل الذين يريدون أن يكونوا تلاميذه. وهذا النداء يشدِّد على الاستعدادات الروحية. فالتطويبات لا تتكلم فقط عن الفقراء أو الجياع، بل عن الفقراء بالروح وعن الجياع إلى البِرّ والعيش حسب مشيئة الله بالإضافة إلى الوداعة والرحمة ونقاوة القلب وصُنع السلام. وهكذا صرنا على المستوى الأخلاقي، صرنا أمام لائحة من الفضائل أمام برنامج كمال. لأن السعادة الموعودة تضعنا أمام خيارات أخلاقية حاسمة. وهكذا تتحول التطويبات إلى برنامج حياة مسيحية. 3-3. برنامج حياة مسيحية: لقد ربط متى التطويبة الأخيرة بما يتبعها من الآيات 5: 11-16 أي بالحكم في الملح والنور. وقد أوجز القديس بطرس في رسالته الأولى تلك الآيات عندما كتب "سيروا سيرة حسنة بين الوثنين، حتى إذا افتَروا عليكم إنكم فاعلو شر شاهَدوا أعمالكم الصالحة فمجدوا الله يوم الافتقاد. (1بط2: 12). تختلف الألفاظ في مقارنات بليغة: "أعمال صالحة" و"مجدوا الله". ووصية بطرس تنطبق بنوع خاص على وجهة نظر متى حين يضيف "كل كذب". يسيئ الناس إليكم، في حين أنكم تقومون بالأعمال الصالحة. ومن هنا تنبع الوصية التالية: لكم دور لا بد من القيام به في العالم ونحو العالم، وهذا الدور عليكم أن تقوموا به بفضل أعمالكم الصالحة. فدليلُ الناس على إيمانكم المسيحي هو حسن سلوككم. "ليس من يقول لي يارب يارب..." (متى7: 21) وبدون تلك الأعمال الصالحة تكونون كالملح الذي فسد وفقد طعمه ويمكن القول بصيغة ايجابية؛ بفضل أعمالكم الصالحة تكونون كالسراج الموضوع على المنارة فيسطع النور الذي وهبكم الله إيّاه أمام أعين الناس (راجع متى5: 13-16). بالإضافة إلى دعوة التطويبات إلى تنقية قلوبنا من الغرائز الشريرة، والتماس محبة الله وبِرّه فوق كل شيء. وهي تُعلِّمنا أنّ السعادة الحقيقية ليست في الغنى أو الرفاهية أو المجد البشري أو السلطة... وليست في أية خليقة، وإنما هي في الله وحده ينبوع كل خير وكل حب وكل سعادة (راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1716-1729). التطويبات تكشف عن نظام سعادة وفرح ونعمة وجمال وسلام. ويسوع يُشيد بفرح الفقراء الذين لهم منذ الآن الملكوت. "إنّ الكلمة يدعو "فقراً بالروح" تواضعَ الروح البشري الطوعي وتجرّدَه. ويعطينا الرسول كمثال فقر الله عندما يقول: "هو الغني قد افتقر لأجلنا" (2كو8: 9) (القديس غريغوريوس النيصي: بالتطويبات1). وينوح الرب على الأغنياء الذين يجدون تعزيتهم في كَثرة الأموال (لو6: 24-26) "المتكبر يسعى إلى السلطة البشرية، يقول اغسطينوس، بينما الفقير يسعى إلى ملكوت السماوات". والاستسلام إلى عناية الآب السماوي يُحرِّر من الاهتمام القلق بالغد. "والوعد بمعاينة الله يفوق كل سعادة... ورؤية الله في الكتاب المقدس هي الحصول عليه، مَن رأى الله فقد حصل على كل الخيرات التي نستطيع أن نتصورها" (القديس غريغوريوس النيصي: التطويبات6). من هنا هُتاف يوحنا الصليبي: "لي السماوات، والأرض لي، والكون كله لي، لأني بالله أمتلك كل شيء". ولكن التطويبات ليست برنامج حياة إلا بما تعكسه من صورة يسوع، كما نجدها في الإنجيل. لقد وَثَّق متى الرباط الذي كان يجمع منذ البدء بين التطويبات والذي فاه بها. متى يفهم التطويبات كمطلب إلهي من المسيحيين. لكنه يفهمها في الوقت نفسه ككشف يقوم به يسوع عن نفسه وعن استعداداته الباطنية. فالقراءة الجديدة التي يقوم بها متى ليست مجرد قراءة معلم أخلاقي، بل قرأة مؤمن يرى في يسوع مثال كل حياة مسيحية. وجميع متطلبات الإنجيل تعود في آخر الأمر إلى هذا الأساس: مطابقة مشاعرنا على مشاعر المسيح يسوع. الذي هو في الحقيقة مثال التطويبات وقاعدة الناموس الجديد: "تعلموا مني... أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم أنا". "وقد صار الكلمة جسداً لكي يكون مثالاً لنا في القداسة. وطريق المسيح هذه تختصرها التطويبات التي هي السبيل الوحيد إلى السعادة الأبدية التي يصبو إليها قلب الإنسان (التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية 1697). "ليكون بكم فرحي، فيكون فرحكم تاماً" (لو15: 11). 4- من تعاليم آباء الكنيسة: "إن التعليم الذي نستخلصه من التطويبات يشبه إلى حدٍ ما مااستشفّه يعقوب في الحُلُم إذ رأى سُلّماً منتصباً على الأرض ورأسه يلامس السماء وملائكة الله صاعدون نازلون عليه" (تك25: 10 ومايتبع). هذا السُلّم يسير صُعْداً إلى الأعالي بجميع الصاعدين عليه، وأعتقد بأن حياة الفضيلة توضّحت برؤيا السُلّم المنتصب لكي يتعلّم يعقوب ويُعلّم نسله بأن الحياة مع الله ما هي إلاّ توجيه أبصارنا نحو الأعالي مبتغين الحقائق السماوية، وأن لا نتوقف أبداً ولو أمام عمل صالح أنجزناه، لا بل نَعُدُّ خسارة جسيمة عدم السعي إلى الأعلى في سُلّم الفضائل. وهكذا فإن سمو التطويبات هو سلم الحياة المسيحية الذي يرقى بنا نحو الله "الطوباوي" الحق والذي هو مصدر التطويبات وفوقها جميعاً. وكما نقترب من الحكيم بواسطة الحكمة، ومن الطاهر بواسطة الطهارة والنقاوة هكذا نقترب ونكون أشباه "الطوباوي" بواسطة عيش التطويبات. "الطوبي" حصراً تخصّ الله وحده، لهذا رأى يعقوب الله على رأس السُلَّم. وحياة التطويبات ما هي إلاّ الإتحاد بالله بالرب يسوع وبما تفوّه به. وأظن بأنه تعالى عندما سبق الوعد "بالطوبي" ارتقى بالسامعين العاملين بمقتضى التطويبات إلى درجة الألوهية. فقد قال "طوبى للرحماء فإنهم يرحمون" ونحن نعلم من الكتاب المقدس بأن "الرحيم" هو الله نفسه. وإذا كان لقب "الرحيم" يخص الله وحده، فإن الكلمة الإلهي يدعوك لتصير "إلهاً" وكأنك صُورت على صورة ومثال "الله الرحيم" ... وبالتالي فإذا كان أحدهم ?مع كونه إنساناً- رحيماً "فطوبى له" لأنه أصبح شريكاً في الاسم الخاص به تعالى: "الرحيم" "الرب رؤوف بار، وإلهنا رحمان" (فر116: 5). "الرب الرب إله رحيم رؤوف طويل الأناة وكثير الرحمة والوفاء" (خر34: 6). فكيف لا يكون سعيداً وطوباوياً من استحق اسم الله هذا بحياته وأعماله ؟. "لا نستطيع أن نرتقي درجة من السُلّم بدون الارتقاء إلى الدرجة التي تليها... وهكذا التطويبات" (غريغوريوس النيصي: التطويبات5). 5- من تعاليم قداسة البابا: "فاعتبروا أيها الإخوة دعوتكم"(1كو1: 16) . في عظته على جبل التطويبات يوم 24 آذار 2000 وأمام أكثر من مائة ألف مؤمن غالبيتهم الساحقة من الشباب القادم من جميع أرجاء الأرض المقدسة ومن كافة أنحاء العالم بمناسبة يوبيل سنة الألفين، وعلى نفس الجبل المقدس الذي شهد "عظة الجبل" ربط قداسة البابا يوحنا بولس الثاني بين هذا الجبل وجبل سيناء وبين "الوصايا العشر" وبين "التطويبات": "من سمع يسوع وهو يتفوّه بالتطويبات على هذا الجبل كانت منطبعة في ذاكرته وحياته صورة جبل آخر هو جبل سيناء... حيث كلم الرب موسى وأعطاه الشريعة المكتوبة المنقوشة "باصبع الله" (خر31: 18). على لوحيْ حجر وهذان الجبلان يرسمان خريطة حياتنا المسيحية وخلاصة واجباتنا ومسؤولياتنا نحو الله والقريب. فالوصايا والتطويبات هما الطريق السلطانية لبلوغ ملء قامة المسيح ولبلوغ النضج والحرية في حياتنا الروحية. "طوبى لكم" يقول: "طوبى لفقراء الروح. طوبى للودعاء وللرحماء وللحزانى. طوبى للجياع والعطاش إلى البر، طوبى لأطهار القلوب وللساعين إلى السلام وطوبى للمضطهدين ! "طوبى لكم" ومن دواعي العَجَب والدَّهَش أن يُمجِّد المسيحُ مَن يعتبره العالم ضعفاً ورذالة... عجيبة هي كلمات يسوع هذه, ولكن هذه الكلمات، التي تفوّه بها هو "الوديع والمتواضع القلب" تُشكِّل تحدياً كبيراً يتطلب اهتداءً عميقاً ومستمراً... وأنتم، خاصة الشباب بينكم، أنتم تعلمون الحاجة للإهتداء، لأنكم عرضة لتجربة كبرى. وهي سماع صوت آخر، في داخلكم وفي محيطكم يناقض تماماً ما نسمعه في التطويبات. وهذا الصوت يقول: "طوبى للأقوياء المتجبرين، طوبى للأغنياء وبأية وسيلة كانت، طوبى لصانعي الحروب عوضاً عن السلام، المجرَّدين من الرحمة والشفقة ومُضطهِدي كل من يعترض طريقهم... ". فلا تخافوا أن تختاروا صوت المسيح وتتبعوه... لا تخافوا أن تضعوا ثقتكم وأملكم فيه... فالمسيح يسوع لم يتفوه بالتطويبات وحسب، ولكنه هو نفسه عاش الطوبيات، لا بل هو نفسه "التطويبات". وعندما تنظرون إلى يسوع تُدرِكون حقاً معنى التطويبات... ولهذا حقَّ له القول: "تعال واتبعني" ولم يقل "افعلوا ما أقوله لكم" ولكن "تعال واتبعني"... والآن ونحن على عتبة الألف الثالث عليكم يقع عبء البشارة: فاذهبوا في العالم كله واعلنوا بشرى "الوصايا العشر" وبشرى "التطويبات"... وعليكم أن تكونوا رسل "الملكوت" اذهبوا ولا تخافوا!. وفي كلمته التي وجهها إلى شباب العالم على ضفاف بحيرة اونتاريو في كندا يوم 25/7/2003 قال قداسته: "إن الكنيسة تنظر إليكم بثقة وتنتظر منكم أن تصيروا شعب "التطويبات"!. الخاتمة التطويبات تحمل رسالة لاهوتية ومسيحانية وتعليماً يدعو إلى تحويل طُرُقِنا في التفكير والعمل، فهي قبل كل شيء مناداة بالسعادة. ويجب أن لا ننسى ذلك ؛ هي مناداة بالسعادة، لا مجرد وعد بالسعادة. التطويبات تعتبر الذين تتكلم عليهم سعداء. فالفقراء، أو فقراء الروح، هم سعداء، وهم سعداء فعلاً حين يقول لهم يسوع ذلك - والله لا يتكلم عبثاً !- وعليهم أن يعوا هذا الأمر. إذ ليست التطويبات أُمنية، بل عبارة تهنئة على سعادة قد تحققت. ومن الواضح أيضاً أن السعادة المُنادى بها في الجزء الأول من التطويبة لا يمكن فهمها بدون الوعد المذكور في الجزء الثاني، لأن وضع الفقراء الحاضر (أو فقراء الروح) في حد ذاته لا سبيل لاعتباره سعادة، مادام لا يظهر على هذا الشكل إلا في الصلة التي تربطه بالمستقبل. إن فقر الفقراء أو تواضع فقراء الروح هو عُربون سعادة المستقبل. ولذلك يُعد هذا الفقر سعادة. بما أن ديانة التطويبات تستند إلى وعد فهي ديانة رجاء. فالحاضر يستمد معناه من المستقبل الذي يشكل مصدر وعده. وما في الوقت الحاضر من قيود ومتطلبات يشكل بالضبط تلك الحقائق التي ينبثق منها الرجاء السعيد ويطور حياة المؤمن بكاملها. فالرجاء لا يُخِّيب صاحبه. التطويبات هي إعلان خلاص، ونداء قداسة، تتطلب التجرد والمحبة والإهتداء، حتى استعدادات القلب الحميمة. تريد نفوساً متجردة، بسيطة مشعّة. كما تطلب عطاء الذات بدون تحفُّظ، لأن الوعد لا يقاس بأفراح الأرض أوأحزانها، ولأن الله يريد شخصياً أن يعطي ذاته لنا. "التطويبات" تتطلب بنوع خاص الإيمان والثقة المطلقة بكلمة الله. ويبقى السؤال: هل نستطيع أن نعيش "التطويبات" في عالم اليوم؟! الجواب هو: نعم الإيمان!. وكما قال قداسة البابا في عظته على جبل التطويبات: "يبدو وكأن عيش التطويبات في عالم اليوم مغامرة تفوق طاقاتكم... ولكن المسيح لا يقف متفرجاً، ولا يدعكم تواجهون وحيدين هذا التحدي! هو دائماً معكم ليحوّل ضعفكم إلى قوة آمنوا ولتكن لكم الثقة فيه، هو القائل: "حسبك نعمتي، فإن القدرة تبلغ الكمال في الضعف" (2كو12: 9). "وطوبى لمن لا يشك في" (لو7: 23). |
||||
14 - 08 - 2014, 04:06 PM | رقم المشاركة : ( 5170 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كيف نصوم؟ وإذا صمتم فلا تعبسوا كالمرائين، فإنهم يكلحون وجوههم، ليظهر للناس أنهم صائمون. الحق أقول لكم إنهم أخذوا أجرهم. أما أنت، فإذا صمت، فإدهن رأسك وأغسل وجهك، لكيلا يظهر للناس أنك صائم، بل لأبيك الذي في الخفية، وأبوك الذي يرى في الخفية يجازيك. الصوم هو الامساك عن الطعام أو مدته. صام موسى أربعين نهاراً وأربعين ليلة على جبل سينا. كان خلالها يفاوض الله ويستعد لاقتبال الكلمات العشر (خروج 34 : 28 وتثنية 9 : 9). وبأمر الملاك الملاك سار إيليا إلى جبل حوريب لا يأكل ولا يشرب أربعين نهاراً وأربعين ليلة حتى تراءى الله له (1ملوك 19 : 8). ولما صعد ربنا إلى البرية من الروح القدس ليجرب من أبليس واجه تجربته بعد صوم أربعين نهاراً وأربعين ليلة وبعده بدء اعلان بشارة الانجيل (متي 4 :2 ومرقس 1 : 13 ولوقا 4 : 2). وقد اخذت بعض الكنائس من حياة السيد ورفيقيه في التجلي هذه الفترة الأربعينية وجعلت الصوم الأربعيني السابق لعيد الفصح قانوناً وذلك في المجمع الخامس ثم السادس المنعقد سنة 682 م. لم يرد الصوم لفظاً في أسفاؤ موسى الخمسة ولكن كان يوم واحد معين للصوم وهو يوم الكفارة (لاويين 16 : 29 و 23 : 27 وعدد 29 :7 ) إذا كان المقصود بتذليل النفس في هذه الآية هو الصوم كما ذهب الكثيرون. وإلى جانب هذا الصوم المفروض كان الصوم التطوعي، فقد صام داود راجياً أن يعيش الولد الذي ولدته له امرأة أوريا (2صموئيل 12 : 22) . وقد وردت أمثلة كثيرة أخرى في العهد القديم عن الصوم التطوعي (عزرا 8 : 21 ونحميا 9 : 1 وأستير 4 : 3 ومزمور 35 : 13 و 69 : 10 و 109 : 14 ودانيال 6 : 18 و 9 : 4 ). وكان ينادى بالصوم أحياناً في أيام الشدة (ارميا 36 : 9 ويوئيل 1 : 12) وكان الغرض منه اذلال النفس والابتهال إلى الله (اشعيا 58 : 3 و 4) . وأما صوم الجماعة فكان يعني أن وزر الجطيئة ملقى على كاهل الشعب كله وأنه يجب أن يذلل نفسه أمام الله (1صموئيل 7 : 6). وأما الصوم الحقيقي فلم يكن صوماً خارجياً فحسب بل الاعراض عن الثم واللذات المحرمة والقبال على عمل الرحمة (اشعيا 58) وفي أيام وزكريا النبي كانت أصوام مفروضة في الشهر الرابع والخامس والسابع والعاشر (زكريا 8 : 19) تذكاراً لحصار أورشليم في الشهر العاشر (2ملوك 25 :1) وسقوطها في الشهر الرابع ( 2ملوك 25 : 3 و 4 وارميا 52 : 6 و 7). وخراب الهيكل في الشهر الخامس 02ملوك 25 : 8 و 9) ومقتل جداليا واليهود الذين كانوا معه في الشهر السابع (عدد 25). وكان اليهود يحفظون أصوامهم بتقشف فكانوا ينقطعون عن الطعام غالباً من غروب الشمس إلى الغروب التالي وكانوا يلبسون المسوح على أجسادهم وينثرون الرماد على رؤوسهم ويتركون أيديهم غير مغسولة ورؤوسهم غير مدهونة. وكانوا يصرخون ويتضرعون ويبكون (اشعيا 22 : 12 ويوئيل 2 : 15 - 17). وكانت حنة النبية تخدم الله في الصوم (لوقا 2 : 37). وكان الصوم في أيام ربنا مجاهدة روحية معتبرة وكان الفريسيون يصومون يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع (لوقا 18 : 12). وكان في صومهم كبرياء ورياء فوبخهم يسوع على ذلك (متي 6 : 16 - 18). وما كان اليهود يصومون السبت ولا الهلة ولا الاعياد الرئيسية. ولا شك أن ربنا حفظ الصوم بحسب الشريعة (لاويين 16 : 29) . ولم يأت الكتاب على ذكر تقيدة بالاصوام التي سار عليها اليهود بعد السبي وأخبر عنها زكريا كما سبق ولم يقل أنه أهملها. ولكن تلاميذه لم يصوموا ما دام العريس معهم (متي 9 : 14 و 15 ومرقس 2 : 18 - 20 ولوقا 5 : 33 ? 35) ولكنهم أخذوا يصومون فيما بعد في مناسبات خاصة (اعمال 13 : 1 و 14 : 23 ). وفي أعمال 13 : 1 نرى البارزين في كنيسة انطاكيا من انبياء ومعلمين يقررون لانفسهم صوماً مشتركاً ويضعون بذلك أساس للصوم الجماعي. وأما الصوم المذكور في اعمال 27 : 9 فكان صوم يوم الكفارة الذي أشرنا إليه من قبل (لاويين 16 : 29). |
||||