13 - 08 - 2014, 05:28 PM | رقم المشاركة : ( 5141 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
" حضور مريم العذراء في الكتاب المقدس " قراءة نقدية في المشاهد الإنجيلية التي تحضر فيها مريم العذراء من دون حتى التطرق لكتب الآباء والتقليد المقدس نجد أن حضورها المعدود كان كافياً ويظهر ما يريد الله إيصاله للمؤمنين بخلال مريم العذراء. ويبالغ البعض قائلاً "إن حضور مريم العذراء لمرة واحدة فقط يجلعها مستحقة بأن نباركها ونطوبها فيكفي أنها أم يسوع". هذه العبارة فيها الكثير من المبالغة اللامنطقية. بل أن حضورها في عدة مرات وفي أكثر من مناسبة هي من جعلتنا كمؤمنين نفهم مكانتها الخاصة في الإيمان المسيحي. |
||||
13 - 08 - 2014, 05:29 PM | رقم المشاركة : ( 5142 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
" حضور مريم العذراء في الكتاب المقدس " قراءة نقدية يقفز الإنجيل 18 سنة دون أن يخبرنا ماذا كان يدور حول الأسرة المقدسة لتبدأ رحلة يسوع العلنية. لكن قبل أن يبدأ رحلته بشكل فعلي كان هو وأمه مدعويين لحضور زفاف في قانا الجليل. وبعد أن انتهى كل الخمر المخصص للضيوف قالت مريم لإبنها ليس عندهم خمر. هنا نسجل إندهاشاً لماذا تطلب مريم العذراء من إبنها أن يتصرف على الرغم من أنهم مجرد ضيوف فقط! لكن نستطيع أن نفهم من خلال بشارتي متى ولوقا أن العذراء مريم رأت مايجري حول أحداث الميلاد ورأت الملائكة وزيارة الرعاة وزرياة المجوس ونبوءة سمعان الشيخ وحديث حنة النبية وكلام يسوع حول علاقته بأبيه الآب فهمت مريم أن يسوع هو القادر وصاحب المعجزات. وإن ابتعدنا قليلاً عن الكتاب المقدس نسطتيع أن نستنتج أن المسيح كان يجترح المعجزات في البيت وليس في العلن وكانت مريم ترى كل تلك المعجزات. لهذا هي طلبت من إبنها يجترح معجزة معتقدة بأنه قد بدأ حياته العلنية فعلاً لكن المسيح لم يبدأ بعد ولكنه ولأجلها هي فقط قرر بأن يصنع معجزة بأن يحول الماء لخمر لتتم خدمة الضيوف دون إحراج العريس لتكون هذه أول معجزة يفعها المسيح. يسجل البشير يوحنا أمرين متتاليين في غاية الأهمية مريم تطلب مساعدة يقول لها يسوع: ما لي ولك يا إمرأة؟ لم تأتي ساعتي بعد؟ فتقول هي للخدم: مهما قال لكم فافعلوه. فيحول يسوع المسيح مباشرة الخمر إلى ماء. الأمر الأول: هي أن مريم تشفعت عند إبنها ليقيم معجزة في الوقت الذي لم يبدأ يسوع المسيح رحلته العلنية بعد. أما في المواقف الأخرى نجد أن الآخرين يطلبون معجزة من يسوع بعد أن عرفوه ورأوا معجزات كان قد صنعها سابقاً. لكن مريم هنا تطلب طلبة وهو لم يحن وقته بعد. أهمية شفاعة مريم عند المؤمنين مأخوذة من هذا الموقف. الأمر الثاني: وهي أن مريم تقول للخدم "مهما قال لكم فافعلوه". وكأنها تترك رسالة للمؤمنين بأن يكونوا متواضعين في تلبية تعاليم المسيح مهما كان شكلها ويسوع سينفذ لكم كل ماتطلبوه لكن فقط إتبعوا تعاليم المسيح. |
||||
13 - 08 - 2014, 05:29 PM | رقم المشاركة : ( 5143 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
" حضور مريم العذراء في الكتاب المقدس " قراءة نقدية يقل حضور مريم لتبدأ رحلة يسوع المسيح مع التلاميذ الإثني عشر ويوحنا المعمدان والمعجزات والمناقشات التي كانت تدور بينه وبين الفريسيين والصدوقيين، وتبدأ أمثال يسوع التعليمية التي أبهرت الناس لدرجة أن إمرأة قالت بأعلى صوتها «طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَكَ وَالثَّدْيَيْنِ اللَّذَيْنِ رَضِعْتَهُمَا» فيرد يسوع: «بَلْ طُوبَى لِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ وَيَحْفَظُونَهُ». (لوقا 11/28) كمؤمنين نسأل هل يريد يسوع أن ينزع كل أهمية تعود لأمه مريم العذراء؟ الإجابة هي من نقطتين في غاية الأهمية: النقطة الأولى: مجد يسوع المسيح يعود ليسوع المسيح نفسه فقط. فهو الله المتجسد وهو أعظم من جميع البشر وأعظم من مريم نفسها. يسوع متمجد لكينونته الإلهية فقط ولا علاقة ببطن أمه وثدييها الذين أرضعتهما. مريم أصبحت مباركة وذلك لأن يسوع كان فيها وليس العكس. النقطة الثانية: يسوع لم يقصد بكلامه أن يقلل من قيمة أمه بل أراد أن يذكر الجميع بأن الخلاص لا يكون بالقرابة الجسدية فقرابة الدم لا تخلص النفس أبداً بل للذين يسمعون كلام الله ويحفظونه. أي أن مريم مباركة ليس لأنها أم المسيح بل لأنها سمعت كلام الله وحفظته وكأن المسيح يلمح للحدثين السابقتين كما في (لوقا 2/19 ولوقا 2/51) حينما سمعت مريم كلام الله وحفظته في قلبها. |
||||
13 - 08 - 2014, 05:30 PM | رقم المشاركة : ( 5144 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
" حضور مريم العذراء في الكتاب المقدس " قراءة نقدية مروراً بباقي الإصحاحات لا نرى أي ذكر صريح للعذراء في الأناجيل الأزائية الثلاث لكن يوحنا الإنجيلي يأتي بنا لإشارة مهمة قد ذكرها لوقا في بداية الإنجيل عن نبوءة سمعان الشيخ "يجوز في نفسك سيف" فيتمم يوحنا سلسلة الأحداث بذكر وقوفها عند الصليب لترى إبنها المصلوب على الخشبة. فيقول ليوحنا هذه أمك (يوحنا 19/26) سهرت مريم في تلك الليلة العظيمة حتى الصباح وراحت تراقب إبنها ولما وصلت مكان تنفيذ الحكم هناك سمعت الأم دقات المسامير في جسد ابنها وسمعت تعييرات المعيّرين وهزء الساخرين، ورأت ابنها يُعلَّق عرياناً على خشبة، ورأت أربعة حراسٍ يقتسمون ثيابه! فتقدمت للأمام، وقعت عينها على عين ابنها، فالتفت يسوع يوصي والدته بيوحنا، ثم ليوصي يوحنا بوالدته. وكان هذا آخر حدث إنجيلي لمريم العذراء هو وقوفها عند الصليب حينما سمعته يوصيها بيوحنا إبناً لها ويوصي يوحنا بأن يجعل العذراء أماً له.. أي أم الكنيسة وأم كل المؤمنين. وهي الوصية الوحيدة التي قالها يسوع على الصليب. فإن قرأنا العبارات السبعة التي قاله على الصليب بالترتيب: "يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لوقا 23: 34) "الحق أقول لك: إنك اليوم تكون معي في الفردوس" (لوقا 23: 43) قال لأمه: " يا امرأة، هوذا ابنك" ثم قال للتلميذ: " هوذا أمك" (يوحنا 19- 26و 27) "إلهي إلهي، لماذا تركتني؟" (متى 27: 46) "أنا عطشان" (يوحنا 19: 28) "قد أُكمِل" (يوحنا 19: 30) "يا أبتاه، في يديك أستودع روحي" (لوقا 23: 46) إن تتبعنا كل تلك العبارات سنجد أن عبارة هذه أمك هي العبارة الوحيدة التي تحمل في طياتها وصية لجميع الأجيال. لذا حظيت مريم بأن تكون مستحقة كل تلك الإستحقاقات لأن تصبح أماً للكنيسة وللعالم. تمر الأيام لنجد أن مريم تصلي مع الرسل في العلية (أعمال 1/14) ودون ذكر أية تفاصيل أخرى. لكن نعرف أنها بقيت تعيش في بيت يوحنا بن زبدي وذلك من خلال وصية يسوع المسيح وهو علي الصليب. |
||||
13 - 08 - 2014, 05:30 PM | رقم المشاركة : ( 5145 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
" حضور مريم العذراء في الكتاب المقدس " قراءة نقدية نستطيع من خلال قراءتنا النقدية للكتاب المقدس أن نستنتج أن عدد مرات حضورها بهذا الشكل كان: 1- كافياً جداً ولا حاجة للمزيد. 2- ولا يمكن أن تكون أقل من ذلك. وخاصة لو تذكرنا أن الإنجيل قد كتب أصلاً عن بشارة مجيء المخلص. وبذلك أكون قد أنتهيت من الدراسة وأرجو أن تكون كافية وتنال رضاكم وأخيراً لنتشفع عند مريم العذراء.. قائلين: السلام عليك يا مريم .. يا ممتلئة نعمة .. الرب معك .. مباركة أنت بين النساء .. ومباركٌ ثمرة بطنك سيدنا يسوع المسيح .. يا قديسة مريم .. يا والدة الله .. صلي لأجلنا نحن الخطأة .. الآن .. وفي ساعة موتنا آمين |
||||
13 - 08 - 2014, 05:35 PM | رقم المشاركة : ( 5146 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إذا احببناه نستطيع أن نجذب الآخرين إليه
لأبونا متى المسكين لو بلغنا نحن شوطاً كبيراً في حبِّه لاستطعنا بحبِّنا أن نجذب الآخرين إليه دون شرح أو تعريف. إني لسائرٌ نحوه مهما كان المعطِّلون، طالما بَقِيَ فيَّ قلب ينبض، وسأحمل معي مَنْ يستطيع أن يستجيب لحبي، محمولاً أنا ومَنْ معي على أرواح القديسين الذين سبقوا فعبروا وأُعطوا أن يعودوا ليُعينوا العابرين. وسأظل سائراً لا أحمل من هَمِّ هذا العالم شيئاً قط كبُرَ أم صَغُرَ، لأني تحرَّرتُ منه، ولا زلتُ أتحرَّر منه كل يوم. ولقد أخذتُ لنفسي الطريق الأضيق الذي لا يسمح بمرور الأحمال والأثقال، وسأجوزه عُرياناً كما دخلتُه. إني سعيد في خلوتي أعبُّ منها كل يوم وما أظنني سأشبع. لأنها سعادة تزداد دائماً ولا يعتريها اكتفاء أو فتور. كلما أخذتُ منها أشتاق إلى المزيد. وكلما اشْتقتُ أخذْتُ، فلا الأخذ ينتهي لأنه هو اللانهائي، ولا الاشتياق إليه يكفُّ لأنه هو الدائم إلى الأبد. يكفيني منه كل يوم ومضات حبه التي يُشعلها في قلبي الصغير، فألتهب خفياً بحسب كل ما يمتُّ إليه. وهو يُسعدني دائماً بصوته الحلو الذي يتحدَّث به في داخلي حتى تعلَّمتُ منه ما عجز أن يُحصِّله الحكماء والفلاسفة في أجيالهم، فعلمتُ حقائق الأمور في ذاتها لا كما أراها، ورأيتُ يده في كل ما رأته عيناي أو سمِعَته أُذناي أو تخيَّل عقلي، فعَرفتُه عن يقين، وآمنتُ به عن حبٍّ، وعشتُ له وبه. لقد جعل حياتي نعيماً. ما أجمل الحياة! إنها جديرة بأن نحياها طالما نحن نحس به. أبونا متى المسكين |
||||
13 - 08 - 2014, 05:36 PM | رقم المشاركة : ( 5147 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هـو الـطبـيب الشـافـي حينما يشعر الإنسان بالمرض في جسمه يركض إلى الطبيب مسرعا لكي يعطيه الدواء الصحيح الذي يعالج مكان المرض، فينظر المريض إلى طبيبه بنظرة الإستسلام وكأنه يقول له افعل بي ما تشاء لكي أشفى من هذه الأوجاع التي تقلق حياتي اليومية وتحرمني من النوم، وعند الشفاء التام يشعر بأن حياته ابتدأت من جديد، وكأنها براعم تتفتح لتتحول لأزهار من أجمل الألوان. و المرض الأخطر من المرض الجسدي المنظور والمعروف الذي يضرب الجسم فيجعله ضعيفا الخطية، فهذا المرض يحتاج إلى طبيب أخصائي وحده يستطيع أن يستأصل هذا السرطان الروحي الذي يهاجم الروح والنفس والجسد لكي يجعل الإنسان متخبطا ومتمردا ومرهقا وضائعا في ظلمة هذا العالم، يسوع هو الطبيب الحقيقي الذي يلمس المرض فيجعله من الماضي "كبعد المشرق من المغرب ابعد عنا معاصينا. كما يترأف الأب على البنين يترأف الرب على خائفيه" (مزمور 12:103). لن يستطيع أحد سحق رأس الأفعى التي دمرت عائلات وأبعدت الشباب عن الله لن يستطيع أحد مجابهة هذا الدمار وهذه البشاعة التي أحدثتها الخطية، سوى ذاك الأسد الخارج من سبط يهوذا وحده الطبيب الذي إذ لمس يشفي وإذ تكلم فعل وإذ صرخ تهز الأرض من عظمة صوته الجارف. "الذي يغفر جميع ذنوبك الذي يشفي كلّ أمراضك. الذي يفدي من الحفرة حياتك الذي يكللك بالرحمة والرأفة. الذي يشبع بالخير عمرك فيتجدد مثل النسر شبابك" (مزمور 3:103). لا تجعل ثقل الخطية في حياتك تتراجع عن المجيء للمسيح الطبيب الشافي والمخلص والغافر للخطايا، ولا تسمح إلى همسات ابليس أن تتسرب لفكرك وقلبك، فهو يريد أن يبعدك عن السعادة الحقيقية وأيضا يريد لك أن تكون معه في بحيرة النار والكبريت، فالخطية تغش لأنها نابعة من الكذاب وهي قوية ولا تتراجع "لأنها طرحت كثيرين جرحى وكلّ قتلاها أقوياء" (أمثال 26:7). فما عليك يا صديقي سوى الإحتماء تحت يدي هذا الطبيب بالمجيء بطلب التوبة والإيمان |
||||
13 - 08 - 2014, 05:37 PM | رقم المشاركة : ( 5148 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
التواضع
أنقل للقارىء العزيز خبرين، الخبر الأول حدث من عدد سنوات حيث أطلقت عليه صحيفة الأندبندنت البريطانية "الصدمة" وذلك عندما وصل الرئيس الأوروبي "رومانو برودي" إلى لندن للقاء رئيس الوزراء البريطاني، لم يستخدم الضيف السيارات الفارهة التى يستخدمها كبار العاملين في المفوضية الأوروبية، بل أدهش برودي البريطانيين عندما استقل طائرته إلى مطار "جايتويك"، ومنه استقل قطارًا عاديًا، ثم وقف في طابور خاص بالراغبين في استخدام التاكسي لينقله إلى شارع "داونينج ستريت"· وحرص برودي على إلزام سائق التاكسي بتعليمات المرور التي لا تسمح بمرور سيارات التاكسي أمام مقرّ رئيس الوزراء لأسباب أمنية؛ فما كان منه إلا أن نزل من التاكسي، ودفع الأجرة، ثم اتجه سيرًا على قدميه إلى المبنى· استقبل المسئولون برودي بدهشة مصحوبة بالسعادة لتواضع الضيف الكبير في أول زيارة رسمية له إلى بريطانيا عقب توليه المنصب الجديد· أما الخبر الثاني فهو من السماء، من حيث نزل إلينا المسيح الذي «كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، » (يوحنا1: 3) بل و«الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ» (كولوسي1: 16 ،17) بل و« الْقَدِيرُ (الذي) لاَ نُدْرِكُهُ.» (أيوب37: 23) أتى بنفسه إلينا· لقد كان مستحيلاً أن يصل الإنسان إلى الله، لكن لم يكن مستحيلاً على الله أن يتنازل وياتي إلينا؛ الساكن «فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ،» (1تيموثاوس6: 16) جاء إلى مساكن المساكين· الذي «إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.» (فيلبي2: 6-8)· إن الإتضاع بالنسبة لنا نحن البشر هو أن ننظر نظرة صحيحة إلى أنفسنا ونعرف أننا «تراب»، وليس معناه أن نحتقر ذواتنا، بل نعرف أننا خطاة خَلُصنا بالنعمة، لذلك لنا قيمة في نظر الله، وهو يُسَرّ أن يستخدمنا في خدمته، ومشاركة الآخرين في محبته، فالاتضاع هو أن لا يرتئي أحد (أي لا يرى نفسه) فوق ما ينبغي أن يرتئي (رومية12: 3)· أما اتضاع المسيح فهو أعظم الأسرار «وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، » (1تيموثاوس3: 16)· لقد اتضع المسيح وصار إنسانًا بكل الخصائص الإنسانية فكان: ( 1 ) ينمو: إذ قيل عنه في أيام صباه « وَكَانَ الصَّبِيُّ يَنْمُو وَيَتَقَوَّى » (لوقا2: 40)، مع أنه هو «اللهُ الَّذِي يُنْمِي.» (1كورنثوس3: 7)· ( 2 ) ينام: عندما حدث اضطراب عظيم وغطّت الأمواج السفينة، كان هو نائمًا (متى8: 24)، مع أنه الإله الذي « لاَ يَنْعَسُ وَلاَ يَنَامُ» (مزمور121: 4)· ( 3 ) يتعب: « تَعِبَ مِنَ السَّفَرِ، جَلَسَ هكَذَا عَلَى الْبِئْرِ،» (يوحنا4: 6)، مع أنه مريح التعابى (متى11: 28)، بل وهو « الْجَالِسُ عَلَى كُرَةِ الأَرْضِ » (إشعياء40: 22)· ( 4 ) يعطش: قالها من فوق الصليب «أَنَا عَطْشَانُ» (يوحنا19: 28)، مع أنه مروي العطاش (يوحنا7: 37)· ( 5 ) يجرَّب: من إبليس تارة، ومن الفريسيين وغيرهم تارة أخرى (متى4: 3؛ 16: 1) مع أنه الإله الذي: « يُعِينَ الْمُجَرَّبِينَ.» (عبرانيين2: 18)· ( 6 ) يمشي: لقد مشى مع تلميذين عابسين مع أنه الإله «وَالْمَاشِي عَلَى أَعَالِي الْبَحْرِ.» (أيوب9: 8)، و«الْمَاشِي عَلَى أَجْنِحَةِ الرِّيحِ.» (مزمور104: 3)، بل والماشي « فِي طَرِيقِ الْعَدْلِ » (أمثال8: 20)· ( 7 ) يموت: «الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا» (1كورنثوس15: 3)، مع أنه مصدر الحياة، ورئيس الحياة، ومانحها (أعمال 3: 15؛ يوحنا 11: 25)· فما أروع إلهنا في اتضاعه ومحبته لنا! وما أحرانا أن نتعلم منه هذا الدرس الثمين: «تَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ (لايجرح أو يُغِضب أحد) وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، (لا يحمل في قلبه بُغضة أو مرارة لأحد)»· فالطريق إلى أعلى يبدأ دائمًا من أسفل· والطريق إلى الله يبدأ حيث الاتضاع الحقيقي والتوبة الحقيقية، وهذا ما أدركه العشار عندما صعد إلى الهيكل مع الفريسي ليصلي « وَأَمَّا الْعَشَّارُ فَوَقَفَ مِنْ بَعِيدٍ، لاَ يَشَاءُ أَنْ يَرْفَعَ عَيْنَيْهِ نَحْوَ السَّمَاءِ، بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللّهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ»· فكان تعليق المسيح على هذه الصلاة هو: «أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ هذَا نَزَلَ إِلَى بَيْتِهِ مُبَرَّرًا دُونَ ذَاكَ، لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَرْفَعُ نَفْسَهُ يَتَّضِعُ، وَمَنْ يَضَعُ نَفْسَهُ يَرْتَفِعُ» (لوقا18: 9-14)· |
||||
14 - 08 - 2014, 03:00 PM | رقم المشاركة : ( 5149 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
بين مشيئة الله وإرادة الإنسان
الأب فاضل سيداروس اليسوعيّ لقد اعتاد الناس أن يقولوا إنّ لله مشيئة علينا، وإنّه يريد أن نكتشفها لنُحقّقها. في ذلك شيء من الصواب وشيء من الخطأ: إنّ ذلك القول صائب لأنّ لديه تعالى رغبة وقصد محبّة على كلّ واحد منّا، شأنه شأن الأب، بل أكثر من الأب تجاه أبنائه: "اختارنا في المسيح قبل إنشاء العالم، لنكون في نظره قدّيسين بلا عيب في المحبّة، وقدّر لنا منذ القدم أن يتبنّانا بيسوع المسيح، على ما ارتضته مشيئته..." (أف 1/3-14). كما أنّ ذلك القول خطأ لأنّ الله لا يفرض عليك شيئاً، حتّى ولا رغبته فيه وقصد محبّته عليك. إنّه لا يفرضهما إطلاقاً، بل يعرضهما فقط عليك، ما يحثّ حرّيّتَك على التجاوب معه، ويدفعها إلى الإبداع والابتكار معه. يرنّم المُرنّم: "أبدِعْ مُستقبلَك مع إلهك الذي يمنحك إيّاه": الأمر هو مستقبلك، وأنت تُبدعه؛ وفي الوقت عينه أنت تُيدعه مع الله، الإله الذي يهبك إيّاه لأنّه خالق الأكوان والبشر، وهو سيّد تاريخ البشر ومستقبلك ? وإن كنت أنت صانعَه-، ويمنحك القدرة على إبداع مستقبلك معه، في تضافر بين مشيئته وإرادتك، حتّى إنّه ليصعب عليك أن تُحدّد بالتمام ما يعود إليه وما يعود إليك، ذلك بأنّ هناك تناغماً وتضافراً بين حرّيّته وحرّيّتك. ويُمكنك القول بأنّ ذلك ينبع منك مائة في المائة، ومنه تعالى مائة في المائة، وقد قال بولس في هذا الصدد: "اعملوا لخلاصكم بخوف ورعدة، فإنّ الله هو الذي يعمل فيكم الإرادة والعمل في سبيل رضاه. فافعلوا كلّ ما تفعلون..." (فل 2/12ت). وفسّر القدّيس برنارْدُس ذلك الكلام بقوله: "لا تعمل النعمة جزءاً والإرادة الحرّة جزءاً آخر، ولكنّهما يعملان العمل كلّه بفعل واحد لا يتجزّأ: هو، بالطبع، يعمل كلّيّةً، والنفسُ أيضاً كلّيّةً؛ ولكنّها، إذ إنّها تعمل كلّيّةً فيه، فهو يعمل كلّيّةً بها". على مَن يبحث عن مشيئة الله على حياته، أن يذكر دائماً هذا المبدأ الروحيّ. سرّ لقاء الله، أي الله يأتي إليك ردّدَ آباء الكنيسة: "إلهنا إله يأتي". ولقد ردّدتْ، من بعدهم، إليصابات الثالوث، الكرمليّة المتصوّفة، في مستهلّ القرن العشرين: "عندما يصل الله، فهو حاضر من قبل". إنّ الله يبادر فيأتي إليك كما أتى إلى تلميذي عمّاوس ليلة قيامته (لو24/13-35): التقاهما في خِضمّ خيبة أملهما، كما التقى التلاميذَ الاثني عشر في فرحهم عندما عادوا من الرسالة. وهو لم يأت في الماضي عندما تجسّد فحسب، ولن يأتي في آخر الرمان فحسب، بل إنّه يأتي إليك أيضاً، وهو يلتقيك في حاضرك، حيثما أنت، وكيفما أنت، وعلى أيّ حال أنت، فتكتشف أنّكما رفيقا طريق واحد، وتختبر أنّكما صديقان يتحاوران ويتبادلان أطراف الحديث، فتتعرّفان بعضكما إلى بعض، ويكشف الواحد للآخر عمّا في قلبه: أنت ما تعيشه وتخطّط له، وهو ما يفكّر فيه بشأنك؛ أنت تفتح له قلبك بجميع رغباتك ومشاريعك، وهو بقصد محبّته عليك. ومِن ثَمّ، تتنعّمان بعضكما ببعض، في أُلفة وعشرة وحميميّة. "إلهنا إله يأتي"، كما أتى يسوع القائم إلى التلاميذ السبعة على شاطئ بحيرة طبريّا (يو 21/1-14)، وقد تعبوا الليل كلّه ولم يُصيبوا سمكة واحدة لأنّهم كانوا يعملون بدونه، وقد نسوا ما سبق أن قال لهم: "بمعزلٍ عنّي لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً" (يو 15/5). أتى إليهم بالفعل في صميم عملهم وتعبهم وفشلهم وخيبة أملهم. لم يعرفوه في بادئ الأمر، ولكنّهم، عندما سمعوا صوت هذا الرجل الغريب الذي ينصحهم بأن يلقوا الشباك مرّة أخرى، وعملوا بنصيحته، حينذاك أصابوا سمكاً وافراً، حتّى كادت شباكهم تتمزّق. إلاّ أنّ شباكهم لم تتمزّق وسفينتهم لم تغرق، على خلاف الصيد الأوّل(لو 5/1-11)، لأنّهم تحلّوا بالقوّة والشجاعة والنضوج، كما وبالطاعة والتواضع، وقد عاشوا معه مدّة ثلاث سنوات. وحدث أمرٌ أعظم من ذلك، وهو أنّهم عادوا إلى الشاطئ ومعهم السمك الوافر، ففطروا معه فطاراً تألّف من ثمر عملهم وممّا أتى به يسوع نفسه. فيا لها من عظمة! ما هو من عند الإنسان يمتزج بما هو من عند الله: العمل البشريّ الحرّ يتّحد بالمبادرة الإلهيّة المجّانيّة، في تلاحم وتناغم. لا الواحد بدون الآخر! لا الواحد على حساب الآخر! بل الاثنان معاً: اتّحاد المشيئة الإلهيّة والإرادة البشريّة، في وحدة متآلفة. ربّما لم تنتبه أنّ الله قد خلق العالم بقوله: "ليكن...، فكان ذلك" (تك 1)؛ ولكنّه، عندما خلق الإنسان، لم يستعمل تلك العبارة، بل " لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا"، فاتحاً هكذا السبيل إلى إنسان حرّ مِثله، فأنشأ حواراً بين مشيئته الإلهيّة وإرادته البشريّة. وثمّة فرق هائل وبون شاسع بين أُمّنا حوّاء وأُمّنا مريم: حوّاء جعلت تضارباً ومُنافسة بين حرّيّتها وحرّيّة الله، بين إرادتها ومشيئته تعالى ("تصيران كالآلهة": تك 2/5 )، في حين أنّ مريم دمجت إرادتها الحرّة بمشيئته تعالى ("أنا آمة الربّ، فليكن لي بحسب قولك": لو 1/38 ). وأنت؟ إلى مَن تميل؟ وبمَن مِنهما تتشبّه؟ وكيف تفهم تعايش إرادتك الحرّة ومشيئته الإلهيّة؟ هناك مشهد إنجيليّ آخر يبيّن الوحدة عينها، وهو حوار يسوع مع الأعمى (لو 18/35-43)، وقد قال له: "ماذا تريد أن أصنع إليك؟". يسوع يبادر دائماً، غير أنّ مبادرته ليست اقتحاماً لحرّيّتك، بل هي فتح لأفق جديد، فرصة لتُعبّر له عن رغبة تسكن في صميم قلبك وتُحرِّك مشاعرك وفكرك وإرادتك. إنّ مبادرته هذه تساعدك على توضيح رغباتك الدفينة وعلى الإفصاح عنها، لك وله في آن واحد. وتذكر الرياضاتُ الروحيّة الإغناطيّة مراراً تلك الروح، عندما يجعل إغناطيوس المتروّضَ يطلب نعمةً في بداية كلّ تأمّل بقوله: "أطلبُ ما أريد وأرغب فيه". فالروح القدس يدفعك إلى أن تطلب إلى الله نعمة، تماماً مثلما دفع يسوع الأعمى إلى أن يطلب إليه نعمة البصر: فأنت تطلبها بحسب ما تريد وترغب فيه، غير أنّك لا تحصل عليها من تلقاء ذاتك، بل بنعمته تعالى؛ وهنا أيضاً تتناغم وتتضافر حرّيّتك الشخصيّة وحرّيّته تعالى. كلمة أخيرة في هذا الصدد: لماذا يبادر الله في حياتك؟ لأنّه "هو الذي أحبّنا" أوّلاً (1 يو 4/10). فحبُّه إيّاك سبّاق دائماً، يسبقك حيثما تذهب، ما يُطمئنك على أنّك لست وحدك في مُعترك الحياة، بل أنت برفقته. ثُمّ لأنّه يعرفك معرفة أفضل من معرفتك ذاتك، ويعلم أين يكمن خيرك الأعظم ومصلحتك الحقيقيّة، ذلك بأنّك قد تظنّ أنّ ما يصلح لك هو هذا أو ذاك، في حين أنّه أعلم منك في هذا الشأن؛ وعليه، فإنّ مشيئته تسبق إرادتك، كما أنّ محبّته تسبق محبّتك. ثمّة إذاً تضافر وتناغم بينك وبينه؛ وفي داخل ذلك، تندرج أولويّته المطلقة، لِما فيها من خير حقيقيّ يعود إليك، وقد لا تتيقّظ ولا تنتبه إليه، وأمّا هو فلا يفرضه عليك، بل يعرضه فقط عليك، وذلك برِقّة محبّته ولُطف مشيئته. سرّ اتّحادك بالله، أي الله في باطنك هذه هي مشيئة الله التي طالما عبّر عنها البشر، لاسيّما الروحانيّون منهم، تلك التي تتكوّن في داخل الحوار الحميم الذي يدور بينك وبينه، وفي أثناء الغذاء الذي تتناولانه، وقد سمّاه إغناطيوس " المعرفة الباطنيّة" (رر 104)، أي معرفتك إيّاه ومعرفته إيّاك من الداخل وفي العمق: أنت تتعرّف إلى شخصه ومشيئته؛ وهو يرى عُمق رغبتك وصميم مشاريعك. وإذّاك، تكتبان معاً صفحة جميلة تُعبّر عن ملء حياتك وعن حميميّة علاقتكما، وترسم مشيئته السبّاقة وإرادتك اللاحقة، بحيث إنّ مشيئته المقدّسة تصبح تدريجاً إرادتَك الحرّة، وإرادتُك الحرّة مشيئتَه المقدّسة، ويتحقّق ذلك التبادل على مرّ الأيّام وطوال السنين. وقد تعتري طريقَك رغباتٌ مُزيّفة، كما وقد تنشأ في قلبك مشاريعُ سطحيّة أو ناقصة ? يعتبرها إغناطيوس "علائق غيرَ مُنظَّمة"-، يخال إليك أنّها تُعبّر عن عمق كيانك، في حين أنّها بالفعل ليست أفضل ما فيك وما لديك؛ ولذا فإنّ الروح القدس يكشف لك عن باطن الأمور وأفضلها لك، فيحرّرك ليصل بك إلى رغبات ومشاريع "مُنظَّمة"، في سبيل أن يتمّ التناغم والتضافر بين مشيئته تعالى وإرادتك المتحرّرة الحرّة. وفي الكتاب المقدّس العديد من الأمثلة، نستقي منها بعضها، علّك تبحث أنت عن غيرها تُفيد مسيرةَ بحثك عن مشيئة الله وعن "رغباتك المقدَّسة"، بحسب تعبير إغناطيوس: رغبة مُزيّفة: تذكّرْ طلبَ يوحنّا ويعقوب، ابني زبدى (مر 10/35-45)، عندما التمسا من يسوع أن يجلسا عن يمينه وعن يساره. فحوّل يسوع رغبتهما هذه المُزيّفة، المليئة بالمجد الباطل، إلى حقيقة اتّباعه والاتّحاد به (وتلك "رغبة مقدّسة"): ينبغي للتلميذ أن يقتفي أثر مُعلّمه، فيحمل معه الصليب ويشرب معه الكأس ويعتمد معه معموديّة الألم والموت. وإنّما ذلك سبيل المجد الحقيقيّ، لا الباطل المزيّف. هذا وقد وضع إغناطيوس على لسان يسوع الملك الأزليّ، في بداية مسيرة البحث عن مشيئة الآب، هذه الدعوة: "معي في الكدّ ومعي في المجد" (رر 95). وعليه، فما من مجد حقيقيّ إلاّ لك عبْر الألم والتضحية والموت عن ذاتك، شأنك شأن يسوع. وذلك ما يكشفه لك الروح القدس ويحقّقه فيك. رغبة ناقصة: أنت تعرف قصّة المُقعَد الذي حمله أصدقاؤه الأربعة إلى يسوع (مر 1-12). لقد مدح يسوع إيمانَهم الحقيقيّ، غير أنّه أوصل رغبتَهم في شفاء الجسد إلى أقصى حدودها، أي إلى شفاء النفس: "يا بنيّ، غُفرت لك خطاياك". فكم من مرّة أنت ترغب في أمور حسنة، ولكنّك تتوقّف في نصف الطريق ولا تجرؤ أن تذهب إلى نهايته. حينذاك، يوحي إليك الروح القدس أن تجتاز الطريق كلّه، وإن بِمَشقّة، إلى نهايته. رغبة سطحيّة: ربّما لا تعرف قصّة داود الذي رغب في تشييد بيت لله ، حالِماً في بناء هيكل عظيم يسكن فيه الله فيتمجّد في وسط شعبه (2 صم 7). أمّا الله، فأفهمه، عن طريق ناتان النبيّ (وقد يقوم بهذا الدور مرشدُك الروحيّ، أو مرافقُك في أثناء رياضة روحيّة ثقوم بها)، أنّ البيت الحقيقيّ الذي يقصده تعالى ليس مكانيًّا بناء هيكل في أورشليم-، بل زمنيّ ? نسله-: في "ملء الزمان"، تجسّد الله في شخص يسوع، وهو "من نسل داود". هكذا حوّل الله رغبة داود الصالحة، ولكن السطحيّة، إلى رغبة أعمق ستتحقّق تدريجاً في تاريخ شعب الله المُختار، مع مجيء المسيح المُنتَظر:"تأتي ساعة فيها تعبدون الآب، ر في هذا الجبل ولا في أورشليم... تأتي ساعة، وقد حضرت الآن، فيها العباد الصادقون يعبدون الآب بالروح والحقّ. فمِثل أولئك العباد يريد الآب" (يو 4/23). إذن لا تكتمل مشيئة الله في مكان مُعيّن، بل في التاريخ، عندما يصبح يسوع عمّانوئيل، أي الله معنا. ذلك هو مسكن الله الحقيقيّ، بمعنى أنّه لا يسكن مكاناً، بل شخصاً، وهو ابنُه الحبيب؛ ويسكن في قلبك أنت. لم يفهم داود ذلك في التوّ، غير أنّ الله عمل في تاريخ شعبه المختار ليحقّق قصدَه، وهو قصد محبّة كاملة: "إنّ الله أحبّ العالم حتّى إنّه جاد بابنه الوحيد" (يو 3/16). ربّما أدركت أنّ الله يدفعك إلى تجاوز ذاتك ومشاريعك، نحو آفقة شاسعة أعظم ممّا كنت تتصوّره وتتمنّاه. لقد عبّر إغناطيوس عن التبادل بينك وبين الله، واتّحادكما بعضكما ببعض، والتضافر والتناغم بين مشيئته وإرادتك، في عبارته الشهيرة: "عندما يجري البحث عن مشيئة الله، من الأوفق، بل من الأفضل بكثير، أن يُشرك الخالق والسيّد النفسَ الأمينة في ذاته، مُعانقاً إيّاها في حبّها وتسبيحها إيّاه" (رر 15). إنّ ذلك الاتّحاد يُعرّفك "معرفةً باطنيّة" بسرّ علاقة اتّحاد قلبك بقلبه، وسرّ ملء الألفة والعشرة بين مشيئته وإرادتك، فتعلمان، وحدكما، سرَّكما الحميم. إلاّ أنّ ذلك الاتّحاد لا يعني إطلاقاً ذوبانك فيه، أو تلاشي إرادتك في مشيئته، أو امتصاص مشيئتِه إرادتَك الحرّة. كلاّ! تذكّر أن يسوع القائم، بعدما كشف عن ذاته لتلميذي عمّاوس، " غاب عنهما"، وذلك ليتيح لإرادتهما الحرّة أن تتحقّق في خضمّ الحياة، مثل البحر الذي ينسحب فيسمح للأرض بأن تظهر. ولذا فقد قالا: "ألم يكن قلبنا متّقداً عندما كان يحدّثنا في الطريق؟". فقد أدركا عمق ما اختبراه، لا عندما كان حاضراً، بل عندما اختفى، وحينذاك حكّما عقلهما ومشاعرهما وإرادتهما الحرّة، وأيقنا ما عاشاه. وأنت أيضاً، عندما تبحث بصدق عن مشيئته تعالى عليك ? أثناء رياضة روحيّة، بإرشاد مُرافق-، تختبر شيئاً عميقاً واقتراباً منه حميماً؛ وعندما تعود إلى حياتك العاديّة، تدرك أنّ قلبك كان مضطرماً حبًّا له. سرّ الغيريّة، أي الله يقودك إلى تجاوز ذاتك نحو الآخرين إنّ اتّحادك بالله قد تمّ بالفعل، ربّما من دون أن تدري، بعمل الروح القدس فيك، ذلك بأنّه، أثناء مسيرة اكتشافك مشيئةَ الله ورغباتِك العميقة، قد حرّرك من ضيق نظرتك إلى الأشخاص والأُمور، ووسّع آفاقك، وطهّر قلبك من الأنانيّة والانطوائيّة، وحوّل رغباتك إلى نظرة شاملة تضمّ البشر، طبقاً لكلام الله لأورشليم المختارة على لسان أشعيا النبيّ: "وسِّعي موضعَ خيمتكِ" لتستضيفي الشعوب والأُمم (أش 54/2؛ راجع أش 60-62)؛ وثمثُّلاً بمريم العذراء التي أسرعت عند أليصابات بعد البشارة (لو 1/39)؛ واقتداء بتلميذي عمّاوس عندما التقيا الرسلَ بعدما التقيا الربّ القائم؛ وكلّ ذلك على مثال الله الذي يحبّ جميع البشر ويضمّهم إلى قلبه؛ وتحقيقاً لوصيّة يسوع: "اذهبوا في العلم كلّه" (مر 16/15). ولهذه الوصيّة صدى عظيم في روحانيّة إغناطيوس عندما أوصى رفاقَه: "انطلقوا فأشعلوا وأضرموا العالم أجمع". ذلك بأنّ ثمر الاتّحاد بالله هو الانفتاح على الآخرين، فأنت ترغب الآن أن يختبر الآخرون ما اختبرتَه أنت من حميميّة العلاقة، وأُلفة العشرة، واتّحاد المشيئة والقلب. وعليه، فإنّك تشرع في الذهاب والانطلاق نحوهم لتُشعلهم بنار محبّتكما. ذلك بأنّ المحبّة لا تُغلقك على ذاتك، ولا حتّى عليه تعالى، بل تفتحك على الآخرين، في غيريّة اكتسبتَها منه تعالى، لأنّ محبّة الله ومحبّة الآخر إنّما هي محبّة واحدة، ولأنّ خدمة الله وخدمة القريب إنّما هي خدمة واحدة، وقد ختم إغناطيوس مسيرة رياضاته الروحيّة بطلب نعمة واحدة وحيدة: "أن أُحبّ عزّتَه الإلهيّة وأخدمها في كلّ شيء" (رر 233). هكذا تنطلق من الصلاة إلى العمل وأنت تخدم الله عندما تخدم البشر. ويظلّ بطرس مَثلاً أعلى لك، وقد سأله يسوع: "أتحبُّني؟... نعم، يا ربّ، أنت تعلم أنّي أُعِزُّك... اِرعَ خرافي...، اِرعَ غنمي". فالحبّ يدفع إلى الخدمة، والخدمة تنبع من الحبّ. وتتحقّق تلك الدعوة إلى الحبّ والخدمة في الكنيسة أُمّك. ربّما قرأتَ في ذكريات القدّيسة تريزا الطفل يسوع هتافها، بعد أن بحثت مدّة طويلة بحثاً مُضنياً اكتشفتْ من خلاله مشيئةَ الله على حياتها: "تملّكَني فرحٌ غامر، فهتفتُ: يا يسوع، يا حُبّي...، لقد وجدتُ أخيراً دعوتي. دعوتي هي الحبّ. أجل، لقد وجدتُ مكاني في الكنيسة، وهذا المكان، أنت، يا إلهي، منحتَني إيّاه...، ففي قلب الكنيسة أمّي، سأكون الحبّ... وهكذا سأكون كلّ شيء... وهكذا سيتحقّق حلمي!!!". وأنت أيضاً مدعوٌّ مثلها إلى أن تبحث عن دعوتك الشخصيّة الفريدة، وأن تكتشفها، وهي دعوة إلى الحبّ والخدمة، فتُحقّقها في الكنيسة أمّنا. الخاتمة هل كنت تتوقّع، في بداية مسيرتنا هذه، أنّ بحثك عن مشيئة الله واكتشافك إيّاها سيؤول بك إلى تجاوز ذاتك إلى هذا الحدّ من الانفتاح على رغباتك الدفينة، ومن تجاوز ذاتك عليه تعالى، وعلى حبّ الآخرين وخدمتهم؟ يا لَعظمة سرّ مشيئة الله عليك وإرادتك البشريّة الحرّة التي تتجاوب معه! المراجع : - للتعمُّق في القضيّة تعمُّقاً لاهوتيًّا، راجع في سلسلة "الإيمان والحياة" مطبوعات الآباء اليسوعيّين في مصر. - كتابنا: سرّ مشيئة الله وحرّيّة الإنسان 1992. - وكذلك روفائيل خزام اليسوعيّ هل لله مشيئة خاصّة في حياتك؟ - 1991 - للتعرُّف إلى طريقة البحث عن مشيئة الله بحثاً عمليًّا، راجع كتابنا مدخل إلى روحانيّة إغناطيوس دي لويولا سلسلة "الحياة الروحيّة" دار المشرق بيروت ط 2 1996 الفصل 5: الاختيار الإغناطيّ |
||||
14 - 08 - 2014, 03:02 PM | رقم المشاركة : ( 5150 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ما مدى معرفتنا للَّه بقلم قداسة البابا شنوده الثالث كثيرون من الذين يقولون إنهم يعرفون اللَّه تمام المعرفة ويعبدونه، يكونون فى الواقع لا يعرفون اللَّه معرفة حقيقية! ذلك لأن هناك أنواعاً من المعرفة فيما يتعلَّق بالعلاقة بين اللَّه والإنسان. أبسط الأنواع هو المعرفة العقلية التى يقول فيها الشخص: نعم أنا أعرف أن اللَّه هو الخالق العظيم الذى خلق السماء والأرض وما عليهما من سائر المخلوقات السمائية والأرضية، اللَّه الأزلي وحده، الذي لا يحده مكان، القادر على كل شيء ... اللَّه غير المحدود فى كل صفة من صفاته، فهو فوق الزمان وفوق المكان. وهو كُلِّي المعرفة. فهو يعرف ما فى باطن الأرض، وما فى أعماق الجبال ويعرف ما فى قلوب الناس، وما فى أفكارهم وما فى نيَّاتهم ... هذه المعرفة العقلية وحدها لا تكفي. لأن كل ما تفعله هى أن تملأ العقل أفكاراً، وقد يبقى القلب فارغاً لا مشاعر فيه ولا حُب، ولا عاطفة ولا أحاسيس. إنها حالة إنسان قرأ عن اللَّه أو درس، دون أن تكون له صلة خاصة باللَّه. إنها معرفة العقل لا القلب ... معرفة العُلماء فى الدين، وليست معرفة العابدين ... وحتى هذه المعرفة العقلية، أمامها مجال للزيادة والنمو، بالدراسة أو بالتأمل. وهى عند البعض تتحوَّل إلى نطاق من الجدل فى الدين، وفى الحوار فى الأمور الخاصة باللَّه جلَّ جلاله. أمَّا معرفتنا الحقيقية باللَّه، فهى المعرفة الاختبارية لنا مَن فى حياتنا. وهى التى لو تكون عن طريق الكتب أو المحاضرات أو شتَّى أنواع التعلم، بل هى عن طريق مُعاملات اللَّه لنا ... عن إحساناته لنا فى احتياجاتنا، وحلّه لمشكلاتنا، ولمسنا حكمته فى تدبيره لحياتنا، واحتماله لنا فى أخطائنا، أو معاقبته لنا أو مغفرته، أو فتحه أمامنا لأبواب التوبة ... مع سائر ما نراه من صفات اللَّه الجميلة ... سواء من تعامل اللَّه معنا أو مع غيرنا ... أو من تدبيره الإلهي للأحداث ... إن خبرتنا مع اللَّه تعطينا معرفة أكثر. وكُلَّما نعرفه نحبه ونُمجِّده، وتزداد معرفتنا له بالأكثر، ويزداد إيماننا به، ونرى فيه القلب الكبير الذي يحنو، والذي يرشد ... فتزداد معرفتنا به، ويتعمَّق اعتمادنا عليه ... ومع أن اللَّه قد يكشف لنا ذاته بأنواع وطرق شتَّى، إلاَّ أننا نحتاج أيضاً أن نُصلِّي في خشوع قائلين له: أعطنا يارب عِلم معرفتك ... على أن معرفتنا للَّه ـ وإن كات تبدأ هنا على الأرض ـ ولكنها لابد ستستمر أيضاً في الأبدية إلى أن تصل إلى كمالها. فنحن مهما عرفنا عن اللَّه، ومهما درسنا عن صفاته الجميلة المجيدة، فكل ما نقوله إننا نعرف فقط بعض المعرفة. لأننا ونحن في هذا العالم محوطون بضباب هذا الجسد المادي، فلن نصل إلى معرفة كاملة باللَّه تبارك اسمه. ولكننا حينما نخلع هذا الجسد، فأرواحنا الشفافة سوف تعرف أكثر في العالم الآخر. ولكن هل ترانا سنعرف حينذاك كل شيء عن اللَّه؟ كلا لأننا مخلوقات محدودة، واللَّه غير محدود. ومن المُحال أن المحدود يعرف كل شيء عن غير المحدود! فهل في الأبدية ستظل معرفتنا عن اللَّه قاصرة؟ كلا بل اللَّه سوف يوسع قلوبنا وعقولنا لكي تتسع لمعرفة أكثر عنه. فتبهرنا تلك المعرفة العجيبة عن اللَّه في عظمته وبهائه، وجماله وكماله ... حتى أننا لا نستطيع أن نحتمل أكثر ... ونقضي بعض الوقت في انبهار بما قد كشفه لنا. ثم نفيق، ولست أدري متى! ونحن نتأمل في ما رأيناه وعرفناه، شاعرين بسعادة لا توصف، وما قد ذقناه من معرفة وما أطيبه ... ثم يعود اللَّه فيوسع قلوبنا وأفكارنا حتى تقوى على احتمال المزيد من المعرفة، حسبما تستطيع طبيعتنا البشرية المحدودة ... ومع كل ما يكشفه لنا اللَّه عن ذاته، يظل كما هو اللّه غير المحدود، ونظل كما نحن الطبيعة البشرية المحدودة التي لا تستطيع أن تحتمل معرفة كل شيء عن اللَّه، إنما يكشف لها اللَّه عن ذاته بقدر فتنمو في معرفة اللَّه على قدر ما تحتمل ... إذاً نحن في الأبدية ننمو في معرفة اللَّه. ولكن إلى قدر مُعيَّن! بل إن صفة واحدة من صفات اللَّه لا نستطيع أن ندركها كلها في كمالها مهما مرَّ الوقت وطال. لقد سبق أنَّ اللَّه جلَّ جلاله قد أعطانا من قبل معرفة عن طريق الوحي، وعن طريق الكشف الإلهي، وأعطانا معرفة عن سمائه وملائكته ومجده ... وأعطانا من المعرفة ما يكفي لأن نحب الحياة معه، ونحب تسبيحه وتمجيده بالقدر الذي يكفينا، وبالقدر الذي تحتمله طبيعتنا ... فإن كان اللَّه في الأبدية سيعطينا أيضاً معرفة الجمال الذي يحيط بملائكته الأطهار وبسمائه، وبالنور الذي يحيط بهذا كله، فكيف إذاً يكون الجلال والجمال المحيطين بذاته وبعرشه!! وإن كُنا هنا على الأرض لم نستطع معرفة الكواكب والنجوم والمجرَّات. فكيف سندرك معرفة خالق هذه كلها. بل إن كُنا على الأرض حيث نعيش، لا نعرف ما في باطن الأرض من أسرار، ولا ما يوجد في أعماق البحار، ونظل ننقب حتى نعرف بعض المعرفة ... بل فليعذرني القارئ إن قلت أننا حتى الآن لم نعرف أنفسنا! فما الذي نعرفه مثلاً عن الروح، وعن كنهها، وعن مغادرتها للجسد ... وإن كنا لا نعرف ما هو الجسد الروحاني الذي سنقوم به ... وإن كنا لم نعرف الإنسان وما يتعلَّق به من أسرار ... فهل في جرأة نسأل: كيف سنعرف اللَّه في الأبدية؟! كل ما أستيطع أن أقوله إننا سننمو في المعرفة، ونعرف عن السيد الرب الإله أشياء ما كنا نعرفها من قبل. وسوف نُبهر بما نصل إليه من معرفة تسعدنا فى العالم الآخر. حتى أننا نزدري بكل معرفة أخرى ... ويكون ما نعرفه عن اللَّه وعن الأبدية هو مصدر سعادة لنا فى السماء لا تُقارن بأية متعة أخرى بل أنها هى النعيم الأبدي، وليس يُماثلها شيء من مُتع هذا العالم التافه الذى نعيش فيه الأرضى. نشكرك يارب على ما تعطينا إيَّاه من فضل معرفتك |
||||