منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07 - 11 - 2012, 04:46 PM   رقم المشاركة : ( 41 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الثامن والعشرون
يسوع يؤخذ أمام بيلاطس


وقفت العذراء مريم مع يوحنا والمجدلية عند ركن بناية غير بعيدة عن دار قيافا، وقفوا ينتظرون يسوع. لقد كانت نفسها متّحدة بنفسه؛ لكن من قبل محبّتها، لم تترك وسيلة لم تجرّبها لتقترب منه. لقد ظلت بعض الوقت بعد زيارتها فى منتصف الليل لمحكمة قيافا ضعيفة وصامتة من الأسى؛ لكن عندما اقتيد يسوع من السجن، ليقف مرة ثانية أمام قضاته، نهضت وقالت للمجدلية ويوحنا : " فلنتبع ابني إلى محكمة بيلاطس؛ لابد أن أنظره مرة أخرى " فذهبوا إلى موضع لابد أن يعبر الموكب منه وانتظروه. لقد عرفت العذراء مريم أنّ ابنها يعاني على نحو مخيف، لكنها ليس بإمكانها أن تخفف آلامه.
ظهر فى بداية الموكب الكهنة، أكثر الأعداء مرارةّ لابنها الإلهى. كانوا متزيّنين بملابسهم؛ لكن من المؤلم أن نقول، عوضاً عن المظّهر المتألق في شخصهم ككهنة العلي، فأنهم قد تحوّلوا إلي كهنة إبليس، لأن لا أحد يستطيع أن ينظر على مُحياهم دون أن يرى ميولهم الشّريّرة التى امتلأت بها نفوسهم، لقد كانوا متشوقين لتنفيّذ تلك الجريمة، مُتشوقين لموت مُخلصهم وفاديهم، ابن الرب الوحيد. يتبعهم الشّهود الكذبة مُحاطين من قبل عامة الناس؛ وآخر الكل كان ابنها يسوع، ابن الرب، ابن الإنسان، مُقيدا بالسّلاسل، قادرا بالكاد أن يسند نفسه، لكنهم يجرونه بلا رحمة، يُضرب من البعض، ويُركل من الآخرين، وتسبه كل حشود الرّعاع وتلعنه. لقد كان من المستحيل تمييزه بالمرة حتى لأعين العذراء، لقد كان عرّياناً لا يكسوه سوى بقايا ردائه الممزّق،
لقد كان وحيدا في وسطِ الاضطهاد مُتألم, لكنه مستسلم، كشاه تُساق للذبح، لم يرَفعَ يديه إلا للتّضرّعِ لأبيه الأزلى ليصفحِ عن أعدائه. ما أن اقتربَ من الموضع الذى تقف فيه العذراء مع رفاقها، حتى صِاحتْ بنبرة مؤثرةِ : " واحَسْرتاه‏ً! أهذا ابني؟ آه، نعم! إنى آري إنه أبني الحبيبَ, يسوع، يسوعي! " عندما كان الموكب مقابلَها تقريباً، نَظرَ يسوع إليها بأعظم تعبيرِ عن الحبِّ والشّفقةِ؛ لقد كانت هذه النّظرةِ أكثر من قدرة الأمِّ المفجوعةِ على الاحتمال, لقد فقدت الوعيِ بالكامل للحظةً، وسعي يوحنا والمجدلية لأن يَحْملاها للبيت، لكنها أفاقت بسرعة، ورَافقتْ التلميذ المحبوب إِلى قصرِ بيلاطس.
تجمع كل سكان مدينةِ أوفيل في أرض فضاءِ ليُلاقوا يسوع، لكن ليس ليريحوه، بل لضيفوا آلاماً جديدة إِلى كأس أحُزانِه؛ لقد أصابوه بذلك الألمِ الحادِّ الذي لابد أَنْ يَكُونَ إحساس أولئك الذينِ يَرون أصدقاءهم يَتْركونهم في سّاعةِ الضيقةِ. لقد أدى يسوع أعَمالاً كثيرة لسكانِ أوفيل، لكن ما أن رَأوه فى مثل هذه الحالة من البؤسِ والإذلالِ، حتى أهتزَّ إيمانهم به؛ لَمْ يَعُودوا يؤمنون أنْه ملكَ أو نبي أو أنه المسيا المنتظر أو ابن الرب. استهزأ بهم الفريسيون وسخروا منهم، بسبب إعجابهم السابق بيسوع وصاحوا قائلين لهم. " اَنْظرواُ إلى ملككَم الآن, هيا بايعوه؛ ألن تقدموا له التهانيُ لكونه عَلى وَشَكِ الآن أَنْ يُتَوَّج ويجلسَ على عرشه؟ لقد انتهت كل معجزاتهِ؛ لقد وضع رئيس الكهنة نهاية لخداَعه وسحره. "
على الرغم من تّذكر هؤلاء الناسِ المساكين للمعجزاتِ والأشفية الرّائعِة التي صنعها يسوع أمام أعينهم؛ على الرغم من المنافع العظيمة التى قدمها لهم، إلا إن إيمانهم أهتزَّ عندما نَظْروه مُهاناً ويُشارَ إليه كشيء محتقرِ مِن قِبل رئيس الكهنة وأعضاءِ السنهيدريم، هذا الذي أُستقبل في أورشليم بأعظم تّبجيلِ. البعض ذَهبَ وهو يشكّ فيه، بينما الآخرون مكثوا وسَعوا أن ينضموا إلى الرّعاعَ، لكن الحرّاسِ الذين أُرسلوا مِن قِبل الفريسيون، ليَمْنعوا أعمال الشغب والفوضى, منعوهم .

  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:46 PM   رقم المشاركة : ( 42 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل التاسع والعشرون


يسوع أمام بيلاطس




كانت حوالي الثمانية صّباحاِ، عندما وصل الموكب إلى قصر بيلاطس. وقف حنّان وقيافا وكبار أعضاء مجلس السنهدريم في الجزءِ الذى يقع بين الساحة ومدخلِ دار الولاية، حيث وضعت بعض المقاعدِ الحجريةِ لهم. جر الحرّاس المتوحشين يسوع إِلى بداية الدّرجِ الذي يقودَ إِلى مقعدِ الحكمِ. كَانَ بيلاطس مُضجعاً على كرسيِ مريحِ فى شرفة تُشرف على الساحةِ وبجانبه منضدة صّغيرة ذات ثلاث أرجل وُضِعَت عليها شارة مكتبه وأشياء أخرى. كان يحيط به ضّبّاطِ وجنودِ يرتدون زي الجيشِ الرّومانيِ. لم يدخل اليهود والكهنة دار الولاية، لئلا يُدنّسُوا أنفسهم، بل ظلوا فى الخارج.
عندما رَأىَ بيلاطس الموكبَ الصّاخبَ يَدْخلُ، وأدرك كيف عَامل اليهود القساة سجينهم، نَهضَ وكلمهم بنغمةِ محتقرة بقدر ما يستطيع : "ماذا أتى بكم مبكّراً جداً؟ لماذا بالغتم فى الإساءة فى معاملة هذا السّجينِ على نحو مُخجل ؟ ألم يكن من الممكن أَنْ تَمتنعَوا من تُمَزيِّق مجرميكم أربا وإعدامهم حتى قبل أنْ يُحاْكموا؟ " فلم يجيبواُ بل صِاحوا إِلى الحرّاسِ " أحضروه, أحضروه ليُحاْكَمُ! " وبعد ذلك التفتوا إِلى بيلاطس وقالوا " اَستمعُ لاتهاماتنا ضد هذا الشّريرِ؛ لأننا لا نستطيع أَنْ نَدْخلَ المحكمة خشية أن نُدنّسُ أنفسنا. " ما أن انتهوا من هذه الكَلِماتِ، حتى صاح من وسطِ الحشود؛ شيخاً عجوزاً " أنكَم على حق في عدم دْخولُ دار الولاية، لأنها تقُدّستَ بدمِ الأبرياءِ؛ ليس لأحد الحق فى أَنْ يَدْخلَ سوى شخصاً واحداً، وهو الوحيد الذى يستطيع أَنْ يَدْخل، لأنه هو الوحيد النقي كالأبرياءِ الذين ذُبِحوا هناك" الشيخ الذي نَطقَ بهذه الكَلِماتِ بصوتِ عالِ، وبعد ذلك اختفىَ بين الحشودِ، كَانَ رجلاً غنياَ اسمهِ صادوق وهو ابن عم سيراخ زوج فيرونيكا؛ لقد ذُبح اثنين من أطفاله من بين الأطفال الذين أمر هيرودس بذبحهم عند مولدِ مُخلصنا. لقد يأس منَ العالم منذ تلك اللّحظةِ المُخيفةِ، لقد رَأىَ مُخلصنا ذات مرة في دارِ لعازر وسَمعه هناك يتناقشُ، وبرؤية الأسلوب البربريِ الذي يُجر به يسوع أمام بيلاطس تَذكّرَ كل ما عَاناه عندما قُتل طفليه بقسوة أمام عينيه، وقرر أن يُقدم هذه الشّهادةِ العلنية عن إيمانه ببراءةِ يسوع. أما الكهنة وحاشيتهم لكونهم كَانوا مغتاظين من الأسلوب المتغطرسِ الذي يعاملهم به بيلاطس، وبالوضعِ المهين الذى اضطروا أَنْ يتخذوه، لم يبالوا بكَلِماتِ هذا الرجل.
جر الحرّاس المتوحشون يسوع على السلمِ الرّخاميِ واقتادوه إِلى نهايةِ الشرفة، حيث كان بيلاطس يَتشاورُ مع كهنة اليهود. لقد سمع الحاكم الرّوماني عن يسوع كثيراً ومع ذلك فهو لم يسَبَقَ أَنْ رَآه، وقَدْ انُدهشَ تماماً بالمظهر الهادئِ لتصرفِ الرجلِ الذى جُلبَ أمامه في حالة يرثى لها. أن السّلوك الوحشي للكهنة والشيوخ قد أثاره وزِادَ من احتقاره لهم، وأعلمهم فى الحال أنه لَيْسَ لديه أدنى نّيةُ لإدانةِ يسوع بدون براهين مقنعة عن حقيقةِ اتهاماتهم. وقال مُخاطباً الكهنة بنّغمةِ أكثر احتقاراً : " أي اتّهام تَجْلبُونه ضد هذا الرّجلِ؟ " أجابَ الكهنة بتجهّم : " ما لم يكنَ شريرا لما كُنّا أُسلّمناه إليك " فقال لهم بيلاطس : " خذوه، وَحاْكموه أنتم طبقاً لناموسكم " فقالوا له : " إنك تعلم جيداً إنه لا يحق لنا أَنْ نحكم على أي إنسان بالموتِ. " كان أعداء يسوع غاضبين ورُغِبوا أَنْ يَنهوا المحاكمةُ، ويُعدموا ضحيّتهم بأسرع ما يمكن، لكى يستعدوا للاحتفال بالفصحِ، ولم يعرف هؤلاء التعساء الأردياء، أن من ساقوه أمام محكمةِ قاضِ وثنيِ لم يدخلوا منزله خوفاً من أن يُدنّسُوا أنفسهم قبل تَنَاوُلِ الذبيحة الرّمزيةِ، ليس سوي هو، وهو فقط، كَانَ حملَ الفصحَ الحقيقيَ، ولم تكن الحملان الأخرى إلا مجرد ظّل له فقط.
أمرهم بيلاطس أَنْ يُقدموا اتهاماتهم. هذه الاتهامات كَانَت ثلاث، وقَدّموا عشَر شهودَ ليَشْهدوا عن صدق كل اتهام. لقد كان هدفهم الأعظم هو أَنْ يَجْعلَوا بيلاطس يُصدق أن يسوع زعيمَ مؤامرةِ ضد الإمبراطورِ، لكى يُدينه إِلى الموتِ كمتمرّدِ، لقد سعوا أَنْ يُدينوه بإغْواءِ الشعب وتُحريضه عِلى التّمرّدِ، وأنه عدو للسّلامِ العامّ والهدوء.
ليُبرهنَوا على صدق هذه الاتهامات قَدّموا بعض الشّهودِ الكذبة، أعلنوا أيضا أنه انتهكَ السبت ودَنّسه بشفاء المرضىِ فى ذلك اليومِ. قَاطعهم بيلاطس عند هذا الاتهام وقالَ لهم باسْتِهْزاءِ : " من الواضح أن لا أحد منكم كان من بين هؤلاء المرضى وإلا لما كُنتُم ستَشتكونَه لكُونه قد شفاكم فى السبت. " فرد رؤساء الكهنة : " إنه يُحرض الشعب، ويَغْرسُ تعاليم كريهة. إنه يقول، لا أحد يستطيع أَنْ ينال الحياة الأبدية ما لم يَأْكلَ لحمه ويَشْربَ دمه " أغتاظ بيلاطس تماماً من الكراهيةِ الحادةِ التي أظهرتها كَلِماتهم ووجوههم وصاح بنظرةِ ازدراء : " أنكم بكل تأكيد تَرْغبَون أَنْ تَتْبعوا تعاليمه وأَنْ تنالوا حياة أبدية، لأنكم متعطشون لجسده ولدمه. "
ثم قدم اليهود الاتهام الثّاني ضد يسوع، أنه منع الشعب من أَنْ يَدْفعَ الجزية إِلى الإمبراطورِ. هذه الكَلِماتِ أيقظتْ نقمة بيلاطس، لأنه كان يَرى من موضعه أنّ كل الضّرائبِ قَدْ دُفِعتَ بشكل سليم، وصِاحَ بنغمةِ غاضبةِ : " ذلك كذبُ! لابد أنى اَعْرفَ ذلك أكثر منكم. " هذا أكره أعداءِ يسوع أَنْ يَمْضوا إلى الاتهام الثالث، الذي أعلنوه قائلين : " مع أن هذا الرّجلِ ذو مولد غامض، إلا أنه رئيسُ حزبِ كبيرِ. أنه يسكب اللعناتَ على أورشليم، ويروى أمثالاً ذات معنىِ مزدوج فيما يتعلق بملك يَعدُّ لحفل عرس لابنه. إن الجموع التي جمّعَها على جبلِ سَعت ذات مرة أَنْ تَجْعله ملكاً عليهم؛ لكن لكون ذلك كان أقرب مما نَوى؛ لأن خططه لم تكن قد نْضجُت بعد؛ لهذا هَربَ وأخفىَ نفسه. حديثا‏ قَدْ تَقدّمَ أكثر, فقبل أيام دَخلَ أورشليم علي رأسِ جمّعِ صاخبِ، الذين بأمره جَعلوا الشعب يشقون الجو باستقبال حافلِ صارخين : " أوصنا لابن داود! مباركة هى مملكة أبينا داود، التي تَبْدأُ الآن. " أنه يُلزمُ الموالين له أَنْ يقدموا له كرامة ملوكية، ويُخبرهم أنه هو المسيحُ، مسيح الرب، المسيا المنتظر، ملك اليهودِ الموَعود، إنه يَرْغبُ أنْ يُنادى بهذه الألقاب الرّفيعةِ ". ثم قدموا عشَرة شهود تختص شهادتهم بتلك الأمور .
أدى الاتهام الأخير بأن يسوع قد جعل نفسه يُدْعَى ملكاً إلى بعض التأثير على بيلاطس؛ فاصبحَ مستغرقاً في التفكير‏ قليلاً وترك الشرفة وأَلقي نظرة فاَحْصة على يسوع، ثم دَخلَ الغرفة المُجَاوِرةَ، وأَمرَ الحرّاس أَنْ يَأتوا بيسوع بمفرده إلي حضرته. لم يكن بيلاطس يؤمن فقط بالخرافات، بل كان أيضاً ضعيفَ العقل بشدة وسريع التأثُّر. لقد سمع كثيراً، خلال منهج تعليمه الإلحادي، عن إشارات عن أبناءِ آلهته الذين قَدْ سَكنوا لفترة على الأرضِ؛ لقد كَانَ مدركاً بالكامل أيضاً بأنّ أنبياءِ اليهود قد تنبئوا منذ أمد بعيد بأنّ شخصاً ما يَجِبُ أَنْ يَظْهرَ في وسطهم وأنه سيَكُونَ مسيح الرب، مُخلّصهم ومنجيهم من العبوديةِ؛ وأن كثيرين من بين الناسِ يؤمنون بهذا إيماناً قوياً.
لقد تَذكّرَ أيضاً هؤلاء الملوكِ الذين قَدْ جاءَوا من الشّرقِ إِلى هيرودس، جد الملكِ الحالي وبنفس ذلك الاسم، ليقدموا الولاء إِلى ملكِ لليهودِ مولودِ حديثاً، وأن هيرودس لهذا أمر بذبح الأطفال. لقَدْ سَمعَ كثيراً من التّقليدِ بما يختص بالمسيح المنتظر وملك اليهودِ، حتى أنه امتحنهم ببعض الفضولِ؛ ولو بالطبع، بَكُونُه مُلحدَاً, بدون أدنى إيمان، من المحتمل أن يكون قَدْ وَافقَ حزب هيرودس وأولئك اليهودِ الذين يتَوقّعوا ملكاً قوياً ومنتصراً. بمثل هذه الانطباعات، فكرة أن يَتّهمُ اليهودِ هذا الشخص المسكين الذي جَلبوه في حضرته بوَضعُ نفسه كملكِ وكالمسيح المنتظرِ المَوْعُودِ، بدت له بالطبع فكرة سخيفة؛ لكن لأن أعداءِ يسوع قَدّموا هذه الاتهامات ببرهانِ الخيانةِ ضد الإمبراطورِية، اعتقد أنه من الأسلم له أَنْ يَستوجبه سراً.
قال بيلاطس ناظراً إلى يسوع : " أأنت ملك اليهودِ؟ " ولم يقدر أَنْ يخفى دهشته من المظهر الإلهى لطلعته. أُجابه يسوع : " هل تقول هذا الشيء من نفسك, أم الآخرون يقولون ذلك عنّي؟" أما بيلاطس فقَدْ شعر أنه أُهين بأن يظن يسوع أنه من الممكن أَنْ يؤمن بمثل هذا الأمر وأجابَ : " وهَلْ أنا يهودي؟ أن أمتك ورؤساء الكهنة قَدْ أسَلّموك إلي كمستحق للموتِ؛ ماذا فعلت؟ "أجاب يسوع : " لَيْسَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ. وَلَوْ كَانَتْ مَمْلَكَتِي مِنْ هَذَا الْعَالَمِ، لَكَانَ خُدامي يُجَاهِدُونَ لِكَيْ لاَ أُسَلَّمَ إِلَى الْيَهُودِ. أَمَّا الآنَ فَمَمْلَكَتِي لَيْسَتْ مِنْ هُنَا" تأثر بيلاطس بهذه الكَلِماتِ المهيبةِ إلى حد ما، وتكلم إليه بنبرة أكثرِ جديّة : " فَهَلْ أَنْتَ مَلِكٌ إِذَنْ؟" أَجَابَهُ يسوع : " أَنْتَ قُلْتَ، إِنِّي مَلِكٌ. وَلأجل هَذَا وُلِدْتُ وَلأجل هَذَا جِئْتُ إِلَى الْعَالَمِ: لأَشْهَدَ لِلْحَقِّ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ مِنَ الْحَقِّ يُصْغِي لِصَوْتِي" نَظرَ بيلاطس إليه ونهض من مقعده وقالَ : " الحق! ما هو الحق؟ "
ثم تبَادلا بضع كَلِمات لكنى لا أَتذكّرها الآن، وعاد بيلاطس إِلى الشرفة. كَانت إجابات وتصرفات يسوع بعيدَة عن فهمه؛ لكنه رَأىَ بوضوح أن إدعاء المَلوَكِيَّة‏ لا يَتعارض مع الإمبراطورية، لأنها ليست مملكةُ دنيويةُ تلك التي ينشدهاَ؛ بينما الإمبراطوريةُ لا تهتم بشيء أبعد من هذا العالمِ. لهذا خاطب رؤساء الكهنة ثانية من الشرفة وقالَ : " إنى لست أَجدُ علة فيه" غضب أعداء يسوع ونَطقوا باتهامات مختلفة ضد مُخلّصنا. لكنه ظل صامتاًَ، مُستغرقاً بالكلية في الصَّلاةِ من أجل أعدائه، عندما خاطبه بيلاطس قائلاً : " أما تجيب بشيء ؟ اَنْظرُ بكم عديد من الأمور يَتّهمونك!" لم يُجبَه يسوع بشيء
قالَ بيلاطس وقَدْ أمتلئ بالدّهشةِ : " أنى أرى بوضوح أنّ كل ما تدعونه لهو باطل " أما متهموه، الذين استمر يتَزاِيد غضبهم، صْرخوا : " ألست تَجدُ علة فيه؟ ألم يجرم عندما حرّضُ الشعب على الَتمرّد في كل أنحاء المملكةِ ليَنْشروا تعاليمه الباطلة؟ ليس هنا فقط، بل في الجليل أيضاً ؟ "
ذكر الجليل جَعل بيلاطس يتردد: تأمل للحظةِ، وبعد ذلك سَألَ : " أهذا الرّجلِ جليلي، ومن اختصاص هيرودس؟ فأجابوا " أنه جليلى؛ وعِاش والديه في الناصرة، ومنزله حالياً في كفر ناحوم. "
أجاب بيلاطس : " فى تلك الحالةُ، خذوه أمام هيرودس؛ إنه هنا لأجل العيد، ومُمكنُ أَنْ يَحْاكمه حالاً، لأن هذا اختصاصه " اقتيد يسوع فى الحال لخارج الساحةِ، وبعث بيلاطس بضابطَ إِلى هيرودس، ليُعلمه أن يسوع الناصري، الذي من اختصاصه عَلى وَشَكِ أَنْ يصل إليه ليُحاْكَمهُ.
كان لدى بيلاطس سببان ليتصرف هذا التصرفِ؛ بالدرجة الأولى أنه قَدْ سر أَنْ يَهْربَ من أن يَحاْكمَه بنفسه، حيث أنه شَعرَ بغاية القلق من تلك القضيةِ بالكامل؛ وبالدرجة الثّانية كَانَ مسروراً لكونه وجد فرصةِ لكى يسَرِ هيرودس، الذي كَانَ على خلافَ معه، لأنه عَرف أنه فضوليَ جداً ويريد أَنْ يَرى يسوع.
غضب أعداء يسوع لكُونهم طردوا هكذا مِن قِبل بيلاطس في حضورِ هذه الحشود، وأعطوا متنفساً لغضبهم بإسَاْءَة معاملة يسوع أكثر من ذى قبل. كبلوه ثانية وبعد ذلك لم يتَوقّفوا عن أن يَغْمروه باللّعناتِ والضّربِ واقتادوه بعجالة خلال الحشدِ نحو قصر هيرودس، الذي كان على مقربة من الساحةِ. وانضم بعض الجنودِ الرّومان للموكب.
خلال وقت المحاكمة أرسلت كلوديا بروكليس، زوجة بيلاطس، رسائل متكررة لزوجها تُعلنَ فيها أنّها ترُغِب بشدة فى محادثته؛ وعندما أُرسلَ يسوع إِلى هيرودس، وقفت فى شرفةِ ورَاقبتْ التّصرف القاسى لأعدائه بمشاعرِ مَخْتلُطةِ من الخوفِ والأسى والرعب.

  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:47 PM   رقم المشاركة : ( 43 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

تأمل الرب يسوع


فى الفجر أَمرهم قيافا أَنْ يَأْخذوني إِلى بيلاطس كي يُعلنُ حكم الموتِ. سَألني بيلاطس، أملاً أن يجد سبباً ليُدينني، لكن في نفس الوقت عذبه ضميره وشَعرَ بخوفَ عظيمَ من الظّلمِ الذي سيَرتكبُه. أخيراً وَجدَ طريقَه ليتجاهلني وأوعز باقتيادي إِلى هيرودس.
فى بيلاطس مثال صادق عن النفوس التي تَشْعرُ بحركة النّعمةِ وتعميها في نفس الوقت أهوائها الخاصة بحبِّ الذات، وتَسْمحُ للنّعمة أَنْ تَعْبرَ عنها مخافةّ من أن تَكُونَ مُستهّْزأ بها.
أنا لم أجب عن أي من أسئلةِ بيلاطس. لكن عندما سَألنيَ :" أأنتَ ملك اليهودِ؟ "، أجبتهُ حينئذ بجديةِ وباستقامة : " أنتَ قَدْ قُلتَ، أنى أنا ملكُ، لكن مملكتي لَيستْ من هذا العالمِ " بهذه الكَلِماتِ أردتُ أَنْ أُعلّمَ عديداً من النفوس كيف يَتحمّلَون الآلام أو الإذلال الذى يستطيعوا أن يتجنبوه بسهولة عندما تواتيهم الفرصةِ، إنهم يَجِبُ أَنْ يُجيبوا بسماحه :" إن مملكتي لَيستْ من هذا العالمِ ..." هذا بمعنى، إنني لست اَبْحثُ عن المديح مِن قِبل البشرِ. إن مسكني لَيسَ فى هذا العالم، أنا سَأستَريحُ فى بيتي الحقيقي."
الآن، تُشَجَّعَوا كي تُتمموا اهتماماتي بدون أن تأَخْذوا في الاعتبار رأيِ العالم. أن تقيمه ليس له قيمة, بل المهم هو أَنْ تتبعوا صوت النّعمةِ كي تتخلّصوا مِن‏ إغراء الطبيعة‏‏. إن لم تكونوا قادرين على أَنْ تغلبوا بمفردكم، َاَطلبواُ القوةِ والَنْصحُ‏، لأنة فى مناسباتِ عديدة، الأهواء والكبرياء المفرط يَعميان النفس ويَدْفعانها إلى أَنْ تَتصرّفَ على نحو خاطئ.



  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:47 PM   رقم المشاركة : ( 44 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الثلاثون

أصل طريق الصّليب

خلال كل المشهدِ الذي وَصفنَاه الآن، كانت العذراء مريم تقف مع المجدلية ويوحنا في أحد جوانب الساحةِ: مغُمِورين بحُزنِ بغاية المرارة، حزن كان يتزاِيدَ مع كل ما يسَمعونه ويرونه. عندما اُخِذَ يسوع أمام هيرودس، قادَ يوحنا العذراءَ المباركَة والمجدلية ومروا على كل المناطق التي تقُدّسَت بخطاه. لقد مروا على دّارِ قيافا ثانية، دار حنان، أوفيل، جَثْسَيْمَانِي وبستان الزّيتونِ؛ لقد توَقفوا وتَأمّلوا كل بقعةِ حيث سَقطَ، أو حيث عَانى؛ وبَكوا بصمت بتذكر كل ما خَضعَ له. سَجدتْ العذراءُ المباركةُ راكعة وقَبّلتْ الأرض حيثما سَقطَ ابنها، بينما اعتصرت المجدلية يديها من الأسىِ المرّير، ويوحنا، مع أنه لم يستطع أَنْ يمنع دموعه، إلا أنه سَعى إلى مواساتهما ومساندتهما. هكذا كَانتَ ممارسة تكريس طريق الآلام لأول مرةِ؛ هكذا كَانَ إكرام آلام يسوع أول مرة، حتى قبل أن تكتمل تلك الآلام بحمل الصليبَ، والعذراء المباركة، ذلك النموذجِ للنقاوةِ التى بلا تلوثِ، كَانَت الأولَى فى إظهار التّبجيل العميق الذى تشعر به الكنيسةِ لإلهنا الحبيب. كم هو حلو ومُعزى أَنْ نتبع تلك الأمِ التى بلا دنس، بالمرور ذهاباً وإياباً، ونُبجل تلك البُقَعِ المقدّسة بدموع توبتنا. لكن، آه! كيف نستطيع أَنْ نَصفَ السّيف الحادّ، سيف الأسىِ الذى جاز فى نفسها الرقيقة؟ تلك التي حبلتْ بمخلص العالمِ في رحمها العفيفِ وأرضعته، تلك التي حَبلت بالحقيقة بكلمةَ الرب، أنها ذات القلب الممتلئ بالنّعمةِ، الذى تَنازلَ وسكن فيه مُخلص العالم تسعة اشهرَ، إنها من شَعرت به يَعِيشُ داخلها قبل أن يظَهرَ بين البشر ليَمْنحهمَ بركة الخلاص ويُعلّمهم تعاليمه السّمائية؛ لقد عَانتْ مع يسوع، شاركُته ليس فقط آلامه المريرة، بل أيضاً تلك الرغبة المتوهجة فى تحرير البشريةِ السَاقطةَ بالموتِ المخزي على الصليب.
بهذا الأسلوب المؤثر صنعت العذراءِ كلية الطهر والقداّسةِ أساسِ الولاءِ الذى سُمى بطريقَ الصّليبِ؛ في كل موقع موسوم بآلامِ ابنها، لقد ادخرت في قلبها استحقاقات لا تنضب من آلامه، وجمّعتهم كحجر كريمِ أو كرائحة زهور حلوة لتُقَدّمُهم كتقدمة مختارة إِلى الأبِ الأبدي نيابة عن كل المؤمنين الحقيقيين.
إن حزن المجدلية كَانَ شديداً جداً حتى أنها بدت تقريباً كشّخصِ مذهول. الحبّ المقدّس والغير محدود الذى أحست به تجاه يسوع حَثها على أن تسكب نفسها عند قدميه، وتسكب هناك مشاعر قلبها كما سكبت الطيب الثّمينَ ذات مرة على رأسه بينما كان يتكئ على المائدة؛ لكن ها هنا يوجد ما يحيل بينها وبينه. إن التوبة التى عاشتها لأجل ذنوبها كَانتْ هائلةَ، وشكرها لم يكن أقلَ شدة لأجل غفرانهم؛ لكن عندما اشتاقت أَنْ تَقدم أْعمال الحبِّ والشّكرِ كرائحة بخور ذكية عند قدمي يسوع، رأته مُخاناً، مُتألماً وعَلى وَشَكِ أَنْ يَمُوتَ من أجل التكفير عن آثامها التي أَخذَها على نفسه، وهذا المشهد مَلأها بالرّعبِ، ومزقت نفسها إرباً بمشاعرِ من الحبِ والندم والشكر. منظر جحودِ أولئك الذين كَانَ يسوع عَلى وَشَكِ أَنْ يَمُوتَ من أجلهم زاد من مرارة هذه المشاعرِ كثيراً وكل خطوةِ أو كلمة أو حركة أظهرت آلام نفسها.
أمتلئ قلب يوحنا بالحبِّ، وتألم بشدة، لكنه لم ينَطقَ بكلمةَ. لقد شَجّع‏ أمَ سيده الحبيبِ في رحلتها الأولى لمواضع طريقِ الصليبِ، وسَاعدها في إعْطاءِ مثالِ عن ذلك الولاءِ الذي صار يُمَارسَ بكثير من التأجّجِ من أعضاءِ الكنيسةِ المسيحيةِ.

  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:47 PM   رقم المشاركة : ( 45 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الحادي والثلاثون
بيلاطس وزوجته


بينما كان اليهودَ يَقتادُون يسوع إِلى هيرودس، رَأيتُ بيلاطس يَذْهبُ إلى زوجته، كلوديا بروكليس. لقد كانت متعَجّلة لملاقاته، وذَهبا معا إلى إحدى الشرفات التى تقع خلف القصرَ. بدت كلوديا متأثرة كثيراً وخائفةِ. لقد كَانتْ امرأة طويلةَ القامة، رقيقة، لكنها كانت شاحبة. شعرها مُضُفِرَ ومُزَيَّن قليلاً، لكنه مُغَطَّىَ جزئياً بخمار طويلِ يسَقطَ بشكل رشيق على كتفيها. تَحدّثتْ مع بيلاطس لوقتِ طويلِ، وتَوسّلت إليه بكل ما هو مقدّسَ عنده ألا يظلم يسوع، ذلك النّبيِ، قدّيسِ القديسين؛ وروت الأحلامِ والرُّؤى الغير عادية التى رأتها فى اللّيلةِ السّابقة والتى تختص به .
بينما كَانتْ تَتكلّم رَأيتُ أكبر جزءَ من هذه الرُّؤىِ: أولاً الأحداث الرّئيسية في حياةِ الرب يسوع : البشارةِ، الميلاد، توقير الرّعاةِ والمجوسِ، نبؤه سمعان الشيخ وحنة النبيةِ، الهروب إلي مصر، مذبحة الأطفالِ، وتجربة الرب يسوع في البريةِ. لقَدْ رأت في نومها أيضاً السمات الآخّاذ‏ة للحياةِ العامّةِ ليسوع. لقد ظَهرَ لها دائما مُحاَّطاً بضياءِ متألقِا، لكن أعداءه الخبثاء والقساة كَانوا يظهرون فى أشكالِ مروّعةِ ومثيرة للاشمئزاز. لقد رَأتْ آلامه الشديدة وصبره ومحبّته التى لا تنضب، على نفس النمط رأت آلام أمه واستسلامها الكامل. هذه الرُّؤىِ مَلأتْ زوجةَ بيلاطس بالقلقِ والرّعبِ، خاصة أنها يرافقها رّموزِ جَعلتها تفَهمَ معانيها، ومشاعرها الرقيقة قَدْ سُلِبت برؤية مثل هذه المشاهدِ المُخيفةِ. لقَدْ عَانتْ منها طوال اللّيلِ؛ وعندما أشرق الصباح واستيقظتْ على ضوضاءِ الغوغاءِ الذين كَانواَ يَسْحبُون يسوع لُيحْاكَمُ ورَأتْ فى الحال الذبيح بلا مُقَاوَمَةِ وسطِ الحشودِ، مُقيداً، متألماً، ويُعامل على نحو غير أنساني حتى أنه كانَ من الصعب تمييزه، كأنه لم يكنَ ذلك الشخص المُشرق والممجدِ الذى رأته أمام عينيها في رُؤىِ اللّيلِة الماضيةِ. لقَدْ تأثّرتْ بشّدة من هذا المنظر، وطَلبتْ بيلاطس فوراً وأعطته تقريراً عن كل ما حَدثَ لها. تَكلّمتْ بكثير من الشدة والانفعال؛ بالرغم من أن جزء عظيمَ مما رَأتْه لم تتَمَكّنَ من َفْهمَه أو توضحه، ومع ذلك تَوسّلتْ إلى زوجها ونَاشدتْه بأكثر التّعبيرات تأثيراً أَنْ يَمْنحَها طلبها.
كَانَ بيلاطس مُتعجّبَا ومضطرباً من كَلِماتِ زوجته. لقد قَارنَ بين رّوايتها مع كل ما سَمعهَ بخصوص يسوع سابقاً؛ وتأمل فى كراهيةِ اليهودِ وصّمت مُخلصنا وإجاباته الغامضة عن كل أسئلته. لقد تَردّدَ لبعض الوقتِ، لكنه تغلّبَ أخيراً بالتماسات زوجته واخبرها أنه أعلن بالفعل عن إيمانه ببراءةِ يسوع وأنه لَنْ يُدينه، لأن رَأىَ أنّ الاتهامات ليست سوي تّلفيقَ من أعدائه. لقد تَكلّمَ عن كَلِماتِ يسوع له ووَعدَ زوجته أن لا شيء يَجِبُ أَنْ يُقنعه بأَنْ يُدينَ هذا الرجل البار، حتى أنه أعطاها خاتمه قبل أن يفترقا كعربون عن وفائه بوعده.
شخصية بيلاطس كانت فاسدة ومترددة، لكن أسوأَ صفاته كَانتْ الكبرياءَ الشديد والدناءة‏ اللتين تجَعلانه لا يَتردّدَ عن فعل أى عملِ ظالمِ. أنه يؤمن بالخرافاتَ بشدة، وكان يستعين بالسّحرِ والشعوذةِ إن اعترضته أي صعوبات. لقد كَانَ مرتبكاً كثيراً ومنزعجاً بخصوص محاكمةِ يسوع؛ ولقد رَأيته يَجْري ذهاباً وإيابا، يقدم بخوراً أولاً لأحد الآلهة وبعد ذلك إِلى إله آخرِ، ويُنَاشَدهم أَنْ يُساعدونه؛ لكن الشيطانَ مَلأَ خياله بأعظمُ تشويشُ ؛ لقد غرس أولاً فكرة باطلة وبعد ذلك فكرة أخرى. ظل ذهنه مُغَلَّفاً بالظّلمةِ، واصبحَ متردداً أكثر فأكثر. لقد فكر أولاً أن يُبرّئُ يسوع، لأنه يعرف جيّداً أنْه برئَ، لكنه خَافَ تَحَمُّلَ غضبَ آلهته إن أطلق سراحه، كما أنه توهم أنه أحد أنصاف الآلهةِ، وبغيض إِليهم, لقد قال فى نفسه " من المحتمل أن يكون هذا الرّجلِ ملكِ اليهودِ الذى اختصت به عديد من الّنبوءاتِ. ربما كان هو ملك اليهودِ الذي أتى المجوس من الشّرقِ ليُمجّدَوه. ربما يكون العدوُ السريُ لكل آلهتنا والإمبراطوريةِ؛ ربما يَكُونَ إنقاذ حياته يكون أكثر الحماقات فى حياتي. من يَعْرفُ ربما يكون موته نصراً لآلهتي؟ " ثم تَذكّرَ الأحلامَ الغير عادية التي وَصفتْها له زوجته، التي لم يسَبَقَ أَنْ رَأتْ يسوع، ومرة أخرى غَيّر رأيه، وقرر أنه سَيَكُونُ أكثر آمناً إنْ لم يُدنه. حَاولَ أَنْ يُقنعَ نفسه أنه يرَغبَ أَنْ يجيز حكماً عادلاً؛ لكنه خَدعَ نفسه، لأنه عندما سَألَ نفسه، " ما هو الحق؟ " لم ينتظرَ الجواب. ذهنه قَدْ أمتلئ بالتّشويشِ، وكَانَ مرتبكاً تماماً ولا يعرف كيف يَتصرّف، أمنيته الوحيدةِ كَانتْ أَنْ لا يُعرض نفسه لأي مخاطرة .



  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:48 PM   رقم المشاركة : ( 46 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الثاني والثلاثون
يسوع أمام هيرودس


بُنِى قصر هيرودس في المدينةِ الجديدةِ على الجانبِ الشّماليِ للساحةِ؛ على مسافة ليست بعيدة عن قصر بيلاطس. سار الموكب برفقة جنودِ رومان. كان أعداء يسوع بغاية الغيظ لكونهم قَدْ أُرغموا على أَنْ يسلكوا الطريق ذهابا وإيابا، ولهذا نَفّسوا عن غيظهم فى يسوع.
سبق رسول بيلاطس الموكب، ولذلك كان هيرودس يَتوقّعهم. كان جالساً في قاعةِ واسعة ومُحاطاً مِن قِبل حاشيته وحراسه. دخل رؤساء الكهنة واتكئوا بجانبه، تْاركُين يسوع في المدخلِ. كان هيرودس مبتهجاَ ومسروراً كثيرا من بيلاطس لكونه اعترفِ علانية بحقه فى محُاكْمةِ الجليلى، واُبتَهَج أيضاً برُؤيةِ يسوع الذي لم يسَبَقَ أَنْ تَنازلَ وَظْهرَ أمامه وقد أهين بمثل هذه الحالة من الإذلالِ. فضوله قد أثير بشّدة بالتّعبيراتِ التي أعلن بها يوحنا المعمدان عن مَجيء يسوع، وسَمعَ كثيراً أيضاً عنه من هيروديا ومن عديد من الجواسيسِ الذين أرسلهم في مختلف المناطقِ: لهذا كَانَ مسروراً لكونه وجد فرصةِ لاسْتِْجوابه في حضورِ رجال حاشيته وكهنة اليهود، مَتمنّياً أَنْ يَقدم يسوع عرضاً كبيراً عن معرفته ومواهبه. ولكون بيلاطس قد أرسل له خطاباً يقول فيه : " أنه لم يستطع أَنْ يَجدَ علة في الرّجل " فقد استنتجَ بأن هذه الكَلِماتِ قَدْ تكون تلميحِ بأن بيلاطس يرَغبَ أن يُعامل مُتهمي يسوع باحتقار وارتياب. لهذا خاطبهم بأسلوب متغطرسِ بأقصى ما يستطيع مما زِادَ من غيظهم وغضبهم بما يفوق الوصف .
بدأ الجمع فى الحالً يَصِيح باتهامات سمعَها هيرودس بصعوبة، ولكونه اعتزم أن يرْضى فضوله باختبار سريع ليسوع، الذى تمنى كثيراً أَنْ يَراه. لكن عندما نَظره عاَرّيا من كل لباسِ باستثناء‏ عباءةِ وقادراً بالكاد أَنْ يَقفَ، وطلعته تشَوّهتْ بالكلية من الضّرب الذى ناله، ومن الطّينِ الذي ألقاه الرّعاع علي رأسه، استدارا الأمير المترف والمخنث في اشمئزازِ، ناَطقَا باسمَ الرب، وقال للكهنة بنغمةِ هى خليط من الرّحمةِ والاحتقار : " خذوه من هنا، ولا ترجعوه إلى حضرتي بمثل هذه الحالة المذرية ", أخذ الحرّاس يسوع إلي القاعة الخارجيةِ، ودبّروا بمشقّة‏ بعض الماءِ في أناء ونظفوا ملابسه المُلَوَّثةَ ووجهه المشَوّه؛ لكنهم لم يتَمَكّنوا من أَنْ يمنعوا توحشهم حتى بينما كانوا يفعَلَون هذا، ولم يبالوا بالجراحِ التى قَدْ تغُطّى بها.
أثناء ذلك تَحرّشَ هيرودس بالكهنة كما فعل بيلاطس وقال لهم " إن سلوككمَ يَشْبهُ جداً سلوك الجزارين، وها أنتمَ قد شْرعُتم فى ذبائحكم مبكّراً‏ في الصّباحِ." تلا رؤساء الكهنة اتهاماتهم فى الحال. أدعى هيرودس عندما جاء يسوع ثانية إلي حضرته أَنْه يَشْعرَ ببعض الشّفقةِ، وقدم له قدحاً من الخمر ليُجددَ قوته؛ لكن يسوع أدارَ رأسه بعيداً ورَفضَ.
بَدأَ هيرودس حينئذ يُسهِب‏ بثّرثرةِ عظيمةِ عن كل ما سَمعهَ بخصوص يسوع. سَألَه كثيراً وحَثّه أَنْ يؤدى معجزة في حضرته؛ لكن يسوع لم يُجبَه بكلمةَ ووَقفَ أمامه وعيناه ناظرتان لأسفل، مما جعل هيرودس يُغضَب ويرتبكَ، مع أنه سَعى أن يُخفى غضبه واستمرَّ فى استجواباته. في بادئ الأمر عبَّر عن‏ دهشته واستعملَ كَلِماتِ مقنعةِ : " هل ممكن أن تظهر بنفسك يا يسوع أمامي كمجرمِ؟ لقَدْ سَمعتُ عن أعمال كثيرةً تخصك يتحدثون بشأنها. ربما تكون غير مدرك أنك أهنتني بشدة بإطْلاقِ صراح السّجناءِ الذين حبستهم، لكن ربما كانت النوايا حسنه. لقَدْ أرسلَك الحاكم الرّوماني إلي الآن لتُحاْكَمُ؛ أي جواب ممكن أن تَعطيه لى عن كل هذه الاتهامات؟ لماذا أنت صامت؟ لقَدْ سَمعتُ كثيراً عن حكمتك، وعن الدّيانة التى تنادى بها, دعني اَسْمعُ إجابتك وفنّد ما يدعيه خصومك. هل أنت ملك اليهودِ؟ هل أنت ابن الرب؟ من أنت ؟ لقد قيل لى أنك تؤدى معجزات عظيمة؛ أصنع واحدة الآن في حضرتي. فإن لى السلطة أَنْ أطلقك. هَلْ أعدت حقاً البصرَ للأعمىُ وأحييت لعازر من الموتِ، وأطعمت ألفين أو ثّلاث آلاف إنسان ببضعة أرغفةِ؟ لماذا لا تجيبَ؟ لقد أمرتك أَنْ تفَعْلَ معجزة بسرعة أمامي؛ ربما تُسر بعد ذلك لكونك امتثلتَ لرغباتي. " استمر يسوع مَحتفظاً بصمته واستمرَّ هيرودس يَسْأله بثرثرةِ أكثرِ.
" من أنت ؟ من أين تستمد قوتك؟ كيف أنك لم تعد تَمتلكها؟ هل أنت من كان ميلادك قَدْ أُنبّأ به بمثل هذا الأسلوب العجيب؟ لقد جاء ملوك من الشّرقِ إِلى جدي ليَروا ملك اليهودِ المولود حديثاً: هَلْ حقاً أنك أنت ذلك الطّفلِ؟ هل هربت عندما ذُبح الكثير من الأطفال، وكيف دبرت أمر هروبكَ؟ لماذا كنت غير معروف لعديد من السَنَوات؟ أجب عن أسئلتي! هل أنت ملك؟ أن مظهرك الآن لا يُعطى بالتأكيد ذلك الانطباع. لقد قيل لى أنّك كنت ذاهباً إِلى الهيكلِ في موكب منذ وقت قصير. ماذا كَانَ يُعنى مثل هذا الموكبِ؟ تكلّمُ حالاً! أجبني! "
استمرَّ هيرودس يَسْألَ يسوع بهذا الأسلوب السّريعِ؛ لكن يسوع لم يجبه. لقَدْ رأيت أن يسوع كَانَ صامتاً هكذا لأن هيرودس كُان فى حالة عزلة، بسبب زواجه الغير شرعي من هيروديا، ولأنه أعطىَ أمراً بقتل يوحنا المعمدان. عندما شاهد حنان وقيافا كيف أن هيرودس ساخطاً من صمتِ يسوع، سَعيا فى الحال أن يَستغلاُ مشاعر غضبِه، وأعلنا تهمهما قائلين أن يسوع قَدْ وصف هيرودس نفسه بالثعلب؛ وأن هدفه العظيم لسنوات عديدّة مضت هو أَنْ يُسقطَ عائلةِ هيرودس؛ وأنه كَانَ يسعي إلى أن يُؤسّسَ ديانةَ جديدَ، وإنه احتفلَ بالفصح فى اليومِ السّابقِ. ومع أن هيرودس قَدْ اُغتاظ بشدة من تصرفاتِ يسوع، إلا أنه لم يُبعد نظره عن النّهاية السّياسيةِ التي أراد أَنْ يحققها. لقَدْ قرر أَلا يُدينُ يسوع، لأنه أحس بإحساس غامض بالرّعبِ في حضوره، ولأنه ما زالَ نادماً لكونه أسلم يوحنا المعمدان إِلى الموتِ، بالإضافة أنه يمَقتَ رؤساء الكهنة لأنهم لم يسَمحوا له أَنْ يُشتركَ في التّضحياتِ بسبب زواجه الغير شرعي من هيروديا.
لكن دافعه الرّئيسيَ لقراره بألا يُدينُ يسوعَ، أنه أراد أَن يصنع مودة مع بيلاطس لأجل مجاملته له، واعتقدَ أن أفضلَ مُقابل سيَكُونُ إظهار التقديرَ لقراره ومُوَافَقَته في الرّأيِ. لكنه تَكلّمَ بأسلوب محتقر إِلى يسوع، والتفت إِلى الحرّاسِ والخدمِ الذين أحاطوه، وكَان عددهم يُناهز مأتى شخص قائلاًَ :' خذُوا هذا الغبيِ، وقدموا له الإجلال الذى يستحقه؛ إنه مجنونُ، لكنه ليس مذنباً بأي جريمةِ. "
حينئذ اُخِذوا يسوع فى الحال إلى قاعة كبيرةِ، حيث أهانوهِ واحتقروه بكل أهانه ممكنة. كانت هذه القاعة بين جناحي القصرِ، وقف هيرودس ليشاهدَ ذلك لبعض الوقتِ. كان حنان وقيافا بجانبه، يَسْعيان إلى إقناعه بأَنْ يُدينَ مُخلصنا. لكن جهودهم كَانتْ غير مثمرةَ، وأجاب هيرودس بنغمةِ عاليةِ تكفى أنْ تُسْمَعُ مِن قِبل الجنودِ الرّومان : " كلا، سأكون مُخطئاً بالتأكيد إن أنا أدنته. " بما معناه، أنه سَيَكُونُ مخطئاً إذا أدان شخصاً كمذنبِ بينما يرى بيلاطس أنه برئُ، وأنه يرجأ الحكم النّهائي له.
عندما أدرك رؤساء الكهنة وباقي خصوم يسوع أنّ هيرودس قَدْ قرر أَلا يَستسلمُ لرغباتهم، أرسلوا مبعوثين إلى الجزء الذى يسُكِنهَ الفريسيون من المدينة، ليعلموهم إنهم يَجِبُ أَنْ يحتشدوا بجوارِ قصرِ بيلاطس وأن يجمّعواُ الرّعاعَ ويَرْشوهم ليصنعوا ضوضاء، ويَطاْلبوا بإدانة يسوع. وبَعثوا بوكلاءَ سريين أيضاً كى يُحذروا الشعب بتهديدات الثّأرِ الإلهى إن لم يصروا على قتل يسوع، الذي يعتبرونه مُجدفاً. لقَدْ أمروا هؤلاء الوكلاءِ أَنْ يحذروا الشعب بإعْلانِ أنه إن لم يُقتل يسوع، فأنه سيَذْهبُ إِلى الرومانِ، وسيُساعدُ على إبادةِ الأمةِ اليهوديةِ، لأن ذلك كان ما يُشير إليه عندما تَكلّمَ عن مملكته المُقبلة. لقد سَعوا فى نْشر تقريرَ في أجزاء أخرى من المدينةِ، أن هيرودس قَدْ أدانه، لكن ما زالَ ضروري للشعب أَنْ يُظهر رغبته، كما أن الموالين له سيَخَافونَ؛ لأنه إن أطلق سراحه فأنه سيتقرب للرومان، ويصنع اضطراباً فى يومِ العيدِ، وينتقم بوحشية منهم. رَوّج البعض منهم تقارير تحذير مناقضة ليُثيروا الشعب ويتسبّبُوا فى حدوث تمرد؛ بينما وزع آخرون أموال بين الجنودِ ليَرْشوهم ليسيئوا معاملة يسوع، لكي يتُسبّبَوا فى موته، الذي كَانوا مُتلهفين على َجْلبه بأسرع ما يمكن، خشية أن يُبرّئه بيلاطس.
بينما كان الفريسيون يُعدون أنفسهم بهذا الأسلوب، كان مُخلصنا المبارك يَعاني أبلغ إساءة من الجنودِ الهمج الذين سلم هيرودس يسوع لهم، لقد سْخروا منه كأحمق. لقد سَحبوه إلي القاعة، وكان لواحد منهم كيس أبيض كبير كَانَ فيما سبق مَمْلُوءاً بالقطنِ، صنعوا فتحةَ في وسطه بالسيفِ، وبعد ذلك ألقوه على رأسِ يسوع ومصاحبين كل فعلِ بالضحك مُستهزئين به. أحضر جنديُ آخرُ عباءةِ قِرمزيةِ قديمةِ، ووضعها حول رقبته، بينما أحنى الباقون رؤوسهم أمامه وكانوا يَدْفعونه ويسبونه ويتفلون عليه ويصفعونه على وجههِ، لأنه رَفضَ أَنْ يُجيبَ ملكهم، سخروا منه بالتظاهر بأنهم يُبايعونه, ألقوا الوحل عليه, أوثقوه من خصرهِ كي يَجْعلوه يَرْقصَ؛ ثم طرحوه أرضاً، جروه إلى إلي جانبِ القاعةِ، لتصطدم رأسه المقدّسة بالأعمدة وبجوانب الحوائطِ، وعندما أنهضوه فى النهاية، كان ذلك فقط لكي يواصلوا إهاناتهم. بَلغ جنود وخدم هيرودس الذين تجُمّعوا في هذه القاعة أكثر من مائتين، وكل فكرهمِ أَنْ يتوددوا إِلى حاكمهم بتَعذيبِ يسوع ببعض الطّرقِ التى لم يُسمع بها من قبل. كثيرون منهم قَدْ أرتشي مِن قِبل خصوم يسوع كى يَضْربوه على رّأسهِ بعصيهم، وقد استغلّوا الفوضى والضّوضاءِ ليفعلوا هكذا. نَظرَ يسوع إليهم بشّفقةِ؛ زيادة الألمِ جعلته يتأوه ويئن، لكن أعداءه ابتهجوا بآلامه، وهزءوا بتأوهاته، ولا واحد من بين كل الّجمّعِ أظهر أدنى دّرجة من الرحمة. لقد رَأيتُ الدمَ ينزف من رأسه، وثلاث مرات طرحه الضّرب أرضاً، لكن الملائكةَ التى كَانتْ تَبْكي بجانبه كانت تدَهن رأسه ببلسمِ سّمائيِ. لقد كُشفَ لي ذلك لأعلم أنه لولا تلك المعونة لأفضت تلك الجراحِ إلى موت يسوع. أن الفلسطينيين في غزة، الذين أعطوا متنفساً لغضبهم بتَعذيبِ شمشون الأعمىِ، كَانَوا أقل بربريَة ووحشية من هؤلاء الجلادين اليهود القساة .
لم يكن الكهنة صبورين فى الرجوع إِلى الهيكلِ؛ لهذا، بعد ما تأكدوا من أن طلباتهم بخصوص يسوع لن تُطاع، رَجعوا إِلى هيرودس، وسَعوا لإقناعه بإدانة يسوع. لكنه، لِكَونِهِ قد قرر أن يفَعَلُ كل ما فى مقدوره كى يُسر بيلاطس، رْفضُ أَنْ ينصاع لرغباتهم، وأعاد يسوع ثانية مُكتسياً بزي الحمقى .



  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:48 PM   رقم المشاركة : ( 47 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

تأمل الرب يسوع


أَمرَ بيلاطس أن يَأْخذوني إِلى هيرودس, إنه رجلاً فاسداً مسكيناً من الذين يبَحثونَ عن اللذة فقطِ، سْامحاً لها أنْ تُسوقُه إِلى مشاعر منحرفةِ. لقد كَانَ يأمل أنَ يراني آتياً أمام محكمته لأنه تَمنّى أَنْ يَسلّي نفسه بكَلِماتي وبمعجزاتي.
خذوا بعين الاعتبار يا أبنائي النّفور الذي شَعرتُ به في حضرِة أكثر الرجال إثارة للاشمئزاز، الذي غَطّتني كلماته وأسئلته وإيماءاته بالتّشويشِ. أيتها النفوس النقية والعفيفة، تعالوا لتُحيطَوا بعريسكم ولتَحْمونه.
توقّع هيرودس أَنْ أُجيبَه على أسئلته السّاخرة لكنني لم اَنْطقُ بكلمة؛ اَحتْفظُت بصّمتَ مُطلق أمامه. عدم إجابتي كَانتَ أعظم برهانَ أستطيع أَنْ أَعطيه له عن منزلتي. كَلِماته البذيئة لم تكن جديرة بأَنْ تلتقي بكلماتي النقية. فى نفس الوقت، قلبي كان قَدْ توُحّدَ بشكل لانهائي مع أبي السّماويِ. لقد كنت متشوقاً برغبة أَنْ أسفك دمى حتى القطرة الأخيرة من أجل فداء النفوسِ. إن فكرة أن كل إنسان، سيتبعني بعد ذلك، سيغلب بمثالي وسخائي، اشعلتني حباً، ولذا لم أمتنع فقط عن ذلك الاستجواب الفظيعِ بل أردتُ أَنْ أركض نحو عذابِ الصّليبِ.
لقد سَمحت لهم أَنْ يُعاملوني كإنسان أحمق وقد غطّوني بسترةِ قرمزية كعلامة سخريتهم وهزئهم بى. بعد ذلك، في وسط صراخ صّياحهم الساخر، اقتادوني مرة أخرى إلى بيلاطس .


  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:49 PM   رقم المشاركة : ( 48 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الثالث والثلاثون
اقتياد يسوع من هيرودس إلى بيلاطس




غضب أعداء يسوع تماماً لَكُونهمَ مُضطرين للعودة بيسوع إِلى بيلاطس الذي أعلن براءته مراراً وأنه غير مُدَانُ. لقد اقتادوه فى طريقِ أكثر طولاِِ، كي يدّعوا أناس تلك المناطق من المدينةِ يَرونه في حالة العارِ التي كَانَ عليهاَ، ومن ناحية أخرى كي يَعطوا رسلهم وقتاً كافياً ليُثيروا عامة الشعب.
هذا الطّريقِ كَانَ صعباً وغير ممهد؛ وبتحريض الفريسيين لم يمتنع الجنود لحظةَ عن تَعذيبِ يسوع. كان الرداء الطّويل الذي يرتديه يعَرقَل خطاه، وتسَبّب فى سْقوطه أكثر من مرة؛ وبدلاً من أن يُساعده حرّاسه القساة في إعيائهِ سعوا بمشاركة كثيرين من عامة الناسِ الهمج أن يجبروه على النهوض بالضّربِ والرّكلِ .
لم يبد يسوع أدنى مقاومةَ إِلى كل الإساءات؛ بل كان يصَلّى باستمرار إِلى أبيه لأجل النّعمةِ والقوةِ التي لولاهما لكان أنهار، لكى يتمم آلامه لأجل فدائنا .
وصل الموكب لقصرَ بيلاطس. الحشود كَانتَ كثيرة، وكان الفريسيون يسيرون ذهاباً وإيابا، يَسْعون أن يُحرّضُوا الجموع أكثرُ. جَمّعَ بيلاطس أكثر من ألف جنديِ، وأرسلهم حول دار الولاية والساحة وقصره لأنه تَذكّرَ التمرد الذي حَدثَ السّنة الماضية في عيد الفصحِ.
العذراء المباركة ومريم التى لكلوبا والمجدلية، وحوالي عشرين من النِّساءِ القديّساتِ، كَنَ يَقفنُ في موضع يستطعن منه أَنْ يَرين كل ما يحَدث، وفي بادئ الأمر كَانَ يوحنا معهم.
أقتاد الفريسيين يسوع، الذى كان ما زالَ يرتدى ذلك الرداء، وسطِ الغوغاءِ الوقحين، وقَدْ فعَلَوا كل ما فى قدرتهم ليجمّعواَ الحقراء والأشرار الفجار من حثالةِ الشعب. كان هناك خادمُ قَدْ وَصلَ بالفعل إلى بيلاطس مُرسلَ مِن قِبل هيرودس، ومعه رسالةِ تُظهر أن سيده يقَدّرَ بالكامل رأيه، لكنه ينَظرَ إلى الجليلى على أنه ليس سوى إنسان أحمق، وأنه عَامله على هذا الأساس وها هو يرجعه له الآن. رضىَ بيلاطس تماماً لكونه وجد أن هيرودس قَدْ وصل إِلى نفس النتيجة التى وصل إليها هو نفسه، ولهذا أرجعه برسالة مهذبة. من تلك السّاعةِ اصبحا صديقان، بعد ما كاناَ أعداء لعديد من السَّنَواتِ؛ منذ أن انهارت القناةِ .
اقتيد يسوع ثانية إِلى قصر بيلاطس. جره الجنود على الدّرجِ بوحشيتهم المعتادةِ؛ أقدامه تُشَابكت مع ردائه الطّويلِ، وسَقطَ على الدرج الرّخاميِ الأبيضِ، الذى تلُطّخْ من الدّمِ النازف من رأسه المقدّسِ. أخذ أعداؤه مقاعدهم ثانية عند مدخلِ الساحةِ؛ سَخرَ الغوغاءُ من سقوطه، وضرب الجنود ضحيتهم البريئةَ، بدلاً من أن يُساعدونه على الَنْهوضَ. كان بيلاطس يَتّكئ على كرسي وأمامه منضدةِ صغيرة ومحاطَاً بضّبّاطِ وأشخاصِ يحَملون أشرطة رقّ الكتابةِ فى أياديهم. تَقدّمَ وقالَ إِلى من يتّهمون يسوع : " لقد قَدّمتَم لي هذا الرّجلِ، كشخص يُفسد الشعب، وها أنا بعد ما اختبرته أمامكم، لم أجد علة فيه من جهة تلك الأمور التى تشتكون بها عليه. كلا، ولا هيرودس. لأنى أرسلتكمَ إليه، وإنه لم يفعل شيئاً يستحقّ عليه الموتِ. لهذا أنا سأؤدبه وأُطلقه. "
غضب الفريسيون عندما سمعوا هذه الكَلِماتِ، وسَعوا بكل قدرتهم أَنْ يُقنعَوا الشعب أَنْ يَتمرّد، مُوزّعين الأموال عليهم ليصلوا إلىَ هذا الغرضِ. نظر بيلاطس حوله باحتقارِ، وخاطبهم بكَلِماتِ هازئة .
وكان من المعتاد طبقاً لتقليد قديم، أن الشعب كَانَ له امتياز طَلَبِ إطلاق سراح أحد السّجناء. أرسل الفريسين مبعوثون ليُقنعوا الشعب أَنْ يَطْلبوا الموت ليسوع. تَمنّى بيلاطس أن يطلبوا يسوع، وقرر أن يَعطيهم أَنْ يَختاروا بينه وبين مجرم يُدعِيِ باراباس، الذي كَانَ قَدْ أدين بجرائم قتلِ مُخيفةِ ارتكبَها خلال العصيان، وأيضا بعديد من الجرائمِ الأخرىِ، وكَانَ، علاوة على ذلك، مَكروه مِن الشعب.
كَانَ هناك هياج بين الحشودِ؛ تَقدّمَ قسم مُعين، وكلم خطباؤهم بيلاطس بصوتِ عال قائلينَ : " امنحنا الامتياز الذى تمَنحه لنا دوماً فى يومِ العيد " فأجاب بيلاطس : " لقد اعتدت أَنْ أُسلّمَ لكم مجرماً في عيد الفصحِ؛ من ستطلبون أن أُطلقُ لكم، باراباس، أم يسوع الذى يُدعى ملك اليهود ؟ "
مع أن بيلاطس كان متأكداً بأن يسوع ليس ملكَ اليهودِ، إلا أنه دَعاه هكذا، من ناحية لأن كبرياءه الرّومانيَ جَعله يستمد سعادته من إذْلاْلِ اليهودِ بدُعوةِ مثل هذا الشخصِ الحقيرِ المظهرِ بملكهم؛ ومن ناحية أخرى لأنه شَعرَ بنوعَ من الاعتقاد الدّاخليِ أن يسوع رُبَما يكون حقاً ُ ذلك الملكِ العجيب، ذلك المسيح المنتظر الموُعوِدَ. لقد رَأىَ بوضوح أنّ الكهنة قَدْ حُرّضوا بالحسدِ فقط في اتهاماتهم ضد يسوع؛ هذا جَعله يحرصِ أكثر على أَن يُخيّب آمالهم؛ وكَانَ هناك بعض التّرددِ بين الحشودِ عندما سأل بيلاطس هذا السّؤالِ، أجابت بعض الأصوات: " باراباس "
جاءه خادمَ مُرسل مِن قِبل زوجته في هذه اللّحظةِ؛ تَركَ بيلاطس الرّصيفَ، وقَدّم الرسول التعهد الذي أعطاه بيلاطس لزوجته، قائلاً في نفس الوقت : " إن كلوديا بروكليس تَستجديكَ أَنْ تَتذكّرَ وعدكَ لها فى هذا الصباح " سار الفريسيين والكهنة بحرص وبعجالة بين الحشودِ، يهددون البعض ويأَمْرونِ الآخرين، مع أنه، في الحقيقةِ، قليلاً الذى تطلّبَ لتُحرّيضَ الحشود التى كانت غاضبة بالفعل .
وقفت العذراء مريم مع المجدلية ويوحنا والنِساء القديّسات، في ركن الساحة، مَرتعدات يَبْكين؛ لأنه مع أن أمِ يسوع كَانتَ مدركةَ بالكامل بأنّ فداء البشر لا يَمَكّنَ أَنْ يتم مِن قِبل أي وسائلِ أخرىِ إلا بموتِ ابنها، إلا أنها امتلئت بالألمِ كأمِّ، وبرغبة متلهفة فى أَنْ تُنقذه من ذلك العذابِ ومن ذلك الموتِ الذي كَانَ عَلى وَشَكِ أَنْ يَعانيه. لقد صَلّتْ إلى الرب ألا يَسْمحُ أنْ تُرتَكبُ هذه جريمةِ المخيفة؛ لقد كَرّرتْ نفس كَلِماتَ يسوع في بستان جَثْسَيْمَانِي : " إن أمكن، فلتجيز هذا الكأسِ " كانت لم تزالَْ تشعر ببصيص من الأملِ، لأنه كان هناك تقريرَ شائع أن بيلاطس يرَغبَ فى تبرئة يسوع. تُجمّع بجوارها مجموعة من الناس، أغلبهم من كفر ناحوم، حيث عَلّمَ يسوع وأجرى عديداً من معجزات الشفاء بينهم؛ لقد ادّعوا إنهم لا يَتذكّرونَها لا هى ولا باقي رفاقها. لقد فكرت كثيراً، كما فعَلَ رفاقها أيضاً، أن هؤلاء الأشخاصِ على الأقل سيَرْفضونَ باراباس ويطلبون حياة مُخلصهم وفاديهم؛ لكن هذه الآمالِ كَانتْ، للأسف، أوهاماً.
أعاد بيلاطس التعهدَ إِلى زوجته، كتأمينِ عن نيته بأَنْ يَحْفظَ وعده. تَقدّمَ ثانية إلى الرّصيفِ، وجلسَ علي المنضدةِ الصغيرة. أخذ كبار الكهنة مقاعدهم أيضاً، وسأل بيلاطس مرة أخرى: " أي من الرجلين على أَنْ أطلق لكم؟ " دَوّى صراخ عامَّ خلال القاعةِ : " لَيسَ هذا الرّجلِ، بل باراباس! " فرد بيلاطس : " لكن ماذا أفعل بيسوع، الذى يًدعى المسيح ؟ " صرخ الجميع بطريقة صاخبةِ : " فليصلب! فليصلب " سأل بيلاطس لثالث مرة: " لكن أي شر قَدْ فعلَ؟ أنى لست أَجدُ علة فيه. لذا سَأَجْلدهُ وبعد ذلك أُبرّئه. " لكن الصراخ " أَصْلبه! أصلبه! " دوى من الحشودِ، ودوت الأصوات كعاصفةِ جهنميةِ؛ صرخ رؤساء الكهنة والفريسيين وأسرعوا ذهاباً وإيابا كالمجانين. بيلاطس فى النهاية؛ لم يتَمَكن من أَنْ يُقاومَ مثل هذه المظاهراتِ العنيفةِ؛ أطلق باراباس للشعب، وقرر أنْ يُجْلَدُ يسوع.



  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:49 PM   رقم المشاركة : ( 49 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

تأمل الرب يسوع

كَانَ بيلاطس يَبْحثُ عن طّريقة كى يُطلقني. لقَدْ كان قُلِقاًَ بسبب تحذير زوجته وارتبك بين شعورِ ضميره بالذنب وبين الخوفِ من أن يُحدث الناس الشغب ضده. بالحالة التى يُرثى لها التى وَجدتُ فيها نفسي، قدمني إِلى الغوغاءِ مُقترحُاً أن يطلقني وأن يُدينُ باراباس، اللص الشهير القاتل في مُقابلي. أجاب الناس بصّوتِ واحد :" دعة يَمُوتُ وأطلق باراباس ! "
آيتها النفوس التي تَحْبّني، انظروا كيف إنهم قَدْ قَارنوني بمجرمِ، كيف إنهم قَدْ خفضوني عن أكثر البشر انحرافاً. أنصتوا إلى الصّياحِ الغاضبِ الذى أطلقوه ضدي. انظروا بأى غضبِ يَطلبون موتي. هَلْ رَفضتُ أَنْ أواجه مثل هذه المجابهةِ المخزيةِ؟ كلا، بالعكس، لقد عَانقتها من أجل محبّتي للأنفس وكي أريهم أن هذا الحبِّ لم يأخذني فقط حتى الموتِ، بل حتى الموتِ الأكثر خزياًً .
ومع ذلك، لا تَظنوا أنّ طبيعتي البشريةَ لم تشَعر بالاشمئزاز أو بالأمُ. بالعكس، لقد أردتُ أَنْ اَشْعرَ بكل اشمئزاز طبيعة البشر، وأن أَكُونُ مُتعرضاً لنفس حالتهاِ، مَعطيكمَ النموذج الذي سَيَهبكم القوة في كل ظروفِ الحياةِ وأن أُعلّمكِم أَنْ تتغلبوا على الرفض متى سُئلتم أن تْتمموا المشيئة الإلهية َ.
تأمّلْوا للحظةِ فى عذاب قلبي الذى لا يوُصف، تأملوا برُؤيةِ أنى قد وَضعَت خلف باراباس. تأملوا كيف أنى تَذكّرتُ حينئذ حنان أمي عندما كانت تحتضني وتضمني إلى قلبها! وكيف كان القلقَ والإعياءَ شديد الوضوح على أبي بالتبّني كى يُظهر لى محبّته. تأملوا كيف أنى تَذكّرتُ المُساعدات‏ التى سكبتها مجاناً على هؤلاء الناسِ النّاكرين للجميل: مُعطياً البصرِ للعميانِ، شافيا للمرضىَ، مُرجعا الحياة لأطرافهم التى فَقدوها، مطعماً الحشودِ، ومُقيماً لموتى. الآن أرى نفسي خُفّضتُ إِلى أكثر الحالات احتقارا! لقد صرت إنساناً مَكْرُوهاً من قبل البشرِ، ومُدان كلصِ بلا سمعةِ.



  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:50 PM   رقم المشاركة : ( 50 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الرابع والثلاثون
جلد يسوع



كرر بيلاطس عدَة مراتُ عبارة " أنى لست أَجدُ جُرماً فيه, لذا سَأؤدبه ثم أطلقه " لكن اليهود استمرّوا يَرْددّون، " اَصْلبه! اصلبه!" لكنه صَمّمَ على أن يَتمسّكَ بقراره بعدم إُدانةُ الرب إِلى الموتِ، وأَمر أنْ يُجْلَدُ طبقاً للأسلوب الروماني.
اَقتاد الحرّاس يسوع وسط الحشود الغاضبةِ إِلى الساحة، وفعلوا ذلك بوحشيةِ بالغة، في نفس الوقت واصلوا سبه وأهانته، وضَربه بعصيهم.
يقع العمود الذى كان يُجلد عليه المجرمون شمالِ قصرِ بيلاطس، قُرْب بيت الحرسِ، وَصل الجلاّدون فى الحال، حاملين السياط والعصي والحبال، التى القوها أسفل العمود. لقد كَانوا ستة أفراد، ذى بشرة داكنة، أقصر قليلا من يسوع؛ صدورهم مغُطاة بقطعةِ من الجلد، أذرعهم القوية المشعرة عارّية. كَانوا أشراراً من تخوم مصر وقد أدينوا لأجل جرائمهم بالأشغال الشاقةِ، وقَدْ استخدموا من حيث المبدأ في شق القنواتِ، وفي نَصْبِ البناياتِ العامّةِ، لقد اُختير الأكثر جرماً ليَقُوموا بدور الجلادين في دار الولاية.
هؤلاء الرّجالِ القساة كَانوا قد جلدوا عديداً من المرات مذنبين مساكين علي هذا العمودِ حتى الموتِ. إنهم يشَبهون الوحوشَ أو الشياطين، وبَدوا نصف سكارىِ. ضَربوا الرب بقبضات أياديهم، وجروه بالحبالِ التي كان مُكبلاً بهاَ، مع أنه تبعهم دون أن يبدى أدنى مقاومةِ، وفى النهاية طرحوه بشكل بربري عند العمودِ. وُضعَ هذا العمودِ وحده في منتصف القاعة ولم يكن له أى دور فى حمّلَ أي جزءِ من البنايةِ؛ لم يكن مرتفعاً، كان ممكن لأي إنسان طويلِ القامة أَنْ يَمْسَّ قمّته بمِدِ ذراعه؛ كَانت هناك حلقة حديديةَ عند قمته، وحلقة وخُطاف أسفل قليلا. من المستحيل تماماً أَنْ أصفَ القسوة التى رأيتها فى هؤلاء الأشرارِ تجاه يسوع: لقد مَزّقوا العباءةَ التى كَانَ مكتسي بها عندما سّخروا منه في محكمةِ هيرودس، وطرَحوه شبه ساجداً.
أرتعد يسوع وارتجف عندما وَقفَ قبالة العمودِ، وخلع ملابسه بسرعة بقدر ما يستطيع، لكن يديه كَانتا ملطختين بالدماء ومتورمتين. المقابل الوحيدة الذى صنعه عندما ضربه جلادوه المتوحشون وسبوه كَانَ الَصلاة من أجلهم بأسلوبِ مؤثر للغاية: أدارَ وجهه مرة نحو أمه، التي كَانتْ تَقفُ مقهورة بالأسىِ؛ هذه النّظرةِ أفقدتها شجاعتها تماماً: غِابتْ عن الوعي، وكَادت أن تَسْقطُ، لولا أن النِّساءُ القدّيساتُ سندنها. وضع يسوع ذراعيهَ حول العمودِ مطوقاً إياه، وعندما رُفعت يداه هكذا، قيدها الجلادون بالحلقة الحديدية التي علي قمةِ العمودِ؛ ثم شدوا ذراعيه عالياً بحيث كانت قدميه المقيدة بأحكام بقاعدةِ العمودِ تمَسَّ بالكاد الأرضَ. هكذا كَانَ قدوس القديسين ممدّداً بقسوة، بدون أى لُباسِ، على عمودِ يستعملَ لعقابِ اعتي المجرمين؛ وبعد ذلك بدأ شريران هائجان متعطشان لدمه بأسلوب بغاية البربرية يَجْلدَان جسده المقدّس من الرّأسِ إِلى القدمينِ. السّياط التي استعملوها أولا بدت لي مصنوعة من نوع من الخشب الأبيضِ المرنِ، لكن ربما كانت تنتهي بأوتار الثيرانِ، أو بأشرطةِ من الجلدِ.
إلهنا الحبيب، ابن الرب، الإله الحقيقي والإنسان الحقيقي، تَلوّى تحت ضرباتِ هؤلاء البرابرةِ؛ آهاتَه العميقةَ كانت تُسْمعُ من بعيد؛ لقد دَوت خلال الأثير‏ِ. هذه الآهاتِ تشَبه بالأحرىَ صراخاً مؤثراً نابعاً من الصّلاةِ والتّضرّعِ أكثر من كونها أنيناً من الألمِ. صخب الفريسيون والشعب شَكّل نوعاً أخرَ من المصاحبة، كانت في بعض الأوقات مثل زوبعةِ رعديةِ تجلب الُصمّم تخَفّت وتخَنق هذه النّداءاتِ المقدّسةِ والمحزنةِ، وترددت صيحات " أسلمه إِلى الموتِ! أَصْلبه!" أستمر بيلاطس يَتفاوضُ مع الشعب، وعندما طَلبَ الصمتَ ليستطع الَتكلّمَ، كان مضطراً إلى أَنْ يعلن عن رغباته إِلى الحشود الصّاخبةِ بصوتِ البوقِ، وفي مثل هذه اللّحظاتِ رُبَما تَسْمعَ ثانية أصوات السّياطِ وأنين يسوع ولعنات الجنودِ، وَمأمأة حملانِ الفصحِ التي كَانت تُغْسل في بركةِ بروباتيكا، على مسافةُ قريبة من الساحة. كَانَ هناك شيء ماَ مؤثر بشكل غريب في المأمأة الحزينة لهذه الحملانِ: لقد بدت كأنها توحّد أنينها وتمزجه بالأنين المؤلم لمخلصنا.
تُجمّع غوغاء اليهود علي مسافةِ قليلة من العمودِ حيث كَان يتم العقاب المُخيفِ، وكان الجنود الرومان منتشرين في مناطق مختلفةِ. عديد من الأشخاصِ كَانوا يَمْشونَ ذهاباً وإيابا، البعض في صّمتِ، وآخرون يَتكلّمونَ عن يسوع بأكثر التعبيرات مهانة، وبدا القليل متأثر، واعتقد أنى نَظرتُ أشعةَ من النور تُصدرُ من إلهنا وتدُخُلِ قلوبِ هؤلاء.
رَأيتُ مجموعاتَ من الشّبابِ الوقح والسّيئ السمعة، يشغلون أنفسهم قُرْب دار الحراسة في إعْداْدِ سياطِ جديدةِ، بينما ذَهبَ الآخرون ليَنشدوا فروعاً من الأشّواكِ. ْبعض من خدمِ رؤساء الكهنة صعدوا إِلى الجلادين المتوحشين وأعطوهم أموالاً ودورقاً كبيراً ممتلئ بسائلِ أحمرِ ساطع أسكرهم تماماً، وزِادَت قسوتهم نحو ضحيتهم البريئة عشرات الأضعاف. استمرّ الشّريران يَضْربان إلهنا بعنفِ متواصلِ لمدة ربع ساعةِ، ثم استبدلا بآخرين. لقد تغطى جسده بالكامل بعلامات زرقاء وسوداء وحمراء؛ الدّم كَانَ يقطّرُ ساقطاً على الأرضِ، ومع ذلك أظهرت النّداءات الغاضبة التي صدرتْ من اليهودِ المُتجَمَّعين أنّ قسوتهم كَانتْ بعيدةَ من أن تَكُونُ مُشبَعة.
شرع الجلادان الجديدان فى جَلْد يسوع بأقصى ضراوة‏ ممكنة؛ لقد استعملا نوعاً مختلفاً من العصي، نوع من العصي الشّائكِة، مغَطاة بالعقدِ والنتوءات. الضّربات من هذه العصي مَزّقتْ لحمه إِلى قِطَعِ؛ اندفع دمه ليُلطّخَ عصيهم، وهو تَأَوَّه‏ وصَلَّى وارتجفَ. فى هذه اللّحظةِ، اجتاز الساحة بعض الغرباءِ الممتطين الجمال؛ توَقفوا للحظةِ، وقَدْ تُأثروا تماماً برّحمةِ ورّعبِ من المشهدِ الذى أمامهم، وَضّحَ بعض من الموجودون لهم سببَ ما يشَهدونه. كَانَ بعض من هؤلاء المسافرين قَدْ تعمّد على يد يوحنا، والآخرون قَدْ سَمعوا عظة يسوع على الجبلِ. كَان صخب وجلبة الغوغاءِ يصم الأذان حتى قُرْب دارَ بيلاطس.
آخذ جلادان جديدان أماكن الأخيرينِ، كانت سياطهم مصنوعة من سّلاسلِ صّغيرةِ، أو أشرطة مغَطاة بخطّافاتِ حديديةِ، لقد كانت تخترق إِلى العظم وتمَزّقْ قِطَعاً كبيرة من اللّحمِ في كل ضربةِ. أى كلمات مُمكنُ أَنْ تَصفَ هذا المشهد الفظيع ؟ ليس هناك كلمات ممكن أن تصفه!
مع ذلك, قسوة هؤلاء البرابرةِ لم تشبع بعد؛ حَلا يسوع ورْبُطاه ثانية بظهره ملتصق بالعمودَ. ولأنه كَانَ عاجزاً بالكلية عن أَنْ يَسند نفسه في وضع الوقوف، أجازوا الحبال حول خصره وتحت ذراعيهِ ومن فوق رُكَبتيه، وقيدوا يديه بإحكام في الحلقاتِ التي وُضِعتْ في الجزءِ الأعلى من العمودِ، وجْلداه بضراوة أعظمِ من ذى قبل؛ واحد منهم ضَربه بشكل ثابت على وجههِ بعصاِ جديدةِ. لقد تمزق جسد إلهنا تماماً إِلى قطع صغيرةِ، إنه لم يكن سوى جرحَ واحد. لقد نَظرَ إلى مُعذبيه بعينيه الملآنة بالدّمِ، كما لو أنه ينشد الرحمة؛ لكن وحشيتهم بدت أَنْها تَزدادَ، وتأوهاته صارت تخفت أكثر فى كل لحظة.
تواصل الجَلْد المُخيف بلا توقف لمدة ثلاثة أرباعِ الساعةِ، حينئذ أسرع من وسط الحشودِ إنسان غريب قريب لكتسيفون، الرّجل الأعمى الذي أبرأه يسوع، واقتربَ من العمودِ بسكينِ على شَكّلَ سيف قصير مقوّس‏ في يدّه. وصاح بنغمةِ غاضبة : كفى! كفى! لا تجلدوا هذا الرّجلِ البريء حتى الموت! " آَخذوَا الأوغاد‏ السّكارى على حين غرة، توَقفاَ لبرهةَ، بينما قَطعَ الرجل الحبالَ التي تُقيد يسوع بالعمودِ بسرعة واختفىَ بين الحشودِ. سَقطَ يسوع تقريباً دون وعي على الأرضِ، التي قَدْ اغتسلت من دماه. تركه الجلادان هناك، وانضما ثانية إلى رفاقهم القساة، الذين كَانوا يَسلّونَ أنفسهم في دارِ الحراسِة بالشُرْبِ، وضَفْر إكليل الشّوكِ.
ظل إلهنا لوقتِ قصيرِ على الأرضِ، عند العمودِ، مستحمَّاً في دمه، واقتربت بعض الفتيات الوقحات ليَرضينَ فضولهن بالنَظْر إليه. ثم اَستدرن مشمئزات، في هذا الوقت كانت ألام جراحِ يسوع شديدة جدا حتى أنه رُفِعَ رأسَه النَازْفة ونَظرَ إليهن. تراجعن بسرعة، وضحك الجنود وسخر منهن الحرّاس .
خلال جَلْدِ إلهنا، رَأيتُ ملائكةَ باكية تَقتربُ منه لمرات عديدة؛ سَمعتُ أيضاً الصّلواتَ التى يُوجها إلى أبيه بشكل ثابت ليغفر لنا آثامنا, صلوات لم تتَوقّف خلال تعرضه لهذا العقابِ القاسي.
بينما كان يسوع ممدداً مستحمّاً في دمه رَأيتُ ملاكاً يقدم إليه وعاء يَحتوي على شرابَ ساطع المظهرَ الذي بدا أَنْه يُنشّطه لدّرجةِ معينة. رَجع الجنود فى الحال، وبعد أن وجهوا له بعض الضّرباتِ بعصيهم, أمروه أن يَنْهضُ ويَتْبعهم. لقد نهض بصّعوبةِ بالغة، لأن قدميه المرتجفتان استطاعتا بالكاد أن تحملا جسده؛ أنهم لم يعطوه الوقت الكافي ليرتدى ملابسه، بل ألقوا ردائه على كتفيه العاريتين واقتادوه من العمودِ إِلى بيت الحرسِ، حيث مَسحَ الدّمَ الذي كان يَقطّرَ من وجهه بطرف ردائه. عندما اجتاز أمام المقاعدِ التى يجلس عليها رؤساء الكهنة، صَرخوا، " أسلموه إِلى الموتِ! اصلبوه! اصلبوه! " وبعد ذلك استدارواَ بازدراء‏. اقتاد الجلادون يسوع إلي داخلِ بيت الحرسِ، الذي كان ممتلئاً بالعبيدِ والجلاّدين‏ وأناس سكارى من الشعبِ، لكن لم يكَنَ هناك جنودُ.
نَبّه الهياج العظيم بين عامة الناسِ بيلاطس كثيراً، حتى أنه أرسلَ إِلى قلعةِ أنطونيو يطلب تعزيزاتِ من الجنودِ الرّومان، وأُرسلتْ هذه الفِرَق العسكريةِ حول بيت الحرسَ؛ لقَدْ سُمح لهم أَنْ يَتحدّثوا وأَنْ يَسْخروا من يسوع بمختلف الطرق الممكنة، لكنهم مُنّعواَ من أَنْ يَتْركواَ صفوفهم. كان عدد هؤلاء الجنودِ، الذين طَلبَهم بيلاطس كى يُخيفَوا الغوغاء، حوالي ألف جندي.



  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
آلام المسيح وقيامته التي تنبأت بها الكتب المقدسة
حقائق صادمة جدّاً عن آلام السيد المسيح وقيامته
شاهد عيان أمام مديرية القاهرة: الانفجار أطاح بنا من فوق كراسي المقهى
آلام المسيح وصلبه وقيامته: جوهر البشارة
شاهد عيان بالخصوص :مدير أمن القليوبية هددنا وحاول اعتقال الأقباط المتواجدين أمام الكنيسة


الساعة الآن 07:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025