منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 06 - 11 - 2023, 09:05 AM   رقم المشاركة : ( 41 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري

كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري


القديس بولس



رسالته إلى أهل كورنثوس: + أما رسالته إلى أهل كورنثوس فهي ذات طابع خاص ولأنها قد جمعت بين المتناقضات. فالرسول المشتعل يعنّف ويلين، ويكتب عن الأمور اليومية العابرة وعن أعمق أسرار النعمة. وهي أيضًا أطول رسالة: فالأولى ستة عشر أصحاحًا والثانية ثلاثة عشر. فمن الواضح أن هذه الكنيسة قد سببت له الكثير من القلق - لماذا؟


كانت مدينة كورنثوس الممر ما بين الشرق ورومية، كما كانت مدينة تجارية كبرى تمتّع معظم أهلها بالغنى الفاحش وبالبذخ المبتذل. وكان بها هياكل للعديد من الآلهة والآلهات الشرقية والغربية، فمثلًا هيكل للإلهة فستا إلهة البر والطهارة عند الرومانيين. وفي هيكلها لا تخدم إلا العذارى المشهود لهن بالاستقامة. ومقابل هذه الذروة كان هناك هيكل للإله باكوس إله الخمر - وقد يصعب علينا الآن أن نتصوّر مدى الانحطاط الخُلُقي بين كهنة هذا الإله وكاهناته. كذلك كان من المسموح أن يأكل المتعبدون ويشربون داخل الهياكل. ووسط هذه العبادات المتباينة وهذا الترف العالمي المحض غير المصون بالوقار الديني نشأت كنيسة كورنثوس. بل إن هناك من يرى أن بولس نفسه لم يهدف إلى الكرازة فيها، ولكنه جاءها بعدما ساوره من الخيبة في أثينا، فقصد إليها ليجد سفينة تحمله إلى اليهودية. على أن "الصياد" الذي اصطاده على طريق دمشق شاء أنه يضطر إلى الانتظار عدة أيام.
وفي هذه المدينة إلتقى بأكيلا وبريسكلا اللذين صارا له صديقين وفيين مدى العمر. فأقام عندهما لأنهما كانا خيامين مثله. ولكنه انحصر بالروح فشهد لليهود بالسيد المسيح. ولكنهم قاوموه مجدِّفين على رب المجد. وعندها اتخذ قراره الحاسم: "من الآن أذهب إلى الأمم".
وياللعجب! فأثينا عاصمة الفن والثقافة والفلسفة أدارت ظهرها للكارز الغيور. وكورنثوس الذي كان اسمها آنذاك مرادفًا للشر والفجور قد نشأت فيها كنيسة تسببت في إثراء العالم برسالتين بديعتين. ولكن لماذا نعجب؟ ألم يقل لنا رب المجد أنه جاء ليدعو خطاة إلى التوبة؟ فكان المرور الذي تصوره بولس مرورًا عابرًا معلمًا له قيمة مثلى في حياة بولس نفسه، ومن خلالها في حياة العالم بأسره. فحقًا ما أعجب عمل الله!

+ ويبدأ البناء الحكيم بالتحدث عن الأمور العابرة - فمثلًا يوصي المرأة بتغطية رأسها. والسبب في ذلك أن المرأة بتلك المدينة التي كانت تسير آنذاك برأس مكشوف كانت خاطئة أو لإعلان استعدادها للخطية. أما التي تحترم نفسها فتحتشم وتغطي رأسها. وهذا وضع قد تلاشى تمامًا إذ يسير الرجال والنساء -سواء- برأس مكشوف في كافة البلاد.
 
قديم 06 - 11 - 2023, 09:09 AM   رقم المشاركة : ( 42 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري

كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري


القديس بولس







الذروة عن المحبة وعن قيامة الأموات

+ وإلى جانب هذه الأمور العابرة يقدم بولس تعاليمه وتوجيهاته في أسمى الأمور وأعلاها: فحديثه عن المحبة وعن القيامة من الأموات ذروة تسامت إلى عنان السماء. ومن الضروري أن نعرف أن كلمة "محبة" التي استعملها لم تكن بالكلمة الشائعة للتعبير عن الحب الذي يربط بين الناس. إنما كانت الكلمة التي استعملها هو وغيره من مفكري المسيحيين ليصف بها تلك المحبة الإلهية التي لم يدركها الناس تمامًا إلا باستعلان الله نفسه في السيد المسيح. ولا توجد قيمة لأية موهبة أو عطية من غير هذا النوع من المحبة. ولقد نصح أحد الآباء بقراءة أصحاح المحبة يوميًا إلى جانب ما يقرأون من الكتاب المقدس لكي تتشبع أرواحهم بما جاء فيها.

+ وكما سما بولس بالمؤمنين في حديثه عن المحبة الإلهية كذلك سما بهم في حديثه عن القيامة بتوضيحه أن ما يُزرع في فساد يُقام في عدم فساد، وما يزرع في هوان يقام في مجد، وما هو جسد ترابي الآن سيصبح جسدًا نورانيًا فيما بعد، ونص الآيات "هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍ وَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍ. يُزْرَعُ فِي هَوَانٍ وَيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضَعْفٍ وَيُقَامُ فِي قُوَّةٍ. يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّا وَيُقَامُ جِسْمًا رُوحَانِيًّا" (1 كو 15: 42-44) وهكذا انتقل من قمة إلى قمة حتى لكأن مشاجرة الكورنثيين قد استثارت فيه أسمى القوى فجعلته يحلِّق عاليًا بدلًا من أن تؤدي به إلى السقوط أو إلى التحزّب وليس في إمكان أحد أن يعلو فوق الأحقاد هذا العلو الشاهق ما لم يكن مستندًا إلى صخر الدهور.

+ كذلك نتبين هذا العلو الشاهق في إعلانه بأن "«كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ. ..." (1 كورنثوس 6: 12؛ 8: 1-13). والميزان لما يوافق هو الأخذ في الاعتبار ضمير الأخ الضعيف الذي قد يعثر من عمل نراه غير ذي قيمة. والذي يخطئ إلى الإخوة ويجرح ضميرهم الضعيف يُخطئ إلى السيد المسيح نفسه. "لِذلِكَ إِنْ كَانَ طَعَامٌ يُعْثِرُ أَخِي فَلَنْ آكُلَ لَحْمًا إِلَى الأَبَدِ، لِئَلاَّ أُعْثِرَ أَخِي" (1 كو 8: 13). فنرى هنا إشارة خفية إلى تلك المحبة الإلهية التي يوضحها في أصحاح بأكمله.

+ وثمة ظاهرة لها العجب في هذه الشخصية العملاقة هي حديثه عن الشوكة التي في جسده - فهو يتحدث عنها ليبيّن قوة الله في ضعفه، مستكملًا حديثه بإعلانه أنه يفتخر بالحري بضعفاته (2 كورنثوس 12: 7-10). وحينما أراد أن يقدّم مؤهلاته قدّم كشفًا مذهلًا من الضيقات والإهانات والمخاطر التي جازها في سبيل الكرازة. واختتم هذا السجّل المذهل بسؤاله: "مَنْ يَعْثُرُ وَأَنَا لاَ أَلْتَهِبُ؟" (2 كو 11: 29) وهذه الكلمات هي أيضًا تعطينا ومضة خاطفة على أنه استطاع أن يصل إلى تلك المحبة التي ناشد أولاده بها.
 
قديم 06 - 11 - 2023, 09:16 AM   رقم المشاركة : ( 43 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري

كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري


القديس بولس







التوكيد على تحوّل الخبز والخمر


+ ونجد أيضًا أنه أكّد توكيدًا قاطعًا تحوّل الخبز والخمر إلى الجسد المقدس والدم الزكي الكريم، فهو يساءل الكورنثيين: "كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟..." (1كو 10: 16) ثم يعود فيقول: " لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْرَبُوا كَأْسَ الرَّبِّ وَكَأْسَ شَيَاطِينَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَشْتَرِكُوا فِي مَائِدَةِ الرَّبِّ وَفِي مَائِدَةِ شَيَاطِينَ. أَمْ نُغِيرُ الرَّبَّ؟ أَلَعَلَّنَا أَقْوَى مِنْهُ؟" (1كو 10: 21، 22) ثم يعاود هذا التوكيد بصورة أقوى قائلًا: "لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلًا: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي». فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ. إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَّبِّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَّبِّ وَدَمِهِ. وَلكِنْ لِيَمْتَحِنِ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ، وَهكَذَا يَأْكُلُ مِنَ الْخُبْزِ وَيَشْرَبُ مِنَ الْكَأْسِ. لأَنَّ الَّذِي يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ بِدُونِ اسْتِحْقَاق يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ دَيْنُونَةً لِنَفْسِهِ، غَيْرَ مُمَيِّزٍ جَسَدَ الرَّبِّ. مِنْ أَجْلِ هذَا فِيكُمْ كَثِيرُونَ ضُعَفَاءُ وَمَرْضَى، وَكَثِيرُونَ يَرْقُدُونَ" (1 كورنثوس 11: 23-30).

فهل هناك تعبير أكثر توكيدًا من هذه الكلمات؟ ورب المجد نفسه هو الذي عرّفه بهذا السر العظيم تمامًا كما أعلنه لرسله، وهو -له المجد- قد أكّده في الأصحاح السادس من إنجيل يوحنا توكيدًا حاسمًا. فحين وجد أنه "من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلى الوراء ولم يعودوا يمشون معه" تركهم وشأنهم. بل إنه وجّه السؤال إلى الاثني عشر: "ألعلكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا". فهل هناك توكيد أقوى حسمًا من هذا؟ وبعد ذلك عاد الرب فسلّم بنفسه هذه التعليم الحيوي السريّ لبولس لكي يحمله هو أيضًا إلى الأمم.

وهنا يفور سؤال يستلزم الإجابة، وهو: كيف أعطاهم جسده المقدس ودمه الكريم وهو قائم في وسطهم؟ والإجابة تستند إلى قول الرب نفسه أولًا: وعلى هذا القول تستند العقيدة الأرثوذكسية. فنحن نؤمن بأن السيد المسيح هو ابن الله الوحيد المولود من الآب قبل كل الدهور. نور من نور. إله حق من إله حق. مولود غير مخلوق. مساوٍ للآب في الجوهر. وإيماننا هذا يعني أن السيد المسيح حين اتخذ جسدًا ظل محتفظًا بجوهره اللاهوتي الأصيل، فهو إذن كان في السماء وعلى الأرض وماليء الأكوان، وهو في الوقت عينه في الخبز والخمر - فهو ليس محصورًا داخل الجسد. وبما أن تفكيرنا يجب أن يتطابق مع إيماننا، فنحن ندرك بعقلنا إلى جانب وعينا بقلبنا أن الخبز والخمر الذي قيلت صلوات القداس الإلهي عنه قد تحوّل بالفعل إلى جسد الرب ودمه الأقدسين فهو الذي قال هذا جسدي وهذا دمي.
 
قديم 06 - 11 - 2023, 09:24 AM   رقم المشاركة : ( 44 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري

كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري


القديس بولس







حديثه الخاص بالمرأة

+ ولنلتفت الآن إلى حديث بولس الخاص بالمرأة - إن توجيهات الرسل الأطهار إلى المؤمنين تنقسم إلى قسمين متباينين: الأول منها يتعلق بالحقائق الأزلية الباقية هي هي على مدى الأزمان والملابسات كحديث بولس عن المحبة. وهو نفسه قد أعلن أنه حتى القوى الروحية تختلف في أهميّتها إذ قال: "أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ: الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ، هذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ" (1كو 13: 13).

أما القسم الثاني فيتعلق بأمور زمنية أو محلية أعطوها لظروفها الخاصة، وفيها عبرة للمؤمنين حتى وإن كانت خاصة كحديث بولس مثلًا عن العبيد إذ أمرهم بطاعة ساداتهم. ثم استطرد مباشرة إلى القول: "وأنتم أيها السادة اعلموا أنكم اشتُريتم بدم" معلنًا بذلك المساواة داخل الكنيسة. فالعبودية قد زالت حينما أدرك المسيحيون تمامًا بأن الإنسان الذي اشتراه السيد المسيح بدمه الغالي الثمين ليس سلعة تباع وتُشترى. فالمسيحية ليست دين انقلاب بل هي الخميرة التي تعمل من داخل، ومتى تخمرت داخل القلب والنفس جعلت الإنسان يسعى جاهدًا لتحقيق مبادئها. إذن فمبدأ المساواة الذي استخلصه بولس من حديثه إلى العبيد وإلى السادة باقٍ ما بقي الزمن مع أن العبودية تلاشت (ونص الآيات: "لأَنَّ مَنْ دُعِيَ فِي الرَّبِّ وَهُوَ عَبْدٌ، فَهُوَ عَتِيقُ الرَّبِّ. كَذلِكَ أَيْضًا الْحُرُّ الْمَدْعُوُّ هُوَ عَبْدٌ لِلْمَسِيحِ. قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ، فَلاَ تَصِيرُوا عَبِيدًا لِلنَّاسِ. مَا دُعِيَ كُلُّ وَاحِدٍ فِيهِ أَيُّهَا الإِخْوَةُ فَلْيَلْبَثْ فِي ذلِكَ مَعَ اللهِ" (1كو 7: 22-24).


ولنرجع إلى ذهبي الفم لنسمعه يقول: "إن بولس في رسالته إلى أهل رومية يكرم الجميع بالتساوي ولو أنه -في الوقت عينه- يوضِّح الفضيلة بكل منهم. فهل في اعترافه بتعب النسوة في الرب تناقض لقوله بأن تصمت النساء في الكنيسة؟ كلا. فهو أقّر بحقهن في الجهاد وفي الخدمة ولكن هنا إقصاءهن عن "البيما"(1) لا عن كلمة التعليم. وإلا فكيف علّمت بريسكلا أبولوس على مرأى ومسمع من بولس؟ ثم إن قوله "تعبت كثيرًا في الرب" يُبيِّن أن تعبها تضمّن التعليم إلى جانب تقديم المال والتعرّض للمخاطر والقيام بالأسفار. لأن النسوة في ذلك العصر امتزن ببسالة الأسود لأن الرسل أنفسهم قد أفسحوا لهن المجال لمشاركتهم، فجاهدن من أجل الإنجيل وهن راضيات بما يجلبه عليهن هذا الجهاد من مخاطر: فسافرن، وحملن الرسائل، وقدمن مختلف الخدمات من غير تردد. فالرسل قد اقتدوا بمخلصهم الذي كانت تتبعه النسوة(2).

بل إن بولس قد ائتمن امرأة على كنيسة كورنثوس بالذات هي "خلوي" - وهذه الكلمة تدفع بالبعض إلى الظن بأن بولس سمع أخبار الكورنثوس من جماعة سرية. ولكن هذه الكلمة هي اسم لسيدة يكتب هكذا: chloe - إذن فهذه المرأة كانت ضمن تلاميذ بولس ولم يرقها الخصام المشتعل بين قومها فأخبرته به لكي يحسمه بحكمته. إذن ففي كورنثوس بالذات كانت لبولس تلميذات يقمن بالخدمة ويسهرن على الرعاية ويرفعن إليه التقارير عن الشعب الذي أئتمنهن عليه.

وفي هذه الرسالة يتحدث عن الزواج ردًا على ما كان البعض من الكورنثيين قد كتب له عنه. ونعود مرة أخرى إلى ذهبي الفم لنستمع إلى تعليقه الآتي: "لاحظوا كيف يتناول بولس الموضوع من كل نواحيه فيوصي الرجل أن يوفي حق المرأة الواجب. ثم يطلب إلى المرأة الطلب عينه. ويستكمل بأنه ليس للمرأة تسلط على جسدها بل للرجل. ولا للرجل تسلط على جسده بل للمرأة وهذه مساواة منصفة مطلقة - وهي تبيّن أن كلًا منهما عبد للآخر وسيد له في آن واحد. والآن ما دام الزوج والزوجة كلاهما لا سلطة لهما على جسديهما فبالأولى أن لا تكون لهما سلطة على أموالهما. فاسمعوا أيها الأزواج جميعًا، وتيقّنوا أن للواحد من مال هو ملك للآخر، لذلك لا تحسبنّ أحدكم ماله ملكًا له".

+ ولقد علّمنا آباؤنا أن الأسفار الإلهية كلها مترابطة ترابطًا مٌحكمًا، وأن كلًا منها يفسّر الآخر. وهنا يجدر الربط بين ما قاله بولس عن المساواة التامة بين الأزواج والزوجات للكورنثيين وبين حديثه عن الزواج في رسالته إلى أهل أفسس، فنسأل مرة أخرى: هل هو يناقض نفسه؟ كلا. فالتعليم الأبوي يؤكد أن الواقع الروحي يتساوى في واقعيته مع الواقع المادي. ونحن نعرف أن الجسد الإنساني له رأس واحد وله قلب واحد. فالرأس هو الرجل والقلب هو المرأة في الجسد الواقع الذي تآلف بالزواج. ومرة أخرى نصغي إلى ذهبي الفم: "لقد بدأ بولس بمطالبة المرأة أن تخضع لزوجها لأن هذا هو الأمر الهيّن. فلا تفرحوا أيها الرجال قبل أن تتمعنوا الوصية الموضوعة عليكم. وما هي؟ "أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضًا الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا" (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 5: 25). فقولوا لي من منكم بلغت محبته لزوجته هذه القمة. وليس ذلك فحسب - بل إن كل واحد منكم قد اختار زوجته اختيارًا. أما السيد المسيح فقد أخبرنا الأنبياء بأنه وجد عروسه ملقاه على الطريق ذات ثياب رثة قذرة، فرفعها بحنان وغسلها ونظّفها وألبسها ثوب العروس وعكس عليها جماله، بل إنه افتداها بدمه الزكي الكريم. وبعد هذا كله خاطبها بكل عذوبة ورقة وكأنه يستعطفها: "أريني وجهك فهو جميل، أسمعيني صوتك فهو لطيف" (ونص الآية: "أَرِينِي وَجْهَكِ، أَسْمِعِينِي صَوْتَكِ، لأَنَّ صَوْتَكِ لَطِيفٌ وَوَجْهَكِ جَمِيلٌ" (سفر نشيد الأنشاد 2: 14)). فقولوا لي أيها الأزواج: من أحب زوجته هذه المحبة العجيبة؟ وثقوا بأنكم يوم تحبون زوجاتكم محبة باذلة وفيّة سيخضعن لكن دون انتظار أمر. فبولس إذن يهدف إلى المحبة الخالصة حيث لا سيادة ولا خضوع بل تعاطف وتآلف"(3). واستكمالًا لهذا التعليم نذكر أن الحكيم يقول: "المرأة الفاضلة تاج لبعلها" (أمثال 12: 4) - أي أنها بمثابة الميزان للرأس.


+ وثمة ملحوظة لا بد منها هي بخصوص قول بولس إن الرجل رأس المرأة. فهو يقول ذلك في صدد حديثه عن الزواج، بمعنى أن الزوج رأس زوجته. وهذا ما يجب أن يذكره الجميع وبخاصة لأن الرسول نفسه أعلن أنه في السيد المسيح ليس ذكر ولا أنثى. ولنربط الآن بين هذا التعليم وبين رؤية الأنبا كيرلس الأول(4) للزواج المسيحي في إطار معجزة قانا الجليل، فهو يقول: "إننا لا نعبد حسب الناموس وإنما حسب الروح، نعبد بالروح والحق، والحق معناه أن كل الأشياء جديدة في السيد المسيح، والنص المقدس في إنجيل يوحنا يدعونا إلى أن نبتعد عن الناموس والعادات القديمة(5). فعرس قانا الجليل كان عرسًا ووليمة. وهذا معناه أنه في حد ذاته شيء مقدس حضرته أم المخلّص. وهو أيضًا جاء إلى العرس مع تلاميذه. جاء بالأكثر لكي يقدس الجنس البشري. وأنا أعني بشكل خاص أن يقدّس ما يخص الجسد. وكان من اللائق أن الذي جاء لكي يجدد طبيعة الإنسان ويعيد خلقها من جديد وبالكامل إلى ما هو أفضل أن لا يقصر منح بركته على من دعاهم من العدم إلى الوجود فقط، بل أيضًا يهيئ نعمة للذين سيولدون. فيجعل مجيئهم إلى العالم مقدسًا. وهناك سبب جذريّ: لقد قيل للمرأة من الله: بالوجع تلدين أولادك (تكوين 3: 16). فكم كانت الحاجة ماسّة إلى أن تخلص من هذه اللعنة أيضًا - وإلا فكيف يمكن أن نهرب من الحكم على الزواج بأنه لعنة؟ ولأن المخلص محب البشر فهو قد رفع هذه اللعنة إذ هو مسّرة وفرح الكل. وهذا ما جعله يكّرم الزواج بحضوره شخصيًا لكي يطرد العار القديم عن الحبل والولادة(6). والواقع أن أشياء كثيرة تمّت معًا في وقت واحد في أول معجزة: الزواج المكرّم صار مقدّسًا. اللعنة التي وُضعت على المرأة رُفعت. فلم يعد مجال للكلام عن "بالحزن تلدين الأولاد" لأن السيد المسيح بارك بداية ولادتنا ومجد المخلص أشرق مثل الشمس. ولقد تم الزواج في قانا الجليل: لم يكن في أورشليم ولا في اليهودية، وإنما في الجليل مقاطعة الأمم كما يقول عنها إشعياء النبي "جليل الأمم" (إشعياء 9: 1).

إذن فعلينا أن ندرك أننا لا نستطيع وضع تشريعات العهد القديم مع التدبير الإلهي. وعلينا أن نتأكد من أن التجسّد لم يكن حَدَثًا خاصًا بشخص واحد هو يسوع، إنما كان تحوَّلًا في الطبيعة الإنسانية: إنه تجسد ليبيد اللعنة التي حلت بالمرأة الأولى(7) فإن امرأة ولدت عمانوئيل بالجسد - ولدت ذاك الذي هو الحياة. وبذلك أزال قوة اللعنة عندما وضع نهاية للموت، وأزال معها الحزن الذي قد أثقل الأمهات. واللعنة هي الحزن والحزن مصدره الموت وليس إفرازات الجسد.

+ وحين ظهر الرب للنسوة قال: "سلام" وهذه الكلمة صادرة من نفس الإله الذي أصدر الحكم باللعنة؛ وهي كلمة تعني للنسوة جميعًا الخلاص من اللوم ونهاية اللعنة. وهذا ما جعل بالضروري أن تنال النسوة نعمة الكرازة بالقيامة قبل الآخرين. وهكذا افتديت المرأة مما حدث في القديم.
 
قديم 11 - 12 - 2023, 11:23 AM   رقم المشاركة : ( 45 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري

كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري


القديس بولس






الربط بين آية لتيموثيئوس وأخرى إلى أهل غلاطية: + وما دام الحديث خاص بما قاله بولس عن المرأة يجدر بنا استكماله بأن نربط بينه وبين ما قاله لتيموثيئوس عن أن: "المرأة ستخلص بولادة البنين" - ونص الآية "وَلكِنَّهَا سَتَخْلُصُ بِوِلاَدَةِ الأَوْلاَدِ، إِنْ ثَبَتْنَ فِي الإِيمَانِ وَالْمَحَبَّةِ وَالْقَدَاسَةِ مَعَ التَّعَقُّلِ" (1تي 2: 15) - فهل من المعقول أن نستنتج بأن من لا بنين لها لن تخلص؟ إننا نجد العدد الوفير من العواقر: فهن قد فرحن بالزواج لأنه باب الأمومة، ثم شاء مانح العطايا أن لا يستمتعن بها فهل هؤلاء لا يخلصن؟ وهل يرضى الآب السماوي الذي حرمهن من الإنجاب أن يحرمهن من الملكوت أيضًا؟ وبالمثل تنتظم معهن الأمهات اللواتي لم يمنحهن الله إلا بنات. ونحن نعرف تمامًا أن مجتمعنا ما زالت غالبيته تفضل البنين على البنات على الرغم من الألفين سنة منذ أن أعتق السيد المسيح المرأة كما أعتق الرجل سواء بسواء. فهل يحرم الآب السماوي مثل هذه الأم من الملكوت مع أنه هو الذي شاء أن لا يعطيها ولد؟ ثم ماذا عن الراهبات والمتبتلات؟ لقد كرّسن حياتهن كلها لربهن. فهل ذاك الذي لا ينسى كأس ماء بارد يستطيع أن ينسى حياة بأكملها سلمتها له صاحبتها عن رضى وابتهاج؟
+ إذن ما معنى أنها ستخلص بولادة البنين؟ إن بولس يحيينا بنفسه في قوله للغلاطيين: "يا أولادي الذين أتمخض بكم..." فهل حبل بولس وجاز آلام المخاض في الولادة؟ طبعًا لا: فهو يستكمل هذا الاستعطاف العجيب بقوله: "إلى أن يتُصور المسيح فيكم" (غلاطية 4: 19). إذن فالرسول الكبير يهدف إلى المخاض الروحي وإنجاب البنين الروحيين،والأمومة الروحية في متناول كل امرأة بلا استثناء منذ أن قال الرب من أعلا صليبه إلى العذراء القديسة: "هذا ابنك" (يوحنا 19: 26) مشيرًا إلى تلميذه الحبيب. ونستشف هذا التوجيه الإلهي في قول فادينا الحبيب للنسوة اللواتي سرن وراءه في طريق الصليب حين أهاب بهن: "... لا تبكين عليّ بل إبكين على أنفسكن وعلى أولادكن" (لوقا 23: 2). والبكاء الذي يريده الفادي الحبيب هو السهر على رعاية الأطفال وتربيتهم في طريق الرب - سواء كانت الأمهات بالجسد أو أمهات بالروح فقط. والأم التي منحها الله الأمومة الجسدية والروحية معا هي أم خليقة بأمومتها. ولقد قال أحد الآباء المعاصرين عنها: "مباركة الأم التي تغسل الأيدي الوسخة، وتصلح الجوارب المقطعة وتوجّه العيون نحو السماء".
إذن فعلينا أن نربط دائمًا بين الأسفار الإلهية وأن نفتّش كتب آبائنا وأن نحاول التفهّم الروحي: "فالله روح والذين يسجدون له فبالروح والحق ينبغي أن يسجدوا" (يوحنا 4: 24).
 
قديم 11 - 12 - 2023, 11:28 AM   رقم المشاركة : ( 46 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري

كتاب العجب الذي هو شاول - بولس - أ. إيريس حبيب المصري


القديس بولس




مقتطفات




+ إنه في لحظة خاطفة، وبالنعمة الإلهية العجيبة، سطعت رؤيا أمام شاول، تعلّم منها أن يسوع الناصري الذي أبغضه واحتقره واضطهده، وقد تجلى أمامه الآن في المجد، هو القدوس البار ابن الله الوحيد. إنه لم يره في شبه غيبوبة ولا في حلم غامض. بل رآه وجهًا لوجه في بهاء من النور وبتوكيد واقعي جعلاه لا يستطيع أن يرى غيره. لم يعد هناك شك إطلاقًا في أن الجليلي المهان ليس سوى رب المجد والحياة. وفي اللحظة استُعلن لشاول أنه سفير للقدوس؛ وأنه من هاتين الشفتين الإلهيتين سينال – من حين إلى حين – كل التوجيهات التي تمكنه من أن يؤدي بالتمام المسئوليات العظمى التي أُئتمن عليها. ومن عمق ضميره المعذب صدرت الصرخة: "ماذا تريد أن أعمل يا رب"؟ ولقد ظلت هذه الرؤيا عقيدة راسخة في داخله إلى آخر حياته: إنه المندوب المختار والرسول المعَّين من الرب، وفي الرؤى التي منحه إياها الرب انغرست رسولية شاول الطرسوسي.
+ هل خطر ببال أحدنا أن الله يعرف اسم الشارع ورقم البيت الذي نسكنه؟ إن نعجب فلنذكر توجيهه له المجد إلى البيت الذي أرشد حنانيا إليه.
+ الذي يجب أن نذكره هو أن الله يدرِّب أعظم خدامه عن طريق العزلة والفشل وخيبة الأمل.


+ وجدير بنا أن نعرف أن بولس لم يتبع مخططًا وضعه هو لنفسه بل كان يسير خطوة بخطوة تحت إرشاد الروح القدس.
+ (عن بولس الرسول) ولو أننا تأملنا لوجدناه ضعيف البنية حسّاسًا، متوتر الأعصاب، ربطوه إلى عامود وجلدوه بعد أن كانوا قد خلعوا ثيابه، ثم رموا به في سجن عفن مظلم، ومع ذلك لا يتذمّر إطلاقًا، إنه يتمتع ببركات عظمى تملأه فرحًا. ومن العجب أن حياته كلها كانت سلسلة من الضيق والاضطهاد ونكران الجميل وسوء الظن، ومقابل هذا كله اسمعوه يكرر الهتاف: "إفرحوا في الرب"، "افرحوا في الضيقات"، "لأن خفة ضيقتنا الوقتية". فدين السيد المسيح دين عجيب في كونه يخلق مثل هؤلاء الأبطال. وكأني به يردد لنفسه: "ماذا لو اضطهدني الناس فالله معي"، "ماذا لو فشلت عظتي هذه المرة فالله سيغلب يومًا ما"، "ماذا لو قتلوني؟ ذلك أفضل لأني سأكون مع السيد المسيح".
+ وهنا نرى القوة الباطنية للمسيحية إذ كان من المتوقع أن تموت الكنيسة التي ما كادت تتنفس حتى داهمها البطش. ولكن، ألم يقل السيد المسيح أن ملكوت الله يشبه البذرة؟ والبذرة تحتوي حياة مختبئة، تحّتم عليها حياتها المختبئة أن تنمو.
+ لأنه حين تصخب الأمواج على السطح يظل العمق هادئًا، وسر السلام في القلب المسيحي هو أن حياته الباطنية مختبئة في السيد المسيح.
+ إذن فلنذكر باستمرار ذلك السر الباطني في حياة بولس: إنه الوعي المستمر بحضرة الرب إلى جانبه، إنه يعيش في هذه الحضرة بلا انقطاع. فخلف الجماهير الصاخبة، وفوق رؤوس الكهنة والحكام. كان يرى السيد المسيح دومًا، فانساب السلام إلى أعماقه كنهر: النهر الذي تُفرّح جداوله مدينة الله.
+ آه! متى حصلت على وقت! ويا للأسف أننا كثيرًا ما نقف هذا الموقف. ولكن علينا أن نتيقن بأننا في كل مرة نلتقي بالسيد المسيح ونؤجل "لوقت مناسب" نباعد بيننا وبين إمكانية التلاقي. لأن كل تأجيل مثل هذا يلقى بغشاوة على العين الباطنية ويزيد القلب قساوة.
+ يا لبؤس هؤلاء المتراجعين! فالسيد المسيح واقف يقرع على باب كل قلب. وكأنه يستعطف خليقته أن تفتح له! ومع ذلك فكم هم الذين يلبّون النداء ويسارعون إلى فتح قلوبهم له؟ وهذا الجفاء القلبي هو الذي جعل العلامة المصري الكبير أوريجانوس ينصحنا بقوله: "صلوا لكي يفتح الله نوافذ قلوبكم لتدخل منها النعمة الإلهية".
+ من الصالح أن نرفع كل طلباتنا إلى الله بالصلاة: الطلبات التافهة والخطيرة سواء بسواء ولكن من الأكثر صلاحًا أن نترك الإجابة بين يديه.
+ (عن بولس ومن وقف أمامهم ليُحاكموه) كان يعرف الفرح والسلام والرجاء في أعماق قلبه، هذه التي يحتاج إليها العالم هنا وفي الدهر الآتي. كان يعرف أن للحياة معنى أعمق وأنبل لم يخطر قط على قلوب هؤلاء السادة.
+ فما أقصر إدراكنا عن أن يتفهم كيفية استجابة الله لصلواتنا! ففي تدبير الله سيذهب إلى المدينة التي كان متلهّفًا على أن يصل إليها ولكنه سيذهب أسيرًا مقيدًا بالسلاسل!
+ وكان بولس متلّهفًا على دخول العاصمة الكبرى متلهفًا على توصيل معلمه وربه إلى قلب الإمبراطورية. وهو في طريقه الآن للوقوف أمام قيصر وجهًا لوجه. صحيح أن هذه المقابلة قد تؤدي به إلى الموت ولكن الموت له كان طريقًا يوصله إلى حياة كلها بهاء وبهجة. ثم إنه لم يكن وحده. فقد رافقه لوقا الطبيب المحبوب وأرسترخس المكدوني. كذلك نعرف من رسالته إلى أهل رومية أنه كان له أحباء كثيرون في تلك المدينة. وبكل هذه الصداقات والآمال، وبوعيه بحضرة الله، وبالثقة الهادئة التي كان ينظر بها إلى الموت، كان للعالم سلطان هزيل جدًا عليه، سلطان يتراجع أمام المساندة الإلهية التي تغمره.
+ ولكي يكون الإنسان هادئًا واثقًا وسط المفازع لا بُد من الله. لابد من الوعي بحضرة الله محب البشر وهذا الوعي هو الذي منح بولس الأعصاب الثابتة واليد الأكيدة والقلب الذي يخفق باتزان.
+ ليس كل مسيحي مدعّوًا إلى الكرازة ولكن كل مسيحي – وبلا استثناء – مدعو لتشجيع الآخرين: مدعو من الفادي الحبيب إلى إدخال الطمأنينة والعزاء على القلوب القلقة
+ كان الله ساهرًا على سلامتهم (بولس الأسير ومن معه في السفينة) كما سلامتنا – سواء أكان بيننا بولس أو لم يكن. وقد يعترض من يقول: إنه يتركنا أحيانًا لنغرق! فليكن لأنه حتى إذا تركنا نغرق، ودفعت بنا الأمواج إلى العالم الآخر فهو يعتني بنا وهو واقف ينتظرنا على الناحية الأخرى.
+ وهنا يجدر بنا أن نقف لنوازن بين موقف رسول الأمم وبين موقف من جاءوا إلى مصرنا على زعم أنهم مبشرون. إنه يرفض أن يقيم بناءه على حساب غيره؛ أما هم فلم يركّزوا بناءهم إلا على أساس غيرهم؛ إنهم أخذوا أولئك الذين سرت المسيحية في قلوبهم تسعة عشر قرنًا وحوّلوهم عن كنيستهم العريقة التي جالدت الزمن إلى كنائسهم الخاصة. ومما يوجع النفس أنهم حين كانوا يرسلون تقاريرهم السنوية إلى مقر رياستهم، كانوا يسجّلون فيها أنهم اكتسبوا كذا شخص للسيد المسيح! فمتى يحترم الإنسان كرامة أخيه الإنسان؟!
+ (عن محاكمة بولس الرسول الثانية والأخيرة أمام نيرون) ووقف مرة ثانية أمام نيرون وكم كانت تكون صورة رائعة لو أن لوقا كان حاضرًا معه ليسجِّلها لنا.فهنا وقف خير رجل وجهًا لوجه مع شر رجل، تلاقى الخير والشر مواجهة. وكان الخير مُقيدًا بالسلاسل والشر جالسًا على العرش! وكم من مرة حدث هذا في عالم انقلبت فيه الأوضاع! فما زال الشر يناصب الخير العداء. ومازال الخير يصارع لينقذ العالم. ولكن على الرغم من كل المظاهر فالخير هو المنتصر. وفي هذا الوضع حين بدا أن الشر غلب تراجع متقهقرًا أمام الخير في النهاية. ومن ذا الذي يشك فيمن كان الأسعد: الشيخ المصارع الباسل الذي عاش من أجل الله بل عاشه فعلًا، ولم يكن ليملك في النهاية غير ثوب عتيق وبعض الرقوق، أم ذلك الإمبراطور الشرير الفاسق الذي كان يملك المال الوفير ويملك أيضًا السلطة المطلقة؟
+ وانتهت المحاكمة بسرعة، فلم يقف إلى جانب بولس محامٍ ولا صديق. ولم يكن من المهم أن يقف أحد إلى جانبه. فما دام المسيحيون متهمين بإحراق رومية، وما دام بولس متهمًا بأنه زعيمهم – فأي دفاع مهما بلغ من الصدق والبلاغة يمكن أن يؤثر في ذلك الطاغية السافل الذي بيده الحكم؟ ولأنه مواطن روماني صدر الأمر بقطع رأسه.
+ عن استشهاد بولس الرسول:
ووصل إلى ساحة الإعدام. ولمع سيف عريض في نور الشمس. وسقطت رأسه كلها شيب على الأرض. ولم يحظّ هذا المصارع المستميت في النهاية بمن يحمله في إعزاز ويبكي عليه ويدفنه بإكرام!
+ وليس في إمكاننا أن نرسم الصورة التالية: صورة هاتين العينين اللتين أغمضتهما ظلمة الموت لينفتحا على ذلك النور الذي يفوق بهاء الشمس. وهذه النفس المتواضعة الذي اعتبرها صاحبها كبيرة الخطاة وقفت أخيرًا وجهًا لوجه مع السيد المسيح الذي اقتنصها على الطريق إلى دمشق.
+ ولئن كان بولس لم يتمكن من الذهاب بالجسد إلى أقاصي الأرض فقد نابت عنه رسائله فأوصلت البشرى الذي كان مشتعلًا بها إلى كافة البقاع: إنها أوصلتها إلى بلاد لم تكن معروفة آنذاك. فالناس يقرأونها من القطب الجنوبي إلى القطب الشمالي، ومن مشارق الشمس إلى مغاربها. فالمسيحية الآن تعرفها شعوب أفريقيا وأمريكا الجنوبية، كما يعرفها الاسكيمو في كندا والشعوب السكندينافية وأيسلاند.
+ وليس من شك في أنه مازال منشغلًا بالاهتمام بجميع الكنائس مصليًا من أجل انتشار ملكوت الرب يسوع المسيح أكثر فأكثر، حتى وإن كان فرحًا بكونها الآن قد ملأت القلوب من أقاصي الأرض إلى أقاصيها.
+ ولنحاول الآن أن نتبصّر بعض رسائله فهي ترسم لنا صورة صادقة قوية لكاتبها. إنها تعكس مزاجه وانفعالاته. إنها سامية فائضة بالأحاسيس والمشاعر فتهزّ النفس هزًا. وهي تعكس عقله الذي يتراكض بسرعة مذهلة تجعل القارئ يلهث وراءه في مناسبات كثيرة.
+ وهكذا انتقل من قمة إلى قمة حتى لكأن مشاجرة الكورنثيين قد استثارت فيه أسمى القوى فجعلته يحلِّق عاليًا بدلًا من أن تؤدي به إلى السقوط أو إلى التحزّب وليس في إمكان أحد أن يعلو فوق الأحقاد هذا العلو الشاهق ما لم يكن مستندًا إلى صخر الدهور.
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كتاب العذراء مريم والدة الإله - إيريس حبيب المصري
ان الله الذي غير شاول الى بولس
من كتاب : قصة الكنيسة القبطية / د. ايريس حبيب المصري ./ د. ايريس حبيب المصري .
كتاب قصة الكنيسة القبطية للمؤرخة إيريس حبيب المصري
يبحث عن دور (من كتاب خبرات في الحياة)


الساعة الآن 06:28 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024