منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 11 - 03 - 2014, 06:23 PM   رقم المشاركة : ( 41 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

تعليم السيد المسيح عن العطاء

مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ

هذه العبارة الجميلة قالها الرب يسوع المسيح أثناء خدمته على الأرض، ولكن لم يكتبها الإنجيليون الأربعة بل ذكرها القديس بولس الرسول إذ قال: "متذكرين كلمات الرب يسوع المسيح أنه قال: مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أع20: 35).
وهذه العبارة بالصورة التي دونت بها؛ تدل على أن الأناجيل الأربعة الإنجيل لم تذكر كل كلام السيد المسيح، ولكن كان هناك تقليدًا شفاهيًا تناقله التلاميذ وصار مشهورًا بينهم.
ومن المعلوم طبعًا أنه لم يكن من السهل تدوين كل كلمة قالها السيد المسيح على مدى ثلاث سنين وأربعة أشهر. ولكن الأناجيل ذكرت أقوالًا منتقاة بحسب حكمة إلهية في إلهام كُتَّاب الأناجيل لتدوين ما كتبوه في أناجيلهم الأربعة.
وبالنسبة لمعجزات السيد المسيح فهي أيضًا لم تسجل كلها في الأناجيل الأربعة. ولذلك قال القديس يوحنا في الأصحاح قبل الأخير من إنجيله: "وآيات أُخر كثيرة صنعَ يسوع قدام تلاميذه لم تكتب في هذا الكتاب" (يو20: 30). وكذلك قال في الأصحاح الأخير: "وأشياء أُخر كثيرة صنعها يسوع إن كُتبت واحدةً واحدةً فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة" (يو21: 25). لقد أرشد الروح القدس كُتّاب الأناجيل في اختيار ما ذكروه من المعجزات لحكمة إلهية معينة.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
حول العطاء


كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
لقد أوصى السيد المسيح في تعاليمه بعدم محبة المال. وأوضح أنه من العسير أن يخدم الإنسان الله والمال. وكذلك أوصى بالعطاء بلا حدود في قوله: "من سألك فاعطه، ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده" (مت5: 42). وكذلك في قوله: "من سخرك ميلًا واحدًا فاذهب معه اثنين" (مت 5: 41). وأوصى بالعطاء بلا مقابل فقال "أقرضوا وأنتم لا ترجون شيئًا" (لو6: 35).
ووعد السيد المسيح بمجازاة من يتنازل عن ممتلكاته فقال: "كل من ترك بيوتًا أو.. أو حقولًا من أجل اسمي يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية" (مت 19: 29).
وقيل عن السيد المسيح إنه يحب المعطى المسرور "المعطى المسرور يحبه الله" (2كو9: 7).
وفى قول السيد المسيح: "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أع20: 35) تحذير من الأنانية، ومن محبة النصيب الأعظم، ومن محبة العالم كقول القديس يوحنا الرسول: "إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب" (1يو2: 15). وكذلك في قول السيد المسيح ترغيب في العطاء الذي يجلب السعادة الروحية للمعطى إذ أنه يتشبه بالله في عطائه. الله الذي وهب الخليقة نعمة الوجود، والذي منح الإنسان نعمة العقل والنطق والخلود، والذي يفتح يمينه ويشبع كل حي غنى من رضاه، والذي سعى في طلب الضال وتعب من أجل خلاصه، ومنحه نعمة النجاة، ويقوده بروح قدسه حتى يحصل على الحياة.
حقًا إن من يعطى بمحبة وسرور وسخاء يصير شبيهًا بالله.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
بولس الرسول وكلمات الرب

إن بولس الرسول لم يكن قد آمن بالسيد المسيح حينما صعد السيد المسيح إلى السماء. وبهذا لا يكون قد استمع بنفسه إلى تعاليمه الإلهية أثناء وجوده على الأرض. ولكنه كان بالطبع يصغى بشغف -بعد أن آمن- لكل ما حكاه الذين عاصروا هذه التعاليم. وقد تأثر كثيرًا حينما سمع هذه العبارة نقلًا عن السيد المسيح أنه "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ". عاش بولس الرسول بهذا المنهج وقال: "حاجاتي وحاجات الذين معي خدمتها هاتان اليدان" (أع20: 34).
وقال أيضًا: "فضة أو ذهب أو لباس أحد لم أشته" (أع20: 33).
كان معلمنا بولس الرسول كم وينبوع من العطاء الذي لا يتوقف وكان يقول عن نفسه وعن الآباء الرسل: "كفقراء ونحن نغنى كثيرين. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء" (2كو6: 10).
كان لا يبخل بمحبته على أحد.. بل كان عجيبًا في محبته حينما قال لأهل كورنثوس "كلما أحبكم أكثر أُحَب أقل" (2كو12: 15). أي أنه كلما زاد في محبته لهم كانت محبته المتزايدة تُقابَل بحب أقل منهم، لأنهم لم يدركوا أبعاد هذه المحبة التي كانت تتجه أحيانًا نحو النصح، وأحيانًا نحو التأديب، من أجل خيرهم وخلاص أنفسهم. ولكنه على العموم لم يكن يبالى بردود الفعل في مقابل محبته، لأنها محبة لم يمكنها إلا أن تحب، ولا تتوقف عن الحب.
هناك أشخاصٌ يتوقفون عن المحبة إذا لم تُقابَل محبتهم بالعرفان. ولكن حتى الحب ينطبق عليه كلمات الرب يسوع التي قالها "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ". ألم يكن هو أيضًا الذي قال: "إن أحببتم الذين يحبونكم في أجر لكم، أليس العشارون أيضًا يفعلون ذلك..؟! فكونوا أنتم كاملين كما أن أباكم الذي في السماوات هو كامل" (مت5: 46-48).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
فلسَي الأرملة

إنها قصة عجيبة حدثت في وجود الرب يسوع في الهيكل: جاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما ربع. فدعا تلاميذه وقال لهم: "الحق أقول لكم إن هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة. لأن الجميع من فضلتهم ألقوا، وأما هذه فمن إعوازها ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12: 42- 44)
والأسئلة التي قد تتبادر إلى الذهن عند قراءة هذه الواقعة المؤثرة هي كما يلي:
أولًا: كيف تتبرع أرملة فقيرة في خزانة بيت الرب وهى تحتاج إلى مساعدة؟!
ثانيًا: كيف تتبرع بكل ما عندها، كل معيشتها. مع أن الناموس طالبها بالعشور فقط؟!
ثالثًا: لماذا سمح السيد المسيح لهذه الأرملة أن تفعل ذلك، ثم تخرج وليس معها ما تقتات به وهى أرملة فقيرة؟!
رابعًا: لماذا لم يأمر تلاميذه بمنحها مبلغًا من المال لمساعدتها بعد أن صارت لا تملك شيئًا بل "ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12: 44)؟
إن القصة قد بدأت هكذا: "جلس يسوع تجاه الخزانة ونظر كيف يلقى الجمع نحاسًا في الخزانة. وكان أغنياء كثيرون يلقون كثيرًا فجاءت أرملة فقيرة وألقت فلسين قيمتهما ربع" (مر12: 41، 42).
أراد السيد المسيح أن يلقن تلاميذه درسًا في العطاء، وأن يعطيهم فكرة عن مقاييسه التي تختلف عن مقاييس عامة البشر.
أراد أن يفهموا أن قيمة عمل الإنسان في نظره لا تتوقف على حجم هذا العمل، ولكن على المشاعر والدوافع التي تقترن به، وأن كل فضيلة تخلو من الحب والاتضاع لا تحسب فضيلة عند الله.
لاشك أن هذه الأرملة قد امتلأ قلبها بمحبة الله ولهذا أعطت كل ما عندها، كل معيشتها،وبالفعل عاشت الوصية التي تقول "تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك" (مت22: 37).
وفى تواضعها لم تخجل من أن تضع قدر ضئيل جدًا من المال في وسط الأغنياء الذين يملكون الكثير ووضعوا نقودًا كثيرة. لقد عرَّضتْ نفسها لسخرية واحتقار الآخرين، ولكن دافع الحب عندها جعلها تقدم أقصى ما عندها حتى ولو بدا ضئيلًا في أعين الآخرين.
لقد عاشت هذه المرأة الوصية بغض النظر عن حالتها الشخصية، فبالرغم من فقرها الشديد، إلا أنها أرادت أن تنال بركة العطاء وتقديم العشور؛ ولكن ماذا تكون عشورها..؟! ربما لا توجد عُملة متاحة من النقود تساوى عُشر الفلسين وحتى لو وُجدت فإنها أرادت أن تقدم تكريمًا لرب الجنود يتخطى الحد الأدنى للعطاء وهو العشور.. لذلك "ألقت كل ما عندها، كل معيشتها" (مر12: 44)، ولسان حالها يقول: (اقبل يا رب تقدمتي المتواضعة التي لا تليق بجلالك.. ولكن هذا هو كل ما عندي).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
موقف السيد المسيح

كان عطاء هذه المرأة عظيمًا جدًا في عيني الرب لذلك لم يعترضها ولم يمنعها ولم يجرح مشاعرها بأن يمنحها صدقة في ذلك التوقيت بالذات..
كانت الملائكة تسبح بتسابيح البركة وكان المشهد عظيمًا اهتزت له أعتاب السماء على مثال سلم يعقوب حاضرًا بملائكته الأطهار صاعدين ونازلين وسجّل الإنجيل المقدس هذا المشهد العجيب ليكون عبرة للكنيسة في جميع الأجيال.
إنها أنشودة حب ابتهج لها قلب السيد المسيح وأراد أن يلفت أنظار تلاميذه ليقفوا مبهورين أمام هذا المشهد العظيم الذي كان حضوره فيه هو مصدر جلاله وعظمته.
وخرجت الأرملة الفقيرة بكل وقار القداسة، محاطة بجماهير الملائكة الذين اجتذبهم حب هذه المرأة وتواضعها.
إن هذه الأرملة الفقيرة التي كانت غنية بمحبتها وتواضعها هي رمز للكنيسة التي ترملت بعد خروجها من الفردوس وقال لها الرب بفم إشعياء النبي: "لا تخافي لأنك لا تخزين. ولا تخجلي لأنك لا تستحين. فإنك تنسين خزي صباك وعار ترملك لا تذكرينه بعد. لأن بعلك هو صانعك رب الجنود اسمه ووليك قدوس إسرائيل إله كل الأرض يُدعى. لأنه كامرأة مهجورة ومحزونة الروح دعاك الرب، وكزوجة الصبا إذا رذلت قال إلهك. لحيظة تركتك وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهى عنك لحظة، وبإحسان أبدى أرحمك قال وليّك الرب" (إش54: 4-8).
لاشك أن الرب قد أحسن كثيرًا إلى هذه المرأة الأرملة الفقيرة بعد خروجها من الهيكل وتولاها بعنايته بعد أن قدّمت له كل ما عندها.. كل معيشتها.
وهكذا أيضًا الكنيسة من خلال القديسة مريم العذراء قد قدّمت كل ما عندها بكل الحب والاتضاع، جسدًا وروحًا إنسانيًا عاقلًا اتخذه الرب ناسوتًا كاملًا من العذراء مريم ليدخل به مع البشرية في عهد جديد. وكان الجسد والروح الإنساني اللذين اتخذهما الرب هو ما يرمز إليه فلسَي الأرملة اللذان لهما أعظم قيمة في عيني الرب "ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة" (مر12: 43).
وهكذا نسمع الرب يقول هذه الأنشودة الشعرية بفم إشعياء النبي: "أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية: هأنذا أبنى بالأثمد حجارتك وبالياقوت الأزرق أؤسسك وأجعل شُرفك ياقوتًا وأبوابك حجارة بهرمانية وكل تخومك حجارة كريمة وكل بنيك تلاميذ الرب وسلام بنيك كثيرًا" (إش54: 11- 13).
بعد ميلاد الرب البتولي من العذراء مريم بفعل الروح القدس، صار السيد المسيح هو كل ما عندها، كل معيشتها. وليس للعذراء مريم فقط بل للكنيسة كلها، كان السيد المسيح هو كل ما عندها، كل معيشتها كما نقول في أوشية الإنجيل (لأنك أنت هو حياتنا كلنا).
وجاء يوم الفداء وقدّمت العذراء مريم راضيةً على الصليب ابنها الوحيد ناسوتيًا، وقدّمت الكنيسة كل ما عندها، كل معيشتها في خزانة الرب.. وقَبِلَ الآب تقدمة البشرية إليه، التي هي نفسها عطية الآب للبشرية.. وكانت أعظم تقدمة.. وكان سلم يعقوب.. وكان رضى الآب.
  رد مع اقتباس
قديم 11 - 03 - 2014, 06:25 PM   رقم المشاركة : ( 42 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

تعليم السيد المسيح عن الإيمان في مواجهة المحن والتجارب

السفينة والعواصف

من المناظر التي تدعو إلى التأمل في خدمة السيد المسيح.. ذلك المشهد العجيب، الرب يسوع وحده على قمة الجبل يصلى أغلب الليل، وتلاميذه جميعًا في البحر راكبين السفينة وهى معذبة من الأمواج.
كان السيد المسيح قد أشبع الجموع من الخمس أرغفة والسمكتين، وكان تلاميذه سعداء بهذه المعجزة، ورفعوا ما فضل من الكسر اثنتى عشر قفة مملوءة.
"وللوقت ألزم يسوع تلاميذه أن يدخلوا السفينة ويسبقوه إلى العبر حتى يصرف الجموع. وبعدما صرف الجموع، صعد إلى الجبل منفردًا ليصلى. ولما صار المساء كان هناك وحده.. وفي الهزيع الرابع من الليل مضى إليهم يسوع ماشيًا على البحر" (مت14: 22-25).
ويقول معلمنا مرقس الإنجيلي عن نفس هذه الواقعة إن الرب يسوع وهو على الجبل يصلى "رآهم معذبين في الجذف لأن الريح كانت ضدهم" (مر6: 48).
هذه السفينة تمثِّل الكنيسة، لأنها كانت تحمل جميع التلاميذ في ذلك الوقت (الاثني عشر تلميذًا "الذين دعاهم أيضًا رسلًا"). وقد آثر الرب أن يتركهم معذبين من الأمواج قرابة الليل كله في وسط البحر، ولم يذهب إليهم إلا في الهزيع الرابع من الليل. تركهم يواجهون المصاعب في وسط العاصفة.. ولكن كان في تأخير السيد المسيح بركات جزيلة لهم وللكنيسة في كل زمان ومكان. كان يسندهم ويحملهم بصلواته. وما أمجد وما أغنى هذه الصلوات التي ذخرها الرب لكنيسته.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
لماذا يصلي

لم تكن صلاة السيد المسيح هي لمجرد واقعة السفينة في تلك الليلة؛ بل كانت من أجل الكنيسة بكل ما سيواجهها من مصاعب، وعواصف عبر العصور، خاصة في عصور الاضطهاد والاستشهاد حين تصبح الأمواج ثقيلة والريح مضادة بقوة..
كيف صمد الشهداء في عصور الاستشهاد المريرة؟ وكيف تحمَّلوا العذابات التي تفوق عقل البشر؟ إنها أحداث خارقة للطبيعة. ولكنها حدثت بالفعل. وخرجت الكنيسة منها قوية منتصرة مكللة بالبهاء، تمامًا مثل عريسها الذي تمجّد بعد أن تألم.
لاشك أن السيد المسيح في تلك الليلة قد طلب من أجل هذه الآلاف من الشهداء واحدًا واحدًا باسمه، وقد استغرق هذا الأمر وقتًا طويلًا في مناجاته مع الآب.

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
إن السيد المسيح لم ينس في ليلة آلامه أن يطلب من أجل بطرس قبل أن يواجه المحنة والتجربة في بيت رئيس الكهنة وقال له: "سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة. ولكنى طلبت من أجلك لكي لا يفنى إيمانك" (لو22: 31، 32).
كذلك هناك صعوبات أخرى واجهتها الكنيسة مثل صراعها ضد الأريوسية، وصراعها ضد النسطورية وسائر الهرطقات. وكان السيد المسيح يعرف كل ما ستواجهه كنيسته المحبوبة من صعوبات. ولهذا فقد صلى من أجلها لكي تصمد بقوة وثبات في وسط العواصف العتيدة.
ولكن الأمر لا يتعلق فقط بالصعوبات التي ستواجهها الكنيسة وما يلزم للتلاميذ أن يتدربوا عليه في مواجهة هذه الصعوبات. كان هناك أمر آخر يشغل السيد المسيح في صلاته. وهو إعلان الإيمان ببنوته لله في قلوب التلاميذ.
يقول معلمنا مرقس الإنجيلي إن السيد المسيح بعد أن وصل إلى التلاميذ ماشيًا على الماء: "فصعد إليهم إلى السفينة، فسكنت الريح، فبهتوا وتعجبوا في أنفسهم جدًا إلى الغاية. لأنهم لم يفهموا بالأرغفة إذ كانت قلوبهم غليظة" (مر6: 51، 52).
كان من العجيب أن معجزة إشباع الجموع لم تكن كافية لكي يفهم التلاميذ حقيقة السيد المسيح. لهذا صلى السيد المسيح لكي يعلن الآب في قلوبهم ذلك الحق الذي لا يستطيع العالم أن يعرفه أو يفهمه، إذ "ليس أحد يعرف من هو الابن إلا الآب، ولا من هو الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يعلن له" (لو10: 22). إن معرفة الابن هي حياة أبدية.. وهى أعظم إعلان يمنحه الله للإنسان.. لكل من يقبل.
بعد أن دخل السيد المسيح إلى السفينة، اعترف التلاميذ بألوهيته حسبما دوّن القديس متى في إنجيله: "الذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين بالحقيقة أنت ابن الله" (مت14: 33).
ألم يكن هذا الاعتراف الواضح من التلاميذ جديرًا بأن يقضى الليل كله على الجبل مصليًا من أجلهم؟!
ولم تكن هذه الصلاة هي من أجل إيمان التلاميذ فقط، بل من أجل أن يفتح الآب قلوب وأذهان الملايين الذين سوف يؤمنون به على مر العصور والأجيال.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
هل يستحيل على الرب شيء؟!

ترك السيد المسيح التلاميذ طوال الليل، يواجهون العاصفة وأمواج البحر الهائج، وجاء إليهم ماشيًا على البحر.. وفي مشيه على الماء كان يريد أن يعطيهم درسًا ذا أهمية كبيرة، وهو أنه لا يوجد شيء مستحيل عند الرب.
ربما مكثوا الليل كله يقولون فيما بينهم: (ليته كان معنا في السفينة، لو كان معنا ما لحق بنا هذا الشئ الذي صار الآن).
لكن السيد المسيح أراد أن يعلِّمهم أنه يستطيع أن يتخطى كل الفواصل والعوائق، يستطيع أن يمشى على الماء، وليس ذلك فقط، بل يستطيع أن يمنح تلاميذه هذه الإمكانية أيضًا أن يسيروا مثله على الماء. فحينما طلب منه بطرس ذلك، أجابه إلى طلبه تحقيقًا لقوله الإلهي: "من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضًا" (يو14: 12).
السيد المسيح يعمل الأعمال الفائقة للطبيعة بقدرته الإلهية الخاصة، أما تلاميذه فيعملونها بنعمة منه. مهما كثرت أعمال التلاميذ والقديسين، فكلها بعطية من صاحب القدرة ومانح السلطان والمواهب.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
يا رب نجني


كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
كتب القديس متى الإنجيلي عن وقائع لقاء السيد المسيح مع تلاميذه في وسط البحر فقال: "فلما أبصره التلاميذ ماشيًا على البحر اضطربوا قائلين إنه خيال. ومن الخوف صرخوا. فللوقت كلمهم يسوع قائلًا: تشجّعوا، أنا هو، لا تخافوا. فأجابه بطرس وقال: يا سيد إن كنت أنت هو فمرني أن آتى إليك على الماء. فقال: تعال. فنزل بطرس من السفينة ومشى على الماء ليأتي إلى يسوع. ولكن لما رأى الريح شديدة خاف. وإذ ابتدأ يغرق، صرخ قائلًا: "يا رب نجنى". ففي الحال مد يسوع يده وأمسك به وقال له: يا قليل الإيمان، لماذا شككت؟ ولما دخلا السفينة سكنت الريح والذين في السفينة جاءوا وسجدوا له قائلين: بالحقيقة أنت ابن الله" (مت14: 26-33).
في وسط الريح الشديدة ابتدأ بطرس يغرق، فصرخ قائلًا: "يا رب نجنى".
لم يكن هناك مجالًا للحديث.. أو للحوار.. أو للتفكير.. بل كان الصراخ هو الحل الوحيد. هناك مواقف لا يناسبها إلا الصراخ إلى الله في الصلاة.
كقول المرتل "من الأعماق صرخت إليك يا رب" (مز129: 1).
أو قوله "بصوتي إلى الرب صرخت، بصوتي إلى الرب تضرعت، أسكب أمامه توسلي" (مز141: 1، 2).
أو كصلاة يونان من بطن الحوت "دعوت من ضيقي الرب فاستجابني. صرخت من جوف الهاوية فسمعت صوتي" (يون2: 2).
هذا النوع من الصراخ ينطبق عليه (كما ذكر قداسة البابا شنودة الثالث) قول الشاعر:
صوتي عِلى مثل صرخة غريق بينده لقارب نجاة..
بيصرخ بيصرخ بكل قواه للحياة
لقد صرخ بطرس، وفي الحال مد الرب يده وانتشله.
فهل نصرخ نحن إلى الرب حينما ندخل في مأزق أو تجربة؟ أم صلاتنا تكون سطحية وليست من أعماق القلب؟!
هناك فرق بين إنسان يطلب من الله أن يكون معه، مجرد طِلبة. وآخر في استغاثة حارة يصرخ إليه ليتدخل سريعًا وبكل قوة.
الله يريد الذين يصرخون إليه في وقت التجربة.. صراخ من القلب.. صراخ بدموع.. لذلك قال الرب: "ادعني في يوم الضيق أنقذك فتمجدني" (مز50: 15).
كثيرًا ما تكون صلواتنا ضعيفة، ربما حتى لا تصل إلى سقف حجرة الصلاة. تكون صلاة كمن يؤدى واجب عليه وليس أكثر..!!
الله يريد من يصرخ إليه.. ومن يتعلق به ويقول: "لا أطلقك إن لم تباركني" (تك32: 26).
أليس هو الرب الذي قال: "لأنه علىّ اتكّل فأنجيه، أستره لأنه عرف اسمي. يدعوني فاستجيب له، معه أنا في الشدة. فأنقذه وأمجده وطول الأيام أشبعه، وأريه خلاصي" (مز90: 14-16)؟!
إن الرب أحيانًا يتركنا في ضيقة معينة، في مأزق، أو في شدة. لكي يعلِّمنا كيف نصرخ إليه في الصلاة. وعندما نصرخ إليه يستجيب. فنشعر بقيمة الصلاة وأهميتها وفاعليتها. كما نشعر بأهمية أن تكون لنا علاقة به.. نشعر بأهمية طلبنا إليه، وأيضًا بأهمية حضوره ووجوده في وسطنا.
نحن ربما لا نشعر بأهمية الماء إلا إذا وُجدنا في صحراء جرداء ليس فيها ماء.
وربما لا نشعر بأهمية الهواء الذي نتنفسه إلا إذا وُجدنا في موضع تحت الأرض يخلو من الأكسجين،مثل الوجود في منجم مثلًا، أو في نفق انقطعت عنه التهوية..
الإنسان أحيانًا لا يعرف قيمة الشيء إلا إذا لم يجده.
فالتلاميذ عرفوا قيمة وجود السيد المسيح في وسطهم عندما تأخر في المجيء إليهم، لدرجة أنهم عندما أبصروه ماشيًا على الماء ظنوه خيالًا. مثلما يقول الإنسان أحيانًا (أنا في حلم واللا في علم؟!).
إن الرب مستعد أن يفعل أكثر كثيرًا مما نطلب أو نفتكر.. ولكن يلزمنا أن نشعر حقيقةً بحاجتنا إليه.. أن نصرخ من أعماق قلوبنا ونناديه.. أن نظل نكافح الأمواج منتظرين مجيئه حتى ولو في الهزيع الرابع من الليل.. ماشيًا على البحر.. متخطيًا كل الحواجز الطبيعية.. منتهرًا البحر والرياح.. مانحًا سلامه العجيب لكل من ينتظر عمله وحضوره وعطية محبته التي تفوق كل وصف وتصديق.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
يا معلم أما يهمك أننا نهلك؟!

عبارة قالها التلاميذ للسيد المسيح عندما كان معهم، نائمًا في مؤخرة السفينة في وسط البحر، وهاج البحر بشدة حتى كادت السفينة أن تغرق، فذهبوا إليه وأيقظوه قائلين له: "يا معلم أما يهمك أننا نهلك" (مر4: 38).
لقد وبخ السيد المسيحالتلاميذ وقال لهم: "ما بالكم خائفين هكذا، كيف لا إيمان لكم؟" (مر4: 40).
فلماذا وبخهم؟ مع أنه سبق أن أوصاهم قائلًا "اسألوا تعطوا، اطلبوا تجدوا، اقرعوا يفتح لكم" (مت7: 7) وقال أيضًا عن أهمية الصلاة: "أفلا ينصف الله مختاريه الصارخين إليه نهارًا وليلًا وهو متمهل عليهم؟ أقول لكم إنه ينصفهم سريعًا" (لو18: 7، 8).
لم تكن المشكلة في أنهم التجأوا إلى السيد المسيح، الذي قام وانتهر البحر والريح حتى صار هدوء عظيم. ولكن المشكلة كانت في الخوف العظيم الذي انتاب التلاميذ بالرغم من وجود السيد المسيح معهم في السفينة، كما أن المشكلة كانت في عبارتهم القاسية "أما يهمك أننا نهلك؟" (مر4: 38).
لقد شخَّص السيد المسيح السبب في هذه الأخطاء التي وقعوا فيها بقوله: "ما بالكم خائفين هكذا، كيف لا إيمان لكم؟!" (مر4: 40).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
الخوف لا يتفق مع الإيمان

الإنسان المؤمن لا يخاف بل يقول مع المرنم: "الرب نورى وخلاصي ممن أخاف" (مز26: 1)، "إن سرت في وادي ظل الموت فلا أخاف شرًا لأنك معي" (مز22: 4). ويقول أيضًا "تقدمت فرأيت الرب أمامي في كل حين لأنه عن يميني لكي لا أتزعزع" (مز15: 8)
إنه يثق في عناية الرب وفي حفظه وقدرته غير المحدودة. ويثق في مواعيد الرب؛ أن شعرة من رؤوسكم لا تهلك إلا بإذنه، وأن من تعلق به ينجيه كقوله في المزمور "لأنه تعلق بي أنجيه، أستره لأنه عرف اسمي، يدعوني فأستجيب له، معه أنا في الشدة، فأنقذه وأمجده وطول الأيام أشبعه، وأريه خلاصي" (مز90: 14-16).
ينبغي أن ندرّب أنفسنا على الثقة وعدم الخوف من العالم كما أوصانا الرب "في العالم سيكون لكم ضيق ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يو16: 33).
إن الإيمان بالرب ليس هو مجرد الإيمان بالثالوث القدوس الإله الواحد المثلث الأقانيم، وبتجسد أقنوم الابن الوحيد وبصلبه وموته وقيامته وصعوده إلى السماء وباقي الأمور العقائدية المختصة بالإيمان. ولكن يلزم أن يكون لهذا الإيمان ثمر في حياة الإنسان.
وهذا الثمر يمنحه الروح القدس للإنسان المؤمن الذي يجاهد في شركة الروح القدس "وأما ثمر الروح فهو محبة، فرح، سلام، طول أناة، لطف، صلاح، إيمان، وداعة، تعفف" (غل 5: 22، 23).
إذن الإيمان أيضًا هو من ثمر الروح القدس. والمقصود هنا حياة الإيمان أي السلوك بالإيمان. الإيمان الذي يحرر الإنسان من الخوف من العالم، والخوف من المرض، والخوف من الموت، والخوف من الآلام والضيقات، والخوف من البشر وما يفعلون. وهذا كله يدل على الإيمان بقدرة الله.
لذلك قال معلمنا بولس الرسول: "بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود، وأنه يجازى الذين يطلبونه" (عب11: 6).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
عتاب المحبة

إن الرب يسمح لنا في الصلاة أن نعاتبه أو أن نتضرع إليه في محبة وثقة، مثلما نقول في المزمور الكبير: "كلّت عيناي من انتظار أقوالك قائلتين: متى تعزيني؟.. كم هي أيام عبدك؟ متى تُجرى لي حكمًا على الذين يضطهدونني؟.. كادوا يفنونني على الأرض" (مز118: 82-87).
أو مثلما نقول: "إلى متى يا رب تنساني إلى الانقضاء حتى متى تصرف وجهك عنى؟ إلى متى أردد هذه المشورات في نفسي وهذه الأوجاع في قلبي كل يوم. إلى متى يرتفع عدوى علىّ. انظر واستجب لي يا ربى وإلهي. أنر عيني لئلا أنام نوم الموت. لئلا يقول عدوى إني قد قويت عليه" (مز12: 1-4).
ولكن التلاميذ في تلك الواقعة تخطوا الحدود اللائقة في التخاطب مع الرب بقولهم "أما يهمك أننا نهلك؟!".
كيف يُقال هذا لمن أخلى نفسه من المجد المنظور إذ أخذ شكل العبد، واحتمل الكثير من أجل كنيسته وقبِل الموت فداءً عنا.
كيف يُقال له "أما يهمك؟"
لقد تعمّد السيد المسيح أن ينام في وسط العاصفة، لكي يكشف للتلاميذ ما فيهم من ضعف ولكي يقودهم إلى إصلاح عيوبهم.
إن مجرد وجود السيد المسيح في السفينة، يكفى لكي يطمئنوا لأنه بحسب لاهوته "لا ينعس ولا ينام حارس إسرائيل" (مز120: 4).
لقد ظن التلاميذ أن السيد في نومه بحسب الجسد، لا يدرى بما يجرى حوله-وهو العالِم بكل الأشياء بحسب لاهوته.
وقد غاب عن ذهن التلاميذ أيضًا هذا الإيمان إلى جوار ما أصابهم من الخوف.
ليتهم قالوا له في ضراعة:
قم سكّت البحر طاردًا هذى البلية
وأشفق على البيعة في كل حرب خفية
واملأ القلب سلامًا فإن نعمتك قوية
من وحى شعر قداسة البابا شنودة الثالث-أطال الرب حياة قداسته-عن قيامة السيد المسيح.
  رد مع اقتباس
قديم 11 - 03 - 2014, 06:32 PM   رقم المشاركة : ( 43 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

تعليم السيد المسيح عن الجهاد الروحي

الحواس الخمس

الخمس عذارى في مثل العرس تشير إلى حواس الإنسان.
فكما أن للإنسان حواسًا جسدية، هكذا لديه حواس روحية مُناظرة لها.
وبالصوم والصلاة يتفرغ الإنسان لكي تنمو فيه قوة الحواس الروحية، وتمتلئ آنيته من زيت النعمة وفعل الروح القدس ومحبة الله الغنية.
فى الصوم والصلاة والتأمل في كلام الله بقيادة الروح القدس، تنمو روحيات الإنسان، ويتقوى بالروح، ويصير الروح قادرًا أن يقود الجسد.
وكما قال الكتاب "إن عشتم حسب الجسد فستموتون، ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون" (رو8: 13).
وكما قال قداسة البابا شنودة الثالث: إن روح الإنسان تقود الجسد، وروح الله يقود روح الإنسان، فمن له شركة الروح القدس يستطيع أن يحيا بالروح، وينقاد بالروح، وتتقدس مسيرة حياته وأفعال جسده.
فحينما يأكل الإنسان طعام الجسد -منقادًا بالروح- فإنه يأكل لمجد الله "إذا كنتم تأكلون، أو تشربون، أو تفعلون شيئًا، فافعلوا كل شيء لمجد الله" (1كو10: 31).
لذلك فبعدما أكمل إبليس كل تجربة، وأكمل السيد المسيح صومه عنا معلمًا إيانا.. "إذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه" (مت4: 11).. وأنهى صومه بطعام أعدته له الملائكة.. فيا له من منظر رائع يفوق العقول!!
وقال السيد المسيح: "المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح" (يو3: 6).

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
فالإنسان الجسداني تقوى عنده الحواس الجسدية وتقود حياته، والإنسان الروحاني تقوى عنده الحواس الروحية وتقود حياته.
فحاسة السمع الروحية مثلًا تجعل الإنسان قادرًا على سماع صوت الله بوضوح، مثلما قال السيد المسيح: "والخراف تسمع صوته" (يو10: 3).
وقال أيضًا: "كل من هو من الحق يسمع صوتي" (يو18: 37).
وعن ذلك يقول المزمور: "إني أسمع ما يتكلم به الرب الإله لأنه يتكلم بالسلام لشعبه ولقديسيه وللذين رجعوا إليه من كل قلوبهم" (مز84: 8). الإنسان الروحي يسمع صوت الإله واضحًا في حياته. يسمع وصايا السيد المسيح ويفهمها. يسمع صوت الروح وينقاد لهذا الصوت في داخله لأن "الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" (رو8: 14).
نأخذ مثلًا التليفون اللاسلكي، لكل جهاز مدى للاستقبال، لا يستطيع بعده أن يلتقط موجات الإرسال. فكلما قويت حاسة السمع الروحية في الإنسان كلما ازداد صوت الله وضوحًا في عقله، وقلبه، وحياته.
وجهاز التليفون اللاسلكي يحتاج إلى شحن للبطاريات لكي يكون قادرًا على استقبال الموجات اللاسلكية، هكذا أيضًا يحتاج الإنسان الروحي إلى شحنة روحية، بأن يمتلئ من الروح القدس لكي يصير له القدرة على الاستماع إلى صوت الله.
والامتلاء من الروح القدس يتم بممارسة الوسائط الروحية مثل ممارسة التوبة والاعتراف والتناول من الأسرار المقدسة. وكذلك ممارسة الجهادات الروحية باتضاع مثل الصوم والصلاة واحتمال الضيق والمشقات والآلام، مثلما قال القديس بطرس الرسول: "كما اشتركتم في آلام المسيح افرحوا. لكي تفرحوا في استعلان مجده أيضًا مبتهجين. إن عُيّرتم باسم المسيح فطوبى لكم لأن روح المجد والله يحل عليكم" (1بط4: 13، 14).
إن من يحتمل الآلام من أجل المسيح يصير أهلًا لأن يحل عليه "روح المجد والله".
ممارسة الحياة الروحية والمواظبة على العبادة بحرارة والصلوات المتواصلة من قلب خاشع تؤهّل الإنسان للامتلاء من الروح القدس.
قراءة الأسفار المقدسة بروح الصلاة والتأمل والشوق الحار لمعرفة الله تؤهّل الإنسان للامتلاء من الروح القدس. لهذا نقف بخشوع في الكنيسة أثناء قراءة الإنجيل المقدس لكي نؤهّل لهذا الامتلاء، وتغتذي أرواحنا بكلمات الإنجيل وتتقوّى حاسة السمع الروحية فينا.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
كيف توجد الحواس الروحية في الإنسان؟

هذا الأمر شرحه السيد المسيح لنيقوديموس حينما قال له: "إن كان أحد لا يولد من فوق (من الماء والروح) لا يقدر أن يرى (يدخل) ملكوت الله" (يو3: 3، 5). بمعنى أن الروح القدس يخلق فينا في المعمودية حواسًا خمس روحية تؤهلنا لميراث الحياة الأبدية. ومن ضمن هذه الحواس الخمس الروحية حاسة النظر التي يمكن للإنسان بها أن يعاين ملكوت الله. لهذا قال معلمنا بولس الرسول: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة" (2كو5: 17). إن الروح القدس يخلق فينا بالفعل هذه الحواس وينميها بعد ذلك بوسائط النعمة الروحية.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
العذارى الحكيمات

الحواس الخمس الروحية المنيرة ترمز إلى مصابيح الخمس عذارى الحكيمات. والآنية الممتلئة من الزيت ترمز إلى امتلاء قلب الإنسان من الروح القدس. حيث ينير الروح القدس الحواس. مثلما قال السيد المسيح: "إن كانت عينك بسيطة فجسدك كله يكون نيّرًا" (مت6: 22)،فالحواس التي يعمل فيها الروح القدس تجعل الجسد مقدسًا منيرًا خاليًا من شوائب الخطية وظلمتها.
لذلك قيل عن الأبرار: "حينئذٍ يضئ الأبرار كالشمس في ملكوت أبيهم" (مت13: 43).
اليد اليمنى لها خمسة أصابع، وأصحاب الحواس الخمس الروحية المنيرة سوف يكون نصيبهم عن يمين الملك المسيح. إذ يقيم الخراف عن يمينه.
واليد اليسرى لها خمسة أصابع، وأصحاب الحواس الخمس المظلمة سوف يكون نصيبهم عن يسار الملك المسيح. إذ يقيم الجداء عن يساره.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
هذه الحواس الخمس عمومًا هي البصر، والسمع، والشم، واللمس، والتذوق.
1- حاسة البصر الروحية يستطيع الإنسان الروحي أن يعاين بها ملكوت الله.
2- وحاسة السمع الروحية يستطيع الإنسان الروحي أن يستمع بها إلى صوت الله، وإلى تسابيح السمائيين.
3- وحاسة الشم الروحية يستطيع الإنسان الروحي أن يستنشق بها ويشم رائحة المسيح الذكية، ورائحة حياة القداسة كقول سفر النشيد عن السيد المسيح "لرائحة أدهانك الطيبة، اسمك دهن مهراق. لذلك أحبتك العذارى" (نش1: 3). وأيضًا "مادام الملك في مجلسه أفاح نارديني رائحته" (نش1: 12). هذه الرائحة الذكية تملأ نفس الإنسان الروحي بالنشوة الروحية وتتزايد محبته للسيد المسيح وتأسره هذه المحبة. فما أجمل تعبير رائحة الناردين الخالص الكثير الثمن عن رائحة موت السيد المسيح، التي هي رائحة الحياة، لأنها رائحة الحب. وحيث يكون الحب فهناك الحياة لأن "الله محبة". وقد صدق الفيلسوف الفرنسي الذي قال: [أن نحب معناها أن نوجد]. بمعنى أنه لا معنى للوجود بدون المحبة.
كان قبول السيد المسيح للناردين من المرأة ساكبة الطيب، هو قبول لموته بدافع الحب. لهذا قال: "إنها ليوم تكفيني قد حفظته" (يو12: 7). إنه قبول للموت من منطلق الحياة. أي هو موت مُحيى، ورائحة حياة لحياة في الذين يخلصون.
4- وحاسة اللمس الروحية يستطيع الإنسان الروحي أن يتلامس بها مع عمل الله وحضوره في حياته.
إن المرأة نازفة الدم قد قالت في نفسها: "إن مسست ولو ثيابه شفيت" (مر5: 28). لذلك فالإنسان الذي يتلامس مع الحق الذي في المسيح ويدرك الحد الفاصل بين النور والظلمة، يكون كمن لمس هُدب ثوبه، فينال الشفاء.
إن لمسة بسيطة من يد السيد المسيح الشافية تستطيع أن تنزع الخطية مثلما طهر الأبرص حينما مد السيد المسيح يده ولمسه وقال "أريد فاطهر" (مت8: 3) فللوقت طهر برصه وشفى.
هناك لمسات كثيرة يعملها الله في حياة الإنسان ويحسها الإنسان الروحي. ويقول مع عروس النشيد: "شماله تحت رأسي ويمينه تعانقني" (نش2: 6، 8: 3). إن من يتلامس مع الله يصير الرب له سندًا قويًا في حياته كما قيل عن هذه العروس "من هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها؟" (نش8: 5).
5- وحاسة التذوق الروحية يستطيع الإنسان الروحي أن يتذوق بها حلاوة الحياة مع الله.
يقول الكتاب "ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب" (مز33: 8).
وتقول عروس النشيد "كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين، تحت ظله اشتهيت أن أجلسوثمرته حلوة لحلقي" (نش2: 3).
هذه المذاقة الروحية جعلت كثير من القديسين ينسون كل مسرات العالم ومشتهياته، لأن مذاقة حب السيد المسيح كانت أشهى من كل أطياب العالم.
في هذه العشرة العجيبة دخلت عروس النشيد، واستغرقتها مشاعر الحب حتى نسيت كل ما عداه وأنشدت قائلة "ليقبلني بقبلات فمه لأن حبك أطيب من الخمر" (نش1: 2).
وكلما أعطى الإنسان نفسه الفرصة ليتذوق حلاوة المسيح، كلما زادت أشواق الحياة معه.
الباب الضيق

قال السيد المسيح: "ادخلوا من الباب الضيّق. لأنه واسع الباب ورحب الطريق الذي يؤدّى إلى الهلاك. وكثيرون هم الذين يدخلون منه. ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدّى إلى الحياة. وقليلون هم الذين يجدونه" (مت7: 13، 14).
لقد رسم السيد المسيح بحياته طريق الأمجاد، وبعدما تألّم على الصليب قال لتلاميذه: "كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26).
وكان دائمًا يردد أن من أراد أن يتبعه فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعه (انظر لو9: 23).
التلمذة للمسيح تحتم حمل الصليب. وبدون الصليب تصير المسيحية كالعروس بلا عريس.
والحياة مع المسيح فيها شركة الآلام مع المسيح كقول معلمنا بولس الرسول: "لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهًا بموته" (فى3: 10). وقال أيضًا: "كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا" (2كو1: 5)
من أراد أن يلتقي مع المسيح فلن يمكنه أن يلتقي به إلا في طريق الصليب، في طريق الآلام، في الطريق الكرب، ومن الباب الضيّق.
ولكن من يدخل إلى هذا الطريق، يجد هناك تعزيات كثيرة.. فكثيرون يحاولون تخيّل شكل السيد المسيح، وصورته البهية ويتمنون اللقاء به ليهنأوا بهذا اللقاء. ويوجد من هو مستعد أن يضحّى بكل غالٍ ونفيس في سبيل أن يرى السيد المسيح ويلتقي به.
ولكن السيد المسيح رسم لنا طريقة الالتقاء به.. هناك في درب الصليب. إذ لا يمكن أن نلتقي مع المسيح بدون صليبه.. لأن صليبه هو قوة الله للخلاص.
الصليب هو سر القوة والنصرة على الخطية، وعلى محاربات الشيطان. والصليب هو علامة حب الله لنا، وهو أيضًا علامة المصالحة بإتمام الفداء وإيفاء الدين. فقبول الصليب هو قبول لمحبة الله ودخول إلى شركة الحب معه.
إن مجد المحبة هو أن تتألم من أجل من تحب. كما أن مجد الينبوع هو أن يسقى ويروى ويغسل.
في درب الصليب تبدأ النفس في الدخول إلى شركة العرس الروحي. وتبدأ في تذوّق حلاوة المحبة المتبادلة بين المسيح والعروس.
حينما قال بولس الرسول: "كما تكثر آلام المسيح فينا، كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا أيضًا" (2كو1: 5). كان يقصد أن الكنز المخفي لاكتشاف وتذوّق حلاوة الحياة مع المسيح هي من خلال قبول التألّم مع من أحبنا وسلّم نفسه كفارة عن خطايانا.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
تطبيقات عملية

1- الخدمة الصعبة

الخدمة السهلة يتهافت عليها كثيرون، ولكنهم في هذا النوع من الخدمة لن يتلامسوا مع قوة المسيح التي تعمل في الخدمة، والتي تعين الآنية الخزفية.
ولكن من يقبل الدخول إلى الخدمة الصعبة، أو الخدمة الشاقة فهناك يختبر عمل الله في الخدمة. ويبتدئ الرب يُظهر هذا العمل فيتمجد الله، ويشعر الناس بحضور الرب وعمله.. فتدخل الخدمة إلى أعماق نفوس الناس.
لهذا قال السيد المسيح: "إن كان أحد يخدمني فليتبعني، وحيث أكون أنا هناك أيضًا يكون خادمي. وإن كان أحد يخدمني يكرمه الآب" (يو12: 26).
المسألة تبدأ بقبول الصليب.. ويتبع ذلك عمل الآب في الخدمة بصورة تفوق قدرات الإنسان الخادم البشرية. وهذه هي الكرامة الحقيقية التي لا يتوقعها الإنسان ولكنه يعايشها ويختبرها ويتعزى.
2- التضحية والعطاء بسخاء

يستدعى قبول صليب التجرّد والزهد والفقر الاختياري. كما كان القديس الأنبا أبرام أسقف الفيوم يصنع في خدمته؛ وفي المقابل كان الرب يتمجّد ويغمر الخدمة ببركات كثيرة وأموال طائلة لأن "الأمين في القليل أمين أيضًا في الكثير" (لو16: 10). يضاف إلى ذلك أن القديس الأنبا أبرام لشدة عطفه وحنانه لمساعدة المرضى والمحتاجين، قد منحه الرب موهبة الشفاء وصنع المعجزات. حقًا قال السيد المسيح: "ليس أحد ترك.. لأجلى.. إلا ويأخذ مئة ضعف" (مر10: 29-30).
3- الشهادة للحق

جاء السيد المسيح إلى العالم ليشهد للحق. وقال: "كل من هو من الحق يسمع صوتي" (يو18: 37). وقد بذل حياته ثمنًا لشهادته للحق.
وفى وسط عالم يموج بالمتغيرات والصعوبات تكون الشهادة للحق ذات ثمن باهظ. مثلما حدث مع إرميا النبي الذي كانت رسالته لتوبيخ شعبه في زمانه داعيًا إياهم للتوبة -كما أوضح لنا قداسة البابا شنودة الثالث أطال الرب حياته. واحتمل إرميا النبي الكثير من أجل رسالته الصعبة، وهو الإنسان الوديع الباكي الذي كان يميل إلى البُعد عن المشاكل ولكن كانت إرادة الله له أن يتحمل هذه الأعباء التي تفوق طاقته.
4- الجهاد ضد الخطية

يقول معلمنا بولس الرسول: "لم تقاوموا بعد حتى الدم مجاهدين ضد الخطية. وقد نسيتم الوعظ الذي يخاطبكم كبنين: يا ابني لا تحتقر تأديب الرب ولا تخُر إذا وبخك" (عب12: 4، 5).
إن الجهاد ضد الخطية هو من لوازم حياة التلمذة الحقيقية للمسيح. لهذا قال الكتاب "أما المتنعمة فقد ماتت وهى حية" (1تى5: 6).
لا يمكن أن يجتمع النور والظلمة معًا.. لهذا فالتوبة هي بداية الطريق إلى الله كقول السيد المسيح في دعوته: "توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات" (مت4: 17).
في وسط جهادات الحياة الروحية يختبر الإنسان عمل الروح القدس وهو يقوده إلى موكب النصرة.. ليفرح في وسط صفوف الأبرار.
ولكن دائمًا يلزمنا أن نجاهد وأن "نحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمّله يسوع" (عب12: 1، 2).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
مع العريس

وهكذا نرى في كل جوانب الحياة مع الله أن اللقاء مع المسيح يلزمه معانقة وقبول الصليب. وأن من يهرب من الضيقة يهرب من الله؛ لأنه يفقد فرصة اللقاء معه، في وسط الضيقة يحمله ويعزّيه. كقول السيد المسيح لعروس النشيد عن عشرته معها في طريق الألم المؤدّى إلى حلاوة التعزية: "قد دخلتُ جنتي يا أختي العروس. قطفتُ مُرّي مع طيبي. أكلتُ شهدي مع عسلي. شربتُ خمري مع لبنى. كلوا أيها الأصحاب اشربوا واسكروا أيها الأحباء" (نش5: 1).
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 03:32 PM   رقم المشاركة : ( 44 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

شهادة السيد المسيح للأسفار المقدسة

اهتم السيد المسيح بالكتب المقدسة وشهد لها في مواضع ومناسبات عديدة. وشهادة السيد المسيح لهذه الكتب لم تكن شيئًا جديدًا لأنها قد حفظت عبر الأجيال السابقة لظهوره في الجسد وبالطبع كان هو أيضًا حافظها بعنايته الإلهية.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
مكتوب

أول شيء نقرأ عنه في الإنجيل المقدس عن استخدام السيد المسيح لآيات واضحة من الأسفار المقدسة هو رده القاطع بعدما جاع أخيرًا في التجربة على الجبل حينما قال له إبليس: "إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزًا" (مت4: 3). وكان الرد: "مكتوب ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (مت4: 4).
وحتى حينما حاول إبليس أن يلجأ إلى الخداع بالاستناد إلى آيات من الكتاب المقدس رد عليه السيد المسيح بآيات أخرى تكشف مكر إبليس وخداعه. وكان إبليس قد أخذه إلى المدينة المقدسة وأوقفه على جناح الهيكل وقال له: "إن كنت ابن الله فأطرح نفسك إلى أسفل، لأنه مكتوب: أنه يوصى ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدِم بحجر رجلك" (مت4: 6). فرد عليه السيد المسيح وقال له: "مكتوب أيضًا: لا تجرب الرب إلهك" (مت4: 7). وبهذا أوضح السيد المسيح كيفية استخدام الآيات بطريقة سليمة وفي موضعها الصحيح.
في كل ذلك أكّد السيد المسيح أهمية الاستناد إلى كلام الله الموجود في الأسفار المقدسة لمواجهة حروب إبليس. والعجيب أنه فيما استند إبليس إلى آيات الكتاب المقدس. فإنه قد حرك بمكره بعض الناس خاصة في هذه الأزمنة الأخيرة للتشكيك في الوحي الإلهي وفي أسفار الكتاب تحت اسم نقد الكتاب المقدس Bible Criticism. لأن الشيطان له وسائل وطرق كثيرة في خداع الناس وتضليلهم.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
شهادة السيد المسيح للمزامير

أشار السيد المسيح إلى أن المزامير قد كتبت بوحي من الروح القدس، وأن كاتبها هو القديس داود النبي والملك. وكان ذلك "فيما كان الفريسيون مجتمعين سألهم يسوع قائلًا: ماذا تظنون في المسيح. ابن من هو؟ قالوا له: ابن داود. قال لهم: فكيف يدعوه داود بالروح ربًا قائلًا: قال الرب لربى اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئًا لقدميك. فإن كان داود يدعوه ربًا، فكيف يكون ابنه؟ فلم يستطع أحد أن يجيبه بكلمة. ومن ذلك اليوم لم يجسر أحد أن يسأله بتّة" (مت22: 41-46).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
على الصليب

أراد السيد المسيح أن يلفت نظر المحيطين به إلى ما ورد عن صلبه من نبوات واضحة في سفر المزامير فقال: "إلهي إلهي لماذا تركتني" (مت27: 46).
وهو بهذا قد استخدم بداية المزمور الثاني والعشرين الذي يقول: "إلهي إلهي لماذا تركتني بعيدًا عن خلاصي عن كلام زفيري.. كل الذين يرونني يستهزئون بي يفغرون الشفاه وينغضون الرأس قائلين: اتكل على الرب فلينجّه. لينقذه لأنه سر به.. أحاطت بي ثيران كثيرة، أقوياء باشان اكتنفتني. فغروا علىّ أفواههم كأسد مفترس مزمجر.. يبست مثل شقفة قوتي ولصق لساني بحنكي وإلى تراب الموت تضعني. لأنه قد أحاطت بي كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتني. ثقبوا يديّ ورجليّ. أحصى كل عظامي وهم ينظرون ويتفرسون في. يقسمون ثيابي بينهم وعلى لباسي يقترعون" (مز22: 1، 7، 8، 12، 13، 15-18).

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
إنه وصف عجيب لأحداث صلب السيد المسيح امتلأ به هذا المزمور ويعتبر ترديد السيد المسيح للعبارة الأولى فيه إشارة وشهادة لما يحويه المزمور من نبوات دقيقة وواضحة عن الصلب بما في ذلك تعييرات اليهود للسيد المسيح بقولهم: "قد اتكل على الله فلينقذه الآن إن أراده" (مت 27: 43). وتسمير الجند له على الصليب ثاقبين يديه ورجليه بالمسامير واقتسامهم ثيابه بينهم وإلقائهم القرعة على لباسه "ولما صلبوه، اقتسموا ثيابه مقترعين عليها. لكي يتم ما قيل بالنبي اقتسموا ثيابي بينهم وعلى لباسي ألقوا قرعة" (مت 27: 35).
وهنا نرى شهادة من القديس متى الإنجيلي لما ورد في نفس المزمور وأن ما حدث في اقتسام ثياب السيد المسيح وإلقاء القرعة على لباسه هو إتمام للنبوة الواردة فيه.
وقد دعى السيد المسيح "ابن داود" (مت21: 9)، ودعيت مملكته "مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب" (مر11: 10).
وعلى جبل التجلي التقى الناموس والأنبياء مع صاحب المزامير الحقيقي وهو السيد المسيح فكان موسى ممثلًا للناموس، وإيليا ممثلًا للأنبياء، أما المزامير فقد تحققت في شخص ابن داود.
بل أن هوشع النبي يعطى لقب داود للسيد المسيح في قوله: "لأن بنى إسرائيل سيقعدون أيامًا كثيرة بلا ملك، وبلا رئيس، وبلا ذبيحة، وبلا تمثال، وبلا أفود وترافيم. بعد ذلك يعود بنو إسرائيل ويطلبون الرب إلههم وداود ملكهم ويفزعون إلى الرب وإلى جوده في آخر الأيام" (هو3: 4، 5).
ومن الواضح هنا أن عبارة "يطلبون داود ملكهم في آخر الأيام" هي كناية عن عودة بنى إسرائيل إلى السيد المسيح بعد رفضهم له وعدم اعترافهم بملكه الذي قال عنه الملاك جبرائيل للسيدة العذراء "ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه.. ولا يكون لملكه نهاية" (لو1: 32، 33).
إن من يتغنى بالمزامير فإنما يتغنى بحياة السيد المسيح، أو يتغنى بعمل السيد المسيح في حياة الإنسان.
للمسيح تُقدَّم الصلاة، وبالمسيح تقدم الصلاة، وفي المسيح تقدم الصلاة. وعليه ينطبق قول المزمور "أما أنا فصلاة" (مز109: 4).
لقد كان السيد المسيح هو الكاهن وهو الذبيحة وهو المُصعد وهو الصعيدة (هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة).
ما أجمل أن يكون السيد المسيح هو أنشودة حياتنا: نشدو به ونشدو بحبه ونتذوقه جديدًا في كل يوم.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
مع التلاميذ بعد القيامة

حينما ظهر السيد المسيح لتلاميذه وهم مجتمعين بعد القيامة "قال لهم: هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عنى في ناموس موسى والأنبياء والمزامير حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم هكذا هو مكتوب وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث" (لو24: 44-46)، وبهذا أوضح السيد المسيح أن ما ورد من نبوات في سفر المزامير هو مكتوب بوحي من الله لهذا كان ينبغي أن يتم جميع ما هو مكتوب في أسفار العهد القديم بما في ذلك سفر المزامير.
وكان في حديثه مع تلميذيّ عمواس بعد القيامة قد "ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسّر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو24: 27).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
فتح ذهنهم ليفهموا الكتب

ورد في نص قانون الإيمان الأرثوذكسي [قام من الأموات في اليوم الثالث كما في الكتب] وهذا النص مأخوذ مما ورد في كلام السيد المسيح لتلاميذه بعد القيامة كما ذكرنا سالفًا ومستند على ما ورد في الكتب المقدسة التي كتبت قبل مجيء السيد المسيح إلى العالم.
ولكن الأمر الهام جدًا هو أن السيد المسيح قد فتح ذهن التلاميذ ليفهموا الكتب. بمعنى أنه لم يكتفِ فقط بما شرحه وأوضحه لهم من معاني النبوات المختصة به في جميع الكتب، بل فتح ذهنهم ليفهموا الكتب.
ما أروع هذا الأمر أن يُرفع البرقع الذي وضعه موسى على وجهه رمزًا لأن الأسرار الإلهية التي لم يستطع عامة البشر أن يفهموها قد أصبحت واضحة ومعلنة وجلية في العهد الجديد.
وقد شرح معلمنا بولس الرسول هذا الأمر مبينًا السبب في أن شعب إسرائيل حتى اليوم لا يفهمون الكتب أي أسفار العهد القديم كما فهمها تلاميذ المسيح فقال: "فإذ لنا رجاء مثل هذا نستعمل مجاهرة كثيرة. وليس كما كان موسى يضع برقعًا على وجهه لكي لا ينظر بنو إسرائيل إلى نهاية الزائل،بل أغلظت أذهانهم، لأنه حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باقٍ غير منكشف، الذي يبطل في المسيح. لكن حتى اليوم حين يُقرأ موسى، البرقع موضوع على قلبهم. ولكن عندما يرجع إلى الرب يرفع البرقع" (2كو3: 12-16).
إن شعب إسرائيل لسبب قساوة قلوبهم وعدم توبتهم حتى الآن، لا يقدرون أن يفهموا أسفار الكتاب المقدس العهد القديم الموجودة بين أيديهم والتي يقرأونها باستمرار في مجامعهم.
ولكن وجود هذه الأسفار في أيديهم بنفس النصوص الموجودة في أيدينا هي شهادة لصحة هذه الأسفار المقدسة واستمراريتها عبر الأجيال.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
سمعتم أنه قيل للقدماء

في الموعظة على الجبل انطلق السيد المسيح بكثير من وصايا العهد القديم إلى كمالها في العهد الجديد كما سبق فقال: "لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل" (مت5: 17).
وفى حديثه عن كمال الوصايا القديمة اقتبس من الكتب المقدسة.
وفى قوله "قيل للقدماء"إشارة إلى أن كلامه التالي لذلك؛ هو وصايا العهد الجديد.
وقد ورد في كلام وتعليم السيد المسيح اقتباسات أخرى من العهد القديم وكلام كثير عن العهد القديم مثل أحاديثه عن أب الآباء إبراهيم وعن موسى النبي وعما ورد في سفر دانيال عن نهاية العالم..
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
السيف الماضي ذو الحدين

ورد في سفر الرؤيا عن السيد المسيح قوله عن نفسه: "هذا يقوله الذي له السيف الماضي ذو الحدّين" (رؤ2: 12).
وذلك كما رآه يوحنا الرسول "وسيف ماض ذو حدّين يخرج من فمه" (رؤ1: 16).
فما معنى أن السيد المسيح هو الذي له السيف ذو الحدين أو أن سيفًا ماضيًا ذا حدين يخرج من فمه؟
إن خروج السيف من فم السيد المسيح يشير إلى الكلام والوصايا والإعلانات والإنذارات التي نطق بها السيد الرب أثناء خدمته على الأرض، أو في كلامه الذي سمعه يوحنا في رؤياه بعد صعود السيد المسيح إلى السماء، أو عمومًا في كل ما تكلم به الرسل والأنبياء.
وقد ورد في فاتحة سفر الرؤيا العبارات التالية: "إعلان يسوع المسيح الذي أعطاه إياه الله ليُرى عبيده ما لابد أن يكون عن قريب وبيّنه مرسلًا بيد ملاكه لعبده يوحنا الذي شهد بكلمة الله وبشهادة يسوع المسيح بكل ما رآه" (رؤ1: 1، 2).
وقد ربط القديس بولس الرسول كلمة الله بالسيف ذي الحدين في قوله "لأن كلمة الله حيّة وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميّزة أفكار القلب ونياته" (عب4: 12).
إذن فهناك إصرار في الكتاب المقدس في أكثر من موضع على الربط بين كلمة الله وبين السيف الماضي ذي الحدين.
والسر في ذلك أن السيف الماضي ذا الحدين يستطيع أن يخترق الأجساد لا أن يقطع منها فقط.
أي أنه يدخل إلى عمق العمق بلا عائق. أما السيف غير الماضي أي غير المسنون أو غير الحاد وكذلك السيف ذو الحد الواحد فإما أنه لا يدخل إلى العمق أو أنه يعمل بحد واحد فقط؛ فيقطع الأجزاء الظاهرة كالرقبة واليدين والرجلين ولكنه لا يدخل مخترقًا إلى العمق.
لهذا قال معلمنا بولس الرسول عن كلمة الله أنها حيّة وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين وخارقة إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ومميزة أفكار القلب ونياته.
بمعنى أن كلمة الله تستطيع أن تخترق كيان الإنسان نفسيًا وروحيًا. وتستطيع أن تكشف الخبايا الداخلية في قلب الإنسان ونواياه.
هناك فرق بين كلام البشر وكلام الله. كلام البشر قد يؤثر في العاطفة وقد يقنع العقل بدرجات متفاوتة ولكنه لا يستطيع أن يخترق إلى مفرق النفس والروح والمفاصل والمخاخ ويميز أفكار القلب ونياته.
لهذا فهناك فرق بين عظة تعتمد على مهارة الواعظ وفصاحته، وبين عظة تعتمد على أقوال الكتاب المقدس التي هي أنفاس الله.
العظة المشبعة حقًا هي التي تحوى كثير من الآيات المأخوذة من الكتاب المقدس، والتي تدخل إلى قلوب السامعين، إذ يشعروا أن الرب يكلمهم بكلامه الذي يطهر القلب ويمنح قوة للسامعين ويصل إلى أعماق قلوبهم ويوقظ ويهذب ضمائرهم، حتى يُنخسوا في قلوبهم مثلما نُخست قلوب اليهود في يوم الخمسين ثم آمنوا واعتمدوا وقبلوا عطية الروح القدس.
إن قراءة الإنجيل في صلوات الكنيسة هي عنصر هام في العبادة الليتورجية، وفي إتمام الأسرار المقدسة. ويقترن بذلك قراءات من رسائل القديس بولس الرسول، ومن الرسائل الجامعة، ومن سفر أعمال الرسل. كما إن قراءة الإنجيل يسبقها أجزاء من المزامير المقدسة.
بالإضافة إلى ذلك يُقرأ سفر الرؤيا بكامله في طقس أبوغالمسيس بعد قراءة تسابيح الأنبياء. وتُقرأ أجزاء كثيرة من أسفار العهد القديم طوال الصوم الكبير، وفي طقس أسبوع الآلام، وفي طقس اللقان في عيد الغطاس وفي خميس العهد وفي عيد الآباء الرسل.
كما أن تسبحة نصف الليل تحوى أجزاء من الكتب المقدسة مثل تسبحة عبور البحر الأحمر من سفر الخروج لموسى النبي والمزامير 148و149و150.
أما المزمور 151 فيُقرأ في بداية سهرة ليلة السبت الكبير. كما أن سفر المزامير يقرأ بكامله في نهاية طقس الجمعة العظيمة. كما أن مراثي أرميا تقرأ في الجمعة العظيمة في بداية صلوات الساعة الثانية عشر.
بهذا نرى أمثلة لاهتمام الكنيسة بقراءة كلمة الله في طقوسها، كما أنها بذلك تدعو الجميع أن يتعمّقوا في دراسة الكتب المقدسة كقول المزمور الكبير "لأن شهاداتك هي درسي، وحقوقك هي مشوراتى" (مز 118: 24).
من أمثلة السيف ذي الحدين: قول المزمور أن "الرحمة والحق تلاقيا" (مز84: 10) أي أن كلمة الله تجمع الرحمة مع الحق. فهي ذات حدين وليس حد واحد. أما البشر فقد يميلون أحيانًا إلى الرحمة فقط أو إلى العدل فقط في كلامهم أو في حكمهم على الأمور.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
وصيته هي حياة أبدية

قال السيد المسيح عن الآب "وأنا أعلم أن وصيته هي حياة أبدية" (يو12: 50).
لذلك لا نعجب أن المزمور الكبير (مز118) يتجه نحو اشتهاء وصايا الله والطلب الحار المتكرر في كل قطعة (ق.)، بأن يساعدنا الله على حفظ وصاياه. مثل قول المرنم:
* "أنت أمرت أن تحفظ وصاياك جدًا، فياليت طرقي تستقيم إلى حفظ حقوقك" (ق. 1).
* "من كل قلبي طلبتك، فلا تبعدني عن وصاياك" (ق. 2).
* "اشتاقت نفسي إلى اشتهاء أحكامك في كل حين" (ق. 3).
* "في طريق وصاياك سعيت عندما وسّعت قلبي" (ق. 4).
* "ضع لي يا رب ناموسًا في طريق حقوقك، فأتبعه كل حين" (ق. 5).
* "فهّمني فأبحث عن ناموسك، وأحفظه بكل قلبي" (ق. 5).
* "أهدني في سبيل وصاياك، فإني إياها هويت" (ق. 5).
* "ها قد اشتهيت وصاياك، فأحيني بعدلك" (ق. 5).
* "لهجت بوصاياك التي أحببتها جدًا، وتأملت فرائضك" (ق. 6).
* "حقوقك كانت لي مزامير في موضع مسكني. ذكرت في الليل اسمك يا رب، وحفظت شريعتك. هذا صار لي لأني طلبت حقوقك" (ق. 7).
* "حظي أنت يا رب فقلت: أن أحفظ وصاياك" (ق. 8).
* "في نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك.. من رحمتك يا رب امتلأت الأرض فعلمني عدلك" (ق. 8).
* "صالح أنت يا رب، فبصلاحك علّمني حقوقك. كثر على ظُلم المتكبرين، وأنا بكل قلبي أبحث عن وصاياك" (ق. 9)
* "يداك صنعتاني وجبلتاني، فهّمني فأتعلم وصاياك" (ق. 10)
* "حسب رحمتك أحيني فأحفظ شهادات فمك" (ق. 11).
* "إلى الدهر لا أنسى وصاياك، لأنك بها أحييتني يا رب" (ق. 12).
* "ورثت شهاداتك إلى الأبد، لأنها بهجة قلبي. عطّفت قلبي لأصنع برّك إلى الأبد، من أجل المكافأة" (ق. 14).
* "اصنع مع عبدك حسب رحمتك، وحقوقك علمني. عبدك أنا فهمني فأعرف شهاداتك" (ق. 16).
* "لأجل هذا أحببت وصاياك أفضل من الذهب والجوهر" (ق. 16).
* "أضئ بوجهك على عبدك، وعلمني حقوقك" (ق. 17).
* "عادلة هي شهاداتك إلى الأبد، فهمني فأحيا" (ق. 18).
* "صرخت من كل قلبي فاستجب لي يا رب، إني أبتغى حقوقك" (ق. 19)
* "سبقت عيناي وقت السَحر لألهج في جميع أقوالك، فاسمع صوتي يا رب كرحمتك وبحسب أحكامك أحيني" (ق. 19).
* "رأفتك كثيرة جدًا يا رب، فحسب أحكامك أحيني" (ق. 20).
* "أبتهج أنا بكلامك كمن وجد غنائم كثيرة" (ق. 21).
* "فلتدنُ وسيلتي قدامك يا رب كقولك فهمني. لتدخل طلبتي إلى حضرتك، ككلمتك أحيني" (ق. 22).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
كذلك فإن المزمور الكبير (118) يحوى الكثير من النصوص التي يطلب فيها المرنم الخلاص من خلال حفظ وصايا الله أو من خلال مواعيده. ومن أمثلة ذلك:
* "لتأت علىّ رحمتك يا رب وخلاصك كقولك" (ق. 6).
* "فلتأت علىّ رحمتك لتعزيني، نظير قولك لعبدك. ولتأتني رأفتك فأحيا. فإن ناموسك هو درسي" (ق. 10)
* "تاقت نفسي إلى خلاصك، وعلى كلامك توكلّت. كلّت عيناي من انتظار أقوالك قائلتين متى تُعزيني" (ق. 11).
* "لو لم تكن شريعتك تلاوتي، لهلكت حينئذ في مذلتي. وإلى الدهر لا أنسى وصاياك، لأنك بها أحييتني، يا رب. لك أنا فخلصني" (ق. 12).
* "أعنى فأخلص، وأدرس في وصاياك كل حين" (ق. 15).
* "عيناي قد ذبلتا من انتظار خلاصك، وقول عدلك" (ق. 16).
* "صرخت إليك فخلِّصني، لأحفظ شهاداتك" (ق. 19).
* "انظر إلى تواضعي وأنقذني، فإني لم أنس ناموسك، أحكم لي في دعواي ونجنى من أجل كلامك أحيني. بعيد هو الخلاص من الخطاة، لأنهم لم يطلبوا حقوقك" (ق. 20).
* "توقعت خلاصك يا رب، ووصاياك حفظتها" (ق. 21).
* "لتكن يدك لخلاصي، لأنني اشتهيت وصاياك. اشتقت إلى خلاصك يا رب وناموسك هو لهجي" (ق. 22).
تقريبًا لا تخلو جملة من المزمور الكبير من الإشارة إلى وصايا الله بعبارات: وصاياك، شهاداتك، حقوقك، كلامك، شهادات فمك، قولك، أحكامك، أقوالك، فرائضك، عدلك، برّك. حقًا إنه مزمور حفظ الوصية والسلوك فيها لأنها حياة أبدية كما قال السيد المسيح.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 03:34 PM   رقم المشاركة : ( 45 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

الموعظة على الجبل

كتب معلمنا متى الإنجيلي عن تعاليم السيد المسيح في الموعظة على الجبل وقال: "ولما رأى الجموع صعد إلى الجبل، فلما جلس تقدّم إليه تلاميذه ففتح فاه وعلّمهم قائلًا: طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات" (مت5: 1-3).
اختار السيد المسيح أن يصعد إلى الجبل لكي يعلّم تلاميذه والجموع بأقوال روحانية سامية جدًا.. صعد إلى الجبل، لكي يرتفع بأنظارهم وعقولهم نحو السماء بعيدًا عن الأرضيات، واهتمامات العالم الباطلة.
وكما أعطى الرب شريعته لموسى قديمًا على جبل حوريب في برية سيناء.. هكذا أعطى السيد المسيح شريعة العهد الجديد على جبال أورشليم.
وفى حديثه عن الشريعة كان يقارن بين القديم والجديد.. "سمعتم أنه قيل للقدماء.. أما أنا فأقول لكم.." (مت5: 21، 22، 27، 28، 33، 34).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
الجبل وحياة الصلاة

الجبل في مفهوم الكتاب المقدس يعطينا فكرة عن سمو الله وعظمته وعدم تغيره، ويعطينا إحساسًا بالخشوع أمام رهبة الجبل المرتفع الكبير.
وقد استخدم السيد المسيح الجبال في صومه وتجربته على الجبل وفي موعظته، وفي تجلّيه أما أعين تلاميذه بعد أن أخذهم على انفراد إلى الجبل ليصلّى، وفي صلبه على جبل الجلجثة، وفي صعوده بعد القيامة.
لهذا يقول المزمور "أساساته في الجبال المقدسة، يُحب الرب أبواب صهيون أفضل من جميع مساكن يعقوب" (مز86: 1).
على جبل التجلي ظهر مع السيد المسيح موسى وإيليا محاطين بمجد الابن الوحيد.. والثلاثة؛ أي موسى وإيليا والسيد المسيح هم جميعًا من رجال الجبل، والبرية، والصوم الأربعيني على الجبل والصلاة.

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
الجبل يشير إلى حياة الصلاة.. ومن أراد أن يفهم وصايا الله المقدسة، ينبغي أن يصلّى ويرفع نفسه وعقله إلى الله مرددًا مع المرنم "رفعت عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني. معونتي من عند الرب" (مز120: 1، 2).
ينبغي أن يطلب الإنسان معرفة شرائع الله وأحكامه ووصاياه، ويفهمها ويحفظها مثل قول المرنم: "اكشف عن عيني، فأتأمل عجائب من ناموسك، غريب أنا في الأرض، فلا تخف عنى وصاياك. اشتاقت نفسي إلى اشتهاء أحكامك في كل حين" (مز118: ق. 3). وقوله أيضًا "ضع لي يا رب ناموسًا في طريق حقوقك، فأتبعه كل حين. فهمني فأبحث عن ناموسك، وأحفظه بكل قلبي. اهدنى في سبيل وصاياك فإني إياها هويت. أمل قلبي إلى شهاداتك، لا إلى الظلم" (مز118: ق. 5).
إن الإنسان يصلى لكي يكشف له الرب وصاياه، ويصلى أيضًا مرددًا وصاياه مثل قول المزمور: "ولهجت بوصاياك التي أحببتها جدًا، ورفعت يدي إلى وصاياك التي وددتها جدًا، وتأملت فرائضك" (مز118: ق. 6).
وقوله: "حقوقك كانت لي مزامير في موضع مسكني" (مز118: ق. 7). وكذلك قوله: "في نصف الليل نهضت لأشكرك على أحكام عدلك" (مز118: ق. 8).
وإذ يدرك الإنسان صلاح الله وخيريته يدعوه أن يتفضل ويعلّمه وصاياه بهذه الخيرية وهذا الصلاح فيقول: "صالح أنت يا رب، فبصلاحك علمني حقوقك" (مز118: ق. 9).
وإذ يتأمل في قدرة الله كخالق، في خلقته العجيبة للإنسان العاقل يتوسّل بقوله: "يداك صنعتاني وجبلتاني، فهّمني فأتعلّم وصاياك" (مز118: ق. 10). إن كنت يا رب قد صنعتني كخالق فليس عسيرًا عليك أن تقود ذهني وروحي إلى فهم وصاياك في عمقها وروعتها وجلالها.
إن الوصية الإلهية لا حدود لمعانيها وأبعادها. لهذا يحتاج الإنسان إلى عمل الله لكي يفهمها.. وعن اتساع الوصية الإلهية يقول المرنم: "لكل تمام رأيت منتهى، أما وصاياك فواسعة جدًا" (مز118: ق. 12).
وفى حروبه الروحية مع الشياطين يشعر أن الوصية تحميه ويقول: "كثُر علىَّ ظُلم المتكبرين، وأنا بكل قلبي أبحث عن وصاياك" (مز118: ق. 9). ويقول أيضًا: "وليخز المتكبرون، لأنهم خالفوا الشرع علىّ ظلمًا. وأنا كنت مثابرًا على وصاياك" (مز118: ق. 10).
وفى مواعيد الله وكلامه يجد رجاء للخلاص فيتضرع بقوله "تاقت نفسي إلى خلاصك، وعلى كلامك توكلت. كلّت عيناي من انتظار أقوالك قائلتين متى تعزيني..؟ كم هي أيام عبدك؟ متى تجرى لي حكمًا على الذين يضطهدونني؟.. حسب رحمتك أحيني، فأحفظ شهادات فمك" (مز118: ق.11).
من الأمور الجميلة والنافعة جدًا أن يمزج الإنسان كلام الله بصلاته، وأن يصلّى لكي يعمل كلام الله فيه.. إنها مدرسة الصلاة التي نتعلمها من هذا المزمور الكبير..
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
فلما جلس

"ولما رأى الجموع صعد إلى الجبل. فلما جلس تقدم إليه تلاميذه. ففتح فاه وعلمهم قائلًا.." (مت5: 1، 2).
يقول سفر نشيد الأناشيد "مادام الملك في مجلسه أفاح نارديني رائحته" (نش1: 12). حينما جلس السيد المسيح فاحت رائحة الطيب من تعاليمه السامية.. إنها رائحة المسيح الذكية.. لأنه عمل وعلّم كما سجل معلمنا لوقا البشير في سفر أعمال الرسل: "جميع ما ابتدأ يسوع يفعله ويعلّم به" (أع1: 1).
كذلك قيل عن السيد المسيح في المزمور "كرسيك يا الله إلى دهر الدهور، قضيب الاستقامة هو قضيب ملكك" (مز44: 6).
حينما جلس السيد المسيح فإنه جلس على كرسي التعليم الرباني.. وكرسيه ثابت إلى أبد الدهور.
قال السيد المسيح عن تعليم موسى النبي: "على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه، ولكن حسب أعمالهم لا تعملوا" (مت23: 2، 3).
والأسقف في الكنيسة يجلس على كرسيه ومن أبرز مهام الأسقف: التعليم، لهذا قيل "يجب أن يكون الأسقف بلا لوم.. صالحًا للتعليم" (1تى3: 2). قيل أيضًا "يجب أن يكون الأسقف بلا لوم كوكيل الله. ملازمًا للكلمة الصادقة التي بحسب التعليم لكي يكون قادرًا أن يعظ بالتعليم الصحيح ويوبخ المناقضين" (تى1: 7، 9).
ولأن تعليم السيد المسيح هو الحق والاستقامة لهذا قيل عنه: "العدل والحق قاعدة كرسيه" (مز97: 2)،وقيل أيضًا له "قضيب الاستقامة هو قضيب ملكك" (مز44: 6).
لما جلس السيد المسيح على الجبل تقدم إليه تلاميذه ليستمعوا إلى أقواله الإلهية الممتلئة نعمة وحياة.. كانوا مثل الأرض المتعطشة إلى مياه الأمطار.. وكانوا كالخراف التي يوردها الرب إلى مياه الراحة فتتقدم لتشرب وترتوي كقول السيد المسيح: "إن عطش أحد فليقبل إلىّ ويشرب" (يو7: 37).
على جبل سيناء تراءى مجد الرب "وكان جميع الشعب يرون الرعود والبروق وصوت البوق والجبل يدخن" (خر20: 18). ولم يحتمل الشعب سماع صوته إذ ارتعبوا، وقالوا لموسى: "تكلم أنت معنا فنسمع، ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت" (خر20: 19). ولكن حينما جاء السيد المسيح متجسدًا، وقد أخلى نفسه، وأخفى مجده، وظهر في الهيئة كإنسان.. تقدّم إليه التلاميذ في ألفة ومحبة وطمأنينة. وهكذا استطاع الإنسان أن يقترب إلى الله بدون خوف ولا رعب، ولكن في مودة ومهابة وخشوع مع طمأنينة في أحضان الله المحب.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
ففتح فاه وعلمهم

حينما فتح السيد المسيح فاه، انفتحت ينابيع الحكمة والحياة إلى أسماع البشر. وقيل عنه في المزمور "انسكبت النعمة على شفتيك" (مز44: 2). كان السيد المسيح بالنسبة لتلاميذه مثل شجرة التفاح المثمرة. وقالت عنه عروس النشيد: "كالتفاح بين شجر الوعر كذلك حبيبي بين البنين. تحت ظله اشتهيت أن أجلس وثمرته حلوة لحلقي" (نش2: 3).
"تقدّم إليه تلاميذه ففتح فاه وعلّمهم".. حقًا لقد تذوق التلاميذ حلاوة تعاليم السيد المسيح. تعاليمًا لم يجسر أحد أن ينطق بها من قبل.. لأنها تعاليم شريعة الكمال التي لا يستطيع أن يقبلها إلا المدعوون إلى نعمة الخلاص والتجديد، بالإيمان بذبيحة الابن الوحيد وشركة الموت والقيامة مع المسيح.
ونظرًا لأن الكنيسة باعتبارها عروس المسيح تنطق نفس كلامه وشريعته وتعاليمه السامية، قال الرب لها في سفر النشيد: "شفتاكِ يا عروس تقطران شهدًا. تحت لسانك عسل ولبن" (نش4: 11). أي أن كلام الكنيسة حلو مثل كلام السيد المسيح.
فكما قيل للعريس: "انسكبت النعمة على شفتيك"، هكذا قيل للعروس "شفتاك يا عروس تقطران شهدًا". إن الكنيسة لا يمكنها أن تُعلِّم تعليمًا آخر بخلاف تعليم السيد المسيح.
وقد وعد السيد المسيح أن يرسل مواهب الروح القدس إلى الكنيسة لكي يأتي تعليمها موافقًا للحق الإلهي. وذلك لأن الروح القدس هو روح الحق الذي من عند الآب ينبثق. وعن هذا الوعد الذي تحقق في يوم الخمسين قالت العروس: "استيقظي يا ريح الشمال وتعالى يا ريح الجنوب هبي على جنتي فتقطر أطيابها. ليأتِ حبيبي إلى جنته ويأكل ثمره النفيس" (نش4: 16).
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 03:48 PM   رقم المشاركة : ( 46 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

التطوبيات في الموعظة على الجبل

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
بدأ السيد المسيح تعليمه المقدس بمجموعة رائعة من التطويبات يغبط فيها الذين يسلكون بحسب قيادة الروح القدس ويتمتعون بعطاياه الغنية. وشرح السيد المسيح في هذه التطويبات كيف يسلك الإنسان في طريق الله حتى يصل إلى سعادة الملكوت بالرغم مما قد يعترض طريقه من صعوبات وآلام وأحزان.
كان جميلًا أن يبدأ السيد المسيح تعاليمه وتقديم شرائع الكمال التي للعهد الجديد بتطويب أولئك الذين سوف يقبلون شرائعه بفرح ومسرة ويسلكون فيها بشغف وطاعة ومحبة.
لم يذكر السيد المسيح في بداية حديثه الويلات واللعنات التي تصيب الأشرار والخطاة إنما بدأه بالتطويبات. لأن الأصل في علاقة الإنسان بالله هو أن الإنسان قد خلق على صورة الله ومثاله.. خلقه الرب ليحيا ويتمتع بحلاوة الشركة معه.. خلقه سعيدًا طوباويًا ليحيا في الفردوس ويتنعم بخيراته ويحيا في عشرة مقدسة مع الخالق العظيم.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 03:51 PM   رقم المشاركة : ( 47 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات

وكما يبدأ المزمور الكبير الذي يتحدث كله عن وصايا الرب وأحكامه بالتطويب بعبارة "طوباهم الذين بلا عيب في الطريق.. طوباهم الذين يفحصون عن شهاداته ومن كل قلوبهم يطلبونه" (مز118: 1، 2)، هكذا أيضًا بدأ السيد المسيح وصاياه بالتطويبات وقال: "طوبى للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السماوات" (مت5: 3). وكأن الموعظة على الجبل هي السجل العملي لما سبق أن أنبأ عنه المزمور الكبير بقوله "طوباهم الذين يفحصون عن شهاداته ومن كل قلوبهم يطلبونه".
وقد اختار السيد المسيح أن يبدأ تطويباته الإلهية بتطويب المساكين بالروح.. لأن أساس كل فضيلة مقبولة عند الله هو الاتضاع والمسكنة بالروح. أو بمعنى آخر إن أي فضيلة تخلو من الاتضاع؛ لا تحسب فضيلة على الإطلاق.
أراد السيد المسيح أن يحارب الكبرياء التي كانت سببًا في سقوط الإنسان ومعصيته، لهذا طوّب المسكنة بالروح قبل أن يطوّب باقي الفضائل مثل فضيلة الصبر على الأحزان أو فضيلة الشوق إلى البر أو فضيلة الرحمة.. إلخ.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
المسكنة بالروح


كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
المسكنة بالروح؛ مقصود بها الاتضاع الحقيقي النابع من الروح. أي ليس الاتضاع الظاهري في الجسد، كما ذكرنا أيضًا هنا في موقع الأنبا تكلا هيمانوت في أقسام أخرى. لأن هناك من يتواضعون بأجسادهم -مثل أن يلبسوا الثياب الرثة أو المهلهلة- ولكنهم يستكبرون في قلوبهم. الاتضاع الحقيقي هو الذي ينبع من القلب حيث ينسحق الإنسان أمام الله شاعرًا بضعفه واحتياجه.
السيد المسيح ينطوي كلامه على تحذير من المسكنة التي ليست بالروح لأنها تضر أكثر مما تفيد. أي أن المسكنة تبدأ بالروح، ثم تؤثر على سلوك الإنسان فيتواضع أيضًا جسده مع روحه. وبهذا يزهد في الأمور العالمية والمظاهر الخارجية بطريقة نابعة من القلب وليست تظاهرًا أو تمثيلًا أو طلبًا لمديح الناس.
المسكنة بالروح معناها أن يشعر الإنسان بفقره الشديد واحتياجه إلى الله. يشعر بالبؤس والعوز مثل أي مسكين يطلب صدقة. وهو بهذا يطلب إحسانًا إلى روحه من قِبل الله القادر أن يعطى بسخاء ولا يعيّر.
لو عاش الإنسان كمسكين طوال حياته، فسيشعر بالاحتياج ولا يستغنى عن إنعامات الله وإحساناته.
وقد حذّر الرب في سفر الرؤيا من الإحساس بالاكتفاء والاستغناء فقال لملاك كنيسة اللاودكيين: "هكذا لأنك فاتر ولست باردًا ولا حارًا، أنا مزمع أن أتقيأك من فمي. لأنك تقول إني أنا غنى وقد استغنيت ولا حاجة لي إلى شيء، ولست تعلم أنك أنت الشقي والبَئِس وفقير وأعمى وعريان" (رؤ3: 16، 17).
من يشعر أنه بائس يكون غنيًا بالنعمة في نظر الله، ومن يشعر أنه غنى هو بائس في نظر الله.
إن الله يقاوم المستكبرين ويرفع المتضعين كقول السيدة العذراء في تسبحتها: "أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين، أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين" (لو1: 52، 53).
ليتنا نسلك في طريق المسكنة بالروح، لأنه هو الطريق الآمن المؤدى إلى ملكوت السماوات.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 03:54 PM   رقم المشاركة : ( 48 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

طوبى للحزانى لأنهم يتعزون

"طوبى للحزانى لأنهم يتعزون. طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض.." (مت5: 4، 5) في هذا التطويب كشف السيد المسيح بُعدًا عميقًا من أبعاد الحياة المسيحية. وهو أن الصليب هو طريق المجد.
الحزن المقصود في هذا التطويب هو نوع من التعبير عن المحبة نحو الله أو نحو الآخرين.
فمن يحزن على خطاياه مثلًا فقد بدأ طريق التوبة والرجوع إلى الله. لأن "الحزن الذي بحسب مشيئة الله ينشئ توبة لخلاص بلا ندامة" (2كو7: 10).
ومن يحتمل الأحزان، يشارك السيد المسيح في أحزانه بدلًا من أن يقول له الرب: "انتظرت من يحزن معي فلم أجد" (انظر مز69: 20).
ربما تقترن الأحزان بالآلام وعن هذا يقول معلمنا بولس الرسول "إن كنا نتألم معه لكي نتمجد معه أيضًا" (رو8: 17).
الحزن واحتمال الآلام من أجل الرب هي من الوسائل الفعّالة للامتلاء من الروح القدس.
لهذا يقول معلمنا بطرس الرسول: "إن عُيرتم باسم المسيح فطوبى لكم لأن روح المجد والله يحل عليكم" (1بط4: 14). والامتلاء بالروح القدس يمنح التعزية في الحزن.
الحزن مع المسيح هو أحد وسائل الالتقاء بالمسيح، لهذا فهو يؤدى إلى تعزيات روحية جزيلة.
مع المسيح يكتشف الإنسان الكثير من أسرار الحياة الروحية والحياة الإلهية.. أي يعرف الله ومقاصده الإلهية بصورة أعمق بكثير.
لاشك أن إبراهيم أب الآباء قد عرف الكثير عن الله وتدابيره ومقاصده حينما وضع إسحق على المذبح ليذبحه كمحرقة للرب حسب أمر الله له. هناك فهم إبراهيم حب ومقاصد الله الآب في بذل ابنه الوحيد الجنس من أجل خلاص البشرية.

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
لهذا قال السيد المسيح: "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يو8: 56).
وكيف رأى إبراهيم يوم السيد المسيح إلا عندما شارك بمشاعره المقاصد الإلهية في تقديم ذبيحة الابن الوحيد.
إن الحزن الذي طوّبه السيد المسيح هو حزن المحبة التي تبذل نفسها وبلا حدود. والتي لا تستطيع أن تتجاهل الآخر، لأن الصليب هو منهجها المؤدى إلى مجد القيامة.
الحزن الذي طوّبه السيد المسيح هو التخلي عن أفراح العالم الباطلة والزائلة لكي يفرح الإنسان بالرب. لهذا قال الكتاب إن "الذهاب إلى بيت النوح خير من الذهاب إلى بيت الوليمة" (جا7: 2).
والحزن الذي طوّبه هو التعب من أجل ملكوت الله. مثل التعب في الخدمة والتعب في الجهاد الروحي واحتمال كل أنواع المعاناة من أجل الرب.
ألم يقل الكتاب إن "الذين يزرعون بالدموع يحصدون بالابتهاج" (مز125: 5).
إن التعب هو علامة الجدية والالتزام وتقدير المسئولية سواء في الزراعة أو في الجهاد الروحي أو في خدمة ملكوت الله.
لهذا وضع قداسة البابا شنودة الثالث منهجًا للرعاة في الخدمة هو شعاره المشهور [إذا تعبنا في الخدمة يستريح الشعب، وإذا استرحنا نحن يتعب الشعب].
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
الأحزان تفيد الإنسان

قال الآباء القديسون [إن كنا خطاة فبالأحزان نؤدّب. وإن كنا قديسين فبالأحزان نُختبر].
لا ينبغي أن يتذمر الإنسان لسبب ما يصيبه من أحزان،بل ينبغي أن يشكر الرب عليها لأنها لفائدته ومنفعته.
إن الحزن هو الطريق إلى التعزية ولهذا فمن يرفض الحزن يرفض ما تجلبه الأحزان من تعزيات [والذي يهرب من الضيقة يهرب من الله] كما قال الآباء.
التعزية التي يجلبها الحزن هي راحة حقيقية ومتعة غير زائلة كقول المرنم للرب في المزمور "عند كثرة همومي في داخلي؛ تعزياتك تلذذ نفسي" (مز94: 19).
إن الإنسان الحزين هو موضع اهتمام الرب وانشغاله "كإنسان تعزّيه أمه" (إش66: 13).
هكذا يعمل الرب في تعزية كل إنسان حزين متكل على الله وملتصق بالرب المصلوب.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
حزنكم يتحول إلى فرح

ليست المسيحية دعوة إلى الكآبة ولكنها دعوة إلى الفرح الذي لا يستطيع العالم أن ينزعه.
وقد أكدّ السيد المسيح هذه الحقيقة بقوله للتلاميذ قبيل الصليب: "إنكم ستبكون وتنوحون والعالم يفرح، أنتم ستحزنون ولكن حزنكم يتحول إلى فرح" (يو16: 20).
وقال لهم أيضًا: "المرأة وهى تلِد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكنها متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح لأنه قد وُلد إنسان في العالم" (يو16: 21).
وكان السيد المسيح بكلامه هذا يقصد ما سوف يصيبهم من أحزان بصفة عامة، وما سوف يحزنون به لسبب صلبه بصفة خاصة، ولهذا استطرد قائلًا: "أنتم كذلك عندكم الآن حزن. ولكنى سأراكم أيضًا فتفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم" (يو16: 22).
وكان يقصد أنهم بعد أحزان الصليب سوف يرون الرب بعد قيامته ويفرحون فرحًا لا يستطيع العالم أن ينزعه.
إن أفراح القيامة تعقب دائمًا أحزان الصليب. ومن يحزن مع المسيح لابد أن يفرح ويتعزى، ويفرح في الأبدية حيث لا حزن ولا دموع حيث "يمسح كل دمعة من عيونهم" (رؤ21: 4).
هناك أفراح من يد الرب ينالها الإنسان في حياته على الأرض ويتعزى بها. وهناك أفراح أخرى مجيدة ينتظرها الإنسان في الحياة الأبدية. ولهذا يقول الكتاب "فرحين في الرجاء" (رو12: 12).
إن الروح القدس يمنح رجاءً للإنسان المؤمن، وهذا الرجاء يعزيه في وسط أحزانه. لهذا يقول الكتاب "لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم" (1تس4: 13).
"أما الآن فيثبت الإيمان والرجاء والمحبة هذه الثلاثة، ولكن أعظمهن المحبة" (1كو13: 13).
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 03:56 PM   رقم المشاركة : ( 49 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

طوبى للودعاء لأنهم يرثون الأرض


كانت الوداعة من الصفات المميزة في حياة السيد المسيح في خدمته. وكان يدعو تلاميذه لاقتناء هذه الفضيلة. فقال لهم: "تعلموا منى لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم" (مت11: 29).
الوداعة وتواضع القلب لا يمكن فصلهما عن بعضهما البعض، وذلك في المفهوم السليم لحياة الفضيلة.. كل وديع حقيقي هو متواضع القلب، وكل متواضع قلب حقيقي هو وديع.
فهناك من يتصرف خارجيًا بأسلوب وديع، ولكن قلبه في الداخل غير متضع. وربما تمدحه أفكاره بصورة تقود إلى العظمة الداخلية.. ولهذا فوداعته ليست حقيقية.
وهناك من الجانب الآخر من يفتكر أن قلبه متضع، ولكنه لا يسلك بوداعة، فاتضاعه ليس حقيقيًا.
فالوداعة الكاملة هي وداعة المتواضعين في قلوبهم، كما أن الاتضاع القلبي الكامل هو الذي يتشح بالوداعة ويتحلى بها.
الإنسان الوديع يكون مريحًا في معاملاته، محبوبًا من الناس.. ومحبوبًا من الله.
لهذا قال الآب عن السيد المسيح في سفر إشعياء: "هوذا فتاي الذي اخترته، حبيبي الذي سُرت به نفسي.. لا يخاصم، ولا يصيح، ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبة مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت12: 18-20، انظر إش42: 1-3).
ونفس الكلمات نطق بها الآب السماوي أثناء عماد السيد المسيح: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (مت3: 17). فكلمة "ابني"التي وردت في الإنجيل هي نفسها كلمة "فتاي"التي وردت في سفر إشعياء.
وقد سر الآب به لأنه "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته" وكلها علامات الوداعة.
وقد جاء السيد المسيح إلى العالم معلِّمًا للوداعة، بعد أن فقدت البشرية الصورة الجميلة التي خلقهم عليها "على صورة الله.. ذكرًا وأنثى خلقهم" (تك1: 27).
بدأ العنف يدخل إلى العالم بعد سقوط الإنسان. وقام قايين على أخيه الصديق هابيل وقتله. وبدأت الحروب والمخاصمات والكراهية تنتشر في العالم. وفقد الإنسان صورته الهادئة الوديعة التي خلقه الله ليحياها.

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
وتفاقم العنف في حياة الإنسان حتى أصبح أحيانًا يتلذذ بتعذيب أخيه الإنسان.. وصار الأباطرة ومن حولهم يتمتعون برؤية المصارعة الدموية في حلبات المصارعة. وأحيانًا كان الإنسان يتغنى ويعزف الألحان على صوت أنين الآخرين وعذاباتهم.
كانت البشرية في أشد الاحتياج لرؤية ذلك الوديع المتواضع القلب.. الذي بالرغم من قوته وقدرته الإلهية، لم يستخدم العنف في رسالته على الأرض.
كان السيد المسيح ذا طلعة بهية مهابة، ولكنه كان وديعاً بصورة تفوق الوصف. وقد كُتِبَ عنه: "ظُلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه" (إش53: 7).
حينما كُلل بالشوك، وحينما جردوه من ثيابه ومدوه للجلد بالسياط، وحينما سخروا منه ولطموه قائلين تنبأ من لطمك، وحينما وضعوا عليه خشبة الصليب وخرج وهو حامل صليبه، وحينما مدوه على الصليب وسمروا يديه ورجليه، وحينما استهزأوا به وهو معلّق على الصليب وفغروا عليه أفواههم.. في كل هذا كان وديعًا مسالمًا مثل الحمل فلم يفتح فاه، بل كان يشفع أمام الآب من أجل خلاص العالم، ومغفرة خطايا البشرية بما في ذلك صالبيه، لكي يعلن أن الطريق إلى المغفرة بالتوبة مفتوح أمام الجميع بقوة الدم الزكي الذي سفك على الصليب.
فهو بحق قد صار كاهنًا لأنه غفر خطايا كثيرين وشفع في المذنبين، مدعوًا من الله رئيس كهنة إلى الأبد على رتبة ملكي صادق.
كان مجيء السيد المسيح إلى العالم هو نقطة تحول من العنف إلى الوداعة، ومن الكراهية إلى المحبة، ومن العداوة إلى المصالحة والسلام.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
ميراث الأرض

ما الذي قصده السيد المسيح بقوله إن الودعاء يرثون الأرض؟
إن الإنسان الوديع إذ يكتسب محبة الآخرين فإنه يملك قلوبهم وهذا هو ميراث للأرض.. بل إن ذكراه تبقى إلى الأبد،وتحيا في قلوب الذين يسمعون بسيرته. مثل سير القديسين التي هي شهية وحلوة ومحبوبة من الناس، حتى إنهم يطلقون أسماءهم على الكنائس والأديرة ويتسمون بأسمائهم.
كذلك فإن كرازة الودعاء تستطيع أن تجتذب الكثيرين من الظلمة إلى النور ومن عدم الإيمان إلى الإيمان الحقيقي ليتمتعوا بخيرات الحياة الأبدية. وقد أوصى الرسول بالوداعة في عمل الكرازة حينما قال: "مستعدين دائمًا لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعة وخوف" (1بط3: 15). وحينما يخلص البعض بكرازة الودعاء فإن الودعاء يكونون قد ورثوا الأرض. ونفس هذه العبارة قالها الآب للسيد المسيح كمخلص للأمم: "اسألنى فأعطيك الأمم ميراثك" (مز2: 8).
والودعاء الذين يتشبهون بالسيد المسيح ويستحقون أن ينالوا قيامة الأبرار يرثون الأرض أيضًا.
فالإنسان حينما أخطأ قال له الرب: "لأنك تراب وإلى تراب تعود" (تك3: 19) بمعنى أن الأرض هي التي ترث الإنسان عند موته.
ولكن السيد المسيح إذ انتصر على الموت وصار باكورة الراقدين "فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم الله أيضًا معه" (1تس4: 14)، وبهذا يعود الجسد الذي ابتلعته الأرض إلى الحياة مرة أخرى.. الروح تأخذ جسدها معها إلى حياة أبدية وبهذا يكون الإنسان البار الذي سلك بالروح، قد استطاع أن يأخذ جسده المأخوذ منها أو المدفون فيها.. أخذه معه إلى ملكوت السماوات.
أيضا يشير كلام السيد المسيح عن ميراث الأرض إلى الأرض الجديدة كقول الكتاب في سفر الرؤيا "رأيت سماءً جديدة وأرضًا جديدة، لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضتا" (رؤ21: 1). هذه الأرض الجديدة هي ميراث للأبرار للحياة الأبدية. وعن مثل هذه الأرض تكلّم السيد المسيح لأن الأرض الحالية سوف تزول.
  رد مع اقتباس
قديم 12 - 03 - 2014, 03:58 PM   رقم المشاركة : ( 50 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي

طوبى للجياع والعطاش إلى البر، فإنهم يشبعون

بعد أن طوب السيد المسيح الودعاء قال: "طوبى للجياع والعطاش إلى البر، فإنهم يُشبعون" (مت5: 6).
ونريد أن نشرح معنى الجوع والعطش المقصود ومعنى البر الذي قصده السيد المسيح بكلامه.


الجوع والعطش

الإنسان الجسداني، الذي يهتم باحتياجات جسده فقط، يشعر بالجوع والعطش الجسداني ويسعى باستمرار لإشباع هذا الجسد بكل الوسائل. ولكنه لا يشعر بأن روحه هي أيضًا تحتاج إلى الغذاء والشراب الروحي. ولهذا فهو يترك روحه بلا غذاء ولا شراب، وتضعف الروح ويضعف تأثيرها على الجسد وتفقد قدرتها على قيادته.
فالسيد المسيح بقوله: "طوبى للجياع والعطاش إلى البر"، فإنه يمدح ويغبط ويطوّب أولئك الذين يشعرون بأهمية الجانب الروحي في حياتهم، فلا ينشغلون باحتياجات الجسد عن احتياجات الروح. ولذلك فهم يمارسون الصوم مع الصلاة لكي تأخذ الروح فرصتها وغذاءها.
الروح تغتذي بكلام الله، وترتوي من مياه النعمة، أي من سكيب الروح القدس. وتشتاق دائمًا أن تنال نصيبها لتحيا وتنمو في معرفة الله وفي محبته. وهذا هو معنى الجوع والعطش إلى البر الذي في المسيح.
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
معنى البر

البر المقصود في كلام السيد المسيح، هو بر الله في المسيح يسوع.. فليس هناك بر حقيقي بدون المسيح.
ويتضح ذلك من كلام القديس بولس الرسول "بر الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون" (رو3: 22)، "الفداء الذي بيسوع المسيح الذي قدمه الله كفارة.. ليكون بارًا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع" (رو3: 24-26).
فلا يوجد بر إلا بالإيمان بالمسيح.. أما أي بر آخر فيه اتكال على الذات فهو يعطل البر الذي في الإيمان. مثلما قيل على اليهود الذين إذ أرادوا أن يثبتوا بر أنفسهم لم يدركوا البر الحقيقي. وهذا شرحه أيضًا القديس بولس الرسول بقوله: "إن الأمم الذين لم يسعوا في أثر ناموس البر أدركوا البر. البر الذي بالإيمان. ولكن إسرائيل وهو يسعى في أثر ناموس البر، لم يدرك ناموس البر. لماذا؟ لأنه فعل ذلك ليس بالإيمان، بل كأنه بأعمال الناموس" (رو9: 30-32).

كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
فالإنسان الذي يسعى لإثبات بر نفسه -بعيدًا عن الإيمان بالمسيح- يفقد فرصة التمتع ببر المسيح.
وقد لقب السيد المسيح بلقب "البار"، مثلما قال بطرس الرسول عنه لليهود بعد معجزة شفاء الأعرج عند باب الهيكل: "أنتم أنكرتم القدوس البار وطلبتم أن يوهب لكم رجل قاتل. ورئيس الحياة قتلتموه، الذي أقامه الله من الأموات ونحن شهود لذلك" (أع3: 14، 15)،وكذلك القديس اسطفانوس رئيس الشمامسة وأول الشهداء قال نفس اللقب عن السيد المسيح أمام مجمع اليهود: "أي الأنبياء لم يضطهده آباؤكم وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيء البار الذي أنتم الآن صرتم مسلميه وقاتليه" (أع7: 52).
كذلك حنانيا أسقف دمشق الذي عمّد بولس الرسول قال له وقت عماده: "إله آبائنا انتخبك لتعلم مشيئته وتبصر البار وتسمع صوتًا من فمه" (أع22: 14)، وكان السيد المسيح قد ظهر لشاول الطرسوسي الذي هو بولس الرسول وتكلم معه وهو في طريقه إلى دمشق.
وقد ورد هذا اللقب عن السيد المسيح أيضًا في كتب العهد القديم وذلك في نبوة إرميا النبي في قوله: "ها أيام تأتى يقول الرب وأقيم لداود غصن بر فيملك ملك وينجح ويُجرى حقًا وعدلًا في الأرض في أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنًا. وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا" (أر23: 5، 6). ومن الواضح أن هذا اللقب هو من ألقاب الله "الرب برنا"وذلك لأن السيد المسيح هو الله الظاهر في الجسد، أي الله الكلمة المتجسد.
فإذا كان السيد المسيح هو "الرب برنافإن من يشتاق إلى البر - يشتاق إلى السيد المسيح.
فالإنسان الذي يجوع ويعطش إلى البر، هو يجوع ويعطش إلى المسيح "البار"وإلى النعمة التي يمنحها للمؤمنين باسمه القدوس.. ومن يجوع إلى المسيح هو من يسعى ليغتذي بجسده المقدس حسبما قال "أنا هو الخبز الحي الذي نزل من السماء.. فمن يأكلني فهو يحيا بي" (يو6: 51، 57).
من يجوع ويعطش إلى البر، هو من يسعى للامتلاء بالروح القدس من خلال وسائط النعمة التي رتبها السيد المسيح في كنيسته المجيدة. فالامتلاء بالروح القدس هو ما قال عنه السيد المسيح: "من آمن بي كما قال الكتاب تجرى من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه" (يو7: 38، 39).
كتاب المسيح مشتهى الأجيال: منظور أرثوذكسي الأنبا بيشوي
فإنهم يشبعون

إن عطايا الله تنتظر من يريدها.. مثلما قال الآباء: [الفضيلة تريدك أن تريدها]. الجوع إلى البر يؤدى إلى الشبع.
والعطش إلى البر يؤدى إلى الارتواء كقول الرب للمرأة السامرية عن الماء المادي "من يشرب من هذا الماء يعطش أيضًا ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد" (يو4: 13، 14).
الله يمنح عطاياه لمن يرغب فيها.. لمن يشعر بقيمتها فيضحى للحصول عليها.. لمن يعرف أن كنوز العالم كله لا تساويها.. لأنها هي العطية الفائقة والعظمى..
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
من كتاب مشتهى الأجيال: صعود المسيح
من كتاب مشتهى الأجيال: من القدس إلى قدس الأقداس
من كتاب مشتهى الأجيال: التجربة على الجبل
من كتاب مشتهى الأجيال: مصير العالم يتأرجح
من كتاب مشتهى الأجيال: يأس المخلص


الساعة الآن 09:27 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024