|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
16 - 11 - 2022, 03:23 PM | رقم المشاركة : ( 41 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم
قداسة البابا شودة الثالث الشك وأنواعه الشك هو حالة من عدم الإيمان، أو عدم التصديق. أو هو تأرجح للفكر بين حالتين: أيهما يصدق؟! والشك هو جحيم للفكر وللقلب معًا. قد يكون دخوله سهلًا. ولكن خروجه من الفكر صعب جدًا، وربما يترك أثرًا مخفيًا لا يثبت أن يظهر بعد حين! والشك يجعل الإنسان يفقد سلامه ويفقد طمأنينته... وإذا استمر الشك ما أسهل أن يتحول إلى مرض وإلى عُقد لها نتائجها. وهذا الشك قد يتلف الأعصاب، ويدعو إلى الحيرة وإلى كثرة التفكير، ويمنع النوم. وأحيانًا يكون من نتائجه التردد والخجل، وعدم القدرة على البتّ في الأمور.. هناك أنواع الشك: منها الشك في الله ووجوده، والشك في بعض أمور الدين والعقيدة. والشك في إخلاص الأصدقاء، وفي الناس عمومًا. بل الشك في النفس أيضًا! والبعض قد يشك في الفضائل ولزومها، وفي إمكانية التوبة أو في قبولها. والشك في بعض طرق الحياة.. وسنحاول أن نتناول هذه النقاط واحدة فواحدة، ونبحث ما هو كنهها ومصادرها..؟ الشك في الله: * كأن يشك الإنسان في وجود الله. والشك في وجود الله يُسمى (الإلحاد). وهو دخيل على الإنسان، لأن الطفل الطبيعي يُولد مؤمنًا. بدليل أننا عندما نعلّم الطفل الصلاة، لا يسأل من هو الله الذي نصلى إليه؟ ولا كيف نخاطبه ونحن لا نراه. بل يقبل كل ذلك في هدوء وتسليم... على أن الشك في وجود الله قد يكون حربًا من الشيطان في سن معينة. أو يكون سببه قراءة كتب تحوى أفكار الملحدين أو معاشرة هؤلاء والتأثر بهم. أو يكون السبب هو المناقشة في أمور هي أعلى من مستوى الشخص وتفكيره، أو قراءة بحوث منحرفة في الفلسفة أو في بعض العلوم أو في تاريخ الكون ونشأته. أو قد يثير هذا الفكر أشخاص يريدون الشهرة عن طريق مبدأ (خالف تُعرف)!! * وربما لا يكون الشك هو في وجود الله، إنما في مدى معونته للبشر!! قال بهذا أولئك الذي نادوا بأن الله هو في برج عاجي بعيدًا عن البشر لا يهمه ضيقاتهم واحتياجاتهم! فكيف يترك البعض يعيشون في فقر مدقع، بينما هناك أغنياء من أصحاب الملايين والقصور؟! وطبعًا هذا الفارق الاجتماعي والاقتصادي ليس سببه الله، إنما له أسباب أخرى، والرب يساعد الفقراء بطرق كثيرة. وربما البعض يقع في مثل هذا الشك بصورة أقل، بسبب شعوره أن الله لم يستجب صلاته وهو في حالة ضيقة وتعب! فيشك في مدى معونة الله للبشر، ويشك في جدوى الصلاة.. * على أن الشك في الله، قد يكون مجرد غطاء للاستمرار في الخطية!! وقع في ذلك الوجوديون الذين يرون وصايا الله عن البر وحياة العفة والنقاوة، إنما تعوق حريتهم في ممارسة خطاياهم! وكأن شعور الواحد منهم هو: "من الخير أن الله لا يوجد، لكي أوجد أنا"!! أي لكي يوجد حرًا في ممارساته بعيدًا عن وصايا الله!! أما شك الإنسان في عقيدته، فيأتي نتيجة قراءات أو سماعات ضدها.. وعليه أن يأخذ كل ذلك بعقل وتدقيق. ولا يصدق كل ما يقرأ أو يسمع. بل يسأل الحكماء والعارفين، حتى يعطوه جوابًا عن كل ما دخل ذهنه من الشك... شك الشخص في بعض أصدقائه أو أهل بيته: * يأتي ذلك بسبب قلة المحبة أو قلة الثقة. فإن الإنسان إذا أحب شخصًا محبة حقيقية، فإنه يثق به، وبالتالي لا يشك... ولكن قد يقول شخص "أنا أحب فلانًا من كل قلبي، ولكنى لست أضمن محبته هو!!". وهنا قد يشك في مدى إخلاصه، وبخاصة إذا وُجدت هناك أسباب تدعو إلى ذلك... وعلاج ذلك هو العتاب، بجو من الصراحة وفي محبة ولياقة... وكذلك عدم التأثر بالسماعات والوشايات، وعدم تصديق كل ما يقال. فلا يجوز أن يحكم على أحد حكمًا سريعًا بدون الاستماع إليه... * أما شك الشخص في زوجته، أو شّك الزوجة في رجلها: فعلاجه ثقة متبادلة بين الزوجين مبنية علاقتهما الشخصية التي عمادها الحب العميق مع عدم إساءة الظن في أية حركة بريئة ليست وراءها نية سيئة.. * هناك شك آخر في الناس كلهم سببه خطأ فردى وتطبيقه على الجميع! مثل سقطة فرد في أسرة توجب الشك في كل الأسرة بينما يكون بعض أفرادها صالحين جدًا، بل يتمادى الشك حتى يشمل شعبًا بأكمله سبب أخطاء أفراد منه! الشك في بعض الفضائل: كأن يقول البعض ما فائدة الصوم؟ وهل الفضيلة الجسدية لها قيمة في ذاتها؟! أو أن يشك البعض في لزوم الصلاة! ويقولون ما فائدة الصلاة، مادام الله يهتم بنا دون أن نصلى؟! أو قد يشك البعض في المبادئ والقيم، وفي ما هو الحلال؟ وما هو الحرام؟ أو يشك في بعض المخترعات الحديثة كالموسيقى والراديو والتليفزيون والسينما: وهل هي حرام أم حلال؟ أو في مسائل طبية مثل تحديد النسل! الشك في النفس: قد يشك الإنسان في ثقته بالنفس، وفي مدى قدراته وإمكانياته! واحتمال نشك! كفشل طالب في قدرته على النجاح، وفي كفاية الوقت له! أو يشك شخص في تصرفاته: وهل هي سليمة أم خاطئة؟ وعن علاقته بالناس: وهل هو محبوب أم مكروه؟ أم لا يشعرون بوجوده؟! الطفل قد يحدث له هذا. من أجل ذلك يحتاج إلى المديح والتشجيع لكي يكتسب ثقة بنفسه. أما التربية القاسية وكثرة اللوم والتوبيخ، فقد تسبب له عقدة الشك في النفس. حتى الكبار أيضًا يحتاجون إلى التشجيع وإلى كلمة طيبة، وإلى رفع روحهم المعنوية، وبخاصة لو كانوا في مرض أو في ضيقة أو في مشكلة، حتى لا يدركهم اليأس، وحتى لا يقول الواحد منهم: قد ضِعت! والإنسان قد يشك في الطريق الذي يختاره في حياته، وما يناسبه وما يصلح له؟! وبخاصة في المراحل المصيرية في حياته، التي يدركه فيها التردد، ويكون الطريق غير واضح أمامه! أنواع الشك كثيرة. ولكنى اكتفى بهذا الآن. وإلى اللقاء في مقال آخر، أحدثك فيه عن أسباب الشك... |
||||
16 - 11 - 2022, 03:25 PM | رقم المشاركة : ( 42 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم
قداسة البابا شودة الثالث الخوف: أنواعه وأسبابه وعلاجه الخوف أنواع ودرجات: منه خوف مقدس، وخوف طبيعي، وخوف مرضى: * أما الخوف المقدس فهو مخافة الله "رأس الحكمة مخافة الله". ومخافة الله تعنى مهابته، وعبادته بكل خشوع وتوقير. وتعنى أيضًا طاعته والعمل بوصاياه. والخوف من الوقوف أمامه في يوم الدينونة الرهيب الذي فيه يجازى الرب كل واحد بحسب أعماله. والإنسان الذي لا يخاف الله، هو إنسان خاطئ يمكنه أن يرتكب أية خطيئة دون خشية ولا خجل..!! * وسوف نتكلم عن باقي أنواع الخوف بالتفصيل... * أما درجات الخوف، فتشمل إلى جواره: الخشية، والجبن، والفزع، والهلع، والرعب. وقد يوجد إنسان يمكن أن يموت من الخوف، أو يمكن أن يفقد عقله، أو أن تنهار أعصابه، أو يرتعش جسمه خوفًا... أما عن الخوف الطبيعي: * فقد قال أحد علماء النفس: إن الإنسان يخاف من أحد ثلاثة أسباب: الظلام والمجهول والحركة المفاجئة.. وفى الواقع أن هذه الثلاثة أسباب تتركز في سبب واحد هو المجهول. فالظلام يعنى مجهولًا خلفه. والحركة المفاجئة لها سبب مجهول... على أن هناك أشخاصًا لهم جسارة قلب، لا يخافون الظلام ولا الحركة المفاجئة. وتحاول عقولهم أن تجد حلًا للمجهول، ولا تخافه... * وقد يدخل الموت تحت عنوان الخوف الطبيعي أيضًا... الخوف من الموت: غالبية الناس يخافون خوفًا طبيعيًا من الأذى، ومن الموت ومسبباته: والخوف من الموت هو نوع من الخوف من المجهول أيضًا. فالموت هو شيء من المجهول، ولم يجربه الإنسان، ولا يعرف طبيعته وكنهه. فهو يجهل كيف يموت؟ وكيف تخرج روحه من جسده؟ كما أن ما وراء الموت هو شيء مجهول أيضًا!! وكل هذه الأسباب تخيف الكثيرين... أما الذي يضمن – بالإيمان مصيره بعد الموت، فإنه لا يخافه مطلقًا بل يشتهيه، شاعرًا أنه بالموت سيذهب إلى النعيم الأبدي... إنما يخاف الموت: القلب غير التائب، أو المتعلق بحب العالم وما فيه من الشهوات... نعم، يخاف الموت من لا يستعد له بالتوبة وبالعمل الصالح. وعكس هذا: لا يخافه من ليست له في هذه الدنيا يخشى أن يفقدها. لذلك حسنا قال القديس اوغسطينوس: "جلست على قمة العالم، حينما أحسست في نفسي أنى لا أخاف شيئًا، ولا اشتهى شيئًا". وخوف الموت: إما يجعل الإنسان يستعد له أو يهرب منه! إذ أن الشيطان قد يستغل خوف الإنسان من الموت، فيلقى بضحيته في اتجاه عكسي: فيجعله يهرب من الموت، ومن سيرته وأخباره! وينهمك في ملاذ الدنيا، فلا يسمع عن هذا الموضوع المتعب! وللأسف نجد مرضى في حالة خطرة وعلى حافة الموت، يخدعهم أحباؤهم بأكاذيب وطمأنة زائفة! ويشغلونهم بأحاديث وسمر ولهو، لكي ينسوا سيرة الموت، حتى يدهمهم الموت فجأة دون أن يستعدوا له!! وأحيانًا يحصر خوف الموت ذهن المريض، فينشغل بالموت وليس بالاستعداد للأبدية!! إن الذي يخاف الموت، يخاف أيضًا من أسبابه، كالأمراض مثلًا. فهو يرتعب من الأمراض الخطيرة التي لا شفاء منها. وكذلك يخاف من المرض عمومًا، ومن العدوى التي تسببها، ويحاول أن يتجنبها. وقد يحاول أن يتجنب الميكروبات بطريقة مبالغ فيها! وينطبق عليه المثل القائل "الناس من خوف المرض في مرض!". الخوف من الناس وأذيّتهم: * فيتخيل أن في الناس قوة يمكن أن تبطن به أو تتعبه أو تضيّع مستقبله، أو تشوّه سمعته فيعمل لهم ألف حساب! وقد يستغل الشيطان هذا الخوف، فيلقيه في الرياء والنفاق والتملق يكسب محبة هؤلاء، أو يمنع أذيتهم عنه، وشعاره المثل القائل: "أرضهم مادمت في أرضهم، وحيّهم مادمت في حيهم". وهكذا يجرفه التيار فيسيرّه الخوف، وليس الضمير!! * ومن هذا النوع من يخاف كل من هو أقوى منه، أو من يخاف رؤسائه في العمل وبطشهم * ومنهم من له أخطاء جسيمة، وتجاوزات ضد القانون والأخلاق. ويخاف الذين يقدرون على كشفه ويسببّون له فضيحة! * أو يخاف أن يفقد من هو مصدر متعته وشهواته! * وهناك من يخافون حسد الناس، ويسيرون بالمثل القائل: "دارِ على شمعتك لئلا تنطفئ"... * أو من يخافون من ينشغلون بالسحر، أو ما يسمونه "العَمَل"! حقًا، ما أكثر الذين حطمهم الشيطان بالخوف، وكان إيمانهم من الداخل، أضعف بكثير من المخاوف التي تأتى من الخارج! إن الذي يخاف من الناس، يقوى هم عليه، إذ يدركون أنه غير قادر عليهم، فيقدرون هم عليه أو يستمرون في تخويفهم له! وفى خوفه منهم، يخضع لهم بالأكثر. وفي خضوعه لهم، يزداد إيذاؤهم له، وتدور الدائرة هكذا... الخوف من الشيطان، ومن التجارب: لا تخف من الشيطان، إذ لا قوة له على الإنسان المؤمن... ذلك أن نعمة الله التي تسندك، هي أقوى من الشيطان إن أراد أن يحاربك... إذن لا تعطِ للشيطان قدرًا فوق قدره، ولا تخف منه فوق ما ينبغي... وكل ما يلزمك في محاربات الشياطين، هو الحرص منهم وليس الخوف أما عن التجارب، فاعلم أن الله لا يسمح بأن تّجرّب فوق ما تطيق... نوع آخر للخوف، هو الخوف بلا سبب!! انه خوف طفولي، وقد يكون لونًا من الخوف المرضى كالطفل الذي يخاف من لصوص في البيت أو عفاريت، حيث لا وجود للصوص أو عفاريت! أما الخوف المرضى، فمثل الشخص الذي يتصور أن هناك من يعملون على إيذائه، بينما لا يؤذيه إلا مرضه النفسي! ينبغي أن يكون عند الإنسان أن الله يحميه ويرعاه. فلا داعٍ إذن لهذا الخوف الوهمي بلا سبب! إن الإيمان بقوة الله الحافظة، هو يحمى الإنسان من كل خوف. |
||||
16 - 11 - 2022, 03:53 PM | رقم المشاركة : ( 43 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم
قداسة البابا شودة الثالث التأملات والتدريبات الروحية التأملات: عمقها، وأنواعها ما معنى التأمل؟ يتأمل إنسان شيئًا، يعنى أنه يمعن النظر فيه، يدقق يفحص، يحلله، يرى ما أعماقه. التأمل إذن هو الدخول إلى العمق، سواء في عمل الفكر أو عمل الروح.. هو الوصول إلى لون من المعرفة، فوق المعرفة العادية بكثير، هي معرفة قد تكون فوق الحس. هي معرفة جديدة عليك، مبهجة لروحك، تجد فيها غذاءً ومتعة روحية... أو التأمل هو تفتحّ العقل والقلب والروح لاستقبال معرفة من فوق! والتأمل يناسبه السكون والهدوء، والبعد عن الضوضاء التي تشغل الحواس، وبالتالي تشغل العقل وتبعده عن عمل الروح.. إذن فالتأمل يزداد عمقًا، كلما تحررت الحواس من الشغب الخارجي، وكلما تحرر العقل من سيطرة فكره الخاص لكي يستقبل ما تعطيه الروح. ويساعد على التأمل: الرغبة في الفهم، والسعي إلى العمق.. وللتأمل مجالات عديدة، نذكر من بينها: التأمل في الخليقة والطبيعة، والتأمل بالأكثر في السماء والملائكة، وفي الموت والدينونة وما بعدهما. وأيضًا التأمل في الأحداث، وفي سير الأبرار، وفي الفضيلة عمومًا، وفي وصايا الله... وهناك نوع آخر أسمى وأعمق، هو التأمل في صفات الله الجميلة. ومنها التأمل في المطلق، في الحق، وفى الخير على أن موضوعات التأمل هي أكثر من أن نحصيها، بحيث يتأمل الإنسان الروحي في كل شيء، حتى الماديات، محاولًا أن يستخرج منها روحيات تفيده... على أن الخطوة الأولى التي يقوم بها الذهن في التأمل، هي فتح الباب للروح... وما المجهود الذي تقوم به أفكارنا وقلوبنا سوى طلب نرجو به من نعمة الله أن تفتح عقولنا لتستقبل ما يسكبه الله فيها... ومن هنا تظهر أهمية ارتباط التأمل برفع القلب إلى الله، لكي يملأ عقولنا بالفهم الذي من عنده، وما أعمقه! وهكذا يصبح التأمل هبة من الله، تأخذ منه الروح ما يريد أن يعطيه... إن التفكير العقلي المحض لا ينتج تأملًا... بل قد ينتج علمًا أو فلسفة وما أشبه.. وهنا يبدو الفرق بين العالم والعابد، بين الدارس والمتأمل، بين الباحث والمستِقبل من الروح! إن التأمل ليس هو مجرد فكر، إنما هو خلط الفكر بالقلب، وترك العقل كمجرد أداة من الروح. ثم تبتهل الروح لتأخذ من الله ما تعطيه للعقل... فلا تقف يا أخي في تأملاتك عند مستوى العقل... بل اطلب من الله الذي عنده كنوز المعرفة، ليعطيك الفهم العميق... القراءة في الكتب الدينية والروحية، قد تكون مصدرًا للتأمل: القارئ السطحي يقرأ كثيرًا ولا يتأمل. أما القارئ الروحي فالقليل من القراءة يكون له نبع تأملات لا ينضب. إنه لا يركز على كثرة القراءة إنما على ما فيها من تأملات. وقد تستوقفه عبارة واحدة، فيغوص في أعماقها، ويظل سابحًا في تلك الأعماق... ويفتح الله قلبه، فيجد في تلك العبارة الواحدة كنزًا عظيمًا، مهما اغترف منه لا ينتهي... إن تركت القراءة في نفسك تأثيرًا، فلا تقف عند حد هذا التأثير. بل خذها مجالًا لتفكيرك وتأملك، منتظرًا أن يمنحك الله من خلالها شيئًا... معاملات الله مع الناس، هي أيضًا مجال واسع للتأمل ليس فقط من جهة الأبرار، وسادتنا الرسل الأطهار الذين أحبهم الله وأحبوه، وكانت له معهم علاقة وطيدة، واستخدمهم في رسالات... وإنما أيضًا معاملة الله للخطاة الذين انتفعوا من طول أناة الله وغنى رحمته، فتابوا وتغيرت حياتهم إلى العكس تمامًا. وأيضًا معاملته تعالى للذين عاندوا وتقسّت قلوبهم... حقًا إن معاملات الله تصلح للتأمل. وما أكثر الكتب التي نشرت عنها.. اقرأ اذن كثيرًا في الكتب الروحية فالقراءة تشغلك بفكر روحي. ويظل هذا الفكر يتعمق فيك. والفكر يلد فكرًا من نوعه، ويلد أيضًا الكثير من المشاعر والعواطف والتأملات، ويمنح قلبك نقاوةً وطهرًا... ومتى قرأت لا تقف عند حدود القراءة والتأمل في ما تقرأ، بل اخلط ذلك بحياتك العملية، واستخرج منه منهجًا تسير عليه، ويدخل في علاقتك بالله والناس. كما أن التأمل في ما تقرأ، يفتح لك طاقات من نور، تشرق على ذهنك.. والتأمل يعوّدك العمق... واعرف أن موهبة التأمل هي للكل: للأبرار كما هي للخطاة: فالخطاة لهم قدرة عجيبة على التأمل، وإنما في مجال الخطيئة. فالذي يحب خطيئة معينة، ما أسهل أن يسرح فيها، ويتأملها بعمق، وتملك على فكره وقلبه ومشاعره، ويؤلف حولها قصصًا ولو في خياله والتأمل موهبة للأدباء والشعراء ومؤلفي الروايات والحكايات.. كذلك فإن الخطاة الذين لهم موهبة التأمل -إذا تابوا- يحولون موهبة تأملهم في مجال روحي، كما فعل القديس أوغسطينوس في كتابه (الاعترافات)، وفي كتابه (مدينة الله)، وفي مؤلفات أخرى... التأمل في الطبيعة: ليس مجرد التأمل في مجال الطبيعة، إنما بالأكثر فيما تحمل من روحيات.. كقول داود النبي في المزمور "السموات تحدّث بمجد الله. والفلك يخبر بعمل يديه. وهكذا نتدرج من الطبيعة إلى عظمة خالقها، كقول أحمد شوقي أمير الشعراء: هذى الطبيعة قف بنا يا ساري حتى أريك بديع صنع الباري لهذا كانوا يدرّسون الفلك في الكليات اللاهوتية. لأن النظام الدقيق العجيب الذي فيه، يثبت وجود خالق كلى القدرة استطاع أن يوجده...إن التأمل في السماء والسماويات، لاشك يرفع عقل الإنسان وقلبه إلى فوق، ويسمو به كثيرًا عن مستوى المادة والماديات... ويرتبط التأمل بالسماء تأمل آخر في الملائكة وكل القوات السمائية... وإن كان هذا التأمل أعمق منا، فلنتأمل في أرواح الأبرار الذين انتقلوا إلى السماء، وبخاصة منهم أولئك الذين يرسلهم الله في خدمات على الأرض، ودرجات كل من هؤلاء... ثم ماذا عن الأبدية، والمجد العتيد في ملكوت الله؟ أليست كل هذه موضوعات للتأمل؟ وإن كان ذلك فوق مستوانا، فلنهبط إلى الأرض ونتأمل الخليقة المحيطة بنا، وقدرة الله في صنعها: الزهور من حيث جمالها، وتعدد ألوانها، وعطرها وتناسقها. هذه التي لم يكن سليمان في كل مجده يلبس كواحدة منها. ولو تأملنا الفارق العظيم بين الزهور الطبيعية وغيرها من الزهور الصناعية التي مهما أفتنّ الإنسان في صنعها تبقى بلا حياة، بلا رائحة بلا نمو. هنا عظمة الخالق سبحانه! نفس الوضع إذا تأملنا في طيور السماء، في تعدد أنواعها وأشكالها، ونغمات أصواتها، وطباعها ورحلاتها وقناعتها، يزيد صورة الله من عظمة الله في خلقه... صدقوني حتى حشرات بسيطة كالنملة أو النحلة يمكن أن تكون مجالًا للتأمل: حقًا، إنني في حياتي كلها لم أرى نملة واحدة واقفة بلا عمل! إنها دائمة الحركة، دائمة العمل، لا تهدأ. كما أن جماعات النمل درس عجيب في التعاون والنظام، وفي حمل أشياء في عشرات حجمها، وهى تسير في طابور طويل متجهه نحو هدف ثابت، وباتصالات بعضها بالبعض! النحلة أيضًا، التي قال فيها أمير الشعراء أحمد شوقي: مملكة مدبَّرة بامرأة مؤمرّةْ إن النظام المذهل الذي تعيشه مملكة النحل هو مجال لتأمل عميق... كيف خلق الله النحل بهذه الإمكانيات والقدرات؟! وكيف تستطيع أن تجمع الرحيق وتصنعه شهدًا؟! وكيف تصنع خلاياها بهندسة متقنة عجيبة؟! وكيف تصنع غذاء الملكات؟! ما أعجبها! وما أعجب خالقها!تحمل في العمال والصناع عبئ السيطرةْ أعجبْ لعمال يولون عليهم قيصرةْ إن الإنسان الروحي يستطيع أن يأخذ كل شيء مجالًا للتأمل. ويمكن أن يستخرج من الماديات ما تحمله من دروس روحية. إن جسم الإنسان -وهو مادة- إلا أنه مجال واسع للتأمل يكفى أن تتأمل كل عضو فيه، وعلم وظائف الأعضاء: المخ مثلًا وما فيه من مراكز عجيبة، للنظر والسمع والحركة والكلام. بحيث إذا لم يصل الدم إلى مركز منها، يبطل عمله ويصير صاحبه معوقًا!... كذلك القلب -وهو كقبضة اليد- ولكنه جهاز دقيق جدًا، تتوقف عليه حياة الإنسان، كما المخ أيضًا، ويعوزنًا الوقت إن تحدثنا عن كل أجهزة الجسم البشرى، وكيف تعمل متناسقة في اتزان عجيب. وبعض هذه الأجهزة إذا تلف، لا يقدر كل التقدم العلمي على إرجاعه إلى وضعه الطبيعي... أليس هذه إعجازًا يدل على قدرة الله في خلقه؟! لذلك كانوا قديمًا يدرّسون علم الطب، لأنه يعمّق الإيمان بقدرة الخالق... وإن كانت قدرات الجسد هكذا، فكم بالأكثر قدرات الروح!! التأمل في الأحداث... ليس من صالحنا أن تمر علينا أحداث التاريخ مرورًا عابرًا، دون وقفات من التأمل في يد الله في التاريخ... هل التاريخ مجرد علم وأحداث، أم فيه أيضًا عبر لمن يعتبر؟! وفيه أيضًا عمل إلهي يحتاج إلى تأمل. إننا لا يمكن أن ننكر يد الله في التاريخ!! هل نستطيع مثلًا أن ننكر يد الله في الأحداث التي غيرّت مصير روسيا والاتحاد السوفيتي وقضت على إلحادٍ استمر أكثر من سبعين عامًا، وانتهى بسرعة عجيبة غير متوقعة، مما يدل على تدخل يد الله فيه؟! حقًا إن فصل التاريخ عن الله وتدخله، هو عمل غير روحي... هناك أيضًا موضوعات أخرى للتأمل: كالتأمل في الصلاة وكلماتها. لقد قيل عن الروحيين أنهم "من حلاوة الكلمة في أفواههم، ما كانوا يستطيعون بسهولة إلى كلمة أخرى من عبارات الصلاة". أما الذين يتلون عبارات الصلاة بسرعة وسطحية، فإنهم لا يستفيدون روحيًا... كذلك التأمل أيضًا في الموت والدينونة ونهاية العالم تهب المصلى مشاعر من وجوب السهر الروحي والاستعداد. وأيضًا التأمل في أحدى الفضائل وعمقها وطرق التعبير عنها.. والتأمل في صفات الله الجميلة، ويده القوية.. والتأمل في سير الأبرار والشهداء... نرى في كل ذلك غذاءً شهيًا للنفس. التداريب الروحية ليس الدين مجرد معلومات، أو مجرد امتلاء من المعرفة الدينية. فالمعرفة وحدها لا تكفى... ماذا يستفيد الإنسان إن كان يعرف كل المعلومات عن الفضيلة، دون أن يسلك فيها؟! إننا نقرأ الكثير من الدروس الروحية، ونستمع إلى الكثير. ولكن المهم هو ماذا نفعل؟ وما هو تأثير كل هذه المعلومات على حياتنا العملية؟ هل اكتفينا بالمعرفة، أم اهتممنا أن نحوّل تلك المعرفة إلى حياة؟ وهذه هي فائدة التداريب الروحية: تحويل كل المعارف والاشتياقات الروحية إلى ممارسة وعمل والى حياة. يدخل بها الإنسان في مواجهة عملية مع نفسه، فيعرف حقيقتها، ويدرس ضعفاته ونقائصه وأخطاءه، ويعرف ما هي أسباب أخطائه، وما هو طريق مقاومتها، وما هي العقبات، وكيف يمكن الانتصار عليها؟؟ وهكذا لا يقف عند حدود المعرفة الدينية، ولا يكتفي بمجرد الاشتياقات إلى الفضيلة، إنما يتدرب عمليًا عليها، لاكتساب فضائل جديدة، أو للنمو روحيًا. وبالتدريب يبدأ في أن يجاهد مع نفسه، كما يطلب معونة من الله تسنده وتنميه.. إن الأبرار -في سموّهم الروحي- لم يصلوا إلى درجاتهم العالية دفعةً واحدة. بل تدربوا حتى وصلوا، بجهاد وتعب، وعلى مدى زمني... فلا يجوز لنا أن نأخذ ما كُتب عن قممهم الروحية كأنه نقطة بدء لنا! ولا نبدأ نحن بما وصلوا إليه في نهاية جهادهم، بل نتدرج... وإن كنا نشتاق إلى اقتفاء أثرهم، واقتناء فضائلهم، فلنتدرب على ذلك خطوة خطوة... حسن أن يشتهى المرء الحياة الفاضلة. ولكن عليه أن يسير في هذا الطريق بحكمة. وحبذا لو كان ذلك تحت توجيه مرشد روحي قد اختبر ونجح... والتداريب الروحية تدل على أن صاحبها سهران على خلاص نفسه... لا تلهيه مشاغل الدنيا عن التفكير في الأبدية ومداومة العمل لأجلها. فهو يحاول باستمرار أن يكتشف أخطاءه، أو الأخطاء التي يكشفها له غيره، ويعمل على تفاديها. لأنه بدون ذلك لا يمكنه أن يتدرب على تركها... فلا تتضايق إذن ممن يظهر لك عيبًا فيك. بل استفد من هذا الكشف لكي تتخلص من هذا العيب. وأنت من ذاتك أفحص نفسك في ضوء وصايا الله، وأعرف ما ينقصك حتى تجاهد في اقتنائه... واحذر من تبرير نفسك، ومن تغطية الأعذار بالأخطاء: فإن عمى الخطأ، هو أن يرى الإنسان نفسه بلا خطأ، وأن يكون بارًا في عينيّ نفسه!! والذي يبرر نفسه، يبقى دائمًا حيث هو، ولا يُصلح من ذاته شيئًا... وكثير من الناس لهم طباع خاطئة ثابتة فيهم، لا يرجعون عنها على مدى الزمن. ذلك لأن نفوسهم -للأسف- جميلة جدًا في أعينهم! وهم يرون أنهم دائمًا بلا عيب ولا نقص. ويهاجمون كل من يُظهر لهم عيبًا فيهم، ويعتبرونه عدوًا أو مدعيًا... أما أنت فلا تكن كذلك، بل حاسب نفسك بدقة شديدة، ولا تعذر نفسك مطلقًا. فسوف يأتي وقت تقف فيه أمام الله بلا عذر... وإن كنت تستحي من أن يكشف لك الغير خطأً فيك، فلا شك أنك لا تستحي بنفس القدر إذا ما اكتشفت أخطاءً في نفسك... لهذا أجلس مع نفسك، وكن صريحًا مع ذاتك إلى أبعد الحدود. ولتكن مقاييسك الروحية عالية في مستواها. ولا تكتفِ بالمستوى العادي، بل حاول أن ترقى بالمقياس الروحي الذي تقيس به نفسك. واطرق نقط الضعف التي فيك، والتي تكشفها لك قراءتك عن سير الأبرار وفضائلهم، أو التي تدركها من سماعك بعض العظات التي تشعر أنها تمس حياتك.. وثق انك لو دربت نفسك على فضيلة واحدة كل أسبوع، أو حتى كل شهر، لأمكنك أن تقتنى عددًا كبيرًا من الفضائل كل عام، أو أن تثبت فيها بكثرة الممارسة. وأعلم أن الفضائل مرتبطة ببعضها البعض. فإن مارست إحداها، ستقودك إلى فضائل غيرها ما كنت قد وضعتها في تدريبك. ذلك لأنها جميعها في ارتباطها مثل حلقات في سلسلة واحدة... وثق أنك إن بدأت في تداريبك الروحية، فإن نعمة الله ستبدأ معك. فإن الله لن يتركك وحدك في تداريبك، لأنك قد أظهرت بها أنك جاد وملتزم بالسلوك في الحياة مع الله. وبشعورك هذا سوف تتجاوب معك المعونة الإلهية. وإن كان الشيطان يحاول أن يحاربك بشتى الطرق أن تكسر التدريب أو تنساه، فإن النعمة سوف تسندك لكي تتذكره وتنجح فيه. والمهم هو أنك لا تتراجع ولا تتراخى. بل كن حازمًا مع نفسك... وإذا دربت نفسك على فضيلة ما، فأعرف أن الثبات فيها هو أهم بكثير من مجرد اقتنائها... لأنه ما أسهل أن تستمر في إحدى الفضائل يومين أو ثلاثة أو أسبوعًا.. ثم تتخلى عنها. إنما المهم أن تستمر فيها، حتى تصبح هذه الفضيلة عادة فيك، أو تتحول إلى طبع. وهكذا يحتاج كل تدريب إلى مدى زمني حتى يرسخ في أعماق نفسك. لأن كل تدبير لا تثبت فيه زمنًا، يكون بلا ثمر... لأن الزمن والاستمرارية هما المحك العملي لمعرفة عمق الفضيلة فيك. والوقت أيضًا يعطى فرصة لمعرفة المعوقات التي تقف ضد التدريب، ولمعرفة طرق التغلب عليه لذلك فإن القفز من تدريب إلى آخر، لا يفيد روحيًا.. وكثيرون يريدون أن يصلوا إلى كل شيء في أقل فترة من الوقت، فتكون النتيجة أنهم لا يصلون إلى شيء، بسبب عدم التركيز... وليكن التدريب الذي تدرب نفسك عليه واضحًا ومحددًا... فلا تقل لنفسك: أريد أن أدرب نفسي على حياة الوداعة والاتضاع. بينما تجد عبارة (الاتضاع) غير واضحة أمامك في معناها وتفاصيلها، وهكذا لا تفعل شيئًا! بل ادخل في التفاصيل مثلًا، وقل "أريد في حياة الاتضاع أن أدرب نفسي على أمر واحد فقط وهو إنني لا أمدح نفسي". فإن أتقنت هذا الأمر زمننًا، تقول "أدرب نفسي على ألا أسعى وراء مديح الناس". فإن أتقنت هذا أيضًا، تقول "أدرب نفسي على شيء آخر، وهو أنه إذا مدحني آخر، لا أشجعه على الاستمرار، أو أغيرّ مجرى الحديث. أو على الأقل لا أسرّ بالمديح، بل أتذكر بعض ما أعرفه عن نقائصي، لكي تتوازن مع ما سمعته من مديح"... ولا تدرب نفسك على محبة الآخرين دون أن تعرف مثلًا تفاصيل هذه الفضيلة. وإن عرفتها، أسلك فيها واحدةً فواحدة... وليكن تدريبك الروحي في حدود إمكانياتك، تستطيع تنفيذه عمليًا... ذلك لأن البعض قد يضع لنفسه تدريبًا فوق مستوى إرادته، أو لا تساعده عليه ظروفه! أو في تدربه على فضيلة ما، يقفز إلى مستوى درجة عالية لا يمكنه الاستمرار فيها. وقد يصيبه ذلك بنكسة فيما بعد ترجعه إلى الوراء خطوات... بل يمكن مثلًا أن يتدرج في التدريب. بحيث لا يأخذ في كل مرة إلا جزءًا واحدًا من تفاصيله، كما ذكرنًا في حديثنا عن الاتضاع... ولتكن تداريبك في صميم حياتك العملية الواقعية... فإن ما يصلح لغيرك من التداريب، قد لا يصلح لك أنت... وكذلك لتكن تداريبك في حياة الفضيلة تناسب قامتك الروحية، وتتفق معك حياتك وظروفك من كل النواحي. ولا تبالغ في تقييم مقدرتك، بل اسلك باتضاع وحكمة... وإن فشلت في تدريبك في وقت ما. فاستفد من فشلك بأن تعرف أسبابه، وتحاول أن تتحاشاه فيما بعد. وليكن ذلك سببًا في اتضاعك، وأيضًا يدفعك إلى الإشفاق على الذين يفشلون... |
||||
16 - 11 - 2022, 03:56 PM | رقم المشاركة : ( 44 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم
قداسة البابا شودة الثالث محاسبة النفس يحتاج الإنسان كثيرًا إلى جلسة مع نفسه. يجلس إلى نفسه في هدوء، لكي يفحصها ويفتش دواخلها، ويراقب تصرفاتها ويحاسبها، حتى يكون في يقظة مستمرة... وهذه الرقابة الذاتية وملاحظة النفس لازمة لكل إنسان، مهما علا في حياته الروحية، ومهما ارتفع في منصبه... ولهذا فإن الشيطان يحاول بكل قوة أن يمنع كل إنسان من الجلوس إلى نفسه. ما أسهل أن يغرقه في مشغوليات عديدة جدًا تستغرق كل وقته، وتستحوذ على كل مشاعره، فلا يجد فراغًا يجلس فيه إلى نفسه! وإن كان إنسانًا خدومًا، يمكن أن يشغله بالخدمة ومتطلباتها، حتى يجعل الخدمة تشغله، بحيث لا يهدأ ليفكر في أخطائه في خدمته! وهكذا كثيرًا ما يعيش غالبية الناس في دوّامة دائمة، خارج أنفسهم! أما أنت أيها القارئ العزيز، فلا تكن من هذا النوع. بل اخرج من دوّامة المشغوليات، والتفت -ولو قليلًا- إلى نفسك. أنت محتاج أن تجلس إلى ذاتك، لأسباب كثيرة: منها أن تعرف أخطاءك، سواء كانت أخطاء اللسان، أو أخطاء الفكر أو الحواس أو مشاعر القلب، أو أخطاء الجسد. وبالجملة لتعرف أخطاءك ضد وصايا الله، وضد الناس، وضد نفسك، لتصلح كل هذه... بل لتدرس طباعك الثابتة فيك، ربما يحتاج بعضها أن يتغير! وأيضًا لتعرف الخطايا التي تتسمى بأسماء فضائل، وربما تفتخر بها! وكما تحاسب نفسك على السلبيات التي تقع فيها، حاسبها أيضًا على ما ينقصها من الفضائل. وكذلك من جهة توقف النمو الروحي، لأنه من المفروض أن تنمو روحيًا باستمرار... وكل إنسان عليه أن يضع أمامه عبارة الحكيم الذي قال: "احكم يا أخي على نفسك، قبل أن يحكم الناس عليك" ولكن كيف تكون محاسبة النفس بطريقة مثالية؟ + أولًا: يحاسب نفسه بكل صراحة، وبغير مجاملة للذات: وهنا يحاول الشيطان أن يمنعه بإحدى طريقتين: إما أن يقول له "لا تبالغ في حكمك على ذاتك، لئلا تقع في (عقدة الذنب) "Sense of Guilt" وإما أن يقول له: احترس من أن تقسو على نفسك، لئلا تقع في الكآبة Depression. والشيطان ليس مخلصًا في نصائحه، لأنه يريد أن يبعد الإنسان عن تبكيته لنفسه ليصلحها... أيضًا في محاسبة الذات : على الإنسان أن يحترس من أن يلتمس لنفسه الأعذار، كما تتغطى أخطاؤها بالتبريرات! النعمة قد تعمل في الإنسان كي يدرك أخطاءه، كما يتحول إلى مشاعر التوبة. ولكن الشيطان -إنه يريد أن يبعده عن تبكيت النفس والتوبة- يقدم له أعذارًا وتبريرات تغطى على الأخطاء! فليحترس كل أحد من تقديم مثل هذه الأعذار والتبريرات، لأنها لون زائف من الإشفاق على النفس، بالدفاع عنها، ومحاولة تخفيف الذنب الذي اقترفته، ليبعدها عن التوبة! فإن كنت يا أخي تحب نفسك حقًا، فلا تشفق عليها بهذا الإشفاق الخاطئ الذي يحرمها من مشاعر التوبة، والندم على ما فعلته! وهذا لا يفيدها بشيء. بل على العكس: قد تتعود النفس هذا الاعتماد على الأعذار والتبريرات، وتستمر في الأخطاء! كما أن الذي يحاول أن يعذر نفسه في أخطائه، قد يصبح ضميره من النوع الواسع الذي يبتلع كل خطأ دون أن يندم عليه! وربما يعتذر الإنسان عن أخطائه بسبب المعطلات الخارجية. هذه التي تعوق طريق الفضيلة، بينما كان عليه أن يجاهد لكي ينتصر على تلك المعوقات، فيغلبها دون أن تغلبه وتمنعه.. هوذا أبونا نوح البار، كان يعيش في جو في منتهى الفساد، وسط جيل شرير استحق أن يغرقه الله بالطوفان. ومع ذلك فإنه عاش في بره، وحفظ نفسه في الإيمان هو وأسرته. ولم يتأثر بالوسط المحيط... كذلك يوسف الصديق كانت الخطية تضغط عليه من زوجة سيده كل يوم. ومع ذلك رفض كل ذلك الضغط والإلحاح، ولم يخطئ. وتحمل ما لحقه من سجن وظلم وعار، لينتصر على الخطية. إذن الضغط الخارجي لا يستسلم له سوى الضعف الداخلي... أما الإنسان القوى من الداخل -من جهة قلبه وضميره- فإنه لا يعتذر مطلقًا بالضغوط الخارجية مهما كانت شديدة... فلا يلتمس أحد العذر، بأنه كان ضعيفًا، والخطية أقوى منه! الضعيف عليه أن يجاهد لكي يغلب وكل إغراءات الخطية، لكي يكون غالبًا لا منهزمًا أمامها، عالمًا أن النعمة سوف تسنده في جهاده، وواضعًا أمامه أن ملكوت الله لا يُعطى إلا للغالبين... ولا يقول إن الوصية كانت صعبة، لم أستطع تنفيذها.. إن أبانا إبراهيم، أب الآباء والأنبياء، استطاع تنفيذ وصية في منتهى الصعوبة، فأخذ أبنه الوحيد الذي يحبه ليقدمه ذبيحة لله... اقرأ إذن قصصًا عن الأبرار الذي انتصروا في حياتهم الروحية على الرغم من كل المعطلات الخارجية. فإنها قصص تشجعك وتقويك. إن الاعتذار بالضعف، ما هو إلا تدليل للنفس! وأمثال هذه الأعذار مجرد حيل للتخلص من تنفيذ وصايا الله. وهى غير مقبولة أمامه. مثال ذلك الذي يعتذر عن الصوم لضعف صحته. وكذلك الذي لا يدفع من ماله، ما هو حق الله عليه، معتذرًا بالظروف الاقتصادية، وبنفس السبب يعتذر من لا يفي بنذره... فليكن الضمير أقوى من كل تلك الحجج والأعذار. نتقل إلى محاسبة النفس فنسأل متى يحاسب الإنسان نفسه؟ هناك من يجلسون إلى أنفسهم لمحاسبتها في مناسبات: مثل نهاية عام وبداية عام جديد. ومن يحاسبون أنفسهم في آخر كل يوم على أخطاء النهار. ومن يحاسبون أنفسهم عقب الفعل الخاطئ مباشرة، فيبكتون ذاتهم على فعله ويندمون . أما الوضع الأمثل والأكمل، فهو أن يحاسب المرء نفسه قبل العمل: هل هذا يجوز أم لا يجوز؟ هل هو لائق أم غير لائق. ولا يتسرع مثلًا في الكلام، بل يزن كل كلمة قبل أن ينطقها، من جهة معناها وأسلوبها ومقدار وقعها على الناس. فإن اطمأن يلفظ تلك الكلمة... وبهذا يمكن تفادى الخطأ قبل وقوعه، أفضل من أن يقع المرء في الخطأ ويندم ويبكت نفسه عليه... |
||||
16 - 11 - 2022, 03:58 PM | رقم المشاركة : ( 45 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم
قداسة البابا شودة الثالث العطاء والبذل "مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ" (سفر أعمال الرسل 20: 35). بهذه العبارة الدسمة في معانيها، نبدأ موضوعنا عن العطاء والبذل. إن الله تبارك اسمه – هو أول من أعطى، وأعطى بسخاء. لقد أعطى الإنسان نعمة الوجود حينما خلقه، وأعطاه معها نعمة الحياة، وأيضًا نعمة العقل والنطق. وهكذا تميز الإنسان بأنه مخلوق حي عاقل. ناطق. أعطاه الله أيضًا سلطانًا في الأرض، وكرامة فوق كل المخلوقات الأرضية، بل أعطاه فوق ذلك كله، شرف التحدث إليه (في الصلاة). وزوّده طوال حياته ببركة الرعاية والحماية. لهذا كله، كان لقب (المعطى) من ألقاب الله عز وجل. أما الإنسان الذي يقدم العطاء، فهو عبد المعطى، أخذ من سيده ما يعطيه لغيره.. حقًا إن الله – ليس فقط هو المعطى الأول، بل أيضًا هو المعطى الوحيد الذي يعطى من عنده. أما نحن فنعطى غيرنا مما يعطينا الله. الذي علمنا موهبة العطاء، وأعطانا الذي نعطيه. وقد دربنا الله على العطاء، وشجعنا عليه بأمور عدة: منها انه أمرنا بإعطاء يوم من الأسبوع له. هو يوم مقدس لله. ومنها أيضًا أنه أمرنا أيضًا بتخصيص جزء من أموالنا له، ننفق على الفقراء والمحتاجين، وعلى مشروعات البر. ومن تشجيعنا على العطاء، أنه جعل مكافأة عليه، سواء في السماء أو على الأرض، حيث أنه على قدر ما نعطى، يعطينا الله وأزيد. فما هي إذن قواعد العطاء؟ وكيف يكون في وضعه المثالي؟ القاعدة الأولى هي أن تعطى عن حب وإشفاق، وعن اقتناع. فهناك من يعطى مرغمًا، حين يلحون عليه وهو لا يريد! ومن يعطى لمجرد الخجل ممن يطلبون إليه من اجل المساهمة في مشروع بر! ومثل من يعطى مجاملةً، أو لمجرد أداء واجب، أو انسياقًا مع تيار معين ليس من السهل التخلف عنه! وهنا من يعطى محبة للظهور وللمديح!! كل أولئك قد يعطون من جيوبهم وليس من قلوبهم! وليس هذا هو العطاء المطلوب، إذ ليست فيه أية عاطفة نحو المحتاجين... والعطاء المثلى، ليس هو فيمن يطلب منك فتعطيه، بل الأكثر هو الإحساس باحتياج أولئك المحتاجين، وإعطائهم دون أن يطلبوا... فإن الله تبارك اسمه كثيرًا ما يعطينا دون أن نطلب. فكم بالأولى إذا ما طلبنا منه، فإنه يعطينا أكثر مما نطلب... فلتكن فينا هذه المثالية التي قدّمها لنا الله، فنعطى الآخرين أكثر مما يطلبون. لأنهم قد يكونون في حاجة، ومع ذلك لا يطلبون كل ما يريدون، إما خجلًا أو خوفًا من أن يوصفوا بالطمع... ومثالية العطاء أيضًا هو أن تعطى من الأشياء الجيدة الفائضة. لأن هناك أشخاصًا لا يعطون إلا من الفضلات، أو من الأشياء المرفوضة منهم، فيتخلصون منها عن طريق العطاء، ولكن ليست هذه هي فضيلة العطاء الذي يتمثل الإنسان في أعطاء أجود وأفضل ما عنده. وهكذا كان يفعل حاتم الطائي الذي كان من أكرم العرب في عطائه... وميزان العطايا لا تكون على قدر من يأخذونها. إنما كرم العطايا هي أن تكون على قدر معطيها... وأفضل نوع من العطاء، هو أن يعطى الإنسان من أعوازه... أي أن يعطى وهو محتاج. هذا يكون عطاؤه ذا عمق. لأنه يحمل معنى التضحية بالإضافة إلى صفات العطاء الأخرُى. وما أعمق ما قاله مرشد روحي في أحدى فترات المجاعة، حيث قال "إذا لم يكن عنده ما تعطيه لهؤلاء المساكين. "فصُم وقدّم- لهم طعامك"! ومن هنا كان العطاء الذي يقدمه الفقراء -مهما كان قليلًا في كميته- فهو في نوعيته أفضل مما يقدمه الأغنياء من فضلاتهم. ومن أجمل صور العطاء، أن يصبح عادة عند المعطى.. فهو يعطى باستمرار، ويعطى كل يوم. ويأسف إن مرّ عليه يوم لم تتح له فيه فرصة للعطاء. وهو لا يرد طالبًا مطلقًا. ويعطى الكل دون تفريق. ولا يعطى بكيل أو مقياس، إنما يعطى بلا حدّ، وبلا عدّ. وينمو في موهبة العطاء يومًا بعد يوم.. ومتى أعطى يعطى بكرم وسخاء، كعطايا الله التي تتدفق علينا.. والمعطى لا يفتخر بعطائه، ولا يطلب عنه أجرًا هو مديح الناس. إنما بقدر الإمكان يعطى في الخفاء، وأجره عند الله الذي يرى كل ما في الخفاء ويكافئ عليه... وهو يواظب على العطاء، واثقًا من أنه ليس يتنازل عن شيء من أمواله. إنما هو يكنز له كنوزًا في السماء... ويدرك في أعماق قلبه، وفي ثقة انه لا يعطى إنما هو يأخذ! أي يأخذ بركة هي أعمق بكثير مما يعطيه. وهذه البركة تتابعه في أمواله، وفي كل ما تمتد إليه يده. فهو يستبدل العطية المادية الفانية بعطية أبدية لا تفنى.... والعطاء الأكبر، هو أن يعطى الإنسان نفسه فداءً لغيره... لأن كل عطية أخرى هي خارجة عن ذاته. أما تقديم النفس عطية، فهو أعظم من كل شيء. وكثيرًا ما يعبرّ أحدهم عن محبته لصديق له، فيقول "أنا مستعد أن أفديه بحياتي"... هنا قمة العطاء. على الأقل إن لم يستطع أحد عن يقدم حياته، أو لم تأت مناسبة لذلك، فعلى الأقل يمكنه أن يتبرع بشيء من دمه، حينما يُطلب ذلك منه لإنقاذ حياة مريض أو جريح... إن مجالات العطاء متسعة، وليساهم كل أحد فيها بما يستطيع... |
||||
16 - 11 - 2022, 04:02 PM | رقم المشاركة : ( 46 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم
قداسة البابا شودة الثالث بين الصمت والكلام بعض الناس – لخوفهم من أخطاء اللسان، يفضلون الصمت. ويقولون إن الصمت أفضل من الكلام، وأكثر حرصًا منه. وفي الحقيقة انه ليس في كل كلام خطيئة، ومنه ما هو نافع. كما أنه ليس كل صمت فضيلة. فأحيانًا ندان على صمتنا... والإنسان يعرف متى يصمت، ومتى يتكلم. وكيف يتكلم بحيث لا يخطئ. وكما قال سليمان الحكيم "تفاحة من ذهب في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في حينها". فما هي إذن الأمثلة التي من الكلام النافع؟ إن كثيرًا من السوّاح كانوا يأتون من أقاصي الأرض إلى بعض نسّاك مصر المتوحدين يطلبون من أفواههم كلمة منفعة. وكانت كل كلمة منهم لها عمق وتأثير بحيث تثبت في آذان وعقول سامعيهم، ويتخذونها مصدر هداية لهم في طريق الحياة. حقًا إن الذين لا يتكلمون إلا قليلًا، يكون لكلامهم وزن معين لا يقدر بثمن... وللآن ما زال البعض يطلب كلمة منفعة من الحكماء أي من الذين يثق بحكمتهم، أو يثق بعلاقتهم بالله وبعمق تفكيرهم وبخبرتهم في الحياة، وحسن توجيههم. وكما يطلب البعض كلمات المنفعة ويحرص عليها، كذلك يطلب كلمات البركة ويسعى إليها... بركة من أحد الوالدين أو من كليهما.. وبركة من شيخ بار له دعواته الطيبة، وبركة من مرشده الروحي... إن كلمة البركة تسعد الإنسان وتبقى معه كل حياته، وبخاصة لو كانت بركة شاملة، تحل عليه وعلى أولاده، وعلى بيته، وعلى كل ما تمتد إليه يده، وهكذا كل ما يعمله ينجح فيه... ويتعود هو على حياة البركة، ويحرص على أن يبارك الطعام قبل أن يأكله، ويطلب من الله أن يبارك ماله. فالقليل الذي في يده يصبح بالبركة كثيرًا، ولا يعوزه شيء. أيضًا من كلام المنفعة: كلام التعليم والوعظ والإرشاد. إنه مثل الماء للفردوس الجدد، يروى النفس ويشبعها وينميها... ومن أهميته لا تخلو منه دور العبادة، ولا كل مراكز الإرشاد... ولا يستغنى الإنسان عن كلمة التعليم مهما كبر. إنما تختلف في عمقها حسب سنه. وطوبى للإنسان الذي يطلب كلمة التعليم طول عمره، من المهد إلى اللحد، وبخاصة من هو اكبر منه سنًا أو أعمق منه حكمة أو أكثر منه خبرة بالحياة... وإن كان الكل تنفعهم كلمة التعليم، فإن البعض يحتاج إلى كلمة التشجيع، وبخاصة إن كانوا من المبتدئين أو الصغار. كلمة التشجيع تحفز همتهم إلى المزيد، وتزيل منهم عامل الخوف. ولسنا نقصد فقط المبتدئين من جهة العمر، إنما أيضًا المبتدئين في أي عمل جديد، أو في أية دراسة أعلى، أو في وظيفة إدارية كبرى... كلهم يحتاجون إلى كلمة تشجيع. كذلك المقدمون على مغامرة ما، أو على إصلاح إدارة شمل الفساد كل فروعها. وربما تطهيرها من المفسدين يكون أمرًا مخيفًا لأنهم تدربوا على تدمير كل شيء. لذلك العمل في وسطهم يحتاج إلى كلمات التشجيع لئلا ييأس المصلحون ويفشلوا... من الكلمات النافعة المطلوبة أيضًا كلمات الصلح والسلام والتهدئة. وما أصدق عبارة "الجواب الليّن يصرف الغضب". ولا شك أنه أيضًا يهدئ النفس. وكذلك كل كلام المصالحة الذي بواسطته ينتهي الخصام، وتعود المحبة، ويسود السلام. وبنفس الوضع كل كلمة لتهدئة الخواطر والمشاعر الثائرة. وطوبى لصانعي السلام بكافة الطرق. وليس السلام فقط لازم في الصلح بين المخاصمات، وإنما كلمة السلام لازمة في كل لقاء وفي كل مقابلة. ونحن نلقى السلام على كل من نلتقي به، ونعتبر هذا أمرًا واجب ومن الكلمات اللازمة، كل كلمة في مناسبتها: * كلمات التعزية لمن فقدوا عزيزًا عليهم في وفاة أو في حادث اليم. وهى كلمات لازمة، ويؤاخذ من يقصر في قوله. * كلمات التحية والترحاب بكل زائر يزورنه. * كلمات الوداع لمن يفارقنا في سفر طويل. * كلمات الشكر نقولها لكل من قدم لنا خدمة معينة، أو لمن قدّم هدية في مناسبة عيد أو حفل. * كلمات التهنئة نقولها لكل من نجح في امتحان، أو لمن فاز بجائزة أو بتقدير، أو لمن قدم من السفر بسلامة الله. * كلمات النصح نقولها لصديق حتى يحترس من خطر معين، أو يستعد للقاء هام، أو يقدم على مشروع جديد. كل هذه كلمات لازمة، ولا يمكن أن نقصر فيها معتذرين بفوائد الصمت. فكل صمت في المناسبات السابقة هو خطأ نلام عليه. كذلك من المواقف التي يلزم فيها الكلام: الدفاع عن الحق إذا ما سئلنا في ذلك، أو حينما نشعر أن الواجب يلزمنا أن نقف وندافع، وبخاصة لكي ندفع الضيم عن مظلوم يفتك به من هو أقوى منه! هل في مثل هذه الحالة نصمت عن الشهادة للحق أو عن الدفاع عن المظلوم؟! ظانين أن الصمت فضيلة؟! كلا أن الصمت في هذه الحالة هو خطيئة... من الكلمات اللازمة أيضًا والمفرحة كلمات العفو والمسامحة: يقولها أحد الرؤساء لمرءوسي له قد اخطأ. أو يقولها أب لأبنه الذي ينتظرها من فمه، أو يقولها حاكم لمجموعة من شعبه... كلها كلمات تفرح القلب، وتنقذه من ضيق كان يجثم على صدره، ومن ذنب كان يزعجه في نومه وصحوه... إن الصمت عن منح كلمة العفو يزعج النفس، وكذلك التأخير في النطق بها... ومثل كلمة العفو، كل كلمة تفرح القلب إذن ليس كل صمت فضيلة... إنما الصمت يحسن في المواقف التي تناسب ذلك... |
||||
16 - 11 - 2022, 04:04 PM | رقم المشاركة : ( 47 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم
قداسة البابا شودة الثالث خطايا اللسان اللسان عضو صغير جدًا في جسم الإنسان, ولكن ما أضخم خطاياه التي لا تتناسب مطلقًا مع حجمه. ولذالك قال احد القديسين: "كثيرًا ما تكلمت فندمت. وأما عن سكوتي فما ندمت قط". فما هي خطايا اللسان إذن؟ وما مدى خطورتها حتى يندم الإنسان عليها. أول خطورة للسان هي أن خطاياه نابعة من القلب. فالقلب الطاهر لا يلفظ سوى ألفاظ طاهرة. أما ما في القلب من خطايا, فهذه يكشفها اللسان. ولهذا يعرفون طبيعة الإنسان من ألفاظه, فلغته تظهره...ولهذا فإن خبراء السياسة -إذا أرادوا أن يعرفون بواطن إنسان- يتركونه يتكلم, وكلامه يكشفه, فيحكمون عليه. ثاني خطورة للسان هي أن الكلمة التي تخرج منه, لا يستطيع مطلقًا أن يسترجعها. لقد حُسبت عليه.. فإن حدث ذات مرة, وزلف لسان إنسان, فجرح شعور صديق له بكلمة لا تليق.فإنه -مهما ندم على قوله- فإن تلك العبارة قد حسبت عليه, وربما لا ينساها له ذلك الصديق! مادام الأمر هكذا, فليحترس الإنسان في كل ما يقوله. وخير له أن يزن كل لفظ قبل أن ينطق به.. ويحاسب نفسه على كلامه قبل أن يحاسبه الناس علية .. والأمر الثالث في خطورة اللسان, هو أننا سوف نقدم لله حسابًا في يوم الدين عن كل كلمة بطالة خرجت من أفواهنا. فملكوت الله يُشترط في الذين يدخلونه أن يتصفوا بعفة اللسان وعفة الألفاظ. إذن أليس هو تدريبًا نافعًا جدًا أن ندرب أنفسنا على عفة الألفاظ ، وأن نراجع أنفسنا من جهة نوعية كلماتنا, وننقيها من كل كلمة موشية غير مهذبة... وكيف يكون ذالك؟ نبعد أولًا عن الكذب بكل أنواعه: أي كل ما لا يتفق مع الحق والصدق. وربما من بين هذا أيضًا بعض أنصاف الحقائق التي لا تعطى صورة دقيقة عن الصدق والواقع. وأيضًا كلام المبالغة الشديدة التي تصوّر الأمور بغير واقعها. وما يتحايل البعض على تسميته بالكذب البريء, بينما هذه العبارة أيضًا غير بريئة, لأنه لا توجد أنواع من الكذب مقبولة على الإطلاق.. ومنها أيضًا عبارات المديح الزائد, والنفاق والرياء. من هنا ينبغي الحرص في مراعاة الدقة في كل ما يقوله الإنسان. وبهذا يصبح موضع ثقة من الناس. ثانيًا: البعد عن إهانة الآخرين أو جرح مشاعرهم: سواء باللفظ , أو الكتابة, أو بالدسّ والوقيعة والنميمة والغيبة. والاغتياب هو أن يتحدث الشخص بالسوء على أحد الناس في غيبته, مما لا يجرؤ أن يقوله في حضرته. وعلى العموم فإن الخوض في سيرة الآخرين والحديث عن سلوكهم والتعليق عليه, هو من الخطايا الشهيرة التي يقع فيها غالبية الناس, ويجدون وسيله لقضاء الوقت وللتسلية!! ومن الخطيئة في العلاقات الشخصية العتاب المرّ القاسي, الذي يجرح الشعور, والذي يقصده الشاعر بقوله: ودَعْ العتابَ فربّ شر كان أوله العتاب إن كان الأمر هكذا, فماذا نقوله إذن عن عبارات السبّ واللعن التي يحكم عليها القانون، أو عبارات السب المغطاة التي لا يطولها القانون، ولكنها تطولها أفهام الناس ومشاعرهم فتتأذى؟! من أخطاء اللسان أيضًا عبارات الغضب والنرفزة: هذه التي لا يضبط فيها الشخص أعصابه, فتخرج الألفاظ منه جارحة مؤلمة مهينه, إلى جانب منظرة وهو غاضب الذي لا يقل عن ألفاظه في الإثارة. كما أن علو الصوت الصاخب لا يليق أيضًا, وكذالك حدّة العبارات وقساوتها. نعم, ما أكثر الأخطاء التي يقع فيها الإنسان في ساعة غضبه, والتي ربما يندم عليها حينما يهدأ , ولكن بعد فوات الفرصة يضاف إلى هذا ما يقوله أحيانًا في غضبه من عبارات التهديد والوعيد! من أخطاء اللسان أيضًا الثرثرة والحديث في التافهات... إن الله قد خلق اللسان لأجل فوائد معينة ورسالات يقوم بها, وليس لكي يستخدمه فيما لا يفيد أحدًا بل قد يفدّ! ومن أمثلة الثرثرة الإطالة المملة في الحديث مما يتعب الأعصاب.. ومن أخطرها الحديث في التليفون في أوقات غير مناسبة, وفي موضوعات لا تهم السامع في شيء. ومحصلتها كلها هي إضاعة الوقت... ومن أمثلتها كذلك, الفكاهات البذيئة التي لا تتفق مع الأخلاق في شيء.. وكذلك عبارات المزاح الرديء. كذلك من أخطاء اللسان استخدامه في اللهو والعبث.. كأن يقضى الإنسان وقت فراغه في بعض الأغاني البطالة التي قد يكون لها تأثير سيء على خلقه, أو يقضى الوقت في كلام العبث مع أصدقائه, ويظن هذا لونًا من التسلية, ولكنها تسلية ضارة... وإذا لا يجد شيئًا يشغل به وقته, فإنه يشغله بإضاعة وقت الآخرين..! * ومن أخطاء اللسان أيضًا, كلام الافتخار والتباهي. والأجدر بالإنسان أن يمدحه الآخرون على ما يفعله من خير, لا أن يمدح هو نفسه ويتباهى بما قاله أو ما فعله. وغالبًا ما يكون سماع كلام الافتخار ممقوتًا من الناس، وبخاصة إذا أطاله... من هذا كله يتضح أن خطايا اللسان ضارة بمن يقولها, وضارة بمن يسمعها. وهكذا فإن العقلاء قد فضلوا الصمت. وما أجمل قول سليمان الحكيم: "إذا صمت الجاهل يُحسب حكيمًا". |
||||
20 - 11 - 2022, 10:33 AM | رقم المشاركة : ( 48 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم
قداسة البابا شنوده الثالث الثمن كل شئ له ثمن، سواء في السماء أو على الأرض. فهكذا يقتضى العدل: عدل الله، والعدالة الأرضية أيض الحرية مثلًا لها ثمن. وقد صدق الشاعر في قولا: وللحرية الحمراء بابٌ بكل يد مضرّجة تُدقُّ أى مضرجة بالدم، دم الذين جاهدوا ليحصلوا عليها... حرية العبيد في أمريكا، كان لها ثمن هو ثورة العبيد في أمريكا.. وحرية السود في جنوب أفريقيا ، كان لها ثمن دفعه مانديلًا الذي احتمل السجن سنوات عديدة، حتى خرج ليكون أول شخص أسود حكم جنوب أفريقيا بعد زوال التفرقة العنصرية.. ونجاة مصر من الاحتلال البريطانى، كان له ثمن: ثمنه الثورة الجبارة التي قام بها سعد زغلول سنة 1919 بعد أن نُفى إلى سيشل هو وأصحابه. تلك الثورة الشاملة التي قامت في مصر كلها. وأعقبها الحصول على الدستور لأول مرة سنة 1923 كذلك حصول الهند على الاستقلال بعد أن حكمتها انجلترا سنوات عديدة. هذا أيضًا كان له ثمن، هو الجهاد المضنى الذي قام بها الزعيم مهاتما غاندى، في أصوام وفي صبر واحتمال، حتى اعترفت بريطانيا باستقلال الهند أخيرًا. النجاح أيضًا – في أي شيء – له كذلك ثمن: وثمنه التعب والجهاد. ولاينال النجاح بمجرد الرغبة فيه، فهذه الرغبة وحدها لا يمكن أن توصل إلى النجاح. وكما قال الشاعر: وما نيل المطالب بالتمنى ولكن تؤخذ الدنيا غِلاب وعلى رأى المثل "من جدَّ وجد". ولا يقل أحد "لا داعىَ لأن أتعب. أنا استريح، وأنال ما أريد "عن طريق الفهلوة". فالفهلوة يا أخى هي أيضًا ثمن، لمن يستطيع أن يتقنها. وحتى إن أوصلت إلى ما تسميه نجاحًا، فهو غير دائم، وقد ينكشف... يضاف إلى النجاح: التفوق. وهذا لا يمكن أن يناله الإنسان إلا بجهد فائق، غير عادى... الصحة أيضًا، لا يحصل عليها أحد الا بثمن: وثمنها هو مراعاة كل القواعد الصحية، وإبعاد الجسد عن كل أسباب المرض والضعف، وتقويته بما يحتاج إليه من غذاء ورياضة وهواء نقى. أما في حالة المرض، فثمن الصحة هو العلاج اللازم والدواء، وإطاعة الارشاد الطبية واحتمال الألم. وما اكثر الثمن الذي يبذله الإنسان في ظروف العمليات الجراحية، سواء من جهة ماله أو احتماله، والصبر حتى يُشفى. وبعد ذلك أيضًا الحرص في فترة النقاهة خوفًا من أن ينتكس... كذلك أيضًا، كسب محبة الناس، ما أعظم الثمن الموصل إليها... يحتاج الإنسان في ذلك إلى تدريب طويل على البذل والعطاء، والثبات في ذلك، واحتمال أخطاء الآخرين، وحسن معاملة الكل صغار وكبار، وعدم التعامل بالمثل، وعدم الخوض في سيرة الآخرين. وإن تحدث عنهم يذكر فضائلهم وينسى ما لهم من سيئات... بهذا كله يكسب محبة الناس. كما أنه يدرس ويختبر نفسيات الذين يتصل بهم، ويتعامل مع كلٍ منهم حسب ما يناسب نفسيته... صدقونى، حتى الحب العاطفى بين فتى وفتاة، له أيضًا ثمن. والكل يذكر قصة (مجنون ليلى) وما بذله وما احتمله وقاساه...! الأمانة أيضًا لها ثمن، والطاعة كذلك لها ثمن: الأمانة الخاصة بعفة اليد، ثمنها تدرب الشخص على ألا يأخذ شيئًا ليس من حقه، ولا يأخذ شيئًا أزيد من حقه. وهكذا يبعد تمامًا عن المال الحرام، ويحترس من الرشوة بكل إغراءاتها... الأمانة في اداء الواجب، ثمنها بذل الجهد على قدر المستطاع في القيام بمسئولياته، وعدم التقصير في شيء منها... أما عن الطاعة، فثمنها محبة من تطيعه، والتضحية بمشيئتك الشخصية لأجل تنفيذ مشيئته، في نطاق مشيئة الله كذلك تكوين الثروة له ثمن، والوصول إلى السلطة له ثمن... مصدر المقال: موقع الأنبا تكلاهيمانوت. الثروة لا تهبط على الإنسان من فوق، كعطية مجانية من السماء! وإنما تحتاج إلى جهد وتعب في الحصول. وكثير من الناس يشتهون الثروة ويسعون إليها، ولكن لا ينالها إلا الذين تعبوا في الحصول عليها... السلطة ما أكثر الذين يسعون إليها ويشتهوها. ولكن الذين حصلوا عليها هم الذين تعبوا من أجلها وصبروا، حتى حصلوا على مكانة توصلهم إلى السلطة وفى كل ذلك، ليس فقط الحصول على الثروة والسلطة، يحتاج إلى ثمن. بل كذلك الحفاظ على كلٍ منهما يحتاج إلى ثمن. لأن كثيرين من الذين حصلوا عليهما قد فقدوهما بسبب سوء الإستخدام، أو بسبب النفخة الكاذبة والكبرياء... التوبة أيضًا لها ثمن، وثمنها هو جهاد النفس ضد الخطية: ونقصد بالخطية كل أنواعها: سواء خطايا الجسد أو الفكر أو القلب، أو خطايا اللسان أو خطايا الحواس وغير ذلك. ومن الناحية الايجابية حفظ نقاوة القلب وامتلائة بمحبة الله. ثم الثبات في كل ذلك، والبعد عن كل أسباب النكسة الروحية. صدقونى يا أخوتى، إن الخطية أيضًا لها ثمن. فما أكثر الذين بذلوا الجهد والمال والصحة ثمنًا للخطية. ثم بعد ذلك فقدوا الكل. فلا بقى لهم جهد ولا مال ولا صحة. كما فقدوا الخطية ولم تدم لهم... أخيرًا احب أن أقول: إن السماء والحياة الأخرى لها أيضًا ثمن: وثمنها هو الإيمان السليم والحياة الطاهرة المقبولة أمام الله. وسعيد كل من ثبت فيهما. وكل من كان في كل حين مستعدًا للقاء الله، بضمير صالح قدامه. |
||||
20 - 11 - 2022, 10:36 AM | رقم المشاركة : ( 49 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم
قداسة البابا شنوده الثالث الله القوي القادر على كل شئ قوة الله عجيبة تشمل كل شئ. وهى أولاً قوة ذاتية.. أى أن الله قوى في ذاته، وليست قوته من أى مصدر خارجى مثل قوة البشر أو الملائكة، فكل هؤلاء مصدر قوتهم من الله خالقهم فمن جهة البشر، إن قلنا إن العقل البشرى له قوة عجيبة استطاعت أن تصل في الفضاء إلى بعض الكواكب، وأن تقوم باختراعات مذهلة... نقول إلى جوار ذلك إن العقل هو هبة من الله للبشر. والله هو الذي أعطاه هذه القوة. ونفس الوضع نقول عن الملائكة. أما الله فقوته في ذاته كذلك يمكن لأى كائن قوى أن يفقد قوته، أو أن تقل القوة التي له، أو أن ينافسه أحد في قوته ويعقل مفعولها ولو إلى حين. أما الله فقوته ثابتة بلا منافس، ولا تتغير.. نقطة اخرى تميز قوة الله عن أية قوة أخرى وهى أن الله وحده هو القادر على كل شئ قد يوجد مخلوق قادر في ناحية من النواحى. ولكن لا يوجد إطلاقا أى مخلوق قادر على كل شئ. فهذه الصفة هي لله وحده. وهى إحدى صفاته الذاتية. معروف أن الملائكة أقوياء يمكنهم أن يقوموا بأعمال معجزية، ولكنهم ليسوا قادرين على كل شئ. وبعض البشر قد يكونون مقتدرين في بعض المجالات، ولكنهم بلا شك ليسوا قادرين على كل شئ. كما أن قوة البشر والملائكة مصدرها هو الله. كذلك الطبيعة قد يكون لها قوة. فالزلازل والبراكين مثلاً قد تستطيع أن تهدم وتخرب وتحرق وتشرد البشر. ومع ذلك كله فقوة الطبيعة محدودة، وليست هي قادرة على كل شئ نقطة اخرى، وهى أن الله بلا منافس في قوته وقدرته بعض الشعوب البدائية كانت تؤمن بوجود الهين: آله للخير. وآله للشر. ولكن ذلك ضد الإيمان بقوة الله. ونحن جميعاً نؤمن باله واحد تشمل قوته كل أحد. ولا نؤمن أن الشيطان منافس لله أو أنه اله للشر. فهو أيضاً من خليقة الله. والله قادر أن يفنيه أو يوقف عمله. ولكنه صابر عليه، وسيكون مصيره الهلاك في اليوم الأخير. ولاشك أن معجزة اخراج الشياطين هي ضد قوة الشيطان. والشيطان أيضاً ليس قادراً على كل شئ، وإلا كان قد ضرّب العالم أيضاً من دلائل قدرة الله على كل شئ: قدرته على الخلق.. هو وحده الذي يخلق. وهذه هي إحدى صفاته الذاتية.. أما الإنسان فأقصى ما يصل اليه، أن يكون صانعاً ومكتشفاً... يكتشف طبيعة الأشياء وخواصها، ويصنع منها ما يستطيعه عقله. وهذه الأشياء أو المواد التي يصنع منها الإنسان ما يقدر عليه هي من خلق الله، وعقله أيضاً هو من خلق الله. وقدرته وإبداعه هبه من الله. ولكنه لا يستطيع إطلاقاً أن يخلق، أى يُوجد شيئاً من العدم: فهذه قدرة الله وحده... وتظهر قوة الله العجيبة في الخلق، من جهة عدد الخليقة التي خلقها، وأنواعها: ما يُرى وما لا يُرى. مما لا يستطيع إحصاءه أى عقل بشرى... قدرة الله على كل شئ، تظهر أيضاً في إقامة الموتى. إنها معجزة فوق عقولنا جميعاً، أن يقدر الله على إقامة الموتى جميعاً، ملايين الملايين من البشر منذ آدم إلى آخر الدهور، في كل بقاع الأرض، ممن قد تحولت أجسادهم وتحولت إلى تراب!! وتقوم كلها في وقت واحد، وتدخل فيها أرواحا وتقف أمام الله في يوم الدينونة، ليجازى كلاً منها حسب أعمالها! أيضاً تظهر قوة الله على كل شئ، في كثرة المعجزات والأعاجيب. إنها معجزات وأعاجيب لا نستطيع حصرها، ورد الكثير منها في الكتب المقدسة، نذكر من بينها منح البصر للعميان، وشفاء الأمراض المستعصية، وشق البحر الأحمر أيام موسى النبى، والطوفان أيام أبينا نوح. ومعجزات اخرى على أيدى بعض البشر أو الملائكة... والمعجزة ليست شيئاً ضد العقل، ولكنها فوق العقل. وقد عجز عن فهم كيف تمت. لذلك سميت معجزة. وهى بلاشك من صنع الله القادر على كل شئ. ومن تواضع الله في قدرته، أنه منح قدرات لبعض مخلوقاته: فقد منح قدرات عجيبة للملائكة، بحيث يمكنهم أن ينتقلوا من السماء إلى الأرض، وأن يقوموا بأعمال معجزية يكلفهم بها. كذلك القدرات التي منحها الله للعقل البشرى، فاستطاع العلماء أن يبتكروا ويخترعوا ويصنعوا أشياء تفوق الخيال، مثل الطائرات، والكمبيوتر، والفاكس، والتليفون بين القارات واستخدام الذرة والليزر في مخترعات تفيد البشر، وبخاصة في مجال الطب. ولكن كل قدرات البشر والملائكة ليست ذاتية، بل هي هبة من الله . هناك نواحٍ اخرى تظهر قدرة الله العجيبة: + مثل قوة الله في احتماله، وكيف احتمل عبادة الأصنام عصوراً طويلة قد انتشر الإيمان في الأرض، واحتمل الإلحاد كما في روسيا الشيوعية 70 سنة، واحتمل الالحاد الذي نشرة بعض الفلاسفة. وكيف احتمل فجور الناس وخطاياهم حتى تابوا..! + تظهر أيضاً قوة الله في محبته وعطائه. وكيف انه يعطى بسخاء، ويعطى دون أن نطلب، وفوق ما نطلب، ويفتح كوى السماء فتفيض بالخيرات التي تكفى لسكان الأرض كله + كذلك قوة الله في الانقاذ، حيث ينقذ البعض في حالات يبدو فيها لا أمل ولا نجاة. لذلك نفرح اننا في حماية اله قوى قادر أن ينقذ مهما كانت كل الأبواب تبدو مغلقة + تظهر أيضاً قوة الله في مغفرته. وكيف أن الإنسان حينما يتوب، يغفر الله كل ما سبق مهما كانت بشاعة خطاياه! |
||||
20 - 11 - 2022, 10:38 AM | رقم المشاركة : ( 50 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: مقالات متفرقة - البابا شنوده الثالث مقالات نُشِرَت في جريدة أخبار اليوم
قداسة البابا شنوده الثالث معرفة الله يشمل هذا الموضوع الحديث عن نقطتين: إحداهما هي معرفتنا نحن بالله، والثانية هي المعرفة التي لله كإحدى صفاته تعالت صفاته.. أما عن معرفتنا بالله، فهي معرفة محدودة، تكفى للإيمان به وتمجيده، وتدعونا إلى طاعته وحفظ وصاياه، والاتكال عليه، والصلاة له... إن الله -تبارك اسمه- هو غير محدود في كل شيء. بينما الإنسان كائن محدود. إنه محدود في عقله وفي معرفته، مهما كان عالمًا... وطبيعي أن المحدود لا يمكنه أن يدرك غير المحدود. إنما يكفيه أن يتمتع بالقدر الذي تمنحه النعمة إياه من المعرفة بالله، ويَشْكُرْ على ذلك... من أجل هذا قلنا إن معرفتنا بالله معرفة محدودة. قيل إن أعلم الناس في المعرفة، هو الذي -من جهة العمومية- يعرف شيئًا عن كل شيء. ومن جهة التخصص: يعرف كل شيء عن شيء. وحتى هذا التعبير مخطئ عمليًا. لأنه لم يوجد حتى الآن شخص واحد يعرف شيئًا عن كل شيء، ولا شخص واحد يعرف كل شيء عن شيء... إنما معرفتنا البشرية قاصرة على معرفة بعض الأشياء عن بعض الأشياء. ونحن نسعى إلى استكمالها في كافة المجالات، إن استطعنا... أما الله -تعالت قدرته- فهو يعرف كل شيء عن كل شيء أي أنها معرفة شاملة كاملة. ولاشك أن معرفة الله بكل شيء، هي واحدة من صفاته الذاتية التي ينفرد بها عن سائر مخلوقاته. وليسمح لي القارئ العزيز أن أتأمل قليلًا في معرفة الله، وفيما يميز هذه المعرفة من صفات... من صفات معرفة الله، أنه يعرف الأمور قبل كونها، أي انه يعرف المستقبل، ويعرف الغيب... والمستقبل ليس فقط في معرفة الله، إنما هو أيضًا تحت سلطانه. وهو أيضًا تحت ضبطه، وهو يقدر على تغييره إذا شاء. ومعرفة الله بالمستقبل هي معرفة يقينية ثابتة، وليس عن طريق الاستنتاج كما يقول بعض البشر في معرفتهم. فقد يقول أحد المدرسين عن بعض تلاميذه قبل الامتحان هذا الطالب سيرسب، وذاك سينجح بتفوق. ويتم ذلك فعلًا، ولكن عن طريق الاستنتاج، وبناء على معرفة سابقة بحالة كل طالب.. وقد يتحدث علماء الأرصاد عن حالة الجو في الأيام المقبلة من جهة الحرارة أو المطر. ولكنها معرفة استنتاجيه بناء على رصدهم لحركة الرياح وللسحب المحملة بالمياه. ومع ذلك قد تصدق توقعاتهم أو لا تصدق... أما معرفة الله بالمستقبل، فلا تدخل تحت دائرة الاستنتاج. كما أنه قد يوحى بها إلى بعض رسله، فيتنبئون الناس بها، وتسمى نبوءة. وهى مجرد نقل معرفة الله بالمستقبل، ولو بعد عصور بعيدة في أزمنة ستأتي... ومن صفات معرفة الله، أنه يعرف الأمور بدون واسطة، وأيضًا بدون تدرج. بعكس معرفة البشر... ما أكثر المقاييس والأوزان والأجهزة عند الناس. وفي عالم الطب مثلًا، لا يتأكدون من حقيقة المرض وتشخيصه إلا بناء على وسائط عدة، كالتحاليل، أو كشف الأشعة، أو الـM.R.I، أو القسطرة، أو ميزان الحرارة، أو جهاز معرفة ضغط الدم، وما إلى ذلك من الوسائط... أما الله فيعرف طبيعة المريض وعلاجه دون أية وسائط... كذلك كثيرًا ما يجهد البشر أنفسهم في اكتشاف مناطق البترول أو الذهب أو الأحجار الكريمة بعديد من الحفريات، قد لا يأتي الكثير منها بنتيجة. أما الله فيعرف كل تلك المناطق التي يجهد البشر أنفسهم في معرفتها، ذلك لأنه هو الذي شاء أن يوجد الذهب أو البترول في تلك المناطق، بإرادته الإلهية وحسن تدبيره. من صفات الله أيضًا أنه يعرف طبائع الكائنات أو المخلوقات كلها، ذلك لأنه هو الذي منحها تلك الطبائع حينما خلقها.. فقد يستنتج البشر أن المادة الفُلانية أو العشب الفلاني يصلح لعلاج مرض معين. أما الله فيعرف ذلك، لأنه هو الذي وضع في تلك المادة تلك الخاصية منذ خلقها، قبل استنتاج البشر لذلك... إنه جّلت قدرته، يعرف طبيعة المادة بصفة عامة، ويعرف طبيعة جميع المواد كلٍ منها على حدة. ويعرف طبيعة الروح والعقل والنفس، لأنه هو الذي وهبها طبائعها، بحكمة إلهية من عنده. وقد يحاول البعض أن يعرف طبيعة الروح مثلًا، وعلاقتها بالجسد، ومصيرها بعد الخروج من الجسد. ويؤلف علماء الروح في ذلك كتبًا، وقد يختلف معهم رجال الدين في كثير من النقاط. وتبقى المعلومات اليقينية الثابتة في جميع التفاصيل في علم الله، إلا ما سبق وأعلنه الله... الله أيضًا يعرف الماضي والحاضر والمستقبل، كله دفعة واحدة... كل ذلك كائن أمامه في نفس الوقت، صورة واضحة، لا يسبق أحدها الآخر. بما في ذلك ما كان قبل خلق الكون، وما سوف يكون أيضًا في الأبدية التي لا تنتهي ومصير كل واحد فيها... الله أيضًا -في معرفته غير المحدودة- يعرف العوالم الأخرى... يعرف كل ما يتعلق بالكواكب والنجوم والشموس والمجرات والشهب، بتفاصيل كثيرة فوق معرفة جميع البشر وعلماء الفضاء منهم... يعرف أعماق السماء، وأعماق الأرض كل الأرض، وأعماق البحار كل البحار، ويعرف طبيعة الجو والهواء مهما كان الارتفاع عن سطح الأرض. وكل ذلك دفعة واحدة. ولا يخفى عليه شيء... والله يعرف أيضًا عالم السماء والملائكة وطبيعة كل منهم... ويعوزني الوقت إن تابعت الكلام عن معرفة الله، كما تعوزني المعرفة أيضًا. |
||||
|