منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 07 - 08 - 2014, 02:46 PM   رقم المشاركة : ( 4881 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,342,466

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الأنبياء الكذبة و المعلمون الكذبة
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

" لم أرسل الأنبياء ( الكذبة ) بل هم حروا . لم أتكلم معهم بل هم تنبأوا " ( ارميا 23 : 21) . قبل أن ينهى المسيح له المجد موعظته عى الجبل الواردة بالتفصيل فى ( متى ص 5- 7 ) وبعد أن أعطى التعاليم السامية للتلاميذ حتى يعيشوا بموجبها قال " احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة " ( متى 7 : 15 )
هذه كانت خطة الله المرسومة للإنسان من قديم الزمان فكان بعد أن يقدم إليه التعاليم والنصائح كان يحذره من الوقوع فى فخاخ إبليس الذى يغير الحقيقة ويقلبها رأسا على عقب ويحرف ويجدف من أقول الله لأنه من البدء يكذب وهو أبو كل كذاب . تأملوا فى وصية الله لأدم
" من جميع شجرا الجنة تأكل اكلآ وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت " ( تكوين 2 : 16 و 17 )
وهذه أول وصية أعطيت لأدم من الله ومعها التحذير والإنذار حتى يكون الإنسان بلا عذر أمام الله .
ولكن هل يقف إبليس مكتوف اليدين تجاة هذه الحقيقة ويترك الإنسان يتمتع بالشركة مع الله مرتاح البال سليم القلب صافى النية ومطمئن النفس يأكل من خيرات الله فى جنة عدن ويتمتع ببركاته الروحية والزمنية ؟ كلا ثم كلا . انظروا ماذا عمل إبليس
" وكانت الحية أحيل جميع حيوانات البرية التى عملها الرب الإله . فقالت لمرآة أحقا قال الله لا تأكلا من كل شجر الجنة . فقالت المرآة للحية من ثمر شجر الجنة نأكل وأما من ثمر الشجرة التى فى وسط الجنة فقال الله لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا . فقالت الحية للمرآة لن تموتا " ( تكوين 3 : 1-4 )
قارنوا بين أقوال الله وبين أقوال إبليس فتجدوا الفرق لان إبليس يضع علامة سؤال على كل الحقائق الإلهية . إن الله تعالى أعلن فى كاتبة العزيز " النفس التى تخطيء هى تموت " ( حزقيال 18 : 4و 20)
وهكذا يُحذر الشرير بواسطة حزقيال راجع ( حز 33 : 7- 20) ولكن مع هذا أكله إبليس وأتباعه كانوا يقولون ولا يزالون يقولون لن تموتا ببراهين محرقة تأييدا لادعائهم الباطل .
أيها المؤمنون احذروا من قلب الحقائق كل الحذر . قال بولس الرسول " فانى أغار عليكم غيرة الله لأنه خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة المسيح . ولكننى أخاف انه كما خدعت الحية حواء بمكرها هكذا تفسد أذهانكم عن البساطة التى فى المسيح " ( 2 كو 11 : 2و 3 )
الأنبياء الكذبة والمعلمين الكذبة الذين يلبسون ثياب حملان ويغيرون شكلهم كخدام المسيح . ولا عجب لان الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور فليس عظيما إن كان خدامه أيضا يغيرون شكلهم كخدام للبر الذين نهايتهم تكون حسب أعمالهم ( 2 كو 11 : 13 -15) إذا كمؤمنين دعنا أن نلجأ إلى كتاب الله ونعتصم به ونتصفحه وننعم النظر جيدا فى ما يعملنا إياه عن الأنبياء الكذبة حتى نتقى شرهم ونحيد عنهم .
1) منظرهم كخدام الله ( 2 كورنثوس 11 : 13 ) .
2) كلامهم يتكلمون كذباً " أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحن الأرواح هل هى من الله لان الأنبياء كذبة كثيرون قد خرجوا إلى العالم " ( 1 يوحنا 4 : 1 ) لا تسمعوا لكلام الأنبياء ( الكذبة ) يتكلمون برؤيا قلوبهم لا عن فم الرب . ( ارميا 23 : 16 ) . يتكلمون من العالم ? هم من العالم .
من اجل ذلك يتكلمون من العالم والعالم يسمع لهم ( 1 يوحنا 4 : 5 ) يتكلمون بأمور ملتوية ( أع 20 : 30) . بالكلام الطيب والأقوال الحسنة يخدعون قلوب السلماء ( رومية 16 : 18 ) .
3) يضعون انشقاقا وعثرات بتعاليمهم ولكن كان أيضا فى الشعب أنبياء كذبة كما سيكون بينكم أيضا معلمون كذبة الذين يدسون بدع هلاك .... يجلبون على أنفسهم هلاكا سريعاً ( 2 بطرس 2 : 1 ) لاحظوا الذين يصنعون الشقاقات والعثرات خلافاً للتعليم الذى تعلمتموه واعرضوا عنهم . ( رومية 16 : 17 )
4) أوصافهم
( أ ) متعصبون ? ويل لكم أيها الكتبة والفريسيين المراءون لأنكم تطوفون البحر والبر لتكسبوا دخيلا واحدا ومتى حصل تصنوعه ابنا لجهنم أكثر منكم مضاعفاً .( متى 23 : 15 ) .....
( ب) جهلاء ? يعترفون بأنهم الله ولكنهم بالأعمال ينكرونه إذ هم رجسون غير طائعون ومن جهة كل عمل صالح مرفوضون . ( تيطس 1 : 16 ) لا يعثركم احد بكلام باطل لأنه بسبب هذه الأمور يأتي غضب الله على أبناء المعصية . ( أفسس 5 : 7 ).
لهم عيون مملؤه فسقاً لا تكف عن الخطية خادعون النفوس غير الثابت . لهم قلب متدرب فى الطمع أولاد اللعنة ( 2 بطرس 2 : 14 ) لان الله يقاوم المستكبرين وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة ( 1 بطرس 5 : 5 )
5) غرض تبشيرهم
( أ ) إرضاء الناس ? سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة فيصرفون مسامعهم عن الحق وينحرفون إلى الخرافات ( 2 تيموثاوس 4 : 3و 4 ) . .....
( ب) لربح عالمى ? هكذا قال الرب على الأنبياء الذين يضلون شعبى الذين ينهشون بأسنانهم وينادون سلام . ( ميخا 3 : 5 )
يعلمون ما لا يجب من اجل الربح القبيح . ( تطيس 1 : 11 ) . كلاب شرهة لا تعرف الشبع وهم رعاة لا يعرفون الفهم . التفتوا جميعاًَ إلى طرقهم كل واحد إلى الربح . ( اشعيا 56 : 11 ) وهم فى الطمع يتجرون بكم بأقوال مصنعة ( 2 بطرس 2 : 3 ؟)
من اجل ذلك احملوا سلاح الله الكامل لكى تقدروا أن تقاموا فى اليوم الشرير فاثبتوا لا وترجعوا إلى الوراء .

 
قديم 07 - 08 - 2014, 02:47 PM   رقم المشاركة : ( 4882 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,342,466

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

نؤمن ونفكّر
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مقدّمة
يبدأ كتاب "التعليم المسيحي" CATECHISME DE L- EGLISE CATHOLIQUE، الذي أعلنته الكنيسة مؤخراً، صفحاته الأولى بطرح مسألة الإيمان كفعلٍ أساسي لحياة الإنسان،

ويتساءل: ما معنى: "أومن" أو "نؤمن"؟ لاشك أن الإيمان هو تجاوب الإنسان مع مبادرة الله في الكشف عن ذاته، ولكنه أيضاً يخصُّ حياة الإنسان في مختلف جوانبها (أنظر الباب الأول من الكتاب).

لقد حاولت الكنيسة عبر الزمن، أن تحدّد أسس الإيمان المسيحي، من خلال العديد من الصيغ. فشيّدت بناءً متكاملاً من العقائد والقوانين والطقوس وسائر أساليب التعبير، لتعلن من خلالها عن حقيقة إيمانها. وكلُّ ذلك لكي تمنح الثقة لمؤمنيها عيش ما يؤمنون، وبالتالي يصبحون شهود الإيمان لمن حولهم.
لنحاول فتح آفاق التفكير حول كيفيّة قراءة وفهم الإيمان المسيحي، بلغة أقرب ما يمكن للغة العصر.

والمبتغى من ذلك، دعوةٌ للانسجام بين ما نؤمن وواقع الحياة، في الفكر، والعيش، والشهادة. فالكنيسة منذ العنصرة إلى اليوم دأبت على هذا الفعل، أعني تقديم الإيمان قريباُ من واقع الإنسان لكي يحياه ويتنعّم به ويشهد له، وبذلك "يتمجّد الله"، حسب تعبير القديس إيرناوس.
سأُحاول في هذا المقال الأول البحث في مسألة الإيمان، من حيث انسجامه مع العقل والتفكير. وفي المقال الثاني سنتأَمّل الإيمان من حيث أنه دعوة حياة واختبار.

وفي المقال الثالث سنتابع تأملنا حول الإيمان، من حيث تفعيله في واقع الحياة المعاصرة.
ما هو الإيمان؟
إن لفظة "إيمان" ترتبط لغويّاً بلفظة أمن أو أمان، وفي لغة العهد القديم ومعاصري يسوع هناك ارتباط بين لفظتي إيمان و"آمين". و"آمين" كلمة توحي "بالصلابة والاستقرار"، ويمكن ترجمتها بكلمة: "حقاً". فالإيمان يرتبط بالحق.
إنه حقيقة من نوع خاص. إن لفظة "الحق" ALIQEIA اليونانية تدل في الكتاب المقدس في الكثير من الأحيان للتعبير عن الإيمان، رغم وجود كلمة خاصة للتعبير عن فعل الإيمان pisteuw.

وبكافة الأحوال استعملت معاني الإيمان في الكتاب المقدس للدلالة على "تجاوب الإنسان مع قصد الله الذي يحققه خلال الزمن"، فيما يسمى "تاريخ الخلاص"، الذي قدّم نماذج واضحة عن "الإنسان المؤمن"، دون أن يحلل فعل الإيمان بحدّ ذاته.
نترك التأمل في بعض هذه الشخصيات النموذجية في الإيمان لمقال آخر، لندرس اليوم الإيمان كفعل أساسي اختبره الإنسان على مرِّ العصور. فالإيمان هو "منح الثقة لآخر"، بناء علاقة أساسها تصديق الآخر لكونه شخص موثوق به من قبل الذات. سُئلتْ مرة زوجة أنشتاين العالم الشهير صاحب النظرية النسبية: هل تفهمين نظريات زوجك؟ فأجابت على الفور:

بالطبع لا، "ولكني أعرف زوجي، وأعلم أنه يمكن الوثوق به".

الإيمان هو جعل الحياة في كافة جوانبها ضمن حركة ثقة مع الله. فللإيمان، كما يقول معجم اللاهوت الكتابي، قطبين:

الثقة التي تتجه نحو شخصٍ "أمين"، وتلزم الإنسان بكليته، ومن جهة أخرى، مسعى العقل الذي تتيح له كلمة أو بعض العلامات ، بلوغ حقائق لا يعاينها (أنظر: عب11/1)". أي أن الثقة لا تلغي عمل العقل فهي ليست من نوع "الثقة العمياء"، يقول القديس أَنسلم: "الإيمان يتطلّب الفهم ".. لذلك يرتبط الإيمان بكلٍ من مفهومَي: "الدين"، الذي يمكن دراسته أيضاً ضمن مجال علم الاجتماع الديني، و"الوحي"، وهو عمل "لاهوتي" صرف.
1- "الدين":
الدين، بحسب موسوعة "المورد" العربية، "هو تعبير الإنسان عن إيمانه بقوة أعظم منه وإجلاله لها، بوصفها خالقة هذا الكون ومسيّرته. وكثيراً ما يتخذ الدين شكل المحاولة الجادة لتفسير أصل الكون وطبيعته والهدف الذي كانت من أجله الحياة.

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، الدين هو مجموعة الشعائر والطقوس المبنية على أساس من هذا الإيمان."
إن لفظـة ديـن Religio اللاتينية بحسب المفكر شيشرون cicéron هي دمج لكلمتين Re-ligere أي:

"إعادة قراءة" أو"قراءة جديدة". فالدين هو أن يقرأ الانسان ويفسّر ويفهم واقع الحياة ومعنى الوجود في ضوء ايمانه بالله.

"فالإيمان يفتح للشخص آفاقاً شاسعة غير الآفاق التي يحياها كل يوم بنوع من العادة والرتابة". ويعود ذلك إلى كون "الله موضوع الإيمان". فالبحث عن الله، وعن مَنْ يكون، يُفعّل الحياة بمعانٍ جديدة متسامية. ويرى المفكر لاكتانس Lactance أن أصل لفظـة ديـن Religio هـو دمـج لكلمتـيـن Re-ligare أي:

"بناء علاقة". فالدين هو أن يبني الانسان علاقة مع الله تضمن له الأمان والمحبة.

أما القديس أغسطينوس فيرى في لفظة دين Religio معنى"الاختيار" Re-eligere أي: اختار مجدّداً.
فالدين "هو اختيار المؤمن لله اختياراً حراً مجدِّداً لحياته وسلوكه وتصرفاته". من هنا يمكن القول إن الإيمان هو قفزة نحو الله، للعيش معه وبه وإليه.
2- الوحي:
ربما من المناسب أيضاً، أن نعيد ترجمة كلمة "وحي"Revelation الفرنسية، بكلمة "كشف" أو "إعلان". فاللفظة الفرنسية مقتبسة من كلمة Revelare اللاتينية التي تعني "ازاحة الستار" أو "الكشف عن". ف
الوحي هو "كشف" الله عن ذاته و"إعلانه" سرّ حبه و"إزاحة الستار" عن حقيقته للتعرف إليه والحياة معه.
فإذا كان معنى الإيمان في مقاربتنا إياه مع مفهوم الدين، هو جهدٌ من الإنسان لمعرفة حقيقة الله، والعيش بحسب مشيئته، تأخذ الحقيقة هنا بُعداً يكون الله فيه هو المبادر لإشراك الإنسان في حياته من خلال "الكشف" عن "ذاته".

هناك، يعيش الإنسان حياته بحسب رؤيته لله، لكونه صورة الله، وهنا، الله شخصياً هو الذي يكشف للإنسان عن حقيقة كيانه "المحبة" ليُشرك الإنسان في حياته. لاشك أن النظرتين متكاملتين رغم اختلاف الاتجاه.

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


ما هو دور الإنسان في فعل الإيمان؟
لا بدَّ لنا، في مناقشتنا مسألة الإيمان، من طرح بعض التساؤلات الهامة: هل يمكن أن يكون الإيمان موضوع دراسة؟ هل للعقل دور في فعل الإيمان؟..
هل الإيمان تصديق حقائق تتنزَّل لا مجال للتفكير فيها أو درسها؟ هل العلم والإيمان على طرفي نقيض، أم أنهما متوازيان لكلٍ منهما مجاله الخاص، كالخطين المتوازيين مهما امتدّا لا يلتقيا، كخطي القطار الذي لا يستطيع أن يمشي من دونهما ، ودون من توازيهما؟
1- إما العقل أو الإيمان!..
هناك تيارين على الأقل يرفضان تَوَازي فعلَي العقل والإيمان معاً. الأول هو الإلحاد بمعظم مظاهره. يقول جاك مونود في كتابه الشهير "الصدفة والحتميّة":

"إن المعرفة الموضوعية، أي تلك التي توَّفرها العلوم التجريبية بمعناها الحديث، هي وحدها مصدر الحقيقة الصادقة".

أي أن العقل هو الإله. والعلم وحده كافٍ لتفسير جميع معضلات الوجود والحياة والتاريخ، فلا ضرورة للإيمان أصلاً. ومن جهة أخرى، يرفض كارل ماركس فعل الإيمان بالله في أساس فلسفته، لأنه يعتبر أن الإيمان يقوّض الإنسان، يقول:

"إن الإيمان بالله يقضي بالاعتراف بعدم قيمة الإنسان. إذاً، كان لابّد من الاستغناء عن الله لإنقاذ الإنسان... إن ديانة العمال هي ملحدة لإنها تبغي إعادة ألوهية الإنسان. إن نقد الدين ُيخرج الإنسان من أوهامه، ويحمله على إن يفكر ويعمل ويُنظّم واقعه كرجل تخلّص من الوهم وبلغ الرشد".

نستنتج من ذلك أن الإلحاد يرفض، وبفعل العقل، الإيمان برمته. التيار الآخر هو المعاكس تماماً، أمثال ترتليانس من آباء الكنيسة واللاهوتي البروتستانتي يوحنا هامان (1730-1788): لا يستطيع العقل مطلقاً البحث في مسألة الإيمان.

يقول كيركغارد: "لا يُعرف الإيمان على نحو عقلي بل على نحو أخلاقي". فلا يقوم الإيمان على القناعة بل على التسليم. الحكمة البشرية والحكمة الإلهية هما دائماً في تضاد ويجب تفضيل حكمة الله على حذاقة البشر. هناك "طاعة الإيمان" فقط.

2- "علم اللاهوت" هو مساهمة العقل في فهم الإيمان:
إنَّ التفكير في الإيمان له منهجيته الخاصة به، ككل نوع من أنواع التفكير. فالتفكير في الرياضيـات مثـلاً، يتطلـّب أولاً معرفـة بعض النظريـات والمعـادلات والقوانيـن والرمـوز والارقـام.. كذلك التفكير في التاريخ، له منهجيته الخاصة به، التي تختلف عن غيرها، ليس في موضوعها وحسب، بل ايضاً في طريقة التفكير بحدِّ ذاتها. قد تستفيد المعارف من بعضها البعض، وقد تستعير.

وقد لاتستفيد ولاتستعير، ولايوجد بينها أدنى ارتباط. فربما توجد رابطة بين الرياضيات والفيزياء، أو بين التاريخ وعلم الاجتماع. ولكن أية صلة تربط بين الكيمياء المعدنية مثلاً، وتاريخ الأدب العربي؟ هناك تعددية في مجالات المعرفة.

ومع تطور الحضارة أخذت جوانب هذه التعددية أبعاداً تخصصية في مختلف مجالات المعرفة ، فنحن في عصر التخصص. والإيمان المسيحي أخذ جانبه الخاص ضمن مجالات المعرفة ليس فقط في العلوم الإنسانية وحسب، بل أيضاً في وجهٍ تخصصي، دعي في لغة المعرفة "علم اللاهوت".
إن لفظة "علم اللاهوت" هي ترجمة لكلمة Theology ، المركبة من لفظتيـن يونانيتين (ثيوس) وتعني الله، و (لوغيّا) وتعني كلام أو تفكير أو علم. ويقابل ذلك في العربية ما يسمى:

"علم الكلام". وهو علم "يدافع عن العقائد الإيمانية بالأدلة العقلية" (موسوعة "المورد" العربية). يمكننا القول إذاً أن علم اللاهوت هو التفكير بالإيمان على ضوء العقل، أو مساهمة العقل، وفق المعطيات الدينية، في التعرف على الله.

من يكون، كيف يكشف عن ذاته، ما دوره في الكون والتاريخ، ما علاقته بالانسان... الخ. لهذا التفكير منهجيات عديدة ومتنّوعة. تستعير في معظمها ما توصلت إليه العلوم الانسانية وعلوم الآداب عموماً.

3- الإيمان حقيقةٌ من نوع "السر" MYSTERE :
إن القاعدة الأساسية للدخول في فهم "الإيمان" أو في "علم اللاهوت" هي القبول بمبدأ "السر"..! ومثالنا على ذلك الهتاف الليتورجي عن الافخارستيا: "هذا هو سر الإيمان". الإيمان هو دائماً "سر". والسر هو عموماً "الأمر المخفي أو المحجوب". الأمر الذي لا يستطيع العقل إدراك حقيقته كاملاً، فالحقيقة ليست فقط فيما يظهر ويُعقل.
وهذا لا يعني أنه ضد العقل، بل يفوق العقل. الحقيقة العميقة صعبة التعبير، كاختبارات الحب والإيمان والجمال والصبر والإبداع...

فغالباً ما يكون الأعمق فيها هو ما قد حُجب. الأمر الذي يدعو إلى الرمز والعلامة، إلى التساؤل والتأمل، إلى الحيرة والدهش.. وكثيراً ما يدعو إلى الصمت والترقب.

فمهما حقق الإنسان من إنجازات هامة، وقد حقق الكثير، على كافة الأصعدة العلمية، التجريبية كالطب والكهرباء والميكانيك والعمارة..، والتجريدية كالرياضيات والفلسفة والمنطق واللغة..،
لا يستطيع إلا أن يقف متواضعاً، متأملاً، أمام كيانه "السر". لا بل عليه أن يفتخر:

عقل وقلب وجسد.. هذا هو الإنسان ذلك المجهول! ينتسب إلى المطلق، ويصطدم بالمحدود. ينكسر أمام الألم والموت، وينشد الخلود. يفكّر، ويحب. يبحث ويتذوَّق. يمكنن المادة الجامدة، ولا يتخلى عن ابتسامة طفل.

يغزو الفضاء، ويستلهم وردة الحبيب! والروح فيه تجعله يعيش الزمن الحاضر، ويطلُّ على الزمن الأبد، مما يزيد فيه السر.

والكائنات! أليست هي الأخرى "سر"؟ في وجودها.. في حركتها ونموها.. في هدفها..

يقول باسكال: "إن وراء كل شيء سر". والله!.. من هو الله؟ وإن كانت بصماته واضحة في الخليقة بأسرها، وبأشكال متعددة ومعقدة أحياناً، يبقى الله "سراً" لا يدرك ولا يُعقل، "كائنٌ هُوَ هُوَ".
قد يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تناقضٌ في كلامنا، فمرة نقول أن العقل يدرك ماهية الإيمان، وأخرى أن الإيمان يتجاوز حدود العقل!!.. ولكن سرعان ما نستنتج من ذلك،

أننا نستطيع عقلياً، ككل العلوم، أن نبحث وندرس مسألة الإيمان، ولكن في حدود منهجيتها الخاصة، منهجية "السر".

أي أنه علينا القبول سلفاً أن هناك ما يتجاوز العقل وإن لم يكن ضده، إذ لا يمكن أن يكون في مسألة الإيمان ما يناقض العقل وإلا ما أصبح إيماناً بل فرضاً. ما خلق الإنسان ليؤسر،

بل ليكون الإيمان له بمثابة فعل تحرير. وككل العلوم، علينا في دراسة الإيمان، بتواضع وفخر، أن نغوص مستغرقين في أفعال البحث والتأمل والاختبار، دون أن نلغي حدود العقل.

يقال أن القديس أُغسطينوس بينما يفكّر بحقيقة سر الثالوث الأقدس، وقد أراد القبض عليها كاملةً، رأى طفلاً ينقل في كفّه الصغير مياه البحر إلى حفرة صغيرة، فاستهجن ذلك.
والطفل بدوره، استهجن رغبة اُغسطينوس القبض على حقيقة الله كاملة. وما يفيد في هذه المقاربة هو أنَّ الحفرة تستوعب مياه البحر بقدر اتساعها، لن تستوعب البحر كاملاً. ولكن كلَّما اتسعت استوعبت مياهه أكثر. كذلك محاولة الفهم في الإيمان تتسع يوماً بعد يوم، دون أن تصل إلى نهاية
كحقيقة العلوم والمعارف، فالحقيقة لا تحدّ، وكما تقول القديسة تيريزيا الأفيليّة، "إنَّ الله لا يحدّ".

فالعلم الحقيقي لا يلغي من العقل التأمل والتساؤل، بل يمنح الإنسان، كما يقول اللاهوتي المعاصر بلتسار، أن "ينتقل من نطاق حياته الضيق المستكين إلى رحاب إمكانية دخول حياة الله، أشبه بمن تنفتح أمامه مساحات شاسعة لا يحدها النظر بل تقطع على المرء أنفاسه.

وإنها لمساحات على أكمل ما تكون الحرية، وهذه المسافات نفسها هي حريات تجذب حبنا وتستقبله وتستجيب له. أما في هذه الدنيا فمن يستطيع أن يدخل أعماق حرية أخرى؟

إنه لأمر مستحيل! وهكذا تتكدس، بشركة القديسين في الله، وإلى أبعد ما يمكن إحصاؤه، مغامرات الحب الخلاّق المبدع، فتصبح الحياة أعجوبة مطلقة، ولن يُعطى أيُّ شيء يقضي على إمكانية القبول، وعملية العطاء تنتشر لا تحدّها حدود".
4- الإيمان عمل مشترك بين النعمة الإلهية والحرية الإنسانية
إنَّ الإيمان هو عطية الله المجانية للإنسان لكي يمنحه بواسطة ذلك حبه وسعادته وخيره. إنّه حركةٌ تآزريّة Synergy بين الله والإنسان تهدف إلى إشراك الإنسان في حياة الله. يُفسر افاغريوس البنطي أحد آباء الكنيسة (القرن الرابع)، معنى الإيمان بحسب مفهومه لعلم اللاهوت،

فيقول: "أنت تُصلّي فأنت لاهوتي". فالإيمان بحسب لاهوت الآباء الشرقيين هو معرفةٌ وفن، علمٌ وإبداع، مبادرة واستقبال. فلم ينسج آباؤنا اللاهوت في مقـالات وحسـب.
بـل، وفـي الأناشيد والأشعار، في الأيقونات والرموز، في الحركات والتعابير.. إذ أن حقيقة الله، وحقيقة لقاء الله والإنسان هما، رغم بساطتهما، صعبتا التعبير.

مَنْ يستطيع التكلّم عن الله؟ أو حتى عن الإنسان؟ فكم بالأحرى عن العلاقة بينهما؟ فالحقيقة العميقة تحتاج مع الفكر إلى الرمز، ومع المعرفة إلى الفن.
5- الإيمان المسيحي حقيقة واحدة وقراءات متعدّدة
يُعبَّر الإيمان المسيحي بطرق عديدة، أو بالأصح يُقرأ بقراءات عديدة، والكنيسة هي المسؤولة الوحيدة عن إعلان هذه التعابير.

فالكتاب المقدس، وهو كتاب الكنيسة الأساسي، مليءٌ بهذه القراءات، وهي في غاية التنوع. وربما الاختلاف ليس في جوهر المعنى، بل بأشكال المبنى. الأناجيل الأربعة مثـلاً، هـي قـراءات أربعـة متنوّعـة المبنى لحقيقة واحدة، تحمل ذات المعنى. فيميل يوحنا إلى التحليق في سماء لاهوت يسوع الكلمة.

بينما يُظهر لوقا حنان الله في يسوع الرحمة. ويُبرز متى أن يسوع هو "المنتظر" ليحقق الله بواسطته الخلاص. ويشاهد مرقس قوّة الله في شخص يسوع. حتى في الإنجيل الواحد هناك حقيقة واحدة، تُعزَف في كل نصٍ مـن نصوصـه.

فالمثـل يحمل ذات المعنى الذي تحملـه المعجزة. والحدث يُعبّر عما تريد العظة قوله. ورغم أن الكتاب المقدّس بعهديـه، وبتنوع فنونه، هو قاعـدة أساسية للإيمان المسيحي، هناك قراءات غيره تقدّم سر الخلاص، قد أعلنتها الكنيسة. كقوانين الإيمان، ومقالات الدفاع عنه في عصور الآباء، وتحديدات المجامع المسكونية.

والليتورجيا والصلوات، والفنون الكنسية. والخدمة الاجتماعيّة في السهر على "سر الأخ" خصوصاً المتألَّم. وسير وكتابات الروحانيين والقديسين. وهكذا يظهر الإيمان دائماً: حقيقة واحدة هي سر الخلاص، متناغمة بين المبنى والمعنى.
6- ضرورة "انثقاف" الإيمان:
انثقاف الفكر هو نقله من ثقافة إلى أخرى. أو هو تجسيد المعاني في ثقافة معيّنة. فالتفكير في الإيمان المسيحي، وإن كان يحمل حقيقة واحدة، قد انثقف في حضارات متعدّدة حسب الزمان والمكان.

فكلمة "الكلمة" Logos مثلاً المستعملة في افتتاحية إنجيل يوحنا لها مدلولات في الفلسفة اليونانية، غير ما قصده كاتب الإنجيل المثقَّف بالحضارة السامية، رغم أن اللغة هي واحدة فكم بالأحرى لو تغيرت. لا تكفي الترجمة، يجب نقل المعنى المختبئ في حدود الكلام، ومن جهة أخرى يجب أن يعني هذا المعنى لمن يتلقاه.

وهنا تُطرح مشكلة انثقاف الإيمان: هل معنى الإيمان الذي اُختُبر في الثقافة السامية كحدثٍ مؤسِس له قد تغيّر في الحضارة الهلينيّة، وبالتالي في مختلف الحضارات؟
أم أن المعنى قد بقيَ أميناً للحقيقة رغم تغيُّر المبنى؟ وهل لكي نُحافظ على المعنى، هل يجب أن نترك المبنى كما وُجِدَ في أُصوله، وبالتالي علينا العودة، في كلِّ زمان ومكان، إلى عصر الأصول، لكي نختبره؟ أعتقد أنَّ الإجابة على هذه الأسئلة تَسهلُ في حالة فهم حقيقة التجسّد في المسيحية، وتعميمها بحدث انهمار الروح القدس يوم العنصرة.

فالروح القدس لم يفارقِ الكنيسة منذ حلوله "في اليوم الخمسين" (رسل2/..) وكما ألّهَمَ الجماعة المؤَسِسَة إعلان الإيمان في ثقافات ذلك الزمان، وهذا ما يرمز إليه تعدد الألسنة، لا يزال يُلهم الكنيسة، في كل زمان ومكان. والمشكلة هي العكس، حين تتجمّد تعابير الإيمان في قوالب الثقافات الغابرة.
لم يتأخر "الآباء" في نحت كلامٍ مقتبسٍ من واقعهم للتعبير عن معاني الإيمان، وبفعل الروح القدس تعلن الكنيسة استقامة تعاليمهم. الآباء خضَّعوا الفلسفة لإعلان إيمان الكنيسة فاستعملوا تعابير اقتبست من الفلسفة اليونانية لم تكن موجودة في الكتاب المقدّس،

أمثال: "الثالوث"، "الأقنوم"، "الطبيعة"، "الجوهر"، "المساوي في الجوهر"، "الخطيئة الأصلية"...

ولا تزال الكنيسة إلى اليوم وحتى الأبد، وبهبوب الروح القدس، تسعى أن يكون إعلان إيمانها منثقفاً مع واقع كل عصر لأن الإيمان الغير المفهوم لا يمس القلب، وبالتالي يصبح اتباعه عبودية.
خاتمة
إنَّ الإيمان ، كما يقول راتسنغر، وبكلامه أختم،
"هو موقفٌ من المواقف التي يتخذها الإنسان حيال الوجود بمجمله، إنه الشيء الذي يعطي حياة الإنسان معناها،
إذ يوفِّر لها قاعدة ترتكز عليها.

ومن دونه لا يستطيع الإنسان لا أن يُخطِط ولا أن يعمل،
نظراً لافتقاره إلى الأساس الذي لابدَّ منه ".
 
قديم 07 - 08 - 2014, 02:55 PM   رقم المشاركة : ( 4883 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,342,466

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يونان، ونينوى، ونحن(1)
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ليس عبثاً وضعت الكنيسة هذا الصوم المبارك في هذا الوقت بالذات، فترتيب الكنيسة دائماً مُلهَم.
تعلمون أننا قادمون على الصوم الأربعيني المقدَّس. والكلام هنا مركَّز وموجَّه. فكلمة "الأربعيني" ذات أهمية خاصة. ذلك لأننا قادمون على موت يجوزه المسيح عن البشرية كلها
أو هو استبدال موت بهلاك، ذلك لأن البشرية كلها كانت في حالة هلاك أو مشرفة على هلاك وإبادة لا تقل عن إبادة الطوفان(2)، وذلك بسبب تعاظم سلطان الخطية.
وهذا ما حدا بالابن المبارك أن يترك مجده ويلبس بشريتنا ويتألَّم لكي ينقذ البشرية. لقد قدَّم نفسه للموت عوضاً عن هلاك البشرية ثم قام، فصار موته وقيامته مصدر خلاص وتوبة لا تنتهي.
صار آية لكل مَنْ يريد أن يرث - لا أن يرى الإنسان بعد آية - بل يرث السماء نفسها. فهذا هو موت المسيح وقيامته. وهذا هو الصوم الأربعيني الذي صامه الرب عن البشرية كلها، ليوفِّي عنها كل نقص في نسك أو في صوم.
والكنسيون منكم يتذكَّرون أننا لازلنا نردِّد ألحان عيد الظهور الإلهي، أي التعميد الذي لا يتم حسب الطقس إلا بالتغطيس الكامل تحت سطح الماء(3)
أي في عمق المياه - أو بتعبير قصة يونان - نزل إلى بطن الماء. لذلك لما خرج المسيح من الماء اعتُبر ذلك مسحة خَدَم بها، تلك التي تقدَّم بها للدخول في صوم الأربعين يوماً
ثم إذا تجاوزنا الزمان أو التـزمنا بالطقس الكنسي ندخل مباشرة في أسبوع الآلام ثم الموت فالقيامة.
وهكذا يأتي صوم يونان قبل الأربعين المقدَّسة حاملاً معاني ورموزاً كثيرة ما بين الغطاس والموت على الصليب!!
نعود إلى يونان. ونسأل: مَنْ هذا المدعو يونان؟
إنسان نبي، من العبرانيين، أتاه صوت الرب هكذا:
+ «وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلاً: قُم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ...»

(يون 1: 1 و2)
فقام يونان، يقول الكتاب إنه "قام وهرب" إلى ترشيش من وجه الرب، وذهب وهاج البحر.
السفر لم يوضِّح أكثر من هذا، وطبعاً إن أي عدم توضيح في الأسفار أو الإنجيل ليس معناه قصوراً أو خللاً في التدوين ولا حتى سهواً
ولكنه فسحة للفكر العمق وللنفس المتأمِّلة، لتستوعب الأشياء التي لا يمكن أن تُكتب في سطور. وأتمنَّى أن يكون هذا الكلام له صدى عند السامع، لأن كثيرين يشتكون من غموض بعض المواضع في العهد القديم؛ بل وفي الإنجيل أيضاً.
صوت الرب يقول ليونان: اذهب وبشِّرها لأن شرَّها صعد أمامي. فهرب ونزل في بطن الماء وبقي فيه ثلاثة أيام، وبالتعبير الكتابي، المسيح نـزل إلى الهاوية ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ. ويونان نـزل إلى العمق، في بطن الحوت، ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، وبتعبيره هو قال: «صرختُ من جوف الهاوية» (يون 2: 2)
وهكذا يبدو سفر يونان تطبيقاً ورؤيويًّا، وكل سطر وكلمة فيه تشير إلى المسيح بصورة قويَّة جداً. وهنا يمكن اعتبار يونان بمثابة يوحنا المعمدان في العهد الجديد الصارخ ليعد طريق الرب.
يونان رمز حيٌّ بشخصه، يمثِّل المسيح. عماد المسيح دفع به إلى الأربعين المقدَّسة، والأربعين إلى الصليب ثم القيامة. تماماً كما نـزل يونان الماء ثم ذهب لنينوى كارزاً لها بالتوبة قائلاً لها: إن المدينة ستهلك بعد أربعين يوماً - كأنما هنا إشارة خفية أن الأربعين يوماً هذه مهمة في تحديدات الله - وكأنها وفاء أقصى مدة محدَّدة للهلاك(4).

لكن الرب وفَّاها وقضاها في صومه الأربعيني عن البشرية كلها.
أما هروب يونان، فكأنه يستصعب الدعوة، لكنه بعد أن نـزل في الماء وظلَّ فيها ثلاثة أيام حدث له شيء ما. لأنه بعد ما ألقاه الحوت على الشاطئ، قال له الرب مرَّة ثانية بنفس الألفاظ الأُولى:

«قُم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ونادِ لها بالمناداة التي أنا مُكلِّمُكَ بها» (يون 3: 2)، فانصاع يونان وكأنما تجدَّد فكره بعد أن اعتمد لنينوى ثلاثة أيام في العُمق!!
هنا شيء سرِّي حدث. وكأنما النـزول في الماء - معمودية يونان - هو اجتياز الموت والقيامة لنينوى.
يا للعجب على الإشارات البليغة، يا للكنيسة التي تستطيع باللمسات الخفيفة أن تحدِّد صوماً محدَّداً أو عيداً معيناً. تحديدات كلها إلهام ورؤيا لمَنْ يريد أن يسمع أو أن يرى، وليس كالكتبة والفريسيين الذين قالوا له:

«نريد أن نرى آية»، متغاضين عمَّا حدث من قبل.
وضعت الكنيسة هذا السفر أمام أعيننا في هذه الأيام لنستطيع أن نستوعبه لأنفسنا: أولاً في يونان، وثانياً في نينوى. لأن ليونان ونينوى رسالتين لنا في حياتنا. فيونان يضع لمسات صورة المسيح القادم من بعيد.

ونينوى تبكِّتنا بشدَّة: «رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه، جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطَى له آية إلاَّ آية يونان النبي.»

(مت 12: 41 و39)
«هذا الجيل»، لا يقصد به الوحي زمن جيل المسيح فحسب - كما يقول أغلبية الشرَّاح - ولكنه هو هذا الجيل أي كل جيل شرير وفاسق. كل جيل فيه الشرير والفاسق، فهو

«هذا الجيل». أما جيل المسيح الذي هو جيل الرسل فهو جيل مستمر فينا وبنا حتى الآن.

وأنتم تسمعون الكاهن يقول: "اذكر يا رب كنيستك الواحدة الوحيدة المقدَّسة الجامعة الرسولية"، ثم تسمع في المجمع أسماء البطاركة حتى آخر بطريرك. فالكنيسة ممتدَّة من المسيح والرسل إلى هذا اليوم.

فهو جيل واحد، هو جيل المسيح، وهذا اسمه. الجيل الشاهد للمسيح حتى آخر يوم في تاريخ البشرية، جيل ممتد، الجيل الطيب القديس الطاهر.
أما الجيل الآخر فهو جيل قايين، وجيل يهوذا، الجيل الصالب، هو أيضاً ممتد حتى هذا اليوم، فيه يهوذا وفيه الصالب أيضاً.
«جيل فاسق وشرير»، قد تبدو هنا قسوة في كلام المسيح، ولكن ليس الأمر كذلك. هو جيل فاسق وشرير لأنه زاغ عن الله.

وإذا سمعت عن "الفسق والشر" في الإنجيل فلتفهم أنه يقصد الوضع الروحي وليس الجسدي (لأن الوضع الجسدي يمكنه بطعنة في الضمير الحي من سيف كلمة الله أن يحوِّل أشر الناس إلى القداسة).

الشر الروحي، هو أن نعبد غير الله، أن نرتمي في أحضان الشيطان، هذه هي الخيانة الزوجية. لأن المسيح اتخذ الكنيسة لنفسه عروساً، حسب نفسه عريساً للكنيسة: «لأني خطبتكم لرجل واحد لأُقدِّم عذراء عفيفة للمسيح.» (1كو 11: 2)
«جيل فاسق وشرير يطلب آية»، هل يريد من الله أن يرسل له ناراً من السماء؟ أو يرسل له منًّا من السماء يأكله ويشبع؟ ألم يقدِّم لهم الطعام في معجزة إكثار الخمس خبزات والسمكتين (إنجيل اليوم الثالث من صوم يونان)؟ ولكن لننتبه لأنفسنا جداً لأن الآية لا تزيد الإيمان، ولكن الإيمان بحد ذاته آية!!

تذكرون قول الإنجيل إن المسيح «لم يصنع هناك (في الناصرة) قوات كثيرة لعدم إيمانهم»

(مت 13: 58).

لن يستطيع المسيح أن يعمل لك آية في حياتك إن لم يسبقها إيمان.
«ولا تُعطَى له آية إلا آية يونان النبي»، جيل فاسق شرير، وخطيته شنيعة جداً. لن تنفعه الآيات من السماء. ولكن آيته الوحيدة هي التي تقيمه من موت الضمير، وآيته هي آية يونان النبي، آية الموت لأن يونان في عُرف المنطق والعلم أنه كان يتحتَّم أن يموت في بطن الحوت، يونان مات، نعم مات، والرب أقامه، ولكن لمَنْ كان الموت؟

ما أجمله موتاً ذلك الذي نموته كل يوم من أجل الآخرين! ما أجملك يا يونان يا نبي الفداء وأنت تموت ثلاثة أيام بلياليها لتكفِّر عن خطيتك وخطية نينوى العظيمة!!
الشرَّاح الغربيون يقولون عن سفر يونان أنه سفر خرافي، أما المتساهلون منهم فيقولون عن يونان إنه يمثِّل الابن الأكبر (في مَثَل الابن الضال)، لأن نينوى لما خلصت حزن يونان وصار مثل الابن الأكبر لم يُرِدْ أن يدخل البيت.
لا، لم يحدث هذا، الحقيقة العميقة هي أن يونان تمنَّع من الذهاب لنينوى لئلاً يبِّشرها بالخراب!!

ولأنه يعلم يقين العلم أن الله طويل الأناة بطيء الغضب، وسيصفح حتماً في النهاية. لذلك هرب يونان لئلا يواجه محنتين: محنة التبشير بالخراب، وهو عسير كل العسر على النفس الوديعة؛ ومحنة رجوع الله عن غضبه، فيظهر يونان وكأنه يسخر من شعب غريب.
ولكن أين يهرب يونان من وجه الله؟ فالله دائماً يطارد الخادم الهربان. فكل إنسان يمكن أن يهرب من وجه الله، إلاَّ من سمع صوته وحمل نيِّره وقَبـِلَ اسمه القدوس.
في الفكر القبطي يونان ليس هو الابن الأكبر الذي حزن على خاص نينوى، ولكنه مثال المسيح. هو نبي الفداء المبدع، لا يقلُّ بل ربما يزيد عن كل الأنبياء في العهد القديم، رقة ورهافة، لا يماثله في هذه الرهافة والرقة إلاَّ نبي واحد مظلوم مثله، هو أيوب.
يونان لم يحتمل أن يكون كارزاً بالخراب. وفي إنجيل لوقا إشارة لطيفة جداً ولكنها سرية للغاية، تكشف عن حدوث صلة توبيخ لأهل نينوى بسبب المخاطرة العظمى والموت المحقَّق الذي تعرَّض له يونان من أجلهم:

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
«وكما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل

(لو 11: 30)
إذاً، فقد بلغ أهل نينوى أن يونان عبر محنة الموت في داخل بطن الحوت ثلاثة أيام، ثم قام من أجل خلاصهم!!
هنا يقصد إنجيل لوقا أنه كما كان يونان بنفسه (وليس بكرازته فقط) آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان بنفسه آية لهذا الجيل، أي بموته وقيامته.
من الصعب جداً، يا إخوة، أن نتكلَّم كثيراً عن ضغطة الموت على مدى ثلاثة أيام بلياليها التي جازها يونان، ولكننا نعرفها أكيداً في تطبيقها على المسيح لما مكث ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ في الهاوية ثم قام:

«سبى سبياً وأعطى الناس عطايا (أي كرامات)» (أف 4: 8)، قام «ونفخ (في وجه تلاميذه) وقال لهم ... مَنْ غفرتم خطاياه غُفرت له» (يو 20: 22 و23).

أعطى الحِلَّ والبركة على الأرض لتدوم إلى أبد الآبدين، إذ نسمع الكاهن يقول: «كما أعطيت الحلّ للتلاميذ ليغفروا الخطايا ...»، هكذا دام هذا الحلُّ الذي يفك كل الخطايا.
هكذا قام يونان وكَرَزَ لنينوى، ليحل عنهم بضيقة موته ثم بكرازته غضب الله!! ويبدو أنه قال لهم ما حدث له.
وأما من جهة نينوى المدينة العظيمة، فنحن آتون هنا لمنظر من المناظر الرهيبة، إذ بمجرَّد أن سمع الملك بما حدث ليونان، وبما نادى به، قام عن كرسيه الملكي وخلع ثيابه وفخفخته وجماله وفخره الكاذب، ولبس المسوح، والشعب كله لبس المسوح - والمسوح ثوب من شعر المعزى خشن الملمس جداً - وأعطى الملك أمراً أن يُرفع الطعام عن كل إنسان كبيراً كان أم صغيراً حتى الرضيع على صدر أمه - يا للهول - وعن البهائم كلها، وهنا وكأنما الخليقة كلها تتمثَّل في قصة توبة نينوى.وكان ذلك إلى ثلاثة أيام.
مدينة فيها "واحد على ثمانية" مليون نسمة تتوب كلها ويعفو الرب عنها من أجل توبة جماعية ناشطة وتدبير متقن لهذا الملك النصوح الواعي الذي استطاع بحكمته أن يرفع حكم الموت عن شعبه؛ يا للرعاية ويا لحكمة الراعي!!
ثم ما هذا الحضن المتسع يا الله؟ إن هذا عجب كبير حقاً! مدينة وثنية تؤمن بالله بكرازة واحدة؟
نعم، ليس بآية من السماء ولا من الأرض تتوب البشرية أو يُعفَى عن إثمها، بل بالاتضاع والصوم والصلاة وتذلُّل القلب لدى الله القدير!
آه لو علم كل خاطئ هذا، ما استكثر خطاياه أبداً عن عفو الله. لو علمت الكنيسة ما ينبغي أن تكون عليها من توبة جماعية، لجلست مع أبنائها في هذه المسوح وفي تراب المذلة إلى أن تجتذب لنفسها عفواً من السماء، ولكانت أزمنة الفرج تأتي من السماء سريعاً!! كما قال بطرس الرسول (أع 3: 19).
يا أحبائي، إن تعطَّلت أزمنة الفرج فالعيب هو منا، نينوى كانت تسير إلى الهاوية والهلاك أكيداً وسريعاً،
ولكن بوقفة شريفة شُجاعة أمينة على قدر الدعوة وقدر التهديد استطاعت أن تجتذب لنفسها عفواً من السماء.
ماذا يعوزك أيها الخاطئ؟ أيعوزك المسوح؟ أيعوزك التراب؟ ماذا يعوزك؟
لو كانت التوبة بذهب وفضة، لو كانت تستلزم سلماً عالياً نطلع به إلى السماء، لو كانت تستلزم منا جهداً نفسانياً أو عقلياً أو جسمانياً أو حكمة فائقة أو علماً زاهراً، لكي نحدر المسيح من السماء أو نصعده من الهاوية
لقلنا إن التوبة صعبة وشاقة. ولكن ملك وشعب ونساء وأطفال وبهائم نينوى عرفت طريقها سريعاً إلى النجاة. فما بالنا نتعطَّل نحن، وما بالنا نذهب يميناً ويساراً ونستشير الكبير والصغير، والخلاص أمامنا وبابه مفتوح، والذين دخلوا منه كثيرون، ومن كل شعب ولسان وأُمة!!
وها هي نينوى تضع لنا نموذجاً لتوبة بسيطة قادرة بعنفها أن تفتح أبواب السماء وتحدر عفواً شاملاً بلا أي استثناء للمدينة بأسرها، قيل عنها في الكتاب إنها لا تعرف شمالها من يمينها!
يا إخوة، نحن قادمون على الأربعين المقدسة، يعوزنا قلب كقلب ملك نينوى وشعب نينوى. أما مجرَّد ذكر البهائم الصائمة وهي خائرة على مذاودها ففيه توبيخ لنفسي، لأني أرى في نفسي وحوشاً ضارية تتعالى على غيرها كما يعلو الأسد على الغزال.
كم فيكِ يا نفسي من غرائز تحتاج أن تُذلَّل بالجوع والمسوح؟ منظر نينوى وبهائمها واقفة على المذاود تئن، مرعب لشهواتي وملذاتي. الثيران وقعت من الجوع خائرة. وكم فيكِ من هذا يا نفسي يا مدينة الله! ما أجملكِ يا نفسي وأنتِ جالسة في المسوح والتراب متشبِّهة بنينوى!!
جيد لكِ يا نفسي في هذه الأربعين المقدسة أن تَرْبُطي حواسكِ كلها، البهيمي منها والوحشي، ولا تفتكري أنكِ بنت المدينة العظمى التي تعرف شمالها من يمينها، لأن الخطية لا يتعالى عليها إلا مَنْ ذاق ما ذاقته نينوى!
اليوم يا أحبائي، أكشف أمامكم سر السماء بلا ستار، بلا حجاب؛ ملك يترك عرشه، وينتـزع الخلاص، وينتـزع العفو السمائي، بتوبة جميلة رائعة استطاع أن يحصل عليها وهو في التراب والرماد.
ثقوا، إن ساعات الخلاص وأيام الرجاء لا تأتي جزافاً أبداً. إن كنت تريد خلاصاً سريعاً، إن كنت تريد أزمنة فرج، فاليوم تعلَّم من درس نينوى، وهو درس للأجيال كلها جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطَى له آية إلا آية نينوى.
آية نينوى لا تقل إطلاقاً عن تفتيح عيني الأعمى، وعن إطعام الجائعين بخمس خبزات وسمكتين، وتحويل الماء إلى خمر.
آية نينوى فاقت كل آية إلا موت المسيح وقيامته، ولكن الجديد في آية نينوى أنها تابت بمناداة نبي، والآن الصوت الذي ينادينا أعظم من كل نبي.
لأن يونان نادى بالموت أو التوبة، ولكن المسيح يقدِّم لنا موته قوَّة حية محيية قادرة أن تُقيم من الخطية والموت!!
اليوم يا أحبائي يوم نينوى ونبيها الرقيق المشاعر، النبي الفادي القائل: "هذه خطيتي" حينما هاج البحر ولم يقل "هذه خطية نينوى".
يونان هنا ينادي كل خادم، كل واعظ، كل كاهن، كيف يرى خطية شعبه ومدينته، ويرى في آلامه وحزنه وضيقه، بل وموته فدية لأولاده.
وصلَّى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت وقال:
+ «دعوت مِنْ ضيقي الرب فاستجابني. صَرَختُ مِنْ جوف الهاوية فَسَمِعتَ صوتي. لأنك طرحتني في العمق في قلب البحار. فأحاط بي نهرٌ (نهر الموت).

جازت فوقي جميع تياراتك ولججك. فقلت: قَدْ طُردتُ مِنْ أمام عينيك (إلهي إلهي لماذا تركتني؟). ولكنني أعود أنظر إلى هيكل قدسك (وفي اليوم الثالث أقوم).

قد اكتنفتني مياهٌ إلى النفسِ (هذا المزمور يُقال في يوم جمعة الصلبوت). أحاط بي غَمْرٌ. التفَّ عشبُ البحرِ بِرَأْسِي. نزلت إلى أسافل الجبال. مغاليق الأرض عليَّ إلى الأبد. ثم أصعدت من الوهدة حياتي أيها الرب إلهي.

حين أعيت فيَّ نفسي ذكرتُ الرب فجاءت إليك صلاتي إلى هيكل قدسك. الذين يراعون أباطيل كاذبة يتركون نعمتهم. أما أنا فبصوت الحمد أذبح لكَ. وأوفي بما نذرته. للرب الخلاص.» (يون 2: 2 - 9)
هكذا تكون صلواتنا في ضيقاتنا. اشْتَكِ للرب فقط، شكوى الممنونين "جازت عليَّ آلامك يا رب. أجزتني المحنة وأمررتني تحت العصا. المرُّ في حلقي. دخلت المرارة إلى قلبي وإلى نفسي".

وكما يقول النبي: «توجعني جدران قلبي» (إر 4: 19)، بتعبير عجيب، كلها أنين الشكر وشكوى الحمد.
إن صلاة يونان هي المزامير الجديدة للسائرين في طريق الجلجثة والتي حتماً تردِّد قرارها في السماء كل الأرواح المبرَّرة المكمَّلة في المجد.

إنها السلم الجديد الذي نرتفع عليه لكي نطل خلسة إطلالة سريعة على المجد المعد!
نعم، هكذا يُغتصب ملكوت السموات! بصلاة كصلاة يونان وهو في عمق الهاوية.
اليوم يا أحبائي، هو يوم التوبة الغاصبة لحقوق القديسين وميراث ابن الله.
اليوم، مفهوم جديد لمعنى الكرازة بالبذل حتى الدم.
اليوم، دعوة للكارز ليسلك طريق النجاة لنفسه وشعبه، للراعي والرعية.
هذه نينوى تعطينا صورة حاسمة لكل دقائق ومعنى استرضاء وجه الله!!
يا رعية الله، صغيرها وكبيرها، شيخها وطفلها، مريضها وسليمها، هذه نينوى أمامنا آية.
ويا كارزي المسكونة، ويا واعظي الكنيسة، هوذا يونان لكم اليوم مثلٌ يُحتَذى، كيف كان وماذا صار.

فيونان قَبـِلَ أن يدخل محنة الموت والثلاثة الأيام بلياليها ما كان نافعاً لا لنينوى ولا لنفسه، حيث كان سيذهب إلى ترشيش ليأكل الخرنوب مع الخنازير.
وها هو يونان بعد أن صلَّى من عمق التجربة وأهوال الموت يرينا كيف جاز التجربة حتى النهاية، وصار يونان كارزاً بشبه المسيح، وحُسب له موته بشبه فداء.
وهكذا تكرَّم يونان بهذه التجربة فصار هو النبي الوحيد الذي أخذه المسيح ليضعه نموذجاً لموته وقيامته! وآية للتائبين!!
صلاة يا رب الفداء الحقيقي الذي منك نستمد كل معنى وكل قوَّة للفداء، أعطِ يا رب روح الفداء لرعاة شعبك، الكبير منهم والصغير، العجوز والحَدَث، المطران والكاهن، أعطهم روح يونان يا رب
وأما رعيتك فأعطها طاعة كطاعة نينوى لمليكها لقبول مرارة التوبة لتنجو ولا تُدان مع العالم، وليؤمن شعبك بالحق أن الرب قادر أن يميت ويُحيي.
فيا شعب الله اطلبوا الحياة بسيرة التوبة ولا تسعوا بسيرة أهل العالم في طريق الموت.
يا رب أعطِ رعيتك جميعاً روحاً كروح نينوى في هذا اليوم ليتوب شعبك
وتتوب كل مدن ممالك الأرض إليك، ولتأتِ أزمنة الفرج سريعاً من عندك على العالم. آمين

 
قديم 07 - 08 - 2014, 03:14 PM   رقم المشاركة : ( 4884 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,342,466

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الفرح الحقيقي
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الراهب موسى الأثوسي
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي
مَن لا يريد أن يكون سعيداً؟ الفرح هو رغبة عالميّة أبدية. الفرح ضرورة عظيمة في حياتنا. معناه واضح ولا داعٍ لتحليله. اليوم، يبدو أن المعنى الصحيح مفقود. يسيطر الألم فيما يختفي الفرح. أو أقلّه أن الفرح لا يظهر بشكله الأصيل الجوهري التام، بل بالأحرى في بدائل رخيصة، تزيد من ألم النفس.
كان الإنسان في عدن بريئاً، سعيداً، مبارَكاً وفرِحاً بشكل كامل. مصدر فرحه كان المحادثة المريحة وغير المنقطعة مع الله. لمّا رغب في أن يستقلّ ويؤلّه نفسه، تغرّب تلقائياً عن مصدر فرحه. الفرح بالنسبة لنفس الإنسان هو كالخبز والماء لجسده.
الفرح هو إيحاء إلهي، دفء محيي، أمّ الصحّة وأخو التعزية الجميلة. يظن البعض أنّه يمكن إيجاد الفرح في اللهو بلا لجام والعربدة بلا خجل والتربّص الليلي باللذة والاحتفال بالسكر، السكر بالترَف والتبذير والانغماس. لو استطاع أحدٌ ما أن يصوّر أعماق قلوب رعاة مراكز التسلية لوجد جحيماً من الألم والبرودة والوحدة القاسية.
الفرح لا يُباع في المحلات ولا يُشرى لا ببعض المال ولا بالكثير منه. اليوم الناس يمرحون (الفعل مرح باليونان مشتقّ من بذّر) ولكنهم لا يستضيفون الفرح. غالباً ما هو فرحهم مجهِد وثقيل. كما يقول الحكيم سولون "انبذوا اللذة التي تولّد الحزن". الناس يعودون من الأفراح الدهرية منهَكين مكتئبين وأكثر وحدة. هذا كذبة كبيرة.
ذهب مهرّج إلى طبيب نفسي طالباً المواساة، وهو الذي يجعل الآخرين يضحكون ويقهقهون فيما هو نفسه فاقد الابتهاج. أحد الممثلين الذائعي الشهرة والذي يعتبره الجميع الأكثر سعادة، كان يعتبر نفسه الأكثر بؤساً.
يشير القديس باسيليوس الكبير إلى أن الإنسان الآثم لا يستطيع أن يفرح بشكل كامل وفعلي. يقول سوفوكليس في أنتيغون "الإنسان من دون الله هو عالة مسافرة في البحر".
يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أنّ الرضا والفرح الحقيقي لا يأتيان بحسب حجم ممتلكات الإنسان، ولا بحسب مالِه، ولا بحسب مدى سلطته، ولا قوته الجسدية، ولا الموائد الفلخرة، ولا الثياب الأنيقة، بل فقط في الإنجازات الروحية والضمير الصالح.
المسيحية، على عكس المتكلّمين عرضاً، أعطت فرحاً شاملاً وآسراً. الفرح الحقيقي يعطي البرهان الداخلي واليقين، التي تصير دائمة وثابتة في القلب البشري، بالرغم من الشدّة الخارجية.
يقول باسكال بوضوح: "ما من أحد أكثر فرحاً من المسيحي الحقيقي". المتواضع فعلاً يقتني فرحاً عظيماً. مَن شطب أناه دمج نفسه بفرح الكلّ. فاعلو الصلاح محكومون بأن يكون فرحهم دائماً. قال فوتيوس كونتوغلو أن الفرح الحقيقي يصدر فقط من وريد الصلاح.
من الإنجيل ينبع لاهوت الفرح. الإنجيل بحد ذاته هو مصدر فرح لا ينضب. الخبرة الأرثوذكسية هي مبدئياً فرحة بهِجة. القديس نيلّس، وهو ناسك قديم وعظيم،
يقول في الباترولوجيا بشكل جميل جداً: "الفرح يبيد الحزن، في المأساة يعطي الصبر، في الصلوات يعطس النعمة، في الجهادات والأعمال يعطي السرور، في الطاعة يعطي البهجة، في الضيافة يعطي الملجأ، في الرجاء يعطي الملاذ، في الحداد يعطي الراحة، في الأسى يعطي المعونة، في المحبة يعطي الزينة، وفي الصبر يعطي المكافأة".
الفرح ليس الضحك ولا الصياح ولا القهقهة ولا الخفة ولا الهزل ولا التندّر ولا الهزء ولا المزاح المستمرّ، بل هو السلام الدائم والبهجة الأصيلة التي تأتي من القلب الفرحان بضمير نقي. الفرح هو نور الفاضل. إنّه ينبع من أعماق الوجود.
هو ليس شيئاً يُدّعى الإيمان بوجوده، خارجياً، وهمياً، بل هو شيء عميق وعلى الأكيد أكثر أهمية من كل ما ذكر. الإنسان الجدي المتواضع والهادئ لا يعجز عن الفرح. أوّل معجزات المسيح المعروفة في عرس قانا كانت حتى لا يضيع نصف فرح المدعوين بفقدان النبيذ.
آخر معجزاته، أي إقامة صديقه لعازر، كانت أيضاً لإبادة الحزن ومنح الفرح.
غذاء الفرح الذي لا ينتهي هو الفضيلة. الأناني، الفرداني، البخيل، الحاقد لا يستطيع أن يفرح. لا يستطيع الفرح أن يحسد أحداً، ولا أن يعادي أو يكره أحداً. يكتسب المرء فرحه بالتواضع، الصبر، الحق، الحرية والمحبة.
يأتي الفرح الحقيقي بشكل محبٍّ إلى كل شخص مخلص شريف بطولي ومتقدّس. يعاني عصرنا من فقدان للفرح الحقيقي فيما الحزن فائض من خلال الشر والخزي، الخيار مفتوح إلى اكتساب الحق الحقيقي.
 
قديم 08 - 08 - 2014, 12:48 PM   رقم المشاركة : ( 4885 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,342,466

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تأمل روحي من وحي بشارة العذراء

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


اختارها حرّة ومسؤولة:

يوم رأى ابن الله تسلّط الإنسان على البشر والحجر، مستخدماً مفهوم الحريّة الخاطئ، في تغذية أنانيّته، واطئاً بجهله قيمة الإنسان، مشوّهاً وجه الله في أعماله الدونيّة؛
تألّم الخالق لما حلّ بمن أمّنه على ما صنعته يداه، فقرّر، لفرط حبّه لمن خلقه، أن يترك بيت أبيه وينزل إلينا متجسّداً، كي يخبرنا بالممارسة، أنّ الحرّية هي فعل عطاءٍ مجّانيّ كامل،
وإرادة خيّرة نابعة من القلب والفكر بحبٍّ ويقين: "ما من أحدٍ يأخذ حياتي منّي، بل أنا أضحّي بها راضيا" (يو10/18).
لذلك، إنتقى شخصاً يشبهه بالاختيار الحرّ والتصميم، يلتقي معه على إتمام مشروع الخلاص"بحرّية أبناء الله"، فكانت مريم ذلك الشخص المختار.
فتاة متواضعة وشجاعة في آن، عرفت ما تريده منذ أن فتحت عينيها على الله، وآمنت بأنّ الحرّية تكمن في تقدمة الذات حتّى الثمالة؟!
فتاة، ما كانت أعوامها السّتّة عشَرَ إلاّ عدداً دُوِّنَ في سجلّها الزمنيّ، جعل مراهقتها تمرّ سريعاً "مرور الأمس الغابر"، لتصبح راشدةً ناضجةً، صاحبة قرار واعٍ، واثقةً ملتزمة بمن اختارته لها نصيباً(الروح القدس).
فلو عدنا إلى سؤال مريم الملاك:" كيف يكون لي ذلك..؟" ، لَخَطَرَ ببالنا عدم ثقتها بالله، ولكن، أليست هذه "الكيف؟" ما كانت تشغل بال تلك الفتاة النّاصريّة، طول السّنوات التي سبقت البشارة حتّى خطبتها على يوسف؟
كانت تعلم في قرارة نفسها، أنّها مدعوّة إلى تكريس ذاتها، نفساً وجسداً، بالبتوليّة، للآب، إنّما كان من الصعوبة بمكان، أن يتمّ ذلك في مجتمع متزمّت، لا يرى في الفتاة إلاّ امرأة عاملة في الحقل والمنزل، تنجب وتربّي...
وإلاّ كانت عاراً عليه وعلى أهلها؛ فراحت تطيل الصّلاة والتأمّل، وتَغْرف من كلام الله والمزامير كلّ ما ينير لها السّبيل للخروج من تلك "الأحجية" سليمة معافاة، غير ملطّخة السّمعة بافتراءات أهل السّوء. لذلك لم يتركها الله في حيرة من أمرها، فأتى جوابه لها بالكامل على لسان ملاكه، مظهراً ثقته الكبرى بها، كاشفاً للبشريّة جمعاء وجه مريم الحقيقي:
* المرأة المسؤولة: أعطاها الحقّ في تسمية المولود القدّوس ("سوف تسمّينه يسوع") على عكس عادة المجتمع الذكوريّ اليهوديّ الذي كان يعطي الحقّ للوالد، فقط، في تسمية مولوده.
* حوّاء الجديدة: المسؤولة عن تقديم الخلاص، بافتتاح صفحة جديدة من تاريخنا، خُطَّتْ فيها معاهدة صلحٍ أبديّة بين الله والإنسان وخُتِمَت بكأس الحبّ الإفخارستيّ.
* الأمّ البتول الشجاعة: مؤمنة بمحبّة الله وخوفه على أبنائه، فهمت قَصْده (قصد الله) من البشارة، بعد أن أنار لها السبيل الذي تبحث عنه،
كي تبقى أمينة على الوعد ببتوليّتها ("إنّ الروح يحلّ عليك وقدرة العليّ تظلّلك")، فتجلّى ذلك في إجابتها المقتضبة الواثقة، المتضمّنة قبولها مشروع الله بإيمان مطلق بما قاله لها، دون أن تطلب مزيداً من التفاصيل:
" ها أنا أمة الرّب، فليكن لي بحسب قولك"، وانتهى البيان الكلاميّ.
لقد وافقت بكلّ تواضع وطواعية، مُطْلِقَةً يدَيْها مستسلمة إلى حرّية الله كي تبدأ العمل معه، دون أن تُؤرِقَه بتساؤلاتها: ل
قد فهمت أنّ إرادة الله تقتصر على رؤية الإنسان صورته فيه، مكتشفاً من"هُوْ"، وأن ندرك أيضاً مدى أهمّيتنا في عينيه، وما علينا القيام به من أجل اسمه كي نرث معه إلى الأبد، دون أن يجبرنا على اختيار ما نريد.
فهل نحن على استعداد كي نكون شركاء في هذا المشروع الخلاصيّ؟ إن قبِلْنا، يعني أنّنا تَبَيّنّا فسحة الإيمان والثقة بين ما يعمله الله وما علينا فعله كأبناء، إذ في ذلك تتجلّى مسؤوليتنا في إحياء علاقتنا به.
إنّه حاضرٌ دوماً كي يسندنا " فلا نَخَفْ"، لأنّ في "زيارته" لنا، يتجسّد فينا النضج، ويكبر الإيمان، فنَجِد المعنى الحقيقي لحياتنا، ونولد فيه من جديد في سرّه الفصحيّ.
 
قديم 08 - 08 - 2014, 12:52 PM   رقم المشاركة : ( 4886 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,342,466

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مريم والأمومة الإلهية (١)
((الربّ معك))
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




ملاك الرب، يوم البشارة(لو 1\26 ـ 38)،بعد أن دعا مريم لأن تفيض فرحاً ـ هي فيض النعمة ـ قال لها كما كان يقول لموسى، وجِدعون، وإرميا، واسحق، ويشوع بن نون، وداود: ((الربُّ معك!)) معك من أجل الرسالة التي ستُوكَل إليك. ستقوم معاهدةٌ خلاصيّة بين الله وبنيك، لأنّك ستقبضين بيدك على مصير الشعب وخلاصه، كما كان لكلّ من سبقوك: الآباء، موسى، يشوع، داود، ديبوره، يهوديت، أستير... مثلهم، وأحسنَ منهم، ستُجَنَّدين للكفاح الخلاصيّ. لقد ((بلغ ملُْ الزمان))، وها أنت، بنتُ صهيون، معنيّةُ مباشرةً بهذا الكفاح. ولذا فالرب معك وَعْداً وعوناً... ((اضطربتْ)) مريم لهذا الكلام، أكثر من زكريّا الذي بشّره الملاك نفسُه بولادة عجائبيّة. ففي كلام الملاك هذا دعوةٌ فريدةٌ لخلاص الشعب. وفيما اضطراب زكريّا قد أثار فيه ((خوفاً)) استولى عليه، اضطرابُ مريم أثار فيها تبحُّراً في معنى الكلام الذي سمعتْه. وفيما كان اضطراب زكريّا من جرّاء الرؤيا، كان اضطرابُ مريم من جراّء الكلام. ولذا فإنّها، خلافاً لزكريّا، تحفظ الهدوء وتُحاول فهْمَ ذلك السلام الغريب.

((ها أنت تحبلين في البطن))



غريبٌ هو هذا الحشو: ((تحبلين في البطن))! لكنّه متعمّد. إنه تلميحٌ إلى ما جاء في نبوءة صَفَنيا القائل: ((تَرَنَّمي يا ابنة صهيون. إن الرب إلهك في وَسَطك (حرفيّاً، في حشاك)، مقاتلاً ظافراً)) (3\14،17). هذا يعني، عند صَفَنيا، حضورَ الرب في وسط الهيكل المُعادِ بناؤه، حيث صباحاً ومساً يُبْرِز أحكامَه إلى النور)) (5)... ويقول النبي زكريّا، باسم الرب: ((رنّمي وافرحي يا بنت صهيون، فهآءنذا آتي وأسكنُ في وسطك (حرفيّاً في حشاك) )) (2\14، قديماً 1\10)... من لا يرى في ذلك تلميحاً واضحاً إلى خباء المحضر، والغَمام، علامتين لسَكَن الرب وسْطَ شعبه؟ (( تحبلين في البطن.)) لِمَ هذا الحشو المتعمَّد؟ لإثبات العلاقة بين هذا الكلام والنبوءة المِشْيَحيّة التي تُبشِّر بمجيء الرب في وسط شعبه، في الهيكل الذي أعيد بناؤُه. كما وللدلالة على أنّ مريم هي ذلك الهيكل المُعادُ بناؤه، هي ذلك المسكِن الجديد ليهوه، هي ذلك التابوت للعهد الجديد. وعندما تصبح أمّاً للمسيح، يأتي يهوه فيسكن فيها، في حشاها، ((في البطن))...


((وتلدين ابناً يدعى ابنَ الله))



هذا الابن سيكون ((عظيماً))، ليس فقط مثلَ السابق يوحنا المعمدان الذي يكون ((عظيماً أمام الرب))، بل ((عظيم)) بالمطلق، دون إضافة ولا وصف كما في ((عظيم أمام الرب))، أو ((أمام الناس)، أو ((رجل عظيم)). فاستعمال النعت ((عظيم)) بالمطلق يختصّ بالله: ((العظيم)) هو الله. فابنُ مريم هذا سيكون((عظيماً)) كما هو الله. وإلى ذلك فهو يدعى ((ابنَ العليّ))، لا بالمعنى المجازيّ، كما جرت العادة، منذ سليمان، أن يطبّقوا هذه العبارة على ملوك إسرائيل (مزمور 2\7)، بل بالمعنى الحقيقي، كما يُستدلّ من كونِ القديس لوقا يتأمّل في العمق بما يروي من أحداث. وهذا الابن سيكون ((قدّوساً)). هذه العبارة هي من أقدم التعابير عن ألوهيّة المسيح، كما هو ظاهر في كلام القديس بطرس إلى الشعب اليهوديّ، في الأيّام الأولى للكنيسة: ((لقد أنكرتم أنتم القدّوس، وطلبتم العفوَ لرجلٍ قاتلٍ)) (أ ع 3\14). وقبل ذلك بزمان، كان الشيطان نفسه، بلسان أحد المسكونين، قد اعترف بتلك الألوهيّة، لمّا قال ليسوع: ((ما لنا ولك يا يسوع الناصريّ؟ لقد أتيتَ لتُهلكنا. إنّي أعرف من أنت. أنت قدّوس الله!)) (مر 1\24). وقصارى القول، فإنّ هذا الابن سيكون (ابن الله)، ومريم أمّاً لابن الله، للرب الإله كما ستقول أليصابات (لو 1\43)، للمسيح الرب كما سيقول الملاك للرعاة (2\11)، ((للابن الذي أرسله الله)) والذي ((وُلِد من امرأة)) كما سيقول بولس الرسول (غل 4\4). فهي إذاً ستكون أمّ الله، طالما أنّ من تحبَل به هو إله... أهكذا فهمت مريم كلام الملاك، أي إنّ المولود منها سيكون ابن الله بالمعنى الحقيقيّ والحصريّ؟ أجل... هذه كانت قناعة الآباء مثل يوستينُس وإيرينايُس وترتليانس وأغسطينُس، وتوما الأكويني، وغيرهم. والحال، إنّا لله، في حوارِ يوم البشارة، يعامِل مريم كشخصٍ مسؤول مدعوٍّ إلى إعطاء موافقته، عن بصيرةٍ وعلمٍ بالأمر. ولذا كان لا بدّ من أن ينوّرها بشأن ما هو مطلوبٌ منها الموافقة عليه. فلمّا كان العرض الإلهي لا يقتصر على أمومةٍ بشريّة بل يتناول، قبل هذه، الأمومة الإلهيّة، اقتضى الأمر إدراكاً تاماً لذلك، من قِبَل مريم، كي تستطيع الاختيار الحرّ الواعي والصريح، بفعل إيمانٍ بابن الله الذي سيصير جسداً في حشاها، وليس فقط بصفة ابنها المِشيَحيَّة. فعلُ الإيمان هذا لا بدّ منه، وإلاّ لكانت مريم أمّاً للإله المتجسِّد، مادّيّاً وبيولوجيّاً لا أكثر، أي أمه بدون علمٍ منها! وهل الأمومة المادّيّة أو البيولوجيّة أو اللاصريحة أو من دون إدراك، تُعَدُّ أمومةً حقيقيّة؟.



 
قديم 08 - 08 - 2014, 12:52 PM   رقم المشاركة : ( 4887 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,342,466

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

((كيف يكون هذا؟))

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مريم ((أم الله)) هل هذا ممكن؟ أليس فيه تضخيمٌ هائل؟ مريم أم الله! هل يُصدَّق؟ هل يُعقل؟... ولِمَ لا؟ مريم، أليست هي أمّ يسوع؟ ويسوع ، أليس هو أقنوم ((الكلمة)) الذي تجسّد؟ ((في البدء كان الكلمة. والكلمة كان لدى الله. وكان الكلمة الله. والكلمة صار جسداً وسكن في ما بيننا)) (يو 1\1 ، 14). يسوع بنُ مريم ليس أقنوماً إنسانيّاً سكن الله فيه. ولا هو أقنومٌ إلهيّ سكن فيه إنسان. يسوع بنُ مريم هو حقّاً إله، الإله المتجسّد، الإله بالذات قد أتى إلينا وسكن في ما بيننا، بعدما اتّخذ الطبيعة البشرية في بطن أمّه العذراء مريم. فلا يجوز القول إنّ مريم هي أمّ يسوع الإنسان، فيما الآب السماويّ هو أبٌ ليسوع الإله. لا، لا يجوز فإنّ طبيعته الإنسانيّة والإلهيّة متّحدتان بلا انفصام في أقنومه الإلهيّ الواحد، كما قد رأينا سابقاً. فكما أنّ الوالدة هي أم الولد بكليّته، جسداً ونفساً، وليس في جسده فقط (على الرغم من أنّ الله هو الذي يخلق النفس بفعلٍ مباشر)، وكما أن الولد هو بكلّيّته ابن أمّه، كذلك يسوع المسيح هو بكلّيّته ابن مريم أمّه... فالأمومة علاقة أقنوميّة تتعلّق بالأقنوم الذي وُلدَ، لا بالطبيعة التي وُلِدَتْ. ولمّا كان أنّ أقنوم يسوع بن مريم هو أقنوم الكلمة الإله، كانت بالتالي أمومةُ مريم أمومةً إلهية... عليه، فعندما كان يسوع ينادي ويقول: ((ماما))، فالمنادي هو الله بالذات، والمنادَى أمُّ الله! وعندما كانت مريم تنادي وتقول: ((يا بُنَي))، فالمنادي هو أمّ الله، والمنادَى هو الله بالذات!... أما كيف كان في وِسعها أن تجمع، بحركةٍ من القلب واحدة، بين حنان الأمّ لولدها وسجود الخليقة لخالقها، فيا للسرِّ العجيب!...
((الروح القدس يأتي عليك))
قد يعترض أحدهم، مستشهداً بالقديس منصور دي بّول القائل، في غير مجال، إنّ النعجة تَلِد نعجة، فيقول: ((المماثِل يَلِد مماثلاً له. فالحيوان يَلِد حيواناً، والإنسان أنساناً... فكيف من ثَمّ يستطيع الإنسان أن يَلِد إلهاً؟)).لا بأسَ بالاعتراض... ولذا، فإنّ الله سيباشر أولاً برفع مريم إلى مستوى التألُّه، لا بحيث يجعل منها إلاهةً، بل بحيث إنّه يقرّبها منه كلّيّاً ( ((يُدَوْزِنها)) على ذاته، إن صحّ التعبير). لقد نوّه المجمع الفاتيكاني الثاني بذلك، لمّا قال إنّ مريم ((قد عجنها الروح وكوّنها خليقةً جديدة.)) هذا ما فعله لمّا ـ بعد أن جعلها بريئة من الخطيئة الأصليّة لكي تُصبح، في كيانها الأنثويّ، أمّاً صالحة للمسيح صورة الآب الجوهريّة ـ استولى عليها كلّيّاً، يوم البشارة، ليرفعها إلى المستوى الإلهي. هذا هو معنى كلام الملاك: ((الروح القدس يأتي عليك، وقدرة العليّ تظلّلك. لذلك (من أجل أنّك ((دُوْزِنتِ)) على ما هو الهيّ)، فالمولود منك يدعى ابن الله.)) مريمُ رُفِعت إلى المستوى الإلهيّ. لذلك سوف يكون في وسعها أن تلد إلهاً. (نحن أيضاً، بنعمة المعموديّة، نرفع ـ وإنْ لم يكن مثلَ مريم بالتمام ـ إلى المستوى الإلهي. هل يصدر عنّا ما هو إلهيّ؟ كما وبنعمة المعمودية ونعمة الإفخارستية، نتطعّم ـ وإن لم يمكن مثلَ مريم بالتمام ـ بالمسيح الغُصن الصحيح. هل نُثمر ثمار الصلاح؟). عودةٌ إلى النص الإنجيليّ: كلمة ((لذلك)) مهمّة جدّاً لفهم مجيء الروح القدس على مريم، رافعاً إياها إلى المستوى الإلهيّ. كان الملاك قد قال: (( الروح القدس يأتي عليك. لذلك فالمولود منك يدعى ابن الله.)) فالملاك يقيم بين استيلاء الروح القدس على مريم وبين بنوّة يسوع الإلهية، الصلة القائمة بين العلّة والمعلول ( ((لذلك))، لهذا السبب، لهذه العلّة). فالمولود من مريم قدّوسٌ هو ابنُ الله، لأنه يولد بتوليّاً من عذراء قد أخصبها الروح القدس. وعليه فإنّه لا يكفي، لفهم هذا الكلام، أن نقول إنّ المولود من مريم، ذلك الإنسان الإله، قدّوسٌ هو وابن الله، فقط لأن ((الكلمة)) هو كذلك منذ الأزل في الثالوث. وإلاّ لما عاد أيُّ معنىً ولا أيُّ داعٍ لكلمة ((لذلك))، بل لكان الملاك يقول: ((الروح القدس يأتي عليك، لنّ المولود منك هو ابن الله))... إن لم يقلها فلأنّ المولود، يسوع المسيح، لن يخرج من حضن الآب، بل من بطن مريم، في طبيعته البشرية. إذاً ينبغي القول إنّ مريم، باستيلاء الروح القدس عليها، قد ((ألِّهتْ)) (رُفِعَتْ إلى المستوى الإلهيّ) واتُّخِذتْ، في كيانها الأنثويّ، على غرار القرينة، ليث لأنّ المولود منها يُدعى ابنَ الله، بل حتى المولود منها يُدعى ابن الله... بما نُشبِّه هذه الأمومة الإلهيّة؟ يقول مِيدينا، دومينيكانيّ أسبانيّ في أواخر القرن السادس عشر: ((عندما نقول إنّ الطوباويّة مريم هي أمّ الله، لا نعني أنّها مصدر الألوهيّة، بل أنّها أمّ إنسانٍ هو إلهٌ حق، كما عند قولنا إنّ فلانة هي أمّ أسقف، لا نعني أنها مصدر أسقفيّة ابنها، بل أنّها أمّ إنسانٍ قد صار أسقفاً.)) بأيّ مقدار يصحّ هذا التشبيه؟ ولا بشيء! لأنّ المرأة أمَّ الأسقف لا أمومة أسقفيّة لها، أمّا مريم فأمومتها إلهيّة. ذلك أنّ الأسقف ليس أسقفاً منذ الحَبَل به، ولا الملك ملكاً، الخ... أمّا يسوع فهو إله منذ الحبل به في حشا أمّه. هل يصحّ في المقابل، تشبيهُ الأمومة الإلهيّة بالأمومة المسيحية، أو الإسلامية، أو اليهودية؟ أيضاً لا! فأمومة الأمّ ليست أمومةً ((مسيحية)) أو ((إسلامية)) أو ((يهودية)). إنّها أمومة ((إنسانيّة))، لأن الولد ليس مسيحيّاً أو مسلماً أو يهوديّاً عند الحَبَل به، بل مُجرَّد إنسان، ينتظر المعمودية أو الختان ليصير مسيحياً أو مسلماً أو يهودياً... أمّا يسوع فهو إله عند الحَبَل به. لذا يحقّ لنا أن نقول، مع الكردينال دي بارول، إنّ لمريم وللآب نفسَ الابن، يسوع المسيح، وكما أنّ للآب أبوّةً إلهيّة، لمريم أيضاً أمومة إلهية...
 
قديم 08 - 08 - 2014, 12:53 PM   رقم المشاركة : ( 4888 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,342,466

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

((مريم أمّ الله!...))
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كلام لا يطاق. لهذا السبب كثرت الهرطقات. كلُّ الذين، عبر التاريخ، تنكّروا الأمومة مريم الإلهيَّة، كانوا وكأنَّهم يمزِّقون صفحاتٍ من العهد الجديد، ويشطبون منه آياتٍ وآيات تدلّ بوضوح على أنَّ مريم حبِلت حقّاً بيسوع، وعلى أنَّ يسوع هذا هو القدّوس العظيم ابن العليّ. وإنّما هم، بذلك، يتنكرون للفداء. يقول القديس أرخيلاوس الكِشكريّ(الجيل الثالث) للذين ينكرون صحّة ناسوت المسيح: "إنْ لم يكن المسيح قد وُلد من مريم، فهو دون شكّ لم يتألّم. وإن هو لم يتألم، علينا أن نمحو الصليب. وإن محونا الصليب، أنكرنا القيامة. وإن لم يقم المسيح، فلا قيامة لأحد. وإن لم يكن لأحد قيامة، فلا دينونة، أيضاً. وإن لم يكن من دينونة، فعبَثٌ حفظ الوصايا وقهرُ الذات، بل فلنأكلْ ونشربْ لأنّنا غداً نموت. هذه هي نتائج إنكار ميلاد يسوع من مريم... رجاؤنا كلُّه معلَّق بميلاد يسوع من الطوباوية مريم" (حياة مريم أم يسوع، للأب فرنسيس قنديلا اليسوعي، 1949). في وجه الهرطقة، راح الآباء يعلمون أنّ يسوع إلهٌ قد "حُملَ في بطن مريم"(أغناطيوس الأنطاكي)، وأنّ الملاك بشَّر مريم بأنَّها ستكون "حُبلى بالله" (إيرينايُس).
في الجيل الرابع ومستهلّ الخامس، أصبحت عبارة " طيوتوكوس"(أمّ الله) على جميع الألسنة تقريباً( القديس إسكندر، أُوسابيوس، أثناسيوس، كيريلُّس الأورشليمي، أبيفانُس). وللقديس أمبروسيوس كلامٌ جريء مثل: " حبلى بالكلمة، حاملٌ بالله" Verbo foeta, Deo plena) ).
ولمار افرام هذا النسيد، يقوله بلسان العذراء:
" مُقامُكَ يا بُني ولا أرفع، ولقد شئتَ فجعلتني لك مُقاماً.
تضيق السموات بمجدك، والبتول تحملك.
فليُقبل حزقيال ويشاهدك على رُكبتيّ،
وليركع ساجداً لك،
وليشهدْ أنك أنت من رآه هناك
في الأعالي، على مركبة الكروبين،
وليطوّبني لأجل الذي أحمله".
ويصفها قائلاً:
"العذراء وَلَدتْ بالقداسة ابنها،
وبحليبها أرضعتْ مُغذّي الشعوب،
وعلى رُكبَتَيها حملتْ حامل الكلّ.
بتولٌ وأمٌّ هي: فماذا لا تكون!"
"جبَّارُ العوالم، جبَّارُ القوّات، الخفيُّ بجوهره،
المكتسي باللاهوت، مريم ولدته..."
ثم يوجّه الكلام إلى المسيح، فيقول:
"أمُّك وأختك وعروسك وأمتُك هي التي ولدتك.
ناجتك. عانقتك. قبلتك. مجّدتْ وصلَّت وشكرت.
غذّتك بحليبها. ضمّتك إلى صدرها وهي تداعبك وتبتسم لطفولتك.
وأنت تهتزّ فرحاً، وترضع من حليبها.
لقد حارت بك والدتك، حارت بك حاضنتك، حارت بك خليقتك."
أمّا أثناء الجدل النسطوريّ، فلقد انتفض كيريلُّس الإسكندريّ وقال في مجمع أفسس: "إنّي أعجبُ لمن يتساءلون إن كان يجوز، أو لا يجوز، تسميةُ مريم أمّ الله! إن كان سيدنا يسوع المسيح إلهاً، فكيف من ولدته لا تكون أمّ الله؟ ألا تؤكّد الكتب الموحى بها أنّ كلمة الله صار جسداً، أي اتخذ جسماً ذا نفس عاقلة؟... وعليه، فإنّه يجوز لنا أن ندعو مريم أمَّ المسيح وأمَّ الله معاً، وضعت لا إنساناً مثلنا، بل كلمة الآب، الذي تجسّد وصار إنساناً".
بعد الجيل الخامس ، كانت الاستنتاجات الرائعة، ومنها أنَّ الأمومة الإلهيَّة هي من السموّ بحيث إن مريم تفوق جميع الخلائق حتى الملائكة. يقول يوحنا الدمشقي إنّ هناك، بين أمّ الله وسائر البشر، فرقاً لا حدّ له ويكاد يكون لا متناهياً... ويقول القديس أنسلم: "لقد وهبَ الله مريم ابنه بالذات المساوي له والمولود من قلبه كما لو انه محبةُ ذاته لذاته. وأراد أن يكون له من مريم ابنٌ، لا ابنٌ آخر، بل هو نفسه ابنٌ مشترك له ولها... هذا وإنَّ من كوَّن كلَّ شيء من لا شيء، لم يُرد أن يُعيد، بدون مريم، تكوين ما قد أُفسِد. فالله، إذاً، هو أبو البرايا في وجودها، ومريم أمُّ البرايا في إصلاحها... الله ولَدَ ذلك الذي به كان كلُّ شيء، ومريم وَلَدتْ ذلك الذي به افتُديَ كلُّ شيء."
 
قديم 08 - 08 - 2014, 12:53 PM   رقم المشاركة : ( 4889 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,342,466

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

((ماذا يقول ملافنة الكنيسة في أمومة مريم الإلهية؟))
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



١ أمومية مريم هي حقاً إلهية وحقّاً بشرية. ففيها وبها صار الكلمة جسداً. هذا لا يعني أنها حبلت بالكلمة بحسب الطبيعة الإلهيّة، بل بحسب الطبيعة البشريّة. غير أنها، والحق يقال، أمّ الأقنوم الإلهيّ في بشريّته... هذه الأمومة قائمةٌ منذ اللحظة الأولى للحبل، فهي منذئذٍ إلهيّة تماماً لأنّ ألآب هو، في الروح القدس، مبدأُها الأوّل. وهي بشريّة تماماً لأنّ مريم قد حَبِلتْ جسديّاً في حشاها، فكانت أمّاً بلحمها ودمها وأنوثتها وسلطتها وعنايتها وتربيتها وحنانها.
٢ هذه الأمومة تجعل مريم في قُربى فريدة مع الله، في علاقةٍ شخصيّة وسرّيّة مع ألآب والروح والكلمة المتجسّد، بحيث إنه ليس هناك ولن يكون من علاقةٍ مماثلة بين الله وإنسانٍ آخر.
٣ أنعمَ الله على أمّ ابنه بقداسةٍ لا تشوبها شائبة، على مثال قداسته هو. كما وأراد لولادة ابنه الزمنيّة أن تكون بتوليّة، على مثال ولادته الأزليّة.
٤ ابن ألآب وابنُ مريم ليسا ابنين، بل الابن الواحد بالذات، الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس.
٥ بين الأم والولد، ثمرةِ الحشا، ألفةٌ عميقة وحميمة، وعلاقةٌ متشعبَةٌ تكوّن فيه مُعطياتٍ أساسيّة سوف تُرافقه على دروب الحياة. وعليه فإنّ يسوع الإنسان مطبوعٌ بأمّه مريم وحدها في مجال الوراثة. يقول ليوناردو بُوف: ((منحت مريم الله كلّ النواحي الإنسانيّة التي تَكَلّفها الأقنوم الإلهيّ. إذاً، هناك شيء من مريم قد صار في الله. هناك شيء من الأُنوثة قد أُلّه وصار في الأزل. ألم يقل مار افرام إنّ جسد المسيح، حتّى الإفخارستيّ، هو جسد مريم؟ كما ويقول في أناشيد الصلْب: ((إنّ حبّة العنب المولودة من مريم قد عُصِرَت في كأس الخلاص.)) والقديس أغسطينُس ألم يقل: ((جسدُ المسيح، جسدُ مريم)) ((Cari Christi,caro Mariae.
٦ مريم أمّ أكثر من جميع الأمهات. فابنها مدينٌ لها وحدها بما هو على الصعيد البشريّ، دون مساهمة الرجل. خليّةُ الانطلاق الأولى لم تكن هنا مزدوجة المصدر،X وY، إلاّ X الأنثى وحدها. العنصر الأبويّ الإنسانيّ للصبغيّة لا وجود له. مصدر الصِبغيّات الوحيد هو هنا جسم الوالدة. إذاً، بنيةُ يسوع المِزاجيّة، وجهازُه البيولوجي، صادران عن جسمها وحده. فعلى الصعيد الإنساني، يسوع غيرُ متعلّق إلاّ بأمّه، وهو يشبه أمه أكثر بكثير من أيّ ولدٍ آخر. قال أحدهم: ((حسده ودمه أتياه، أصلاً، من مريم. فجسد مريم ودمها هما جسد يسوع ودمه، والعكس بالعكس. فبينهما، من هذا قبيل، ارتباطٌ متأصِّل وتضامنٌ جسمانيّ ينتج منهما لمريم تكريسٌ تتفرّد به.)) ولذا فلقد قال توما الأكويني، مُنبِّهاً: ((إنسانيّة المسيح، وأمومة العذراء، هما من الارتباط المتبَادل بحيث إنّ من يُخطئ في تقديره للواحدة، يُخطئ في تقديره للأُخرى.))
٧ إن كان في وسع مريم، حتى البشارة والتجسّد، أن تُنادي الله قائلة: ((ربّي وإلهي!))، صار في وسعها، وهي تحمل في حشاها الكلمة المتجسد الذي سيولد منها، أن تقول: ((ربّي وولدي!))... ((ولدي)): هذه الكلمة يقولها ألآب، وهي الكلمة نفسها تقولها مريم بكلّ حق. هل من شيء يجمع بين اثنين، مثل الولد؟ فأيُّ جمعٍ هو هذا الذي يجمع بين ألآب الذي يقول ليسوع: ((ولدي!))، ومريم التي تقول له أيضاً، وحقيقةً: ((ولدي!)) وأيّ سرٍّ هو هذا، عميقٍ، سحيقٍ وشفّافٍ معاً، أن تقول امرأةٌ، بكلّ حقّ وجدارة وابتهاج، لابن الله الذي صار جسداً في حشاها: ((يا بُني!))؟ وأيّ سرٍّ هو هذا، أن يقول إلهٌ صار إنساناً، للمرأة التي ولَدَتْه: ((أمّي!))، [وبِلُغتِه الأراميّة: ((إمّا!))...]
٨ أُمومة مريم الإلهيّة دليلٌ على أنّ الفداء لم يهبِط علينا بمظلّة. أراد المسيح أن يولد ((من امرأة)) (غل 4\4)، لأنّه أراد أن يكون من النسل الآتي ليخلّص. أراد أن يخلصنا من الداخل، بوسائل من عندنا. أراد أن يساعدنا كأخ لنا، إنسانٍ تامّ (من نسل المُسيئين) والهٍ تامّ (من نسل الإله المُساء إليه). أراد أن يكون وسيطاً بمنتهى الكمال، جامعاً في ذاته الفريقين اللذين أتى ليصالحهما...
٩ أمومة مريم الإلهية تحقيقٌ للكنيسة في جوهرها العميق الذي هو جسد المسيح السرّي. الشركة بين يسوع ومريم ليست فقط شركة ابنٍ وأمّه، إنها شركةُ الإله الفادي والبشريّة المُفتداة، شركةُ الإله الفادي والمُفتداة الأولى، فلمّا صارت مريم أمَّ المسيح رأسِ الجسد السرّي، صارت أصلاً أمَّ الأعضاء، الكنيسة. هذا ما سوف يتمّ في تحقيق الخلاص على الجلجلة.
وعليه، فإنّ أمومة مريم أمومةٌ خلاصيّة، وهي تعلم ذلك. تعلم أن ابنها آتٍ ((ليخلّص شعبه من خطاياهم)) (متى 1\21)، وتعلم أنّ اسمه يعني ((ألله يخلّص)) (لو 1\31). فقبولها أن تكون ((أمة الرب)) هو قبولٌ بالعمل الخلاصيّ. وهي تعلم أيضاً أنّ ذلك سيتمّ ((بالعذاب)) (أشعيا 53\1 ـ 10). وسوف يكون عذابُها (سيفاً ينْفُذ في قلبها)) (لو 2\35).
 
قديم 08 - 08 - 2014, 12:54 PM   رقم المشاركة : ( 4890 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,342,466

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

مريم أمة الرب المطيعة (١)


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

((ها أنا أمة الرب))

فهمَتْ مريم جيّداً ما هي إرادة الله، وكيف أنّ أُمومتها ستتوافق وبُتوليّتها، فخضعتْ وقالت: ((ها أنا أمة الرب، فليكن لي بحسب قولك)) (لو1\38). وبهذه الكلمة جعلت نفسها للخدمة، كما سيفعل يوماً ابنها يسوع القائل: ((أتيتُ لأخدُم)) هو الأول والأمثل، هو (0الأول والآخر، الألفا والأوميغا)) (رؤ1\17)، سوف يكون العبد الأمثل (أشعيا 53) الذي أتى ((لا ليُخدَم بل ليخدُم)) (مر 10\45).مريم هي، بعده، الأمَة المُثلى والأكثر مسؤوليّةً في البشر أجمعين. تلك المسؤولية سوف تتطوّر وتنمو إلى أن تصبح أمومةً روحيةً شاملة. مريم هي بنت صهيون. وهي الممتلئة نعمة، والكّليّة الطهارة، والعذراء أمّ الله، وتابوت العهد الجديد، وهيكل الروح القدس. هذا هو الاختيار الذي وقع عليها. هذه هي دعوتها. هذه هي منزلتها في التدبير الإلهيّ. لكنّها تأبى إلاّ أن تكون أمَةَ الرب المتواضعة والخاضعة، كما فعلتْ، في ما مضى، أبيجائيل التي طلبها داود النبي للزواج، إذ قامتْ وسجدتْ على وجهها وقالت: ((هآءنذا أمتُك، خادمةٌ لك. لتغسِلَ أرجلَ خُدّام سيّدي)) (1صموئيل 25\41)...

((فليكن لي بحسب قولك!))

إنه الجواب الذي كان العالم بأسره ينتظره. جاء في إحدى عظات القديس برنردُس ما يلي: ((الملاك ينتظر الجواب... نحن أيضاً، أيتها السيدة، نحن المنسحقين بالحُكمِ الصادر علينا، ننتظر منك كلمة الرأفة. أُنظري! الفِدْيَةُ هنا، أمام ناظِرَيك، هي التي ستكون خلاصنا. إن قلتِ ((نعم)) كان لنا التحرُّر فوراً... إنّ آدم المسكين المنفيّ من الفردوس يتوسّل إليك، أيتها العذراء، هو وعائلته البائسة. وكذلك إبراهيم وداود وسائر ألآباء القديسين. وجدودُك أنتِ هم الجالسون في أرضِ ظلالِ الموت، يتوسّلون إليك أيضاً بإلحاح. في الواقع، إنّ العالم بأسره يجثو أمام رُكبتيكِ، منتظِراً الجواب... فعلى جوابك يتوقّف انتعاش المعذَّبين، وفداءُ المأسورين، وتحريرُ جنسٍ بشريٍّ محكومٍ عليه بالموت. وقُصارى القول، إنّ خلاص بني آدم، خلاص الجنس البشريّ بأكمله، متعلّقٌ بجوابك.

"فأسرعي وأجيبي، أيتها العذراء! قولي الكلمة التي ينتظرها جميع ما على الأرض وفي الأسافل والأعالي... الرب أيضاً يتلهّف لمعرفة جوابك... ها هو من تبتغيه الأُمم حاضرٌ هنا يقرع الباب... فانهضي، وأسرعي، وافتحي له!"

وسعيد عقل، كم كان مصيباً لمّا تخيّل، قدّام بيت الناصرة، جميع الموتى في نعوشهم وجميع الأجنّة في بطون أمّهاتهم، وهم يصرخون لها: "قولي نعم حتى تِحرِز نقوم من قبورنا... قولي نعم حتى تِحْرِز نولد للحياة!" ولمّا قالت نعم، صاروا كلّ الأجنّة يرقصوا ببطون أمّاتُهم، وكلّ الموتى يصفّقوا بِلواح نْعوشُن!"

وأصاب أيضاً جان غيتون لمّا قال: "كلّ شيء متعلّق بتلك اللحظة. فالتاريخ يسير نحوها لاهثاً. والوعود الإلهيّة متعلقة بها: إعتاقُ الأمم وفداء البشر. مليارات الكائنات يستهويها ما سيحدث بعد لحظة واحدة فقط، فيكون ذلك الفعل الإلهيّ، ويكون إلى الأبد... فما عساها تقول؟ نعم؟ لكنّ ذلك قد يبدو وكأنّه قلّةٌ في الذوق واللباقة، كما لو أنّها لله ندُّ متساوٍ... سوف تقول "ليكن"، ليس إلاّ، كما لو أنها تصبّ إرادتها في مجرى التدبير الإلهيّ الذي هو اليوم للفرح، وغداً للعذاب. "ليكن!" إنّها كلمة القبول، كلمةٌ تتجاوز الفرح والعذاب."ليكن!"، وفي اللحظة نفسها "كان". عرفت ذلك. لزِمتِ الصمت. ابتعد الملاك. عاد كلُّ شيءٍ كما كان." "عاد كلُّ شيء كما كان"؟ ليس تماماً. في حياتها اليومية؟ أجل. في تاريخ العالم، في التدبير الخلاصي؟ لا. فمريم، بكلمة "ليكن"، قلَبَت الصفحة، صفحة العهد القديم، لتُشرف وتجعلنا معها نشرف على العهد الجديد. كانت تلك الكلمة أوّل فِعل إيمانٍ بيسوع المسيح المخلّص (سوف يقول الآباء إنّ مريم، يوم البشارة، "حبِلت بالمسيح بالإيمان في قلبها، قبل أن تحبل به في جسمها"). لن تصبح مريم، بتلك الكلمة، أمّاً فخريّةً ليسوع، على غرار كلِّ المناصب الفخريّة، بل ستدأب لكي تجعل ابنها يحيا فينا ونحيا فيه منتقلين، مثلها، إلى العهد الجديد. وعندما سيقول المسيح من أعلى الصليب: "هذا ابنكِ. هذه أمّكَ"، لن يكون ذلك منه كلاماً فارغاً، بل يكون إعلاناً رسمياً لدور مريم في الأمومة الروحية وفي منح الحياة الإلهيّة. يقول بول أفدوكيموف: "لمّا أعطت المسيح من جسدها، صار بينهما قرابة عصب. وإنّنا، بذلك الجسد الذي قدّمته للمسيح، أصبحنا شُركاء الكلمة في طبيعته الإلهيّة."
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 02:41 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025