04 - 08 - 2014, 01:48 PM | رقم المشاركة : ( 4731 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الألم وإشكاليّة المفاهيم الدينيّة حين يختبر الإنسان الألم، يواجه أزمةً حادّةً في إيمانه. فالشرّ بجميع أنواعه، خصوصاً في ذروته ألا وهي الموت، يتناقض مع تأكيدنا بأنّ الله محبّة من جهة، وبأنّه يعرف كلّ شيءٍ، ويسيطر على كلّ شيءٍ من جهةٍ أخرى. فالمسيح يقول: "لن تُفقَدَ شعرةٌ من رؤوسكم" (لو 21/18). فحين يمرض إنسانٌ أو يموت، توجَّه أصابع الاتّهام والتشكيك إلى العناية الإلهيّة الّتي تسهر علينا وتعمل لخيرنا. وهذا الاتّهام واقع يقرّ به الكتاب المقدّس ويتخطّاه. فالإله الّذي يدير كلّ شيء، ويتحكّم بالأحداث الحسنة والسيئة، ومنه يأتي المرض أو الصحّة، هو إله غير موجود. ومع ذلك، تظلّ صورة الإله المتدخّل حيّة في إيمان كثير من المسيحيّين. وانطلاقاً منها، تتعدّد محاولات الشرح لتبرئة هذا الإله المحب القدير، الّذي، على الرغم من محبّته، يعذّب أو يترك الإنسان يتعذّب. هل الألم عقاب؟ آمن العبرانيّون لفترةٍ طويلةٍ من الزمن بأنّ الشرّ والألم عقاب من الله يعاقب به الإنسان لسلوكه السيّء. وعلى العكس، البارّ يزهر والحكيم يغتني. ويُعتَبَرُ سفر أيّوب احتجاجاً مطوّلاً على هذا الإيمان الّذي يبرهن الواقع بطلانه. ومع ذلك، ثابر الناس عليه حتّى أيّام يسوع. فحين رأى الرسل المولود أعمى سألوا: "مَن أخطأ، أهذا أم أبواه، حتّى ولِدَ أعمى؟" (يو 9/2). إنّه سؤال حرج. وقد سعى لاهوت قديم إلى الإجابة عنه بالاعتماد على مفهوم خاص للخطيئة الأصليّة. فلا ينسب هذا المفهوم الألم إلى خطيئة الأهل، بل إلى خطيئة الجدّين الأوّلين آدم وحوّاء. في هذا اللاهوت، يبدو الله بريئاً لأنّنا ننسب الخطأ إلى الإنسان. والشرّ بمختلف أنواعه هو عقوبة من الله بسبب هذا الخطأ. لكنّ هذه النظرة لا تتوافق مع اليقين بأنّ الله محبّة، وأنّه يعبّر عن محبّته من خلال المسامحة. فهل يمكننا الكلام على المسامحة إذا كان الله يدفِّع الخاطئ الثمن؟ وهل علينا أن نسامح إذا كان الله نفسه يحاسبنا على خطيئةٍ ارتكبها جدّنا منذ مليارات السنين؟ وإذا قلنا إنّ آلام المسيح سدّدت ديون البشر تجاه الله، فهذا لا يزيل التناقض. ففكرة ضرورة الألم لإرضاء العدالة الإلهيّة مطبوعة في سلوكيّاتنا الجزائيّة، لكنّها لا تتوافق مع ما يكشفه لنا المسيح عن الله. على كلّ حال، كانيجدر بآلام المسيح بدلاً عنّا أن تعفينا من التألّم. ولكنّنا نتألّم. ونعلم أنّالألم يصيب البريء أيضاً. فهل يا ترى عقاب الله يخطئ ولا يميّز البريء عنالمذنب؟ إنّ جميع هذه الإشكاليّات نابعة من صورة الإله المتدخِّل. فإذا لم نتخلَّ عن هذه الصورة، وإذا جعلناه مسؤولاً عن آلامنا، حتّى وإن كانت عقاباً، نسقط في فخاخٍ يصعب علينا الفلات منها، ونصنع باسم العدالة الإلهيّة إلهاً ظالماً. فالكلام على الآلام العقابيّة، أو الإرضاء التكفيريّ الّذي دفعه المسيح بآلامه، يتعارض مع الوحي الإلهيّ الّذي يكشفه لنا إله يسامح بمجّانيّة. إنّه كلام ينفي مجّانيّة المحبّة ومجّانيّة النعمة، وينفي حتّة المحبّة نفسها. الألم التربويّ ونحن نتكلّم على الألم بهذه الطريقة، لا يخفى علينا أنّ الألم هو الوسيلة الوحيدة للنموّ. لنتخيّل مدرسةً تعلّم طلاّبها طوال السنة ولا تمتحنهم.كلّما انقضت السنة، ينتقل الطلاّب إلى الصفّ الأعلى. هل ستترسّخ المعلومات في أذهانهم كما تترسّخ في أذهان الطلاّب الّذين يجتازون الامتحانات؟ هل يتقن الإنسان النحتَ أو الرسمَ أو العزفَ أو أيّ فنٍّ من الفنون أو حرفةٍ من الحرَف، إن لم يكن معلّمه حازماً متطلّباً، وحتّى قاسياً معه؟ أليست الحاجة أمّ الاختراع؟ ألا نقصد بكلمة "حاجة" المعاناة والعوز والشعور بالأزمة والوضع الحرج؟ فالألم يحمل في ثنياته بعداً إيجابيّاً، ويتيح للإنسان فرصةً للنموّ. على هذا الأساس، هناك مَن يخفّف مفهوم العقاب الّذي تكلّمنا عليه أعلاه، ويعتبر الألم تهذيباً والديّاً غايته تصحيح سيرتنا وتنميتنا. ويُدعَمُ هذا الموقف بما ورد في سفر الرؤيا: "مَن أحببتُه أوبّخهوأؤدّبه" (رؤ 3/19). بمعنى آخر، إذا كان سلوككَ سيّء، يبليكَ الله بسرطانٍ أو يرزقكَ بولدٍ معوق كي تتأدّب. أيّ عقلٍ يقبل هذا! صحيح أنّ الكتاب المقدّس يتكلّم في بعض الأحيان بهذه الطريقة، لكنّ كلام الكتاب المقدّس في هذا الشأن لا يُفهَمُ إلاّ من جوهره، ألا وهو آلام المسيح وموته وقيامته. فبانتظار الخاتمة، يعرض الكتاب المقدّس أفكارنا الواهمة عن الله، بل يعرض أفكاراً واهمة أكثر ممّا لدينا. والألم التربويّ هو واحدٌ منها إذا تصوّرنا أنّ الله يسبّبه. الأفضل هو الاعتقاد بوجود عدالةٍ تلقائيّة. إذا وضعتَ إصبعكَ في النار، يأتيكَ العقاب تلقائيّاً، ولا حاجة لقرارٍ من الله. فكلّ سلوكٍ سيّء يفسح مجالاً للاإنسانيّة قد تولّد ألماً. ولا حاجة لحكمٍ إلهيّ من أجل هذا. فالوصايا العشر والشريعة هي طرائق لاستعمال الحياة. إنّها قوائم من السلوكيّات الرديئة الواجب تفاديها إذا لن نرِد أن نولّدَ شرّاًويندرج في هذا السياق مفهوم المغامرة والاحتمالات. فالّذي يسافر يغامر بحياته إذ يجعلها تحت رحمة ميكانيك المحرّكاتومزاجيّة السائق ومهارته وانتباهه ... وحادث المرور الّذي يتم، لا تخرج أسبابه عنهذه العناصر. وكذلك الأمر في عالم الصحّة والإنجاب والمهنة ... الحياة مغامرة. يمكننا بذل جهدٍ للإقلال من الخطر فيها، لكنّنا لن نستطيع أبداً إلغاء هذا الخطرتماماً. على كلّ حال، سواء كان الشرّ نابعاً عن فعلٍ عقابه تلقائيّ أو خوض مغامرةٍ باحتمالاتها، فإنّ هذا الشرّ قد يكون تربويّاً، فيجعلنا نراجع ذواتنا، ونعيأخطاءنا، وننمو في إيماننا، ونسمو في حياتنا. لكنّه قد يتمادى ويصبح مدمّراً. فحادثالسيّارة الّذي يُعاقَبُ فيه سائقٌ سكران قد يقتله، ولن يستطيع بعد ذلك أن يقوّمسيرته. فسواء كان الألم تربويّاً أو لا، لا يمكننا أن نجعل الله مسبّباً لشرٍّكهذا. هل الألم امتحان أم محنة؟ في الكتاب المقدّس نصوص تبيّن أنّ الشرّ امتحان. وقد تبنّى الكتّاب هذه الفكرة للدفاع عن صورة اإله المحب. فالقدّيس بطرس يقول:"لا بدّ لكم من الاغتمام حيناً بما يصيبُكم من مختلف المِحَن، فيُمتحَنُ بها إيمانكم كما يُمتحَن الذهب بالنار" (1بط 1/6-7). إلاّ أنّ القدّيس يعقوب يؤكّد أنّ الله "لا يجرّب أحداَ، بل الشهوة تجرِّب الإنسان فتستهويه وتُغويه" (يع 1/13). ولعلّ أشهر الأسفار الكتابيّة الّتي تعالج هذه المسألة هو سفر أيّوب. فمع أنّ الكاتب الملهم تدارك الأمر، ولم يجعل الله يعذّب الإنسان بل الشيطان، لا يمكننا أن ننكر أنّ الله سمح بهذا الشرّ. ففي تاريخ الفكر البشريّ، يُعَدُّ سفر أيّوب أوّل مرحلةٍ من مراحل تبرئة الله من الألم. الامتحان بالتعريف هو اختبار لمعرفة ما يكمن في داخل الشخص. الحياة تمتحننا والألم يمتحننا وموت عزيزٍ يمتحننا. يقول القدّيس يعقوب إنّ الشهوة تجرّب الإنسان فتستهويه وتغويه. وهذه الشهوة تولّد الألم والموت (يع 1/13-14، 4/1-2). فلا علاقة لله بهذا. ومع ذلك، لا نستطيع أن نقول إنّ الله غير معنيّ بالشرّ والألم. فالأمر يعنيه لأنّ ابنه خضع لمحنة الاكتئاب والألم. ففي جبل الزيتون، بعد العشاء الأخير، خضعت محبّة الله للامتحان: هل سيظلّ الله يحبّ عالماً يصلب ابنه؟ كان يجب أن تتمّ الأمور على هذا النحو لنستوعب أنّ محبّة الله غير محدودة ولا مشروطة. ولولا علاقة الله بالألم، بآلامنا وموتنا من خلال آلامه وموته، لوجدنا أنفسنا وحيدين في مواجهة الألم.فالألم في نظر الله شر. وعلينا أن نحاربه كما حاربه يسوع. إنّه ليس عقاباً ولا مالاً ندفعه لننال من الله شيئاً ولا وسيلةً تربويّة. إنّه سمة من سمات حياتنا الأرضيّة. واقعٌ لا نستطيع الفلات منه، بل نستطيع متسلّحين بنعمة الله أن نتصدّى له ونتخطّاه إن عجِزنا عن القضاء عليه. فكيف يكون هذا؟ تقديم الألم للرب منذ زمنٍ طويل، سادت في الكنيسة روحانيّة تدعو المؤمن إلى أن يقدّم آلامه للرب. إنّه لا يقدّمها على أنّها هديّة، إذ لا يليق أن يهديَ الإنسان ما يكرهه ويمقته. إنّه يقدّم آلامه للربّ من خلال تقدمة ذاته له. ذاتٌ متألّمة تريد أن يجتاحها الله بروحه كي تتمكّن من عيش آلامها في جوٍّ من المحبّة، وتكون هذه الآلام عاملاً على النموّ في الإيمان والرجاء. بهذه الطريقة، يصبح للآلام معنىً وقيمة. وهذا ما فعله المسيح. فقد اجتاز بروح المحبّة محنة الآلام الّتي فرضها البشر عليه. "حيث كثُرَت الخطيئة فاضت النعمة" (روم 5/20). وما كان جديراً بأن يسحق يسوع جعله يعظُم، لأنّ قامة الإنسان تُقاس بمقدار محبّته. نستطيع إذاً أن نستعمل الألم كما الفرح كي نتشبّه بالله، ونصبح على صورته. فالمسيح ينضمّ إلى آلامنا ويتألّم معنا. إنّه شريك البشريّة المتألّمة منذ أن عُلِّقَ على الخشبة. إنّه لا ينضمّ إلى المتألّم ليشرح له علّة ألمه، لأنّ السؤال: "لماذا ... لماذا أنا؟" يظلّ لغزاً. إنّه هنا ليكسر العزلة: أنا لا أتألّم وحدي، فإلهي يتألّم معي وبسببي، ومعاً سنقاوم الألم، معاً سنعطي ما أعانيه معنىً، معاً سنجتاز المحنة ونتخطّاها، معاً سنسمو على ما يؤلمني. وهو سيساعدني في كلّ هذا، يكفيني أن أثق به وأمدَّ له يدي لينتشلني من هوّة الظلمة واليأس. إذا مهمّتنا الأولى هي القضاء على الألم. وحين يظهر على أنّه قدرٌ محتوم، علينا أن نحوّل معناه بالمحبّة. فالمحبّة الّتي قادتنا إلى مكافحته، تقودنا حينها إلى قبوله. فللمحبّة الكلمة الأخيرة. وهكذا، لا يكون للألم مستقبل لأنّ المستقبل أصبح محجوزاً لفرح المحبّة. دور الكنيسة في مواجهة الألم تجيب الكنيسة على هذه الصرخة؟ وهل يحقّ لهاالإجابة عنها؟ الكنيسة بالتعريف هي جماعة المؤمنين بيسوعالمسيح. وتتألّف هذه الجماعة من مرضى ومعوقين ومصلّين ومعالجين ورعاة ولاهوتيّين... وصرخة المتألّم ليست خارجة عن الجسد الّذي يؤلّفه هؤلاء الأعضاء، بل هي صرختهم. فالكنيسة تضمّ أعضاء يتألّمون. وكما يقول القدّيس بولس، حين يتألّم عضو، تتألّم معهسائر الأعضاء (1قور 12/26). لذلك من حقّها، بل من واجبها، أن يكون لها دور في البحثعن معنى الألم. نجد في الإنجيل حشوداً من المتألّمينيهرعون إلى يسوع لينالوا الشفاء. وفي بعض الأحيان يحملهم أقاربهم إليه أو يتوسّطونلديه من أجلهم، بعضهم وهو يصرخ، وبعضهم الآخر يتوسّل. واليوم، نجد حشوداً مماثلةتقصد أماكن مقدّسة طالبةً الشفاء. إنّهم الكنيسة. وأوّل كلمة يقولونها هي صرخةاستغاثة كلّها رجاء أن يسمع المسيح الصرخة ويحضر ليعين المستغيث. ويردّد المصلّون هذه الاستغاثة ويطيلونهاحين يأخذون على عاتقهم آلام البشر، ويتوسّلون إلى الله في شأنها ليعينهم. فيصلّونلأجل المقهورين والقلقين والمرضى واليائسين ... وحين يفعلون هذا، يتأمّلون يسوعالّذي دنا من الإنسان، وعانى الألم مثله. ويتأمّلون المصلوب ويندهشون كما اندهشأشعيا النبيّ حين رأى الابن يتخلّى عن كامل سلطانه، ويأخذ صورة العبد المتألّم،ويصبح مثل العبد. حينذاك، يصمتون دهشين، وبصمتهم يشاركون في آلام المتألّمين. المتكلّمون بأفعالهم منذ الأجيال الأولى للمسيحيّة، فضّل المسيحيّون العمل على الكلام. وقد أرادوا أن تتوافق أفعالهم مع ما يتأمّلونه في صلواتهم. فاقتربوا من المتألّمين وساعدوهم في محَنهم، وكانوا يرونَ فيهم حضوراً ليسوع المسيح. وقد أخبر يسوع عن هذا الحضور حين قال: كلّ ما تفعلونه لأحد إخوتي هؤلاء الصغار فلي تفعلونه (متّى 25/40). فالمسيحيّ يرى في المتألّم حضوراً حقيقيّاً للمسيح. لذلك جعلت الكنيسةمنذ سنواتها الأولى ضيافة المتألّم وإغاثته ومعالجته منأولويّات عملها في العالم. وخير برهانٍ على ذلك هو أعداد المشافي والرهبنات الّتيتهتمّ بالمتألّمين. فالمسيحيّة تميّزت بأفعالها الجذريّة في مجال الرحمة. وكان علىالرعاة أن يسهروا على ديمومة هذه الأفعال في عيش الإيمان المسيحيّ من جهة، وعلى ضبط الروحانيّات التألّميّة الّتي تهمل حدث القيامة من جهةٍ أخرى. الكنيسة لا تهتمّ بإنشاء خطابٍ في الألم، بل بجعل المتألّم يرجو أن يجد بجانبه حضوراً أخويّاً محبّاً مصغياً ومصليّاً، يتضرّع إلى الله ويسأله الرحمة لهذا المتألّم. حضور يجعل المسيح حاضراً في وسط محنة الألم. حضور يعزّي ويؤاسي بنعمةٍ سماويّة قادرة على هداية القلوب، ورسم البسمة في عمق الألم |
||||
05 - 08 - 2014, 11:47 AM | رقم المشاركة : ( 4732 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
وجود الأديرة يطور الحياة الروحية في الكنيسة
الأب/ فادي هلسه - كنيسة القديس جوارجيوس - عمان : الأردن مكن تعريف الدير روحيا وكنسيا أنه ملكوت السماوات على الأرض وهو بقعة من الأرض تم تدشينها لتصبح ملاذا وملجأ لكل الباحثين عن خلاص النفس بالمسيح . لقد أسمينا الدير بملكوت سماوي على الأرض لأن داخل أسواره يوجد أناس يسهرون على خلاص نفوسهم وعلى الصلاة الدائمة لخلاص العالم. لكل دير قانون رهباني ورئيس يلتزم ويشرف على تنفيذ قانون الرهبنة دون تحيز لكائن من كان هدفه رعاية الحياة الروحية للمقيمين في الدير وتنظيم العبادة والرعاية الروحية الكاملة لأخوية الدير والإشراف على تقدم الحياة الرهبانية منذ اليوم الأول لدخول الشخص للدير سواء كان للرهبان أو للراهبات. في الدير يعيش المرء الطالب للحياة الرهبانية حياة ملائكية بكل معنى الكلمة فقد مات عن العالم وشهوات العالم وملذات العالم همه الأول خلاص نفسه ولعله يلهج بكلام الرب ( من ترك أبا أو أماً أو أخوة وأخوات أو بيتا أو حقلا أو زوجة وأولادا يرث مئة ضعف ) . أو يلهج بكلمات الرسول بولس إلى أهل غلاطية ( مع المسيح صلبت فأحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيّا ). والدعوة لسكنى الدير هي من الله مباشرة الله هو الذي يدعو الإنسان للحياة الملائكية الطاهرة المترفعة عن العالم وتعظم المعيشة ليزداد قامة في المعرفة الإلهية ويزداد قربا من سيده الرب الفادي وهو أكثر من يشعر بمحبة الرب وعظم عطيته المجانية للخلاص والنعمة وتزداد تلك المعرفة بالتدريج بتطبيق قانون الدير وانعكاس ذلك على تعامل الراهب مع زوار الدير ليبين في كل خدمة لزوار الدير من المؤمنين محبة الله ولطفه بالإنسان. في الدير توجد حياة الصلاة والتأمل وممارسة الأسرار المقدسة حسب الأصول وخاصة سر الشكر ( الافخارستيا ) وحياة التوبة والتسبيح والسهرات المقدسة والحياة المشتركة بين الأخوة أو الأخوات. أما فلسفة بناء الدير فالدير يبنى في البقع المعزولة والبعيدة وعادة ما تكون أسواره علية جدا وزيارته بمواعيد محددة والهدف من ذلك تشجيع حياة الوحدة والتأمل والناس هم الذين يسعون للدير وليس الدير هو الذي يسعى للناس. يعيش في الدير مجموعة أخوة أو أخوات يربط بينهم حب الله والمعيشة الملائكية يأكلون معا ويصلون معا ويخدمون الزائرين معا وهدفهم الأسمى هو قول الرسول بولس ( الذين يظهرون عمل الروح فيهم وأرواحهم شاهدة ). لماذا يزور الناس الدير ؟ وما هي أهمية الدير روحيا للكنيسة والمؤمنين؟ كل دير يبنى على اسم قديس أو مناسبة للسيد أو السيدة وهو مكان مقدس ينال المؤمن من زيارته بركة خاصة إن كانت الزيارة إيمانية خالصة ويستمتع روحيا بالحديث مع سكان الدير وفي بعض الأديرة هنالك نظام مبيت للزائرين حيث يقضي المؤمن أياما يعيش ولو مؤقتا حياة الدير لينفض بعدها غبار الكسل والفتور أو الجفاف الروحي ويأخذ معه بركة خاصة لنفسه ويطلب صلاة أهل الدير له من أجل طلبة خاصة أو ذكره مع عائلته في صلوات الأخوة. نحن الكهنة الذين يعيشون في العالم بحاجة للدير فنحن تمر بنا لحظات ضعف لأننا أولا وأخيرا بشر تحت الخطيئة ولو أننا نحمل رتبة مقدسة نكون أحوج لنعيش ولو بضعة أيام قانون أحد الأديار وأنا شخصيا أحسست بملء البركة عندما زرت دير السيدة في صيدنايا ودير القديسة ثقلا في معلولا وبضعة أيام في د ير القديس جيورجيوس الحميرا وكانت بركة كبيرة. نحن في الأردن بحاجة إلى الحياة الرهبانبة حولنا ومع الأسف الناس عندنا قليلو المعرفة بتلك الحياة وقد تأسس مؤخرا دير السيدة العذراء ينبوع الحياة في دبين شمال الأردن به ثلاث راهبات من الأردن يعتبرن بداية حسنة لحياة رهبانية للمستقبل. وهنالك دير يتم تأسيسه الآن على الضفة الشرقية لنهر الأردن باسم القديس يوحنا المعمدان . وكل هذه الأديرة في طور التأسيس ولكننا دائما نطمح بالمزيد لأن حياة الرهبان والراهبات تمد الكنيسة والمؤمنين بحياة النعمة والبركة بل ونؤكد أن البلاد الموجود بها تلك الأديار تنال نعمة وبركة عظمى بصلوات تلك الأديار. نحن في الأردن ننظر دائما باتجاه سوريا وأديرتها ونشكر الله باستمرار على أنها تكاد تكون المتنفس الوحيد لنا لصعوبة السفر لفلسطين لزيارة الأماكن المقدسة ونتمنى من الله أن تزدهر الحياة الرهبانية لدينا كما في سوريا لنحصل على الخير المرتجى من لدن الله . بقي أن يعرف كل الناس بأن الدير أي دير ليس عالة على المجتمع فالدير أولا يأكل من عمل من فيه لأن العمل اليدوي إلزامي للرهبان أو الراهبات ويتقبل الدير بعض مساعدات غير المشروطة من المحسنين . ولا ننسى قيمة حياة الرهبنة فقد زودت الكنيسة عبر العصور بخيرة آباء الكنيسة ومعلميها ولا ننسى آباء أنطاكية وزهراتها اليانعة أمثال القديس يوحنا الذهبي الفم والقديس إغناطيوس الأنطاكي الشهيد والقديس يوحنا الدمشقي وغيرهم الكثير . صلاتنا إلى الله أن ينعم على الأديرة القائمة بالمزيد من النعمة والبركة وأن يلهم رئاساتنا الروحية على تلمس الحاجة لوجود الرهبنة وتزايدها وأن ترى عيوننا نهضة كنسية واسعة نشكر الله دائما عليها |
||||
05 - 08 - 2014, 11:48 AM | رقم المشاركة : ( 4733 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
رؤيــة الله "وجهـــك يــا ربّ أنــا ألتمــــس" المتروبوليت بولــــس متروبوليت حلب والاسكندرون وتوابعهما ما الذي يربط هذا النصّ بعيد رفع الأيقونات اليوم، أو كما يسمّى أحد الأرثوذكسيّة؟ لو أنّنا استبدلنا موضوع الحوار، أي "وجدنا يسوع"، بكلمة تكرّرت في النصّ أكثر وهي (نظرنا)، لأدركنا كيف تربط الكنيسة هذا النصّ بعيد رفع الأيقونات. إنَّ أكثر فعل يمرّ بالنصّ هو ما يتعلّق بالرؤية والنظر، إنّه نصّ إنجيليّ يقدِّس العيون. فتتكرّر عبارة: "رأى" و"نظر" و"انظر" بمشتقاتها سبعَ مرّات. "الله لم يرَه أحد قطّ"، ولكنّ هذه الرغبة برؤية الله كانت أبداً الشوق الإنسانـيّ الملتهب طيلة العهد القديم، ولكنّها رغبة لم تتحقّق. إنَّ أجلى تجليات الله لرجال العهد القديم كانت مع موسى وإيليا. وعلى طلب موسى: "أرِني مجدك" أجابه الله: "أظلّلك بيدَيّ إبَّان اجتيازي أما وجهي فلا يُرى" (خروج 33، 18-23). وأمَّا إيليا فســــمع صوتاً فقط (1 ملوك 19، 13). وهكذا راح الله يكشف ذاته للناس أكثر فأكثر بطرق مختلفة، إلى أن حان ملء الزمان واستطاع إنسانٌ كفيليبس أن يقول لنثنائيل: "تعالَ وانظرْ (الله)" يسوع. ولهذا طوّب المسيح عيون التلاميذ التي رأت عن قرب ما "اشتهى أن يراه كثيرون من الأنبياء والصديقين، ولم يروه" (متى 13، 16-17 )؛ وإبراهيم رأى هذا اليوم وأنَّ هذه الرغبة البشريّة لرؤية الله قد تحقّقت ففرح وتهلّل (يوحنا8،56). في العهد القديم، لم يكن الله قد ظهر للعيون، كان يظهر للناس بأفعاله وبتدخّلاته وقيادته للتاريخ الخلاصي، لذا حرّمت الوصايا العشر صنع أي رسم أو منحوت لله خوفاً من الوقوع في الصنمية والوثنيّة. وما الوثنيّة إلاَّ تصنيم وتأليه لأهواء البشر، فيعبدون في الوثن أهواءهم أو مثالياتهم. الوثنيّة هي عبادة إله نحن خلقناه لذا يجوز فيها كلام الفيلسوف سارتر، أنَّ الله أكبر خدعة في حياة الإنسان، دون أن تصحّ تهمته هذه على المسيحيّة. إله الكتاب المقدّس هو إله يكشف لنا ذاته كما هو وليس كما نظنُّه أو نريده. لذلك بعد تجسّد المسيح، الله الربّ ظهر لنا بالجسد، وصار ممكناً أن نرسم للابن أيقونة، لأنّنا قد رأيناه و"وجدناه" (يوحنا 1، 45). لذا فالرسم الأرثوذكسي لا يُحَبِّذ رسم الآب. أما الروح فنراه بشكل حمامة (من المعموديّة) أو ألسنة ناريّة (من العنصرة) فقط. الأيقونة هي وساطة، بمعنى أنّها أداة تصلنا بالله، الله الذي نُغيّبه عن أغلب ساعات يومنا، فتأتي الأيقونة لتُحضِرنا إلى حضرة الله وتذكّرنا بندائه: "أنا على الباب واقفٌ أقرع" (رؤيا 3، 20). الأيقونة هي وسيط أيضاً أي في الوسط، لذلك نضعها وسط عملنا، وبيتنا، على الجدران في غرف النوم وفي غرف الجلوس، في المحفظة والكتاب وكيفما التفتنا تكون هي في الوسط. ويصير الله شيئاً فشيئاً ومن خلالها وسط الحياة. هذا هو رباط انتصار الأرثوذكسيّة برفع الأيقونات. إنَّ الأرثوذكسيّة تعني "استقامة الرأي". والرأي هنا لا يعني المعلومات إنّما "الموقف" في الحياة. وبالتالي فالاستقامة هي استقامة المسلكيّة. إنّها في أن نعرف الحقّ فيما نسلك وفيما نسعى إليه. المسيحيّ الأرثوذكسيّ هو من "موقفه"، من "حياته" مستقيم وصحيح. وهذا الموقف الصحيح ما هو إلاَّ "طلب رؤية وجه يسوع". المسيح، هو من نسعى إليه، ومن نشتهي أن نراه. هذا هو الموقف المسيحيّ للحياة. وحين ارتفعت صورة المسيح وصور قديسيه عالياً في المجمع السابع (842م)، ارتفع معها هذا الهدف واضحاً. والأيقونات المرفوعة في المنازل والكنائس ما هي إلاَّ دفع لهذا الهدف نحو مساره القويم والصحيح. ورؤية الأيقونة، رؤية المسيح، يجب أن تترافق مع "طهارة القلب" لأنّه "طوبى لأنقياء القلوب فهم يعاينون الله". لذا فإنَّ طهارة المسلك تجعلنا نرى الأيقونة فعلاً. كما أنَّ رؤية الأيقونة تهذب وتعففّ فينا المسلك. وهذا هو الإكرام والسجود الحقيقيّ للأيقونات. فبأيقونتك الطاهرة لك نسجد أيّها الصالح لأنّه "لله وحده تسجدْ وإياه وحده تعبدْ" (متى 4، 10). |
||||
05 - 08 - 2014, 11:50 AM | رقم المشاركة : ( 4734 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
عيد الغطاس رؤية وشهادة
لقد حاول كثيراً وبطرق وجهود ذاتية عديدة أن يختزل الزمن ليتعرَّف على المسيَّا، الذي من أجله وُلِدَ وأخذ رسالة ليعلنه ويعد الطريق أمامه، ولكن كان الصوت يدعوه للتريث حتى يبلغ الزمن ساعة الصفر ليبدأ ملكوت الله. وبينما يوحنا يصلِّي وهو في حيرته كيف يتعرَّف على المسيَّا الذي سيكرز به ويُظهِره لإسرائيل؟ سمع صوت الله يرن في أُذنيه: اذهب إلى بيت عبرة عبر الأردن وهناك اِكرز وعمِّد بالماء للتوبة، لأنه من خلال المعمودية سيظهر المسيح لإسرائيل. فكل مَنْ يأتي إليك عمِّده، ولكن الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه في وقت العماد، فهذا هو الذي سيعمِّد بالروح القدس!! + «وأنا لم أكن أعرفه ولكن ليُظهَر لإسرائيل، لذلك جئت أُعمِّد بالماء ... وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذي أرسلني لأُعمِّد بالماء قال لي الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه، فهذا هو الذي يعمِّد بالروح القدس.» (يو 1: 31 - 33) ترك يوحنا عزلته الطويلة في البراري وترك معها كل الوسائل الشخصية التي جاهد أن يكتشف بها المسيَّا، وانطلق يكرز ويعمِّد، بكل غيرة وحماس، مئات وأُلوف؛ وفي قلبه لهفة أشد ما تكون اللهفة أن يرى العلامة، فكان يترقَّب رؤية الروح القدس في كل لحظة، وهو نازل من السماء ليعلن المسيَّا. وكان قلبه يخفق بشدَّة، لعل يكون أيُّ آتٍ إليه هو المسيَّا! سر ظهور المسيح واستعلانه ليوحنا المعمدان: هذه الصورة المبدعة التي يرسمها إنجيل القديس يوحنا لبدء خدمة المعمدان وظهور المسيَّا تحمل في الواقع أسراراً عميقة، فالإنجيل ينبِّه ذهننا بشدَّة: أولاً: أن ظهور المسيح في ذاته واستعلانه عموماً يستحيل أن يتم بالاجتهاد أو الترقُّب، إنما يتم فقط بتدبير الله من خلال معمودية الماء للتوبة «ولكن ليُظهَر لإسرائيل، لذلك جئت أُعمِّد بالماء»، حيث التركيز في معمودية الماء يقع على التوبة «واعتمدوا منه في الأردن معترفين بخطاياهم.» (مت 3: 6) ثانياً: أن معرفة المسيح شخصيًّا يستحيل أن تتم إلا بواسطة الروح القدس! الروح لم يره أحد وهو نازل من السماء غير يوحنا المعمدان، الرؤية هنا خاصة، انفتاح ذهني لإدراك ما لا يُدرَك واستعلان شخص المخلِّص والفادي «وأنا لم أكن أعرفه ... ولكن الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه، فهذا هو ...». لأنه إن كنا حقًّا نعيش الغطاس ونعيِّد للغطاس، أي نعيِّد للظهور الإلهي، أي ظهور الابن بالآب والروح القدس معاً، ونعيِّد ليوحنا الرائي والشاهد والمعمِّد، فيتحتَّم أن يكون عندنا يقين هذا الاستعلان، أي المعرفة بابن الله، المعرفة القائمة على يقين الرؤيا والشهادة، أي بالروح القدس والآب! أو كما يقول إشعياء النبي: «عيناً لعين»!! واصفاً ذلك اليوم يوم استعلان المسيح للإنسان إن على الأردن (الغطاس) أو في جرن المعمودية (الإيمان بالمسيح)، هكذا: «صوت مراقبيك، يرفعون صوتهم يترنَّمون معاً لأنهم يبصرون عيناً لعين عند رجوع الرب إلى صهيون.» (إش 52: 8) «أنا رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله»: فإن كانت شهادة يوحنا بلغت هذا اليقين، وهو لم يتعرَّف بعد على سر الخلاص بذبيحة الصليب وسر التبرير بالقيامة، فكم ينبغي أن يكون يقين شهادتنا نحن وقد أدركنا هذا كله؟ ولكن ما هو إذن سر عجز شهادتنا وضمور معرفتنا للمسيح؟ أليس واضحاً كل الوضوح من حوادث عيد الغطاس، أن ذلك بسبب عدم انتباهنا لدور الروح القدس في فتح الذهن لكشف أسرار الله أمام المعرفة لإدراك حقيقة المسيح لبلوغ يقين الشهادة؟ ولكن لا يزال إنجيل عيد الغطاس يحتجز سرًّا هاماً وخطيراً في هذا الأمر. فالله اشترط على يوحنا المعمدان أن المسيح سيظل مجهولاً عنده، إلى أن يرى الروح نازلاً ومستقرًّا عليه!! هنا دور الروح القدس ليس مجرَّد علامة تشير إلى المسيح؛ بل هو وسيط معرفة، وسيط انفتاح ذهن. الروح القدس أعطى ذهن يوحنا المعمدان قدرة رؤيوية عالية جدًّا، أعلى من درجة النبوَّة التي عاش بها في البراري. لقد سمع المعمدان مراراً كثيرة صوت الله في قلبه من جهة حياته ورسالته التي جاء ليتممها أمام وجه الرب «الذي أرسلني لأعمِّد بالماء، ذاك قال لي». ولكن لم تنفتح عينا ذهنه لمعرفة مَنْ هو المسيح - مع أنه قريبه بالجسد - إلا بنزول الروح القدس! يقين الرؤيا: إن رؤية الأشياء والأشخاص والتعرُّف عليهم عن قرب، يؤدِّي إلى يقينية عقلية، فالعين والأذن مع بقية الحواس توصِّلان إلى المخ صورة متكاملة عن الشيء أو عن الشخص يفهمها العقل، ويختزنها، ويحولها إلى معرفة وإدراك بيقين عقلي هو أشد ما يملكه الإنسان من مفهوم اليقينية! ولكن هناك يقينية أخرى موهوبة للإنسان أعمق جدًّا، وهي أعظم تأثيراً وأكثر شمولاً لمواهب الإنسان وكيانه، ينفتح عليها الإنسان كموهبة إلهامية باطنية في القلب، يدرك بها كل شيء وكل الناس وكل الخليقة، فوق إدراكات العقل والحواس وأعمق بما لا يُقاس، يدرك ما فيها وما لها من حقيقة ومدى ارتباطها السرِّي بالله وبنفسه وكل الكون المنظور وغير المنظور. هذه الموهبة الفائقة على العقل والحواس هي عطية من الله مغروسة في صميم طبيعة الإنسان، وقد يحوزها الحكماء والفلاسفة حتى غير المتدينين وغير المؤمنين بالمسيح. هذه الموهبة أُعطي أن يوجهها الروح القدس ويستخدمها في كشف أسرار الله نفسه والتعرف عليه!! «الروح يفحص كل شيء (في قلب الإنسان ووعيه الروحي) حتى أعماق الله!!» (1كو 2: 10) فإذا حل الروح القدس في إنسان أو انسكب في ذهنه وأناره، كما استنير ذهن يوحنا المعمدان، يعمل في الحال بهذه الموهبة الفائقة التي في طبيعة الإنسان، فينفتح الذهن على أسرار الله، وبالتالي على المسيح بصفته الوسيط الوحيد بين الله والناس، والحامل همَّ البشرية والضامن خلاصها وتجديدها ورفعها إلى حضن الآب. وما قاله يوحنا المعمدان بعد هذه الرؤيا مباشرة عن المسيح مشيراً إليه: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يو 1: 29)، وكأنه يرى مستقبل الخلاص كله والصليب والذبح والموت والقيامة في ومضة خاطفة؛ هذا يوضِّح مدى انفتاح الذهن ساعة حلول الروح القدس، ومدى قدرة الروح القدس في الانطلاق ببصيرة الإنسان لرؤية فائقة شاملة لكل سر الله لمستقبل خلاصنا!! هذه هي يقينية الرؤيا في حضرة الروح القدس وبتوسُّطه، التي لا يقف عند حد حتى أعماق الله، لا يحجزها حاجز لا من الزمان ولا من عجز الإنسان! وبهذا تكون خبرة البشرية بيقينية الرؤيا الممتدة في الله. وكل مستقبل الخلاص، والتي نالتها في يوم عماد المسيح حيث انفتحت البصيرة الإنسانية - ممثَّلة في يوحنا المعمدان - ساعة حلول الروح القدس على المسيح وقت العماد لتكشف أعماق سر الخلاص المكتوم: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم» (يو 1: 29)، وتتقابل وجهاً لوجه، بل «عيناً لعين» - كما يقول إشعياء - مع الله الآتي إلينا في المسيح وتشهد له في جرأة: «هذا هو ابن الله»؛ هذه الخبرة التي نالتها البشرية وهي على عتبة العهد الجديد تُعتبر من أثمن ذخائر الكنيسة التي نالتها بحلول الروح القدس على المسيح، فأعطت سر العماد أهميته الفائقة كباب حي فعَّال دخلت منه البشرية في سر الله، حيث رأت خلاصها رؤيا اليقين والشهادة حتى وقبل أن يبدأ أو يتم! ومن هنا صار عيد الغطاس يحمل لنا أول حركة حيَّة من الروح القدس في صميم جسم الكنيسة، أول رعشة أصابت العظام الميتة أصابت يوحنا المعمدان، فانتقلت كخبرة للكنيسة كلها ولا تزال، حيث انتقلت في الحال من يقينية الرؤيا إلى يقينية الحركة، لأن كل رؤية يقينية بالروح القدس هي معرفة الحق، وأما كل شهادة يقينية فهي حركة بالحق! والاثنان فعلان صميميان من أفعال الروح القدس! «الروح القدس يرشدكم إلى جميع الحق»، «الروح القدس يشهد لي.» (يو 15: 26) أي أن استعلان المسيح العام يتم بالمعمودية، بالاعتراف بالخطايا والتوبة «ولكن ليُظهَر لإسرائيل لذلك جئت أُعمِّد بالماء». أما استعلان المسيح الخاص، أي معرفته معرفة شخصية، فهذا يتم بالروح القدس. يوحنا لم يعتمد بالروح القدس، ولكنه أخذ من رؤية الروح القدس وهو نازل مستقراً على المسيح، نال تعميداً ذهنيًّا تعرَّف به في الحال على الرب. ومع الرؤية الذهنية كانت الرؤية السمعية، لقد انفتحت أذن يوحنا لسماع صوت الله نفسه يشهد لابنه مُعلناً ليوحنا أعظم سر أدركته البشرية، سر علاقة الآب بالابن وعلاقة الحب بينهما، العلاقة التي كانت مخفية عن إدراك كل بني الإنسان واستُعلِنت أول ما استُعلِنت ليوحنا، لبدء الكرازة. + «وللوقت وهو صاعد من الماء رأى السموات قد انشقَّت والروح مثل حمامة نازلاً عليه، وكان صوت من السموات أنتَ ابني الحبيب الذي به سررت.» (مر 1: 10 و11) هنا يكشف الإنجيل عن كيف تعرَّف المعمدان ليس فقط على المسيَّا، بل على مَنْ هو المسيَّا: أنت ابني الحبيب!! لذلك يعلن يوحنا المعمدان: «وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله.» (يو 1: 34) إعلان يوحنا هذا الذي سلّمه للبشرية بالإنجيل نقله إلينا كشهادة عيان وسلَّمه لنا كمن رأى وسمع، رأى الروح رؤيا العين، وسمع صوت الله سماع الأذن بيقين روحي أعمق ألف مرة من اليقين الحسي، لهذا شهد، وشهد بيقين الرؤيا: «وأنا قد رأيت وشهدت». هذا هو عيد أول رؤيا للروح القدس! وهو عيد أول شهادة إنسان للمسيح تمت بالروح القدس، أنه ابن الله. والروح القدس بنزوله من السماء مهَّد في الحال في قلب يوحنا لسماع صوت الآب بوضوح. شهادة المعمدان للمسيح تمَّت بالروح القدس والآب. عيد الغطاس هو في حقيقته عيد الشهادة للمسيح، بالنسبة للكنيسة وبالنسبة لكل نفس تسعى لإدراك المسيح «أنا لم أكن أعرفه». «أنا لم أكن أعرفه»: هذا هو حال يوحنا المعمدان الذي دُعي نبيًّا للعلي من بطن أمه، وتعيَّن أن يتقدَّم أمام وجه الرب ليُعدَّ طرقه بل ويعطي شعبه معرفة الخلاص بمغفرة الخطايا. بينما ظل هو في أشد الشوق لمعرفته، وهذا في الحقيقة هو حالنا نحن، دعينا للخلاص والكرازة بالخلاص بل والشهادة للمسيح ابن الله، ولا نزال في أشد الحاجة إلى معرفته. وإن كنا نشهد فشهادتنا بالكلمة ينقصها يقين المعرفة: «وأنا رأيت وشهدت»!! وكأنما نعيش قبل عيد الغطاس! يقين الشهادة: كانت شهوة المعمدان أن يتعرَّف على المسيح، ولكن بمجرَّد حصوله على معرفة المسيح انطلق يشهد له في الحال أمام الكهنة واللاويين «وأنا رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله»، «هذا هو الذي قلت عنه يأتي بعدي رجل صار قدَّامي ... الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه ... الذي يعمد بالروح القدس.» (يو 1: 30 و27 و33) هنا يوحنا يلغي نفسه تماماً، فالذي يحل سيور الحذاء في البيت اليهودي هو العبد المشتَرَى!! ثم إن كان المسيح الذي ينادي به هو الذي سيعمِّد بالروح القدس، فيوحنا بهذه الشهادة يصفِّي عمله ورسالته، بل وينهي على كل خدمته، وهو يؤكِّد ذلك بنفسه: «ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص.» (يو 3: 30) هذا إن كانت المعرفة من الروح القدس حقًّا، لأن عمل الروح الأساسي هو الشهادة للمسيح . لذلك فإن معرفة المسيح إن كانت بالروح القدس فهي طاقة حركة لا يمكن أن تنحبس، بل لابد أن تُستعلن كالنور وتنتقل من إنسان لإنسان: «اذهبوا إلى العالم أجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها.» (مر 16: 15) شخص المسيح، عن قرب، جذاب للغاية، معرفته تأسر القلب، وتسبي الروح، وبحلول الروح القدس تصبح حضرة المسيح مالئة لكل كيان الإنسان؛ لأن الروح يأخذ ما للمسيح ويعطينا، فلا يعود الإنسان يشعر بحاجة إلى ذاته أو أن يكون له كيان منفصل أو عمل أو وجود أو أمل ذاتي: «ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص». هنا تفريغ وملء. معرفة المسيح تفرِّغنا من ذواتنا وتملأنا بالمسيح نفسه بالحق، بالحياة، بالقيامة، بالسلام الفائق للعقل. هذا يضطلع به الروح القدس حتى يمتلئ الإنسان بكل ملء الله، كما يقول الكتاب (أف 3: 19). وفي موضع آخر يقول: «ومن ملئه نحن جميعاً أخذنا، ونعمة فوق نعمة» (يو 1: 16)، «وأنتم مملوؤون فيه.» (كو 3: 20) هذا التفريغ من الذات والملء بالمسيح هو الذي يُـخرج الإنسان عن كيانه وعن مكانه، فيطلقه ليبشِّر بلا حدود وبلا قيود، حتى إلى الموت يبشِّر ويشهد بما رأى «وأنا رأيت وشهدت». يستحيل على إنسان تعرَّف على المسيح حقًّا وذاق ونظر طيب الرب، أن يسكت أو أن يستطيع أحد أن يكتم صوته. المسيح عبَّر عنها أنها «مناداة من على السطوح» (مت 10: 27)، والمعمدان عرف ذلك وكان يمارسه «أنا صوتُ صارخٍ في البرية» (مر 1: 3)! لأن التعبير عن مقدار الأثر والتعلُّق الذي يتغلغل كيان الإنسان الذي انفتح ذهنه بالروح القدس على المسيح، لا يمكن أن تشرحه كلمات بسهولة. الكلام مهما كان بليغاً ورصيناً يظل عاجزاً عن تصوير عذوبة ومحبة وعمق شخص ابن الله. تأثير السيرة على الشهادة: ولكن الشهادة للمسيح تبلغ حد يقينيتها الأعلى، عندما تزكيها سيرة الإنسان نفسه. إن شهادة المسيح ليوحنا المعمدان توضِّح سر نجاح المعمدان الفائق الوصف في التعرُّف على المسيح والشهادة له وسط ظلام الأجيال وعمى الرؤساء والحكماء والعلماء: «ماذا خرجتم إلى البرية لتنظروا؟ أقصبة تحرِّكها الريح (ثبات مبادئ يوحنا)؟ لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ إنسان لابساً ثياباً ناعمة؟ هوذا الذين يلبسون الثياب الناعمة هم في قصور الملوك (خشونة حياة يوحنا وتقشُّفه ونسكه في البراري). لكن ماذا خرجتم لتنظروا؟ أنبيًّا؟ نعم أقول لكم وأفضل من نبي! (روح وسيرة يوحنا المعمدان فاقت مستوى جميع الآباء والأنبياء) الحق الحق أقول لكم: إنه لم يقم من بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان (الوحيد الذي امتلأ بالروح القدس وهو في بطن أُمه!)» (مت 11: 7 - 9 و11)، وهذا رد ضمني على الذين يعترضون على قيمة المعمودية في الطفولة. والسؤال هنا هو: هل ألغى العهد الجديد عظمة يوحنا وتكريم المسيح له بهذه الشهادة المفرحة جدًّا لنفوسنا؟؟ في الحقيقة ما كتبه الإنجيليون عن يوحنا يمكن تلخيصه في كلمتين: نصرة بالروح، وقوَّة بالروح، وطاعة بلا لوم، وهذه هي العلامة السريَّة لكل ممتلئ بالروح القدس!! إن حياة يوحنا الداخلية وسيرته طابقت متطلبات الشهادة للمسيح تطابقاً فائق الدقة والوصف، لذلك جاءت شهادته بيقين فائق شهد لها الإنجيل!! «يوحنا شهد له.» (يو 1: 15) إن الشهادة للمسيح، لكي ترتفع إلى درجة اليقينية كيقينية شهادة المعمدان تحتاج إلى متطلبات عميقة داخلية مقدَّسة يستحيل استيفاؤها إلا بالملء من الروح القدس!! هذا هو يوحنا المعمدان والمسيح المنحني تحت يده، وهذا هو عيد الغطاس الأول بأعماقه وجذوره الضاربة في أساس الكنيسة وميراثها من جهة الشهادة للمسيح عن رؤيا واستعلان وامتلاء بالروح: «وأنا رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله». رؤيتنا وشهادتنا: والآن نقلة ختامية من الأردن ويوحنا والمسيح المنحني تحت يد المعمدان إلى واقعنا الكنسي والفردي: أين عيد الغطاس منا؟ ما هي رؤيتنا؟ وما هي شهادتنا؟ نحن لا نتكلَّم عن الرؤى والأحلام، لأن الحكم فيها وعليها من أصعب الأمور بسبب عوامل التزييف الذي يقوم به اللاشعور في تصوير المناظر والأحلام حسب هوى الذات المريضة، هذا بالإضافة إلى عدم نفعها لا بالكثير ولا بالقليل من حيث تغيير السلوك. ولكننا نتكلَّم من جهة رؤيا القلب في يقين الوعي والإرادة، أي النظر الروحي الواعي والدائم للتعرُّف على شخص المسيح كمخلِّص وكفادٍ، في تأمل، في صلاة، في مناجاة، في حب لا تشوبه المنافع الشخصية، أو التنافس، أو الحسد والغرور، أو طلب المجد والمديح والظهور. ثم هل سماؤنا مفتوحة؟ أو بمعنى آخر هل حصولنا على العون الإلهي من الأعالي هو طلبنا الأول والأخير وهو إلحاحنا الذي ننام فيه ونستيقظ به؟ «رفعت عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني، معونتي من عند الرب الذي صنع السماء والأرض.» (مز 120: 1 و2) إن كان هذا رجاؤنا وإلحاحنا وشوقنا وقلقنا، فالروح القدس يسبق ويمهِّد ويُعدُّ القلوب والرؤوس، لأنه لا ينسكب إلا على الرؤوس المنحنية والقلوب التي برَّح بها الحنين، رؤساء ومرؤوسين، فيفك العقول والقلوب من أسر الذات، ويطلق الألسنة من سجن الخطية، يطلقها بالتسبيح والتهليل والشهادة للمسيح بملء الفم والقلب وصحو العقل واليقين وقوة لا تعاند، والعلامة دائماً أبداً أن «المساكين يُبشَّرون.» (لو 7: 22) وإن السماء التي انفتحت لعين المعمدان وقلبه، وسماع صوت الآب، ورؤية الروح القدس نازلاً، بنوع من الاستثناء الذي تجاوز كل خبرات الماضي بكل أمجادها، قد صار هذا لنا حقًّا مشروعاً وميراثاً دائماً، ضمنه المسيح بوعد ثابت لا يمكن الرجوع فيه: «من الآن ترون السماء مفتوحة» (يو 1: 51) وهذا هو تحقيقها: «ها أنا أنظر السموات مفتوحة وابن الإنسان قائماً عن يمين الله» (أع 7: 56). ولماذا كان لنا نحن أيضاً هذا الوعد الذي تحقَّق لإستفانوس الشهيد بالعيان، ولماذا هذا الامتياز الفائق بهذه الرؤيا الدائمة: «من الآن»، إلا لكي نرى ما رأى يوحنا فتدخل شهادتنا منطقة اليقين! «أنا رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله» |
||||
05 - 08 - 2014, 11:51 AM | رقم المشاركة : ( 4735 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
اذا لم نلتق المسيح في هذه الحياة فلن نراه في الحياة الأخرى أن نعيش مع الرب ليست القضية قضية معرفة إيماننا, وتأدية فروض وشعائر دينية ,وتعلم عقائد, بل قضية خبرة وحياة. هذا نهج القديسين, النهج الطبيعي, أنهم عاشوا مع الرب, لمسوه,تكلموا عنه, وعرفوه. كيف نلتقي به عمليا؟ ما هي السبل التي تقدمها لنا الكنيسة والتي تساعدنا لكي نقترب ونلتقي بالرب يسوع القائم من الأموات؟ جواب: 1- في الأسرار المقدسة إن كنا متهيئين لإقتبالها, لعيشها لكي تفعل فينا. تلميذا عمواس عرفا الرب يسوع عند كسر الخبز ( لوقا 24: 35 ) هذا لأن قلبيهما كانا ملتهبين إذ كان يكلمهما في الطريق. عندما يرى المسيحي الحقيقة يتبناها, فيستنير, ويشهد لها. وإلا كيف نستطيع أن نفسر كيف استطاع عدد صغير من الرسل في عصر كانت عبادة الآلهة الوثنية مسيطرة, كيف استطاعوا أن يقلبوا المسكونة رأسا على عقب خلال حوالي 300 سنة من الاضطهادات؟ كيف أقنعوا أن المسيح هو الإله الحقيقي؟ إذا السبيل الأول للقاء مع المسيح الحي هو الأسرار, وخاصة سر الشكر الذي يتطلب تهيئة ضمن إطار التوبة والاعتراف والصوم والسهر والصلاة. 2- الصلاة هي الطريق الفعالة التي يلتقي بواسطتها كل انسان مؤمن المسيح. الصلاة الحارة, الصلاة القلبية, الصلاة النقية الخالية من التشتت. هي اتصال مباشر بالرب, وهي الإطار الذي فيه يدخل الإنسان بصلة مع الرب القائم ويأخذ منه قوة ودفعاً. 3- التوبة والاعتراف هذا سبيل آخر, أن يتجرد الإنسان ويقصي عنه الميول السلبية بقوة المسيح. نترب لكي نكون جنودا للرب, والجندي المسيحي هو الذي يحارب أهواءه. "احملوا سلاح الله الكامل يقول بولس الرسول لكي تستطيعوا أن تقاوموا مكائد الشرير". كيف تستطيعون أن تقاوموا مكائد الشرير". كيف تستطيع أن تقوي, أن تساعد غيرك, وأنت كسول؟ الصلاة الدائمة تجعل روح الله فاعلا على الدوام في ذواتنا, في حياتنا ,في تصرفنا, مع الآخرين. 4- أخيرا السبيل الفعال وربما الأفضل لكي يلتقي الإنسان بالمسيح هو أعمال المحبة, أعمال الرحمة ومساعدة الإنسان القريب المحتاج المتألم ,المريض الخاطئ, تفقد الأرامل واليتامى حيث بلمس أكثر من أي مكان آخر جراحات المسيح, نلمس كيف أن الألم يتحول إلى تعزية, إلى فرح, لأن القيامة لا تكون بلا صليب. لا يكون الفرح بلا ألم. وعندنا في كل وقت في كل زمان ومكان الإمكانية أن نشارك آلام الآخرين, أن نعيش آلام الآخرين, أن نعيش آلام الرب وقيامته. إن كنا نلمس وراء الألم تعزية فلن نيأس, بل نرجو وراء كل ألم,وراء كل وجع تعزية "الإيمان والرجاء والمحبة وأعظمهن المحبة" يقول بولس الرسول."المحبة" لأنها وحدها تغلب الموت وتطرح كل خوف خارجا... لماذا؟ لأن الله محبة. |
||||
05 - 08 - 2014, 11:53 AM | رقم المشاركة : ( 4736 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
السيد المسيح يشهد للعهد القديم
شهادة السيد المسيح للناموس و الأنبياء الانبا رافائيل همسات روحية لنيافة الأنبا رافائيل السيد المسيح يشهد للعهد القديم رابعًا: شهادة السيد المسيح للناموس والأنبياء (1) "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. فمَنْ نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلَّم الناس هكذا، يُدعى أصغر في ملكوت السماوات. وأما مَنْ عمل وعلَّم، فهذا يُدعى عظيمًا في ملكوت السماوات" (مت5: 17-19) (2) "فكل ما تريدون أن يفعل الناس بكم افعلوا هكذا أنتم أيضًا بهم، لأن هذا هو الناموس والأنبياء" (مت7: 12). (3) "يا معلم، أية وصية هي العظمى في الناموس؟ فقال له يسوع: تحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك. هذه هي الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها: تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء" (مت22: 36-40). (4) "فقال له يسوع: انظر أن لا تقول لأحد. بل اذهب أرِ نفسك للكاهن، وقدم القربان الذي أمر به موسى شهادة لهم" (مت8: 4). (5) "فإني الحق أقول لكم: إن أنبياء وأبرارًا كثيرين اشتهوا أن يروا ما أنتم ترون ولم يروا، وأن يسمعوا ما أنتم تسمعون ولم يسمعوا" (مت13: 17). (6) "إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا" (مت19: 17). (7) "فأجاب يسوع وقال لهم: تضلون إذ لا تعرفون الكتب ولا قوة الله" (مت22: 29). (8) "ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين، وتقولون: لو كنا في أيام آبائنا لما شاركناهم في دم الأنبياء. فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء" (مت23: 29-31). (9) "يا أورشليم، يا أورشليم! يا قاتلة الأنبياء وراجمة المُرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا" (مت23: 37). (10) "وأما هذا كله فقد كان لكي تُكمَّل كتب الأنبياء" (مت26: 56). (11) "فقال له: ما هو مكتوب في الناموس. كيف تقرأ؟" (لو10: 26). (12) "فقال له: بالصواب أجبت. افعل هذا فتحيا" (لو10: 28). (13) "كان الناموس والأنبياء إلى يوحنا. ومن ذلك الوقت يبشر بملكوت الله، وكل واحد يغتصب نفسه إليه" (لو16: 16). (14) "إن كانوا لا يسمعون من موسى والأنبياء، ولا إن قام واحد من الأموات يُصدقون" (لو16: 31). (15) "فنظر وقال لهم: اذهبوا وأروا أنفسكم للكهنة. وفيما هم منطلقون طهروا" (لو17: 14). (16) "فقال لهما: أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء! أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده؟ ثم ابتدأ من موسى وجميع الأنبياء يُفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب" (لو24: 25-27). (17) "فقال بعضهما لبعض: ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يُكلمنا في الطريق ويُوضح لنا الكتب؟" (لو24: 32). (18) "هذا هو الكلام الذي كلمتكم به وأنا بعد معكم: أنه لابد أن يتم جميع ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والأنبياء والمزامير. حينئذ فتح ذهنهم ليفهموا الكتب. وقال لهم: هكذا هو مكتوب، وهكذا كان ينبغي أن المسيح يتألم ويقوم من الأموات في اليوم الثالث" (لو24: 44-46). (19) "لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني، لأنه هو كَتَبَ عني. فإن كنتم لستم تصدقون كُتُبَ ذاك، فكيف تصدقون كلامي؟" (يو5: 46، 47). (20) "أليس موسى قد أعطاكم الناموس؟ وليس أحد منكم يعمل الناموس!" (يو7: 19). (21) "وأيضًا في ناموسكم مكتوب أن شهادة رجلين حق" (يو8: 17). (22) "أليس مكتوبًا في ناموسكم: أنا قلت إنكم آلهة؟ إن قال آلهة لأولئك الذين صارت إليهم كلمة الله، ولا يمكن أن يُنقض المكتوب" (يو10: 34، 35). |
||||
05 - 08 - 2014, 12:00 PM | رقم المشاركة : ( 4737 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الوجه الآخر من الخطيئة إلى الهرب، إلى النسيان. ولكنْ كيف يهرب مما هو مغروز في لحمه، في نفسه؟ كيف ينسى ما هو مستبدّ بكيانه؟ بالمتعة، بالخيال، بالكذب، بالعنف وبما شاكل ذلك. هذا ليس هروباً بمعنى الكلمة ولا هو نسيان. أنت لا تقدر أن تغادر حال القلق الذي يعتورك. فقط أن تلقي بنفسك في ما يخدّر إحساسك بالألم فيبدو لك الألم كأنّك تخطّيته، لا سيما إذا رافق حال الخدر فيك شعور بالنشوة. الخطيئة مخدّر. كلّما ركنت إليها كلّما استبدّت بك. ما يسبقها لا تكون لك طاقة على ضبطه ولا على تلافيه بما أُوتيت من طاقة بشريّة، وما يتبعها يكون عودة إلى حال القلق فيك مصحوبة بفراغ وشعور بالعجز. من طبيعة الخطيئة أنّك متى ازددت اتكاء عليها وهنت إرادتك واشتدّت، تالياً، وطأة القلق عليك. لذا تسلبك الخطيئة إرادتك، ومن كثرة ما تخدِّر فيك الإحساس تفتك به. إذ ذاك تمسي غير مُسائل. لا تعود مبالياً حتى بالحياة نفسها بل بالمخدِّر. التخدير نفسه يمسي، لك، طريقة حياة، بديلاً عن الحياة. لا تعود تحسب حساباً لما قد ينجم عن الخطيئة من عواقب ومضاعفات. تهرب من الخطيئة بخطيئة جديدة إلى خطيئةٍ غيرها. وأكثر ما تدفع نتائجَ الخطيئة عنك بالكذب والرياء. تستحيل حياتك، والحال هذه، نظاماً معقّداً من الخطايا المترابطة إحداها بالأخرى. يرتبط فيك، مثلاً، الزنى بالكذب، بحبّ الظهور، بحبّ البطن، بالغضب... على هذا المنوال تنمو خيوط العنكبوت ويشتدّ التفافها حول قلب الإنسان حتى تخنقه. لذا الخاطئ . أنا وأنت. مسكين لأنّ الخطيئة تضلّله. تَعِدُه ولا تفي. تمتصّ منه ساغ الحياة ولا تغادره إلاّ يباساً. شيمتها "داوني بالتي كانت هي الداء". لذا أكثر ما يحتاج الخاطئ إلى رحمة. لأنّه كلّما دخل في لولبية الخطيئة كلّما تعذّر عليه الخروج منها. كل ما يعتبر صالحاً، بشرياً، يَفسد بالخطيئة. الحرية تصير عبودية لها. تتحوّل الحرية، عملياً، إلى حرية في الخطيئة. متى ألقى المرء بنفسه في أحضان الخطيئة اعتبر نفسه، إذ ذاك، حرّاً. هذا ما توحي لك به الخطيئة. الحرّية، في الأساس، حرّية في الخير، في الحبّ، في الصلاح. هذه متى اخترتها كنت حرّاً حقّاً من كل ما يعيقك عنها. كنتَ حرّاً من كل خطيئة. حرّيتك، متى تعاطيت الصلاح، تنمو وتزدهر. أما الخطيئة فتحرمك إيّاها. لا تعود قادراً على صنع الصلاح. تجدك مرغماً على صنع الفساد. لذا كان اعتبار الحرّية مبرِّراً للخطيئة انحرافاً في النفس. وكيف لا يكون الأمر انحرافاً وباسم الحرّية يصير المرء عبداً للخطيئة، باسم الحياة يصير عبداً للموت، باسم النور يصير عبداً للظلمة!؟ لو أردنا، في ضوء ما تقدّم، أن نحدّد الخطيئة لقلنا إنّها الشرود عما لله، وتالياً عما للإنسان باسم الحرّية، واستبدال الحقيقة بالضلال والمعرفة بالوهم. هذه يظنّ المرء أنّها تقيه القلق وتبلّغه السلام وما تفعل. فقط تخدّره وتضخّ فيه متعة كذوباً. وحده الإيمان بيسوع يحلُّ، في الإنسان، مشكلة القلق. يعطيه سلاماً لا كما يعطي العالم. من دونه، يبقى الإنسان محكوماً بالقلق. مهما صنع لا يجد لنفسه مخرجاً. كل تدابير الناس لا تنفع في دفع القلق خارجاً. يبقى القلق سيِّد الموقف. كل نفس مركّبة على نحو لا يجعلها ترتاح إلاّ في يسوع. هو الألف والياء. "وأنا أُريحكم". لذا إما يسوع وإما القلق حتى الموت. من دون يسوع الخطيئة حتمية. لا يمكن الإنسان أن يعيش في فراغ. إما الحقيقة وإما الوهم. إما التعزية الحقّ بروح يسوع وإما التعزية الفاسدة من دونه. في بحث الإنسان عن المعنى لوجوده يحتاج إلى يسوع أو تأتيه الخطيئة بديلاً. لذا كان الخاطئ بحاجة إلى الرحمة لأنّه لا يعرف ما يعمله. يؤذي نفسه ولا يدري. قلّة من الخطأة أشرار بالشرّ راسخاً فيهم. أكثرهم تدفعه الظروف إلى حيث هو. في غياب يسوع من أفقه لا بديل عن الخطيئة. يحاول، بالخطيئة، أن يجد معنى لنفسه وما يجد. لنرأفن، إذاً، بالخطأة، ببعضنا البعض. "أطلّ الربّ من السماء على بني البشر ليرى هل من فاهم أو طالب لله. ضلّوا كلّهم جميعاً وتدنّسوا. ليس مَن يعمل صلاحاً. كلا ولا واحد" (مز 13: 2 ? 3). "أُريد رحمة لا ذبيحة". "لا تدينوا". كلّنا هذا الإنسان النازل من أورشليم إلى أريحا الذي وقع بين لصوص فعرّوه وجرّحوه مضوا وتركوه بين حيّ وميت (لو 10: 30). كلّنا عرّته خطاياه من نعمة الله وجرّحته أوهامه. كلّنا بحاجة إلى السامري الصالح، إلى الغريب الصالح، إلى يسوع الصالح، الذي يأتينا كغريب ونعامله كغريب. لكنّه القريب الذي قرّب نفسه ذبيحة لخلاصنا لأنّه شاء أن يرحمنا. إلى مثاله دعينا. بهذا يطالبنا أن ترحم أنت العبد رفيقك كما رحمتك أنا (مت 18: 33). كلّنا عبد لخطاياه وكلّنا برسم الرفق بعضنا بالبعض الآخر إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. هنا يكمن بدء خلاصنا أن ندرك أنّنا كلّنا ضحايا، ضحايا خطايانا، كلّنا ضللنا. فإن رَحَمْنَا رُحِمْنَا. هكذا جعل الربّ الإله خلاصنا ثمرةَ لا عملنا، لأنّنا لم نعمل شيئاً صالحاً على الأرض، بل رحمتِنا لأنّ الذي شاء أن يرحمنا شاء أن نصير على شبهه وجعل الرحمة إن تبادلناها رأساً لخلاصنا. بلى بالرحمة تُزَال الخطيئة مهما عظمت. في نهاية المطاف ليس شرّير إلاّ الذي لا يشاء أن يرحم. أما الباقون ففي الضعف مقيمون. لا يقدرون على مقاومة الخطيئة، لذلك يخطئون. لكنْ برحمة الله يقوى الذين يسترحمون. "معونتي من عند الربّ الذي صنع السماء والأرض. لا جَعَل رِجْلَك تزلّ ولا نام حارسك". يوم تنسكب الأكباد حناناً على مَن أساؤوا إلينا ينسكب لطف الله علينا. يومذاك يكون لنا خلاص مهما خطئنا. يومذاك يصير لنا المعزّي روح الحقّ |
||||
05 - 08 - 2014, 12:02 PM | رقم المشاركة : ( 4738 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الدينونة المطران جورج خضر صورة من صور الله انه قاضٍ لأن الإنسان جاءه تكليف ليرعى هذه الأرض لتعــود خيــراتهــا رزقاً للإنسان وتالياً قربانا لله اذ كل ما خلقه يعود اليه بقوة وتعزيز. وما كان تراباً يلبس النور في اليوم الآخر ليعترف الرب ان هذا كان خلقه. ما يقوله الخالق للمخلوق ان أدِّ حسابك عن نفسك وعن حراثتك للأرض بما فيه كم الجهد ونوعيّته ولانهائية إنتاجه فيظهر الانسان بذا انه اقتنع بانه خلق على صورة الله ومثاله. الإنسان والخليقة واحد والسؤال المطروح عليه في اليوم الأخير هو: ماذا فعلت بنفسك وبأخيك وبالأرض التي سلّطك عليها تخدمها حتى تخدمك؟ والسؤال يتضمّن هل أهملت نفسك وأخاك والعالم ليحلّ الجدب في هذه الخليقة التي لما خلقتها ذقتها. هل تذكر هذا: "وقال الله ليكن نور فكان نور. ورأى الله النور انه حسن" (تكوين 3:1 و4). وفي تأويلي ان هذا لا ينحصر في ما بدا ضوءًا محسوساً. لكنه نعمة هذا الضياء على الخليقة كلّها فاذا استنارت الدنيا تأتي منها الخلائق التي يذكرها سفر التكوين. وما ينزل على الخلائق حسن لأنه يتنزّل من فوق وبعد هذا تجبله بالتراب الذي انت منه وبالتراب الذي منه الخلائق. والإنسان يتحوّل الى نار اذا قبل ان مخلوقيّته هي بالكلمة. في سرد قصة الخليقة ظهرت الموجودات كلّها بالكلمة وبعد رقي كبير جاءت النبوءة بالكلمة بحيث تصير انت انسانا آخر مكوّناً من هذه الأرض ومن السماء معًا. وترابيّتك تسقط اذا عرفت ان توظّف النور الذي انسكب عليك. غير ان العتمات قد تهاجمك لتطرد النور الذي فيك او تدفع نورك ليطارد العتمات. انت مسرح الظلمة والنور فاذا قبلت ان تصبح مسرح الله فقط، تجاهد جهادًا حسناً ليبقى الله وحده صاحب المكان. كل نعمة الله هي فيك فقط. لكنك لن تجاهد جهادًا شرعيا الا بأسلحة النور اذ لا تعلم الله شيئاً عن فنون الحرب الروحية التي يجب ان تخوض. هو يعلّمك كلّْ شيء وهذا نسمّيه النعمة. فإن رفضت ان تخوض حربه تكون سلّمت نفسك الى العدو. في هذه الحرب التي نخوضها ولأنّ الرب سلّمك نفسك تصبح مسؤولا عن استعمال السلاح الإلهي فيك فتمسك به او تهرب الى اللاشيء. وما نسمّيه الدينونة هو سؤال ربّك ايّاك : هل استعملت السلاح الذي سلّمته ايّاك أم هربت من المعركة فاستولى العدو عليك. هل كنت أميناً على تفويضي؟ وانا سلّمتك ما كنت تستطيع ان تحمله ولن أسألك عن أكثر منه. هناك من كان أعلى منك قامة فوهبته ما كان قادرا على احتوائه. هذا أسأله كثيراً والفرق بينك وبينه أمر لا يعنيك. انا وحدي عارف بالأحجام. يبقى اني سأقاضيك لأن الأشياء التي كانت فيك هي لي. انها ودائعي. واذا فرّطت بها ففي قوانين البشر هذا يسمى سوء ائتمان. أرجو الا تتكل على حناني من دون معرفتك بقضائي. اما كيف أجمع بين القضاء والحنان فهذا أمر لا تعرفه ولن أكشف لك الا عند حصوله في اليوم الأخير اذا حصل. ليس من حقّك ان تقول للملاك الذي يسوقك الى يوم الدينونة: لماذا لا توفّر عليّ هذا المثول؟ ان واحداً من أحبّتي كتب: "هائل هو الوقوع بين يدي الله الحي". كيف لا تكون من الواقعين اذا انا مددتك بالنور وعدت اليّ بالظلمة؟ كيف أقرأ عتماتك نوراً وهي ليست بذلك. هل تسمي هذا حناناً ورأفة ومغفرة؟ انا تحدثت عن الغفران لئلا تقع في دنياك في غيبوبتك اذا شاهدت نفسك مفتّتة. انا أستطيع أن أرحمك في دنياك لكني لا اقتحم نفسك اقتحامًا. يجب ان تدعوني اليك وهذا يسمى التوبة. لكن غفلتك عن نفسك تجعلك ترجئ التوبة لكونك توكّلت على غفراني. انت مدعوّ الى ان تعمل معي. شيء من مطواعيّتك مطلوب. ولكونك مخلوقاً أنا أعطيتك حريّتك وما قلت لك اني بديل منها. اذا ذقت محبتي فهي ترشدك الى جميع الحق ولكن اياك ان تعتقد إني أجرّك اليك جرًا لأن في هذا اقتحاما لحرية فيك أنا ابدعتك عليها لتفهمها وتعرف كيف تلقاني بها. واحد قال اني دفعت اليك وزنات لكي تستثمرها. سوف أسألك عن الوزنات فاذا أغفلت عن توظيفها على طريقة اهل الدنيا الذين يعرفون كيف يوظفون اموالهم لن يبقى لك مني ميراث، هذا الذي اعددته لك لو كنت طائعاً. سأسألك عن كل خير وعن كل شر لأن الخير منّي والشر منك وكان يجب ان تبدده. لا تقل جاءتني ظروف فاضطرتني الخطيئة. هل نسيت اني جعلت لك ظروفاً افضل وهي ظروف النعمة واني احببتك كما لم تحب نفسك؟ لكنّك لم تعرف ان تحبّ نفسك وأحببت عليها خطاياك. لا تظنّ اني دفعت لمن ارسلتهم وصاياك ليضيقوا الحياة عليك. فأنا ليس من طبعي تعذيب من أحب وأحببتك ولم تفهم وخدمتك ولم تحس. خطيئتك انك لم تحس بي وأحسست فقط بخيالات رأسك وشهوة بطنك. واستكبرت بجمالك وما ظننته جميلا فيك وكل هذا من صنع البشر. ستحضرك الملائكة امامي وأذكّرك بما فعلت لأنك لا تحب ان تنسى اللذائذ التي استسلمت لها وما أحببت ان تستسلم للفرح الذي تؤتاه من الفضائل التي حدّثتك عنها لتعظمك. سوف أقول لك هذا لأنهضك من الغيبوبة الطويلة التي وقعت عليك، لتقرأ نفسك وما أحببت ان تقرأها. سأكشف لك ذاتك بما اقترفته بالفعل وبالقول وبالفكر اذ كنت تغمض عيني نفسك كي لا تراها. في اليوم الآخر سأريك نفسك كما انت. غالبا ما ترتجف لأن الإنسان لا يستطيع ان يرى القباحة ويحيا. أنا إله الفهم ولا أخلّص إنسانًا غبيًا. لذلك كان لا بد لك في اليوم الأخير ان تقرأ نفسك كما أنا أقرأك. وبعد أن تشاهد بشاعتك وقد استطعت ان ترى عليّ لمحة من نور وتطلب مني ان أبدّد بشاعتك فسأنقيك بماء كلمتي الأخيرة: أنا أحبّك لأنك ابني على رغم انك سهوت كثيراً وأردت ان تؤذيني. سأخلق فيك من جديد محبّة لجمالات السماء. انت الآن امامي واقف عارياً. سآمر ملاكك ليلقي عليك الحلّة الذهبيّة التي تجعلك مؤهّلاً لمجالسة القديسين الذين أرضوني وأوحّد بينهم وبينك مع انك لم ترضني على الأرض واذا رأيتك وانا أعبر طرق السماء لن أشاهدك الا لابساً الحلّة الذهبيّة وقد أيقنت الآن اني انا ألقيتها على عرائك. تعال الآن ايها الحبيب فإني ولو جلبتك الى محاكمة الا اني لن أجلبك الى الدينونة. |
||||
05 - 08 - 2014, 12:03 PM | رقم المشاركة : ( 4739 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الوفاق المسيحي القديس يوحنا الذهبي الفم "من أجل ذلك فليتخذ بعضكم بعضاً كما اتّخذكم المسيح لمجد الله" (رومية7:15) يا له من مثل عالٍ وثمر لا يوصف. علينا أن نمجّد الله، وخاصة إذا عشنا بسلام بعضاً مع بعض. أما إذا كنّا في خصام مع القريب فيجب أن نفكّر في ترك الغضب جانباً وتمجيد أبينا الذي في السموات، وفي مسامحة أخينا لأجل مجد الله قبل كل شيء. و هذا القول قد كرّره السيد يسوع المسيح لما خاطب أباه قائلاً: "حتى يؤمن العالم أنك أنت أرسلتني إذا كان تلاميذي كلهم واحد" (يوحنا2:17). لنتبعْ أيها الأخوة وصية رسول المسيح متّفقين بعضاً مع بعض. إذا أراد احد أن ينفصل عنك فلا تنفصل عنه أنت بل أظهِر له محبتك بنوع خاص في مثل هذه الحالة حتى تجذبه إليك. إن القريب أحد أعضائك فإذا انفصل عضو من أعضائنا عن تركيب الجسد لسبب من الأسباب نبذل الجهد ونتذرّع بكل الوسائل الفعّالة لنرجِع هذا العضو إلى ما كان عليه مهتمين له أكثر من الأعضاء الباقية. وإذا كان المسيح المخلّص يأمرنا أن "ندعو للمأدبة أناساً لا يقدرون أن يقابلونا بالمثل حتى نحصل على المكافأة" (لوقا12:14) فكيف لا نفعل مثله في المحبة. إن أحبّك من أحببته فإنه يفيك الدين؛ أما إذا لم يحبِبْك فقد صار الله مديناً لك بدلاً منه. فضلاً عن ذلك إن أحبّك قريبك فلا يسألك أن تعنى به، أما إذا لم يحبك فإنه محتاج إلى مساعدتك. فلا تحوّل الأمر إلى عدم الاكتراث به بل على العكس بثّْ الحرارة في البارد لأنه كلما أظهر لك الكره يتضاعف لك العطاء. وإذا كانت علامة تلاميذ المسيح المحبة المتبادلة بينهم (يوحنا35:13) فالأعظم من ذلك أن نحبّ الأعداء لأن السيد قد دعا إليه أعداءه. وبقدر ما كانوا يظهرون له من الضعف والتحول كان يضاعف اهتمامه بهم ويقول: "لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب لكن ذوو الأسقام" (متى12:9) وبقدر ما أهانه اليهود كان يقدّم لهم الرحمة. فتمثّل أنت بالمعلم السماوي ذاكراً أنه لا يقدر أعظم تلميذ أن يرضي الله من دون محبة القريب. لا تقلْ أنك لا تقدر أن تحب قريبك إذا كان يكرهك بل بالعكس يجب أن تحبه. في مثل هذه الحالة إذاً، لا يجوز قطعاً أن يضمر المرء البغض لمن أحبه حتى ولو كان قاسي القلب فهو يحب من أحبّه. وهذا ما يفعله الوثنيون والعشّارون حسب قول المسيح المخلص (متى46:5و47) فإذا كان المرء يحب من أحبّوه فكيف لا يحبّهم بعد البغضاء. جرّب هذا المثل في قلبك فلا بد أن يلين. لا تفترْ عن التفكير بأن المحبة التي ترضي الله هي أقوى سلاح ضد الشيطان الواقف لنا بالمرصاد ليجذب إليه من لا يحب ليجعله عضداً له. أحقاً تريد أن تضيّع الجائزة التي تُمنَح لك عن ثباتك في القتال؟ هذه الجائزة هي أخوك الكائن بينك وبين عدوك. فإذا انتصرتَ حصلت على الإكليل، وإن فشلت أضعته! لا تقلْ لا طاقة لي على الذهاب إلى من يكرهونني، بل قلْ لا أقدر أن أكافئ الذين يوجّهون إليّ الشتائم! إن هذا كلامُ تابعِ المسيح وذاك فكلامُ تابعِ الشيطان. هذا رفع الكثيرين ومجّدهم وذاك سبّب السخرية والاحتقار للآخرين. فلا تعجبْ من موسى النبي لما قال السيد الرب عنه: "والآن دعْني يضطرمْ غضبي عليهم فأفنيهم" أما الذي رأى الله فلم يحتقر من أبغضوه بل قال: "والآن إن غفرت خطيئتهم وإلا فامحُني من كتابك الذي كتبته" (خروج10:32و32). لا تفتخر بأشياء يجب أن تخجل منها. إنك تحتقر إنساناً مؤمناً؛ أما ابن الله فلم يحتقر الأرضي قبل أن يؤمن. ولماذا أقول هذا؟ إن الفادي الإلهي أحبّ البشر هكذا حتى أنه مات من أجلهم وهم يعادونه. إن السيد المسيح أحبّ الإنسان في مثل هذه الحالة؛ أما أنت فتحتقر القريب الآن وهو عضو في جسد المسيح. فكيف لا تفكّر في مَن تحتقر! هدىء روعك أيها الإنسان واعرف أخاك في الذي تحتقره: فكر بأن الكلمات الطائشة الرديئة هي من نتاج المجانين وقل في نفسك لو تحوّل قريبي عني فأنا لا أتركه، فإنك بهذه الطريقة تربح أخاك وتمجد الله في حياتك وتستحق الحصول على الخيرات الأبدية التي سنستحقها جميعاً بنعمة سيدنا يسوع المسيح ومحبته للبشر الذي له مع الآب والروح القدس المجد والملك والشرف والسجود من الآن والى دهر الداهرين آمين. |
||||
05 - 08 - 2014, 12:04 PM | رقم المشاركة : ( 4740 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حكمة الله
الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس نصف الخمسين هو أحد أعياد السيّد، وتحتفل به الكنيسة في منتصف الفترة الفاصلة بين الفصح والعنصرة، قبل أحد السامرية الرابع بعد الفصح. قد لا يكون معروفاً في كل العالم لكنّه عيد سيّدي عظيم لأنه يتعلّق بالمسيح الرب. ونصف الخمسين لا يُعَد بين الأعياد الاثني عشر، لكننا ندرجه بين الأعياد السيدية الكبرى لأننا ندمج إقامة لعازر بدخول أورشليم. تعريب الأب أنطوان ملكي إن تقسيم ووضع عيد نصف الخمسين بين الأعياد الاثني عشر يؤهّلنا لرؤية عمل المسيح منذ اعتماده في نهر الأردن إلى تجلّيه وآلامه. نحن نعرف أنّ الكتاب المقدس يصف ما قاله المسيح وما فعله وما عاناه من أجل خلاص الجنس البشري. إن هذا العيد يؤهّلنا لأمر أساسي فعلاً وهو رؤية هذا الوجه، أي ما قال المسيح وما فعل. بكلام آخر، إنّه يغطّي كل الأحداث الخريستولوجية من معمودية المسيح إلى تجلّيه. مما يظهر أهمية عيد نصف الخمسين، الذي فيه يُعيَّد للمسيح كحكمة الله، أنّ الكنائس التي تحمل اسم الحكمة الإلهية ليست مكرّسة على اسم أي قديس يحمل اسم "الحكمة"، بل هي مكرَّسة لحكمة الله التي هي المسيح. وبحسب دراسات مختلفة فإن هذه الكنائس تعيّد في نصف الخمسين. من الأمثلة النموذجية كنيسة الحكمة الإلهية (أيّا صوفيّا) في القسطنطينية التي تحمل اسم المسيح أي الحكمة الإلهية. وقد غدت هذه الكنيسة نموذجاً لكاتدرائيات أخرى أيضاً. وهكذا يظهر أن الإمبراطورية الرومانية كانت تتمركز حول كلمة الله وحكمته. فكل المسافات في الأمبراطورية الرومانية (البيزنطية) كانت تُقاس بدءً من كنيسة الحكمة الإلهية، ومن هنا نفهم دور كلمة الله وحكمته في حياة هذه الإمبراطورية. لهذا، إنّ فهم معنى هذا العيد السيدي وأهميته يساعدنا على فهم عمل المسيح أيضاً. يتزامن عيد نصف الخمسين مع عيد المظال اليهودي، الذي هو ثالث أعياد اليهود أهميةً، بعد الفصح والخمسين. يصف المؤرّخ اليهودي يوسيفوس هذا العيد بأنّه " فائق القداسة والأهمية عند اليهود". كان هذا العيد مُخصصاً لتذكّر إقامة اليهود في البرية في طريقهم من أرض مصر إلى أرض الميعاد. وإذا كان عيد الفصح قد خُصّص لتذكار عبور البحر الأحمر، وعيد الخمسين قد خُصّص لتذكار صعود موسى إلى جبل سيناء لتسلّم ناموس الله، فإن عيد المظال قد خُصّص ليتذكّر اليهود كيف حفظهم الله عجائبياً خلال رحلتهم إلى أرض الميعاد. سُميّ عيد المظال بسبب الطريقة التي كان يُحتَفَل بها. فقد كان اليهود ينصبون الخيام في الساحات وأفنية الدور وعلى سطوح منازلهم، ويقطنون فيها خلال فترة العيد التي تدوم سبع أيام. على ما يبدو، فإن اسم الاحتفال ومكانه كانا للاعتراف بحماية الله ووقايته لهم بالسحابة المنيرة خلال رحلتهم في الصحراء. إذا اعتبرنا أنّ كل ظهورات الله في العهد القديم هي ظهورات للكلمة غير المتجسّد، وبأن السحابة المنيرة كانت المسيح، نفهم أن عيد المظال اليهودي يشير إلى المسيح. لقد خُصّص عيد المظال اليهودي لله نفسه من خلال الوصية التي أعطاها لموسى. فقد قال له: "كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: فِي الْيَوْمِ الْخَامِسَ عَشَرَ مِنْ هذَا الشَّهْرِ السَّابعِ عِيدُ الْمَظَالِّ سَبْعَةَ أَيَّامٍ لِلرَّبِّ. فِي الْيَوْمِ الأَوَّلِ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ. عَمَلاً مَا مِنَ الشُّغْلِ لاَ تَعْمَلُوا. سَبْعَةَ أَيَّامٍ تُقَرِّبُونَ وَقُودًا لِلرَّبِّ. فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يَكُونُ لَكُمْ مَحْفَلٌ مُقَدَّسٌ تُقَرِّبُونَ وَقُودًا لِلرَّبِّ. إِنَّهُ اعْتِكَافٌ. كُلُّ عَمَلِ شُغْل لاَ تَعْمَلُوا." (لاويين 34:23-36). وبما أن العيد يتصادف أيضاً مع موسم جني الثمار فهم أيضاً يقدّمون الثمار كشكر لله مع أضاحيهم. وهكذا فقد سمّوه "عيد الحصاد" و"عيد الاجتماع". وقد كانوا يقيمون المهرجانات احتفالاً وبالتالي كان عيداً محبوباً جداً عندهم. لم تكن فكرة قضاء فترة العيد في خيام فكرتهم بل كانت وصية الله التي أُعطيَت أيضاً لموسى: "فِي مَظَالَّ تَسْكُنُونَ سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كُلُّ الْوَطَنِيِّينَ فِي إِسْرَائِيلَ يَسْكُنُونَ فِي الْمَظَالِّ. لِكَيْ تَعْلَمَ أَجْيَالُكُمْ أَنِّي فِي مَظَالَّ أَسْكَنْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ." (لاويين 42:23-43). ما يهمّنا من الأمور التي ذكرناها هو أنّ عملين رمزيين كانا يجريان خلال عيد المظال اليهودي. الأول، كانوا يقدّمون في كل صباح أضاحي بمحرَقات، وفي الوقت نفسه يحضر الكهنة ماءً من بركة سلوام، يمزجونه بالخمر ويسكبونه على المذبح حيث قُدِّمَت الأضاحي. هذا عنى سكب هبات الروح القدس، كما عنى الماء الذي شربه الإسرائيليون بشكل عجائبي خلال رحلتهم في الصحراء. ثانياً، خلال أول أيام العيد يشعلون القناديل في فناء النساء في الهيكل عند ضحية المساء، وكانت تُرى هذه القناديل من المدينة كلها لأنها كانت ترتفع إلى خمسين ذراعاً. حمل هذان الحدثان الرمزيان أهمية كبرى لأنهما أشارا إلى المسيح. إلى هذا، كان المسيح مَن أعطاهم الماء خلال رحلتهما في الصحراء بحسب كلمات الرسول بولس: "وَجَمِيعَهُمْ شَرِبُوا شَرَابًا وَاحِدًا رُوحِيًّا، لأَنَّهُمْ كَانُوا يَشْرَبُونَ مِنْ صَخْرَةٍ رُوحِيَّةٍ تَابِعَتِهِمْ، وَالصَّخْرَةُ كَانَتِ الْمَسِيحَ." (1كورنثوس 4:10). والمسيح كان السحابة المنيرة التي غطّتهم خلال النهار وأنارت في الليل، بحسب الرسول بولس: "أَنَّ آبَاءَنَا جَمِيعَهُمْ كَانُوا تَحْتَ السَّحَابَةِ، وَجَمِيعَهُمُ اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ، وَجَمِيعَهُمُ اعْتَمَدُوا لِمُوسَى فِي السَّحَابَةِ وَفِي الْبَحْرِ" (1كورثوس 1:10-2). المسيح، كونه كان يهودياً ولأنّه هو مَن أعطى الناموس في العهد القديم، فقد حفظ الناموس الذي أعطاه. إذاً، لقد احتفل أيضاً بعيد المظال كما وبالفصح. هذا كان أيضاً في إطار إفراغ الذات (kenosis) الإلهي. يحفظ الإنجيلي يوحنا حادثة زيارة المسيح للهيكل وما جرى هناك بينه وبين اليهود. لا يمكننا أن نقوم بتحليل مفصّل لهذا، لذا سوف نركّز على النقاط الأكثر أهمية ومعنى. يمكن تقسيم حضور المسيح في العيد إلى أربع مراحل. أول- عندما تبع يسوع إخوته، أبناء يوسف أبيه بالرعاية، إلى أورشليم ولكن "لاَ ظَاهِرًا بَلْ كَأَنَّهُ فِي الْخَفَاءِ." كان اليهود يبحثون عنه ربّما ليتّهموه بعدم حفظ ناموس موسى (يوحنا 10:7-13). ثانياً- لقد جعل حضوره محسوساً في الهيكل معلماً الناس "َلَمَّا كَانَ الْعِيدُ قَدِ انْتَصَفَ" (يوحنا 14:7-36). هذا يعني أنّه فيما كانوا في أورشليم خلال العيد، في منتصف الأيام السبعة، ظهر في الهيكل وعلّم الناس. إن اختياره لهذه الفترة من الزمن مُبَرّر لأنّه، من جهة، أراد أن يظهر غضب اليهود لأنّ عجائبه وتعاليمه أثارت اهتياجاً عظيماً في ما بينهم، ومن جهة أخرى، حتى يسمعوا له بانتباه، لأن عند بداية العيد كان من الطبيعي لهم أن يُحاطوا بالملهِيات (القديس ثيوفيلاكتوس). ثالثاً- عندما أعلن في اليوم الأخير من العيد بأنّه سوف يروي عطش الإنسان وحضّهم على المجيء إليه. في نهاية اليوم الأخير ذهب إلى جبل الزيتون (يوحنا 37:7-53). رابعاً- عندما عاد في صباح اليوم التالي إلى الهيكل. هذا سُميّ باليوم الثامن الذي به ينتهي عيد المظال. في ذلك اليوم أحضر الكتبة الفريسيون الزانيةَ إلى المسيح ليعرفوا ما سيكون موقفه. في ذلك اليوم علّم الشعب، في المقام الأول عن أنّه هو نور العالم وعن الحق الذي يحرر البشر (يوحنا 1:8-59). تظهر حقيقتان رائعتان من خلال كل هذه المحادثات التي شارك بها المسيح في عيد المظال والتي كانت لاهوتية وزاخرة بالكشف. أولاً، أن المسيح أعلن بشكل ثابت أنّه مساوٍ للآب في الشرف، وأنّ الآب أرسله إلى العالم، وأنّه ابن الله، المسيح-المسيا الذي انتظره اليهود. هذه حقيقة عظيمة من الإعلان. لقد شدّد بوضوح على أنّه مُرسَل من أبيه: "وَمِنْ نَفْسِي لَمْ آتِ، بَلِ الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ حَقٌ، الَّذِي أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ" (يوحنا 28:7). وفي مكان آخر قال: "أَنَا هُوَ الشَّاهِدُ لِنَفْسِي، وَيَشْهَدُ لِي الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي" (يوحنا 18:8). وبعد هذه الشهادة يظهر في كل تعليمه أنّه يقدّم المعالم التي لله، كمثل "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ" (يوحنا 37:7)، و"أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاة" (يوحنا 12:8). ثانياً، تظهر في كل هذه المحادثة ردّات فعل اليهود على أقوال المسيح الإعلانية. إجاباتهم هي دائماً أسئلة. في بعض الأحيان يشككون في ما يقوله، وفي أحيان أخرى يسألون أسئلة ساخرة استناداً إلى ناموس الله. لكن ردة فعلهم كانت إلى حد بعيد وكأنها لضربه وتعميته. فقد قالوا أن فيه شيطاناً: "أَلَسْنَا نَقُولُ حَسَنًا: إِنَّكَ سَامِرِيٌّ وَبِكَ شَيْطَانٌ؟" (يوحنا 48:8). في البداية أرادوا أن يأخذوه ولكن أحداً لم يستطع أن يلمسه لأن ساعته لم تكن قد أتت بعد (يوحنا 30:7). من ثمّ أرسل الكتبة والفريسيون الجند ليوقفوه، لكنهم لم يستطيعوا لأنّهم أُسِروا بأقواله (يوحنا 44:7-46). في النهاية حملوا الحجارة ليرجموه لأنّهم اعتبروا أنّه جدّف باعتباره نفسه مساوياً في الشرف لله الآب: "فَاخْتَفَى وَخَرَجَ مِنَ الْهَيْكَلِ مُجْتَازًا فِي وَسْطِهِمْ وَمَضَى هكَذَا." (يوحنا 59:8). لا ينبغي فهم عبارة يوحنا الإنجيلي "اختفى" على أنّه التجأ إلى أحد البيوت أو الزوايا، بل أنّه بسلطانه الإلهي أخفى نفسه عن نظر الذين كانوا يضمرون شراً له، مع أنّه مضى مجتازاً في وسطهم (القديس ثيوفيلكتوس). في هذا العرض السريع لما جرى خلال عيد المظال يمكننا أن نرى كلاً من ألوهية المسيح وردّة فعل اليهود، لأنهم عجزوا عن قبول وتحمّل فكرة أنّه منقذ إسرائيل المنتَظَر. هذا يظهِر أيضاً قساوة قلوبهم. علاوة على ذلك، يظهِر حقيقة استحالة أن يتعرّف الإنسان على المسيح إذا لم يكن قد تطهّر واستعدّ كما يليق، إذ من الممكن أن يتحوّل عدواً للمسيح عندما يعلن نفسه. في ما يلي سوف نجد تعليمين أساسيين للمسيح يظهران ألوهيته ويشكّلان حقيقتين خريستولوجيتين أساسيتين. تظهر الحقيقة الأولى في إعلانه بصوت عالٍ: "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ." (يوحنا 37:7-39). لقد سبق وشددنا على أن هذه الحقيقة مرتبطة بالعمل الرمزي الذي كان اليهود يقومون به خلال عيد المظال، حيث يسكبون المياه على مذبح التقدمات المحترقة. كان هذا العمل تعبيراً عن الشكر والامتنان من أبناء يهود ذاك الزمن لأن الله أروى عطشهم في الصحراء. فقد ضرب موسى صخرةً على جبل حوريب بعصاه، بحسب وصية الله، ما فجّر المياه وأشبع عطش الشعب الإسرائلي (خروج 1:17-7). إن تفسير الرسول بولس لهذا الحدث خريستولوجي صرف. فهو يقول في الإشارة إلى الخلاص العجائبي لشعب إسرائيل، أنّ الإسرائيليين شربوا من الصخرة الروحية التي رافقتهم وهذه الصخرة كانت المسيح (1كورنثوس 4:10). إلى هذا، كما أشرنا تكراراً في هذه الدراسة، ظهر كلمة الله لموسى ولكل الأنبياء كغير متجسّد. إن الكلمة غير المتجسّد، الذي أروى عطش اليهود في الصحراء وبنعمته قاموا بهذا العمل الرمزي، قد جاء إلى الهيكل وأعلن أنّه الماء الذي يشبع عطش الإنسان الروحي. إن هذا المجيء والإعلان عملان ذوا دلالات كثيرة. ومع هذا قد اصطدم بردة فعل أبناء "المنقَذين". تشير طروبارية عيد نصف الخمسين إلى هذا الحدث وإلى شخص المسيح بكلمات مفعمة بالحيوية حيث ننشد: "في انتصاف العيد اسقِ نفسي العطشى من مياه العبادة الحسنة أيها المخلّص. لأنّك هتفتَ نحو الكلّ قائلاً: مِن كان عطشاناً فليأتِ إليّ ويشرب، فيا ينبوع الحياة أيها المسيح المجد لك". وفي طروبارية مميزة جداً يظهر كاتبها على أنّه متوجع ومصاب بعطش مروع لا يحتمَل فيطلب الماء من المسيح الذي يمسك بوعاء العطايا: "يا مَن له كأس العطايا التي لا تفرَغ، امنحني أن أستقي ماءً لغفران الخطايا، لأني مضنوك عطشاً أيها المتحنن الشفوق وحدك" (إكسابستلاري العيد). من ناحية ثانية، لا يعلن المسيح فقط أنه الماء واليننبوع الحي بل، في الوقت نفسه، يشدد على أن كلّ مَن يؤمن به "تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ" (يوحنا 38:7). وكما يشرح الإنجيلي، هذا يتعلّق بعطية الروح القدس والإله الثالوثي بشكل عام، ومَن يتقبّلها يصير لاهوتياً إذ سوف يمارس اللاهوت بكلّ كيانه. يفهَم مفسّرو الكتاب المقدس كلمة "بطن" بأنها تعني قلب الإنسان. في العهد القديم، لا تعني هذه الكلمة المعدة، بل الإنسان الداخلي المحدد بالقلب. يقول داود "أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ، وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي" (مزمور 8:40) أي في قلبي. على المنوال نفسه لا يتحدّث المسيح عن نهر، بل عن أنهار ماء حي، أي نعمة الروح القدس الغزيرة. وهكذا، كل نفس يدخلها الروح القدس ويتثبت فيها، تتدفق منها مياه غزيرة كما من ينبوع. الرسل الذين وُسموا بحكمة الله التي لا تقاوَم هم مثال على ذلك (القديس ثيوفيلكتوس). تظهر مساواة المسيح بالشرف مع الروح القدس في كلامه، فكونه تكلّم عن المساواة بالشرف مع الآب كان عليه أن يتكلّم عن الأمر نفسه مع الروح القدس. إن عطية الروح القدس التي يعطيها المسيح للناس لكي يخمد عطشهم هي بالحقيقة إرساله الروح القدس إلى العالم وظهوره الفعلي. ليس اللاهوت دراسات وأطروحات، ولا هو معرفة عقلية، بل هو المشاركة في عطايا الروح القدس. الحقيقة العظيمة الثانية التي يظهرها المسيح لليهود في عيد المظال هي أنّه نور العالم "أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ" (يوحنا 12:8). يرتبط هذا الإعلان بالسحابة المنيرة التي رافقت الإسرائيليين في الصحراء، وقد كانت المسيح. بالفعل يتذكّر الإسرائيليون هذا الحدث العجائبي كل سنة في عيد المظال بإشعال النيران. الأمر المحزِن هو أنّه بالرغم من أنّهم كانوا يحتفلون بهذا الحدث العجائي فقد تفاعلوا ضد المسيح الذي كان وما يزال السحابة المنيرة، وحتى أنّهم حاولوا قتله. يظهر أن المعايير الروحية والأوضاع الداخلية تلعب دوراً مهماً في التعرف إلى المسيح. لا يكفي الالتقاء به، بل على الإنسان أن يتعرّف إليه ويدخل في شركة معه. المسيح ليس نوراً مخلوقاً مُدرَكاَ بالحواس، ولا هو نور رمزي، كما أنّه ليس نوراً أخلاقياً على ما يرغب البعض في تصويره. النور الإلهي هو قوته غير المخلوقة التي متى أعطي للناس أن يروها، بعد أن يتطهروا، يرونها كنور. إنّه النور الحقيقي للعالم. هنا ليس المكان المناسب للمعالجة الشاملة لموضوع أن الله نور العالم وما هو النور، فهذا نتطرق إليه في فصل شرح عيد تجلّي المسيح على طور ثابور. هنا علينا أن نشدد على أمرين أساسيين. الأول، أن هذا النور مرتبط بالحياة. ففي الحديث عن الحياة لا نعني حياة الإنسان البيولوجية والعاطفية، بل تألّهه. مَن يرَ النور الإلهي ينتقل من ظلام النوس إلى الحياة التي هي استنارة وتألّه. بما أن النور الإلهي ليس أخلاقياً ولا رمزياً ولا مُدرَكاً للحواس، هذا يعني أن الظلام ليس أخلاقياً ولا رمزياً ولا مُدرَكاً للحواس، بل هو ظلام النوس أي موت عين النفس. ثانياً، لكي يُرى الله كنور، على الإنسان أن يكون في حالة روحية محددة وإلا فهو يراه كنار آكلة. يُختَبَر الله إمّا كنار تأسر النفس أو كنار تأكلها. في هذا تكمن رحلة الإنسان النسكية كاملةً. لقد قلنا في البداية أيضاً أن عيد نصف الخمسين هو عيد حكمة الله الذي هو كلمة الله. وبدل أن نعالج النصوص التي تتكلّم عن المسيح كحكمة الله، علينا أن ننظر للحظة إلى كل الإشارة المعاصرة لموضوع الصوفيولوجي (علم الحكمة). يتكلّم الكتاب المقدّس، بعهديه القديم والجديد، عن حكمة الله. بعض المفكرين الروس الشباب، في محاولة لتفسير هذه النصوص، عزوا إلى الحكمة (Sophia) صفة غنوصية، ويمكن القول بأنها من مدرسة القول بوحدة الوجود (pantheistic). بولغاكوف هو مَن قام بأهم اجتهاد في هذه النظريات واستعمل نوعاً من اللغة الفلسفية-اللاهوتية والغنوصية. لم يماهِ الحكمة بالمسيح بل ماهاها بجوهر الله بشكل أساسي. فهو رأى أنّ الحكمة هي فكرة الله، اسم الله، المحبة، الأنثوية الخالدة... تماماً مثما تكلّم الصوفيولوجيون قبله. وفي كلامه بطريقة مجرّدة عن حكمة الله، اتُّهِم بأنّه يضيف شخصاً رابعاً إلى الثالوث القدوس، أي أنّه يضيف إلى الإله الثالوثي (الآب والابن والروح القدس) شخصاً رابعاً هو حكمة الله. إلى هذا، فالصوفيولوجيون السابقون، الذين تأثّر بهم، كانوا يصفون حكمة الله بطريقة شاعرية مثل "أنثى فائقة الجمال، محبة خالدة"... في ردّه على هذه التهمة ميّز بولغاكوف بين الأقنوم والصفة الأقنومية التي تشير إلى حكمة الله. وفي هذا أيضاً ارتكب خطأً كبيراً أيضاً. في نظام بولغاكوف الصوفيولوجي، تتماهى حكمة الله أحياناً مع الله، أحياناً أخرى مع العلم، وأحياناً هي كائن وسيط بين الله والعالم. هذا يظهر مدى غياب الثقة في هذه الآراء. عندما تتماهى الحكمة مع العالم، يكون عندنا نوع من وحدة الوجود، وعندما تكون كائناً وسيطاً بين الله والعالم، يكون عندنا غنوصية، كونها تقود إلى نظرية خلق العالم من خلال دفق من الآلهة الوسيطة الصغيرة، ومن بينها كلمة الله. لقد أدان سرجيوس بطريرك موسكو، ومعه مجمع الأساقفة الروسي، هذه الاراء. لا يمكن لهذه النظرية أن تقوم لأن كلمة "حكمة" إذا لم تُشِر إلى الفكر والتمييز وغيرها، فهي تُنسَب إلى ابن الله وكلمته، الذي هو الحكمة متشخصنة. إذاً إنها أقنوم محدّد يتوسّط بين الله والكون، وليست حالة مجردة، بل هي ابن الله وكلمته. إن حكمة الله هي أقنوم، إنها الشخص الثاني من الثالوث القدوس. في كل التقليد الكتابي-الآبائي، تحمل كلمة "حكمة" صفة أقنومية وتشير إلى ابن الله وكلمته الذي صار إنساناً لخلاص جنس البشر. أريد أن أشير إلى مقطع أساسي يستعمله آباء الكنيسة كثيراً من عند الرسول بولس: "لأَنَّ الْيَهُودَ يَسْأَلُونَ آيَةً، وَالْيُونَانِيِّينَ يَطْلُبُونَ حِكْمَةً، وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ." (1كورنثوس 22:1-24). يتحدث العهد القديم عن الحكمة الأقنوم أي كلمة الله. في حكمة سليمان مقطع مميز، حيث يصلّي سليمان إلى إله الآباء ورب الرحمة لأن يرسل إليه حكمته. في قراءة هذه الصلاة بتأنٍ نقتنع بأنها تتحدث عن الحكمة الأقنوم ابن الله وكلمته الذي به خُلق العالم وخلُص الجنس البشري والخليقة تجددت. في المكان الأول، ثمّة تشديد قوي على حكمة غير مجردة بل حكمة تجلس عند الله: "هَبْ لي الحكمة الجالسة إلى عرشك" (حكمة 4:9). هذه الحكمة تجلس على عرش الله وتقدر على مساعدة الإنسان: "أرسِلْها من السماوات المقدّسة وابعثها من عرش مجدك لكي تقف إلى جانبي وتجدّ معي وأعلم ما المرضي لديك" (10:9). الحكمة تعرف كلّ شيء وتقود الإنسان إلى أعماله: "فإنّها تعلم وتفهم كلّ شيء فتكون لي في افعالي مرشداً فطيناً وبمجدها تحميني" (11:9). بهذه الحكمة خلق الله العالم. "مكوّن الإنسان بحكمتك" (2:9). حكمة الله المتشخصنة هي دائماً متّحدة بالله، تعرف إرادته، وتشاركه في خلق العام: "معك الحكمة العليمة بأعمالك والتي كانت حاضرة حين صنعتَ العالم" (9:9). وبالتأكيد، خلاص الإنسان يتحقق بها: "بالحكمة نلنا الخلاص" (19:9). يظهر بوضوح من الدراسة المتأنّية لهذه النصوص التي أوردناها، أي صلاة سليمان إلى الله، أنّ حكمة الله هي شخص، مساعد لله، وكلمة الله. عند تفسير هذه المقاطع على أساس العهد الجديد، الذي فيه كشف الكلمة المتجسّد الحقيقة، يرى المرء الحقّ، الذي هو الحكمة متمثلة في شخص. يتحدّث كتاب الأمثال عن حكمة الله، كلمة الله، التي بنت بيتها ودعّمته بسبع أعمدة. من ثمّ هيأت مائدة وذبحت ذبحها وسكبت خمرها في جرّة. من ثمّ دعت كثيرين من أتباعها إلى هذه المائدة العظيمة قائلة: "هَلُمُّوا كُلُوا مِنْ طَعَامِي، وَاشْرَبُوا مِنَ الْخَمْرِ الَّتِي مَزَجْتُهَا." (حكمة 1:9-6). في هذا المقطع نبوءة عن حكمة الله الذي هو ابن الله وكلمته، عن اتخاذه جسداً وتقديسه، تأسيس الكنيسة التي فيها الأسرار، وبالحقيقة فوق كل هذا، سر الإفخارستيا المقدسة. مَن يشترك في هذه المائدة يأكل جسد أسرة الحكمة ويشرب دمها، أي أنه يتّحد بكلمة الله الأقنومية. في تفسير هذه المقاطع التي تشير إلى حكمة الله، يعلّم آباء الكنيسة أنّها بوضوح تدور حول المسيح. لن أورِد كل المقاطع، بل الأكثر دلالة منها فقط. رداً على آريوس، الذي قال أن المسيح كان خليقة الله وتقدّم مع مرور الزمن في الحكمة والنعمة، قال القديس أثناسيوس الكبير أنّه ليس هناك تقدّم في اللوغوس ولا الجسد الذي اتخذه المسيح كان الحكمة، بل كان جسد الحكمة. لهذا يقول أن الحكمة لم تتكمّل لأنها الحكمة، بل الجسد البشري صار كاملاً في الحكمة. هذا يرتبط بما قلناه في مكان آخر بأن الحكمة التي في المسيح استبانَت مع التقدّم في عمره الجسدي. وعند نقطة أخرى، يقول بطل الأرثوذكسية العظيم، القديس أثناسيوس الكبير، أنّ ابن الله هو كلمة الله وهو الحكمة. إنّه التعقّل والإرادة الحيّة، وفيه إرادة الآب، هو حق الآب ونوره وقدرته. في تفسيره كلمات الأمثال "الحكمة بنت لنفسها بيتاً"، يقول أنّ هذه تشير أيضاً إلى المسيحيين الذين يصبحون هياكلاً للروح القدس. أخيراً، في كتابته ضد أريوس الذي شدّد على مخلوقيّة كمة الله، يشير القديس أثناسيوس مرات عديدة إلى أقوال الرسول بولس بأن المسيح هو حكمة الله المتجسدة. يستعمل القديس باسيليوس الكبير، في جهاده ضد أفنوميوس، القول الرسولي بأن المسيح هو حكمة الله، فيقول أن هذه الجملة تعني أن كل قوة الآب تكمن في المسيح، وبالتالي كلّ ما يفعله الآب يفعله الابن بالطريقة نفسها. يفسّر الآباء المقاطع الصوفيولوجية في الكتاب ضمن هذا المنظور. يتحدّث القديس كيرللس الأورشليمي عن "حكمة الله وقوته وبرّه المتجسّد". يقول القديس أبيفانيوس: "حكمة الآب هو كلمة الله المتجسّد". في إشارته إلى العذراء، يقول القديس يوحنا الدمشقي "والكلمة المتجسّد وحكمة الله، ابن الله، ظلّلها". وفي إشارة إلى والدة الإله، يقول صوفرونيوس الأورشليمي "التي وحدها حملت حكمة الله المتجسّد في بطنها". ولديديموس الأعمى قولٌٌ مهمّ في أنّه "يستحيل اقتناء النور إلاّ من النور، كذلك أيضاً يستحيل اقتناء الحكمة إلاّ من الحكيم، أي الابن من الآب". هذه الأمور ليست صوفيولوجيا مجردة تدور حول حكمة مجهولة، ولا هي حتى شيء يشير إلى قوة الله، بل حكمة الله المتجدة أي ابن الله وكلمته. في العهد القديم نبوءات عن تجسد الكلمة غير المتجسّد، وفي العهد الجديد امتداح له وتمجيد وحياة. بما أن المسيح هو حكمة الله المتجسّد، فأقواله هي تعبير عن هذه الحكمة. المسيح هو الكلمة (مع "أل" التعرّيف) أي كلمة الله، لأنّه يعلن مشورة الله الآب وإرادته، ولأنه مولود من الآب كما الكلمة من النوس. في الوقت نفسه، قوله، أي وعظه، تعليمه، هو تعبير وقوة كلمة الله وحكمته. قوله ليس قولاً بشرياً بل هو بشري إلهي. لهذا السبب تساهم كلمة الكلمة في شفاء الإنسان، على ما أكّد هو: "أَنْتُمُ الآنَ أَنْقِيَاءُ لِسَبَبِ الْكَلاَمِ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ" (يوحنا 3:15). إن كلمة الله هي قوته غير المخلوقة التي تطهّر وتنير وتقدّس الإنسان وبها يخلق الله العالم كله ويصونه. يقول المزمور "بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ" (مزمور 6:33). بالفعل، نحن لا نجهل أننا عندما نتكلّم عن كلمة الله (بمعنى قوله) نحن نعني أمرين، قوته غير المخلوقة، الكلمات والمعاني غير المنطوق بها، والثاني هو نقل الخبرة الإعلانية من خلال التعليم. في كل كلمة بشرية قوة مخبأة لأنها تعبّر عن الخبرة والمعرفة والقدرات الخاصة بكل شخص. هذا صحيح بالأكثر مع كلمة الله. كلمات المسيح نقلت، وما زالت تنقل، قوته غير المخلوقة. المسيح نفسه قال أن مَن يحفظ وصاياه يحبه الآب "وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً" (يوحنا 21:14-23). يقول القديس مكسيموس المعترف شارحاً هذه النقطة أن كلمة الله نفسه حاضر سرياً في كل وصية يعطيها. لكنّه معروف أن كلمة الله لا ينفصل عن الآب والروح القدس. لهذا مَن يحفظ كلمة المسيح يحصل على الثالوث في داخله ويشارك فيه سرياً. إذاً، تعاليم المسيح هي "كلمات الحياة الأبدية" (يوحنا 68:6)، وليست مجرد تعليم. الكلمة غير المتجسد أعطى الكلمة لأنبياء العهد القديم ولهذا هو مألوف قولهم "هكذا قال الرب". من ناحية ثانية، لا يتكلّم المسيح بهذه الطريقة بل يقول "أمّا انا فأقول". وعندما تجد هذه الكلمة تربة ملائمة تثمر. المسيح كشف إرادة الآب. فكما أن للبذرة إمكانية وقدرة عظيمتين لأن ينبت منها شجرة ضخمة، كذلك لكلمة الله إمكانية وقدرة عظيمتين. إلى هذا، يوجد فرق بين القوة المخلوقة والقوة غير المخلوقة. يخبرنا القديس مكاريوس أن كلمة الله ليست كسولة "بل لديها عمل حين تصبح في التربة". لهذا مَن يسمع كلمة المسيح "ينير المسيح طريقه"، بحسب القديس ثالاسيوس. إن الصفة النفّاذة لكلمة الله تعود لكونها بالتحديد قوته غير المخلوقة، وهذا يظهر في مقطع مدهش من عند الرسول بولس: "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ. وَلَيْسَتْ خَلِيقَةٌ غَيْرَ ظَاهِرَةٍ قُدَّامَهُ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ عُرْيَانٌ وَمَكْشُوفٌ لِعَيْنَيْ ذلِكَ الَّذِي مَعَهُ أَمْرُنَا" (عبرانيين 12:4-13). لا يمكن شرح هذا المقطع إلا بربطه بكلمة الله وقوته. السؤال هو لماذا لا تعمل كلمة الله في كل الناس بالطريقة ذاتها. هذا يرتبط بأن النعمة الإلهية تعمل في الناس بشكل مختلف بحسب الحالة الروحية لكل منهم. يقول القديس مكسيموس بأن هنا أيضاً شيء مماثل لما هو الماء الحقيقي للنباتات والحيوانات. يدخل الماء في كل ما عنده حياة لكنه يؤدي إلى نتائج مختلفة. لكل شجرة ونبتة ثمرتها الخاصة، حلاوتها، مرارتها، حموضتها، مع أنها جميعاً تلقت الماء نفسه. هذا يتوقّف على تركيبة كل نبات. وهكذا تعمل الكلمة الإلهية وتظهر بما يتناسب مع نوعية فضيلة كل شخص ومعرفته، أي عملياً ومعرفياً. إذا كان المرء دنساً، تطهره كلمة الله، إذا كان في طور الاستنارة أو التألّه، تنيره وتؤلهه. هذا يفسّر معنى أن البعض يخلصون لسماعهم كلمة الله فيما يُدان آخرون. تقدّم لنا الأمثال مثالاً مميزاً عن هذه الظاهرة. لم يتكلّم المسيح بأمثال لكي يجعل كلامه أكثر وضوحاً، بل بالضبط لكي يحجب الحقائق العظيمة، أي أن الانطباع بأن المسيح كان يتكلّم ببساطة لكي يفهم بسطاء زمانه ليس صحيحاً. عندما أورد المسيح مثل البذار، لم يفهم اليهود معنى المثل ومحتواه العميق. وعندما اقترب التلاميذ ليسألوه معنى هذا المثل قال لهم: "لَكُمْ قَدْ أُعْطِيَ أَنْ تَعْرِفُوا أَسْرَارَ مَلَكُوتِ اللهِ، وَأَمَّا لِلْبَاقِينَ فَبِأَمْثَال، حَتَّى إِنَّهُمْ مُبْصِرِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَسَامِعِينَ لاَ يَفْهَمُونَ." (لوقا 9:8-10). يبدو واضحاً أن الصور في الأمثال استُعملَت لتخفي معاني الأمثال التي كانت تُشرَح للتلاميذ المهيئين لها. القديس ثيوفلكتوس، في تفسيره لهذه النقطة، يقول أن التلاميذ كانوا مستحقين لمعرفة أسرار ملكوت السماوات، بينما الآخرون كانوا يُخبَّرون "على نحو غامض"، حتى إذا ما رأوا وسمعوا لا يستوعبون المعنى. لكن المسيح فعل هذا ليس من باب الانتقائية، بل من باب المحبة والعناية. فلأنه كان يعرف أنهم سوف يزدرون أسرار الملكوت بعد أن يعرفوها، فقد أخفاها "حتى لا تزيد دينونتهم". إذاً نرى من مثل البذار أن البعض، مثل الجموع، يسمعون كلمة الله في الأمثال، وآخرون، مثل التلاميذ، يعرفون أسرار ملكوت الله، وغيرهم، مثل التلاميذ الثلاثة الذين صعدوا على طور ثابور، يرون المسيح المتجلّي. يتوقّف الأمر على حالة المستمعين الروحية. تأتي كلمة الله كوصايا لخلاص الإنسان. هناك انطباع بأن وصايا الله هي تركيبات شرعية تحدّ من حرية الإنسان. ولكن بعد كل ما رأينا عن كلمة الله التي هي قوة إلهية، يظهر أن الوصايا تشفي الإنسان وتعطيه الصحّة. المسيح الذي هو النموذج الأول لخلق الإنسان، يعرف كيف خلقه وإلى أي حالة قادته الخطيئة. عادةً نحن لا ندرك هذه الحالة، بالتحديد لأننا لا نعرف صورتنا الأصلية، أي كيف كان آدم في الفردوس. لهذا يقول القديس غريغوريوس السينائي أنه لو لم نعرف كيف خلقنا الله لما كنا استطعنا أن نفهم كيف حطمتنا الخطيئة. من خلال وصايا المسيح، التي أعطاها في العهدين القديم والجديد، يُرجى أن يُعاد الإنسان إلى حالته السابقة وأن يُقاد إلى أعلى. إذاً، تفترض وصايا الله أن الإنسان مريض وعلى أساس معرفة عمل الكائن البشري تساعده على الانتقال من المرض إلى الصحّة. هنا أيضاً تشبه حين يعطينا الطبيب وصايا، فهي لا تجرّد الإنسان من الحرية بل تنمّيها وتطورها. إي حرية للمريض؟ يحدّ مرض جسده كل حرياته وحركاته. يعلّم القديس يوحنا الدمشقي أننا عادةً نفتكر بأننا نحفظ وصايا الله، وأنها تحصرنا، لكن في الحقيقية الوصايا تحمينا. مَن يحفظ وصايا الله لا يحافظ عليها، وعلاوة على ذلك، لا تحتاج الوصايا للحفاظ عليها، بل هو المحفوظ والمحمي من الأعداء المنظورين وغير المنظورين الذين يتآمرون على حياة نفوسنا وأجسادنا. إذاً مَن يحفظ الوصايا ليس فقط محفوظاً بنعمة الله، بل في الوقت نفسه لا يخسر الغنى الذي عهد به الله إليه. تعليم المسيح، كما ذكرنا، هو قوة الله، وفوق هذا هو قوة تشفي الإنسان. إذاً نحن ندرس كلمة الله المحتواة في الكتاب المقدس ولذلك تقرأ الكنيسة الأناجيل والرسائل في القداس الإلهي، كما أن نصوص العهد القديم تُقرأ في السهرانية والخدم الأخرى. عظة المسيح على الجبل، كلماته قبل كلّ معجزة وبعدها، كل الوصايا التي أعطاها بنفسه إلى التلاميذ والرسل، كلمات التلاميذ والآباء القديسين، كلّها رائعة لأن المسيح تكلّم عبرها. تظهر حقيقة كون كلمة الله قوة، من تأثيرها على المعجزات التي قام بها المسيح. كما أن الله قال "ليكن نور" كان النور (تكوين 3:1)، كذلك تماماً أنجز هو أموراً رائعة تُسمّى علامات وعجائب، أي معجزات. لم يقم المسيح بأي شيء من دون سبب وهدف. في دراسة الأناجيل المقدسة نكتشف أنّه أحياناً تكلّم، وكغطاء للتصديق على كلامه أتمّ العجائب، وأحياناً أخرى أنجز المعجزة ومن ثم كشف حقيقة لاهوتية مهمة. سوف أشير إلى بعض الأمثلة المميزة التي تثبت هذه الحقيقة. كشف المسيح في العظة على الجبل حقائق عظيمة معروفة جداً. في تفسيره لهذه النقطة، يقول القديس يوحنا الذهبي الفم أنّ عند تفحّص المرء للأناجيل بتأنٍ، يكتشف أنّ المسيح قبل صعوده إلى الجبل لتعليم الناس، شفى كثيرين وبهذا هيّأ اليهود لما سوف يخبرهم به. وهكذا كانت العجائب التي سبقت التعليم مهيِئة له، والعجائب التي تبعت العظة لتثبيت ما سمعوه. ثمّة تمييز في الأناجيل بين العلامات والمعجزات. المعجزة الحقيقية هي غفران الخطايا، لأن لا أحد غير المسيح يستطيع ذلك. كما يقول القديس يوحنا الدمشقي، ما من أحد من بطاركة العهد القديم وأبراره، بمعزل عن شركتهم مع الله والنعمة الخاصة التي كانت لهم، استطاع أن يغفر الخطايا. هذا عمل المسيح لأنّه الإله الحقيقي. لهذا، إن غفران الخطايا هو المعجزة العظمى التي تثير الإعجاب. من ناحية ثانية، بما أن اليهود شكّوا في هذه الإمكانية، فقد أتمّ العلامة بعد الغفران، فشفى الجسد ليؤكّد أنّه قادر على شفاء صحة النفس. يظهر هذا بوضوح في معجزة المخلّع، أولاً غفر خطاياه وعندما شكّك اليهود بهذا شفى الجسد "«وَلكِنْ لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لابْنِ الإِنْسَانِ سُلْطَانًا عَلَى الأَرْضِ أَنْ يَغْفِرَ الْخَطَايَا». حِينَئِذٍ قَالَ لِلْمَفْلُوجِ:«قُمِ احْمِلْ فِرَاشَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ!»" (متى 6:9). لم يأتِ المسيح إلى العالم ليتمّ العجائب مع أنّه تأثّر بألم الناس وتشوشهم، لكنّه أتّمها لكي يفهم اليهود أنّه أتى ليخلّصهم من الخطيئة والموت والشيطان. لم يأتِ المسيح ليشفي أجسادهم فقط بل ليرعى أنفسهم إلى الفلسفة. الفرق بين شفاء النفس وشفاء الجسد هو على نفس القدر من الأهمية كالفرق بين النفس والجسد. لكن شفاء النفس هو الأعظم والأكثر غموضاً، فيما شفاء الجسد أكثر جلاءً وظهوراً. لهذا يقوم المسيح بما هو جلي وواضح، أي العجائب، لكي يبرهن ما هو أكثر عظمة وأقلّ ظهوراً، أي غفران الخطايا وخلاص الإنسان (القديس يوحنا الذهبي الفم). في حالات شفاء الأرواح النجسة، كان المسيح أكثر اهتماماً بإفهام اليهود، من جهة بوجود الأرواح الشريرة، ومن جهة أخرى بأنّ سلطانه هو أقوى من هذه الأرواح. بحسب القديس غريغوريوس بالاماس، يخرج المسيح الأرواح من الممسوسين لكي نفهم أنّه هو الذي يخرج الشياطين ويمنحنا الحرية الأبدية. لهذا نصح القديس يوحنا الذهبي الفم: "لا تطلبوا العلامات بل خلاص النفوس". ومن ناحية أخرى، غالباً ما يكون في العلامات شبهة التخيّل، أي قد يتمّ تفسيرها بطريقة مختلفة، ويمكن للشياطين أيضاً أن تنجز عجائب بتدبير إلهي، لكنها مختلفة عن تلك المتلازمة مع الحياة الطاهرة التي تسكِت كل الذين يرون الإنسان الموسوم بالفضيلة. لهذا السبب أيضاً، العلامات وأشفية الجسد هي لغير المؤمنين وليست للمؤمنين (القديس يوحنا الذهبي الفم). تظهر العلاقة بين تعليم المسيح وعجائبه في الكثير من العلامات. لقد شفى العمى ومن ثمّ أعلن أنّه نور العالم. لقد أشبع خمسة آلاف بخمس أرغفة وسمكتين ومن ثمّ أعلن أنّه الخبز النازل من السماء، فيما كان يتحدّث فعلياً عن الإفخارستيا المقدسة. لقد ظهر للمرأة السامرية وفي الوقت نفسه كشف أنّه الماء الحي. أقام لعازر والآخرَين، ابنة ياييرس وابن أرملة نايين، وأعلن أنّه القيامة والحياة. يمكننا إيجاد هذه الصلات والارتباطات من بداية الأناجيل إلى نهايتها. يلاحظ القديس يوحنا الذهبي الفم أن المسيح لم بثبت على واحد فقط من التعليم أو إنجاز المعجزات بل كان يستعمل هذا أو ذاك ليقدّم الخلاص. وهكذا، في بعض الأحيان أراد أن يظهر كمعلّم ذي سلطان بالعلامات التي أنجزها، وفي أحيان أخرى أراد من خلال تعليمه أن يزيد فائدة العلامات التي أنجزها. وهكذا فإن لعجائبه كما لتعليمه الصفة الخلاصية. يرى القديس نيقولا كاباسيلاس في الصلوات الليتورجية نبالة آلام المسيح التي من خلالها تحقق خلاص البشر. نحن نعرف أن في الأنافورا الجملة التالية: "ذاكرين أوامر الخلاص وكل الأمور التي صارت لنا: الصليب والقبر والقيامة في اليوم الثالث والصعود إلى السماوات والجلوس عن الميامن والمجيء الثاني المجيد..." نحن نرى هنا أن الآلام والصليب والقيامة والصعود والمجيء الثاني التي نتذكّرها ليست العجائب. يقول نيقولا كاباسيلاس أننا في هذا لا نتذكّر المعجزات، لأن الآلام والصليب أكثر أهمية منها لأنها أعمال الخلاص التي بدونها لم يكن الإنسان ليقوم، بينما المعجزات هي مجرد دلالات على الخلاص وليست منتِجَة له ما يعني أن اليهود كانوا قادرين أن يؤمنوا بأن المسيح كان المخلّص الذي انتظروه. لقد تحدّثنا سابقاً عن كلمة الله، أي قوة الله غير المخلوقة، وأيضاً عن العلاقة بين كلمة الله والمعجزات. الآن علينا أن نذكر بعض الأشياء حول المعجزات التي قام بها المسيح أي أن ندرس قيمتها وصفتها اللاهوتيتين. يرى البعض أن العجائب هي استبعاد للقانون الطبيعي، أي أنهم يرون أن الله حين خلق العالم وضع القوانين الطبيعية في خليقته وعندما تتم المعجزات تُعلَّق هذه القوانين. هذه النظرة ساقطة لاهوتياً. أولاً، علينا أن نذكر أن عند آباء الكنيسة عقيدتين أساسيتين حول خلق العالم وعلاقة الله به. الأولى هي أنّ الله خلق العالم من العدم، والأَولى أنّه يوجهه لا بوسائل مخلوقة بل بقوته غير المخلوقة. هذا يعني أنّه لا يوجد قوانين طبيعية تسوس الخليقة أي أن الله لم يخلق العالم ويتركه لقدره، بل هو شخصياً يديره بقوته غير المخلوقة المتماسكة المعتنية. لا يوجد قوانين طبيعية في الخليقة بل هناك قوانين روحية، وهي القوة الإلهية. إذا لم نرَ الأمور بهذا المنظار نغرّب الله عن العالم أو ننسب الحاجة إلى الله. لقد شدّد المسيح دائماً على أن الآب السماوي يعمل، فهو يطعِم طيور السماء ويلبِس الأرض (متى 26:6-28)، وهو يهتمّ بكل شيء. عندما يكون هناك بعض الأمور التي تتكرر بطريقة طبيعية فهذا لا يعود إلى قانون طبيعي بل إلى جدارة القوة الإلهية، أي أن الله يريد أن يتصرّف بالطريقة نفسها دائماً. من هنا أن العجائب ليست خرقاً للقوانين الطبيعية، وكأن الله يشكك بنفسه، بل فيما هو يعمل دائماً بطريقة ما، في لحظة محددة ينجز المعجزة بطريقة مختلفة. إنّها مسألة تدخل شخصي من الله في العالم، كما يفعل دائماً، كل مرة بطريقة مختلفة. مع هذا، في الحديث عن معجزات المسيح والذين ارتبطوا به، علينا أن نلاحظ نقطتين. الأولى هي، بما أن المسيح هو إنسان كامل وإله كامل، والطبيعة البشرية التي اتخذها من العذراء تقدّست منذ لحظة الحَبَل الأولى، فهو قادر دائماً على القيام بالمعجزات، حتى منذ الولادة. لكن لم يكن مفترضاً به أن يقوم بالعجائب في عمر مبكر حتى لا يظنوا أنّه ليس بشرياً. لهذا كان هناك حَبَلٌ لفترة تسعة أشهر وولادة ورضاعة ومرور هادئ للزمن، وقد انتظر إلى العمر المناسب ليبدأ عمله بين البشر. وقد قام بكل هذا ليكون سر التدبير مقبول (القديس يوحنا الذهبي الفم). النقطة الثانية هي أن العجائب التي يقوم بها القديسون هي قوى للنعمة الإلهية التي تعمل من خلالهم. القديسون هم مساكن للإله الثالوثي، والله يعمل المعجزات من خلالهم. ثمّة أناس يعتقدون أن عطية عمل المعجزات هي الأكثر بركة، لكنهم لا يعرفون أنّ هناك الكثير من العطايا الأعظم منها لكنها مخبأة. وبما أنها مخفية تبقى حرة من الزلل (القديس يوحنا السلمي). إن تجديد نفس الإنسان وتطهره واستنارته وتألهه ومعاينة النور غير المخلوق واللاهوت كعطية من النعمة هي أعلى من نعمة عمل العجائب. الأمر نفسه يحصل هنا كما مع المسيح، العجيبة أو العلامة هي تثبيت لأنّه مخلص البشر، وأيضاً نعمة عمل العجائب عند الناس هي برهان على أنهم مساكن للإله الثالوثي. لهذا السبب، نعتبر الرفات التي تنضح الطيب وتنجز العجائب كبرهان على قداس |
||||