![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 46581 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() المحبة التى يمنحها الروح القدس تتجه أساساً نحو الله، ولكنها تتسع لتشمل الخليقة كلها. بمعنى أنها تشمل أيضاً الملائكة والبشر. فالوصية الإلهية الأولى هى محبة الله، والثانية مثلها هى محبة القريب وبهذا يكمل الناموس والأنبياء “تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك. هذه هى الوصية الأولى والعظمى. والثانية مثلها تحب قريبك كنفسك. بهاتين الوصيتين يتعلق الناموس كله والأنبياء” (مت22: 36-40). وقد أكّد القديس يوحنا الرسول أن المحبة لا تتجزأ، أى أن من يحب الله بالمحبة الفائقة الممنوحة من الروح القدس ويسعد بهذه المحبة، فإنه سوف يحب الإخوة بطريقة تلقائية لأن نفس العطية الإلهية تعمل فى الحالتين، ولهذا قال: “نحن نعلم أننا قد انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الإخوة، ومن لا يحب أخاه يبقَ فى الموت” (1يو3: 14). وقال أيضاً: “أيها الأحباء لنحب بعضنا بعضاً لأن المحبة هى من الله، وكل من يحب فقد وُلد من الله ويعرف الله. ومن لا يُحب لم يعرف الله لأن الله محبة” (1يو4: 7، 8). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 46582 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() فى الطريق إلى جبل الزيتون، حيث بستان جثسيمانى، ابتدأ السيد المسيح يكشف لتلاميذه ما سوف يحيط بهم من ضعف بعد القبض عليه، وبداية آلامه ومحاكمته تمهيداً لصلبه.. قال لهم: “كلكم تشكون فىّ فى هذه الليلة، لأنه مكتوب أنى أضرب الراعى فتتبدد خراف الرعية” (مت26: 31). وهنا بدأ بطرس يعترض بثقة زائدة فى النفس، ويستثنى نفسه من بين التلاميذ فقال: “وإن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك أبداً” (مت26: 33). لم يغضب السيد المسيح من اعتراض بطرس على كلامه، الذى بدا وكأنه لا يريد أن يصدق كلام الرب الذى لا يسقط أبداً. فالسماء والأرض يزولان ولكن كلامه لا يزول (انظر مت24: 35). بل أجاب السيد المسيح فى اتضاع وطول أناة مؤكداً: “الحق أقول لك إنك فى هذه الليلة قبل أن يصيح ديك تنكرنى ثلاث مرات” (مت26: 34). فى البداية: لم يرغب السيد المسيح أن يكلّم بطرس عن إنكاره بل تكلّم عن شك التلاميذ إجمالاً. لكن بطرس اعتبر نفسه متفوقاً فى محبته للسيد المسيح على جميع التلاميذ وقال: “وإن شك فيك الجميع، فأنا لا أشك أبداً” (مت26: 33). فاضطر السيد المسيح أن يكشف له ضعفه، وكيف أنه لن يشك فقط، بل سوف ينكره أيضاً.. لا مرة واحدة، بل ثلاث مرات!! لم يتراجع بطرس أمام كلمات الرب الواضحة.. بل استمر فى اعتراضه -وكأن السيد المسيح لا يعرف ما سوف يكون- وقال: “ولو اضطررت أن أموت معك لا أنكرك” (مت26: 35). العجيب أن كلام بطرس قد تسبب فى أن باقى التلاميذ قد كرروا نفس الكلمات “هكذا قال أيضاً جميع التلاميذ” (مت26: 35). ربما يغضب أى معلم عادى من اعتراض أحد تلاميذه على كلام هو واثق منه كل الثقة.. ولكن السيد المسيح صمت ولم يغضب، حتى وإن بدا أن بطرس لا يريد تصديق كلامه.. وحتى إن اعترض هو وباقى التلاميذ على كلامه علانية. كان السيد المسيح يحب بطرس ويحب سائر التلاميذ، ويعرف ضعف البشر، وقد جاء ليحرر الذين قبلوه من ضعفهم، حاملاً خطاياهم محتملاً لجهالتهم.. لهذا اكتفى السيد المسيح بما قيل.. وترك لبطرس والتلاميذ أن يكتشفوا الحقيقة فى أوانها.. ترك الباب مفتوحاً لبطرس لكى يخرج خارجا ويبكى بكاءً مراً (انظر مت26: 75) حينما يكتشف صدق ما سبق وقاله السيد المسيح. لم يكن الوقت مناسباً للغضب أو التأديب، لأن قلوب التلاميذ كانت قد تثقلت بأحزان الصليب. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 46583 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() مبررات الاحتجاج ربما يحتج البعض بأن ما دفع بطرس والتلاميذ إلى الاعتراض على كلام السيد المسيح، هو رغبتهم فى التعبير عن شدة محبتهم، وعدم تصورهم أن تصدر منهم هذه الأمور المخجلة. ولكن مهما كان الدافع.. فلم يكن من الصواب إطلاقاً، أن يعترضوا بشدة على ما يقوله السيد المسيح منبهاً إياهم بما سوف يحدث بروح اليقين. لم يحدث إطلاقاً أن أخبرهم السيد المسيح عن أمر ولم يتحقق. ولم يحدث إطلاقاً أن وعدهم بشئ ولم ينفذ وعده. أليس هو الذى قال عن موت لعازر: “لعازر حبيبنا قد نام. لكنى أذهب لأوقظه” (يو11: 11). وقال أيضاً: “وأنا أفرح لأجلكم إنى لم أكن هناك لتؤمنوا” (يو11: 15). وبالفعل ذهب إلى بيت عنيا وأقام لعازر بسلطان لاهوته من بعد موت لعازر بأربعة أيام.. لم يكن هناك عذر لبطرس ولباقى التلاميذ أن لا يصدقوا ما قاله السيد المسيح، وأن يعبّروا عن اعتراضهم علانية بهذه الصورة.. بل كان الأليق بهم أن يتأمل كل واحد منهم ضعفه.. وترن كلمات السيد المسيح فى داخله، فيصرخ إلى الرب طالباً المعونة لئلا تفنى التجربة إيمانه. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 46584 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() بالرغم من كل ما حدث، فإن محبة الرب قد أحاطت ببطرس فى وقت التجربة. وقال له “سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكى يغربلكم كالحنطة. ولكنى طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك. وأنت متى رجعت ثبت إخوتك” (لو22: 31، 32). فكما أنبأ الرب بطرس بما سوف يصدر عنه من ضعف، فإنه أيضاً قد شجعه بهذه الكلمات “طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك” و “متى رجعت”.. فى كل ما قاله السيد المسيح كان يقصد أن يخبر بطرس بما سوف يكون حتى لا ييأس: أخبره بضعفاته.. وأخبره أيضاً بقبوله لعودته ورجوعه وتقويته.. كل ذلك قاله السيد المسيح قبل أن يكون.. ما أجمل هذه الكلمات “طلبت من أجلك لكى لا يفنى إيمانك” (لو22: 32).. وهل يوجد مجال للشك فى أن تستجاب طلبة السيد المسيح لأجل بطرس؟! هكذا جاءت كلمات السيد الرب لتشجيعه، حتى فى وقت ضعفه وكلامه غير المقبول.. أما عن قول السيد المسيح: “وأنت متى رجعت فثبت إخوتك” فالمقصود بها أنه متى تاب ورجع، فإن الرب سيعيده إلى رتبته الرسولية، وسيستخدمه فى خلاص الخطاة والبعيدين، لأنه يكون قد اختبر مرارة الخطية وحلاوة الرجوع إلى أحضان الرب الحنان. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 46585 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ” جثا على ركبتيه وصلى ” (لو22: 41) ![]() فى وقت الشدة والحزن المرير، أوصى السيد المسيح تلاميذه قائلاً: “صلوا لكى لا تدخلوا فى تجربة” (لو22: 40). وكما أوصاهم هكذا فعل، مقدّماً نفسه مثالاً لكل إنسان، ونائباً عن البشرية فى أوجاعها وأحزانها التى استحقتها لسبب الخطية.. فى اتضاع عجيب جثا السيد المسيح على ركبتيه وصلى، بكل الانسحاق، وبنفس منسكبة، وفى ضراعة عميقة، وصراخ من القلب.. “وإذ كان فى جهادٍ كان يصلى بأشد لجاجةٍ. وصار عرقه كقطرات دمٍ نازلةٍ على الأرض” (لو22: 44). هذه الصلاة الحارة العميقة قد اجتذبت انتباه السمائيين “وظهر له ملاك من السماء يقويه” (لو22: 43). ربما كان الملاك يردد ذلك النغم الخالد }لك القوة والمجد والبركة والعزة{.. أو كان يردد تسبحة الثلاثة التقديسات }قدوس الله قدوس القوى قدوس الحى الذى لا يموت{.. أو ليعلن إعجاب السمائيين بذلك الحب العجيب الذى احتمل الأحزان لأنه “إذ كان قد أحب خاصته الذين فى العالم، أحبهم إلى المنتهى” (يو13: 1).. فى كل الأحوال فإن ظهور الملاك قد أكد مشاركة الجند السمائيين فى وقت التجربة والحزن والألم. وقد وصف معلمنا بولس الرسول تلك الصلوات الحارة والمنسحقة التى قدمها السيد المسيح أثناء آلامه وأحزانه فقال: “الذى فى أيام جسده إذ قدّم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت. وسُمع له من أجل تقواه. مع كونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به. وإذ كمل صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدى” (عب5: 7-9). كل ما قيل عن تضرعات السيد المسيح أمام الآب فى وقت الآلام والأحزان، ينبغى أن ننظر إليه فى ضوء أن الابن الوحيد قد أخلى ذاته آخذاً صورة عبد (انظر فى2: 7). ولكنه مع هذا بقى هو هو نفسه كلمة الله القادر على كل شئ. ولكن من حيث إنه قد تجسد، وصار نائباً عن البشرية “إذ وُجد فى الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت؛ موت الصليب” (فى2: 8). ولذلك يقول: “مع كونه ابناً تعلم الطاعة مما تألم به” (عب5: 8). أى أنه مع كونه ابن الله الذى له نفس جوهر الآب وقدراته وإرادته، فإنه كنائب عن البشرية قد أظهر الطاعة فى قبوله للآلام والأحزان، مُرضياً لقلب الآب السماوى. وهو فى صلاته وتضرعه، كان يطلب من أجل خلاص البشرية من براثن الموت وقبضته. وقد أقامه الآب من الأموات، بنفس القدرة الإلهية التى أقام بها هو نفسه، والتى أقامه بها الروح القدس. لأن قدرة الثالوث هى قدرة إلهية واحدة. ولكنه مع كونه ابناً قد تضرع إلى الآب من أجل القيامة من الأموات لأنه فى هذا قد ناب عن البشرية فى استرضاء قلب الآب السماوى، وفى إيفاء العدل الإلهى حقه بالكامل. يقول الكتاب “وسُمع له من أجل تقواه” (عب5: 7). فلم يكن الأمر تنازلاً عن حق العدل الإلهى الذى لا يمكن أن يتغير.. بل بالفعل أوفى الإنسان يسوع المسيح حق العدل الإلهى، واستجاب الآب لما طلبه ابن الإنسان البار القدوس الذى بلا خطية، حينما قدّم نفسه ذبيحة إثم إذ حمل خطايا كثيرين وشفع فى المذنبين. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 46586 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ![]() مجد الاتضاع هذا الذى أخلى ذاته فى الجسد على الأرض من مجده الإلهى المنظور، حينما قَبِلَ أن يوجد فى صورة عبد ولم يحسب مساواته لله اختلاساً بل صار فى شبه الناس (انظر فى2: 6). “وإذ وجد فى الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت؛ موت الصليب” (فى2: 8). يتكلّم معلمنا بولس الرسول عن مجد اتضاعه فيقول: “ولكن الذى وضع قليلاً عن الملائكة، يسوع نراه مكللاً بالمجد والكرامة، من أجل ألم الموت. لكى يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد” (عب2: 9). إن المحبة تتألق حينما تتألم.. وهى تبرهن على نفسها حين تبذل وتعطى.. مجد المحبة هى أن تحب. كما أن مجد الينبوع هو أن يروى ويسقى ويغسل.. فمبارك هو ذاك الذى أخلى ذاته من المجد بالتجسد.. وبذل ذاته متجسداً بالصليب.. وهكذا “كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا، ويدخل إلى مجده” (لو24: 26). “لذلك رفَّعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسم. لكى تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن فى السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب” (فى2: 9-11). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 46587 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ” جعل نفسه ذبيحة إثم ” (إش53: 10) ![]() وردت هذه النبوة عن السيد المسيح فى سفر إشعياء (انظر إش53: 10) لتوضيح أن ذبيحة الصليب هى لخلاص الأثمة والخطاة. لأنه يقول أيضاً “بمعرفته يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها” (إش53: 11). اتحد اللاهوت بالناسوت فى السيد المسيح اتحاداً تاماً كاملاً منذ اللحظة الأولى للتجسد الإلهى. وهذا الإتحاد هو الذى عبّر عنه القديس كيرلس الكبير بعبارة [طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة]. وبسبب هذا الاتحاد الذى يفوق العقل والإدراك، صار لذبيحة الصليب فاعلية غير محدودة فى خلاص الخطاة. لأن الآب وضع عليه خطايا كثيرين ليبررهم. “أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن، إن جعل نفسه ذبيحة إثم.. يبرر كثيرين وآثامهم هو يحملها.. هو حمل خطية كثيرين، وشفع فى المذنبين” (إش53: 10-12). هذا الفداء العجيب الذى دبّره الآب السماوى، فى وحدة المشيئة مع الابن والروح القدس، قد اشترك فيه الأقانيم الثلاث. فالآب بذل ابنه الوحيد، والابن بذل ذاته، والروح القدس لم يكن غريباً عن الكلمة حينما كان معلقاً على الصليب “المسيح الذى بروح أزلى قدّم نفسه لله بلا عيب” (عب9: 14). لو كانت ذبيحة الصليب هى ذبيحة إنسانية مجردة، لما كان لها القدرة أن تكفر عن خطايا كثيرين -أى ما لا يعد من الملايين- ولما كان لها القدرة أن تسحق الشيطان وتحطم سلطانه وقوته. ولكن لأن الناسوت هو ناسوت كلمة الله، ولأن هذا الناسوت كان متحداً باللاهوت بلا انفصال، فقد أمكن أن تكون هذه الذبيحة هى ذبيحة إلهية مخلّصة ومانحة للحياة. لهذا قال السيد المسيح: “أنا هو القيامة والحياة. من آمن بى ولو مات فسيحيا” (يو11: 25). فكل ما فعله ابن الله المتجسد من أجل خلاصنا، فقد فعله بأقنومه المتجسد الواحد والذى لم يفترق إلى طبيعتين من بعد الاتحاد. لكل هذه الأسباب، أرسل الله ابنه الوحيد المولود من الآب قبل الدهور، ليتجسد من العذراء مريم فى ملء الزمان، وليحرر البشر من الخطية ومن الموت الأبدى، وليعلن حب الله غير المحدود.. حب الله الأبدى غير الموصوف. ” سر بأن يسحقه بالحزن ” (إش53: 10) |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 46588 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() لماذا سر الآب بأن يسحق الابن المتجسد بالحزن؟ ![]() كانت مسرة قلب الآب أن يصالح العالم لنفسه فى المسيح. هذه المسرة ملؤها التضحية ودافعها المحبة. لم يكن الخصام بين الله والإنسان شيئاً يسر قلب الله. ولم يكن ممكناً أن تتم المصالحة بدون سفك دم، وبدون كفارة حقيقية تستعلن فيها قداسة الله كرافض للشر والخطية فى حياة الإنسان. وفى كل ذلك احتمل السيد المسيح فى طاعة كاملة لأبيه السماوى، وفى اتضاع عجيب؛ احتمل كل الأحزان التى تفوق الوصف. وقال بفم إشعياء النبى: “السيد الرب فتح لى أذناً، وأنا لم أعاند، إلى الوراء لم أرتد. بذلت ظهرى للضاربين وخدّىَّ للناتفين. وجهى لم أستر عن العار والبصق” (إش50: 5، 6). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 46589 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ” من تطلبون ؟ ” (يو18: 4) ![]() ” من تطلبون ؟ ” (يو18: 4) بعد جهاد الصلاة فى بستان جثسيمانى، وبعد وصول جنود الهيكل وخدام رئيس الكهنة “خرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتى عليه وقال لهم: من تطلبون؟” (يو18: 4). لم يكن سبب السؤال أنه لم يكن يعلم، بل كان عالماً بكل ما يأتى عليه. ولكنه فى اتضاع ينزل فى بساطة إلى مستوى بنى البشر لكى يخاطبهم، ويبدأ الحوار وكأنه لا يعلم، مع أنه عالِم بكل شئ. وقد أجابوه قائلين: “يسوع الناصرى” فقال لهم يسوع: “أنا هو” (يو18: 5). ونظراً لأن عبارة “أنا هو =I am he ” تعنى “يهوه” (VEgw, eivmi إيجو إيمى) باللغة اليونانية، فقد ظهرت قوتها وتأثيرها حينما خرجت من فم الله الكلمة. تماماً مثلما خاطب موسى فى صورة لهيب النار فى العليقة، وقال له: “أهيه الذى أهيه” (خر3: 14). وقال الله لموسى: “هكذا تقول لبنى إسرائيل أهيه أرسلنى إليكم” (خر3: 14). فى ذلك الوقت “غطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله” (خر3: 6). “فلما قال لهم: إنى أنا هو رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض” (يو18: 6).لم يحتملوا مجد لاهوته، حينما أعلن بكلامه شيئاً عن هذا المجد، حتى ولو لم يفهموا لقساوة قلوبهم. عجيب هو سرّك أيها الكلمة الأزلى، يا من ظهرت فى الجسد لأجل خلاصنا..!! عجيب أنت فى اتضاعك.. إذ وأنت الإله السرمدى، سلّمت للموت نفسك بإرادتك وسلطانك وحدك..!! من يقدر أن يصف سر تجسدك الفائق للوصف والإدراك؟.. ومن يقدر أن يفهم اتضاعك وإخلائك لذاتك، وأنت تسير فى طريق الموت بحسب الجسد، حاملاً صليب العار، بل صليب المجد مُظهراً مقدار محبتك للبشر. كنت يا سيدى تنظر فى عطف ورثاء إلى أولئك الذين جاءوا فى جهل وغباوة للقبض عليك، مدفوعين فى شقاوتهم بإيحاء من إبليس اللعين الذى لم يحتمل ظهورك فى الجسد.. لم يحتمل تواضعك وإخلاءك لذاتك، فاندفع فى حماقته يكيل ضدك ضربات الكراهية والحقد والحسد.. وأنت مثل حمل وديع، احتملت ظلم الأشرار، مظهراً مجد طاعتك الكاملة لأبيك السماوى. هكذا استطاعت المحبة الفائقة أن تحتمل .. أن تحتمل كل شئ.. حتى تهزم الكراهية، وتحرر البشرية من سلطان إبليس.. وتوبخ قساوة البشر حتى يخجلوا من كل ما عملوه. بعد ذلك أعاد السيد المسيح نفس السؤال: “من تطلبون” (يو18: 7). وكرروا نفس الإجابة: “يسوع الناصرى. أجاب يسوع: قد قلت لكم إنى أنا هو” (يو18: 7، 8). وقول السيد المسيح فى هذه المرة ” أنا هو” قاله بالمعنى البسيط؛ أى أنا الذى تبحثون عنه وتطلبونه لتقبضوا عليه كأنه مذنب. لم يقلها بحسب إعلانه هو شخصياً عن طبيعته الإلهية، بل حسب مقصدهم هم الخالى من المعرفة “لأن لو عرفوا لما صلبوا رب المجد” (1كو2: 8). لهذا لم يقعوا على الأرض فى المرة الثانية، بل تجاسروا وتقدموا للقبض عليه.. وقد سمح هو بذلك وسلم نفسه لهم مخفياً مجد لاهوته ليتم الفداء. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 46590 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() ” دعوا هؤلاء يذهبون ” (يو18: 8) ![]() ” دعوا هؤلاء يذهبون ” (يو18: 8) جاء السيد المسيح لكى يبذل نفسه فدية عن كثيرين. وقد تحقق هذا أيضاً فى لحظة القبض عليه لأن الفداء فى حياته كان منهجاً، وليس حدثاً عارضاً. فكما افتدى البشرية بموته على الصليب، هكذا افتدى تلاميذه فى لحظة القبض عليه. وقال لأجناد اليهود: “فإن كنتم تطلبوننى فدعوا هؤلاء يذهبون” (يو18: 8). اعتاد الجنود فى الحروب أن يقدموا أنفسهم فدية عن ملوكهم. فالملك يحاط بعناية خاصته. وقد حدث فعلاً أن طلب المحيطون بالملك داود أن لا يطفئ سراج إسرائيل (انظر 2صم21: 17). وأن لا ينزل بنفسه إلى معارك الحروب، فيترك الجيش ليحارب، ويبقى هو فى القصر فى أمان. وقد قبِل الملك داود منهم هذه النصيحة، بعد أن خاض حروب كثيرة. وابتدأ يمتنع عن النزول إلى الحرب وبقى فى القصر.. وأدى ذلك إلى متاعب كثيرة فى حياته فيما بعد. أما الملك يسوع، فلم يقبل أن يُقبض على أحد سواه فى ليلة آلامه، واختار أن يساق وحيداً إلى الموت بعد انصراف التلاميذ ليتم القول الذى قاله: “إن الذين أعطيتنى لم أهلك منهم أحداً” (يو18: 9). كان قلبه منشغلاً بالآخرين وبسلامتهم ونجاتهم.. فتقدم كقائد شجاع، ليدفع الثمن وحده.. ليخلص المسبيين، ويحرر المأسورين، ويدك حصون الشياطين. أليس هو الذى قال بفم حزقيال النبى: “أنا أرعى غنمى وأربضها.. وأطلب الضال، وأسترد المطرود، وأجبر الكسير، وأعصب الجريح، وأبيد السمين والقوى وأرعاها بعدل” (حز34: 15، 16). الملك الحقيقى هو من يحقق لرعيته حياة الكرامة والحرية.. وهذا ما فعله السيد المسيح. والملك الحقيقى هو من يمنح الحياة الأفضل.. وهذا ما منحه السيد المسيح. والملك الحقيقى هو من يحرر رعيته من الخوف، ويصد هجمات الأعداء فى بأس وقوة. والملك الحقيقى هو من يملك على قلوب رعيته بالمحبة. فليس المُلك هو أن يملك الملك على الشعب ليذلهم وليخدموه، بل المُلك هو أن يملك على القلوب ويمجدهم فيحبوه حتى أنه لا يملك فى وسطهم، بل يملك فى داخلهم. هكذا ملك السيد المسيح على خشبة الصليب. وبدلاً من أن يملك الموت على البشر، ملكت الحياة التى فى السيد المسيح. لهذا نادى معلمنا بولس “لى الحياة هى المسيح” (فى1: 21) وقال: “متى أظهر المسيح حياتنا” (كو3: 4). وقيل فى إنجيل يوحنا “فيه كانت الحياة” (يو1: 4). وقال السيد المسيح عن نفسه: “أنا هو خبز الحياة” (يو6: 35). “أنا هو.. الحياة” (يو11: 25). وكراعٍ صالح يبذل نفسه عن الخراف قال: “أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل” (يو10: 10). |
||||