25 - 07 - 2014, 05:10 PM | رقم المشاركة : ( 4621 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
"إن أخطأ إليك أخوك، فاذهب وعاتبه بينك وبينه وحدكما. إن سمع منك فقد ربِحت أخاك"
( مت 15:18 ) التفسير : هذا السلوك الذي أوصانا به السيِّد ليس مجرّد عمل أخلاقي يلتزم به المؤمن، لكنّه في جوهره هو اختفاء في شخص السيِّد المسيح، فلا يرى المؤمن أخاه يسيء إليه، إنّما يسيء إلى نفسه وإلى تمتّعه بالأبديّة، فيذهب ليعاتبه لا بمعنى أنه يودّ تأكيد خطأه، أو ينتظر أن يعتذر له،وإنما يذهب إليه حاملاً فكر المسيح لكي يقتنيه بالحب للمسيح كعضوٍ حيٍّ في جسده، ينقذه من الخطأ ويربحه كعضوٍ معه في ذات الجسد. يذهب إليه منفردًا حتى لا يتحوّل العِتاب إلى نوعٍ من التشهير، ولكي يعطي له الفرصة لمراجعة نفسه بلا عناد؛ يذهب إليه ليحمله إلى التوبة لله لا للاعتذار له. بهذا يطلب المؤمن سلامة حياة أخيه في الرب وليس معاقبته. لهذا يقول السيِّد إنك بهذا تربح أخاك، وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [إنه لم يقل أنك تنال انتقامًا كافيًا بل تربح أخاك، مظهرًا وجود خسارة مشتركة لك وله بسبب العداوة، إذ لم يقل "يربح نفسه" بل "تربح (أنت) نفسه" مظهِرًا أن الخسارة قد لحقت قبلاً بالاثنين، الواحد خسر أخاه والآخر خسر خلاصه.] حقًا لقد أراد السيِّد أن يدخل بتلاميذه إلى حياة الغفران للآخرين، بعيدًا عن روح الانتقام والكراهيّة التي تحجبنا عن ملكوت السماوات. ويُعلّق القدّيس يوحنا الذهبي الفم على ذلك بقوله: [عندما تُفكِّر في الانتقام، انظر أنك تنتقم من نفسك لا من الآخرين، إذ تربط خطاياك لا خطايا أخيك... أي شيء أكثر خطورة من أن تكون منتقمًا، إن كان هذا ينزع عنك عطيّة الله العُظمى؟!] ويرى نفس القدّيس أن الذي يُخطئ إلينا ويظلمنا، إنّما يسبّب لنا نفعًا عظيمًا إن احتملناه بحب، إذ يقول: [لا تقل أنه شتمك وافترى عليك وصنع بك شرورًا بلا حصر، فإنه بقدر ما تعدّدت هذه الأمور وبكونها صادرة عنه، تُعلن أنه نافع لك. إنه يقدّم لك فرصة لغسل خطاياك، وقدر ما تَعظُم الأضرار التي يصُبَّها عليك، يكون سبب لنوالك غفرانًا عظيمًا للخطايا.] وكما يقول: [إننا نعاقب أنفسنا بكراهيّتنا للآخرين، كما نستفيد بحبّنا لهم.]لماذا نذهب للمخطئ ولا ننتظر مجيئه؟يجيب القدّيس يوحنا الذهبي الفم: لأنه ليس بالأمر السهل أن يذهب من ارتكب الخطأ ليعتذر لأخيه وذلك بسبب الخجل وارتباك وجهه. يطالب (السيِّد) الذي أُصيب بالخطأ ليس فقط بالذهاب إلى أخيه، وإنّما يذهب بطريقة بها يُصحّح ما قد حدث، فلم يقل له: اذهب اتَّهمه أو انصحه أو أطلب منه تصفية الحساب معه، وإنما (عاتبه) مخبرًا إيّاه بخطئه، وما هذا إلا تذكيره بما أخطأ به. اخبره بما حلّ بك على يديه، بطريقة لائقة كمن يقدّم له العذر، ويسحبه بغيره نحو المصالحة.] ذهابنا إلى المخطئ بمفردنا لمعاتبته لكي نربحه في الحقيقة ليس إلا اقتداءً بالسيِّد المسيح نفسه، فقد جاء إلينا من سمواته ليعاتبنا بالحب، ويدفعنا بعمله الخلاصي للتوبة لكي يربحنا له كأعضاء جسده المقدّس. إنه لم ينتظرنا نذهب بل جاء إلينا! هذا فإن الوصيّة التي يقدّمها لنا السيِّد لا يمكننا أن نكمِّلها ما لم نحمله هو في داخلنا فنسلك سلوكه ونحمل فكره فينا. ولكن، إن لم يسمع المخطئ منّا فماذا نفعل؟"وإن لم يسمع فخذ معك أيضًا واحدًا أو اثنين لكي تقوم كل كلمة على فم شاهدين أوثلاثة، وإن لم يسمع منهم فقل للكنيسة، وإن لم يسمع من الكنيسة فليكن عِندك كالوثني والعشّار" [16-17]. حينما نأخذ معنا واحدًا أو اثنين ينبغي ألا يكون الهدف تأكيد خطأه والشهادة ضدّه وإنما لإقناعه، فنكون كالطبيب الذي يرى المرض يتزايد فيُّصرّ على تقديم دواء أكثر مرارة وأشد فاعليّة، ليس لأجل المرارة في ذاتها، وإنما من أجل شفائه. فإن لم يأتِ هذا التصرّف بثمر نُخْبر الكنيسة، لا كمن يشتكيه أمام المحكمة، وإنّما كمن يُخبر، لتهتم به وتعالجه بحكمة. داود النبي وهو نبي تقي ومشهود له من الله نفسه وحكيم، عندما أخطأ لم يُدرك خطأه حتى تلقَّفته الكنيسة في شخص ناثان النبي، لتُعيد له بصيرته التي أفسدتها الخطيّة، وتردّ له فكره وحكمته. يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: [ألا ترى كيف أنه يفعل هذا ليس من أجل العقوبة العادلة، وإنّما بقصد الإصلاح؟! لهذا لم يوصه من البداية أن يأخذ معه اثنين، وإنما بعد أن يفشل بمفرده، ولا أن يرسل إليه الجماعة ضدّه وإنما يرسل إليه اثنين أو واحدًا، فإن احتقر هذا التصرّف عندئذ فقط يحضره للكنيسة.] أخيرًا إن لم يسمع من الكنيسة، رافضًا أمومتها، يكون قد رفض أبوة الله نفسه فيُحسب كالوثني والعشّار. إنه يلزم تجاهله، وكما يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم: لأن مرضه قد صار غير قابل للشفاء. إذن برفضه الكنيسة يَحرم الإنسان نفسه من العضويّة في جسد المسيح، ويصير من حق الكنيسة أن تربطهإذ يكمّل السيِّد كلماته هكذا: الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض، يكون مربوطًا في السماء، وكل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء [18]. إنه يربط نفسه بنفسه برفضه الفكر الكنسي، وتلتزم الكنيسة أن تربطه ليس تشفيًا فيه، وإنما لحفظ بقيّة الأعضاء من فساده لئلا يتسرب إليهم، كما تُعزل الخميرة الفاسدة عن العجين كله، أو يُبتر العضو الفاسد. وإن كان هذا الأمر لا يتمّ باستهتار أو بتسرّع. فإنه ليس سهلاً أن يقبل إنسان بتْر عضو من جسده إلا بعد استخدام كل وسيلة ووسيلة لعلاجه، وحينما يجد جسده كلّه في خطر يلتزم تسليمه للبتْر. أقول أنه ما أصعب على قلب الكنيسة أن ترى إنسانًا. يُلقي بنفسه خارجًا ويُلزمها بربطه، أنها تبقى منتظرة من يومٍ إلى يومٍ رجوعه لكي تحِلُّه فيجد بابها مفتوحًا له. لهذا يذكر السيِّد الربط أولاً فالحَل، ليعطي للمربوطين رجاءً في الحَل، وليلهب قلب الكنيسة نحو حلّ المربوطين فلا تستكين من جهة خلاصهم حتى وإن كانوا قد ألقوا أنفسهم بأنفسهم خارج أبوابها. |
||||
25 - 07 - 2014, 05:12 PM | رقم المشاركة : ( 4622 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ليست الحرب من الله!
ليست الحرب من الله. الحرب من تغييب الله، إذا غيَّب الناس الله من حياتهم. الإنسان، إذ ذاك، تحت سلطة أهوائه كائن. "من أين الحروب والخصومات بينكم؟ أليست من هنا، من لذّاتكم المحارِبة في أعضائكم؟..." (يع 4: 1). لذا كل إنسان في غربة عن الله مساهم في الحرب الجارية. قبل أن تكون الحرب سلاحاً وقتلاً ودماراً تلقاها مناخاً بين الأفراد والجماعات. الناس مترابطون. هذه طبيعتهم. كلٌّ يؤثّر في الكل. إنسان مصاب بوباء تنتقل عدواه إلى شعب برمّته. الغضب يحرّك الغضب والعنف يثير العنف. الحياة العامة شهيق وزفير. آخذ ما يبثّه الناس في الهواء وأنفث ما هو في صدري. هذا ليس صحيحاً في مستوى الحسّيات فقط، بل في مستوى النفسيات والروحيّات أيضاً. أنانياتي تحرّك الأنانيات وغيريّاتي تحرّك الغيريّات. الخير والشرّ نبثّهما من حولنا. الخير أوكسيجين روحي. يُنعش ويريح. والشرّ ثاني أوكسيد الكربون روحي. يبعث على الضيق والاختناق. لذا أفهم ذاك الذي علّق مرّة على الأحداث المأساويّة بقوله: "هذا كلّه حصل بسبب خطاياي أنا!" ليس أحد منّا بريئاً بمعنى الكلمة. قد لا أكون حملت السلاح وقاتلت، لكنّي ساهمت وأُساهم في خلق جوّ الحرب. السلاح الذي طالما حاربت وأُحارب به هو أنانيّتي. حين لا أُبالي بإنسان أُلغيه، أُزيله من الوجود. حين لا أكون مستعدّاً لأن أسمع له وأُعينَه أُسْلمُه للألغام الفكريّة في نفسه. حين لا أرى لحاجاته، حيثما أمكنني، أُحرّك في نفسه الحسد والعداوة. حين أرى فيه مصدر إزعاج يرى فيّ مصدر تهديد. حين أقول فيه كلاماً جارحاً ويبلغه يحسب موقفي منه إعلان حرب. حين لا يراني مبالياً به يظنّني مستكبراً ويشعر كأنّي أحتقره. تنشحن نفسه ضدّي. لذا كانت أنانيّات الناس وشهواتهم الأسلحة التي تجعلهم في حالة حرب حيال بعضهم البعض. الأنانيّات والموبقات لا تهضمها النفس البشريّة، لديّ ولدى الآخر. تبقى آثارها فيها كسمّ، كردّات فعل عميقة، كطاقة سالبة، وأحياناً طوال العمر. وهذا يلوّث الجوّ الروحي في العالم كما تلوّث الإشعاعات الذرّية البيئة وتقتل الحياة فيها. بخلاف ذلك تجد المحبّة تبني واللطف يزيل الألغام والاتضاع يحرّك الحسّ بالإلهيّات... ومن ثمّ بالإنسانيّات. أما الصلاة فتبعث جوّاً من الإيجابيات. يرتاح الناس. يتعاطفون. يتفاهمون. تنحدّ التأثيرات السالبة. بنعمة الله تعود الأمور إلى شيء أو إلى الكثير من الانتظام والمؤالفة. يعود الإنسان إنساناً. يبادر إلى الحسنى ويكفّ عن أن يكون جملة ردود أفعال وضحيّة لها. لذا كانت الحرب مؤشّراً إلى النقص وإلى الحاجة لثلاثة أمور: التوبة والمحبّة والصلاة. بلى أنا قادر على أن أُساهم في إيقاف الحرب بسلوكي في هذا المثلّث الروحي. ليست الحرب، في أعماقها، مسألة سياسيّة بل مسألة روحيّة. الكلام السياسي واجهة. الواقع الروحي لشعب ما، للقادة السياسيّين فيه، هو المَنبت. الحرب والسِلْم ينبثقان من القلب والقلب إلى القلب يولِّد بنياناً أو يولّد هدماً. دورنا في تزكية أو إيقاف ما يجري ليس بقليل. ليس لنا كمؤمنين ما نتعزّى به أو ما نُعزّي به سوى التوبة والمحبّة والصلاة. ليس ما يُصلح العالم أن يتولّى الأذكياء والاختصاصيّون الأمور على نحو مكين بل أن يساهم كلٌّ حيال نفسه ومن موقعه في العودة إلى الله بالتوبة. السلام عودة إلى الله. "في العالم سيكون لكم اضطراب، ولكن لا تخافوا أنا قد غلبتُ العالم...". "سلامي أُعطيكم لا كما يعطيكم العالم". الجسد المفكَّك من الخليّة المفكَّكة. لذا بالمحبّة التي نتعاطاها فيما بيننا تتماسك الخليّة وتقوى مناعة البدن ونحارب الميكروبات الروحيّة بشكل أفضل. وإذا كان الكل مرتبطاً بالكل، وهذه طبيعة البَشَرة، فإن انوصل أحدنا بالله في الصلاة فإنّه بالله ينوصل بالآخرين وتسري نعمة الله فيما بينه والناس. الصلاة تعيد ربط الناس بالناس لأنّها تربطهم بالله. يصير الله معنا وفيما بيننا. صلاة، ولو قصيرة من القلب، قد تحدث تغييراً يُعتدّ به في الموازين. يفتح الله قلب إنسان في قلب الحرب. ليس ما يحرِّك إنسانيّة الناس أكثر من الصلاة. الله، إذ ذاك، يدخل في الصورة. كل قلب في يد الله. الصلاة لغة الله للناس. بها يتحرّك روح الربّ فينا. طلبة البار تقتدر كثيراً في فعلها. تعزيتنا في زمن الحرب تأتي من تيقّننا أنّ الخلاص بالإنسان باطل. وحده الربّ الإله المخلِّص يعزّي. لذا نلجأ إلى المعزّي، روح الحقّ. نعود إليه بقلب واجف، بألم، بخوف. المهم أن نعود إليه. "تعالوا إليّ يا جميع المتعَبين والثقيلي الأحمال وأنا أُريحكم". نتّضع. نصرخ. نتوب. أخطأنا أمام السماء وأمامك. لست مستحقّاً بعد أن أُدعى لك ابناً. قلبٌ مجروح. عين دامعة. نفس مكسورة. أقوم وأعود إلى أبي. تنقلب المقاييس. كان ينبغي أن نُسرّ ونفرح لأنّ أخاك كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوُجد. من هناك، من تلك العودة، تأتي التعزية الحقّانية. هذا ما يأتي بالمسرّة أن تجد التوبةُ والمحبّة والصلاة موقعاً لها في قلبك. ربما نكون قد خسرنا الكثير بسبب الحرب والدمار والقتل والتقتيل. إذا كان قد قيل: "ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كلّه وخسر نفسه؟" فإنّنا متى ربحنا أنفسنا والإخوة فإنّنا، إذ ذاك، نكون في التعزية الحقّ ولو خسرنا العالم. ليس العالم بغيتنا في كل حال. "لا تحبّوا العالم ولا الأشياء التي في العالم". بغيتنا الملكوت، عالم الله. بغيتنا الله والناس، أن يكون لهم موضع في قلوبنا كما لنا نحن، أيضاً، موضع في قلب الله. القلب أثمن من كل شيء. ما كانت الحرب في الأساس لتكون لو كان للناس مكان في قلبي وقلبك. يوم طَردتُ أخي من نفسي، من محبّتي، شرّدته فصار ضارباً في الأرض هائماً على وجهه في عِلَل النفس. عاديته للاسبب إلاّ لأنانيّتي. ملكوت الحبّ الإلهي في داخلكم. هذا فردوسنا. هذا عالمنا الثابت. هذا وطن الأوطان عندنا! يوم يسري الحبّ بيننا نكون في سلام عميق ولو غلّفتنا حروب الأرض. ويوم نفرغ من المودّات الإلهية يسودنا القلق والحرب الباردة ولو ساد الأرضَ سلامُ الناس |
||||
25 - 07 - 2014, 05:13 PM | رقم المشاركة : ( 4623 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
سأكون الحبّ!.. هذه دعوتي
تستفيق الزوجة والأم في تريز (ليزيو)، ولكنّها تعرف أنّها ستحفظ هذه القدرات ليسوع فقط. في يوم أحد، بعد القداس، تقع نظرتها على صورة ليسوع على الصليب. في اللحظة عينها، تنفعل بعمق لرؤيتها الدم الذي يسيل من يد المصلوب. ويثير فيها هذا المشهد رغبة حارة في أن تكون مشاركة مع يسوع في خلاص الذين يموت من أجلهم. تسمع باستمرار صرخته على الصليب: "أنا عطشان". "منذ هذه النعمة الفريدة، كبرت رغبتي في خلاص البشر، كلّ يوم. يبدو لي أنني أسمع يسوع يقول لي كما قال للسامرية:" أعطني لأشرب"! كان ذلك تبادل حب حقيقي؛ إلى النفوس، كنت أعطي دم يسوع، وإلى يسوع كنت أقدّم هذه النفوس عينها منتعشة بنداه الإلهي؛ وبقدر ما كنت أعطيه ليشرب، بقدر ذلك كان يزداد عطش نفسي الصغيرة الفقيرة. وهذا العطش الشديد هو الذي كان يعطيني إياه كأعذب ماء من حبه". الآن حيث تلتقي الكثير من الناس، فإنّ مدى حياتها التأملية يتفجر، حتى في نظرتها إلى الإنسان. كل شيء عندها يتجمع في اتجاه واحد: يسوع. بين الجمع، هو وحده الذي تحب؛ وفيه، تحبهم جميعا؛ وللجميع تريد أن تعطي يسوع. في دعوتها الخاصة بها، حبّها الأخوي يعني أن تساعد البشر في الدنو من الله. الرسالة التبشيرية تجذبها بقوة. لكن شفيعة الرسالات المقبلة، بتفحّصها كل شيء جيداً، تجد أنه مثمر أكثر، بالنسبة إليها، أن تذهب لتعيش رسالتها في قلب حياة الكرمل المصليّة. فهي تعتقد أنها لا تزال تستطيع أن تعطي نفسها أكثر، لأجل الكنيسة، "في رتابة حياة متقشفة ، من دون رؤية ثمرة أعمالها أبدا". هذا ليس هروباً من الألم على الإطلاق وليس خيانة للإنسان. تريد أن تحمل معها العالم بكامله إلى الكرمل مدينتها الصغيرة، كما إلى محترف حيث ستعمل لأجل النفس البشرية. تراقب الأرض بنظرة يسوع، المحبّة الإلهية هذه. وبالحماسة نفسها، تريد أن تصلي لأجل تقديس اسم الله ومن أجل مجيء ملكوته بيننا. هذا سيكون أسلوبها في العمل على خلاص كل إنسان. عند دخولها الكرمل، سيظهر أن لطموحها هدفا اجتماعيا بشكل خاص: "أتيت لأعمل على خلاص النفوس، ولكي أصلّي لأجل الكهنة". "نفوس" مقابل "بشر" : هذا نموذجي، ولا يمكننا على الإطلاق أن نجد في ذلك ما هو سلبي . إنها تريد اللقاء بالبشر على المستوى الأعمق؛ بالنسبة إلى الله، إنها نقطة التلاقي المباشرة أكثر. تريز تعي دورها ومسؤوليتها المشاركة في تأليه الإنسان: "عند يسوع حب لنا غير مفهوم لدرجة أنه يريد أن تكون لنا حصة معه في خلاص النفوس الأخرى المفتداة مثلها بثمن دمه كله". حوالي نهاية حياتها، سيكتسب وعيها الرسولي كثافة فريدة، مضافة إلى التفاتة فائقة الحد إلى القريب المقيم إلى جانبها. وفيما بعد، فهمها المسيحيون جيدا. وكم من مرسلين يكنون وداً خاصاً للقديسة الصغيرة التي لم تضع رجلها خارج ديرها أبداً. كم من مؤمنين تعلموا من تريز أنهم يستطيعون أيضاً أن يكونوا مرسلين، هناك حيث وجدوا، في الدعوة التي يهبهم الله إياها وفي الأشياء اليومية الدقيقة، بمحبتهم وصلاتهم، وربما بصلبانهم. وستختبر تريز عنف رغباتها: "يا يسوع ... أريد أن أطوف الأرض... إنّ رسالة واحدة لا تكفيني، أريد في الوقت نفسه أن أبشر بالإنجيل في أرجاء العالم الخمسة وحتى في الجزر النائية جداً". لكنها ستجد إتمام طموحها في الحب، المعتبر كقوة جسد المسيح السرّي الدافعة: "في قلب الكنيسة، سأكون" الحب"... هكذا سأكون الكل... وهكذا سيتحقق حلمي!! أن نحب، هذا ممكن في كل مكان. من تريز ليزيو إلى تريز كالكوتا، وإلى أبعد موقع، فالفروقات ليست إلا خارجية. ليس من شيء أكثر قيمة عند الله من الحب الذي تحياه. " إن لم تكن لي المحبة، فما أنا إلاّ نحاس يطنّ أو صنج يرنّ. ( 1 قورنتس 13 / 1 ). على عتبة سنواتها الخمسة عشرة، قررت تريز مارتان أن تحيا لأجل الله بأسرع ما يمكن، وبالطريقة الأكثر راديكالية التي في متناولها. رغبتها، يعني" اليقين من نداء إلهي"، يحصّنها ضد كل معارضة وكل نصيحة مقصودة فعلاً. ويبدو لها أن الوقت قد نضج لمباشرة العمل. " هذا المكان، حيث انتظرني، كان الكرمل؛ " قبل أن أستريح في الظل"، كان عليّ المرور بتجارب كثيرة. لكن النداء الإلهي كان ملحاً لدرجة أنّه لو توجّب عليّ اجتياز النيران، لفعلت ذلك لأكون أمينة ليسوع". تتغلب تريز على جميع العقبات: هذه المتأتية من والدها ومن الكرمل، مع رئيسه، ومن المطران. خلال سفرها إلى روما، تدافع عن دعوتها حتى أمام البابا! مع الحب كمثال- وهو متاعها الوحيد تقريباً- تجد نفسها في التاسع من نيسان 1888، أمام باب حرم الدير. تعانق والدها وأفراد عائلتها لآخر مرّة. تجتاز عتبة بيت الصلاة هذا وقلبها يخفق. ولم ترى شوارع ليزيو. هل هي مستعدة للقيام بهذه الخطوة؟ هذه المراهقة ابنة الخامسة عشرة، تتمتع بكل تأكيد بنضج شابة في العشرين. وفي عمق نفسها، يشعّ نور عظيم! إنها مخطوفة بفرح الحب: أنا له، وهو لي! لازمة جميع الأوقات! تريز تقارن حماستها الشبابية بالخمرة اللذيذة التي تفرّح القلب وتنسي أشياء كثيرة. مع القديس بولس، هي واعية أن لا شيء يستطيع أن يفصلها عن الله، الذي يأسرها. هي تعيش في"سماء الحب". مع ذلك ، تعرف أين هي من هذا. " سعادتي لم تكن عابرة، ولم يكن عليها مطلقا أن تحلّق نحو" أوهام الأيام الأولى". " الأوهام، لقد أنعم الله تعالى عليّ بنعمة أن أكون خالية منها عند دخولي الكرمل؛ وجدت الحياة الرهبانية كما كانت قد صوّرت لي، لم تدهشني ولا أيّ تضحية". يا للواقعية! إنها ناضجة كفاية لتخطو هذه الخطوة. طبعاً، لا بدّ لها من أن تنضج بعد، وعنده وقت لذلك. وبالرغم من جميع التقديرات الواضحة، فمما لا يقبل الجدل أن الألم سيحمل تصويبات محسوسة جدا. لكن هكذا نكبر. هل لعب مثال أختها أنييس دورا في قرارها؟ هذا ممكن، ويبدو لنا أنّه من الصعب تجاهله. نحن غالبا هدية من الله بعضنا لبعض. بعد موت والدتها، كانت أنييس قد أصبحت إلى تريز "أما ثانية"، و"مثالها". إن دخول الأم أنييس الكرمل (الذي تبعه دخول أخت ثانية بعد سنوات من ذلك، وهي ماري)، هو عامل نفساني كان بالنسبة إلى تريز وسيطاً لفهم دعوة الله ونعمته. لكن تريز تعرف كل المعرفة، في تحليل أخيراً لها، أنّها كانت حين قرارها الصعب، منقادة فقط بعطائها الحر إلى مخطط تختبره كأنه آت من الله وشاءه هو. هكذا تعرضه بعد سنوات، عندما تنظر إلى الوراء بإدراكها الذي كان قد تطهّر عندئذ بعمق واستنار بالقرب من الله. "كان حب يسوع وحده قد استطاع أن يجعلني أتغلب على هذه الصعوبات وتلك التي تبعتها". نقلاً عن كتاب: "اليدان الفارغتان" |
||||
25 - 07 - 2014, 05:17 PM | رقم المشاركة : ( 4624 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العبادة الحقّ وأشباه باعة الحمام!
ويكلّمك ربّك باللغة التي تفهمها، لا لغة الكلام وحسب بل لغة الكيان. فكرك، شعورك، ما تعمل. هو ربُّك، يأتيك أولاً. أنت لست المبادر مهما سموت ومهما شففت ومهما تذاكيت. هو المبادر لا أنت. الناس، بدءاً، ينظّرون، يتكهّنون، يتصوّرون، لكنّهم لا يعرفون. هو الذي به نأتي إلى الآب السماوي، يسوع. "لا أحد يأتي إلى الآب إلاّ بي". لذلك يعرفنا يسوع بدقة ما بعدها دقّة. أكثر، بما لا يقاس، مما نعرف أنفسنا. ليس هو، إذاً، عن أحد بعيداً أو غريباً. يعرفنا، كما نحن، تماماً وقد اتّخذَنا لأنّه يرغب في أن نعرفه نحن كما هو. فإن لم يكلّمنا بلغتنا، بما نحن عليه، ما أمكننا أن نكلِّمه بلغة الحضور الذي يبثّنا إيّاه، حضورِه فينا. طبعاً ليس كل ما نفعله أو نفكّر فيه أو نحسّ به يفعله هو أو يفكّر فيه أو يحسّ به. هذا لأنّ كثيراً مما فينا ليس من طبيعتنا. أن تقتل أو أن تسرق أو أن تزني، مثلاً، ليس من طبيعتك. هذا طارئ عليك. حالٌ مَرَضيّة. طبيعتك، والحال هذه، اعتورها العطَب. استوطنتها فيروسات نسمّيها في الأدب المسيحي "أهواء". وكما تظهر الفيروسات في عوارضها، كالحرارة وأوجاع المفاصل والإسهال وما شابه، كذلك تظهر "الأهواء" في عوارضها، في أفكار الحسد والزنى والكبرياء والمجد الباطل والبخل والشراهة وما إليها. هذه تأتيك، بدءاً، حركة وشعوراً وتصوّرات في الكيان، فإن اقتبلتَها استحالت خطايا. هذه وتلك لم ولا يكلّمك بها يسوع لأنّها ليست منك. ولا يعرفها لأنّها ليست من طبيعتك التي أبدعك عليها كما قلتُ. فقط ما هو من أصالتك كإنسان يكلّمك به ولا يترك شيئاً فيك إلاّ يقدّم لك نفسه به. إذا لم تكن لتفهم فهذا لأنّك تكون مبتلَعاً من أهوائك، مستلَباً من خطاياك. الأصالة التي يُفترض بها أن تكون لك كإنسان تمسي مزغولة. إحساسك العميق بالأصالة يكون ضامراً. فلا يقولن أحد إنّه غير معروف من ربّه، بل ربّنا أقرب إلينا من حبل الوريد. نحن الذين لا نعرفه لأنّ أهواءنا تجعلنا ننصرف عنه. وهذا يجعلنا، في الحقيقة، غرباء لا عنه وحسب بل عن أنفسنا أولاً. "طالت غربتي على نفسي" كما يشتكي المرنّم في المزامير. معاناتنا أنّنا اعتدنا ذواتنا في الاعتلال حتى بتنا نعتبر العلّة كَمِن الله. في ظنّنا أنّ الله خلقنا في المعطوبية فيما خلق، في الحقيقة، كل شيء حسناً. يسوع، في المبدأ، في متناول كل إنسان. طالما تجسّد فقد صار، كيانياً، في المدار الداخلي للناس أجمعين. يكفي الإنسان أن يكون سليم النيّة، مستقيم القلب، حتى يصير مهيّئاً لتجلّي يسوع في حياته. ليس أحد منسياً، لا ولا واحد. المهم ألا يكون المرء معانداً في الباطل. المهم ألا يكون مستسلماً لأهوائه. إن كان لطيفاً ودوداً في امتداده صوب الآخرين، إن كان محبّاً للحقّ، فرحاً به، ساعياً إليه، منفتحاً عليه، إن كان مستعداً لأن يعترف بخطئه، لأن يغفر، لأن يسأل المغفرة، فلا يمكن إلاّ أن يستقر عليه روح الربّ. صحيح أنّ الناس، في شرع الله، بالناس يُصْلَحون، صحيح أنّ أهل الإيمان بيسوع مكلَّفون بالكرازة بكلمة الحياة، بإنجيل الحقّ، لكن الصحيح أيضاً أنّه "بدوني [أي بدون السيّد] لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً". فـ "إن لم يبنِ الربّ البيت فباطلاً يتعب البنّاؤون". إن لم يهيِّء الربّ القلوب والظروف والأحوال فعبثاً يتعب المرسَلون. وبالعكس حيث لا رسول فلا خوف على أحد ألا تصله الكلمة إن كان مستعداً لتقبّلها. شوق الأرض إلى المطر يستدعيه. الأذن المستعدة للسماع لا يتركها السيّد من غير متكلِّم. هو يدبِّر كل شيء. هو يوفد الرسل في الوقت المناسب والمكان المناسب. لا الرسل فقط بل الملائكة أيضاً متى دعت الحاجة. إذاً لا حجة لأحد في أن الكلمة لم تصل إليه ولا خوف ، بالناس ومن دون الناس. حاله الكيانية تكذّبه في يوم الدينونة أنّه لم يكن راغباً في الكلمة، مستعداً لتقبّلها، لذا لم تأته، لأنّ القائل "لا تلقوا درركم قدّام الخنازير" هو العارف بمكنونات القلوب وهو الممسك كلمته عمن يتمسّكون بخنزيرية المسرى. المسألة أولاً وأخيراً ليست في يد الناس بل في يد سيّد الناس، والناسُ لديه ملائكة يرسلهم إلى حيثما يشاء قصده. ليس أحدٌ أصيل يذهب من نفسه بل ذوو الأصالة كإشعياء يكونون. هذا أتاه السؤال: "مَن أُرسل ومَن يذهب من أجلنا" (6: 8) فقال إشعياء: "هاءنذا أرسلني"، فناداه السيّد: "اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعاً...". ليس أحد يذهب عن السيّد لأنّ السيّد ليس بغائب. لذا يذهب بروحه معه. يكون له الملاك لساناً. هذه طغمة المرسَلين أو يوجدون دخلاء مفترين على الاسم الحسن. هؤلاء ولو أثمروا في الظاهر واجتذبوا أقواماً فثمرهم لا يدوم لأنّ بركة العليّ ليست فيهم. وما يأتونه لمجدهم والافتخار بأجساد الناس يأتونه. لذا كان كل عمل لأجل الله نابعاً من إيعاز من الروح القدس. وهذا لا يتيسّر إلاّ للذين صفت نفوسهم وتنقّت دواخلهم وصاروا لكلمة الله فيهم سمّاعاً صاغرين. حامل الكلمة نبيّاً يكون أو ذا لغوٍ لا يعرف عما يتكلّم ولا لمَن يشهد. وأنت إن لم تكن من ربّك، ولو ظننت أنّك منه، عن حسن نيّة أو عن سوء نيّة، فإن جهدك، في نهاية المطاف، مصبّه عدو الخير لأن "مَن ليس معي فهو عليّ، ومَن لا يجمع معي فهو يفرّق"؛ أجل، معي لا عنّي! كم من حوار يجري ومؤتمر يُعقد باسم الله ولا يكون من الله، ولا يُشهد له فيه. بِيُسرٍ يتكلّم الكثيرون من بنات عقولهم عن الله وليس الله فيهم لأنّهم يتكلّمون من غبش نفوسهم لا من نور الله. هؤلاء نفسانيون جسدانيون، يحوّلون كلام الله إلى تجارة يبيعون فيها ما لله ويشترون. يدغدغون الأسماع ويُسَرُّون بصناعات أقلامهم وإفرازات أدمغتهم ولا يبنون أحداً ولا تأتي أقوالهم بأحد إلى توبة صدوق ولا تؤول أحاديثهم إلى خلاص. الكلمة شأن خطير! إن لم تبنِ هدمتَ وإن لم تُرشدْ أضللتَ. لا نؤخذَن بصورة الكلام ورنّته. هذه كثيراً ما تبدو على غير حقيقتها وترمي إلى غير مدارها الإلهي المزعوم. خذها قاعدة ما لا يبثّ فيك التوبة والخشعة واتضاع القلب وفرحاً هادئاً عميقاً وتمجيداً لله هذا يكون لغواً من نفسٍ لا تشاء أن يتكلّم الروح فيها بل تتكلّم من ذاتها وتجيِّر الروح لمراميها. هذه تَضِلّ وتُضلّل باسم الله. أما الذين يسيرون في نقاوة القلب فنور الله يجعلهم أبصرَ بصيراً. يعرفون من أين أتوا وإلى أين يذهبون. ولهم في أنفسهم يقين. يرعون نفوس العباد على الخلاص ولا يتركون لأهوائهم أن تعبث بهم وبها على غير هدى في ظلمة أهوائهم. القدّيسون يقودون المسير ويؤمّون العبادة في الهيكل لا تجّار الكلام وصيارفة النظريّات! |
||||
25 - 07 - 2014, 05:18 PM | رقم المشاركة : ( 4625 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
معلّم الذمّة \ الاب الروحي
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي دوما معلّم الذمّة تسمية أخرى للأب الروحي. الحياة الروحيّة، أي الحياة المسيحيّة، لا تُرتَجل، لا سيما في هذا الزمان الرديء. قلّما عادت العائلة مخزنَ الحكمة الإلهيّة المعيشة. هناك تقليد تآكل ولم يبقَ منه غير الفتات. تحوُّلُ العالم إلى قرية، خصوصاً بالإعلام والضغط الإجتماعي الدهري المحتفّ بالناس، أتيا على معظم التراث الكنسي الوجداني الحيّ المنحدر إلينا من مئات السنين. لذا كلٌّ بحاجة إلى من يهديه السبيل في مسير الحياة في المسيح. الدخول إلى داخل القلب وتبيّن الطريق فيه إلى الملكوت أصعب، بما لا يقاس، من ولوج أدغال الأمازون. في القلب جبال ووديان فكرية وفيه مستنقعات ومهاوٍ وفخاخ، وفيه أيضاً مروج وحدائق غنّاء. أنت بحاجة إلى دليل مختبَر يقتادك وإلاّ تضيع. أن تعرف نفسك وأن تعرف كيف تسلك في الإلهيّات ضرورة يبقى الإنجيل، من دونها، باباً موصداً. أن تتعلّم الـ "كيف" شرط المعرفة الحقّ. هناك معرفة نظريّة وهناك معرفة خبريّة. طبعاً المعرفة النظريّة لازمة لكل مؤمن. ما لم تقرأ ما في الكتب، أو ما لم تسمع ما ورد في الكتب سَمْعَ الأذن لا تفهم ما بإمكان العقل ومن واجب العاقل أن يحصّله من فهم. ولكن ما لم يكن اطّلاعك الكتبي في معرض اختبار ما قرأت، من خلال مَن خَبِرَ ويختبر التراث المعيش، فإنّك تكون كمَن يقرأ كتاباً في جراحة الأعصاب ويظنّ أنّه صار بإمكانه أن يُجري عمليات جراحيّة في الدماغ. المشكلة، اليوم، بخاصة، أنّ الناس يقرأون، أو يطّلعون على نحو مجتزأ، على بعض ما ورد في الإنجيل، ثمّ يتكلّمون عليه. بعد ذلك يحسبون أنّهم صاروا من العارفين. وينتهي بهم المطاف بأن يتعاطوا الإنجيل كلاماً، ويردّدون ما يُروى من قصص وتعليقات، هنا وثمّة، فيما يكون سيرهم الكياني وفق بقايا الناموس الطبيعي فيهم وما التقطوه بالخبرة، حسناً ورديئاً، دون حسّ أو تمييز يُذْكَر بين ما هو من النعمة وما هو من الروح الخبيث وما هو من الطبيعة. العائلة، في الأساس، كانت هي حاملة الوجدان الكنسي. الوضع اليوم تغيّر. العائلة غزتها الدهريّة. أكثر الذين يتردّدون على الكنائس ويقرأون أو حتى يصومون ويتغنّون بمحبّة الله يؤدّون، بالأحرى، ما يؤدّونه خارجيّاً، فيما يسلكون بيسر في الحقد والحسد والزنى والكذب والرشوة وسواها، ويعتادونه بحيث يُسمّون الموبقات بغير أسمائها ويبرِّرون ما يأتونه كعن ضعف أو يجدون لأنفسهم ألف سبب تخفيفي. الواقع الواقع أنّنا قلّما نجد، اليوم، اختلافاً في الفكر العام بين المسيحيّين وغير المسيحيّين أو في سلوك هؤلاء وسلوك أولئك. حسّ الإلهيّات أصابه الضمور إلى حدّ بعيد. وفي غياب العائلة المسيحيّة، إلاّ قليلاً، ما هو البديل؟ مَن الذي يُحيي الحسّ الداخلي؟ مَن الذي يربّي الناس على معرفة الذات؟ مَن الذي يعينهم في كيفية حفظ الوصايا الإلهيّة؟ البديل هو، بالضبط، معلّم الذمّة. هو الأب الروحي، والأم الروحيّة حيثما وُجدت. طبعاً يتّجه الذهن، تلقاء، في البحث عن معلّمي الذمّة، إلى الكهنة، بخاصة، وكذا إلى الأساقفة. هذا أمر طبيعي. تقليدياً هؤلاء وأولئك كانوا يُختارون من الأتقياء والقدّيسين، لذا كانوا يُعينون. اليوم غلب، لدى الرعاة، هاجس المعرفة اللاهوتيّة النظريّة والطقوسيّة والرعاية الاجتماعيّة على همّ التقوى والقداسة. التقوى والقداسة مسيَّبان أو معتبران تحصيلاً حاصلاً. بكلام آخر اهتمام الكهنة والأساقفة صار، بالأحرى، طقوسياً نفسانيّاً اجتماعيّاً ولما يعد روحيّاً. لذا صار التبجّح والانتفاخ عنوان الأكثرين. في هذه الحال بتّ ترى من الرعاة مّن يعظون جيّداً ويعلّمون جيّداً ويكتبون جيّداً ويرتّلون جيّداً وينظّمون الرحلات والسهَرات والحملات الماليّة بشكل جيّد، دون أن ترى فيهم، إلاّ قليلاً، علائم التقوى أو التواضع أو الوداعة. يُعثرك، مثلاً، تعامل العديد منهم مع المال أو صلفهم أو كلامهم على بعضهم البعض، أو سعيهم إلى أذيّة بعضهم البعض، أو حتى استرخاؤهم بإزاء قوانين الكنيسة والعفّة. المؤمنون يرون ذلك، أكثره، ويسمعونه فيضمر إحساسهم بالأكثر. الرؤساء الذين يسمحون لأنفسهم بما لا تسمح به الوصيّة والقانون الكنسي يُفسدون الناس وهم لا يعلمون أو لا يبالون. الناس يتعلّمون من سلوك الرعاة أكثر مما يتعلّمون من أقوالهم. الراعي الذي يكلّمك بشيء ويعمل شيئاً آخر لا يعود الناس يسمعونه ولو سمعوه. لا يحملون كلامه، من بعد، على محمل الجدّ. فإذا لم يكن الرعاة مثالاً طيّباً فماذا تفعل إذ ذاك؟ لا شكّ أنّك تجد نفسك في مأزق كبير! من هنا أنّ الحاجة في تنشئة الرعاة أوّلاً هي إلى التربية الروحيّة، إلى التتلمذ على معلّمي ذمّة معروفين ومشهود لهم بالتقوى والمعرفة الروحيّة. أن يتعلّم رعاة المستقبل كيف يتوبون وكيف يطيعون وكيف يعيشون في الفقر من أجل الله وكيف يتّضعون وكيف يكشفون مكنونات قلوبهم وكيف يسهرون في الصلاة وكيف يصومون وكيف ينكسرون في تعاملهم بعضهم مع البعض الآخر، وكيف ينظرون في حركة نفوسهم ونواياهم وكيف يجاهدون من أجل حفظ الأمانة لله ونقاوة القلب وكيف يصمتون وكيف يَقبلون التقريع والملاحظة وكيف يَخدمون بغيرة ويتعبون ولا يطلبون الراحة وكيف يقولون: "سامحني" وكيف يبكون سائلين العليّ أن يعينهم على تجاربهم، أن يتعلّم رعاة المستقبل كل ذلك بحاجة إلى تنشئة من هذا النوع تمتدّ ما لا يقل عن السنتين إلى الثلاث السنوات. فقط ساعتذاك إذا ما انكبّوا على قراءة كتب اللاهوت والعلوم المساعِدة يكون انكبابهم في السياق السليم والإطار الصحيح، في النقاوة لا في النجاسة. من دون التنشئة الروحيّة نكون كمَن يعطي سلاحاً وتدريباً على حمل السلاح لمَن لا روح وطنيّة لهم. هؤلاء بدل أن يذودوا عن الوطن، يفتكون بأبنائه ويستأسرونهم لأهوائهم ويستعبدونهم لمقاصدهم. فقط الراعي التقيّ القدّيس الذي يستعمل كلّ كتاب وكّل نشاط بقصد التقوى والقداسة يمكن أن يكون راعياً لخراف المسيح وإلاّ استحال ذئباً من حيث يدري ولا يدري. ومَن لا يصلح لأن يكون مثالاً في مخافة الله والمحبّة والفقر والوداعة والتواضع لا يصلح للرعاية ولو كانت له ألف شهادة دكتورا. شهادة معلّم الذمّة تأتي أوّلاً! اليوم التيار ليس في هذا الاتجاه بكل أسف. نحن نسير في الاتجاه المعاكس. تُرى هل يعي الرعاة ما هم فاعلون وإلى أين يسوقون هذا الشعب القطيع؟!! لا شكّ أنّنا بحاجة إلى صحوة ضمير ونعمة الله لنُصلح ما فَسُد من ممارساتنا الراهنة، وما أكثرها! |
||||
25 - 07 - 2014, 05:20 PM | رقم المشاركة : ( 4626 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
صلوا كل حين
" ينبغى أن نصلى كل حين ولا نمّل " ( لو 18 : 1 ) + عندما نتأمل فى تلك الآية ، يتبادر إلى ذهننا سؤال هام ، وهو " لماذا أوصانا رب المجد يسوع ، بأنه ينبغى لنا أن نصلى كل حين. نستطيع أن نوجز الأسباب فيما يلى : · نصلى لأننا خطاة، ولكى نعلن للرب توبتنا ، وليخلصنا من خطايانا . · ونصلى لأننا ضعفاء، لنتقوى بالروح ، ولتظهر قوة الله فى ضعفنا. · لأننا محتاجين لأمور كثيرة، ليسد احتياجاتنا بغناه . · لأننا نجتاز كثيراً من التجارب، ونصلى لكى لا نيأس أو نحزن أو ننهار . · لأننا قد نضطرب ونقلق أو نحتار، ولكى نتمتع بسلام الله الحقيقى. · لأننا قد نمرض جسدياً، أو نعتل روحياً ، لكى يشفينا الطبيب الحبيب . · لأننا نُحارِب ضد الجسد، وأبليس ، والعالم ، لكى يعّظُم بالمسيح انتصارنا . · لأننا فارغين، ونصلى لكى نمتلئ بالروح القدس ( بثماره ) . · لأننا مؤمنين بعمل الله، ونصلى لننمو فى النعمة ، وننضج روحياً. · لأننا أبناء الله، ونصلى لنشكر ه على عطاياه وأبوته الحانية . · ولأننا لنا احتياجات كثيرة روحية ومادية ونصلى له، لينعم بها علينا. · ولأننا جنود فى الحرب ضد أبليس، ونصلى ليساعدنا الرب فى تلك الحرب الروحية الشديدة، والمستمرة طول عمرنا على الأرض. · ولأننا غرباء فى العالم، ونصلى لكى يجعلنا نرحل فى رضاه. · ولأننا نرغب فى الخدمة، ونصلى ليملأنا بالروح ، لكى نكسب النفوس . · ولأننا نزرع كلمة الحياة، ونصلى لكى يعطيها ثمراً فى قلوب السامعين . · ولأننا نزرع بالدموع، ونصلى لكى نحصد بابتهاج ، فى عالم المجد . · ولأننا كثيراً ما يعترينا الفتور الروحى، ونصلى لنكون حارين فى الروح دائماً . · ولأننا كحملان وسط ذئاب، ونصلى ليحفظنا الراعى الصالح دائماً. · ولأننا نعيش فى بحر هائج، وملئ بالأمواج العاتية ، ونصلى لكى يُهدئه لنا . · ولأننا نحيا فى عالم شرير، نصلى لكى يحفظنا من عثراته العديدة. · ولأننا نحمل صليبه، كل يوم ، نصلى لكى يحمله معنا ، ويتوجنا بإكليله . · ولأننا نحتاج إلى عزاء، ونصلى لأنه مصدر العزاء الوحيد . · ولأننا نريد أن ننمو فى النعمة، ونطلب أن يهبنا وسائطها . · ولأننا نرى قامات روحية مباركة، نصلى لكى نقلدها ، فى جهادها مع النعمة. · ولأننا قطيع صغير، ونصلى لكى يحفظنا الرب فى برية العالم الموحشة . · ولأننا نريد أن ننمو فى الفضيلة، ونصلى ليساعدنا فيها . · ولأننا تحتاج إلى الإيمان، ونصلى لكى يقوى إيماننا به . · ولأننا ليس لنا مُعين سواه، لذلك نصلى لكى يقف بجوارنا . · ولأننا نحتاج لتفسير وتأمل كتابه، نصلى ليكشف لنا كنوزه . · ولأننا نرى كثيرين فى ضيقات، ونصلى لكى يُخرجهم الله منها. · ولأننا نطلب الإستنارة للقلب والذهن، ونصلى ليهبها الله لنا . · ولأننا ننتظر مجئ الرب فى أى وقت، ونصلى لكى نراه ونفرح بلقياه ، فى دنياه وفى سماه . · ولأننا نعيش فى عالم مضطرب، نصلى لكى يحل السلام ، فى كل قلب ، وفى كل مكان فى العالم . + فتذكروا دائماً - يا أخوتى وأخواتى وصية رب المجد ، وهى أن تصلوا كل حين ، ونفذوها بكل جهاد وهمة ، ليتحقق لكم كل ما سبق ذكره ، ولتنعموا بخيره الوفير وبركاته. |
||||
25 - 07 - 2014, 05:24 PM | رقم المشاركة : ( 4627 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هلمَّ نلبّي دعوة ربنا يسوع المسيح
قال الرب يسوع: «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم» (مت 11: 28) في غِمار الحياة الدنيا، وظلامها الدامس، على أثر سقوط الإنسان الأول في وهدة خطيئة الكبرياء، وانفصاله عن السماء، وطرده من فردوسه إلى أرض الشقاء، خبط البشر كافة خبط عشواء في الليلة الظلماء، ورزحوا تحت نير إبليس الرجيم وعلى حد قول الرسول بولس: «إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد اللّه»(رو3: 23) وغدوا بأمس الحاجة إلى إله المجد، المخلّص الذي وعد اللّه الآب بإرساله إليهم ليقيم الصلح بين الأرض والسماء ويصنع السلام بين خالق السماء والأرض، وبين الإنسان أسمى مخلوقاته، وبهذا الصدد يقول مار بولس الرسول: «ولكن لما جاء ملء الزمان أرسل اللّه ابنه مولوداً من امرأة مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبنّي» (غل4: 4و5)، «لأن ليس لنا رئيسُ كهنة غيرُ قادر أن يَرثيَ لضعفاتِنا بل مُجَرَّبٌ في كل شيء مِثلُنا بلا خطيّة»(عب4: 15). أجل لقد لمس الرب يسوع عملياً خلال تدبيره الإلهي العلني بالجسد، لمس شقاء بني البشر ومعاناتهم بصراعهم المرير مع إبليس عدوهم اللدود الذي يحاول في كل حين إدخالهم بالتجارب القاسية، وينبّهنا مار بطرس هامة الرسل منه بقوله: «اصحوا واسهروا لأن إبليس خصمكم كأسد زائرٍ يجول ملتمساً من يبتلعه هو، فقاوموه راسخين في الإيمان عالمين أن نفس هذه الآلام تُجرى على إِخوتكم الذين في العالم»(1بط5: 8 و9). فكم سخّر إبليس وجنده عوامل الطبيعة لإهلاك نفوس البشر، وكم سبّب لهم الآلام القاسية والأوجاع المبرحة والضيقات والمشقات الشديدة، وكم أغرى العديد منهم وخدعهم فتركوا بيت الآب السماوي كما فعل الابن الضال، وبدّدوا النعم التي أسبغت عليهم في التمرّغ بالخطايا في أرض الغربة، فهيمن عليهم القلق والاضطراب والقنوط وعذاب الضمير لأنهم قد انفصلوا عن اللّه، وبهذا الصدد يقول النبي إشعياء لأمثالهم: «ها أن يد الرب لم تقصُر عن أن تُخلِّص ولم تَثقَلْ أُذنُه عن أن تَسمع بل آثامكم صارت فاصلة بينكم وبين إلهكم وخطاياكم سترت وجهه عنكم حتى لا يسمع»(إش59: 1و2). فقد كلّم اللّه الآباء عبر الدهور والأجيال بالأنبياء وأنزل بوساطتهم للبشر النواميس والشرائع وسنّ لهم الفروض ليكونوا قريبين من اللّـه تعالى ولكن بعض الذين كانوا قد اؤتمنوا على حفظ النواميس وتلقينها بني البشر أضافوا عليها من عندياتهم وصايا بشرية عسيرة الحمل فوبّخهم الرب يسوع بقوله: «ويل لكم أنتم أيها الناموسيون لأنكم تُحمِّلون الناس أحمالاً عسيرة الحمل وأنتم لا تَمَسُّون الأحمال بإحدى أصابعكم» (لو11: 46) لذلك دعا الرب يسوع بني البشر كافة الذين أتعبتهم تكاليف الحياة الدنيا أن يتبعوه ليجدوا الراحة التامة جسداً وروحاً قائلاً: «تعالوا إليَّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم احملوا نيري عليكم وتعلّموا منّي لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم لأن نيري هيّن وحملي خفيف»(مت11: 28ـ30). أجل إننا في كل مراحل حياتنا على الأرض كأفراد وجماعات، ندخل بتجارب متنوعة قاسية، وتصادفنا عقبات كأداءُ كثيرة جداً وليس من الهيّن علينا اقتحام هذه الصعوبات بأنفسنا ما لم نلبِّ دعوة المخلص ربنا يسوع المسيح الذي يدعونا لنتبعه ونحمل نيره الهيّن الخفيف الذي هو صليب التضحية ونكران الذات ونتحرّر من نير إبليس الثقيل، وأن نقتدي به ونتعلّم منه الوداعة والتواضع، لننال به الراحة والسعادة الحقيقيتين في العالمين. أيُّها الأحباء: قضى الرب يسوع مرة النهار كلّه يعلّم الناس ويشفي مرضاهم فهدّ التعب حيله، ولمّا جاء المساء أمر تلاميذه بالعبور إلى الجانب الآخر من البحيرة، فصرف التلاميذ الجمع وأقلعوا في السفينة الصغيرة التي كانت تلازمه (مر3: 9) ونام الرب يسوع على وسادة في مؤخرة السفينة، فهبّت فجأة العاصفة الهوجاء، وهاج البحر وماج، ولطمت أمواجه العاتية السفينة وكادت تغرقها، وشعر التلاميذ بالخطر فخافوا خوفاً عظيماً، وبعد أن بذلوا قصارى جهدهم، وسخّروا كل خبراتهم في ركب البحار في إنقاذ السفينة، وفشلوا ويئسوا من النجاة، التجؤوا إلى الرب يسوع فأيقظوه وقالوا له: «يا معلمُ أما يهمّك أننا نهلك فقام وانتهر الريح وقال للبحر: اسكُت ابكم، فسكنت الريح وصار هدوء عظيم، وقال لهم: ما بالكم خائفين هكذا كيف لا إيمان لكم. فخافوا خوفاً عظيماً وقالوا بعضهم لبعض: من هو هذا فإن الريح أيضاً والبحر يطيعانه؟!»(مر4: 38ـ41). أجل لقد انتهز إبليس فرصة نوم الرب، ولأول مرة يذكر الإنجيل المقدس أن الرب نام، فهيّج إبليس البحر ليهلك تلاميذ الرب الأطهار ولكن الرب الذي قيل عنه أنه لا ينام ولا يهجع وهو الحارس القدير لاتباعه. وهو كما ناجاه النبي داود قائلاً: «من مثلك قوي... ومتسلّط على كبرياء البحر عند ارتفاع لججه أنت تسكنها» (مز89: 8و9). قام الرب حالاً وانتهر الريح وقال للبحر: اسكت أبكم، فسكنت الريح وصار هدوء عظيم. وانكشفت قوة الرب السامية على قوات الطبيعة التي لا سلطان للإنسان عليها، ووبّخ له المجد تلاميذه بقوله: كيف لا إيمان لكم. في جيلنا هذا الملتوي وفي غمار حياتنا كأفراد وجماعات نحن الذين نلنا نعمة المعمودية المقدسة باسم الرب يسوع نشابه أحياناً عديدة تلاميذه الأطهار ونقلق عندما تصادفنا المصائب والمصاعب وننسى أنَّ السفينة لا يمكن أن تغرق طالما الرب فيها، وإن كنيسته المقدسة التي تشبه السفينة في وسط البحر لن تتزعزع مهما كانت صغيرة، ومهما تقاذفتها الرياح العاتية. ولكن إن ابتعدنا عن الرب وكان الرب بعيداً عنّا وعن سفينتنا حينذاك يجب أن نشعر بالخطر لأن إبليس كوحش يزأر يريد ابتلاعنا. فلنكن مع الرب دائماً أيها الأحباء، قولاً وعملاً، لننال منه القوة الإلهية، ونشعر بأن عنايته الربانية تكتنفنا وعينه الساهرة ترمقنا، وهو يُنقذنا من المصاعب والضيقات، فلا نتزعزع مهما حمي وطيس الحرب واشتد القتال مع إبليس وجنده من الشياطين والبشر، وما علينا إلا أن نبقى صامدين ثابتين على إيماننا المتين. فالمسيح معنا وقد وعدنا قائلاً: «لأنه حيثما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي فهناك أكون في وسطهم» (مت18: 20) لذلك لا يهملنا ولا يتركنا بل هو «عمانوئيل» اللّـه معنا، وروحه القدوس لن ينزعه منا. ولئن كان تعالى يسمح أحياناً لإبليس ليجربنا، ولكنه لا يسمح له بإهلاكنا، وبهذا الصدد يقول مار بولس الرسول: «... لكنّ اللّـه أمين الذي لا يدعكم تُجربون فوق ما تستطيعون بل سيجعل مع التجربة أيضاً المنفذ لتستطيعوا أن تحتملوا»(1كو10: 13). أيُّها الأحباء في الظروف القاسية الراهنة التي يمر بها عالمنا اليوم وقد فشا فيه العنف والظلم والطغيان، واشتدت فيه الانحرافات الدينية والأخلاقية والاجتماعية، وابتعد أغلب الناس عن اللّـه تعالى. هلمّ لنلبّي دعوة ربنا يسوع المسيح ونلتجئ إليه، ولنردّد دعاء أحد الأتقياء وهو يناجيه له المجد قائلاً: «لقد آمنت بك يارب فزدني إيماناً، وعليك اتّكلت يا إلهي فزدني اتكالاً». ولنقل مع صاحب المزامير: «الربُّ نوري وخلاصي ممن أخاف الرب حصن حياتي ممن أرتعب»(مز27: 1) وقوله أيضاً: «الربُّ راعيَّ فلا يعوزني شيء... يرد نفسي يهديني إلى سبل البر من أجل اسمه، أيضاً إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرّاً لأنّك أنت معي عصاك وعكازك هما يعزيانني»(مز23: 1ـ4). ولننتهز فرصة قدوم الصوم الأربعيني المبارك ونقرن الصوم بالصلاة والتوبة النصوح وتوزيع الصدقات طالبين إلى الرب لينشر أمنه وسلامه في أقطار المسكونة كافة ولا يدخلنا بالتجارب بل ينجينا من الشرير |
||||
25 - 07 - 2014, 05:25 PM | رقم المشاركة : ( 4628 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كيف يكون الشفاء من الأفكار ؟ (من كتاب اليقظة والصلاة للكاهن يوحنا كاسيان) والرسول بولس يتكلم عن ذلك عندما يخاطب تلميذه تيموثاوس (2تيمو5:4) "تيقظ في كل شيء". الآباء القديسون يتكلمون عن الموضوع هذا بتوسع. ما هي اليقظة؟ إنها سجن الأفكار. القديس يوحنا السلمي يعلمنا أن سجن الأفكار شيء، وحفظ الذهن شيء آخر. حفظ الذهن أسمى من سجن الأفكار. إن حفظ الذهن نقياً، ليس هو الاحتفاظ بالعقل نقياً. نقاوة الذهن (النوس) تتطلب نقاوة الأفكار، فيستحيل أن يكون المرء نقياً في الداخل إذا كان عبداً لأفكار شريرة. إن نصيحة الآباء لنا هي أن نجمع الذهن (النوس) أعني قوة النفس، في جوهرها، وأن ننتبه للأفكار مقاومين أفكار الشهوات. من الواجب أن ننتبه للأفكار والذكريات والخيالات والصور محتفظين بذكر الله ومتأملين بالأفكار الصالحة. القديس سلوان الآثوسي يعلمنا وينبهنا أن الشياطين تعمل على تسميمنا، وذلك لينفصل الذهن عن الصلاة فيهمل الإلهيات. في البداية يبدو الفكر الشرير صالحاً، ثم ما يلبث أن يتغير مفصحاً عن طبيعته. لهذا علينا أن نقاوم أي فكر حتى لو بدا صالحاً (الارشمندريت صوفرونيوس -الأب سلوان-ص169). ينبغي أن نحفظ عين النفس نقية (الذهن). فكما أن عين الجسد يجب أن تكون نظيفة حتى نرى بوضوح، هكذا يجب أن تكون عين النفس لنسلك بأمان. إن حفظ الذهن، وسجن الأفكار، تُسمى في الأدب النسكي (الهدوء القلبي) لهذا فالهدوء بالمفهوم الأرثوذكسي ليس هو خارجياً أو جغرافياً. الهدوء المكاني هو بداية للهدوء القلبي. الهدوء القلبي يعني أن يكون القلب هادئاً. ويعلمنا القديس ثالاسيوس في هذا الصدد: "اضبط أحاسيسك من أجل بلوغ الهدوء. اضبط أفكارك، ليهدأ قلبك". الجوع الى الله، العطش اليه، السهر، الانقطاع وسواها، تساعد الانسان على التحرر من الخيالات والذكريات والصور والأفكار. حب المجد الفارغ، حب اللذة، الطمع، الماديات، حب المال، هي أسباب تحرك في الانسان ذكريات عديدة تمرمره وتحزنه وتغضبه. الشهواني يحزن لأنه معرّض أن يفقد موضوع شهواته. لهذا فإن احتقار الماديات والدنيويات التي تغربنا عن الله، من شأنه أن يقطع دابر المسببات ويلجم الأفكار وغيرها. ولا بد -إذا ما أراد الإنسان التحرر من الأهواء- أن يجاهد ضدها، وضد الأفكار التي تسببها. ويجعل الآباء القديسون علاجات لكل مرض. فهوى الزنى يُحارب بالصوم والسهر والعمل والصلاة. وهوى الغضب والحزن، بمقت الشرور وبالصلاة من أجل من يحزننا ويخدعنا. إن أمراً آخر واجب من أجل هذه النصرة، إنه قطع الملذات وانفطام القلب عن الدنايا. قطع ملذات القلب يتطلب قطع ملذات الجسد. حاجات الجسد شيء، وملذاته شيء آخر. اللذة عملاق كبير في الحياة الروحية، بدون ضبطها والسيطرة عليها، يتعذر السعي في سبيل الكمال. أغلب الناس في هذا العصر يُحارَبون بالشهوات والملذات. المرأة هي موضوع الساعة. إنها واجهة أي معروض عبر وسائل الاعلام. الإنسان في هذا العالم يذوب كالشمع أمام النار عندما يستسلم للملذات. كذلك فإن ضراوة الأفكار تتلاشى، والأفكار تتبدد، عندما نتمسك بالله من كل القلب والنفس والجسد والروح. دواء آخر واجب في المسير الروحية: إنه العمل والنسك. والصوم دعامة كبيرة في دنيا الشهوات والملذات. إنه ركن وطيد في عيش الصلاة وتنقية القلب. لا تبلغ الصلاة مرماها بدون تعب وبدون جهاد. هذا ينبغي أن نعمله في كل يوم وفي كل ساعة كما تقول صلاة النوم الصغرى. يحتاج المرء في كل ما ذُكر إلى عناد ومقاومة. التراخي يؤذي صاحبه. إنَّ الأدب النسكي يعج بالنصائح والمواجهات. ولا بد لنا من مطالعته إذا أردنا الاستفادة من خبرات الآباء ونصائحهم. إن القديس مكسيموس المعترف يطالبنا بواجب السيطرة ليس فقط على الأهواء الجسدية، بل النفسية أيضاً، فبدون الثانية، يستحيل تحقيق الأولى. إن لصلاة الرب يسوع فعلاً عجيباً في بنائنا الروحي. إن من خاض غمار هذا الدرب المقدس بروح الآباء القديسين لا بد أن يصل الى قداسة قلبه ونفسه وحياته. الروح القدس بيده القدوسة يرفع الجراح عن النفس المحبة لله. الله لا يدع أحباءه في الهاوية. إن من بلغ هذه الحالة يعرف أنه صار إلهاً بالنِّعمة. |
||||
25 - 07 - 2014, 05:26 PM | رقم المشاركة : ( 4629 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نحن نعلم أنَّ جُند المسيح لا يُذبحون ولكنَّهم يُتوَّجون رسالة للقدِّيس كبريانوس أسقف قرطاجة (+ 258)، القرن الثالث (كتبت هذه الرسالة خلال فترة الاضطهاد الدمويّ ضدّ الكنيسة) ولكن اِعلم أنَّ المُرسَلين الذين أرسَلتُهم أنا إلى روما قد رجعوا الآن. كنتُ قد أرسلتُهم لكي يستعلموا عن حقيقة ما قد حُكِمَ بأمرنا، لأن الكثير من شائعات وأقاويل كثيرة أخذت تتضارب بخصوص هذا الموضوع. هذه هي حقيقة الأمر: إنَّ فاليريان [الإمبراطور الروماني] قد أرسل مرسومًا إلى مجلس الشيوخ الروماني يُطالب فيه بالمباشرة، وبلا مماطلة، بحملة إعدام ضدَّ جميع الأساقفة والكهنة والشمامسة. أمَّا فيما يتعلَّق بأعضاء مجلس الشيوخ المسيحيين (أولئك الأشخاص المرموقين من طبقة الفرسان)، فسوف يُجرَّدون من مناصبهم وتُصادر كلُّ أملاكهم، وإذا ما وُجِدُوا، حتى بعد تَجريدهم من مناصبهم وممتلكاتهم، لا يزالون مُصرِّين على الاعتراف بمسيحيَّتهم، فسيُحكم عليهم، هُم أيضًا بالموت. كذلك السيِّدات المسيحيَّات من الطبقات الاجتماعيَّة المرموقة سوف تُجردنَّ من أملاكهنَّ وسوف يتمُّ نفيهنَّ. أما أعضاء الحاشية الإمبراطوريَّة، إذا ما وُجد أحدهم وقد اعترف سابقًا أو يعترف حاليًا بمسيحيَّته، فتُصادر كلّ مُمتلكاته ويُودع السجنَ داخل الحامية الإمبراطوريَّة. وقد ألحق فاليريان مع هذا المرسوم، نسخة من الرسالة التي وجَّهها إلى حُكَّام المُقاطعات بما يختصُّ بأمرنا. كلَّ يوم، نحن نأمل وصول هذه الرسالة، لأننا ثابتون بالإيمان ومُستعدُّون لتحمُّل العذاب على رجاء الفوز بإكليل الحياة الأبديَّة، وذلك بمساعدة الربّ ورحمته. يجب أن تعرف أيضًا أنَّ أخانا سِيكْستُوس قد أعدم في أحد الدهاليز في السادس من شهر آب واستشهد معه أربعة شمامسة. أضف إلى ذلك، أنَّ الولاة في روما يدفعون بهذا الاضطهاد بعزم قويّ وغيرة شديدة بلا هوادة، حتى أنَّهم يُعاقبون كلّ من يمثل أمامهم بعد مُصادرة أملاكه التي يضمُّونها إلى الخزينة. أسألك أن تُعمِّم هذه المعلومات على إخوتنا الأساقفة لكي يوعزوا إلى الكهنة في كل مكان ليُشدِّدوا الأخوة المؤمنين ويُحضِّروهم لخوض المعركة الروحيَّة. فليُركِّز شعبنا المؤمن فكره، لا على الموت، بل على الخلود؛ ليودعوا ذواتهم للربّ بإيمان كامل وشجاعة لا تفتر، عالمين، من خلال هذه المباراة، أنَّ جُند الله والمسيح لا يُذبحون بل، على العكس، هم يربحون الأكاليل. أستودعك الربّ أيها الأخ الحبيب، + بشفاعة رئيس كهنتك كبريانوس، أيها المسيح إلهنا، ارحمنا وخلصنا. آمين |
||||
25 - 07 - 2014, 05:28 PM | رقم المشاركة : ( 4630 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الانتقام المسيحي! في الرسالة إلى أهل رومية: "لا تنتقموا لأنفسكم أيّها الأحبّاء... لأنّه مكتوب لي النقمة أنا أُجازي يقول الربّ" (12: 9). هذا مستمدَد من تثنية الإشتراع، الإصحاح 32. الكلام على انتقام الله ليس، في الكتاب المقدّس، بقليل. السؤال هو: "هل يُعقَل أن يكون الانتقام من شيم الله وهو المحبّة الذي لا يأتي أيَّ ما يأتيه إلاّ بمحبّة؟" لا شكّ أنّ في الأمر إستعارة. ولكن ما المقصود بانتقام الله من أعدائه؟ بقي الجواب في الذهن ضبابياً إلى أن قرأت في سيرة الأب الشيخ أبيفانيوس ثيودوروبولس (+ 1989) النبذة التالية: كان الأب الشيخ أبيفانيوس مناهضاً لنقل الأساقفة من أبرشياتهم. وإن أحد رسميي الكنيسة هاجمه في إحدى منشوراته الدورية وسعى إلى استصدار حرم في حقّه. ومرّت الأيام طويلة وتقلّبت الأحوال فانوجد الرسميُّ متورطاً في قضية قانونية كنسيّة أُقيمت عليه. وكان الأسقف المولج بالقضية من المقرّبين المعجَبين بالشيخ. فظنّ الرسميُّ المسكين أنّ الفرصة حضرت الأب الشيخ ليلتمس لنفسه انتقاماً. ماذا كان بإمكانه أن يفعل؟ حيث ألحّت الحاجة حاول المتورّط أن يعطي الأب الشيخ كرامة. اتّصل به وسأله، بتوسّل، التدخّل حتى لا تؤول القضيّة إلى نتائج بشعة في حقّه. الكلّ ألحّ على الشيخ ألاّ يتدخّل لكي يكون للرجل عقاب يستحقّه. أما الأب الشيخ، وهو المعروف بمحبّته لأعدائه، فقد أعلن أنّه سيتصرّف وفق ما يمليه عليه ناموس المحبّة. وبالفعل عمد إلى التدخّل وأنقذ الرجل الذي سبق أن عامله بالظلم. وقد كان فرحه عظيماً عندما أعلن لأولاده الروحيّين نتيجة مبادرته: "اليوم انتقمت منه!" انتقم منه لأنّه صفح عنه، لأنّه أحبّه، لأنّه عامله كنفسه. ولعل القارئ يظنّ أنّ الحديث عن الانتقام في معرض المحبّة هو من باب تسمية الأشياء بغير أسمائها. كلا أبداً! ليس هناك أشرس، دنيا وآخرة، من انتقام المحبّة. حين يدرك المرء أنّه أساء إلى مَن أحسن إليه فسيكون عقابه إحساسٌ عميق بالأسى يبلغ حدّ الجحيم. فلأنّ الإنسان مخلوق، أصلاً، على المحبّة، عدم استجابته لمحبّة الله ينشئ أنيناً موجعاً في نفسه شديداً. هنا والآن قد يفطن المرء لهذا الأمر وقد لا يفطن. الحقائق الإلهيّة، دائماً مغلّفة، في هذا العالم، بمظهر العاديّات. وحدهم المستقيمو النيّات يدركون ما وراء المظاهر. ولكنْ، هناك، في ساعة الكشف الكامل والأخير، كلُّ الحقيقة تقال وتستبين. كلٌّ سيفطن، رغماً عنه، إلى كم أحبّه الله في حياته وأعانه. كان الربّ أبداً في انتظاره لكنّه تجاوزه ولم يشأ أن يسمع. هكذا خاطب الربّ الإله إسرائيل: "أوّاه كيف محفل المخالفي الناموس حكم بالموت على مَلِك البريّة ولم يخجل ويحتشم من إحساناته... يا شعبي ماذا فعلتُ بكَ؟ ألَمْ أُفعم اليهوديّة من العجائب؟ ألَمْ أُنهِض الأموات بكلمة فقط؟ ألَمْ أشف كل مرض واسترخاء؟ فبماذا تكافئني؟ ولماذا تنساني؟..." (الجمعة العظيمة/ صلاة المساء/ قطعة المجد على يا ربّ إليكَ صرخت). كلُّ آثمٍ إسرائيلُ، شريكٌ في صلب المسيح في حياته. هكذا تنفتح أبواب الجحيم في الضمير الذي يكون قد استهلك نصيبه في إمكان معرفة الله واقتناء محبَّته ولمّا يشأ أن يسمع. فإنّ ساعةً آتيةٌ حين يدخل العريسُ والمستعدّاتُ إلى العرس ويُغلَق الباب. إذ ذاك متى قالت بقيّة العذارى، الضمائر التي ساحت في غياهب الخطيئة وظلمة هذا الدهر: "يا سيّد يا سيّد افتح لنا". إذ ذاك يجيب: "الحقّ أقول لكنّ إنّي ما أعرفكن" (مت 25). لن يوجد، يومذاك، مَن يقول: "أنا لم أُعْطَ فرصة!" لن يكون هناك مجال للمواربة والكذب والادّعاء. ما يكون كل امرئ قد زرعه إيّاه يحصد عن حقّ كامل لا غبار عليه. الجحيم سيكون أن الفرصة كانت مؤاتية، على مدّة يد، الحياة الأبديّة، فلم نستفد منها. ويح لنا، ويل لنا؟! هناك هناك يكون الندم الذي يأكل صاحبَه كالدود الذي لا ينام! هناك يكون البكاء وصريف الأسنان! انتقام الله هو في الضمير الذي لم يستجب لمحبّة الله. حتى السلام الكذوب الذي نوهم النفس أنّنا نتمتّع به لن يكون لنا هناك، يوم تنكشف الحقائق كلّها ويُشعّ نور الله ليملأ كل شيء. هل سبق لكم أن عاينتم إنساناً جالساً في عين الشمس وهو يرتجف برداً. المرض أكله من الداخل. يحترق ولا يدفأ. كأنّ الأثمة في برودة العدم الكاملة كائنون وهم في ملء النور وشمس العدل. "لهم عيون ولا يبصرون. لهم آذان ولا يسمعون". هؤلاء نور الله عذابهم وكلمة الله ضنكهم. ما أراده الله لهم حياة جعلوه لأنفسهم موتاً. النور الإلهي في عيون الآثمين أشدّ قتاماً حتى من قتام العدم. أما بعد فإنّ ثمّة طريقَين: طريق للحياة وطريق للموت... طريق الحياة هو الآتي: "أحبب الربّ الذي خلقك. ثانياً أحبب قريبك كنفسك. ما لا تريد أن يفعله الناس بك لا تفعله أنت بالآخَرين... أما طريق الموت فهذا. أولاً، إنّه شرّير مليء باللعنات والقتل والزنى... والزور والرياء والغش والكبرياء... إنّه مليء بمضطهِدي الخير وأعداء الحقيقة ومحبّي الكذب... لا يرحمون... لا يعرفون خالقهم... يُفسدون خليقة الله... كلّهم خطيئة... اسهروا على حياتكم... كونوا مستعدّين دائماً... عليكم أن تطلبوا ما يختصّ بنفوسكم. إذا كنتم لا تَصِلون، في النهاية، إلى الكمال فلأنّ الزمان الذي قضيتموه بإيمانكم لم يثمر. في الأيام الأخيرة سيكثر عدد الأنبياء الكذبة والمُفسدين وستتحوّل النعاج إلى ذئاب والمحبّة إلى حقد. بازدياد الإثم سيضطهِد الناس بعضهم بعضاً ويطاردون بعضهم بعضاً. عندئذ سيظهر مضلِّل العالم كابن الله وسيجترح الآيات والعجائب. وستصبح الأرض بين يديه وسيرتكب آثاماً لم تقع منذ بدء الأجيال. عندئذ ستدخل الخليقة كلّها في نار الاختبار... أما الذين يثبتون في الإيمان فسيخلصون عن طريق مَن كان هدفاً للسباب والشتائم. عندئذ تظهر إشارات الحقيقة... سيأتي الربّ ومعه القدّيسون وسينظر العالمُ المخلِّص آتياً على سحب السماء" (الديداخي/ تعليم السيّد للأمم بواسطة الرسل الإثني عشر). |
||||