أ – الغرض من السهر :
هُناك هدفان من السهر الروحي أظهرهم الكتاب المقدس بوضوح:
[ ها أنا آتي كلصٍ. طوبى لمن يسهر (يترقب – ينتظر – يحرس – ينتبه – يقظ) ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عُرياناً فيروا عُريته (أو عاره) ] (رؤيا 16: 15)
الهدف الأول من السهر عند المؤمن الحقيقي هو اليقظة والانتباه مع حراسة نفسه بهدف الاستعداد للقاء الرب عند مجيئه الثاني أو ليوم انتقاله إليه من هذا العالم، فنحن كلنا نهتف مع الكنيسة في كل قداس كعلامة الاستعداد الداخلي وترقب مجيء الرب في أي لحظة قائلين: [ وننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين ]، وطبعاً هذا الهتاف يظل شكلي وبلا معنى عندنا إلا أن نعرف الرب فعلاً ونعيش حياة الاستعداد كل يوم مترقبين موعد مجيئه …
أما الهدف الثاني الذي هو مصدره الهدف الأول، هو حفظ الثياب، التي هي برّ ربنا يسوع الذي نلناه بمعموديتنا وثبتناه بإيماننا الشخصي الذي نعلنه كل يوم في حياة مستمرة مع الله بكل تواضع القلب وطول أناه بتوبة مستمرة، مسرعين بحفظ وحدانية القلب، نحيا بسلام الله
[ و انتم متأصلون و متأسسون في المحبة حتى تستطيعوا أن تدركوا مع جميع القديسين ما هو العرض والطول والعمق والعلو ] (أف 3: 18)،
وأن نلبس الرب يسوع ولا نصنع تدبيراً للجسد لأجل الشهوات، فعلينا أن نحفظ ثيابنا ونُصلحها بالتوبة المستمرة والصلاة الدائمة وقراءة الكلمة لئلا نُصاب بالعُري، ويتكلم القديس مقاريوس الكبير عن خطورة العُري الروحي وكيف نلبس الثياب قائلاً :
[ … ما أعظم فضيحة العُري، فإذا كان من جهة الجسد يُعتبر العُري فضيحة كبرى. فكم بالحري النفس العارية من القوة الإلهية التي لا تكتسي ولا تلبس اللباس الأبدي الروحاني غير الموصوف – وهو الرب يسوع نفسه بالحق – وهي مغطاة بالخجل والأهواء الرديئة، وكذلك كل من كان غير مكتسي بذلك المجد الإلهي يجب عليه أن يستحي ويقرّ بفضيحته كما استحى آدم من عُري جسده ومع أنه ستر نفسه بورق التين فلم يزل خجله مصاحباً لهُ لعلمه بفقره وعُريه جيداً.
فعلى هذه النفس أن تطلب من المسيح الذي يُعطي المجد لكي يكسوها بالمجد في النور الذي لا يوصف، بدون أن تعمل لنفسها غطاء من الأفكار الباطلة أو تنخدع بزعمها أنها بارة من نفسها وأنها تملك لُباس الخلاص.
فإنه أن استند أحد على بره ولم يتطلع إلى برّ الله، هذا البرّ الذي هو الرب يسوع
” الذي صار لنا براً وفداء ” (1كورنثوس 1: 30).
كما يقول الرسول، فإن تعبه يصبح باطلاً لا ثمرة لهُ، لأن كل زعمه ببره يظهر في اليوم الأخير كلا شيء بل يكون مثل خرقة نجسة كما قال إشعياء النبي
” كخرقة الحائض كل برنا ” (إشعياء 64: 6).
فلنطلب إذن من الله ونتوسل إليه أن يُلبسنا لبُاس الخلاص وهو الرب يسوع المسيح، النور الفائق الوصف الذي إذا لبسته النفوس لا تخلعه قط، بل تتمجد أجسادهم أيضاً في القيامة بمجد ذلك النور الذي تلبسه النفوس الأمينة الفاضلة منذ الآن حسب قول الرسول: “إن ذلك الذي أقام المسيح من بين الأموات سيُحيي أجسادكم المائتة أيضاً بروحه الساكن فيكم” (رومية 8: 11) ] (عظات القديس مقاريوس 20: 2 – 3 )
ويقول أيضاً : [ وكما أن العملة الذهبية إن لم تُطبع عليها صورة الملك لا يتم التعامل بها في السوق ولا تُخزَّن في الخزانة الملكية بل تُطرح خارجاً، كذلك النفس إن لم تحصل على صورة الروح السماوي في النور الذي لا يُنطق به، أي إن لم ينطبع عليها المسيح نفسه، ولا تكون لائقة للخزائن السماوية، بل يطرحها تجار الملكوت المهرة، الذين هم الرسل. فإن ذلك الذي دُعيَّ ولم يكن لابساً لبُاس العُرس طُرِدَ خارجاً كغريب إلى الظلمة الخارجية، لكونه لم يكن لابساً الصورة السماوية.
هذه هي علامة الرب وختمه المطبوع على النفوس- أي روح النور الذي لا يُنطق به – وكما أن الإنسان الميت هو بلا نفع ولا فائدة لأهل المكان، لذلك فأنهم يحملونه خارج المدينة ويدفنونه، هكذا النفس التي لا تحمل الصورة السماوية صورة النور الإلهي التي هي حياة النفس، فأن هذه النفس تُطرد خارجاً، لأن النفس الميتة هي بلا فائدة لمدينة القديسين، لأنها لا تحمل الروح الإلهي المُنير.
فكما أنه في هذا العالم تكون النفس هي حياة الجسد، هكذا ففي العالم الأبدي السماوي فإن حياة النفس هي روح اللاهوت, وبدون حياة الروح فإن النفس تكون ميتة ولا نفع فيها لسكان العالم السماوي ] (عظات القديس مقاريوس 30: 5)
ويقول الشيخ الروحاني : [ إذا كان الله موجوداً في كل كائن وأنت خالٍ منه، فالحياة هي خارج عنك، فماذا ينفعك منها؟ وإذا كنت مملوءاً حياة وتشعر أن الله فيك، فالموت هو خارج عنك. فماذا يهمك ؟
أنظر أنت لتراه في ذاتك متحداً بك! فإذا نظرته حقاً فيك، فانزع ذاتك من نظرك لترى الله وحده يحيا كل حين فيك.
لا يقدر إنسان أن ينظر الحُسن الذي داخله قبل أن يحتقر كل حُسن خارجه. ولا يُمكنه التمتع بالله قبل أن يحتقر العالم كله. من وضع نفسه ورذلها نال الحكمة من الله، ومن يحسب نفسه حكيماً زالت عنه حكمة الله. ] (حياة الصلاة الأرثوذكسية ص272: 418 – 419)
[ وبينما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق إذا رجُلان قد وقفا بهم بلُباس أبيض وقالا: أيها الرجال الجليليون ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؛ إن يسوع هذا الذي أرتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقاً إلى السماء … كانوا يواظبون بنفسٍ واحدة على الصلاة والطلبة مع النساء ومريم أم يسوع ومع إخوته (أولاد الخالة والعمومة أو من زوجة يوسف السابقة حسب بعض المفسرين) ] (أعمال 1: 9 – 14)