منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08 - 06 - 2014, 08:16 AM   رقم المشاركة : ( 4481 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الأحد الثاني من الصوم المبارك(مرقس 2: 1)


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وتكريم القديس غريغوريوس بالاماس
الاب بطرس الزين
في هذا اليوم المبارك الذي نكرّم فيه قديساً من كبارنا وهو رئس الكهنة غريغوريوس بالاماس .
الذي علمنا أن السلام الداخلي والثبات على الإيمان والشوق ، يمكنوننا من رؤية مجد الله في ضياءٍ يتنزل علينا من فوق ، من عند أبي الانوار ، ليحل فينا شيئاً من الأزل ويقودناويرفعنا بالنعمة لنسخر من كل ملذةٍ دونه على الأرض .

من خلال إنجيل اليوم وآية شفاء المخلّع الذي حمله إليه أربعةٌ . لم يسعوا إلى تفريق الجموع الذين يلتفون حول الرب ليسمعوه أو يروه . لم يُعطوا لأنفسهم الحق والاولوية على الآخرين ، الذين هم أيضاً يرغبون أن يلمسهم يسوع الناصري .
لم يتعدوا على حق الآخرين في رؤية يسوع ، لأنهم يعرفون الحق والحق حررهم وآمنوا ان يسوع هو وحده الطريق والحق والقيامة، وأنه وحده القادر على انتهار الشيطان وكل الضعفات التي يضربنا بها الشرير ليشوه الصورة التي يريدنا الله عليها.
لم يزعجوا أحداً . إرتفعوا فوق كل هذا . إرتفعوا إلى فوق . صعدوا ، إلى فوق ، نقبوا سقفاً أقامه الناس ، فنقبوه ! ليصلوا إلى يسوع .
لايريدنا الله أن (ننقب) الناس أن نسعى إلى كسرهم ، إلى أو قتلهم بحجة عمل الخير، ليس لك حجة في ذلك . لايمكنك ان تبيد الأشرار من أمامك ، بل يمكنك أن تحطم كل جدارٍ وسقفٍ قد يضعونه بينك وبين ربك ومخلصكِ يسوع المسيح .
إرفض مقولات الناس وعادات الناس التي تحمل تقليد الناس ولا توافق فكر الله وتقاليد القديسين . إحمل محبتك ووثبت وجهكَ نحو يسوع الحبيب المنشود وستصل لامحال .
الأربعة نقبوا السقف و(دلوه) رائع هذا العمل. لقد بقوا في الخلف متوارين عن الأنظار! لايهم أن ينظرهم الناس ويمجدوهم على عملهم .
لم ينزلوا ! المهم ان يتشفع الرب لأجلهم وأن تكتمل فرحتهم ومحبتهم في الأخ الضعيف ويقيمه من تخلعه وُيعلنَ مجد الله بين الناس ويمجدوه لأنه به وحده يليق الشكر والمجد .
أيها الإخوة , الخطيئة هي سقف حياتنا الذي يحجب رؤيتنا للرب يسوع .
الكثير من المسيحيين لايؤمنون حقاً أن الرب قادر على الشفاء ، ولايصدقون إن سمعوا بشفاءٍ عجائبي حصل لأحدٍ ما! لماذا ؟ مع انهم مسيحيون ، صح ولكن مع الأسف بالإسم فقط .
أو مسيحيون موسميون يلتفون حول المسيح في المناسبات والإحتفالات و( الزياحات ) وسوف نراهم غداً وبعد غد والأيام الآتية في الاسبوع العظيم ويهجمون في هجمة الفصح .وقلةٌ منهم ينقبون السقف ويبلغون إلى القيامة المجيدة .
وبالرغم من كل هذا فهو مستعدٌ لأن يُصلبَ كل يوم وسنة ، ناظراً إلى الذي يطعنوه بخطاياهم راجياً أن يتمكنوا من نقب السقف والعودة إليه سريعاً .
قد تبلغ الخطيئة مبلغاً بعيدا بالإنسان عن نور الله . لتصبح ستاراً سمسكاً أسوداً . وتأسرنا خلف سراب اليأس لتحرمنا الرجاء والامل بالتوبة وإمكانية العودة للقاء الرب من جديد .
إنه السقف الذي يدعونا الرب أن ننقبه بعزمٍ وإصرار لأنه ينتظرنا خلفه بشوقٍ . الرب قريب جداً أقرب من النفس للجسد ، لاتبحث عنه بعيداً إنه فيك في قلبك وعقلك ، سله ما العمل يارب ؟ وهو يجيبكَ فرحاً ليقودكَ إلى الطريق إليه وهو قصيرٌ قصيرٌ جداً .
ثق أنه بالرغم من كل مافعلته وما أحزنته وما عصيته به ، فهو لم ولن يترككَ وهو يتنتظر عودتكَ إليه . إقرع صدرك تائباً فيفتح لك على الفور سريعاً .
قل له يارب , يارب ، أُريد أن اشفى من تخلعي وضعفاتي وعيوبي وكل ما يبعدني عنكَ . ساعدني على نقب السقف السميك الذي يحجبك عني ، اعطني أن أرى نور مجدك البهي وعمّد به حياتي ، إغسلني من جديد ، فلقد مللت الجلوس وإنتظار السراب.
إن خيبتني وظنوني وأفكاري استعبدوني وأسرني الغرور ، وسكرت من الأنانية حتى الثمالة وفقدت كل اتزاني ولم أعد أعرف نفسي وأعيش غربة في داخلي ، وليس لي ميناءً سواك يارب ، أضئ منارتك فيَّ لأراكَ من جديد وإني أسلمك مركب حياتي لتقودها إلى حيث تشاء وانا أذكر مشيئتك وهي عزائي ومشتهايّ .
أعطني يارب أربعةً في حياتي ليحملوني إليكَ .
أعطني الندم لأندم على كل ما أحزنتكَ به ، فبالندم أرى عظمة محبتكَ والتي لاأستحقها ، وهو يُخرجُ من نفسي المرارة التي تذكرني بالطعنات التي سددتها إليك في الوقت الذي كنتَ تمسح فيه عرق تعبي و وتتألمَ لتعستي !.
أعطني التوبة بالإعتراف فهي السلم إليك وبدونها سأتوه من جديد .
أعطني التواضع لأعلم أن ليس كل مايلمع في فكري وعقلي ذهباً ، وأن السجود عند قدميك هو العزة والسلام . وهبني أن أتذوق مع بولس الإلهي ذلك الفخر الذي تفجر من صليبك المجيد .
وأخيراً أعطني المحبة لأنها قمة النِعم وهي شيئٌ من ازليتكَ ومجدٌ منكَ ، ونورٌ يقيم فينا على الدوام والتي بها ننظر وجهك المبثوث في الإخوة الصغار والضعفاء فينا .
هذا ما علّمنا إياه قديسنا الكبير المتلألئ بالنعمة غريغوريوس بالاماس
الذي نقب سقف العالم الخداع وبلغ إلى رؤية نور مجد الله الذي لايماثله مجد .
فبشفاعات أبينا القديس غريغوريوس أيها الرب يسوع المسيح إرحمنا وخلصنا . آمين .
 
قديم 08 - 06 - 2014, 08:17 AM   رقم المشاركة : ( 4482 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصوم عند أشعيا النبي

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الأخت سناء سماوي الفرنسيسكانيّة

ما بالنا صُمنا وأنت لم ترَ؟.. وعذَّبنا أنفسنا وأنت لم تعلم؟".. في يوم صومكم تجدون مرامكم وتعاملون بقسوةٍ... إنَّكم للخصومة والمشاجرة تصومون... لا تصوموا كاليوم لِتُسمِعوا أصواتكم في العلاء. أهكذا يكون الصوم الذي فضَّلتُه اليوم الذي فيه يُعذِّب الإنسان نفسه؟... أإذا حنى رأسه كالقصب وافترش المِسح والرماد تسمِّي ذلك صوماً ويوماً مرضيّاً للرب؟

أليس الصوم الذي فضَّلتُه هو هذا: حلُّ قيود الشر وفكُّ رُبُط النِّير وإطلاق المسحوقين أحراراً، وتحطيم كلِّ نير؟ أليس هو أن تكسر للجائع خبزك، وأن تُدخِل البائسين المطرودين بيتك. وإذا رأيت العريان أن تكسوه وأن لا تتوارى عن لحمك؟ حينئذٍ يبزُغُ كالفجر نورك ويندَب جرحك سريعاً ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع شملك.

(أشعيا 58/1-8)



الصــــوم المقبول ، والصوم المرفوض

يتحدث النبى هنا عن شكلية العبادة كعائق عن التمتع بخلاص الله ، والسكنى فى بيت الله ، .... خاصة فى الصوم وحفظ السبت .

( 1 ) عبادة رياء

إن كان الالتصاق بعبادة الأوثان أثار روح الفساد والعصيان فى حياة الشعب، فأقاموا عبادة الأصنام تحت كل شجرة خضراء وفى كل واد وعلى الجبال والتلال علانية وارتكبوا الزنا ومارسوا الرجاسات وقدموا أطفالهم ذبائح بشرية ، لكن ما هو أخطر أنهم خلطوا هذا الشر العظيم بعبادة الله الحي إرضاء لضمائرهم . هذا هو أخطر عدو يواجه المتدينين ويعثر الناس فى معرفة الله : الرياء أو التستر على الشر والفساد بشكليات العبادة دون التوبة الصادقة .

الآن يطلب الله من النبي أن يتكلم علانية وبصوت عال كبوق يفضح ضعفاتهم ويعلن عن تعدياتهم وخطاياهم ، أى يكشف جراحاتهم حتى لا تهدأ ضمائرهم خلال عبادة مملوءة رياء . وكأنه بالطبيب الذى يكشف عن الجراحات أو الأمراض الخفية لعلاجها فى أعماقها .

يقول الرب : " ناد بصوت عال . لا تمسك . ارفع صوتك كبوق وأخبر شعبى بتعديهم وبيت يعقوب بخطاياهم " إش 58 : 1 .

فى العهد الجديد أرسل لنا ربنا يسوع روحه القدوس " يبكت العالم على خطية " يو 16 : 8 ، أى يكشف للنفس فى أعماقها جراحاتها الخفية ويثيرها للتوبة عوض التستر على الجراحات فتفسد الجسد وتهلكه .

عندما تحدث عن عبادة الأوثان أو الزنا أو إجازة أولادهم النار كذبائح بشرية لم يطلب الله من النبى أن ينادى بصوت عال كما ببوق لأنها خطايا واضحة لكنه إذ يتحدث عن الرياء يطلب ذلك ، لأنها خطية خفية تتسلل إلى نفوس المتعبدين ، يصعب على الإنسان اكتشافها . لهذا عندما وبخ الرب الزناة أو العشارين كان غالبا ما يتحدث معهم فرادى دون جرح لمشاعرهم ، أما مع القيادات المرائية فكانت كلماته حازمة وأحاديثه علانية .

لقد تستر الشعب بالمظاهر الخارجية مثل :

( أ ) الصلاة الظاهرة والمستمرة : " وإياى يطلبون يوما فيوما " إش 58 : 2 .

( ب ) الأبتهاج بالمعرفة الروحية العقلانية : " ويسرون بمعرفة طرقى كأمة عملت برا ولم تترك قضاء إلهها " إش 58 : 2 ، أى يواظبون على دراسة الكتاب وحضور الإجتماعات كما لقوم عادة ، أو كما ابتهج هيرودس بسماعه يوحنا المعمدان .

( جـ ) يظهرون غيرة نحو ممارسة العدل والتقوى ( إش 58 : 2 ).

( د ) " يسرون بالتقرب إلى الله " إش 58 : 2 ، أى التظاهر بأنهم قريبون من الله ، يتعبدون له ويعرفون أحكامه وقضاءه .

( 2 ) الصوم المرفوض :

" يقولون : لماذا صمنا ولم تنظر ؟ ذللنا أنفسنا ولم تلاحظ ؟ " إش 58 : 3 . ويجيب على هذا بالآتى :

أ - " ها أنكم فى يوم صومكم توجدون مسرة وبكل أشغالكم تسخرون " إش 58 : 3 . لقد ظن الفريسى أن الله يسر به لأنه يصوم يومين فى الأسبوع ( لو 18 : 12 ) ، وهؤلاء أيضا يمارسون الصوم لكنهم يصنعون كل ما يسرهم لا ما يسر الله ، علامة ذلك أنهم على خلاف الناموس لا يعطون فرصة للعاملين عندهم للراحة ومشاركتهم أصوامهم وعبادتهم بل يسخرونهم من أجل الطمع ومحبة الأقتناء والغنى .

الله لا يريد صومنا عن الطعام مجردا ، إنما يرافقه صوم النفس عن محبة العالم والطمع ، الأمر الذى يظهر جليا فى معاملاتنا مع الغير. بمعنى آخر يليق بنا أن نضبط نفوسنا مع ضبط بطوننا .

ربما عنى " بالمسرة " هنا ليس فقط النفع المادى وإنما اشباع الملذات الجسدية عوض العفة .

ب - " ها أنكم للخصومة والنزاع تصومون ، ولتضربوا بتكمة الشر. لستم تصومون كما اليوم لتسميع صوتكم فى العلاء " إش 58 :4.

عوض أن يدين الإنسان نفسه ويلومها يوم صومه ، يدخل فى خصومة مع الغير ويدينه ، لهذا لا يقبل الله صومه ولا يسمع صوته فى العلاء . هذا ما حدث عندما أراد آخاب ملك إسرائيل وإيزابل أن يسلبا حقل نابوت اليزرعيلى ، إذ خططت إيزابل لقتله ظلما وطلبت من الشيوخ والأشراف أن ينادوا بصوم ( 1 مل 21 : 9 ، 12 ) .

يقول الأنبا يوساب الأبح : [ لا تصم بالخبز والملح وأنت تأكل لحوم الناس بالدينونة والمذمة . لا تقل إنى صائم صوما " نظيفا " وأنت متسخ بكل الذنوب ] .

جـ - " أمثل هذا يكون صوم اختاره ؟! يوما يذلل الإنسان فيه نفسه، يحنى كالأسلة رأسه وبفرش تحته مسحا ورمادا ؟! هل تسمى هذا صوما ويوما مقبولا للرب ؟! " إش 58 : 5

حسن للإنسان أن يربط الصوم بالتذلل والنسك ، لكنه إن توقف عند المظهر الخارجى فقد جوهره . كقول الرب :

" ومتى صمتم فلا تكونوا عابسين كالمرائين ، فإنهم يغيرون وجوههم لكى يظهروا للناس صائمين . الحق أقول لكم إنهم قد استوفوا أجرهم " مت 6 : 16 .

( 3 ) الصوم المقبول

أ - تقديم أعمال المحبة عوض طلب المسرة الذاتية ( إش 58 : 3 ) وتسخير الغير لحسابنا . الصوم هو بذل " الأنا " وصلبها لكى يحيا المسيح " الحب " فينا ، فنحمل سمات محبته ونمارس عمله كأعضاء جسده . هذا هو الصوم فى مفهومه الإيجابى :


" أليس هذا صوما اختاره : حل قيود الشر ، فك عقد النير ، وإطلاق المسحوقين أحرار وقطع كل نير ؟! أليس أن تكسر للجائع خبزك ، وأن تدخل المساكين التائهين إلى بيتك ؟! إذا رأيت عريانا أن تكسوه، وأن لا تتغاضى عن لحمك ؟! "إش 58 : 6 ، 7 .


ما أجمل القول " لا تتغاضى عن لحمك " ، وكأن الصائم إذ يصلب مع المسيح يدرك أن لحم الآخرين هو لحمه ، حين يحل القيود إنما يحل قيود نفسه ، حاسبا نفسه مقيدا مع المقيدين ( عب 13 : 3 ) ، مسجونا مع كل سجين ، جائعا ومسكينا وتائها وعريانا مع من يعانون منهذه الأمور . بالصوم يحب الآخرين كنفسه ، بكونهم أعضاء بعضهم لبعض ، أو أعضاء تعمل معا فى جسد واحد للرأس الواحد ربنا يسوع .

يقول القديس أغسطينوس :

+ سمعت من إشعياء : " اكسر خبزك للجائع " إش 57 : 5 ، فلا تظن أن الصوم كاف بذاته .

يضبط الصوم نفسك لكنه لا ينعش الآخرين . ضيقك لنفسك ينفعك إن كان فيه تعزية للغير . ها أنت تجحد نفسك ، انظر من الذى أعطيته ما قد حرمت نفسك عنه ؟! .. كم فقير شبع من الإفطارالذى حرمت نفسك عنه ؟!

( 4 ) ثمار العبادة الحقة

أ - التمتع بالنور الإلهى : " حينئذ ينفجر مثل الصبح نورك " إش 58 : 8 . إذ يمارس الإنسان الصوم بصورته الإيجابية إنما يتمتع بالأتحاد مع الآب خلال ابنه الوحيد بروحه القدوس ، فيصير الله " النور الحقيقى " مشرقا فيه كنوره الخاص به . " يشرق فى الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر " إش 58 : 10 .

صورة رائعة للصوم المرتبط بالعطاء والبذل لحساب الغير خلال اتحادنا بالله محب البشر . إن كان المساكين والمتألمون يشعرون وسط مرارتهم كمن هم فى ظلمة فإن عمل المحبة النابع عن قلب متسع يكون كإشراقة الشمس التى تبدد الظلمة .

هذا النور لا ينبع عن مظهر العطاء الخارجى إنما عن تجلى رب المجد فى القلب المحب .

وكما يقول رب المجد يسوع : " أنتم نور العالم ....... فليضىء نوركم هكذا قدام الناس لكى يروا أعمالكم الحسنة ويمجدوا أباكم الذى فى السموات " مت 5 : 14 ، 16 .

الصوم المرتبط بالحب النابع من القلب حيث مملكة المسيح قائمة والمترجم بالسلوك العملى يلتحم مع صوم السيد المسيح فيتقدس ويقبل لدى الآب .

ب - التمتع بصحة الروح والنفس والجسد ، " وتنبت صحتك سريعا "إش 58 : 8 ؛

" وينشط عظامك فتصير كجنة ريا وكنبع مياة لا تنقطع مياهه " إش 58 : 8 ، 11 .

جـ - التمتع بالله كقائد للنفس وكمصدر مجدها الداخلى وبرها : " ويسير برك أمامك ومجد الرب يجمع ساقتك " إش 58 : 8 ،

" يقودك الرب على الدوام " إش 58 : 11 .

د - استجابة الصلاة : " حينئذ تدعو فيجيب الرب ، تستغيث فيقول هأنذا " إش 58 : 9 .

ما دمنا فى أصوامنا نتطلع لا إلى الشكل الخارجى إنما إلى انفتاح القلب لله خلال قدسية الحياة واتساعه بالحب نحو البشر ، لهذا يفرح الله بمثل هذا الصوم ، معلنا ذلك خلال استجابته للصلاة .


+ أتريد أن ترفع صلاتك إلى الله ؟ ليكن لها جناحا العطاء والصوم !


هـ - حالة شبع داخلى : " ويشبع فى الجدوب ( القفار ) نفسك " إش 58 : 11 . بذواتنا نحن قفار وجدوب ، لكننا إذ بالحب نشبع الجياع يشبعنا الله من عندياته بالرغم من العجز التام لإمكانياتنا .

و - بناء الآخرين : " ومنك تبنى الخرب القديمة . تقيم أساسات دور فدور فيسمونك مرمم الثغرة مرجع السالك للسكنى " إش 58 : 12 .

حينما تمتد أيدينا إلى العمل بالله فى الأمور الصغيرة كالعطاء المادى أو تعزية الحزانى الخ .... يهبنا ما هو أعظم أن نكون علة بناء حياة الغير الداخلية كمسكن مقدس للرب .

( 5 ) حفظ السبت

بعدما قدم صورة حية عن الصوم المقبول كشف لنا عن حفظ السبت بالمفهوم الروحى بكونه راحة روحية فى الرب ، مطالبا إيانا بالآتى:

أ - " ان رددت عن السبت رجلك عن عمل مسرتك يوم قدسى ودعوت السبت لذة ومقدس الرب مكرما وأكرمته عن عمل طرقك وعن إيجاد مسرتك والتكلم بكلامك " إش 58 : 13 . إن كان السبت هو يوم الرب المقدس لذا يليق فيه الكف عن إشباع المسرات أو الملذات الجسدية لنمارس الحياة القدسية .

ب - التمتع باللذة والسرور فى الرب يكرم صاحب السبت ويمجده : " فإنك حينئذ تتلذذ بالرب وأركبك على مرتفعات الأرض وأطعمك ميراث يعقوب أبيك لأن فم الرب تكلم "

وكأن السبت ليس حرمانا بل شبع داخلى وفرح
 
قديم 08 - 06 - 2014, 08:19 AM   رقم المشاركة : ( 4483 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصوم المقدس هو الامتناع عن الأكل إلا من يد الله ..... تصحيحاً للخطأ الذي وقع فيه أبوانا الأولان آدم وحواء حيث أكلا من يد الشيطان . إننا نعلن في الصوم أنه "لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ تَخْرُجُ مِنْ فَمِ اللَّهِ" (مت4: 4)
ولن نأكل إلا عندما يأذن لنا الله ... فنحن لا نُحرم الطعام بكل أنواعه بل نطلب أن يكون الطعام مقدساً مقدماً بيد الله ...
وأقدس الطعام هو جسد الرب ودمه الأقدسين الذين نأكلهما من يد المسيح نفسه في كل قداس لذلك لا يكون الصوم صوماً بدون التقدم للتناول من الأسرار المقدسة ...
كذلك لا يمكننا أن نأكل في أي يوم نريد أن نتناول من جسد الرب ودمه إلا إذا جئنا الكنيسة وسمعنا من فم المسيح نفسه "خذوا كلوا منه كلكم ..."
ولذلك فنحن نصوم قبل التناول ونفطر بعده لنعلن أننا لا نحرم الأكل في ذاته بل إننا نرغب في الأكل من يد المسيح المملؤة بركة و شبعاً وفيضاً مقدساً كما أشبع الجموع من الخمس أرغفة وسمكتين وفاض عنهم أثنى عشر قفة مملؤة.
كل عام و أنتم بخير بمناسبة صوم الميلاد المجيد.
نيافة الأنبا رافائيل
 
قديم 08 - 06 - 2014, 08:21 AM   رقم المشاركة : ( 4484 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

رحلة جميلة مع يسوع ... فيها راح نشبع ونجوع





وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

هذه هي مطلعترنيمةالصومالكبيروالذي ننتظرهفرحين من السنة للسنة التالية, في الحقيقة نجد كثيرين يخافون ويهابونالصومالكبير, وكثيرونأيضاً يقابلونه بالنقد والبدع والهرطقات والتي لا تنم إلا على نفوس تريد أن تتمرغفي الذات والشهوات.
الصوم الكبير:
هو كبير ولكن ليس في عدد أيامه ولكنهكبير في أهميته, كبير في كم النعم التي نحصل عليها في لقاءانا المتكرر وكل يوم معالحبيب, كبير لأننا نتشبه به في صومه أربعون يوماًَ وأربعون ليلة.
الصوم في المفهوم المسيحي هوالإمتناع عن كل ما يعيق الروحلحياة منطلقة في محبة الحبيب, أي هو الإمتناع عن الشر وشبه الشر, الإمتناع عن مصادرالخطية, أو كل ما يمكن أن يؤدي بنا إلى الخطية, والإمتناع عن طريق الأشرار,


"وفيطريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس" إذاًَ لفظ صوم هو الإمتناع وبدءاًبالطعام ونوعيته

أي بمفهوم آخر الإمتناع عن الطعام وأنواع معينة منه ليس هوالصومالروحاني بل هوبداية للدخول في صوم روحاني والذي سبق وصفه, ومن هنا ننطلق لمفهوم روحانيةالصومالمسيحي:
الصوم رحلة طاعةللآباء الأولين ولتعاليم الكتابالمقدس ولتعاليم ربنا يسوع المسيح لأنه صام هو أولاً, أي أن أولى بركاتالصومهي فضيلةالطاعة, ومن غير الطاعة لا يمكن أن نصل لباقي الفضائل ولا يمكن أن نقتني أم الفضائلالتي هي التواضع, لأنك لا تجد متكبر مطيع, وإن ظهر مطيعاً فهذا لكي يحصل على مجدوتبجيل من الآخرين أما من يملك الطاعة الحقيقية فهو قد ملك التواضع أولاً.
الصوم ليس معناه الجوع والعطشلعدد من ساعاتالنهار, فهذا مفهوم حرفي ضيق, ولكننا أيضاً ملتزمون بطقس الكنيسة لندخل من خلالالطقس لغصب النفس على إقتناء الفضائل بدءاً بالطاعة, ولكن الكنيسة حتى في هذه تراعىأبناءها كلٍ تبعاًَ لظروف حياته, فتجد المريض له قانونه المخفف تبعاً لحالتهالصحية, وأيضاً أصحاب المهن الشاقة تبعاً لحجم وكم الأعمال الشاقة التي يقوموابإنجازها, كذلك المأسورين برباطات الخطية كالمدمنين بأنواع من الإدمان تراعيالكنيسة هذه الحالات بأن تعطى قانون الصيام بما يتناسب مع رحلتهم في الشفاء منالإدمان أولاً, لأن الكنيسة لا تريد عذاب أبنائها بقدر تمتعهم بروحانية الصوم, فيقول معلمنا بولس الرسول


"أقمع جسدي وأستعبده"

القمع هنا بغرض إطاعة الجسد للروحلأن الروح يعمل ضد الجسد والجسد يعمل ضد الروح, فلا بد من قمع الجسد حتى ينطلق فيالروحيات, إذاً كل الحالات التي تعاني من أشياء مقمعة للجسد أصلاً, تراعيهم الكنيسةبتخفيف قانون الصيام لهم حتى نصل في النهاية لتوازن جسدي روحي لنتمتع بالروحيات منخلال الصوم, وكثيرون من أصحاب البدع والهرطقات يعارضونالصومالطقسي, فإننيأقول لهم إن وجدت طريقة لقمع جسدك وتطويعه لروحك لتصل لروحيات عالية بخلافالصومافعله!! ولكننانحن لم نجد غير الصيام بديلاً لقمع الجسد فيقول الكتاب في سفر نشيد الأنشاد الإصحاحالأول"فإخرجي على آثار الغنم وإرعي جداءك عند مساكنالرعاة"أي أننا لابد أن نستفيد بمن سبقونا وتعرفوا على الحياة الروحية معالمسيح وأن نتعلم منهم ونتبع طريقتهم في معرفة الحبيب, فلا تتكبر يا صديقي على فكرالآباء الأولين فلا تنجرف يميناً أو يساراً, فنقول لمن يخضع ذاته لقانون صيام أكثرمن طاقة البشر تباهياً منه بأنه يصوم أكثر من باقي خليقة الله!! الشيطان المتكبر لايأكل أبداًَ, فلا بكثرة صيامك سوف تدخل في علاقة مع الحبيب, بل بمسكنة الروح يمكنكأن تفعل هذا, وأقول أيضاًَ لمن يجد أنالصومعن الأكلوالمشرب ليس له علاقة بالحياة الروحية, كيف تستطيع يا هذا أن تمتطي جواداً قويالبنية بدون اللجام ووسائل إخضاع الجياد, فبدون قمع الجسد لا تستطيع أن تتمتعبعلاقة معالحبيبفي الروحيات.
الصوم المسيحيليس فرضاً ولكنهرحلة حب متبادل مع من أحبنا أولاً وإذ بعد نحن خطاة, ولأننا نريد أن ندخل معه فيعلاقة روحية كما في السماء كذلك على الأرض فلابد أن أتيح لروحي فرصة الإنطلاقلمعرفةالحبيببأنأخفض حركات الجسد من خلال قمعه بالصوم الحقيقي كما أوضحت في مقدمة المقال, فالصوم وسيلةمن وسائل الإتصال بالله, فمتى أحببت الفاديالحنون وجب عليك البحث عن وسائل الوصول إليه والتي أولها الصيام.
الصوم أيضاً يعطيك النصرةعلى الشيطان والخطية فيقول الكتابالمقدس عن الشياطين "أن هذا الجنس لا يخرج إلا بالصلاة والصوم".
الصوم هووسيلة لمعرفة شعور الآخرين الذين لا يملكون قوتيومهم, فشعورك بالجوع يساعدك على معرفة مشاعر الفقراء الذين لا يأكلون كما أنت, ولايترفهون كما أنت, شعورك بالجوع يجعلك تشعر بحر النهار, وفي البلاد الباردة يشعركببرد الليل "لأن الجوع في الشتاء يزيد الإحساس بالبرودة" فتشعر بمعاناة الفقراءالذين لا يملكون ما يسترون به عريهم, لهذا إقترنت أيام الصيام بالرحمة على المساكينوإن لم تفعل الأخيرة كلٍ على قدر طاقته لم تستمتع بروحانية الصوم.
الصوم الطقسيالذي هو بميعاد سبق تحديده بواسطة أباء الكنيسة, هو بمثابة الجرعة الدوائية التييحددها الطبيب تبعاً لحالة المريض وفي ميعاد محدد, فلا يحق لك أن تناقش الطبيب فيإختياره لهذا الميعاد فهو أدرى منك بمصلحتك في هذا الشأن أيضاًَ الكنيسة أدرى منافي شأن روحانياتنا لهذا وجب علينا الطاعة, لنتمتع بروحانيات الصيام.
دعوة أقدمها, لكل نفس تريد الحبيب, لكل نفس تريد أن تتعرف علىراعينا, لكل نفس تريد أن تربح الأبديات في ملكوت السماوات والتي لا تحتمل المقامرةلأن حياتنا على الأرض أقصر بكثير مما تتوهم أو تتوقع لأننا على الأرض لابد أن ننتصرعلى ممالك الشر بقيادة الشيطان وكل جنوده, ونصرتنا هذه ليست بالأسلحة التقليدية بلبالأسلحة الروحية, ولأننا نحتاج للروحيات فلابد أن نُخضع الجسديات ليهبنا اللهالنصرة على الشيطان بالصلاة والصوم. دعوة لرحلة نلتقي فيهابراعينا ومخلصنا ليهبنا بركاته في الصيام.
نحن لا نصوم لنتقاضى أجرة أوجزاء لصيامنا أو نصوم لأن الله يريدنا أن نصوم فالله لا يعنيه صيامك فالذي يعنيهصيامك هو أنت, فأنت تصوم من أجل نفسك
لتأخذ وتتمتع ببركاتالصوموأولها العشرةمعالحبيبيسوعالمسيح الذي يريدك ليهبك حياة أبدية معه في ملكوته الأبدي
 
قديم 08 - 06 - 2014, 08:23 AM   رقم المشاركة : ( 4485 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تداريب الانسحاق والتذلُّل وقت الصوم



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أيام الصوم هي أيام انسحاق وتذلل أمام الله، لذلك درب نفسك علي ذلك حتى تصل نفسك إلي التراب والرماد. وذلك عن طريق التداريب الآتية:

أ‌- أبعد عن محبة المديح، وعن كلام الافتخار ومديح النفس.

ب‌- أستخدم كلام الانسحاق في صلواتك، مثل ترديدك لمزمور " يارب لا تبكتني بغضبك، ولا تؤدبني بسخطك "(مز 6).

ج- إذا جعت، أو جلست لتأكل، قبل لنفسك " أنا لا أستحق الطعام بسبب خطاياي، لأني فعلت كذا كذا.. أنا لست أصوم عن قداسة، وإنما عن مذلة داخل نفسي ". حاق، مهما وضعوا أمامه من مشتهيات، لا يجد رغبة في الأكل.


وأن ضغط عليه الجوع، يقول لنفسه: تب أولاً، حينئذ يمكنك أن تأكل.. وان وجد نفسه ما يزال في خطأ، يبكت ذاته قائلاً: هل هذا هو الصوم مقبول أمام الله؟! هل هذا تقديس للصوم؟!

د- أيام الصوم فرصة صالحة للأعتراف وتبكيت الذات أمام الله، وأمام أب الاعتراف. وداخل نفسك.

إنها فترة صراحة مع النفس، ومحاسبة للنفس، وتوبيخ وتأديب لها. أحرص فيها أن تجلب اللوم علي ذاتك.

وأهرب من كل تبرير للنفس في أية خطية، مهما سهلت التبريرات.

ه - أدخل في تداريب الإتضاع، وهي كثيرة جداً.
 
قديم 08 - 06 - 2014, 08:25 AM   رقم المشاركة : ( 4486 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الخطيئة (1)

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأب د. رمزي نعمه

ينتقل بنا الكاتب في هذا العدد من النظرية إلى التطبيق، مما درسناه عن الضمير وتربية الضمير إلى موضوع في غاية الأهمية على جميع المستويات اللاهوتية والأدبية والاجتماعية: "الخطيئة". ونعني بالخطيئة أي عمل يقوم به الفرد طوعاً وفيه يخالف شريعة الله، ويُسمى هذا بالخطيئة الشخصية؛ حيث يجب التمييز بينها وبين الخطيئة الأصلية وهي الحالة التي تولد فيها جميع الكائنات البشرية، حالة البعد عن الله نتيجة سقوط آدم الإنسان الأول وأصل البشرية. وليست معالجة موضوع الخطيئة الشخصية هنا معنية بتحليل الخطايا الفردية بل سيكون التركيز على الاعتبارات التي تنطبق على الخطايا جميعها. ومادة هذا المقال هي تطبيق لمادة المقالين السابقين عن "الضمير"

مقدمة:

تتركز دراسة الحياة المسيحية في وصف الحياة النموذجية مع المسيح وفي المسيح. وتهدف الحياة المسيحية إلى نمو صورة الله في الإنسان. وتتأثر صورة الله في الإنسان بالأعمال البشرية التي تؤهله للسعادة الأبدية. ولسوء الحظ فإن بعض الأعمال البشرية لا تؤهل الإنسان للسعادة الأبدية، بل تحرمه من الحصول عليها لأنها تدمر شركة الحياة مع المسيح، الضرورية بصورة مطلقة لتحقيق غاية الحياة. لذا فإن فقدان الحياة في المسيح أو فقدان النعمة يؤدي إلى الخطيئة. إنه لمن غير الممكن دراسة الحياة البشرية دون مواجهة حقيقة وواقع الخطيئة.

وهناك اعتبار آخر. هو أنه لا يمكن فهم تجسد المسيح وعمله الخلاصي إلا بوجود فكرة واضحة لدى الإنسان حول ما قام به السيد المسيح لخلاص الجنس البشري أي تحريره من الخطيئة. ولا يسع الإنسان أن يقدّر أهمية حياة المسيح، وموته، وقيامته ملء التقدير إلا بعد فهمه لحقيقة الخطيئة.

أولاً: الكتاب المقدس

1) العهد القديم

أ- ماهية الخطيئة: فكرة الخطيئة موجودة في كل صفحة تقريباً من صفحات العهد القديم. وتوصف عادة بعبارات مستمدة من العلاقات الإنسانية. والخطيئة هي انحراف عن الهدف، فشل في تحقيق هدف، إهمال الواجب، نكث بالعهد، ظلم وفساد الإنسان، ثورة وإساءة الله، إجحاف، تدنيس، وكذب وحماقة.

ب- سبب الخطيئة: إن تجاهل الإنسان لله تعالى هو سبب الخطيئة (هو1:4و6). تنبعث الخطيئة من القلب الشرير (ار24:7). ويُلقي العهد القديم المسئولية كاملة على الإنسان لأعماله الخاطئة. وهو لا يعرف الأسباب النفسية لتخفيف المسئولية البشرية. ولا يجيب العهد القديم على التساؤل القائل كيف للخطيئة أن تدخل إلى عالم تحكمه قوة الله الخلاصية؟ لقد أخطأ أبوا الجنس البشري لأنهما رغبا في أن يصيرا "كآلهة عارفي الخير والشر" (تك5:3). فقد رغبا أن يقررا ما الخير وما الشر مثل الله. لذا فقد أثرت الخطيئة (الأصلية) على جميع البشر فاتجهت حياتهم نحو الفساد (تك 4-11).

ج- نتيجة الخطيئة: إن النتيجة الرئيسية للخطيئة هي الموت (تك3، حز4:18). ويعلمنا العهد القديم أن الخطيئة تجلب اللعنة والكارثة. وحسبما قال الأنبياء فسقوط إسرائيل هو النتيجة الحتمية للخطيئة القومية. ورغم هذا فالعهد القديم يقدم الأمل. وقد أنبأ بالهزيمة النهائية للخطيئة والشر (تك15:3). وقد سبق وأن ورد في سفر التكوين أن الخير كان يملأ أسرتي نوح وإبراهيم. ومن خلال إبراهيم ستتبارك أمم الأرض جميعها (تك 2:12-3). فالله نفسه يبحث عن الخراف المشتتة (حز34). ويعود الإنسان إلى الله بنكران الذات والخضوع لله.

فبعد سقوط مملكتي إسرائيل ويهوذا أصبحت الخطيئة تعني بصورة مبدئية مخالفة للشريعة. وكان يعتبر غير اليهود خطأة لأنهم لم يحافظوا على الشريعة. ويظهر الشيطان في هذه الفترة كمغو (حك 24:2). وسيظهر بهذه الصورة ثانية في العهد الجديد.

2) العهد الجديد:

يستعمل العهد الجديد كلمتين من اليونانية "همارتيا" (Hamartia) و "همارتيما" (Hamartema) للدلالة على حقيقة الخطيئة. وتعتبر الخطيئة فعلاً، أو حالة أو ظرفاً وقوة. ومهما كانت الخطيئة فإن يسوع المسيح قادر على قهرها.

أ- الأناجيل الإزائية: في الأناجيل الإزائية من العهد الجديد يمارس يسوع مهامه بين الخطأة لأنه جاء "لدعوة الخطأة لا الصالحين إلى التوبة" (مر 17:2). ويعترف يسوع أن الأعمال الرديئة تصدر عن القلب (مر21:7). ومثل الابن الضال يعلمنا أن الخطيئة إساءة لله، وأن الغفران ممكن بعودة الخاطئ لله (لو 17:15-32). وقد سفك يسوع دمه، دم العهد، بالنيابة عن الكثيرين لمغفرة الخطايا (مت 28:26). وهناك فرح في السماء لعودة الخاطئ (لو 7:15و10).

ب- كتابات يوحنا: نجد في كتابات يوحنا تعبيراً واضحاً عن شر الخطيئة. فالخاطئ يحب الظلمة أكثر من النور خشية أن تنكشف أعماله الشريرة (يو19:3-20) إن كل من يعيش في الخطيئة يكون عبداً للخطيئة (يو34:8) وعبداً للشيطان (1يو 8:3-10). والخطيئة مخالفة للشريعة (1يو 4:3)، واثم (1يو 17:5)، وشهوة الجسد وشهوة العين وكبرياء الغنى (1يو 16:2). وفي هذه الفقرات، تدل الخطيئة غالباً على ظرف أو حالة تكون نتيجة لفعل خاطئ. ويرى يوحنا أيضاً القوة الشيطانية وراء أعمال الفرد الشريرة (يو34:8، 1يو 8:3-10). وبالنسبة إلى يوحنا فيسوع هو قاهر الخطيئة. وهو نفسه بلا خطيئة (يو 46:8، يو 5:3). وهو الحمل الذي يزيل خطايا العالم (يو29:1). وهو كفارة عن خطايا الجميع (1يو2:2، 10:4).

ج- كتابات بولس: تحتوي كتابات بولس، خصوصاً القسم الأول من رسالته إلى أهل روميه، على دراسة لاهوتية مكتملة نسبياً عن الخطيئة. ففي عدة أماكن يضع بولس قوائم لهؤلاء الخطأة وهم: الزناة وعباد الأوثان والفسّاق ومضاجعو الذكران والسارقون والبخلاء والسكيرون والشتامون وآخرون وجميعهم لن يرثوا ملكوت السماوات (1كور 9:6-10، غل 19:5-21، الخ). ويقع اليهودي واليوناني كلاهما تحت سيطرة الخطيئة، فجميع الناس قد أخطأوا ولا يحصلون على مجد الله (رو 1:2-31:3). وتحكم الخطيئة كقوة في العالم. وقد جلب آدم الخطيئة إلى العالم بتمرده ودخلت إلى جميع الناس (رو 12:5-19). إن أجرة الخطيئة هي الموت (رو23:6)، وشمول الموت يبرهن أن جميع الناس خطأة (رو12:5). وتستعبد الخطيئة الإنسان فيعجز عن القيام بما هو صواب حتى لو أراد ذلك (رو 15:7-25).

إلا أن بولس يعطينا الأمل. فإذا كان التضامن مع آدم قد ورط الجنس البشري في الخطيئة والموت، فإن التضامن مع المسيح جلب له البراءة والحياة (رو15:5-19). والمسيحي وقد تبرر بالإيمان وبالمعمودية لبس المسيح (غل27:3-28). فإذا كان الواحد مع المسيح فهو خليقة جديدة (2كور 17:5). فهو لم يعد يسلك حسب الجسد ولكن حسب الروح (رو9:8).

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



ثانياً: تعليم الكنيسة

الخطيئة هي الابتعاد عن الله، وهي إساءة له، ومخالفة صريحة لشريعته، والخاطئ هو عدو الله، وهناك فرق بين الخطايا المميتة والعرضية:

1) الخطيئة المميتة:

إن نتيجة الخطيئة المميتة معاداة الله، وخسارة النعمة المبررة والبركة الأبدية، والابتعاد عن ملكوت السماوات، والخضوع للشيطان، والهلاك الأبدي في الجحيم. ولكن الخطيئة المميتة لا تزيل الإيمان.

2) الخطيئة العرضية:

أما الخطيئة العرضية فهي ذلك النوع الذي يقع فيه حتى القديسون من بني البشر. وباستثناء امتياز خاص، لا يستطيع الفرد تجنب الخطايا العرضية طوال حياته. ولا يسع الإنسان إلا أن يقول بصدق إنه خاطئ. فالخطيئة العرضية لا تزيل النعمة المبررة، إلا أن تطهيرها قد يكون ضرورياً بعد الموت. وقد شجبت الكنيسة الفكرة القائلة إنه لا توجد خطيئة عرضية بطبيعتها، وإن كل خطيئة تستحق الهلاك الأبدي.

إن إرادة الشخص الخاطئ هي السبب الأول للخطيئة. فليس الله سبب الخطيئة كما إنه لا يطلب المستحيل. الشيطان أيضاً هو سبب الخطيئة مادام هو المغري. وعلى الإنسان أن يهرب من مناسبات الخطيئة وأن يقاوم المغريات.

3) الخطيئة الشخصية والخطيئة الاجتماعية:

يركّز قداسة البابا يوحنا بولس الثاني في إرشاده الرسولي "بشأن المصالحة والتوبة في رسالة الكنيسة اليوم" على المعنى الاجتماعي للخطيئة. ويتلخص تعليمه في هذا الشأن في الأفكار التالية:

‌أ-الخطيئة الشخصية: الخطيئة بالمعنى الحصري فعل الفرد لأنها فعل حرّ يقوم به أحد الناس ليس حصراً، فئة أو جماعة، بالرغم من أنه قد يتعرّض لضغوطات اجتماعية تقلل من مسئوليته وتخفف من حريته. وتقع أولى نتائج الخطيئة وأخطرها على الخاطئ عينه: أي على علاقته مع الله، أساس الحياة البشرية، وعلى عقله، فتضعف إرادته وتظلم بصيرته.

‌ب-الخطيئة الاجتماعية: هناك ثلاثة معانٍ لهذه العبارة:

1- المعنى الأول:

إن خطيئة كل من الناس، بقوة ما بينهم من تضامن عجيب، تؤثر بطريقة ما، على الآخرين. وهذا وجه من التضامن الذي يتطور على الصعيد الديني في سر "شركة القديسين" لذلك يمكن التحدث عن "الشركة في الخطيئة" وتنحدر النفس منها بالخطيئة، فتنحدر معها الكنيسة، ونوعاً ما، العالم كله.

وبعبارة أخرى، ما من خطيئة، ولو كانت على أكبر قدر من الحميمية والسرية والفردية، تهم فقط من ارتكبها وحده. لأن كل خطيئة، كبر أو صغر حجمها، كثُر أم قل أذاهل ينعكس أثرها على الجماعة الكنسية كلها، وعلى العائلة البشرية جمعاء. وبهذا المعنى يمكن اعتبار كل خطيئة؛ خطيئة اجتماعية.

2- المعنى الثاني:

من الخطايا ما يشكّل بموضوعه إساءة مباشرة إلى القريب والإخوة. فهي إهانة لله لأنها إهانة للقريب. ولهذا تدعى خطايا اجتماعية. فكل خطيئة تقترف ضد العدل (في العلاقات بين الأشخاص بين الشخص والمجتمع وبين المجتمع والشخص) تسمى خطيئة اجتماعية ومنها كل خطيئة تمس حقوق الإنسان، ولاسيما حق الحياة. أو تقترف بحق الخير العام: حقوق المواطنين وواجباتهم، كما إن كل إهمال يرتكبه الحكام ورجال الاقتصاد يعتبر من الخطايا الاجتماعية.

3- المعنى الثالث:

ويتناول العلاقات القائمة بين مختلف الجماعات البشرية: حرية، عدالة، سلام، ومن هنا فإن: - صراع الطبقات هو شر اجتماعي.

- الخصومات المتمادية بين الأمم والفئات هي شر اجتماعي

على مَن تقع المسؤولية إذاً في هذه الأحوال، وهل تعفي من المسؤولية الشخصية؟

-إن كل خطيئة هي اجتماعية، بمعنى أن مسؤوليتها لا تقع على الضمير الأدبي لشخص معين بقدر ما تقع على كيان مبهم أو مجموعة لا اسم لها مثل الحالة والنظام والمجتمع والمؤسسة إلى ما شابه ذلك.

-إن الكنيسة في هذه الحالة تعلن أن الخطيئة الاجتماعية من هذا النوع هي نتيجة عدة خطايا شخصية متراكمة مترابطة. ففي أساس كل وضع أو حالة خطيئة، يوجد أناس خطأة.

4) المسيح بوساطة الكنيسة يغفر الخطايا

المسيح هو منبع غفران الخطايا بوساطة عذاباته، إلا أن الكنيسة هي الوسيط لغفران الخطايا. وقد جُعلت المعمودية لمغفرة الخطايا السابقة للمعمودية. وقد جُعل سر التوبة لمغفرة الخطايا ما بعد المعمودية. وحتى قبل التقدم من سر التوبة، بإمكان الندامة الكاملة مغفرة الخطايا، شريطة أن تكون لنا النية في التقدم من السر في أول فرصة سانحة. وتُغفر الخطايا العرضية بعدة طرق غير سر التوبة. ويوصي بالقربان دواء لعلاج الخطيئة.

5) المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني:

وقد كتب المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني يعلمنا بقوله: "لقد أقام الله الإنسان في حالة من البرارة. غير أن الشرير أغواه منذ بدء التاريخ فأساء استعمال حريته واقفاً في وجه الله، راغباً في أن يصل إلى غايته بدونه تعالى. لقد عرفوا الله غير أنهم لم يعبدوه كإله... فاظلم قلبهم الغبي "وخدموا الخليقة وفضلوها على الخالق". وإن ما يبينه لنا الوحي الإلهي بهذه الصورة يثبته اختبارنا بالذات. فالإنسان، إذا تفرّس في أعماق قلبه، يكتشف أنه ميّال أيضاً إلى الشر، تغمره ويلات كثيرة لا يمكن أن تأتيه من خالقه لأنه صالح. فغالباً ما رفض الإنسان أن يعترف بأن الله هو مبدأه ولذلك نقض النظام الذي كان يوجهه نحو غايته الأخيرة وحطم كل تناغم أمّا بالنسبة لنفسه أو لسائر الناس أو للخليقة كلها" (الكنيسة في عالم اليوم-13).

6) الخطيئة والخيار الجذري:

تطرّق البيان الصادر عن "المجمع المقدس للعقيدة والإيمان" بالتالي إلى الحديث "حول الأخلاقيات الجنسية" وتكلم عن الخطيئة والخيار الجذري: "إن الخيار الجذري هو الذي يحدد في نهاية الأمر استعداد الإنسان الأخلاقي. ولكن يمكن تغيير هذا الخيار عن طريق أفعال منفردة، خصوصاً، كما يحدث غالباً، عندما تسبق هذه الأفعال أفعال أكثر سطحية". ومهما كان الحال فمن الخطأ القول أن الأفعال المنفردة ليست كافية لتكوين خطيئة مميتة. فبمقتضى تعاليم الكنيسة ليست الخطيئة المميتة معارضة لإرادة الله، ومخالفة رسمية ومباشرة لوصية المحبة وحسب، بل إنها مقاومة للحب الحقيقي، لا سيما إذا كانت مخالفة متعمدة، في المسائل الثقيلة لكل من القوانين الأخلاقية.

ويتابع البيان موضحاً: "أشار يسوع المسيح إلى الوصية الثنائية للمحبة كأساس للحياة الأخلاقية. وعلى هذه الوصية تقوم الشريعة بأجمعها. ولذلك فهي تشمل الأوامر الخاصة الأخرى... فالشخص إذاً يرتكب خطيئة مميتة ليس فقط عندما يصدر عمله عن امتهان مباشر لمحبة الله والقريب ولكن عندما يختار، بوعيه وحريته، ومهمل كان السبب، أمراً مغلوطاً في موضوع هام. فاختياره في الأصل يتضمن، كما ورد سابقاً، امتهاناً للوصية الإلهية: فيبتعد الفرد بعيداً عن الله ويفقد المحبة" (رقم-10)
 
قديم 08 - 06 - 2014, 08:28 AM   رقم المشاركة : ( 4487 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الاستعداد للمناولة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


قدس الاب توماس هوبكو



أخي الخاطئ مثلي، هذا هو الاستعداد الواجب اتّباعه قبل أن تتوب وتذهب إلى الاعتراف. اعرفْ أولاً أن التوبة، بحسب القديس يوحنا الدمشقي، هي العودة من الشيطان إلى الله، التي تتمّ بالألم والجهاد. وهكذا أنتَ أيضاً، أيها الحبيب، إذا رغبت بأن تتوب كما يليق، عليك أن ترفض الشيطان وأعماله وتعود إلى الله وإلى الحياة التي تليق به. عليك أن تنبذ الخطيئة التي هي ضد الطبيعة، وتعود إلى الفضيلة التي هي بحسب الطبيعة.
عليك أن تكره الشر كثيراً، حتى تقول مع داود: "أَبْغَضْتُ الإثم وَكَرِهْتُهُ" (مزمور 163:118)، وبدلاً عن ذلك، عليك أن تحبّ الخير ووصايا الرب كثيراً حتى تقول أيضاً مع داود: "أَمَّا شَرِيعَتُكَ فَأَحْبَبْتُهَا." (الآية نفسها)، وأيضاً: "لأَجْلِ ذلِكَ أَحْبَبْتُ وَصَايَاكَ أَكْثَرَ مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ." (مزمور 127:118). باختصار، الروح القدس يعلّمك بسيراخ الحكيم ما هي التوبة الحقيقية في قوله
يرتّب المسيحيون الملتزمون حياتهم في هذا العالم ويقيسونها من المناولة إلى المناولة.
نحن نرحّب بيوم الرب في كل أسبوع بتوقّع تواّق إلى الدخول في شركة مقدّسة مع الله بعمل روحه القدّوس في الكنيسة، من خلال يسوع المسيح، ابن أببه وكلمته الذي هو أيضاً حمل الله وخبز الحياة. بعد يوم الرب، نحن نعيش في تذكّر خبرة المناولة الإلهية المباركة ونبدأ مباشرة بالتطلّع إلى هذه العطية الإلهية في القداس المقبِل.
يعيش المسيحيون من الأحد إلى الأحد، وطوال السنة، من الفصح إلى الفصح. نحن نعيش أيضاً، من قداس إلى قداس، من إفخارستيا إلى إفخارستيّا، من مناولة إلى مناولة.
حياتنا تُقاس وتُمتَحَن بهذا الحَدَث المقدّس. بداية ونهاية كلّ ما نحن عليه وما نقوم به، كما معناه وإتمامه، هو في عطية الله من المناولة الإلهية من خلال المسيح والروح القدس في الكنيسة.
الاستعداد المستمرّ للمناولة الإلهيّة
يتذكّر المسيحيون الملتزمون ما قام به الله في التاريخ ويتوقّعون ما سوف يقوم به الله أيضاً. نحن نعيش من خلال المجيء الأول للمسيح كعبدٍ صُلب وتمجّد، كما من خلال مجيئه الأخير في نهاية الزمان ليثبّت ملكوت الله. إن عبادة الكنيسة الإفخارستية توحّد وتضمّ مجيئَي السيّد مع كل أعماله المقتدرة في التاريخ فتستحضرها لنا للمشاركة، هنا والآن، لمغفرة الخطايا وشفاء النفس والجسد وللحياة الأبدية.
كلّ لحظة من حياة المسيحي هي استعداد للقاء الله الذي يتحقق أسرارياً في المناولة. نحن نستعدّ في كل لحظة لدخول ملكوت الله الآتي بمجد وقوة عند آخر الأزمان.
نحن نعيش في إدراك ثابت لحضور السيد في حياتنا هنا والآن، مهيئاً إيانا برجاء شركة معه لا تنتهي في الدهر الآتي. بهذا المنظار، كلّ ما نفكّر به نحن المسيحيون أو نقوله أو نفعله في كلّ لحظة من حياتنا هو استعداد للمناولة الإلهية في هذه الحياة في القداس الإلهي، وبلا نهاية في الدهر الآتي عند نهاية العالم.
الاستعداد العام للمناولة الإلهية
كوننا نحن المسيحيون نعيش في هذا العالم، فيستحيل تلافي كوننا عالقين في الأعمال الدنيوية والآلام والتجارب والإغراءات، ولأننا نُغلَب بسهولة من الأهواء الخاطئة، أعطانا الله سبلاً تؤهّلنا لأن لا ننساه. فهو يقدّم لنا ممارسات تعطينا أن نحفظ ذواتنا مستعدين دائماً للقائه عند مجيئه.
إنّه يعطينا قوانين من النظام الروحي والجسدي لنمارسها حتى نبقى مدركين لحضوره وقوته في حياتنا، وهكذا نبقى مستعدين لاستقباله عندما يعطينا ذاته في المناولة الإلهية.
القوانين العمومية للاستعداد للمناولة هي نفس قواعد الحياة المسيحية. إنّها ممارسات تبقينا واعين لله وللأعمال التي تفتح عقولنا وقلوبنا وأجسادنا لحضوره وقوته في حياتنا.
ومن بينها بشكل أساسي:
* المواظبة على المشاركة في العبادة الليتورجية
*المواظبة على قانون الصلاة الشخصي
*المواظبة على ممارسة الصلاة العقلية المستمرّة، أي صلاة القلب، للتأكيد على تذكرنا الثابت لله
*المواظبة على تأمين أوقات من الهدوء
*الالتزام الثابت بالصوم والامتناع عن الأكل
*قراءة الإنجيل والكتابات الروحية بشكل دائم
*الاعتراف المتواتر بالخطايا (والأفكار والأحاسيس
*والتجارب والأحلام) إلى كاهننا، أو إلى مَن يسمح راعينا ويبارك بأن نعترف عنده
*الغفران المستمر لخطايا الناس الذين في حياتنا واستغفارهم عن خطايانا
*العطاء الدائم للمال للكنيسة وللمحتاجين
*مشاركة الآخرين الدائمة في وقتنا وقدراتنا وممتلكاتنا
*المجهود الثابت للقيام بعملنا اليومي قدر استطاعتنا لمجد الله وخير الناس
*النضال المستمر كي لا نخطأ حتى ولا في الأمور الصغيرة من الأعمال الروتينية في حياتنا اليومية وعلاقاتنا الشخصية.

تتكرر عبارات "المواظبة" و"الثابت" ويُرَكَّز عليها لأنّه ينبغي أن تكون ممارساتنا وأعمالنا بحسب قانون محدد. ينبغي أن نقوم بها دائماً وبشكل متماسك بانتباه واعٍ ونظام. لا يمكن تركها للهوى أو النزوة أو الإحساس.
ما يقوم به الإنسان، في ما يختصّ بالعبادة الليتورجية والصوم والقراءة والإحسان والعمل والخدمة، سوف يتكيّف مع أحوال حياته. سوف يكون عمل الإنسان مختلفاً بحسب عمر كل إنسان وقوته وصحته وتوفّر وقته وقدراته الذاتية.
يقول القديسون أن قانون الصلاة والقراءة والصوم ينبغي أن يكون قصيراً ولكن متكرراً بسيطاً نقياً غير معقّد وقابلاً للحفظ. ينبغي أن تحدد هذه الأمور ويُبتَدَأ بها بإرشاد ونُصحٍ روحيين بطرق تسمح بتضمينها بسهولة ضمن إمكانيات حياة الشخص اليومية.
التهيئة الخاصة بالمناولة
بالإضافة إلى القانون الروحي العام، على كل مؤمن أن يبذل جهوداً تعبدية محددة في التحضير للمناولة الإلهية. هذه الجهود تختلف من شخص لآخر وهي تتضمّن عدداً من الصلوات الخاصة والقراءات، ممارسة الاعتراف والمصالحة مع الآخرين، بالإضافة إلى أعمال حسنة محددة أخرى كالإحسان والمساهمات المالية.
وهذه تتوقّف على حالة الشخص. على سبيل المثال، قانون تهيئة الراهب أو الإكليريكي للمناولة أطول من قانون العلماني. بإمكان مَن عنده مسؤوليات أقلّ أن يقضي مزيداً من الحرية والوقت للاستعداد للمناولة ممّن ينتظره وظائف أكثر للإنجاز، كمثل أُمٍ عندها أطفال صغار. أصحاب الحياة الروحية المنظّمة الذين يشتركون بالأسرار بشكل منتظم ومتكرر، يكون عندهم قدرٌ أصغر من التهيئة الخصوصية للمناولة من الذين حياتهم الروحية غير منتظمة ولا يتناولون إلا نادراً.
ينبغي بالأخيرين أن يقوموا بجهود استثنائية في قراءة صلوات محددة وأصوام خصوصية وأعمال ومساهمات طيبة واعتراف عندما لا تكون هذه الممارسات جزءً قانونياً وثابتاً ومتواصلاً من حياتهم.
صلوات قبل وبعد المناولة
يحوي كتاب الصلوات الأرثوذكسية بمختلف طبعاته المزامير والصلوات الاعتيادية قبل الاشتراك بالمناولة وبعدها. على المؤمنين المطّلعين أن يقرروا بإرشاد روحي كيف يستعملون كقانون هذه الصلوات للاستعداد والشكر.
بعد هذا القرار، ينبغي بذل كل مجهود للحفاظ على القانون الشخصي إلى أن يصير ضرورياً تعديله أو تغييره، أيضاً بإرشاد ونصح روحيين، بسبب تغير ظروف الحياة.
عندما نفشل نحن المؤمنون في الحفاظ على قوانيننا، علينا أن نجد أسباب فشلنا، ونتّخذ التدبير المناسب، بمساعدة رعاتنا ومرشدينا الروحيين. بهذه الطريقة تكون مشاركتنا في عشاء السيّد السريّ بطريقة لائقة. فتكون لغفران خطايانا وشفاء نفوسنا وأجسادنا وللخلاص الأبدي، وليس لإدانتنا أو للحكم علينا.

نرجو أن يقنعنا الرب بعدم استحقاقنا للمشاركة بالمناولة الإلهية، وأن يعلمنا أن كلّ ما نقول ونعمل لا يجعلنا مستحقين لهذه العطية الإلهية. نرجو أن يحثّنا على الاقتناع بأن الاعتراف من القلب بأننا غير جديرين بالمشاركة يتيح لنا بأن نشترك بطريقة لائقة. ونرجو أن يقوينا على إطاعة كلمته
وقبول جسده ودمه بخوف الله وإيمان ومحبة، حتى نرى فعلاً النور الحقيقي، ونجد الإيمان الحقيقي، ونأخذ الروح القدس، ونسجد للثالوث غير المقسم لأنّه خلصنا من خلال المناولة الإلهية والمشاركة معه.
الصوم والليتورجيا
ملاحظات في اللاهوت الليتورجي
المتقدّم في الكهنة ألكسندر شميمن

تقضي القوانين الليتورجية في الكنيسة الأرثوذكسية بأن يُقام القداس الإلهي بعد الغروب في بعض أيام الصوم. هذه الأيام هي: الخميس والسبت من الأسبوع العظيم، عشيات أعياد الميلاد والظهور والبشارة.
وعلى المنوال نفسه يُحتَفَل بقداس القدسات السابق تقديسها دائماً بعد الغروب. فإذا أخذنا في اعتبارنا أن التيبيكون يحدد وقت الغروب على أساس الشمس وليس عداد الساعة، يكون الوقت المحدد لهذه القداديس المسائية تقريباً بين الثانية والخامسة من بعد الظهر.
معروف جداً أن هذه القواعد أصبحت حروفاً ميتة اليوم، أو بالأحرى هي محفوظة بالشكل، ولكن بطريقة لا يُنقَل فيها القداس إلى المساء بل تُقام صلاة الغروب في الصباح.
ينبغي تفسير هذا الخرق للقانون على أنّه محض تلطُّف من الكنيسة على "ضعف الجسد"، كرغبة في تقليص فترة الامتناع عن الأكل عند المشتركين،
إذ يمكننا أن نرى هذه الممارسة نفسها، حيث تُطبّق هذه القوانين بتدقيق وحيث لا يوجد أي محاولة للإذعان للضعف البشري. في هذه الحالة، نحن مضطرون للتعاطي مع الإيمان، الراسخ بعمق في الضمير الكنسي المعاصر، بأن القداس الإلهي ينبغي دوماً أن يُقام في الصباح. يظهر الاحتفال المسائي بالقداس كابتكار غير مسبوق عند الأغلبية من الشعب الأرثوذكسي، لا بل فوق ذلك هو شيء مستغرَب وغير طبيعي أكثر من الممارسة المعروفة في إقامة الغروب في الصباح والسحرية في المساء.
من ناحية ثانية، واضح أنّ كتّاب التيبيكون، في ضمّهم القداس إلى الغروب، رَموا إلى أكثر من ارتباط شكلي محض بين الخدمتين. لقد عنوا نقلاً متعمّداً للقداس إلى المساء وتغييراً واعياً في الترتيب اليومي للخدَم. وأيضاً واضح أنّ في عدم تطبيق هذا القانون،
أو في تطبيقه شكلياً فقط (أي في نقل الغروب إلى الصباح) نحن نرتكب مخالفة مزدوجة للقانون "typos" الليتورجي؛ إذ نقيم خدمة مسائية في الصباح، ما هو إلى جانب كونه "عملاً شكلياً" للصلاة، هو مناقض للحس المشترَك، وفوق هذا هو تجاهل للأسباب التي جعلت الكنيسة تحدد الاحتفال مساءً بالقداس في بعض الأيام وليس في الصباح.
ولكن ربّما إذا حققنا في هذه الأسباب سوف نرى فيها ما هو أكثر معنى من مجرّد تفاصيل في القواعد، ما هو منسي مع أنّه أساسي لفهم تقليدنا الليتورجي.
يمكن إيجاد التفسير الأكثر عمومية في التيبيكون نفسه. يحوي الفصل الثامن التعليمات التالية: "يوم الأحد، يجب أن مبدأ القداس عند الساعة الثالثة ؛التسعة صباحاً)،
حتى يكون حلّ الصوم عند بداية الساعة الرابعة؛ يوم السبت، يجب أن نبدأ القداس عند بداية الساعة الرابعة، حتى يكون حلّ الصوم عند بداية الساعة الخامسة، وفي الأعياد الصغرى والأيام الأخرى، نبدأ عند الساعة الخامسة حتى يأتي حلّ الصوم عند الساعة السادسة".
إذاً عندنا هنا علاقة محددة بين زمن ("kairos") القدّاس والصوم الذي يسبقه. هذا "الصوم الإفخارستي" ينبغي إطالته أو تقصيره بحسب طبيعة اليوم الذي يُقام فيه القداس. يعتبر التيبيكون أنّ الصوم الكامل قبل القداس بديهي، ولهذا، فالمعنى الشامل لهذه التعليمات هو أنّه مع ازدياد أهمية العيد يكون القداس أبكر وبالتالي تقصر فترة الصوم.
وهنا أيضاً، علينا أن نلاحظ أن ممارستنا الحالية تعارض القاعدة:
نحن نميل إلى اعتبار الخدمة المتأخرة أكثر ملاءمة للأعياد الكبيرة، والخدمة في وقت مبكِر "كافية" لكل يوم. قد تبدو توجيهات التيبيكون للوهلة الأولى مجرّد رفات لبعض القوانين الرهبانية القديمة التي، لسبب غامض،
تتكرر في التيبيكون من طبعة لأخرى. مع هذا، إذا قمنا ببعض الجهد لترجمة هذه التعليمات الجافّة، فسوف نجد فيها لاهوتاً كاملاً للصوم في علاقته مع القداس. بعد فهمنا لهذا، قد نتساءل ونقرر ما إذا كان الأمر شَرطِيّاً، نسبيّاً ومن الماضي، أو إذا كان فيه عنصر من التقليد ملزم لنا أيضاً.
للكشف عن هذا ينبغي أن نفهم أن في هذه التوجيهات قد حُجِب مفهوم الصوم وخبرته الحيّة التي مصدرها الإنجيل نفسه والتي قبلَتها الكنيسة منذ البداية. ينتشر اليوم اعتبار احترام هذه التوجيهات البديهية ذات المظهر القانوني هو مجرّد طقوسية وتمسّك حرفي لا يتلاءمان مع طريقة عيشنا العصرية، مع أنّ فيها يُكشَف فهم عميق للحياة البشرية في علاقتها مع المسيح والكنيسة. هذا ما سوف نحاول أن نظهره باقتضاب.
بحسب الأناجيل الإزائية، اتّهم الفريسيون المسيح بعدم الصوم (بينما هم وتلاميذ يوحنا كانوا يصومون كثيراً).
على هذا أجاب المسيح: "فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَصُومُوا وَالْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَصُومُوا. وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ." (مرقس 18:2، لوقا 33:5، متى 14:9). تركّز هذه النصوص على الارتباط بين الصوم وخدَم المسيح المسيانية، لكنّ الصوم يصير مستحيلاً في فرح حضوره. بشكل أعمّ، الصوم هو التعبير عن التوقّ، عن حالة الانتظار والاستعداد.
وهكذا، يقابل المسيح نفسه بيوحنا العمدان: "لأَنَّهُ جَاءَ يُوحَنَّا لاَ يَأْكُلُ وَلاَ يَشْرَبُ، فَيَقُولُونَ: فِيهِ شَيْطَانٌ. جَاءَ ابْنُ الإِنْسَانِ يَأْكُلُ وَيَشْرَبُ..." (متى 18:11-19). في هذا السياق، يوحنا المعمدان هو "مثال" ورمز للعهد القديم في علاقته بالعهد الجديد.
العهد القديم هو زمان التهيئة والتوقّع وهو ينتهي مع ظهور الصوّام. لكن ابن الإنسان "يأكل ويشرب" وتلاميذه أيضاً يأكلون ويشربون وفي الإنجيل نحن نرى دائماً السيّد يكسر الخبز مع العشّارين والخطأة في بيوت الفريسيين وأيضاً يقدّم المأكل للجموع. ففي المسيح ومعه يتكشّف الملكوت ويأتي.
وفي دراسة رموز الكتاب المقدس (biblical typology)، يُشار غالباً إلى الملكوت على أنّه وليمة، أي كسر للصوم (أنظر مثلاً إشعياء 6:25). إنّ هذا التعليم الكتابي عن الصوم هو الإطار المسياني الخريستولوجي الذي حدّد مكان ووظيفة الصوم في الكنيسة منذ البداية. من جهة أخرى، الكنيسة بذاتها هي بداية الملكوت وتوقعه الأخروي. العريس حاضر ويظهر حضوره في كسر الخبز، في المائدة الإفخارستية، التي هي التوقّع الأسراري لملء الملكوت،
أي للمائدة المسيانية. في كتاب الأعمال، كسر الخبز هو حادثة أساسية لبناء الكنيسة أي الجماعة المسيانية (أعمال 42:2). في هذا الاجتماع، في الشركة "koinonia"، ليس من مكان للصوم: المتوَقَّع قد تمّ، السيّد قد حضر "ماران أثا".
لقد أتى، إنّه آتٍ، سوف يأتي... ولكن، من الجهة الأخرى، مع صعود المسيح، بدأ عهد جديد من الانتظار: انتظار المجيء الثاني (parousia)، مجيء المسيح ثانيةً بمجد، الإنجاز الذي به "يظهر المسيح الكل في الكل".
لقد انتصر الربّ وتمجّد، لكن تاريخ "هذا العالم" لم يتمّ بعد، إنّه ينتظر تحقيقه ودينونته. فيما كان تاريخ العهد القديم موجّهاً نحو مجيء المسيّا، تاريخ العهد الجديد موجّه نحو عودة الرب بمجده ونهاية العالم. ما تعترف به الكنيسة سرياً، سوف يصير واضحاً عند نهاية العالم.
وطالما الكنيسة حيّة والمسيحيون يعيشون في هذا العالم، فهم ينتظرون، ويتوقّعون هذا "المجيء الثاني"، يصلّون ويسهرون لأنّهم لا يعرفون متى يأتي ابن الإنسان. ولذلك يُعَبَّر عن هذا التوقّع في صوم جديد، أي في حالة جديدة من الانتظار.
هذا التوقّع، هذا الاشتياق، يتمّ باستمرار ويُستَجاب في سرّ حضور السيّد، أي في الوليمة الإفخارستية.
إذ تعيش الكنيسة في الزمان، في التاريخ، تكشف بالفعل انتصار الأبدية، وتستبق مجد الملكوت الآتي. وهذا "الصوم-التوقّع" يكتمل في السرّ، عندما نستحضر كلاً من مجيئي المسيح الأول والثاني في نفْس الاستذكار الأبدي، أيّ أننا نجعله حقيقياً وحاضراً. وهكذا، يشكّل الصوم والإفخارستيا قطبين أساسيين لحياة الكنيسة يكمّل أحدهما الآخر، ويظهران التناقض الجوهري في طبيعتها: الانتظار والامتلاك، الملء والتطوّر، الأخروية والتاريخ.
تعطينا هذه الاعتبارات المفتاح لقوانين التيبيكون "التقنيّة" وتملؤها بالمعنى الروحي. إنّها تعبّر عن مبدأ ليتورجي أساسي هو عدم ملاءمة الإفخارستيا والصوم:
لا يمكن ولا يجوز بأن يُقام قدّاس في يوم صوم. كون سرّ الإفخارستيا هو سر حضور المسيح فهو عيد الكنيسة، أو حتى أكثر من ذلك، إنّه الكنيسة كعيد، وبالتالي مقياس كل الأعياد وإطارها. فالعيد ليس محض "تذكر" لهذا الحَدَث أو ذاك من حياة المسيح على الأرض، بل بالتحديد هو تحقيق حضوره في الكنيسة بالروح القدس. وبالتالي كل حدث أو شخص يُستَذكَر في عيد، فإن استذكاره يكتمل بالضرورة في القدّاس، في "السرّ" الذي يحوّل الاستذكار إلى حضور.
تظهر الإفخارستيا الرابط بين كل الأحداث الهامة، كل القديسين، كل الإثباتات اللاهوتية مع عمل المسيح الخلاصي.
أياً كان ما نستذكره أو نحتفل به، فإننا نكتشف دوماً ? وهذا الاكتشاف يتمّ في القداس الإلهي - أنّ كلّ ما في الكنيسة يجد في يسوع المسيح بدايتَه ونهايتَه وكمالَه.
يمكننا أن نشير هنا إلى أنّ الكنيسة الأرثوذكسية لم تقبل يوماً مبدأ القداس غير الاحتفالي، على غرار "القداس الأدنى" عند الكاثوليك. فلفترة طويلة كان القداس طقساً ربّانياً بشكل جوهري لأنّه بطبيعته فصحي، وهو دائماً يعلن موت المسيح ويعترف بقيامته ويشهد لها.
المبدأ الثاني الذي يتبع الأول بالضرورة، هو أنّ فترة صيام تسبق كلّ احتفال إفخارستي. التوقع ينبغي أن يسبق الإنجاز.
من وجهة النظر هذه، الصوم الإفخارستي ليس مجرّد امتناع قبل المناولة، بل هو بالدرجة الأولى توقّع واستعداد روحي. إنّه صوم بالمعنى الروحي المذكور أعلاه، انتظار للمجيء الأسراري.
في كنيسة الأزمنة الأولى كانت تسبق الإفخارستيا سهرانية طوال الليل هي بالتحديد (ونظرياً ما تزال في الكنيسة الشرقية) خدمة الاستعداد والتهيوء، سهرانية بكل المعنى المسيحي للكلمة.
ولهذا السبب حُدّدت الإفخارستيا أيام الآحاد والأعياد في الساعات الباكرة من النهار: إنّها التمام والنهاية للسهرانية،
خدمة الصوم والاستعداد. أما في الأعياد الصغرى، حيث لا يوجد سهرانية فالاحتفال بالإفخارستيا يتمّ في آخر الصباح، إذ في هذه الحالة تشكّل ساعات الصوم الصباحية الفترة الضرورية من الاستعداد. وهكذا، كل حياة الكنيسة الليتورجية، التي تحدد بدورها حياة كل فرد من الكنيسة، تقوم على هذا الإيقاع من التوقّع والإتمام، الاستعداد و"الحضور".
عندها لا تعود القواعد التي تحكم هذا الإيقاع مهجورةً ومبهَمة، فتصير طريقاً تقودنا إلى قلب الحياة في الكنيسة.
لكن للصوم أيضاً معنى آخر، يكمّل الأول الذي شرحناه، وقد شددت الرهبنة عليه وطوّرته. إنّه الصوم النسكي، الصوم كحرب ضد القوى الشيطانية، كطريقة للحياة الروحية. يرجع أصل هذه الفكرة إلى الإنجيل. قبل أن يمضي المسيح إلى البشارة،
صام لأربعين يوماً وفي آخر هذه الفترة دنا منه الشيطان (متى 3:4). في الإنجيل، نجد آية واضحة عن أنّ الصوم والصلاة هما الوسيلتان الوحيدتان للتغلّب على الشيطان (متى 21:17). لا يتمم مجيء المسيح ثانيةً إلى العالم تاريخَ الخلاص وحَسْب، بل هو اللحظة الحاسمة في الصراع ضد الشيطان، الذي صار "أمير هذا العالم".
بحسب الكتاب المقدّس، بالأكل تغلّب الشيطان على الإنسان وصار سيّده. تذوّق الإنسان الثمرة المحرّمة وبهذا صار مستَعبَداً للأكل، وصار كامل وجوده متوقفاً عليه.
لهذا السبب، الصوم، من منظار كتابي، لا يتساوى مع مجرّد الاعتدال بالأكل مع نوع من الصحيّة الأولية. الصوم الحقيقي، الامتناع الصحيح، أي الذي تمدحه الكنيسة في صوّاميها القديسين، هو بالواقع تحدٍ لقوانين الطبيعة ومن خلالها للشيطان نفسه. إذ لا شيء يؤذيه أكثر، لا شيء يقضي على قوته، أكثر من هذا التعالي عند الإنسان على القوانين التي أقنعه بأنّها "طبيعية" و"مُطلَقة".
من دون الأكل يموت الإنسان وبالتالي تعتمد حياته بالكليّة على الطعام. ومع هذا، بالصوم، أي برفض الأكل طوعياً يكتشف الإنسان أنّه لا يحيا بالخبز وحده.
وهكذا يصير الصومُ الرفضَ لما صار "ضرورياً"، الإماتة الحقيقية للجسد الذي يعتمد كلياً وحصرياً على "قوانين الطبيعة التي لا فرار منها". في الصوم، يصل الإنسان إلى الحرية التي فقدها بالخطيئة، يسترد في الكون المُلْك الذي أبطله بتعديه إرادة لله. الصوم هو رجعة اختيارية إلى إتمام الوصية التي انتهكها آدم. بقبول الصوم، يحصل الإنسان مجدداً على الطعام كعطية إلهية، ولا يعود الأكل "ضرورة" ويصير الصورة الحقيقية للوليمة المسيانية إذ "كُلْ لتحيا" صارت مجدداً "عِشْ في الله".
فكرة الصوم هذه، المتجذّرة في صوم المسيح أربعين يوماً ومواجهته للشيطان، هي أساس الصوم النسكي، الذي ينبغي تمييزه (لا فصله) عن الصوم الإفخارستي، المحدد أعلاه كحالة من الاستعداد والترقّب.
ما من شيء يظهر العلاقة بين أوجه الصوم هذه أو وظائفه كما يظهرها الصوم الكبير وتفصيلاته الليتورجية. من جهة، الآحاد والسبوت، كونها أساساً أيام الإفخارستيا، مستثناة "ليتورجياً" من الصيام.
ليس في هذه الأيام أي من العلامات الليتورجية المميزة للأيام الصيامية. الصوم الإفخارستي محدد دائماً بإيقاع الإفخارستيا نفسها، حدّه هو الليتورجيا التي يرتبط بها كاستعداد للإتمام. إنّه يُنجَز ويُتَمم في تناول الطعام الإفخارستي.
إذاً، الصوم الإفخارستي هو عمل من أعمال الكنيسة، لأنّه يتطابق مع حالة من حالاتها. الصوم النسكي، من جهة أخرى، هو قبل كل شيء فردي كونه إنجاز شخصي للكنيسة.
القواعد التي تتعلّق بهذا الصوم، والتي تختلف بحسب التقاليد المحليّة المتنوّعة، نسبيّة بمعنى أنّها بالدرجة الأولى دلالات على طريقة وطيدة وإرشاد أكيد، لكنّها ليست تعليماً مطلَقاً في الكنيسة. تعتمد هذه القواعد على الجو، على طريقة الحياة في إطار اجتماعي محدد، على الظروف الخارجية، إلخ. الترتيبات بأكل التين في هذا اليوم والحبوب في يوم آخر، وهي توجيهات ما زلنا نجدها في التيبيكون، واضح أنّه لا يمكن قبولها حرفياً أو اعتبارها "مطلَقة".
الأمر المهم هنا هو فهم أن الصوم الإفخارستي هو صوم الكنيسة، بينما الصوم النسكي هو صوم المسيحي في الكنيسة. الأخير تحدده طبيعة الإنسان، الأول تحدده طبيعة الكنيسة.
إذاً، خلال الصوم الكبير، يجد الصوم الإفخارستي خاتمته كلّ أَحَد في الملء الأخروي للسرّ، دون أن ينقطع الصوم النسكي، إذ إن الخبرة الدنيوية تثبت أن ثماره الروحية تنضج ببطء وتتطلّب جهداً طويلاً ومستمراً.
ومع ذلك ليس بين الإثنين أي تعارض. ينبغي أن يكون الغداء الرهباني في يوم أحد من الصوم الكبير "أكثر هزالة" من ناحية نوعيته الغذائية وكميته. ومع ذلك إنّه غداء أحد، كسر للصوم، إذ بعد الإفخارستيا والصوم الإفخارستي، هو ينتمي روحياً إلى خبرة الفرح والامتلاء التي هي جوهر الأحد المسيحي.
من المستحيل أن نشير هنا إلى كل المضمون اللاهوتي للصوم كما يرد ويقضي في تقليدنا الليتورجي. فقط يمكننا أن نشير إلى معناه الأساسي. تحيا الكنيسة على مستويين، أي هي في "حالتين".
إنها تنتظر، لكنها تمتلك ما تنتظره في الوقت عينه. في الزمن، في التاريخ، إنها فقط في "الطريق"، على طريقها إلى الملكوت، لكنهّا أيضاً ظهور هذا الملكوت. ومعنى حياتها أنّ هاتين "الحالتين" ليستا مفترقتين الواحدة عن الأخرى، ولا تعارض الواحدة الأخرى تناقضاً جذرياً. تنشأ كل واحدة في الأخرى وهي مستحيلة من دونها. الزمن وحياتنا في الزمن لا تُفرِّغهما الأبديةُ ولا تجعلهما سخيفين أو خلواً من المعنى، بل على العكس تعطيهما كل أهميتهما، كل معناهما الحقيقي. إيقاع الكنيسة، إيقاع الإفخارستيا، الذي يأتي وهو دائماً على وشك أن يأتي،
يملأ كل شيء بالمعنى ويضع كل الأمور في مكانها الحقيقي. لا يبقى المسيحيون هامدين بين القداس والآخر، حياتهم "الوقتية" ليست فارغة، لا تحطّ الأخروية من قدرها. إذ بالضبط، "الآخرة" الليتورجية هي ما يمنح القيمة الحقيقية لكل لحظة من حياتنا، حيث يُقاس كل شيء ويُقيَّم ويُفهَم في ضو ملكوت الله،
الذي هو معنى ونهاية كل ما هو موجود. لا يوجد ما هو أكثر غربة عن روح الليتورجية الأرثوذكسية من "ليتورجية liturgiologism" أو "أخروية eschatologism" تختزل كل الحياة المسيحية بالمناولة وتزدري بكل شيء آخر وكأنّه "تافه".
هذه التقوية الليتورجية لا تدرِك أن المعنى الحقيقي للإفخارستيا هو بالتحديد تمييز مجمل الحياة، وتحوّلها وجعلها مهمّة بلا انتهاء. فالإفخارستيا تشهد على التجسد، وكونها محددة في الزمن، دخلت الزمن، فالزمن نفسه وكل لحظاته قد امتلأت بالمعنى واكتسبت أهمية في العلاقة مع المسيح.
بالحقيقة، كل أمور الحياة، الكبيرة والصغيرة، كفّت عن كونها غاية وقيمة بحد ذاتها. أليست السخافة بالحقيقة في هذه العزلة والتمركز حول الذات؟ لكن الآن إذ فُهمَت من منظار الملكوت، يمكنها جميعاً وينبغي بها أن تصير علامات ووسائل لمجيء الملكوت، أدوات لخلاص العالم بالمسيح.
لهذا السبب، وأبعد من "الجمالية" الليتورجية أو "السُنَنية rubricism"، مهم جداً أنّ نسترجع المعنى الحقيقي للزمن الليتورجي الموصوف بهذه الطريقة البسيطة في التيبيكون. هنا حجبت الكنيسة كنز محبتها وحكمتها ومعرفتها "العملية" لله.
ينبغي تحرير ليتورجيا الكنيسة من "برنامج الخدَم" المبتَذَل لتصير مجدداً ما هي إيّاه: تقديس الزمان وبه كل الحياة، بحضور المسيح. وحدها هذه الليتورجيا لا تقسم حياة المسيحي إلى حياتين، واحدة "مكرّسة" وأخرى "نجسة"، بل تتجلّى الواحدة في الأخرى، جاعلة الوجود بمجمله اعترافاً بالمسيح.
فالمسيح لم يأتِ لكي نجعل حضوره رمزاً بل لكي يحوّل العالم ويخلّصه بحضوره.
علينا أن نفهم أن ليتورجيا الكنيسة واقعية بشكل عميق، أن لصلاة الغروب إلفة حقيقية مع هذا المساء المحدد: هذا هو المساء الذي علينا أن نقضيه "كاملاً مقدساً سلامياً وبلا خطيئة"، هذا هو المساء الذي علينا أن نقدمه ونكرّسه لله، وهذا هو المساء الذي أُنير لنا بنور مسائي آخر، ببلوغ آخر ننتظره وفي الوقت نفسه نخشاه، وهو يدنو في زمننا البشري. في الليتورجيا، نكتشف كم تحترم الكنيسة الزمن والطعام والراحة وكل الأعمال، كل تفاصيل حياتنا. في العالم الذي صار فيه الله إنساناً، لا يمكن عزل أي شيء عنه.

الانتظار، اللقاء، الامتلاك: في هذا الإيقاع تغرق الكنيسة في الزمن وتقيسه. لكن هناك أيام يبلغ فيها هذا الانتظار "تركيزه" الأقصى: أيام الإفخارستيا المسائية.
لقد كرّست الكنيسة هذه الأيام ضميرياً وكليّاً للانتظار والاستعداد، للصوم بالمعنى الكامل. تُقضى هذه الأيام بالأعمال اليومية العادية التي تملأ كل الأيام الأخرى. ولكن كم هو بلا حدود معناها، وكم هي مهمة ومسؤولة، كل كلمة ننطق بها في ضوء هذا الانتظار، وكل عمل نقوم! مع هذا، في هذه الأيام يُعطى لنا أن ندرك ما هي الحياة المسيحية وما ينبغي أن تكون عليه وأن نحيا من ثمّ وكأنّ هذه الأيام استنارت بما سوف يأتي!
عشية الميلاد، هدوء السبت العظيم فوق الطبيعي، أيام الصوم الكبير التي نهيئ فيها أنفسنا لخدمة السابق تقديسها، كيف لكل هذا أن يبني النفس المسيحية ويقودها إلى فهم سرّ الخلاص، إلى تحويل الحياة... وعندما يأتي المساء في النهاية، عندما ينتهي في الإفخارستيا كل هذا الاستعداد والانتظار الصياميين، تؤخَذ حياتنا فعلياً في هذه الإفخارستيا، وترتبط بفرح الملكوت وملئه.
إذاً، يمكن لقواعد الخدمة أن تكون لنا ما كانت عليه عند المسيحيين في الماضي، ويمكن لها أن تكون، قانوناً للصلاة، قانوناً للحياة.
 
قديم 08 - 06 - 2014, 08:32 AM   رقم المشاركة : ( 4488 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أسرار الكنيسة السبعة
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


بقلم قداسة البطريرك مار إغناطيوس زكا الأول عيواص تمـهـيـد
هذا بحث يتضمن شرحاً موجزاً وسهلاً لعقيدة كنيستنا السريانية الأرثوذكسية في أسرار الكنيسة السبعة، التي تعتبر من ضمن عقائد الكنيسة الإيمانية الرئيسية.

وإن غايتنا من تقديمه للقراء الكرام هي محاولة تقريب فهم هذه الأسرار المقدسة لأذهانهم
ليدركوا جيداً قدسيتها فيسعوا للحصول على فوائدها الروحية وممارسة ما يحق لهم ممارسته منها بإيمان متين.
يعرّف آباء كنيستنا الميامين السرّ بأنه عمل مقدس، به ينال المؤمنون تحت مادة منظورة، نعمة غير منظورة. ففي كل سر من أسرار الكنيسة السبعة وجهان
وجه منظور ووجه غير منظور على الذي يحصل على السر أن يؤمن بوجوده ولئن لا يراه بالعين المجردة، فالقسم المنظور هو العمل الخارجي الذي يجريه الكهنة الشرعيون من خلال الطقوس البيعية، ومادة السر كالماء في المعمودية
والخبز والخمر في العشاء الرباني، والزيت الذي سبق تقديسه في مسحة المرضى. أما الوجه غير المنظور فهو النعمة التي يحصل عليها المؤمن نتيجة نيله هذا السرّ بإيمان، وبموجب الطقس الكنسي الخاص الذي يقوم به كاهن شرعي كخادم للسر.
فالوجه غير المنظور في سر المعمودية مثلاً تنقية اللّه تعالى للمعَّمد داخلياً وتطهير نفسه وتبريره من الخطية الجدية والخطايا الفعلية التي اقترفها قبل أن يعتمد، وتنقية ذهنه وولادته ميلاداً ثانياً.
وقد جعل السيد المسيح الأسرار ينابيع نِعَم روحية لفائدة المؤمنين. وفيها توجد الكفاية لسد حاجات أبناء الكنيسة. فبما أن الإنسان يولد وينمو ويقتات جسدياً فقد ترتب أن يولد وينمو ويقتات روحياً بوساطة الأسرار الثلاثة الأولى: المعمودية والميرون المقدس والافخارستيا (القربان المقدس).
وبما أنه يمرض جسدياً وروحياً فقد ترتب أن يعتق من الأمراض الجسدية بمسحه بالزيت المقدس ويعتق من أسر الخطية بواسطة التوبة والاعتراف. ولضرورة أن يحفظ النوع الإنساني وينمو تعيّن سر الزواج الذي يقمع الشهوات أيضاً ويصون الإنسان من خطايا كثيرة.
وحيث أنه لا بد من وجود خادم ذي سلطان روحي شرعي يقوم بإتمام هذه الأسرار ومنحها للمؤمنين اختار الرب له رسلاً وتلاميذ وأقام منهم خداماً لأسراره الإلهية بمنحهم سر الكهنوت المقدس.
وحيث أن الإنسان مركب من نفس وجسد وما يقع تحت حواس الجسد يطبع في النفس بقوة عظيمة، فلأجل هذا اختار اللّه الذي «يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون»(1تي 2: 4)
أن تُنظَّم الطقوس المقدسة، وتُرَتَّب العلامات المنظورة في الأسرار المقدسة لكي تؤثّر في نفوسنا جاعلة إياها منتبهة لاقتبال النعمة غير المنظورة وهذا يوافق طبيعة تركيب الإنسان من روح غير منظور وجسد منظور.
وقد رسم الرب يسوع نفسه أسرار الكنيسة السبعة وأودعها كنيسته المقدسة ليوزّعها خدام الكنيسة الروحيون على المؤمنين لنيل نِعَم الخلاص.
ونستدل من التقليدين الرسولي والكنسي أن الرسل الأطهار قد تسلّموها من الرب يسوع خاصة في خميس الفصح الذي يدعى لدينا أيضاً خميس الأسرار، وفي فترة الأربعين يوماً التي تلت قيامة الرب من بين الأموات وهي الفترة الواقعة ما بين قيامته وصعوده إلى السماء وفيها أيضاً منح الرب يسوع سلطاناً للرسل ليكونوا وكلاء سرائره (1كو 4: 1 وتي 1: 7)
وأعطاهم سلطان حلّ الخطايا وربطها في السماء وعلى الأرض (مت 16: 19 و18: 18 ويو 20: 22و23)، وأرسلهم لينشروا بشارته الإنجيلية في العالم أجمع (مر 16: 16) وعيّنهم سفراءه في الأرض كلها (2كو 5: 20) ورعاة لرعيته الناطقة (يو 21: 15 ـ 17). والرسل بدورهم سلّموا هذه الوكالة إلى تلاميذهم وخلفائهم لدوام سلسلة الولاية الكهنوتية في كل الأجيال (أع 14: 23 وتي 1: 5 ومت 28: 19و20 ويو 20: 21)
وذلك لاستمرار الكنيسة في أداء رسالتها في إيصال أسراره الإلهية السبعة التي هي نِعَم الخلاص وثمار الفداء وتوزيعها على المؤمنين به في جميع أنحاء العالم وفي كل الأجيال وإلى أبد الآبدين.
إن الإيمان شرط أساس للراشدين من المؤمنين ليستحقوا نيل مفاعيل هذه النعم التي تتضمنها الأسرار المقدسة. أما غير الراشدين فينالون ذلك بناء على إيمان آبائهم أو ولاة أمرهم. ففي سر المعمودية مثلاً يعلن الإشبين (القريب) صورة الإيمان نيابة عن الطفل المعتمد وكأن الطفل ذاته قد أعلن هذا الإيمان
مثلما كان الطفل في نظام العهد القديم يختتن في اليوم الثامن من ميلاده ليدخل في العهد مع اللّه وذلك بناء على إيمان آبائه ورغبتهم ودون أن يدرك ذلك حتى يبلغ سن الرشد.
وتستمد هذه الأسرار المقدسة قوتها من ذبيحة الصليب والغاية منها نيل التبرير
والتقديس والتبني والثبات في المسيح والجهاد الروحي في سبيل نيل ملكوته السماوي والحياة الأبدية الصالحة. علّة النعمة ومفعولها:
إن السرّ ليس بحدّ ذاته علّة النعمة، إنما اللّه تعالى وحده العلّة الرئيسة لها، وهو واهب النعم، وهو يعطي للأسرار قوة النعمة ومفعولها عندما تكمل رتبة السرّ بصورة قانونية صحيحة، وما السرّ إلاّ واسطة لنيلها. وعليه فإن مفعول السرّ صادر عن إيمان من يقتبله ونيته واستعداده، لذا لا فرق إن كان خادم السر الشرعي خاطئاً أو باراً فالمؤمن ينال مفعول السر على كلتا الحالتين وهذا من فيض مراحم اللّه. أما خادم السر غير البار وغير التائب فدينونته صارمة. فعلى المؤمنين أن يتقبّلوا هذه الأسرار بإيمان حي لا تزعزعه الشكوك، ذلك أن النعم التي ينالونها هي غير محسوسة

ولا ظاهرة أما ما يرونه ويحسّون به فهو المادة المحسوسة مثل الماء في المعمودية والخبز والخمر في القربان المقدس الذي هو جسد الرب يسوع ودمه الأقدسان. فالمؤمنون إذ يثقون بصدق كلام اللّه تعالى ووعده الأمين أنه يمنح نعمه الإلهية غير المنظورة بوسائط المادة المحسوسة الظاهرة من هذه الأسرار، يتقبّلونها بإيمان، خاصة وهي ملائمة للإنسان القائم ليس من الروح فقط بل من الروح والجسد، فعليه ألاّ يشكّ قطعاً في أن الروح القدس يتمّم سر نعمته بتقديس هذه الأسرار فيجعل في العماد ولادة روحية من السماء، وفي الميرون المقدس ختماً إلهياً لنيل الروح القدس، وفي القربان المقدس غذاء روحياً بتناول جسد الرب يسوع المسيح ودمه، وفي التوبة والاعتراف حلاً من الخطاياً ومغفرة الذنوب. وفي الكهنوت سلطاناً روحياً لربط الخطايا وحلّها وخدمة الأسرار المقدسة، وهكذا قل عن باقي الأسرار. عدد الأسرار:
أجمعت الكنائس الرسولية استناداً إلى تعاليم الرسل الأطهار وشهادات الآباء الأبرار على أن عدد أسرار الكنيسة هو سبعة وأن الكنيسة المقدسة منذ فجر وجودها قد مارست هذه الأسرار بلغاتها المتنوعة وطقوسها العديدة، وعلى الرغم من اختلاف هذه الكنائس في أمور عقيدية كثيرة، وتباين أساليب ممارسة طقوسها، فقد أجمعت على عدد الأسرار السبعة وجوهرها وما تدلّ عليه، مما يقيم الحجة الدامغة على أنها من وضع إلهي وتسليم رسولي، ولئن لم يأتِ الكتاب المقدس على ذكرها بشكل صريح، وكما لم يرد أيضاً ذكرها جملة في كتابات بعض الآباء الأولين، علماً بأن بعض الآباء تكلّموا عن سرين أو ثلاثة معاً بحسب المناسبة والحاجة والغاية من ذلك الكلام. وهذه الأسرار السبعة هي: 1 ـ المعمودية، 2 ـ الميرون المقدس، 3 ـ القربان المقدس، 4 ـ التوبة والاعتراف، 5 ـ مسحة المرضى، 6 ـ الكهنوت، 7 ـ الزواج.
وقد وضع آباء الكنيسة الميامين شروطاً ثلاثة لإتمام كل سرّ من هذه الأسرار بصورة صحيحة وهي: 1 ـ المادة: كالماء في سرّ المعمودية والخبز والخمر في سرّ القربان المقدس. 2 ـ الصورة: وهي الألفاظ التي تتلى أثناء إتمام رتبة السرّ الطقسية كقول الكاهن في سرّ المعمودية عمد عبدؤ دمشيحا... ليعمد عبد المسيح (فلان)... على رجاء الحياة... باسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين. وينبغي أن تكون المادة والصورة مما فيه قوة الدلالة على الغاية من السر وعمل القداسة والبر 3 ـ الخادم الذي قد نال الشرطونية القانونية ووهب السلطة الروحية الشرعية أي الرتبة والدرجة اللتين تؤهّلانه للقيام بإتمام رتبة ذلك السر الطقسية. وذلك باسم الرب يسوع وسلطانه الإلهي.
وللأسرار السبعة قوة ثلاثية الدلالة فهي تشير:
1 ـ إلى الماضي، وبخاصة إلى آلام السيد المسيح وموته لأجلنا وقيامته.
2 ـ إلى ما هو حاضر، كنعمة التبرير والتقديس والتبني التي ننالها بالمسيح في سر المعمودية.
3 ـ وإلى المستقبل حيث سنستحق بالمسيح أن نرث الحياة الأبدية والسعادة في السماء.
فسر المعمودية مثلاً الذي يعتبر الباب الذي منه ندخل إلى حظيرة المسيح، هو علامة تشير إلى النعمة الإلهية التي ننالها بموت المسيح عنا وقيامته من بين الأموات وبهذا يقول الرسول بولس: «أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة» (رو 6: 3و4). هذا هو الأساس للسر أي الماضي، أما الحاضر فهو ولادتنا ثانية من السماء عندما ننال هذا السر، أما المستقبل فهو إذ نصير بولادتنا من السماء أبناء للآب السماوي ونسلك على الأرض كما يوصينا الرسول بولس بقوله: «فقط عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح» (في 1: 27)، نستحق في اليوم الأخير أن نرث ملكوته السماوي.
فعلى كل مسيحي أن يقتبل ما يحق له من هذه الأسرار المقدسة، فالأسرار السبعة جميعها، ضرورية للخلاص، لبنيان جسد المسيح السرّي الذي هو الكنيسة التي هي هيئة دينية عامة. أما بالنسبة إلى المؤمنين كأفراد فبعض هذه الأسرار ضروري على الإطلاق أن يتقبله المؤمنون لينالوا الخلاص بالمسيح يسوع ربنا وهي كسرّي المعمودية والميرون المقدس اللذين يُمنحان كلاهما معاً. فبعد أن يعتمد المؤمن يمسح بالميرون المقدس مباشرة. وسرّ القربان المقدس الذي يُمنح للمؤمنين بعد تقـبُّـلهم سرّي العماد والميرون المقدس مباشرة. ويتقبّلونه باستمرار ما داموا أحياء لأنه قوت روحي ضروري لتقديس النفس والجسد وللنمو الروحي بالمسيح والثبات فيه ولنيل الحياة الأبدية، ولقدسيته يجب أن يكون المؤمنون في حالة البر أي التوبة عندما يتناولونه لذلك يمارسون استعداداً لنيله، سرّ التوبة والاعتراف.
إن بعض الأسرار غير ضروري أن يناله المؤمنون كأفراد ليحصلوا على الخلاص، وهذه الأسرار هي سرّ الكهنوت الذي لا يلتزم الجميع بالارتسام به ولا يناله إلا المدعو من اللّه والمنتخب منه تعالى، وسرّ الزواج وسرّا مسحة المرضى والتوبة والاعتراف، السران اللذان يعتبران ضروريين حينما يسقط المؤمنون في الخطية أو يصيبهم مرض جسدي. وهذه الأسرار ضرورية جداً للكنيسة ككل، فسرّ الزواج مثلاً ضروري جداً للكنيسة ككل لحفظ الجنس البشري، ولكنه غير ضروري للخلاص للمؤمنين كأفراد مثل الذين ينذرون البتولية ويتحمّلونها، والأرامل الذين يتحملون ذلك وتعتبر لدى هؤلاء جميعاً البتولية أفضل من الزواج وأقدس (1كو 7: 33و34و38).
وإن بعض هذه الأسرار ذو صبغة ثابتة فلا يمكن أن يتكرر قبوله كالمعمودية والميرون، ونفس الدرجة من رتب الكهنوت، وبعض الأسرار يمكن أن يتكرر قبوله وممارسته كالقربان المقدس، والتوبة والاعتراف، ومسحة المرضى.
سر المعمودية
سر مقدس، به يُولد المؤمنون ميلاداً ثانياً من الماء والروح وقد أسس الرب يسوع هذا السر بقوله لتلاميذه: «دُفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس»(مت 28: 18و19).
وسر المعمودية يمحو جوهر الخطية الجدية التي هي جريمة آدم المتصلة بذريته فقد عمّت الخطية الجدية جميع الجنس البشري المولود من آدم وحواء لأنهما لم يلدا أحداً إلاّ وهما في حالة الخطية، لذلك فالإنسان يولد بشيء من الفساد كما يذكر ذلك داود صاحب المزامير بقوله للّه: «وبالخطية حبلت بي أمي»(مز51) ولا يستثنى منه أحد ممن لبس الجسد البشري سوى ربنا يسوع المسيح المولود من الروح القدس ومن مريم العذراء بدون زرع رجل، وهو منزّه عن الخطية الجدية والخطايا الفعلية على الإطلاق. أما النزعة إلى الشر لدى البشر كافة فهي نتيجة تلك الخطية ويمكن أن يتغلب عليها المعمّد باسم الثالوث الأقدس، بالتدريج بوساطة تجديده روحياً. وحيث أن المعمودية ضرورية للخلاص بناء على قول الرب يسوع القائل: «إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله»(يو 3: 5) لذلك أمر الرسل الأطهار والآباء الأبرار أن يُعمّد الأطفال الصغار خوفاً من أن يموتوا وهم في سن الطفولة فيحرموا من دخول ملكوت اللّه لأنهم مشتركون في الخطية الجدية فلا بد من تطهيرهم منها بالمعمودية. وحيث أن إيمان المتقدم للعماد يسبق عماده بناء على قول الرب يسوع: «من آمن واعتمد خلص ومن لم يؤمن يُدَنْ»(مر 16: 16) لذلك أوصت الكنيسة أن يعتمد الأطفال بناء على إيمان آبائهم كما كان شعب العهد القديم يختنون الأطفال في اليوم الثامن لميلادهم بناء على إيمان آبائهم، لأن الختان في العهد القديم كان علامة العهد الذي قطع بين اللّه وبين ذلك الشعب، ورمزاً إلى المعمودية التي هي علامة العهد بين المسيحيين والرب يسوع كما حددت الكنيسة أن يكون للمعتمد اشبين (عرّاب) يتعهد بأن يعلّمه مبادئ الإيمان ويهتم بتربيته الروحية. ومما يبرهن على عماد الأطفال أن الرسل لم يستثنوا من العائلات التي عمّدوها أحداً ولم يفرزوا الأطفال من بينها بل عمّدوهم معها (1كو 1: 16 وأع 16: 15). وقد تضمّن قانون 113 لمجمع قرطاجنة أن معمودية الأطفال ضرورية لهم كما هي ضرورية لسواهم وذلك لكي يخلصوا من خطية آدم التي ولدوا بها وإذا ماتوا ملوّثين
بأدرانها يُحرمون من السعادة الأبدية وميراث المسيح الذي أعده للمؤمنين المعمّدين.
وتتمسّك كنيستنا بتغطيس المعتمد ثلاث مرّات في جرن المعمودية أثناء ممارسة طقس العماد المقدس، وقد مارس الرسل الأطهار طقس المعمودية بالتغطيس، ويخبر البشير لوقا عن كيفية عماد الخصي الحبشي على يد الشماس فيليبس حيث نزلا معاً في قلب غدير (أع 8: 36) وكان ممكناً لهما أن يجدا ماءً قليلاً في العربة التي كانا يقلاّنها ويكتفيا به لو كان ذلك جائزاً بدون أن ينتظرا ورودهما على غدير. وبولس يعلّمنا أن المعمودية تمثّل موت المسيح ودفنه وقيامته بقوله: «فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة»(رو 6: 4) ويستحيل أن يراد بالدفن إلا التغطيس فلا يجوز الاكتفاء بالرش على جبهة المعتمد وبعض أعضاء من جسمه.
مفاعيل سر المعمودية وثمارها:
تجدد المعمودية خلقة الإنسان روحياً فينال نعمة التبرير أي تطهير النفس من الخطية الجدية والخطايا الفعلية السابقة لنيله سر المعمودية، كما ينال نِعَم التجديد والتقديس والتبني أي يصير ابناً للّه بالنعمة، وعضواً حياً في جسد المسيح السرّي أي الكنيسة المقدسة، ويحصل على الحق بوراثة الحياة الأبدية، فالمعمودية إذن ضرورية للخلاص وعلى كل مؤمن بالمسيح يسوع أن ينالها. وقد وضّح ذلك الرسول بطرس في خطبته يوم الخمسين التي بعد أن سمعها اليهود «نخسوا في قلوبهم و قالوا لبطرس ولسائر الرسل ماذا نصنع أيها الرجال الإخوة، فقال لهم بطرس: توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس... فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضمّ في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس»(أع 2: 37و38و41). ولا تكرر المعمودية لأنها كالولادة الجسدية تحدث مرة واحدة بالحياة.
سر الميرون المقدس
هو مسحة مقدسة بها يختم الكاهن ويمسح أعضاء جسد المعمّد بالمسيح ظاهرياً حال خروجه من جرن المعمودية ليكتسي بالنعمة باطنياً أي ينال نعمة الروح القدس. وكان هذا السر يتمّ في بدء المسيحية بوضع الرسل أيديهم على المعمدين فينالون الروح القدس (أع 8: 17 و19: 6) كما يتّضح ذلك مما جاء في سفر أعمال الرسل عن إيمان أهل السامرة وعمادهم على يد فيلبس الشماس ولم يحلّ عليهم الروح القدس لذلك أرسل الرسل إليهم بطرس ويوحنا «اللذين لما نزلا صلّيا لأجلهم لكي يقبلوا الروح القدس»(أع 8: 15) ولما كثر عدد الداخلين إلى الدين المسيحي وتعذّر على الرسل أن يوجدوا في الأماكن النائية ويقوموا بهذا العمل الروحي المقدس، فبإلهام الروح القدس استعاضت الكنيسة المقدسة عن وضع اليد بالميرون المقدس الذي قدّسه الرسل الأطهار، وقد ركّبوه من زيت الزيتون النقي والحنوط والطيوب التي كانت على جسد الرب في القبر وأضافوا إليها البلسم وقدّسوه وسلّموه إلى تلاميذهم الأساقفة وأمروهم ليدهنوا هم والكهنة جميع المعمدين استعاضاً عن وضع اليد، وقد اقتبسوا استعمال دهن الميرون المقدس من العهد القديم (خر 30: 25). وإن تركيبه من العطور يرمز إلى عددية المواهب الروحية واختلاف أنواعها.
ولهذه المسحة قوة سماوية فهي تعلّم المؤمنين كل شيء وعلى المؤمنين أن يتمسّكوا بكل ما علّمتهم هذه المسحة على حد قول الرسول يوحنا القائل: «وأما أنتم فالمسحة التي أخذتموها منه ثابتة فيكم ولا حاجة بكم إلى أن يعلّمكم أحد بل كما تعلّمكم هذه المسحة عينها عن كل شيء وهي حق وليست كذباً كما علّمتكم تثبتون فيه»(1يو 2: 27). وعندما نعقد المقارنة بين هذا الكلام عن المسحة المقدسة وبين كلام الرب يسوع عن العماد بالروح القدس بقوله:«لأن يوحنا عمّد بالماء وأما أنتم فستتعمّدون بالروح القدس» (أع 1: 5) نكتشف الربط الموجود بين عمل المسحة ومفاعيلها وعمل الروح القدس، فالمسحة هي العلامة الظاهرة المنظورة لسر مفاعيل الروح القدس الذي لا يرى ولا يحسّ به ولكن تأثيره يظهر في المؤمنين. قال الرب يسوع لنيقوديموس: «لا تتعجب أني قلت لك ينبغي أن تولدوا من فوق، الريح تهبّ حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب هكذا كل من وُلد من الروح»(يو 3: 7و8). وقد كشف الرب يسوع النقاب عن رسالة الروح القدس في العالم في تعليم الرسل وإرشادهم وتذكيرهم بما علّمهم الرب يسوع إياه قائلاً: «أما المعزّي الروح القدس الذي سيرسله الآب باسمي فهو يعلّمكم كل شيء ويذكّركم بكل ما قلته لكم»(يو 14: 26) «ومتى جاء المعزي الذي سأرسله أنا إليكم من الآب روح الحق الذي من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء» (يو 15: 26و27). فعمل المسحة هو عمل الروح القدس ذاته.
لنتتبع عمل الروح القدس منذ البدء «فروح اللّه كان يرف على وجه المياه»(تك 1: 2) وروح الرب حلّ على الأنبياء والأتقياء في العهد القديم، والمسحة صنعها موسى بناء على أوامر اللّه لمسح هرون والكهنة والمذابح والأواني المقدسة.
كما استعملت هذه المسحة لمسح الملوك فعندما أرسل النبي صموئيل إلى يسى وطلب من هذا أن يأتي بأبنائه لم يُبدِ قرن الزيت أي علامة حتى جاء الفتى داود ففاض الزيت الذي يمثّل الروح القدس وبذلك أعطى علامة للنبي أن اللّه قد اختار داود ملكاً ونبياً فسكب النبي الزيت على رأس داود وكرّسه. فقد كان في الزيت قوة روحية وتأثير واضح فهو الذي يرشد ويعلّم ويقدّس. وفي العهد الجديد نزل الروح القدس من السماء بهيئة جسمية مثل حمامة على الرب يسوع على أثر خروجه من الماء بعد أن اعتمد من يوحنا ولذلك عندما دخل مجمع الناصرة وفتح السفر ليقرأ وجد الآية المقدسة التي قالها النبي إشعياء قبل الميلاد بثمانية قرون على لسانه له المجد فتلا نصها وهو «روح الرب عليّ لأنه مسحني لأبشّر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي للمأسورين بالإطلاق و للعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرية» (لو 4: 18).
قال مجمع اللاذقية: «يجب على المستنيرين بأن يمسحوا بعد المعمودية بالمسحة السماوية ويصيروا مساهمين لملكوت اللّه» (قانون 48) لذلك يمسح الأطفال أيضاً بعد عمادهم مباشرة. ويجب ألاّ نحرم الأطفال من موهبة سرّ الميرون المقدس كما لم نحرمهم من المعمودية وإن اللّه تعالى لم يمنع نعمته عن الأطفال بل انه أنعم على بعض مختاريه أنه اختارهم وهم بعد في بطون أمهاتهم، كما أجزل نعمته لصموئيل الصغير إذ قيل «وكان صموئيل يخدم أمام الرب وهو صبي وعملت له أمه جبة صغيرة» (1صم 2: 18) كما أنّ اللّه تعالى قدّس إرميا قبل أن يخرج من الرحم (ار 1: 5) وكما فرز بولس من بطن أمه (غل 1: 5) أما يوحنا المعمدان فقد امتلأمن الروح القدس وهو في بطن أمه (لو 1: 15) وقد أحبّ الرب يسوع الأطفال الصغار وقال لتلاميذه: «دعوا الأولاد يأتون إليّ ولا تمنعوهم لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات»(مت 19: 14).
تهيئة مادة الميرون:
يطبخ البطريرك نفسه المزيج الذي تتكون منه مادة الميرون ويكرّسه ويقدّسه بحسب الطقس السرياني العريق ويعاونه في القيام بهذا الطقس اثنان من المطارنة على الأقل، وقبل أن يختم الطقس الخاص بالتقديس يضيف إليه البطريرك البلسمَ ثم شيئاً من الميرون القديم الذي تحتفظ به الكنيسة وابتدأت تستعمله منذ عهد الرسل وتضيفه إلى الميرون الجديد كلما احتفلت بتقديس ميرون جديد.
أما صورة سر الميرون فهي العبارات التي تتلى أثناء مسح المعمد به: الميرون المقدس، ختم موهبة الروح القدس وإكمال سرّ المعمودية، ليختم فلان بالميرون المقدس باسم الآب والابن والروح القدس. وخادم السر هو أحد رجال الاكليروس الشرعيين.
ثمار سر الميرون ومفاعيله:
يمنح سر الميرون المقدس المؤمن المعمَّد مواهب الروح القدس من ذلك: إنارة العقل والمعرفة وقوة الإرادة في العبادة والثبات على الإيمان، وبهذا الصدد يقول الرسول يوحنا: «وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس وتعلمون كل شيء» (1يو 2: 20) ويقول الرسول بولس: «ولكن الذي يثبّتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو اللّه» (2كو 1: 21و22).



سر القربان المقدس
هو سر مقدّس به يتناول المؤمن جسد الرب يسوع المسيح المقدس ويشرب دمه الأقدس تحت أعراض الخبز والخمر ليتّحد بالمسيح ويثبت فيه ويرث الحياة الأبدية إتماماً لوعد الرب يسوع القائل: «الحق الحق أقول لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم»(يو 6: 53).
وقد أسّسه الرب يسوع نفسه ليلة آلامه وسلّمه إلى تلاميذه ويضيف الرسول متى على ذلك بقوله: «وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسّر وأعطى التلاميذ وقال: خذوا كلّوا هذا هو جسدي وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا» (مت 26: 26و27و28). وبناء علىذلك مارس الرسل هذه الذبيحة الإلهية غير الدموية. فالرسول بولس يقول لأهل كورنثوس: «لأنني تسلّمت من الرب ما سلّمتكم أيضاً أن الرب يسوع في الليلة التي أُسْلِم فيها أخذ خبزاً وشكر فكسر وقال: خذوا كلّوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم اصنعوا هذا لذكري

كذلك الكأس أيضاً بعدما تعشوا قائلاً: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء»(1كو 11: 23 ـ 27). الاستعداد لتناول القربان المقدس:
يحرّض الرسول بولس المؤمنين على الاستعداد الروحي والجسدي الكاملَين قبل التقدم إلى تناول القربان المقدس فيقول: «إذاً أي من أكل هذا الخبز أو شرب كأس الرب بدون استحقاق يكون مجرماً في جسد الرب ودمه ولكن ليمتحن الإنسان نفسه وهكذا يأكل من الخبز ويشرب من الكأس لأن الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق يأكل ويشرب دينونة لنفسه غير مميّز جسد الرب»(1كو 11: 27 ـ 29) فعلى المؤمنين أن يميزوا جسد الرب ودمه وأن يعرفوا جيداً أنهما شركة المؤمنين بالمسيح وبالكنيسة وببعضهم بعضاً ويشرح الرسول بولس ذلك بقوله:

«كأس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح الخبز الذي نكسره اليس هو شركة جسد المسيح» (1كو 10: 16). هكذا تسلّمنا من الرسل والآباء القديسين بأننا بالإيمان نتناول جسد المسيح ودمه تحت أعراض الخبز والخمر بعد تقديسهما وليس ذلك مُجازاً ولا رمزاً بل حقيقة واضحة وعقيدة سمحة. لذلك فقبل أن يتقدم المؤمن لتناول القربان المقدس عليه أن يقدم التوبة النصوح والندامة التامة والتصميم على عدم العودة إلى الخطايا، وأن يؤمن بأن هذا السر هو جسد المسيح ودمه الأقدسان فيتقدّم لتناولهما بإيمان

واحترام ونقاوة الضمير وأن ينقّي جسده ليكون طاهراً ومتمسّكاً بالصوم القرباني فإذا كان التناول صباحاً فبدء الصوم القرباني يكون من الساعة الثانية عشرة نصف الليل ويسمح للمرضى الذين عليهم أن يتناولوا أدوية صباحاً أن يصوموا فقط ثلاث ساعات قبل البدء بالقداس الإلهي. وإذا أُقيم القداس الإلهي بعد الظهر يسمح للجميع الصوم ثلاث ساعات فقط قبل البدء به. أما بعد التناول فيجب على المؤمن أن يقدم الشكر للّه الذي أنعم عليه بهذه النعمة العظيمة. ويجتهد في سبيل الثبات على حالة النعمة بالمسيح ليثبت فيه المسيح وليستحق أن يرث مع المسيح الحياة الأبدية إتماماً لوعده الإلهي القائل: «إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان و تشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم، من يأكل جسدي و يشرب دمي فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير»(يو 6: 53و54) فبناء على كلام الرب نحن نؤمن بأن القربان المقدس سرّ إلهيّ يحوي حقيقة جسد المسيح ودمه وإن هذه الذبيحة هي حقيقة استغفارية تقدّم من أجل جميع المؤمنين الأحياء منهم والأموات ويجب على كل مسيحي أن يتناولهما كليهما معاً. بحسب عقيدة كنيستنا إن تقديس عنصري الخبز والخمر واستحالتهما إلى جسد المسيح ودمه في القداس الإلهي يتمّ ويكمّل بصلاة دعوة الروح القدس وليس بمجرد الألفاظ السيدية التي إنما يتلوها الكاهن المقرِّب بنوع الإخبار. وبعد التقديس نتناول جسد المسيح ودمه تحت شكلي الخبز الخمر. إن مادة سرّ القربان المقدس هي الخبز المختمر المصنوع من القمح الذي يدعوه الكتاب المقدس خبزاً ولا نقدم فطيراً. كما نقدم الخمر الحمراء المعتقة المصنوعة من عصير الكرمة الممزوجة بالماء. ذلك أن الرب يسوع عندما سلّم تلاميذه هذا السر المقدس قال: «خذوا كلوا هذا هو جسدي» (مت 26: 26) وأما الكأس الحاوية الخمر الحمراء المعتقة فناولهم إياها وأمرهم قائلاً: «اشربوا منها كلكم لأن هذا هو دمي» (مت 26: 27و28).

وقال «كلكم» لأنه كان فيهم من لا يشربون الخمر لأنهم كانوا من تلاميذ يوحنا المعمدان سابقاً الذين نذروا ألاّ يشربوا الخمر طيلة أيام حياتهم. ولكن تلك الخمر الحقيقية التي قدّمها لهم الرب يسوع كانت قد تحوّلت إلى دمه الأقدس، وقد آمن التلاميذ بذلك وتناولوا دم المسيح تحت شكل الخمر، كما أنهم سلّموا بعدئذ المؤمنين سر القربان أي جسد المسيح ودمه (1كو 10: 16 و11: 27). فلا يجوز أن يمنع المؤمنون من شرب دم المسيح ويكتفوا بتناول الشكل الواحد دون الآخر. وقد اعتادت كنيستنا منذ أمد بعيد أن تغمس الجسد بالدم وتناول المؤمنين وبذلك يكونون قد تناولوا الجسد والدم حقاً. كما اعتدنا أيضاً منذ فجر المسيحية أن نناول الأطفال سر القربان المقدس بعد نيلهم سرّي المعمودية والميرون المقدس مباشرة، للموجبات التي تدفعنا لعمادهم ومسحهم بالميرون المقدس وهم أطفال.



سر الكهنوت
هو موهبة إلهية يُنعم اللّه بها على أناس يختارهم من بين المؤمنين ويدعوهم فيلبّون الدعوة ويكرّسون حياتهم لخدمته تعالى ويأخذون الرسامة الشرعية القانونية بعمل وقوة الروح القدس وبذلك ينالون سلطاناً يميّزهم عن غيرهم في أمر الولاية على كنيسته (مت 10: 1 ـ 15 ولو 10: 1 ـ 12) بحسب سلطة الدرجة التي ينالونها، ومنح أسرارها الإلهية لمن يستحقونها بانتظام من تعميد وتقديس وحلّ التائبين
وعزل الخبثاء الشاذين والمبدعين والمجرمين غير التائبين، وإقامة الصلوات العامة وإرشاد المؤمنين ورعايتهم (يو 20: 21 ـ 23 وأع 20 و1بط 5). عندما كان الرب يسوع يكمّل تدابيره الإلهية في الجسد، انتخب له اثني عشر رسولاً وسبعين تلميذاً جاعلاً منهم وكلاء سرائره (1كو 4: 1) وأودع إليهم القيام بالخدم الدينية والأسرار الكنسية (لو 6: 13) وبهذا الصدد نقرأ في الإنجيل المقدس قوله: «ولما كان النهار دعا تلاميذه واختار منهم اثني عشر الذين سمّاهم أيضاً رسلاً»(لو 6: 13)

«فتقدم يسوع وكلّمهم قائلاً: دفع إليّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس»(مت 28: 18و19) «فقال لهم يسوع أيضاً: سلام لكم كما أرسلني الآب أرسلكم أنا ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت» (يو 20: 21 ـ 23). وبحسب تعليم بعض آبائنا أن الرب رسم رسله أساقفة عندما «أخرجهم خارجاً إلى بيت عنيا ورفع يديه وباركهم وفيما هو يباركهم انفرد عنهم وأصعد إلى السماء»(لو 24: 50و51) وبموجب الرسامة ينال الأسقف: سلطان التعليم والتبرير والتقديس والرعاية والقضاء والتعليم. وقد أسس الرب سر الكهنوت مباشرة بعد الإعلان عن تأسيس الكنيسة على أثر اعتراف الرسول بطرس به بأنه ابن اللّه الحي
فقال لبطرس: «طوبى لك يا سمعان بن يونا إن لحماً ودماً لم يعلن لك لكن أبي الذي في السموات وأنا أقول لك أيضاً أنت بطرس و على هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات وكل ما تحلّه على الأرض يكون محلولاً في السموات» (مت 16: 17 ـ 19). وأشار الرسل إلى هذا السر وأقاموا قسوساً في كل مدينة (أع 13: 2و3) وجاء في سفر أعمال الرسل ما يأتي: «وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس: افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه، فصاموا حينئذ وصلّوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما»(أع 13: 2و3).
كما نقرأ عن انتخابهما قسوساً لإتمام الخدمة في الكنائس قول كاتب سفر أعمال الرسل عن بولس وبرنابا: «ثم رجعا إلى لسترة وإيقونية وأنطاكية يشددان أنفس التلاميذ ويعظانهم أن يثبتوا في الإيمان وأنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله وانتخبا لهم قسوساً في كل كنيسة ثم صلّيا بأصوام واستودعاهم للرب الذي كانوا قد آمنوا به» (أع 14: 21 ـ 23). والرسول بولس يحث تلميذه تيموثاوس على رسامة الكهنة بقوله: «لا تهمل الموهبة التي فيك المعطاة لك بالنبوة مع وضع أيدي المشيخة» (1تي 4: 14).
ويذكر الرسول بولس لتلميذه تيطس الشروط التي يجب أن تتوفر في القسس قائلاً: «وأما أنت فتكلم بما يليق بالتعليم الصحيح أن يكون الأشياخ صاحين ذوي وقار متعقلين أصحاء في الإيمان والمحبة والصبر» (تي 2: 1 ـ 2). ويقول الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين عن موهبة القسوسية: «ولا يأخذ أحد هذه الوظيفة بنفسه بل المدعو من الله كما هرون أيضاً»(عب 5: 4). كما يقول أيضاً: «فوضع الله أناساً في الكنيسة أولاً رسلاً ثانياً أنبياء ثالثاً معلمين ثم قواتٍ وبعد ذلك مواهب شفاء أعواناً تدابير وأنواع ألسنة»(1كو 12: 28) فالأساقفة الآن هم خلفاء الرسل نالوا الأسقفية بوساطة وضع اليد التي وضعت عليهم (أع 14: 23) وانتخبوا لهم قسوساً في كل كنيسة، وهذه الخلافة مستمرة. وبهذا الصدد يقول الرسول بولس: «وما سمعته مني بشهود كثيرين أودعه أناساً أمناء يكونون أكفاء أن يعلموا آخرين أيضاً»(2تي 2: 2).
ففي كنيستنا ثلاث درجات كهنوتية واضحة في الإنجيل المقدس وهي: 1 ـ الأسقفية أي النظارة والرعاية الروحية العامة والسامية وهي تخصّ الرؤساء بين أعلى وأدنى في السلطة والعلاقات الإدارية وهي ثلاث رتب: البطريركية والمطرانية والأسقفية.
2 ـ القسوسية (أع 14: 23 وتي 1: 5): الراهب الكاهن (الربان) والخوري وهذا كان يسام قديماً كمعاون للأسقف على الأرياف وهو الآن المتقدم بالكهنة في الكنيسة الواحدة أو الأبرشية الواحدة، ثم رتبة القسيس. وصاحب هذه الرتبة بشكل عام يقدّم الأسرار المقدسة والخدم الروحية كلها ما عدا المختصّة بالأسقف التي منها رسامة الكهنة الشمامسة ومنح الوظائف الكنائسية في الأبرشية. ومما تجب ملاحظته أولاً: إن هذه الرتب الثلاث كانت موجودة في كهنوت العهد القديم الذي تغيّر بأكمل منه في العهد الجديد أي كان فيه أحبار وكهنة ولاويون. ثانياً: إن هذه الرتب الثلاث تشبه رتب الطغمات العلوية، فإنها ثلاث أيضاً ولذلك يقول القديس اقليميس الإسكندري: إن درجات الأساقفة والكهنة والشمامسة تشبه المجد الملائكي. ثالثاً: إن كل رتبة من هذه الرتب الثلاث ينطوي تحتها ثلاث درجات لتكون جملتها تسع على مثال رتب السماويين.
3 ـ الشماسية أي الخدمة للّه (أع 6: 6 و1تي 3: 8 ـ 10) ورتبها هي الشماس الإنجيلي والأفدياقون المسمّى الرسائلي ثم القارئ ثم المرتل كما أن الأرخدياقون هو رئيس الشمامسة كافة في الأبرشية الواحدة.


إن خادم سر الكهنوت هو الأسقف وحده الذي له وحده حق وضع اليد على رأس المرتسم (أع 6: 6 و13: 2و3). وإن القسم المنظور من سر الكهنوت هو وضع يد الأسقف على رأس المرشّح للكهنوت والصلاة الخاصة لهذا السر إذ يطلب الأسقف لأجل المرتسم فتحلّ عليه النعمة من الروح القدس. أما القسم غير المنظور فهي النعمة التي ينالها المرتسم من اللّه وسلطان حل الخطايا وربطها والتعليم والتهذيب والتبرير والتقديس. إن ثمار سر الكهنوت هي حفظ درجات الكهنوت في الكنيسة والالتزام بحفظ النظام والعمل بالواجبات والامتيازات للرعاة والرعايا، وتوزيع الرعاة نِعَم اللّه وبركاته على الرعايا وممارستهم أسرار الكنيسة السبعة طبقاً لما يحق لهم بدرجاتهم ورتبهم الكهنوتية،

وتعليم المؤمنين حقائق الدين المسيحي المبين والتحلي بالفضائل السماوية السامية ليقيموا من أنفسهم قدوة صالحة للمؤمنين بالكرازة بالإنجيل المقدس وبالكلام والعمل فيتمجّد بهم اسم الآب السماوي.
وإكرام المؤمنين ذوي الرتب الكهنوتية ومحبة الإكليروس للمؤمنين وسعيهم لخلاص نفوسهم «لأن كل رئيس كهنة مأخوذ من الناس يقام لأجل الناس في ما للّه لكي يقدم قرابين وذبائح عن الخطايا قادراً أن يترفق بالجهال والضالين إذ هو أيضاً محاط بالضعف ولهذا الضعف يلتزم أنه كما يقدم عن الخطايا لأجل الشعب هكذا أيضاً لأجل نفسه» (عب 5: 1 ـ 3). فعلى الكهنة والأساقفة أن يهتموا بخلاص نفوس المؤمنين وعلى المسيحيين المؤمنين أن يكرّموا كهنتهم ورعاتهم لأنهم خدّام المسيح ووكلاء أسرار اللّه (1كو 4: 1) وبهذا الصدد يقول الرسول بولس: «نسألكم أيها الإخوة أن تعرفوا الذين يتعبون بينكم و يدبرونكم في الرب وينذرونكم» (1تس 5: 12 وعب 13: 7). وقد قال الرب يسوع لهم: «من يقبلكم يقبلني» (مت 10: 40) و«الذي يسمع منكم يسمع مني والذي يرذلكم يرذلني» (لو 10: 16) فإكراماً للرب يسوع يكرم خدامه. سر التوبة والاعتراف
إن التوبة هي رجوع الخاطئ إلى اللّه وطلب المغفرة منه تعالى بانسحاق القلب والندامة الصادقة والتصميم على عدم العودة إلى الخطية ثم الاعتراف بالخطايا كافة أمام الكاهن الشرعي وقبول ما يضعه الكاهن على التائب من قانون يعد علاجاً للتائب فيحصل التائب على المغفرة من الرب. ويستحيل أن ينال الخاطئ الغفران من الرب بدون التوبة الصادقة،

كما أنه بعيد عن روح المسيحية وعن عقائدها السمحة أن يباع الغفران أو يُوهب من أحد عن خطايا سالفة أو مزمعة بأي ثمن كان أو أية طريقة كانت. وللرب يسوع وحده سلطان على الأرض لمغفرة الخطايا (مت 9: 6) وقد منح له المجد هذا السلطان لرسله الأطهار وتلاميذه الأبرار وخلفائهم من بعدهم بقوله للرسل: «الحق أقول لكم كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطاً في السماء و كل ما تحلّونه على الأرض يكون محلولاً في السماء» (متى 18 : 18 ويع 5: 4 ـ 16) وقد كرر الرب يسوع منحه هذا السلطان لتلاميذه عندما ظهر لهم في العلية بعد قيامته من بين الأموات وقال لهم: «سلام لكم كما أرسلني الآب أرسلكم أنا ولما قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس من غفرتم خطاياه تغفر له ومن أمسكتم خطاياه أمسكت» (يو 20: 21و23).
إن القوانين التي يفرضها الكاهن على التائب ليست لأجل وفاء العدل الإلهي حقه فإن الرب يسوع قد وفى الآب السماوي حقه وفاءً أبدياً دائماً بموته مرة واحدة عن البشرية، فهذه القوانين إذن تفرض كعلاجات للأمراض الروحية ولكي يدرك الخاطئ شدة فظاعة الخطية. شروط التوبة:
التوبة الحقيقية المقبولة هي شعور التائب بثقل خطيته مبدياً بغضة وكراهية لها، ويقرّ بجميع خطاياه ويقبل بالموت بالحري من أن يعود إلى الخطي

ة وأن يستمرّ في حال التوبة وهي انسحاق القلب والندامة على الخطية كما فعل الابن الشاطر الذي قال: «أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك ابناً اجعلني كأحد أجراك (عبيدك) فقام و جاء إلى أبيه»(لو 15: 18 ـ 20).
ثم يعترف بخطاياه كافة أمام الكاهن الشرعي ويقرن ذلك بالاعتراف الشفوي بالخطايا بخضوع وحزن على ما صدر منه من الرذائل، ويقر بصراحة بكل ما صدر عنه من الخطايا ليصح علاجه الروحي، قال الرسول يوحنا: «إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم»(1يو 1: 9) وقال الرسول يعقوب: «اعترفوا بعضكم لبعض بالزلات وصلّوا بعضكم لأجل بعض»(يع 5: 16).
كان الرسل يوقعون التأديبات على الخاطئ بدليل ما جاء في (2كو 2: 6) مثل هذا القصاص ليس للعقاب بل لأجل إصلاح السيرة، كما قال يوحنا المعمدان للذين جاؤوا يعتمدون منه معمودية التوبة: «اصنعوا ثماراً تليق بالتوبة» (مت 3: 8).
وأن يعزم بألاّ يعود إلى ارتكاب الآثام كما أوصى الرسول بطرس بقوله: «فتوبوا وارجعوا لتمحى خطاياكم لكي تـأتي أوقات الفرج من وجه الرب»(أع 3: 19). وأن يقبل التائب حلّ الكاهن بإيمان بالمسيح يسوع والرجاء الوطيد في تحننه لأن «ليس بأحد غيره الخلاص» (أع 4: 12). نتائج سر التوبة والاعتراف:
إن الخاطئ يفقد الطمأنينة والسلام ويهيمن عليه الخوف والقلق، ويشعر بأن اللّه قد تخلّى عنه فيضطرب وهو يتوقع العقاب منه تعالى في كل لحظة ولكن عندما يتوب توبة صادقة ويعترف بخطاياه أمام الكاهن الشرعي يزاح عن كاهله ثقل الخطية حيث قد لبّى نداء الرب يسوع القائل:«تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم احملوا نيري عليكم وتعلّموا منّي لأني وديع ومتواضع القلب فتجدوا راحة لنفوسكم»(مت 11: 28و29).

ولا غرو من ذلك فإن ملائكة السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب (لو 15: 10) ويبتهج التائب إذ يشعر بأن خطاياه قد غفرت (مز 32: 5)، وقد قال حزقيال النبي على لسان الرب: «فإذا رجع الشرير عن جميع خطاياه التي فعلها وحفظ كل فرائضي و فعل حقاً وعدلاً فحياة يحيا لا يموت، كل معاصيه التي فعلها لا تذكر عليه، في بره الذي عمل يحيا» (حز 18: 21و22). كما أن التائب ينال الخلاص مثل زكا العشار الذي قال له الرب وهو في بيته: «اليوم حصل خلاص لهذا البيت إذ هو إيضاً ابن ابراهيم»(لو 19: 9)
وكما نال العشار التائب نعمة التبرير كما جاء عنه في مثل الفريسي والعشار وقال عنه الرب يسوع: «أقول لكم إن هذا نزل إلى بيته مبرراً دون ذاك»(لو 18: 14). كما يحصل التائب على المصالحة مع اللّه كقول الرسول بولس: «فإذ قد تبرّرنا بالإيمان لنا سلام مع اللّه بربنا يسوع المسيح»(رو 5: 1)، «لأنه هو سلامنا الذي جعل الاثنين واحداً ونقض حائط السياج المتوسط» (أف 2: 14)، وأخيراً يفوز بالحياة الأبدية كاللص التائب الذي قال له الرب: «الحق أقول لك إنك اليوم تكون معي في الفردوس»(لو 23: 43)، ويستردّ التائب رتبة البنوة التي فقدها بخطيته كما نالها الابن الشاطر الذي بذّر ماله بعيش مسرف... وجاع فرجع إلى نفسه وقال: كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعاً أقوم وأذهب إلى أبي وأقول له يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقاً بعد أن أدعى لك ابناً اجعلني كأحد أجراك فقام وجاء إلى أبيه... فقال الأب لعبيده أخرجوا الحلّة الأولى وألبسوه واجعلوا خاتماً في يده وحذاء في رجليه وقدموا العجل المسمّن واذبحوه فنأكل ونفرح لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد فابتدأوا يفرحون (لو 15: 11 ـ 23). فعلينا أن نبادر بالتوبة لنتجدد، ولا نتردد في الاعتراف بخطايانا بعضنا لبعض، وأخيراً أمام الكاهن الشرعي لنتخلّص من الخطية وننال الصفح عنها ونحيا للبر لنكون أبناء اللّه بالنعمة وورثة لملكوته السماوي.
ســــر الـــزواج
سر الزواج هو سر مقدس، يعقده الكاهن الشرعي بين الرجل والمرأة المسيحيين برضاهما (2كو 6: 14) فينالان النعمة الإلهية الضرورية لقيام الزواج المسيحي وتقديسه. والزواج عامة هو ناموس طبيعي أسسه اللّه تعالى منذ البدء بدليل قول الكتاب: «ذكراً وأنثى خلقهم، وباركهم اللّه
وقال لهم: اثمروا واكثروا واملأوا الأرض»(تك 1: 27و28) كما يظهر من قول الرب يسوع للذين سألوه عن الطلاق: «أما قرأتم أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكراً وأنثى وقال: من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه
ويلتصق بإمرأته ويكون الاثنان جسداً واحداً إذاً ليسا بعد اثنين بل جسد واحد فالذي جمعه الله لا يفرّقه إنسان»(مت 19: 4 ـ 6). وبارك الرب يسوع سنّة الزواج بحضوره في عرس قانا الجليل. وأشار الرسول بولس إلى الزواج بقوله:«هذا السر عظيم» (أف 5: 32). وشبهه باتحاد المسيح بالكنيسة.
وفي سر الزواج المقدس يحصل الزوجان بنعمة الروح القدس على الفوائد المباحة شرعاً والتعاون على الحياة معاً بطهر ونقاء وقداسة، وطلب الذرية الطاهرة الصالحة.
لا يجوز فك رباط الزواج المسيحي (مت 19: 6 ـ 8) و(1كو 7: 2 ـ 5) فالذي جمعه اللّه لا يفرّقه إنسان. وعند الضرورة يفسخ عقد الزواج لعلة الخيانة الزوجية (مت 5: 32) ولأسباب أخرى غاية في الأهمية يحددها النظام الكنسي وقانون الأحوال الشخصية. وقد أجيز حفاظاً على الآداب وصيانة للزوجين لئلا تؤدي الخلافات بينهما إلى فجور الزوجة أو فسق الزوج.
إن البتولية أفضل من الزواج إن استطاع الإنسان أن يحفظ نفسه طاهراً. قال الرسول بولس: «أنت مرتبط بامرأة فلا تطلب الانفصال، أنت منفصل عن امرأة فلا تطلب امرأة»(1كو 7: 27) «فأريد أن تكونوا بلا همّ، غير المتزوج يهتمّ في ما للرب كيف يرضي الرب»(1كو 7: 32).
تقدس الكنيسة الرهبنة أي بتولية الرهبان والأساقفة، وتفرض الزواج على كهنة خدمة الرعايا. ولا تأذن لهم بالزواج ثانية عند ترملهم كما قرّر المجمع النيقاوي عام 325م.


سر مسحة المرضى
هو مسح الكاهن الشرعي المؤمن المريض بزيت سبق تقديسه على يد الأسقف بنعمة الروح القدس كما يطلب الكاهن من اللّه تعالى ليمنّ على المريض بالشفاء من أمراضه الجسدية والروحية (يع 5: 14و15).
إن تقديس زيت مسحة المرضى منوط فقط برؤساء الكهنة بحسب الطقس الكنسي وبعد التقديس يصير المادة القانونية لسرّ مسحة المرضى. وهذا السر يتقوى به المريض وتغفر خطاياه وفقاً لما جاء في الإنجيل المقدس (مر 6: 13) أما خادم السر فهو الكاهن الشرعي. كما قال يعقوب الرسول: «أمريض أحد بينكم فليدعُ شيوخ الكنيسة فيصلوا عليه ويدهنوه بزيت باسم الرب وصلاة الإيمان تشفي المريض والرب يقيمه وإن كان قد فعل خطية تغفر له»(5: 14 ـ 15).
وقد مارس رسل الرب الأطهار وتلاميذه الأبرار هذا السر بناء على أمر الرب يسوع لهم. فإنهم دهنوا بزيت مرضى كثيرين فشفوهم. وعلى المؤمن المريض أن يقدم التوبة الصادقة والندامة معترفاً بخطاياه.
هذه المسحة إذن للمؤمن المريض ومن الخطأ اقتصارها على المشرف على الموت فهي ليست مسحة موتى بل مسحة مرضى.

وإلى جانب سر مسحة المرضى الذي يستعمل به الزيت الذي سبق تقديسه من الأسقف، لدينا نحن السريان طقس القنديل الذي يقوم بإتمام طقسه بتقديس زيت يشترك بإتمام طقسه كهنة عديدون ثم يمسحون به المريض المؤمن ويُعتبر هذا الطقس أيضاً بمثابة توبة وندامة ونيل المغفرة على ما اقترفه المؤمن من خطايا.
إن طلب العلاج الروحي قبل الجسدي ضروري جداً كما جرى للمخلّع الذي حمله أربعة من رفقائه إلى يسوع فشفى الرب روحه قبل جسده وغفر له خطاياه فنال شفاء الجسد بعد أن نال مغفرة الخطايا وقال له الرب يسوع: «أنت قد برئت فلا تخطئ أيضاً لئلا يكون لك أشر»(يو 5: 14).
فعلى المريض المؤمن أن يطلب أولاً شفاء النفس بالعلاج الروحي ثم علاج الجسد «لأن الرب لم يعطِ الطبيب حكمة عبثاً».

الخـــاتمـــــة
هذا ما عنّ لنا أن ندوّنه باختصار، وباسلوب سهل، وكلمات بسيطة، في موضوع أسرار الكنيسة السبعة ليدرك المؤمنون القوة الروحية الكامنة في كل سر من هذه الأسرار، فيمارسونه بإيمان لكي ينالوا النِعَم السماوية باستحقاق.
 
قديم 08 - 06 - 2014, 09:01 AM   رقم المشاركة : ( 4489 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تأمل في أصل عبادة قلب يسوع الأقدس وانتشارها
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أخذت عبادة قلب يسوع الأقدس مبدأها مع ابتداء الكنيسة المقدسة عينها، ونشأت عند أسفل الصليب ، لأن مريم هي أول من سجدَ لهذا القلب المطعون لأجلنا ، ثم ان يسوع المسيح من بعد قيامته ظهرَ لتلاميذه المجتمعين وأراهم جرح جنبهِ، وأمر توما بأن يضع فيهِ أصبعه. ومن ثُمَ رأينا أعظم قديسي العصور الأولى وما بعدها قد تعمقوا في بحر هذه العبادة الى حين شاء الله فأوحاها بطريقة خصوصية وشرّفَ بها الأزمان المتأخرة.
أما العبادة الجهرية العمومية لقلب يسوع الأقدس فقط حفظت لأهالي القرن السابع عشر وفخراً لمملكة فرنسا التي فيها نشأت. أما النفس السعيدة التي اختارها الله وأوعز بواسطتها هذه العبادة فهي راهبة تقية من رهبانية الزيارة، تفردت بصدق حبها وخلوص تقواها ، أسمها مرغريتا مريم ( 1647 – 1690 )، فظهر لها يوماً المخلص وقال لها : (( هاهو ذا القلب الذي أحب البشر كل هذا الحب ، حتى انه افنى ذاته دلالة على حبه لهم ، وأنا لا أرى منهم عوض الشكران سوى الكفران والأحتقار والأهانات والنفاق والبرودة نحو سر محبتي، والذي يحزنني كل الحزن ان ذلك يصدر من قلوب خصصت ذاتها لي. ولهذا اطلب ان يُعيد في اليوم الثامن بعد عيد سر جسدي ( عيد القربان ) وهو يوم الجمعة، عيداً لأكرام قلبي، وليتناول فيهِ المؤمنون جسدي تعويضاً عن خطاياهم التي بها يهينون سر محبتي حينما يكون مصموداً على المذابح المقدسة، وها أنا ذا أعدك بأن قلبي يمنح نعماً كثيرة وبركات غزيرة لأولئك الذين يكرمونه أو يسعون في اكرامه عيى هذه الصورة )) . أجابته تلك المتواضعة قائلة : (( ربي وإلهي من اتخذت لقضاء هذا العمل العظيم، أخليقة مسكينة خاطئة ؟ فما أكثر النفوس البارة القادرة على قضائه )) . فقال لها يسوع : (( أفما تعلمين اذن انني لا أستعمل إلا الوسائط الضعيفة لأخزي الأقوياء. وأنني اظهر قدرتي على يد المساكين بالروح لكي لا ينسبوا من ذلك شيئاً لنفوسهم )). فأجابته حينذ مرغريتا مريم : (( أعطني اذاً يا مولاي، أعطني واسطة بها أقدر أن أعمل ما أمرتني به )) . فقال لها : (( اذهبي الى عبدي الأب كلمبيار ( وهو يسوعي ومرشدها الروحي ) وقولي له من قِبلي ان يهتم بنشر هذه العبادة فيسر بها قلبي ، ولا يقشل اذا ما أذابته بعض الصعوبات إذ لابد من المشاق بل ليتيقن ان كل من اعتمد عليّ لا على ذاته كان قادراً على كل شيء لا محالة .أما ما كان من أمر الاب كلمبيار فأنه إذ كان يثق بقداسة هذه الراهبة وتاكدت لديه صحة حوارها مع المخلص ، همّ بنشر هذه العبادة الخالية من كل شبهة واراد ان يكون بكر التلاميذ لقلب يسوع الأقدس. فخصص بهذا القلب وبالحب الواجب له الجمعة الأولى التابعة للأيام الثمانية التي تعقب عيد القربان المقدس ، وهو اليوم الواقع في 12 / حزيران / 1675 م.
فمنذ ذلك اليوم تشيدت أركان هذه العبادة على رغم كثرة المقاومات واشتداد المحاربات، ونمت واتسعت ولا سيما بعد ان ثبتها الأحبار الأعظمون.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
خبر
في سنة 1680 م أتفق للأب يوسف غاليفا عند اتمامه سنتي الأبتداء الرهباني ان يكون في ارشاد الطوباوي الأب كلاوديوس كلمبيار اليسوعي مرشد القديسة مرغريتة مريم ، ومنه أستقى مبادئ العبادة لقلب يسوع وارشاداتها ومن ثم تاصلت هذه العبادة في قلبه تأصلاً وشغف بحبها. فعندَ ختامه درس اللاهوت ارسل إلى دير القديس يوسف في مدينة ليون واذ كان يخدم المرضى فيها أعترته حمّى ضديدة ألقته بعد بضعة أيام على أبواب الأبدية، فيئس الأطباء من شفائه وتأكدو دنو رحيله. ثم غاب عن حواسه وأخذ ينازع، والحاضرون ينتظرون دقيقة تسليمه الروح. فلما شاهد ذلك أحد أصحابه المشهود لهم بالتقوى والقداسة توجه بالهام الهي إلى القربان المقدس وقدّمَ هناك نذراً عن المريض وهو أن شاءت ارادته وأذنت بشفاء الأب غاليفا فسيقضي هذا الأب المريض ما يتبقى له من الحياة في تجيد قلب يسوع الاقدس فأستجاب الله دعاءه وشفى المريض، وحيث انه كان يجهل النذر المذكور عرضوه عليه خطاً عند زوال خطره فوافقهم عليه بكل سرور معتبراً ذاته من ذلك الحين جندياً خاصاً انتخبته العناية الربانية لخدمة قلب يسوع الأقدس وخصص ذاته بجملتها بتمجيده.
إكرام
حث الذين تحت أمرك ومن يصغي لمقالك على الاحتفال بعيد قلب يسوع الأقدس وفيه أقترب من المائدة المقدسة لتُكفر عن جميع الأخطاء المرتكبة اهانة لسر القربان المقدس.
نافذة(تقال ثلاث مرات دائماً)
اني وجدتُ قلب خليلي اللطيف يسوع المحبوب

صلوات تتلى في كل يوم
من الشهر المخصص بعبادته الجليلة
فعل التكريس لقلب يسوع الأقدس
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يا قلب يسوع الهي المسجود له الممتلئ قداسة ورحمة .انني أجسر ان اهدي لك لأنك قلب قدوس القديسين وما قلبي الا ضعيف ومائل الى الخطأ ومع ذلك فإني واثق بأن رحمتك الغريزة تقبله مني لتطهره وتصلحه وتقدسه.
يا معلمي المحبوب اني اهدي لقلبك الأقدس ذاتي بجملتها وكل ما أنا حاصل عليه واملكه اي حياتي و موتي وعقلي وتمييزي وضميري ومخيلتي وارادتي ولا سيما قلبي مع جميع حركاته وأشواقه، أهدي لك جسدي وحواسي وأقوالي وأعمالي وجميع أشغالي وأفراحي وآلامي، وبالنتيجة اني اهدي ذاتي واكرسها بجملتها لقلبك الأقدس من الآن وحتى الأبد.
هذا واني بكل سرور اعدك بأني سأكرم قلبك الأقدس وأسجد له كل أيام حياتي وسأجتهد بنشر أسمه واكرامه وجذب القلوب الى محبته.
ان قلبك الألهي الموجود حقيقة مع ناسوتك المقدس تحت السر العجيب سيكون منذ الآن وصاعداً ملجأي وراحتي وتعزيتي ورجائي ومحبتي. يا مخلصي الحبيب ليكن قلبك تتمة سجودي وشكري وصلواتي وتوبتي وليكن قلبك تتمة سجودي وشكري وصلواتي وتوبتي وليكن لي كل شيء، أي نوري وقوتي وسندي ومقري وحياتي.
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
وانت ايتها العذراء الحبل بلا دنس، أمي وسيدتي العزيزة اني اقدم هذا التكريس على يديك المباركتين، واجسر ان اطلب منكِ ان تحفظيني الى النفس الأخير من حياتي أميناً لابنكِ الحبيب الذي تجب لهُ المحبة والمجد الى دهر الداهرين، آمين.
طلبة قلب يسوع الأقدس
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

كيرياليسون كريستاليسون
يا ربنا يسوع المسيح أنصت إلينا
يا ربنا يسوع المسيح استجب لنا
أيها الآب الأله السماوي ارحمنا
أيها الابن مخلص العالم ارحمنا
أيها الروح القدس الإله ارحمنا
أيها الثالوث القدوس الإله الواحد ارحمنا
يا قلب يسوع المتحد بالكلمة الإلهية ارحمنا
يا قلب يسوع مقدس اللاهوت ارحمنا
يا قلب يسوع لجة الحكمة ارحمنا
يا قلب يسوع بحر الجودة ارحمنا
يا قلب يسوع كرسي الرحمة ارحمنا
يا قلب يسوع الكنز غير الفاني ارحمنا
يا قلب يسوع الذي من ملئه ننال النعم كلنا ارحمنا
يا قلب يسوع صلاحنا وسلامنا ارحمنا
يا قلب يسوع مثال جميع الفضائل ارحمنا
يا قلب يسوع المحب والمحبوب إلى الغاية ارحمنا
يا قلب يسوع ينبوع الحياة الأبدية ارحمنا
يا قلب يسوع سرور الآب الأزلي ارحمنا
يا قلب يسوع المضحي عن آثامنا ارحمنا
يا قلب يسوع المملوء مرارة من أجلنا ارحمنا
يا قلب يسوع الحزين حتى الموت ارحمنا
يا قلب يسوع المجروح بالمحبة ارحمنا
يا قلب يسوع المطعون بالحربة ارحمنا
يا قلب يسوع السافك دمه من اجلنا ارحمنا
يا قلب يسوع المنسحق من اجلنا ارحمنا
يا قلب يسوع المهان في سر محبته المقدس ارحمنا
يا قلب يسوع ملجأ الخطأة ارحمنا
يا قلب يسوع قوة الضعفاء ارحمنا
يا قلب يسوع تعزية الحزانى ارحمنا
يا قلب يسوع ثبات الصديقين ارحمنا
يا قلب يسوع خلاص الراجين بك ارحمنا
يا قلب يسوع رجاء المائتين فيك ارحمنا
يا قلب يسوع الحماية الطيبة لمكرميه ارحمنا
يا قلب يسوع نعيم جميع القديسين ارحمنا
يا قلب يسوع نعيم جميع القديسين ارحمنا
يا قلب يسوع عوننا في الشدائد ارحمنا
يا حمل الله الحامل خطايا العالم انصت إلينا
يا حمل الله الحامل خطايا العالم استجب إلينا
يا حمل الله الحامل خطايا العالم ارحمنا
كرياليسون كريستاليسون
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يا يسوع الوديع والمتواضع القلب
إجعل قلبنا مثل قلبك
فعل تخصيص لقلب يسوع الأقدس
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يا يسوع فاديّ الحبيب، إني اهدي لكَ قلبي فضعهُ في قلبك الأقدس، إذ في هذا القلب الطاهر اشتهيت السكنى وبه قصدتُ أن احبك. بهذا القلب الأقدس رمتُ ان يجهلني العالم لتعرفني انت وحدك فقط. من هذا القلب الأقدس أستمد حرارة حب أغني به قلبي. في هذا القلب الأقدس أجد القوة والأنوار والشجاعة والتعزية التامّة. فأن ضعفتُ قوّاني ، وان ذبلتُ أحياني، وان حزنتُ عزّاني، وان قلقتْ سكنّ روعي.
يا قلب يسوع الأقدس ليكن قلبي هيكلاً لحبك وليذع لساني جودك ولتثبت عيناي دائماً في جروحك .وليتأمل عقلي كمالك، ولتتذكر ذاكرتي عظم مراحمك ، وليعبر كل ما بي حبي الجزيل لقلبك وليكن قلبي مستعداً لاحتمال كل شيء والتضحية بكل شيء حباً لك.
يا قلب مريم الطاهر، يا أشهى القلوب وأحنّها وأقدرها بعد قلب مخلصي الحبيب. قدمي يا بتولاً طاهرة إلى قلب ابنك الحبيب تخصيصنا به وحبنا له ومقاصدنا كلها، فأنه يشفق على بؤسنا ويتحنن على شقائنا ، فينجينا من بلايانا حتى اذا ما كنتِ شفيعتنا ومحامية عنا في وادي الشقاء أصبحتِ ملكتنا في دار البقاء، آمين.
الصلاة

ايها الإله الضابط الكل السرمدي، انظر إلى قلب ابنك الحبيب وإلى المجد والوفاء اللذين يؤديهما إليك عن الخطأة وهدئ غضبك وأغفر لنا نحن الطالبين رحمتك باسم ربنا يسوع المسيح ابنك الوحيد الذي يحيا ويملك معك ومع روحك القدوس الى أبد الآبدين ، آمين.
 
قديم 08 - 06 - 2014, 09:04 AM   رقم المشاركة : ( 4490 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تأمل في محبة قلب الله
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أوحى الله الينا منذ عهد مديد بأن له قلباً. أجل ان لله قلباً ، وقد سمعنا بذلك إذ يقول في الكتاب المقدس عن داؤد عبده : (( انه رجل مثل قلبه )) ( 1 صمو 14:13 ) وأعلن لسليمان الملك يوم تدشينه هيكل اورشليم الفخم : (( ان قلبه يكون فيه كل الأيام )) ( 1 ملكوك 3:9 ) فأراد الله ان يعبر بهذا الإسم عن ارادته وعواطف حبه غير المتناهي. ولكن جل اسمه لم يكتف بهذا التعبير بل أراد ان يكون لكلمته الأزلية قلب منظور ، قلب مُجَسّم بحيث انه يقدر في كلامه للبشر ان يقول لهم نظير أيوب الصديق : (( وأنا أيضاً لي قلب مثلكم )) ( ايوب 3:12 ).
قد عبرت ستة عشر قرناً على الكنيسة منذ تأسيسها وليس من يذكر هذا المقدس الحي ، مقدس الحب غير المتناهي ، ولابد من سبب مشروع لهذا التأخير في إعلان عبادة قلب يسوع الأقدس للعالم كله ، وهو ان الله كان قد حفظ هذه العبادة للأزمنة الأخيرة لتكون دواءً ناجعاً لكثرة امراضها وشرورها ، فنبعت في حقل الكنيسة كينبوع جديد لأنعاش الغرسات السماوية التي أوشكت ان تذبل وتذوي في ارض قاحلة يابسة ، ولتنشيطها تنشيطاً صادقاً. فعلى هذه الغرسات وهي النفوس المسيحية ان ترتوي الآن بمياه ذلك الينبوع السماوي وتأتي بثمار الفضيلة والقداسة. ومن اجل ذلك نرى الأحبار الرومانييين قد جعلو كل ثقتهم في قلب يسوع الأقدس ومن مراحمه الغنيسة يرجون ويتوقعون في هذه الأزمنة المتأخرة خلاص الشعب المسيحي ، ولهذا قال البابا لاون الثالث عشر حينما اراد تخصيص العالم بقلب يسوع الأقدس : (( ان هذا العمل سيكون للعالم فرصة حلول المراحم الألهية التي ننتضرها له )) . وقد حذا قداسة البابا بيوس العاشر حذو سالفه في احساسات ايمانه وثقته بقلب يسوع الاقدس منذ جلوسه على كرسي القديس بطرس وينادي بها المعمورة ويزيدها غفرانات كاملة وغير كاملة ويحرض المؤمنينعلى ممارستها لأنه جعل فيها نظير أسلافه الكرام غاية ثقته ومنها يرجو (( تجديد كل شيء في المسيح)) .

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

خبر
نقرأ في سيرة القديسة جرترودة (1264 – 1334 ) ، انها حظيت يوماً بمشاهدة القديس يوحنا الأنجيلي الحبيب فسألته قائلة : (( من حيث انك أيها الرسول الفاضل قد اتكأت على صدر المخلص وقت العشاء السري ، فلماذا لم تكتب شيئاً عن حركات ذلك القلب الألهي ارشاداً للعبادة ؟ )) . أجابها الرسول بكلمات تستحق الألتفات قائلاً لهذا : (( فرض علي ان اكتب كلام الله الأب الأزلي لأجل الكنيسة المنشأة إذ ذاك حديثاً. أما ما كان من عذوبة القلب الألهي فقد شاء سبحانه ان يؤخر اعلانها الى الأزمنة التأخرة ليوقد محبته في قلوب خامرها التفور بل البرودة )).
فها قد بلغنا إلى تلك الأزمنة التي أشار اليها التلميذ الحبيب بخطابه هذا للقديسة المؤمأ اليها . حقاً ان نيران المحبة المنظفئة الآن في أغلب القلوب ، ولكن لم لا نثق بأن عبادة قلب يسوع الأقدس التي لا تزال تمتد وتنتشر في جميع الجهات عتيدة ان تشعل هذه النيران .
إكرام
لا تدع أسبوعاً يمضي من هذا الشهر دون ان تتكلم عن قلب يسوع الأقدس ، وأجتهد في نشر عبادته في بيتك وأسرتك..
نافذة(تقال ثلاث مرات دائماً)
قلباً نقياً أخلق بيّ يا رب. (مز 12: 50)
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 04:52 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024