05 - 06 - 2014, 03:02 PM | رقم المشاركة : ( 4461 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الطهارة – مناظرة للقديس يوحنا كاسيان المناظرة الثانية عشر الطهارة [1] للأب شيريمون 4- الطهارة هبة من الله يجدر بنا أن نتأكد أن أقسى درجات الاحتمال من وطأة الجوع والعطش والسهر والعمل المتواصل والمثابرة في القراءة… كل هذه التداريب وحدها لا تثبتنا في طهارة دائمة ما لم نقتنع عمليًا وسط تدربنا هذا أن نعمة الله وحدها تستطيع أن تهبنا هذه الطهارة غير الفاسدة. لنتيقن أنه يلزم على كل أحد أن يثابر بصبرٍ بلا ملل، حتى ينال بإذلال الجسد رحمة الرب، ويستحق أن تنقذه نعمة الله من هجمات الجسد وعبودية الشهوات العنيفة، وألا يظن أنه بهذه الأعمال وحدها يقدر أن يقتني الطهارة الدائمة التي يبتغيها. لنفرح بالرب أثناء التداريب اليومية إن أردنا طرد الشهوات من قلوبنا، فلنفسح المجال لكي تدخل الأفراح الروحية بلا حدود. وإذ ترتبط روحنا بهذا الفرح على الدوام، ترى من الآن (في هذه الحياة) أين تثبت، طاردة عنها جاذبية أفراح العالم والسعادة الزائلة. وإذ تقودها التداريب اليومية إلى هذه الحالة، تختبر الروح مشاعر الفرح التي لا يُعبر عنها وهي هنا، وترتل أمام الحق بالتسبيح العادي[2] الذي لا يقدر أن يختبره إلا القليلون الذين تذوقوه، مخترقين أعماق معنى هذا القول: “جعلتُ الربَّ أمامي في كل حين، لأنهُ عن يميني فلا أتزعزع” (مز8:16). 7- درجات الطهارة للطهارة درجات كثيرة، بها نرتفع لنبلغ الطهارة الدائمة. وبالرغم من عجزي عن معرفة جميع درجاتها والحديث عنها كما ينبغي، غير أن تسلسل المناظرة يحصرني، فأخبركم قدر خبرتي الضعيفة، تاركًا للكاملين أن يتحدثوا عنها بصورة أكمل. وما أنطق به الآن لا تأخذونه قضية مسلم بها، فإن الذين يتمتعون بهذه الفضيلة في درجة أعلى، هؤلاء يُكشف لهم نور أسطع فيختبروا ويخبروا الآخرين عنها. وأنني سأميز بين الدرجات الست التي لهذه الطهارة العظيمة، ولو أنه يوجد بُعد شاسع بين كل درجة وأخرى، وكان يمكن أن يوضع بينهم درجات وسطى… وإذ هذه الدرجات أمر غير محسوس وغاية في الدقة، لهذا بالكاد يقدر الذهن أن يدركها أو الكلام يُعبر عنها. هذه الدرجات الست التي أتوقف عندها تقود الإنسان يومًا فيوما إلى الطهارة الكاملة. لأنه كما أن الجسد ينمو يومًا فيوما لاشعوريًا ويسير نحو الكمال (أي النضوج الجسدي) الذي نبتغيه، هكذا تثبت الروح في قوة الطهارة وكمالها رويدًا رويدًا. درجات الطهارة الست 1- الأولى: عدم سقوط الإنسان تحت ثقل هجمات الجسد. 2- الثانية: أن يوقف فكره عن الأفكار الدنسة. 3- الثالثة: ألا تؤثر فيه رؤيته للمرأة أدنى تأثير. 4- الرابعة: ألا يشعر خلال يومه بأي حركة من حركات الجسد. 5- الخامسة: ألا يتأثر فكره بأي لذة متى ألزمته الضرورة أن يتحدث عن الزواج أو التناسل البشري، إنما في طهارة قلبه الهادئ يرى في ذلك مجرد مسئولية ملقاة على كاهل الجنس البشري، ولا يتطلع إلى هذا الأمر على أنه أمر تافه. 6- السادسة: ألا يتعرض في أثناء نومه للمناظر النسائية الجذابة، لأنه وإن كان في هذا عدم خطية، لكن لها علاقة بالشهوة الكامنة في عمق القلب. |
||||
05 - 06 - 2014, 03:03 PM | رقم المشاركة : ( 4462 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لا تزن القديس غريغوريوس بالاماس لا تمارس الزنا (خروج 14:20) ولا الفسق حتى لا تصير عضواً للفاجرة بدلاً من عضو للمسيح فتُقطَع من الجسم الإلهي وتسقط من الميراث المقدّس وتُرمى في جهنّم. لأنّه، إذا كان بحسب شريعة موسى، ابنة الكاهن التي تُضبَط في الفسوق يجب إحراقها لأنّها عرّضَت أباها للعار، ألا ينبغي بالذي ألصق هذه النجاسة بجسد المسيح أن يُحرَق في النار الأبدية؟ ليس فقط يُحرَّم عليك أن تزني بل عليك أن تمارس البتولية، إذا أمكنك، وتكون خاصاً بالله بالكليّة وملتصقاً به بمحبة كاملة مقيماً بقربه طوال حياتك. جاهد دائماً وبدون ارتباك لأن تحيا حياة ترضي الله، متمتعاً منذ الآن بالحياة المقبِلة وعائشاً مثل ملاك على الأرض. البتولية هي ميزة الملائكة، وكلّ مَن يمارسها يصبح مثلهم، بقدر الإمكان، مع أنّه ذو جسد. إلى هذا، إنّه يصبح أكثر منهم، فهو يصير مشابهاً للآب الذي قبل الدهور وَلَد الابن بطريقة بتولية، كما أنّه يصير مشابهاً للابن البتولي الذي ولد قبل الدهور من الآب البتول وتجسّد في آخر الأزمنة من أم عذراء، وأيضاً هو يصير مشابهاً للروح القدس الذي خرج بطريقة لا تُوصَف من الآب وحده، ليس بالولادة بل بالانبثاق. إنّ مَن يختار البتولية الحقيقية، أي المتبتّل بالنفس والجسد، الذي يجمّل كل حواسه وفكره وعقله برونق البتولية، يتشبّه بالله ويتّحد به مقيماً معه زواجاً لا يفسد. إذا كنتَ لا تفضّل أن تحيا حياة بتولية، ولا أنتَ وعدتَ الرب بذلك، بإمكانك بحسب ناموس الرب أن تتخذ امرأة بالزواج. هي وحدها تساكن، وهي وحدها تتّخذ، هذا وهدفُك هو القداسة. بكل قوتك ابقَ بعيداً عن النساء. تكون قادراً على حفظ نفسك منهن إذا تلافيت المحادثات غير الضرورية معهن، إذا أدَرتَ عيني جسدك وعيني نفسك عنهن، بقدر الإمكان، وإذا لم تكن تجد لذة في سماع الكلمات الشهوانية ولم تّصِر معتاداً على التفرّس بالوجوه الجميلة. كلّ مَن ينظر إلى امرأة بشهوة كريهة يكون قد زنا بها ولهذا هو غير طاهر أمام المسيح الذي ينظر إلى القلوب. إلى هذا، من هذا النظر الشرير يمكن للإنسان التعيس أن ينتهي مرتَكباً خطيئة الدعارة بالجسد أيضاً. لكن لماذا أتحدّث فقط عن الفسق والزنا وكل النجاسة المرتبطة بالوظائف الطبيعية؟ فالإنسان يميل بشكل مخالف للقوانين إلى الأعمال البذيئة غير الطبيعية عندما يتفرّس بشكل فضولي في جمال الأجساد. إذاً، إذا قطعتَ الجذور المرّة من نفسك، فلن تجمع الثمار المميتة، بل سوف تجني الطهارة والقداسة التي تأتي معها، والتي بدونها لن ترى السيد. |
||||
05 - 06 - 2014, 03:05 PM | رقم المشاركة : ( 4463 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ضد الزنى – القديس ديمتريوس في ذكرى قطع رأس يوحنا المعمدان للقديس ديمتريوس أسقف روستوف فكان يوحنا يقول لهيرودس: “إنه لا يحلّ لك أن تكون لك امرأة أخيك” (مرقس 18:6). إن خطيئة الزنى ثقيلة جداً لأنها تدنّس النفس والجسد وتحرم الإنسان ملكوت السماوات حسب قول الكتاب المقدس: “ليس للزاني أو النجس ميراث في ملكوت المسيح والله” (أفسس 5:5). وقد يكون هذا الإثم أثقل وأفظع إذا تدنّس به المتمتعون بالحياة الزوجية الشرعية. فالقديس الرسول بولس يقول: “أنه ليس للرجل أو للمرأة سلطة على الجسد” (1كورنثوس 4:7). وعليه فخطيئة الزنى لا تدنّس الجسد فقط بل تجدّف على واضع الشريعة الذي هو الله. من البدء، خلق الله الإنسان ذكراً وأنثى وقال: “لذلك يترك الإنسان أباه وأمه ويلزَم امرأته ويصيران كلاهما جسداً واحداً وما جمعه الله لا يفرقه إنسان” (متى 5:19). فالزاني يفرّق ما جمعه الله ويستهين بقداسة السر الذي يمثّل اتحاد المسيح بالكنيسة. يشمل الزنى أربعة أشخاص: إثنان يدنّسان نفسيهما وإثنان يحتملان الإهانة. أي الرجل الشرعي للمرأة الزانية والمرأة الشرعية للرجل الزاني. لذلك يقطع القديس باسيليوس الكبير الضالَّ عن مناولة الأسرار المقدسة لمدة سبع سنوات والزاني لمدة خمس عشر سنة. الزنى يشبه الاختلاس. فالزاني، بموجب كلام أيوب الصديق: “يكون في الليل لصاً لأن عينه ترقب الظلام إذ يقول لا تبصرني عين فيجعل برقعاً على وجهه” (أيوب 14:24). فإثم الزاني أفظع من إثم اللص. اللص يسرق أشياء جامدة أمّا الزاني فيغتصب زوجة قريبه، يسلب الطهارة الزوجية التي هي أثمن من ألوف الذهب والفضة. قد يبرّر اللص نفسه قائلاً: “إنه يسرق ليأكل وهو جائع، أما الزاني بامرأة قريبه فلا عذر له بل يعجز عن تبرير نفسه لأنه فاقد اللب، إنما يصنع هذا مهلكُ نفسه” (أمثال 30:6 و31). وفي الحقيقة، إن الزاني فاقد اللب لأنه قادر أن يعيش من دون إثم مع زوجته الشرعية. لكنه يرغب في التسلّط على امرأة غريبة بالخطيئة المهلكة نفسه. بموجب كلام المسيح: “السارق لا يأتي إلاّ ليسرق ويذبح ويهلك” (يوحنا 10:10). أمّا الزاني الذي يسرق زواج الغير فهو مستعد للقتل إذا فوجئ بعمله الأثيم لأنه يهلك نفسه ونفس مَن يشاركه في فعل الإثم، فالإثنان يسيران إلى الهلاك الأبدي. والقديس يوحنا الذهبي الفم يقول: “إن الزنى أردأ من السرقة لأن المرء لا يحزن لفقده المقتنيات كحزنه لفقده شرفه الزوجي”. وكما يقول القديس يعقوب الرسول: “إن الزنى عداوة للرب نفسه: أيها الفجّار أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله” (يعقوب 4:4). ما محبة العالم هذه؟ إن محبة الجسد هي عداوة لله. فهي ضد شريعة الله وتتجاوز الحدود الموضوعة من الله وتجعل الخالق كأنه لا شيء لأنه تعالى قد حدّد الحياة الزوجية للبشر. أترون ثقل خطيئة الزنى؟ الزاني لا يستحق الرحمة. فكما أن الربّان الذي يتعمّد إغراق سفينته لا يستحق الرحمة، كذلك الإنسان المرتبط بالزواج هو يدنّس مضجع غيره. إن كل مَن ينظر إلى امرأة غريبة ويشتهيها يكون مسؤولاً أمام الله والناس. لذلك لم يرحم الله الفجّار في العهد القديم ولم يغفر لهم، فقد قيل في شريعة موسى: “وأي رجل زنى بامرأة قريبه فليُقتَل الزاني والزانية” (أحبار 20:10). وإن كنّا نرى أن اللعنة الكنسيّة قد عُيِّنَت للزاني في العهد الجدد، فهذا لأن الله طويل الأناة ورحمته لا تُوصَف ولا تُقهَر من خطايا البشر المتنوّعة. خطيئة الزنى تسبّب رزايا كثيرة. يظن الزاني أن الجميع مطّلعون على إثمه ويهمّون به ويدينونه. وإن لم يوجد مَن يوبّخ الزاني فهو يوبّخ نفسه بنفسه. فإن رقد في سريره أو جلس على المائدة أو كان في السوق ليلاً ونهاراً، في اليقظة في النوم، فحياته تكون “كحياة قايين الذي كان تائهاً شارداً في الأرض” (تكوين 12:4). لقد ارتكب داود الإثم سراً ووبخه النبي ناثان على انفراد. لكن داود خجل من جميع سكان أورشليم وقال: “خزيي أمامي النهار كله وخجل وجهي قد شملني” (مزمور 16:43). كم يكون مقدار خزي الإنسان إذا وبّخه أحد لأجل الزنى! الأفضل لمثل هذا ألاّ يولد في العالم من أن يحتمل هذا العار! وكم يكون فظيعاً غضب الرجل غضب غيرة “فلا يشفق على الزاني يوم الانتقام” (أمثال 32:6) وقد يكون الزاني أتعس من اللص المقبوض عليه لأنه قيل: وهو إن أخذ أدّى سبعة أضعاف كل ما يقتنيه. “أمّا الزاني فلا يقدر أن يسكّن غضب الزوج المُهان لأنه قيل لا يقنع وإن أُكثِرَت الرشوة” (أمثال 31:6 و35). أيقدر أن يؤدّي الزاني شيئاً للرجل بدل إغواء زوجته؟ ماذا يحلَ بالزوجة الشرعية عندما تعلم أن زوجها خانها؟ إنها تبكي وتكاد تتمزق من الغيرة. وكثيراً ما تقترف إثم الزنى هي نفسها أو تقتل زوجها. لذلك قيل: “أيأخذ إنسان ناراً في حجره ولا تحترق ثيابه؟ أم يمشي على الجمر ولا تكتوي قدماه؟ هكذا الداخل على امرأة قريبه كل مَن مسّها لا يكون زكياً” (أمثال 27:6-29). وفي القديم كانوا يرجمون الزناة بالحجارة أو يحرقونهم أو يجبرونهم على شنق أنفسهم وإذا تركوهم أحياء كانوا يقطعون أنوفهم وآذانهم ويجلدونهم ألف جلدة ويبيعونهم عبيداً. وقد يوجد بيننا نحن المسيحيين كثير من هؤلاء الخطأة لا يُعاقَبون بالموت لكن الديّان العادل سيعاقبهم في الحياة الآتية. ألا يعاقب السيد مثل هؤلاء في الحياة الحاضرة مرسلاً لهم مصائب مختلفة؟ أمّا الخطأة فلا يريدون أن يعترفوا بإثمهم! فكل مَن لا يقدر أن يحارب شهوة الجسد فليتزوّج كما قال الرسول بولس: “ولكن بسبب الزنى فلتكن لكل واحد امرأته وليكن لكل واحدة رجلها” (1كورنثوس 2:7). آمين |
||||
05 - 06 - 2014, 03:06 PM | رقم المشاركة : ( 4464 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الجسد أداة هوان أو كرامة المتروبوليت بولس يازجي مطران حلب والإسكندرون وتوابعهما "ليس الجسد للزنى بل الجسد للربّ والربّ للجسد" تمسّ رسالة اليوم مباشرة موضوع الابن الضال، الذي بدّد حصّته من الغنى الأبويّ مع الزواني. وبكلمات قليلة يلخّص بولسُ الرسول كلَّ مفهومنا المسيحيّ للجسد ولحاجاته ولدوره في حياتنا الإنسانيّة. يُلاحَظ من البداية أن أسلوب بولس المقارن في الرسالة يُعطي وضوحاً خاصاً لبعض الكلمات؛ فهو يستخدم كلمتَين: الجوف (البطن) والجسد؛ وكأنّه يتكلّم عن شيئَين مختلفَين! إذن يتكلّم بولسُ عن وظيفتَين للجسد، أو استخدامَين له: فيصف الاستخدام الأوّل بعمل الجوف، أي ما يخصّ الأطعمة والملذّات...، وهذه كلّها سوف يبيدها الله. أمّا الاستخدام الثاني فهو "الجسد" (وفيه بطن ويحتاج لأطعمة ويتناولها)، ويعني، في لغة بولس هنا، جسدنا في وظيفة ثانية، يصفها بأفضل الكلمات. فهذا الجسد هو هيكل الله وهو للربّ والربّ له وسيمجّده. إذن يجري الكلام هنا فعلاً عن الجسد ذاته (جوف- جسد) ولكن في استخدامَين مختلفَين. لذلك يستخدم بولس العبارات نفسها باستبدال الكلمات فيقول: "إنّ الأطعمة للجوف والجوف للأطعمة، وسيبيد الله هذا وتلك" ثم: "أمّا الجسد فللربّ والربّ للجسد،... وسيقيمنا نحن أيضاً بقوّته". إذن يمكن للجسد أن يُستخدم لوضعيّة سوف يبيدها الله وأن يُستخدم لوضعيّة ستتمجّد، فكما يمكنه أن يكون أداة هوان يمكنه كذلك أن يصير أداة مجد وكرامة. فما هي تلك الوضعيّة وهذه؟ لا شكّ أن استخدام كلمة "جوف" تريد أن تشير إلى طريقة حياة لا يهمّها إلاّ إشباع الجوف من الأطعمة وإتمام الرغبات والنـزوات. فالأطعمة والرغبات الجنسيّة هي حاجات طبيعيّة فعلاً، لكن هذه الحاجات ليست الغايات! وهذه كلّها عندما تستخدم لإشباع الحاجة تكون طاهرة، ولكنّها لما تصير من أجل إشباع الرغبة تدخل في خدمة "الجوف"، أي الحياة الدنيويّة، التي سيبيدها الله. لذلك يعترف بولس هنا بضرورة الأطعمة لكنّه يُسقطها من حيّز الغايات إلى حيّز الحاجات العابرة التي لن تستمرّ مع الجسد الذي سيمجدّه الله، إنما ستنقضي مع الجسد الذي سيعود إلى التراب. كان البعض- أيّام بولس- يظنّون أنّ إشباع "الجوف"، أي الامتلاء من الأطعمة وإشباع كلّ رغبة جنسيّة في الجسد هو أمر طبيعيّ، عاديّ، ولا حُكم عليه، فهو في ناموس الحياة وتتطلّبه حياة الجسد (الجوف). فالزنى هو فعل طبيعيّ بالنسبة لهم وحركة بيولوجيّة لا شرّ فيها ولا خير. لكن بولس يردّ هنا عليهم دون أن يحتقر هذا الجسد. فالجسد ليس أدنى من النفس ويجب التخلّص منه. لأنّ بولس يصوّر الحياة الإنسانيّة ضمن إطار روحانـيّ غير واقعيّ. إنّ حاجات "الجسد، هي حقيقة في الكيان البشريّ. والإنسان ليس كائناً سجيناً في جسده، بل حياته في جسده ومنه، وبجسده هذا يعبّر عن معنى حياته، فيمكنه هكذا أن يعتبر هدف حياته الأطعمة والرغبات، ويحدُّ غاياته الإنسانيّة في حاجاته هذه. ولا تعود لدى هذا الإنسان من مسؤوليّة ولا من هدف إلاّ إشباع هذا الجسد! والإشباع هنا لا يعني سدّ الحاجة، وإنّما الامتلاءَ من الأطعمة إلى حدّ النّهم بدل الشبع، وإشباع الرغبات الجنسيّة ليس لحدّ العلاقة الإنسانيّة وإنّما إلى حدود العنف. إنّ هذا الجسد (طريقة حياة) لا يرث ملكوتَ الله (1كور15، 50). إنّ حاجات الجسد الحقيقة الوجوديّة، حين تحقَّق بأسلوب آخر غير الإشباع الأنانـيّ، أي حين نمارسها في حدّ الحاجة فعلاً وليس في إطار التهافت، حين تبقى حاجة ولا تغدو غاية، عندها تكون طاهرةً وعفيفة. وآنذاك يصير الجسدُ للربّ والربُّ للجسد، ويحيا الإنسانُ في جسده هذا مانحاً إيّاه حاجاته، ولكن بدل أن يكون هذا الجسد معبداً لكلّ آلهة النـزوات، من شراهة وزنى والعنف بكلّ أنواعه، يصير هيكلاً للروح القدس. القانون الروحيّ، لدى بولس لجعل الجسد أداةَ كرامةٍ هو: "كلّ شيء مباح لي ولكن ليس كلّ شيء يوافق"، وهذا ما يعنيه تماماً "الصوم"! فنحن نستخدم كلّ شيء ليس بشكله المباح لكن بإطاره الموافق. أَمُباح لي أن آكل ليس لحدّ الشبع ولكن لحدّ الانتفاخ؟ نعم مباح، لكنّه غير موافق. لأنّ هذا الجسد حين يجعل حاجاته ثقلاً عليه لا يمكنه أن يصير هيكلاً للروح، بل سيكون آنذاك في العنف. هكذا، يمكن للجسد حين نخدمه في عفّة، والعفّة هي طرح الزائد وغير الضروريّ، أن يصير أداةَ جهادٍ لاقتناء الروح، فيغدو هيكلاً له. لهذا يقول بولس الرسول "أتمِّمُ في جسدي ما نقص من آلام المسيح في جسده"، ويقول "الآن يتعظّم المسيح في جسدي"، حين صارت قيوده وآلامه مدعى للشهادة والبشارة من أجل المسيح. لا يعبّر الإنسان عن حبّه لله "روحيّاً" فقط بالمعاني، إنّما جسديّاً، أي بالسجدات والأصوام. الإنسان المترفّه جسديّاً لن يعرف الله روحيّاً. الجسد هو أداة العبادة، فالجسد غير العابد بالعفّة لا يمنحنا روحاً ولا حياة، بل يُدرجنا بحياة "الجوف" التي تتمحور حول الأطعمة والرغبات، وهذه وتلك سيبدّدها الله. لولا أنّ الجسد يجوع فكيف يمكننا أن نصوم؟ ولولا أنّه يشتهي كيف نتعفّف؟ لولا الحاجات والرغبات لما كان هناك جهاد عفّة! إذن، ما هو المعيار لمعرفة ما هو "موافق"؟ وأين نعرف أن الحاجة قد تمّت وأن ما بعد ذلك الحدّ هو الشهوة؟ وما هو المؤشّر الذي ينبّهنا إلى أن الجسد الآن هو هيكل للروح أو بدأ يصير جوفاً للأطعمة؟ أهمّ ما في الإنسان حريّته وهي موجّه حياته الروحيّة. لا يوجد شيء سيّئ في الدنيا إلاّ ما يستعبدُ الإنسانَ. الإنسان الحرّ كائن يطير إلى السماء، لكن أثقال الرغبات تقبض عليه. يمكننا الأكل بحريّة ولكن للحدّ دون أن نفقدها. يمكننا أن نستخدم أي شيء للحدّ الذي بعده يبدأ يتسلّط علينا، هناك علينا أن نتحرّر منه لكي نبقى أحراراً. بهذا المعنى قال الربّ: "إن أعثرتك عينك اقلعها لأنّه أفضل لك أن تدخل السماء وأنت بعين من أن تدخل نار جهنّم". إنّ خط الإنذار الذي ينبّهنا إلى ضرورة الترفع عن شيء والتخلي عنه هو الحدّ حين يبدأ هذا الشيء يستهوينا بدل أن يخدمنا! لأن هوانا الحقيقيّ يجب أن يكون حبُّ الإلهيّات، والباقي كلّه لخدمة الحاجات. المطلوب أن يبقى القلب للربّ، والقلب هنا يعني غايات الإنسان وأشواقه. ليس الجسدُ للزنى بل الجسد للربّ. إذا كانت حاجات هذا الجسد توّلد فينا الجوع فإنّنا سوف نشبع الجوع فقط ونحافظ على الجسد بالصوم للربّ، وإذا كان الجسد يحملُ رغباتٍ جنسيّة فإن المسيحيّ يهذّب الجنس في الزواج ويحافظ على العفّة. نعطي للجسد كلّ حاجاته لكن دون أن تتسلّط هذه على غاياتنا، آمين. |
||||
05 - 06 - 2014, 03:08 PM | رقم المشاركة : ( 4465 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كيف أتوب عن الزنى؟ ربما تسألني يا أخي أو تسألينني يا أختي: كيف أتوب؟ إليك ببعض ما يمكنك أن تفعله في هذا الاتجاه: 1- اذهب إلى الكاهن واعترف بكل خطاياك. لا تترك واحدة منها إلا تعترف بها. اذكرها دون تفاصيل. إذ ذاك تغتسل بالحل من الخطايا. تُمسَح خطاياك. يصير بإمكانك ان تبدأ من جديد. 2- إذ تفعل ذلك قرّر، بنعمة ربّك، ألا تعود إلى الزنى، ألا تعود إلى الخطيئة مهما ضايقتك وألحّت عليك. ضع الموت حدّاً لجهادك إذا لزم الأمر. 3- اتّـخِذْ لك أباً روحياً أو أمّاً روحية، حيثما توفّرتْ. اكشف له أتعابك، حركة نفسك، كل حين، كما تكشف أمراضك للطبيب. إذا كان السرطان أرهب الأمراض الجسدية فالزنى سرطان القلب، سرطان الكيان. وكل ما يقوله لك طبيب النفوس تمسّـك به. كنْ له مطيعاً طاعتك لله. 4- كنْ رقيباً على حواسك، على عينك أولاً. لا تسمح لها ان تشرد إلى رؤية القبائح. ولسانك اضبطه، وكذلك أذنك وبقية حواسك. 5- توقّف عن معاشرة الذين زنيت معهم وعن معاشرة الذين يشجّعونك ويشدُّونك إلى الزنى. ابتعد عن الحفلات الصاخبة الماجنة. هذه مستنقع زنى. 6- لا تتعاطى مع أفكار الزنى التي تراودك. لا تحاورها. لا تتأمّل فيها. قاومها بذكر اسم الرب، بصلاة يسوع. تعلّم صلاة يسوع. تعلّم السجود. إذا اشتدّت عليك الأفكار اسجد عشر مرّات، عشرين مرّة، ثلاثين، أربعين، خمسين، مئة مرّة. أصرخ "اللهم بادر إلى معونتي. يا رب أسرع إلى إغاثتي". ستوحي لك الأفكار انك لن تُفلت. لا تصدّقها. سيراودك شعور انه خير لك ان تستسلم لتتخلّص من التوتّر الذي في بدنك. لا تَـقْبله. إذا قبلتَـه ستُـلقي نفسك في فراغ. سيكون أصعبَ عليك ان تنهض من جديد. كل انتصار تحقّقه باسم الله يجعل انتصارك في التجارب المقبلة أدنى إليك. لا تَـخُـرْ، قاوم يُعِنْـك الله. آمن ترَ مجد الله! الله الحيّ. 7- لا تَدِنْ أحداً. كن رحيماً، رئيفاً بالناس. ابتعد، قدر الإمكان، عن المديح والكلام عن نفسك. 8-انتبه لطعامك. الطعام الدسم ابتعد عنه. وكذلك التوابل والمشروبات. النظام الغذائي يؤثّر. 9- ليكنْ لك قانون صلاة يوميّة وقراءات. 10- انتبه للآخرين. اخدمهم دون مقابل. فكِّر في الآخرين. اقصد ان تفتقد المرضى وتسأل عن المضنوكين: الأرامل والمسنّين واليتامى والمعاقين وكل مضروب بعلّة. عُدِ المرضى المدنَفين (المشرفين على الموت) وتأمّل في حالهم. هذا يهدِّئك كثيراً. زُرِ القبور، بشكل منتظم، لئلا تنسى إلى أين المصير. اخرجْ من نفسك تجدْ نفسك. امتدّ صوب الآخرين تجد طريقك إلى قلب الله. في هكذا مناخ تهيّئ نفسك لسكنى العفّة فيك. ليس عملُك هو أساسَ حياتِك ولا مدرستُـك ولا مقتنياتُـك. هذه ينبغي ان تكون ثانوية لديك. الحاجة هي إلى واحد. همّـك الأوّل يجب ان يكون شفاء القلب، شفاء الكيان. لو درى مريض السرطان بمرضه أما كان ينسى كل شيء ويصغر في عينيه كلُّ شيء ولا يعود يطلب إلا الشفاء؟! سرطان الكيان أفظع. اعرِفْ نفسك. عدْ إلى نفسك كالابن الشاطر. اطلبوا أوّلاً ملكوت السماوات وبرّه وكل ما عدا ذلك يزاد لكم. 11- ثابر على ذلك. اثبت. مَن يثبت إلى المنتهى هذا يخلص. إنها قضية الحياة، معركة العمر. وفي وقت مناسب يعطيك الرب ما تطلب وفوق ما تطلب. "لقد ذهبوا وهم يبكون إذ كانوا يُلقون بذارهم لكنهم سيرجعون فرحين حاملين أغمارهم". |
||||
05 - 06 - 2014, 03:09 PM | رقم المشاركة : ( 4466 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
وصـايا الله العشر: الوصية الثامنة بقلم: الأب ايلي طوبجي "الوصايا العشر"، ارتباط بالعهد نقرأ في سفر الخروج عن أهم حدث في تاريخ العبرانيين، وهو ما صنعه الله لهم، بخلاصهم وتحريرهم (خروجهم) من أرض مصر، أرض العبودية. وفي طريقهم إلى أرض الحرية، يتجلى الله لشعبه ليعرّفهم عن نفسه ويعقد معهم عهداً أبديا. وفي حدث التجلي هذا، وضع الكاتب الملهم "الوصايا العشر"، مع أن سياق النص لا يدل على أن إعطاء "الوصايا العشر" جرى بهذا الشكل (انظر بداية الفصل 20 من سفر الخروج). فلماذا؟ وُضعت الوصايا العشر في هذا المكان بالذات، لأنها تُفهم أولاً في حدث الخروج، حدث الله التحريري الكبير في العهد القديم، وثانياً لأن الوصايا تتخذ كامل معانيها في صميم العهد. فبحسب الكتاب المقدس، يتخذ تصرف الإنسان الأخلاقي كامل معناه في العهد وبه. والوجود الأخلاقي هو جواب عن مبادرة الرب المُحِبة. إنها حمد وإجلال لله، وعبادة شكر، إنها مساهمة في ما لله من تدبير في التاريخ. "الوصايا العشر"، حقوق الله المُحَرِّر على شعبه: تتعلق الشريعة بوحي الله وإظهار نفسه: "أنا هو يهوه"، الذي في الوصايا وفي أعماله أظهر حقوقه على شعب إسرائيل. فتبدأ الوصايا العشر بمدخل: "أنا هو يهوه إلهك" أعطى الله اسمه ليُعرَف. هذا المدخل يجعلنا نفهم بوضوح أن الوصايا التي تتبع ذلك هي كلها مرتبطة بكشف الله ووحيه لذاته. في خر6/2 وحي الله لاسمه إلى موسى ارتبط مع الوعد الذي سيحققه الله بتخليص الشعب من مصر. في الحقيقة، إن الطبيعة الحقيقية لله ستتضح لأول مرة في تدخله لصالح إسرائيل. عندما عَرَفَ إسرائيل اسم الله، فَهِمَ طبيعة عمل الله الخلاصي وفهم مشروعه الذي يريده لشعبه. إن وعده في الخلاص تحقق بشكل كامل. وتحرَّرَ شعب إسرائيل. إن وضع الصيغة في هذا المكان من القصة توضح خلفية هذا التاريخ من الخلاص لكن وفي الوقت نفسه، ينظر إلى الأمام إلى مرحلة جديدة من العلاقات بين الله وشعبه. الصيغة تشكل مدخلا للوصايا لتوضح أنها تُفهَم كمشيئة الله الذي حرر شعبه من عبودية مصر. لقد عرّف الله نفسه بأنه الله المخلص، وتصرَّفَ مسبقاً بشكل طيب مع إسرائيل. فعطية الوصايا هي عطية الله نفسه ومشيئته القدوسة. والله يكشف عن نفسه لشعبه عندما يعرفه مشيئاته. هكذا فإن النعمة وإحسانات الله، الحب المسبق والحاضر، تستطيع حقيقةً أن تتحول إلى شريعة، وتَقيُّد، وطاعة. "الوصايا العشر" كُلاً واحداً لخير الإنسانية: تؤلف الوصايا العشر كلا لا يتجزأ. وكل "كلمة" (وصية) تُرجع إلى "كلمة" أخرى واليها جميعا؛ وهي مترابطة بعضها ببعض. واللوحان ينير أحدهما الاخر؛ وهما يؤلفان وحدة عضوية. ومخالفة أي وصية مخالفة لها كلها. فلا يمكن إكرام الآخرين دون مباركة الله خالقهم. ولا تمكن عبادة الله دون محبة جميع الناس خلائقه. إن الوصايا العشر توحد حياة الإنسان اللاهوتية-الروحية وحياته الاجتماعية. وتعلمنا، في الوقت ذاته، إنسانية الإنسان الحقيقية. إنها توضح الواجبات الأساسية، وبالتالي، بشكل غير مباشر، الحقوق الأساسية المتصلة بطبيعة الشخص البشري. فالوصايا العشر تحوي تعبيرا مميزا عن "الشريعة الطبيعية" الفطرية الموجودة في كل إنسان. لكن الوصايا العشر، وان كانت في متناول العقل فقد أوحى الله بها. فالبشرية الخاطئة كانت بحاجة إلى هذا الوحي لتبلغ معرفة كاملة وأكيدة لمقتضيات الشريعة الطبيعية: "إن شرحا وافيا للوصايا العشر كان قد أضحى ضروريا في حالة الخطيئة، بسبب إظلام نور العقل وانحراف الإرادة". لأن الوصايا العشر تعبر عن واجبات الإنسان الأساسية تجاه الله وتجاه قريبه فهي تبين في مضمونها الأولي واجبات خطيرة. إنها في جوهرها لا تقبل التغيير، وإلزامها ثابت أبدا وفي كل مكان. وليس في استطاعة أحد أن يعفى منها. لقد حفر الله الوصايا العشر في قلب كل كائن بشري، إنها صوت الضمير الأخلاقي. لذلك فالوصايا العشر هي طريق حياة: "إن أحببت إلهك، وسرت في طريقه، وحفظت وصاياه ورسومه وأحكامه، تحيَ وتكثر" (تث 5/15). الوصية الثامنة، الكذب في المحكمة: إن الشكل الأصلي للوصية يتكلم عن شهادة الزور في المحكمة وهو محفوظ في المقطع خر 20/16: "لا تشهد على قريبك شهادة زور". إنها تحوي مصطلحات تقنية قانونية تعطي بوضوح معناها الأساسي. إن تعبير (شهادة زور)، آتٍ من الخبرة القانونية في إسرائيل والتي كانت مشتركة في كل الشرق الأوسط القديم: شهادة ضد شهادة أمام محكمة من الشيوخ. إن الشاهد يمكن أن يكون صادقا (أمثال 14/25) ويمكن أن يكون كاذبا (خر 19/18؛ أمثال 6/19). أيضا تعبير (تجيب) يعكس محتوىً قانونياً ويؤكد تبادل المداخلات بين الطرفين المتخاصمين. نجد أنفسنا، إذاً، في محكمة والقاضي يستجوب الشهود. والرب يذكرهم أن لا يجيبوا ضد المتهم شهادة مزورة؛ وان لا يصنعوا هكذا تهمة زائفة (عدد 35/30؛ 21صم 12/3)، ربما مستعملين الأيمانات الكاذبة (لا 5/21-26). الكتاب المقدس يسمي هؤلاء الشهود بالكاذبين (خر 19/18)، وبالعنيفين (خر 19/16) وبالمخادعين (أمثال 12/7؛ 14/5) أبناء بليعار (1مل 21/10). انهم مغتصبوا الحق. شعب العهد، لا يشهد كذباً: بما أن القاضي، في الأرض التي أعطيت لهم من قبل الله، يجب أن يعمل "العدالة الدائمة"،لكي يبقى الشعب دوما مستأهل ا لهذه العطية (خر 16/20)، فعليه أن يمنع مثل هؤلاء الشهود الدخول إلى المحكمة دون أن يُكشفوا فلا يُعطى الحكم على أساس شهادة واحد فقط لكن عليه أن يسأل اثنين أو ثلاثة، بحيث يضعهم بتناقض فيما بينهم لاكتشاف الزيف خصوصاً في الحكم بالموت (عدد 35/30؛ خر 19/15-21)،وعند اكتشاف الزور يجب أن لا يبقى شاهد الزور فيما بعد دون جزاء (أمثال 19/5؛ 21/28)، فيوضع المذنب، دون رحمة، إلى شريعة المِثْل، أي يجب التعامل معه مثلما تعامل مع قريبه "اصنعوا به ما فكر أن يفعله بأخيه" (خر 19/19). بينما نقرأ في شريعة حمورابي التي تقول إن شاهد الزور يجب أن يموت، وليس فقط أن يُصنع به ما أراد صنعه لأخيه. إن كثرة تَشَكّي صاحب المزامير (27/12) ضد اتهامات شهود الزور تؤكد انتشار هذه الخطيئة. أخيراً، إن تعبير (القريب) يدل على المواطن الكامل الحرية في شعب العهد. والوصية موجهة أولا لتحفظ الحقوق الأساسية لأعضاء العهد ضد تهديد اتهامات زائفة. لذلك، الوصية الأساسية لا توضح منع عام عن الكذب، لكن تمنع الكذب عندما يصيب القريب مباشرة ويؤذيه. الوصية بعدم الكذب إطلاقاً: أما تعبير خر 5/20، فقد أصبح يعني "شهادة غير مفيدة، بلا أي قيمة" هذا ما يعمّم الوصية من المحكمة للشهادة، إلى الأمور الأكثر وساعية والأكثر روحية. انه يمنع ليس فقط شهادة الزور أمام القضاة لكن أيضا تلك الغير مفيدة، أي التي بدون أي نتيجة قانونية، والتي يصدف أن تصير في العائلة، بين الأصدقاء، في سياق الأمور اليومية البسيطة: "لا تجيب (على السائلين) بشهادة فارغة ضد قريبك". إن شريعة العهد، في خر 23/1 يعبر عنها قائلا: "لا تنقل خبراً كاذبا" عملياً انه يحكم على الـ"يبدو"، والـ"ربما"، والـ"يقال"، والـ"هناك إشاعة تقول"، وهي أمور واردة كثيرا في أحاديث الناس. لذلك الحكيم سيقضي: "لا تشهد على قريبك بلا سبب" (أمثال 24/28). يقول مفسرٌ بهذا الشأن: وُجدَ الكذب "منذ خبث يعقوب (تك 25-30) إلى الأعاجيب الزائفة للملحد الآتي (2تس 2/9)، مرورا بكلمات مجموعة الأنبياء الكذبة (أش 3/2؛ ميخا 3/5-12) وكثير من الكذبة الذين يتشكى منهم أصحاب المزامير والحكماء، فان تاريخ الكتاب المقدس يظهر أمثلة كثيرة من نقص الصدق بين البشر وفي ما بين شعب الله نفسه. انه شر كبير يمكن أن ينسف أساسات العهد نفسه وهي الأمانة والصدق. فالكذب ليس خداع على مستوى الفكر فقط؛ انه عمل انه تهرب، رفض الالتزام في طرق الصدق والرضى، إنها لذلك جحود وكفر في عمقها". والله يكره اللسان الكاذب، هذا الشاهد المخادع (أمثال 6/17). لأنها ضد المحكمة البشرية والإلهية، إنها احتيال ضد العدل البشري والعدل الإلهي (لا 5/21). تنهى الوصية التاسعة عن تمويه الحقيقة في العلاقات بالغير. وهذه الفريضة الأخلاقية ناتجة من دعوة الشعب البار إلى أن يكون شاهدا لإلهه الذي هو الحقيقة ويريد الحقيقة. تعبر انتهاكات الحقيقة بالأقوال أو الأفعال عن رفض الالتزام بالاستقامة الأخلاقية. إنها خيانات للرب أساسية، وبهذا المعنى، إنها تقوض العهد من أساسه. أخلاقيا هذه الوصية تحكم على الكذب الذي يبدأ من المحكمة إلى البيوت وهي تنسف استقامة الإنسان البريء. المسيحي يعيش في الحق، بأقواله وأفعاله: يؤكد العهد القديم أن الله هو مصدر كل حق. وكلامه حق. وشريعته حق. "أمانته إلى جيل فجيل" (مز 119/90. وبما أن الله هو "الصادق" (رو 3/4)، فأعضاء شعبه مدعوون إلى أن يعيشوا في الحق. في يسوع المسيح ظهرت حقيقة الله كاملة. انه الممتلئ نعمة وحقا، انه "نور العالم" (يو 8/12)، انه الحق. كل من يؤمن به لا يمكث في الظلام. وتلميذ يسوع يلبث في كلامه ليعرف الحق الذي يحرر ويقدس. اتِّباع يسوع هو العيش بروح الحق الذي يرسله الآب باسمه، والذي يقود إلى "الحقيقة كلها" (يو 16/13). وقد علّم يسوع تلاميذه محبة الحقيقة على الإطلاق: "ليكن كلامكم: نعم؟ نعم؛ لا؟ لا" (متى 5/37). يَقبل تلميذ المسيح "بالعيش في الحق"، أي في بساطة حياة، تتوافق ومثل الرب، وتبقى في حقيقته: "فان نحن قلنا: إن لنا شركة معه وسلكنا في الظلمة، فإنَّا نكذب ولا نعمل بالحق" (1يو 1/6). إن واجب المسيحيين في المساهمة في حياة الكنيسة يدخلهم إلى السلوك كشهود للإنجيل وللالتزامات التي تنتج من ذلك. وهذه الشهادة هي نقل الإيمان بالأقوال والأفعال. إن تلاميذ المسيح "قد لبسوا الإنسان الجديد الذي خُلِقَ على مثال الله في البر وقداسة الحق" (أف 4/24). "لقد نبذوا الكذب" (أف 4/25)، وعليهم أن يطرحوا كل خبث وكل مكر، وكل أشكال الرئاء والحسد والاغتياب" (1بط 2/1. يتلبَّس الكلام المخالف للحقيقة، عندما يصدر علنا، خطورة خاصة. وهو يصبح أمام المحكمة شهادة زور. وعندما يُسنَد بقسم يصبح حِنثا. وهذه الأنماط في السلوك تساهم إما في الحكم على بريء، وإما في تبرئة مذنب، وإما في زيادة في الحكم الذي يصدره القضاة. احترام سمعة الأشخاص يمنع من كل موقف وكل كلام يمكن أن يسبب لهم ضررا دون حق. يكون مذنبا: -بحكم جائر من يرضى ولو صامتا بحقيقة وجود نقيصة أخلاقية عند القريب دون أساس كاف. -بالنميمة من يكشف عيوب الغير وذنوبه لأشخاص يجهلونها، دون سبب قائم موضوعيا. بالافتراء من يسيء إلى سمعة الآخرين، بكلام مخالف للحقيقة، ويفسح في المجال لأحكام كاذبة عليهم. النميمة والافتراء يهدمان سمعة القريب وشرفه. والشرف هو الشهادة الاجتماعية التي تؤدى للكرامة البشرية، وكل إنسان له حق طبيعي في شرف اسمه، وفي سمعته، وفي الاحترام. وهكذا تسيء النميمة والافتراء إلى فضيلتي العدل والمحبة. المسيحي لا يكذب، ولا يسمع للكاذبين: "الكذب هو قول ما ليس صحيحا بنية الخداع". والرب يشجب في الكذب عملا من أعمال الشيطان: "إن أباكم إبليس (...). انه لا حق فيه: فإذا ما نطق بالكذب، فإنما يتكلم بما عنده، لأنه كذوب وأبو الكذب" (يو 8/44). الكذب هو انتهاك الحقيقة بالوجه الأشد مباشرة. والكذب هو القول أو الفعل خلافا للحقيقة للتضليل. والكذب، بإساءته إلى علاقة الإنسان بالحقيقة وبالقريب، ينتهك علاقة الإنسان وكلامه الأساسية بالرب. تقاس جسامة الكذب بطبيعة الحقيقة التي يشوهها، وظروف من يرتكبه ونياته والأضرار اللاحقة بضحاياه. وإذا كان الكذب في حد ذاته خطيئة خفيفة، فهو يصبح مميتا عندما يلحق أذىً كبيراً بفضيلتي العدل والمحبة. يستدعي الكذب بطبيعته الحكم عليه. فهو تدنيس للكلام الذي مهمته إبلاغ الآخرين الحقيقة المعروفة. والقصد المتعمد لتضليل القريب بأقوال مخالفة للحقيقة هو إساءة إلى العدل والمحبة. وتكون المسؤولية اكبر عندما يكون هناك خطر في أن نية الخداع تؤدي إلى نتائج وخيمة بالنسبة إلى من يصرفون عن الحقيقة. الكذب (بكونه انتهاكا لفضيلة الصدق)، هو عنف حقيقي على الغير. انه يصيبه في إمكانياته بلوغ المعرفة التي هي شرط كل حكم وكل قرار. وهو يحتوي بذار انقسام العقول وكل الشرور التي يسببها. والكذب مضر بكل مجتمع. فهو يهدم الثقة بين الناس ويمزق نسيج العلائق الاجتماعية. الخاتمة: لقد طبع الله عهده في قلوب وضمائر البشر جميعهم عندما أظهر لهم ذاته وارتبط بهم. وعيش الأخلاق المسيحية لا يكون خوفاً ولا جبراً من سلطة عليا أو تنفيذاً لأوامر وقوانين، بل هو فعل محبة وعبادة وشكر لله على عطاياه، يعيش المؤمن حياةً أخلاقية صالحة كردٍ على مبادرات الله المحب، ولا يستطيع الإنسان أن يخرج عن عهد الرب ووصاياه ويحيا، أو أن يُعتبر إنساناً مؤمناً. جاء المسيح المخلص ولم ينقض العهد الأول بل كمّله بموته على الصليب موقّعاً بدمه عهداً جديداً مع شعبه تكون فيه الوصية أن يحب الإنسان الله من كل قلبه وكل نفسه وكل ذهنه. وان يحب القريب كنفسه (متى 22/37-40)، يقول يوحنا البشير: "نحن نعلم أننا انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب اخوتنا. من لا يحب بقي رهن الموت" (1يو 3/14). لذلك لا يؤذي الإنسان أخاه بتشويه الحقيقة وبالكذب عليه وخاصة المسيحي الذي يقول الحقيقة ويعيشها ويعلّمها بكلامه وأفعاله ولا يكذب. لأن المحبة تفترض حتما وجود الصدق في أساس التعامل بين الاخوة وفي المحاكم. هكذا تبني أفعال المسيحي الأخلاقية المؤسسة على حفظ وصايا الله، روحه ومجتمعه. مجتمعه الذي يحتاج دوما لأناس يعيشون عهد الله ويحفظونه في حياتهم. ليحيا بهم مجتمعهم ويرتفع إلى الإنسانية-الإلهية التي أراد الرب بتجسده، أن يمنحها للإنسان أفراد ومجتمعات. المراجع - Emmanuele TESTA, La morale dell`Antico Testamento, Morcelliana, Brescia 1981, pp. 98-100. - Brevard S. CHILDS, Il libro dell'Esodo, commentario critico-teologico, Piemme theologica, Casale Monferrato 1995, pp. 433-434. - "التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية"، المكتبة البولسية - منشورات الرسل، جونية 1999، أنظر: الوصايا العشر. |
||||
05 - 06 - 2014, 03:11 PM | رقم المشاركة : ( 4467 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لا تقتل ... لا تشهد على أحد شهادة زور
بقلم: الأب د. أنطون فرنسيس لا تقتل... لا تشهد على أحد شهادة زور تث 17:5و20 الارتباط بالوصية الأولي: تمنع الوصية الخامسة عن القتل ، والثامنة عن الشهادة زوراً. وترتبط هذه الوصايا بالوصية الأولى الأساسية: "أنا هو الرب إلهك". لأن الله أساس كياننا ومصدر وجودنا. وحياتنا ملك له وحده. فالقتل هو تعدي على الله ذاته. والقتل هنا ليس قتلاً جسدياً فقط، إنما أيضاً القتل المعنوي، وأخطر أشكاله يكمن في الشهادة زوراً. ومنه أيضاً الكلام على سمعة الآخرين ، والقتل اجتماعياً عن طريق الإشاعات. يقتصر مفهوم أغلب الناس لهذه الوصية على تحريم القتل الجسدي، وكذلك الشهادة على القريب زوراً. شهادة الزور على القريب، بالكذب والافتراء، تختلف بالطبع عن شهادة الحق فكما في المحاكم وأمثالها يصير التصريح بالحق عن الغير واجب ضميري حتمي،. وإلا نعرّض آخرين للظلم بسبب صمتنا. يرتفع بنا المسيح إلى روح وكمال الوصية: "سمعتم أنه قيل لآبائكم لا تقتل، فمن يقتل يستوجب حكم القاضي. أما أن فأقول لكم: من غضب على أخيه باطلاً، استوجب حكم القاضي. ومن قال لأخيه: يا أحمق، أستوجب حكم المجلس. ومن قال له: يا جاهل استوجب نار جهنم" (مت 21:5-22). يؤسس المسيح الوصية هنا على كرامة الإنسان الأصلية. وبذلك يرتفع بنا إلى عمق الوصية وروحها. يقوم الخطأ أساساً في المساس بكرامة الإنسان. من هنا كان القتل الجسدي خطيئة جسيمة للغاية، وكذلك كل ضرر نمس هذا الجسد به. لأن كرامة الشخصية الإنسانية هبة وعطية من الله نفسه، الذي خلقه على صورته ومثاله. ما تحرمه الوصية الخامسة: "لا تقتل" 1- الانتحار: يُعتبر الانتحار خطيئة عظمى، لسببين أساسيين: أولاً: حياتي ليست ملكي. فأي تعد على حياتي هو تعد على الله ذاته، لأن حياتي ملك لله وحده. ثانياً: الانتحار أسوأ تعبير عن غياب الإيمان والرجاء والمحبة . عدم إيماني الحقيقي بالله يجعلني أتصرف في حياتي بأسوأ صورة . وعدم الرجاء يفقدني الثقة في الله وحبه ورعايته لي ، وهذا دليل على أنني لا أحب في الحقيقة مَن وهبني الحياة. كانت الكنيسة، ولمدة طويلة، ترفض الصلاة على الشخص المنتحر، ولكنها الآن، ومنذ فترة قصيرة، تسمح بذلك، على أساس أنه بين لحظة الانتحار والموت، يمكن أن يكون الشخص مرّ بالتوبة. 2- الإجهاض: هو قتل إنسان بريء. وللأسف، ينادي الكثيرون بالإجهاض كحل لمشكلة الأسرة، وتزايد السكان، وتحقيق التنمية. لكن كل هذه حلول خاطئة. فلا شيء يمكن أن يبرر قتل حياة، بريئة وضعيفة، لا حول ولا قوة لها، ملك لله وحده. وللأسف، يمارس الكثيرون حتى من المسيحيين الإجهاض بكل بساطة. ودون أن يمثل لهم ذلك أية مشكلة نفسية أو أسرية أو ضميرية. ويُقبل عليه بالأخص مَن وقع في خطأ جنسي محاولاً التخلص من ثمرة الخطأ والخطيئة بجريمة قتل. ويقوم المتزوجون بالإجهاض، بحجة أن الجنين جاء خطأ وبدون رغبة منهما. ولكن الإجهاض ، في جميع الحالات ، جريمة قتل لنفس بريئة ، ومعاندة وتحد لترتيب الله، ولإعلان حبه لنا في منح الحياة. 3- قتل المرضى الميئوس من شفائهم انتشرت الآن فكرة "الموت الرحيم"، أي التعجيل بموت المرضى الميئوس من شفائهم. ولكن لا يحق لأي شخص، مهما كان، أن يُقبل على هذا القتل، حتى لو طلب منه المريض نفسه ذلك. ولا صحة أبداً لمن يزعمون أن هذا العمل عطف على المريض حتى لا يستمر في الألم أو الغيبوبة، فهذا العمل هو دائماً جريمة قتل وهو دليل على غياب الرجاء والإيمان والمحبة الحقيقية. ولا ننسى أن للآلام بركات ونعماً والحمد لله أن الكثير من المرضى والمتألمين، يفهمون معنى الألم ويمجدون الله به. فيصبحوا بركة ومثالاً للآخرين، الذين يمرون بأزمات صحية أو نفسية، أو بمشاكل مختلفة. وإذا كان قتل المريض جريمة كبرى محرمة، فالتعاطف معه واجب ضروري. 4- اللعب بعواطف وأحاسيس الآخرين: أما العبث الوجداني فهو قتل معنوي خطير وخطيئة جسيمة. وهو يكمن في اللعب بالعلاقات العاطفية، نتيجة لسعي الشباب وتنافسهم في الإيقاع بطرف آخر في قصة حب وهمية، يهدف التسلية أو العبث. وعندما يكتشف الطرف البرئ هذه اللعبة، يصاب بجرح قاتل في كرامته وإحساسه وشعوره. فيخرج من هذه التجربة المريرة ، وهو فاقد الثقة في المجتمع ، وفي نفسه ، وأيضاً في القيّم السامية مثل الحب والأخلاق وغيرها. وربما يفكر في الانتقام لنفسه من كل الذين حوله. أما الطرف الآخر المذنب، فهو مجرم في حق الذي انقاد إليه بصدق وسذاجة. ولذلك ندعو الشباب وبالأخص الفتيات، إلى الحرص الشديد في مثل هذه العلاقات. ما تحرمه الوصية الثامنة: لا تشهد على أحد شهادة زور 1- الكذب: الكذب هو إخفاء الحقيقة عمن له الحق في معرفتها. وتوجد حقائق لا يمكن الإعلان عنها، لأنها أسرار أشخاص، سواء كانوا أصدقاء أو غير أصدقاء. لذلك يجب أن نميز بين الشخص الذي له الحق بالفعل أن يعرف حقيقة ما، وبين الشخص الفضولي، الذي يهوى معرفة أسرار الآخرين. ولا ننسى أن كشف السر قد يؤدي إلى موت الشخص، معنوياً وأحياناً جسدياً. 2- الكلام الملتبس: هذا النوع من الكلام يكون أحياناً أخطر من الكذب ، لأنه يؤدي إلى تشويه سمعة الشخص . والكلام الملتبس يؤدي إلى الشك والحيرة تجاه شخص معين ، مما يدفع الناس إلى التعامل معه بأسلوب مختلف ، بينما هو برئ في أغلب الأحيان. وهذه النتائج أكثر من الموت، لأنها تجعل الإنسان في عزلة عن الجماعة. 3- النميمة والافتراء: النميمة هي نقل الأخبار السيئة عن الغير . والافتراء هو اتهام الغير باطلاً بأمور سيئة غير حقيقية . وعادة ما توصل النميمة إلى الافتراء عن طريق المبالغة في الكلام عن شخص ما . ونتيجة ذلك خطيرة ويمكن أن تقتل الشخص معنوياً ، بأن تشوه سمعته وسط المجتمع الذي يعيش فيه . وكثيراً ما نعطي مبرات كاذبة لهذه الخطيئة الكبيرة، ونسميها صراحة أو تقييماً. 4- الدينونة الباطلة: هي الحكم على الآخرين بالسوء، بدون حق أو أساس . وللأسف ، كثيراً ما نتسرع في الحكم على الآخرين أو إدانتهم، حتى في أبسط الأمور. ولكن عندما نقع نحن في أخطاء أكثر منهم، نبحث عن مبررات وأعذار لأنفسنا. ويوصينا السيد المسيح: "لا تدينوا لئلا تدانوا" (مت 1:7). ولا يكتفي المسيح بهذا، بل يرتفع بنا إلى جوهر وروح الوصية فيضع لنا هذه القاعدة الذهبية: "عاملوا الآخرين مثلما تريدون أن يعاملوكم . هذه هي خلاصة الشريعة وتعاليم الأنبياء" (مت12:7). بهذه الوصية يمكننا أن نعيش كمال الوصية الرابعة بروح الفضائل الأساسية : الإيمان والرجاء والمحبة . بالإيمان أنظر لكل شخص لأرى صورة الله فيه . وبالرجاء أعيش الثقة في الله ، الذي يشرق شمسه على الصالحين والأشرار ، وأتذكر في صلاتي كل البعيدين عن الله. وبالمحبة التي أستمدها من الله ، أنطلق لبناء الآخر وليس إلى هدمه . وهكذا نلتقي بالوصية الأولى والأساسية : " أنا هو الرب إلهك". |
||||
05 - 06 - 2014, 03:13 PM | رقم المشاركة : ( 4468 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لاهوت أدبي: الوصية السابعة والعاشرة بقلم: الأب د. أنطون فرنسيس ثالثاً: الوصايا الخاصة بالعلاقة بالقريب في ممتلكاته (2) "لا تسرق ... لا تشته... شيئاً مما لسواك" ( تث 19:5 و 21 ) الارتباط بالوصية الأولى الأساسية: تخص هاتان الوصيتان العلاقة بالقريب في ممتلكاته. تأمر الوصية السابعة: "لا تسرق" (تث 19:5). وتأمر الوصية العاشرة : " لا تشته بيت أحد ولا حقله ، ولا عبده ولا أمته ، ولا ثوره ولا حماره ، ولا شيئاً مما لسواك " (تث 21:5). ترتبط هاتان الوصيتان بالوصية الأولى والأساسية: "أنا هو الرب الهك". وتقومان على الفضائل الثلاث: الإيمان والرجاء والمحبة. فالله هو مبدأ وصاحب ومالك كل خير. لذلك يجب أن أقبل شاكراً وحامداً خيرات الله لي، متكلاً عليه وواثقاً فيه، ومتزايداً في حبه. كما يجب أن أحترم وأراعي وأصون خيرات الغير. ومثلما أنظر إلى إمكانياتي وممتلكاتي أنظر أيضاً إلى ممتلكات الغير وأكون أميناً على خيراتي، وعلى خيرات الآخرين. ويعلن بولس الرسول: "تظلمون وتسلبون حتى الذين هم اخوتكم! أما تعرفون أن الظالمين لا يرثون ملكوت الله ؟ لا تخدعوا أنفسكم ... ولا السارقون ولا الجشعون ... ولا السالبون يرثون ملكوت الله " ( 1كور 10: 8-10). فملكوت الله هو ملكوت المحبة، ولا مكان فيه إلا لمن يعيش في المحبة. كما في الوصايا السابقة، نجد هنا نهياً عن العمل الخارجي، وعن الشهوة الداخلية التي تدفع إلى الفعل الخارجي المضاد لمحبة القريب. الوصية السابعة: السرقة وأنواعها كل ما يتعلق بممتلكات القريب، من أشياء مادية أو معنوية، ليس للإنسان الحق في امتلاكه، وإلا كان ذلك اغتصاباً وسرقة. هكذا مثلاً: - وضع اليد على أملاك الغير. - اغتصاب أموال اليتامى، أو استغلالها، أو سوء إدارتها. - اكتساب ملكية بطريقة غير مشروعة، مثلاً عند الميراث بتزوير المستندات. - ظلم البنات في توزيع الميراث. - الغش في أسعار ومواصفات السلع التجارية. - الغش في مجالات الحياة المختلفة، مثل انتحال شخصية الغير للحصول على المال. - الغش في الامتحانات، فهو سرقة لمجهود الآخرين. - الفشل. - النصب والاحتيال. - الاختلاس. - فرض الإتاوات (إكراميات) لتأدية الأعمال الواجبة. - التهرب من الديون المستحقة. - الرشوة. - التهرب من دفع الضرائب، حتى وإن كانت ظالمة، لأنها تخدم الخير العام. ونحن متضامنون من أجل الخير العام. والتهرب منها يُعتبر سرقة للخير العام. هذه الأنواع كلها وأمثالها، هي تعدي على حقوق القريب المقدسة. وعادة تقود إلى ارتكاب خطايا أخرى، مثل الكذب، والقتل، والانسياق لأنواع كثيرة من الشرور والمفاسد. واجب التعويض يوجد مبدأ لاهوتي يقول : " لا تُغفر الذنوب ، ما لم يُرَد المسلوب " . ودائماً يطلب الكاهن من المعترف أن يعوّض المسلوب ، بصورة وطريقة مناسبة وفعالة. فإذا اعترف الشخص ، وأخذ الحِل من الكاهن ، ولم يعوّض عن المسلوب ، تبقى الخطيئة قائمة . ومبدئياً يجب التعويض للشخص ذاته ، بطريقة تتناسب مع ظروف الاثنين. ويمكن هنا الاسترشاد برأي الكاهن. الوصية العاشرة: اشتهاء خيرات الغير خطايا اشتهاء خيرات الغير اشتهاء خيرات الغير هو الرغبة في حرمانه منها، لنقلها إليّ، أو لإنقاص سعادته، أو لضرره. ويأخذ هذا الاشتهاء صوراً مختلفة، أهمها الحسد والغيرة. الحسد: أتمنى أن يخسر ويفقد القريب ما يتمتع به من خير ... وفي هذا تفكيك لجسد المسيح، الذي نحن كلنا أعضاؤه. الغيرة: النظر إلى خيرات القريب وإلى ظروفه الشخصية، والمادية، والاجتماعية، على أنه لا يستحقها، وأنني أنا أولى بها. عواقب اشتهاء خيرات الغير هذا الاشتهاء يفقدني السلام الداخلي ، لأنه يفقدني القناعة، هذا الكنز الباطن الذي لا يفنى . ومن هنا نفقد علاقة البنوة مع الله ، والأخوة مع اخوتنا . وتكون النتيجة أن يضع فينا الشكر لله على كل ما يعطينا ، وعلى ما نحن عليه، بل قد نتهم الله بعدم العدل، ونعيش في التذمر والمرارة. بهاتين الوصيتين يريدنا الله أن نكون أمناء فيما يخص الأشياء ، لنكون أمناء مع الأشخاص . إنه يدعونا أن نعيش في وعي وتمييز للصح والخطأ . ويوجههنا إلى أن نرتفع إلى عمق روح الوصايا ، وبالفضائل الثلاث . بالإيمان أنظر إلى خيرات الغير ، في ضوء ارتباطي بالله . وبالرجاء أنال الهدوء الداخلي ، والثقة في الله، الذي ينعم على كل واحد بالخيرات . وبالمحبة أرفع قلبي بالشكر لله ، وأفرح بكل خير لي وللغير. بالإيمان والرجاء والمحبة ، أتعامل بأمانة مع الأشخاص ومع الأشياء . وأعيش بالقناعة والرضى والشكر التي بها أشهد عن حبي وحمدي لله. خاتمة عامة لموضوع الوصايا يتضح لنا من كل ما سبق ، أن حرفية الوصايا ليست إلا سبيلاً إلى الارتقاء إلى روحها ، الذي يشركني في صداقة وحب الله ، فيكون هو الأول والآخر. وبهذا أستطيع أن أعيش وأحقق كياني وكرامتي وسعادتي ، كما أرادني الله ، انساناً مخلوقاً على صورة الله ومثاله، متمتعاً بحرية وحب داخلي . ومن يحاول تحقيق إنسانيته ، يحقق صورة الله فيه . ولقد علّم أباء الكنيسة أن " مجد الله هو الإنسان الحي"، متى حقق صورة الله فيه. حبي لله وللقريب ، هو الذي يرفعني إلى روح الوصايا ، لأنها تجعلنا في ارتباط به هو المبدأ ، وباتجاه دائم إليه، هو الغاية . عندما أفهم وأعيش روح الشريعة والوصايا ، أحقق إنسانيتي على أكمل صورة . وعندئذ أعيش السعادة الحقيقية الباقية ، لا السعادة الزائفة . والهناء الحقيقي هو في العمل بكلمة الله ، لا في امتلاك خيرات الأرض والتمتع بملذات الجسد. يخبرنا الإنجيل أن امرأة من الجموع رفعت صوتها ، وهتفت ليسوع : "هنيئاً للمرأة التي ولدتك وأرضعتك . فقال يسوع : بل هنيئاً لمن يسمع كلام الله ويعمل به" (لو 27:11-28). بالسمع والعمل بكلام الله ، يتحقق ملكوت الله على الأرض . لذلك يعلن يسوع هناء من يسمع ويعمل . ولا تكتمل سعادة الإنسان إلا بالعمل من أجل سعادة الآخرين . لأن الأسرة ، أسرة أبناء الله ، لا تكون سعيدة إلا معاً ، في الرب. الحياة بروح الوصايا هي حقاً الأسلوب الأمثل للشهادة لله الخالق والآب الحنون، وللمسيح المخلّص، الذي تجلى فيه حب الله بأكمل صورة. من أجل هذا أعطى الله الوصايا. "والآن... ما الذي يطلبه منك الرب الهك، إلا أن تخافه، وتسلك في كل طرقه ، وتحبه وتعبده ، بكل قلبك وكل نفسك وتعمل بوصاياه وسننه ، التي أنا آمرك بها اليوم لخيرك" (تث 12:10-13). وأكد لنا المسيح أن قمة الارتقاء إلى روح الوصايا هو المشاركة مع الله المحبة ، بحياة المحبة ، فيدعونا (مت 34:22-40): "أحب الرب الهك بكل قلبك ، وبكل نفسك ، وبكل عقلك": هذه هي الوصية الأولى والعظمى. " والوصية الثاني مثلها : أحب قريبك مثلما تحب نفسك " . " وعلى هاتين الوصيتين تقوم الشريعة كلها وتعاليم الأنبياء " . |
||||
05 - 06 - 2014, 03:14 PM | رقم المشاركة : ( 4469 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
طريق الشهوات وعواقبه
بسم الاب والابن والروح القدوس الاله الواحد آمين طريق الشهوات وعواقبه "كل الأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن" (جا1: 7) + نرى من خبرة سليمان في طريق الشهوات المادية، والتي انغمس فيها فترة من الزمن قبل أن يملَها ويزهد فيها أنها لا تُشبع النفس أبداً. وقال صراحة: "العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتليء من السمع" (جا1: 8) + وهو درس عملي لكل انسان يجهل تلك الحقيقة، أو يحاول أن يتجاهلها، أو ينساها، أو يتناساها، وهي أن الإنحراف وراء القلب، والفكر، والذهن الفاسد، تكون نتائجه الخطيرة على الجسد والنفس والروح،ويقود إلى تقصير العمر، والموت المبكر، كما يقول الملك المختبر: "لماذا تموت (أيها الشرير) في غير وقتك" (جا7: 17). "سنو الأشرار (أعمارهم) تقصُر" (أم10: 27). + وإذا كان الأمر كذلك، فلماذا لا يعي الشباب هذه الحقائق؟ ويعيشون بذهن أحمق؟! ولماذا يتركون الطريق المستقيم القصير؟! + إنها بدون شك إغراءات عدو الخير، الذي يثير الغرائز، ويفتح له الإنسان الأحمق قلبه وعقله، ليستمع إلى دعوته للذة الفاسدة. وينسى أنه "هيكل مقدس، لسُكنى روح الله القدوس" (1كو6: 19). + وقد أباد الله شعوباً وأمماً وثنية كثيرة، بسبب دنسها وعاداتها الوثنية الفاسدة جداً، وعاقب اليهود كثيراً. + وحالياً يسود مرض "الإيدز" الذي يفتك بالملايين في عالم اليوم المشبع بالعلاقات الجسدية النجسة، بدون ضوابط. + وقد نصح القديس بولس تلميذه الشاب الأسقف "تيموثاوس" بالهرب من الشهوات الشبابية، والسلوك في طريق الفضائل الإيجابية (1تي6: 11). + وعلى المؤمن أن يمتليء بالروح القدس، بوسائط الخلاص، وسوف ينعم بفضيلة "العفة" التي هي احدى ثمار الروح (غل5: 23) وسيكون مع البتوليين والأطهار، في ملكوت الله العظيم. + ولنأخذ الدرس العملي من يوسف العفيف البار، ومن خبرة سليمان الحكيم (راجع سفر الجامعة). __________________ بالحكمة يبني البيت وبالفهم يثبت |
||||
05 - 06 - 2014, 03:16 PM | رقم المشاركة : ( 4470 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الوصايا العشر والوصية الجديدة الأب منير سقّال مقدمـة شرائع لنحب : إن الوصايا العشركما يُقال بأسلوب غير دقيق ، شرعة شعب الله ، أهملت في تعليم الكنيسة الأولى ، لتعبر عن انفصالها عن الهيكل . أربعة قرون تنقضي على هذا المنوال تفقد فيها الخُلُقيّة المسيحية جذورها القديمة وتتغذى من زهرة الخطبة على الجبل ، ولا سيما من التطويبات . بيد أن المانويين ( أتباع ماني 216 - 277) يغالون حقاً عندما يتجرأون في القرن الرابع ، فيعلّمون بأن العهد القديم بأكمله هو من عمل الشيطان . يقوم القديس أغوسطينوس بردّة فعل إذ يُدخل الوصايا العشر في التعليم الخُلُقي لطلاب التعليم المسيحي وللمؤمنين . كان تأثيره كبيراً جداً إلى درجة أنه ضمن " للوصايا العشر " نجاحاً على مدى خمسة عشر قرناً ، أيّده مجمع ترانت . واتخذه أكبر اللاهوتيين وأصغر تلامذة التعليم المسيحي أساساً لتعليقاتهم . والبالغون " الذين سبقوا وتعلموا الاعتراف " كانوا يجدون فيه إطاراً لفحص ضميرهم ولشكاواهم : " الوصية الأولى الوصية الثانية " لكن بعد مدة وجيزة ، كان السقوط العنيف لهذا المدّ الأقصى الطويل: هبوط قيمة الوصايا ، وتضخم المحبة غالباً ما ننفر من "الوصايا " إذ نعتبرها مغالية في السلبية ، محطّة ، غير كاملة ، وتستغل في شريعة الحب في العهد الجديد . " أحبب وافعل ما تشاء " هذا الشعار المخالف للرأي العام هو من القديس أغوسطينوس بالذات الذي عاد فأحيا الوصايا العشر في القرن الرابع. وفي الواقع ، هل تكمن روح الإنجيل في إحلال حب القريب محل الشريعة القديمة ؟ هذا الاعتقاد هو تنكر لهذا وذاك من العهدين اللذين هما في تكامل كطابقين في منـزل واحد . في العهد الجديد ، لم تُرم " الوصية " جانباً ، بل بالعكس فهي تبدو دائماً ، في المقام الأول . يذكّر الرب ويتمسك بكل ما علّمه كلام الله قبل مجيئه . يفعل ذلك ، حقاً ، مميزاً بعناية بين الكتاب المُوحى ، الحازم والمحرّر وبين " تقاليد الناس " الذي غذته طفيليات من الممارسات المفرطة الدقة والمرهقة . يفعله أيضاً طارحاً أكثر فأكثر سلطته المحضة ، لا ليُلغي الشريعة القديمة ، بل بالعكس ليرفعها إلى ذروة كمالها ( متى 5/17-19 ) . لم يُلغ الرب المبادئ الطبيعية في الشريعة ، بل نشرها وكمّلها ، هكذا ، كل مرة ، الشريعة القديمة هي موضوع تعمق رائع ، لكن ليست موضوع إلغاء ، حتى أنها ليست موضوع إبدال بأخرى ، وهي بالأحرى ليست موضوعاً نقيضاً . ما كان العهد القديم قط ليقول ، في أي مكان ، ببغض الأعداء . كان هذا تأويلاً مدعاة للشك بقدر ما كان? رسمياً . وعندما كان يسوع يدعو سامعيه إلى الاقتداء بالله الذي يسخو على أعدائه كما على أصدقائه ، لم يكن يقوم إلا باستعادة الشريعة الأساسية للعهد القديم بأجمعه : أن نكون قديسين لأن الله قدوس ، أن نكون قديسين كما الله قدوس . كلمات الميثاق العشر إن الوصايا العشر ، في ذروة كمالها ، هي المحظور الذي عليه يبنى شعب الله وبالتالي ، كل كنيسة مسيحية . لأنها في مصدرها ، مرتبطة بالخروج من مصر ، وبالتالي بالتحرر ، بالفداء، بالميثاق بين الله والبشر ، وبالخلاص في يسوع المسيح . لنُعد قراءة سفر الخروج ، فصل 19: ظهر الله ، إذ ذاك ، في غمامة على جبل سيناء . " ثم تكلم الله بجميع هذا الكلام قائلاً : - أنا الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من دار العبودية - لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي - لا تصنع لك منحوتاً ولا صورة شيء مما في السماء من فوق ولا مما في الأرض من أسفل - لا تحلف باسم الرب إلهك باطلاً - أذكر يوم السبت لتقدسه - أكرم أباك وأمك - لا تقتل- لا تزن- لا تسرق - لا تشهد على قريبك شهادة زور - لا تشته شيئاً يخصّ قريبك " ( خر 20/1 _ 17 ) هذه الكلمات العشر هي خاتمة العهد في إطار الخروج ، إنها انطلاقاً من مصدرها ودورها ، في صلب إيمان إسرائيل وحياته ، كما في صلب الكنيسة المسيحية : الميثاق الذي عليه أُسس تاريخ التحرر والخلاص . ويجب أن تُفهم على أنها " الحريات العشر الكبيرة " . الوصايا العشر التي أُنشئت بدراية ،تقدّم للعالم الحديث معنى لا ينضب ، لم يكن الإنجيل إلا ليعكسه ويتوسع فيه . احفظ الوصايا " الكلمة صار جسداً وحلّ بيننا " لا ليحمل لنا خُلُقية ، بل ليحمل لنا الخلاص إنه لمن الخطأ أن نشير إلى أن الرب يعرض الوصايا للتصفية . لقد جاء ليعلن الغفران ، لا لينكر الخطيئة . جاء ليبشر بالرحمة ، لا ليلغي الشريعة . في الحقيقة ، إنه يهاجم بعنف الكتبة والفريسيين الذين يُرهقون الشعب الصغير بتقاليد بشرية ، ولكنه يلومهم على مخالفة وصايا الله ( متى 15/1 - 19 ) . إنه يضطلع بكلمات العهد العشر ، لأنه جاء خاصة ليكمّل العهد ويخلّده . إن عمل المسيح لا يُبطل الوصايا ، كما قيل غالباً ، وهو لا يقوم حتى في بناء خُلُقية أرقى ، بل في صقلها روحياً وتقديمها للجميع : موته وقيامته " ينشران روحه على كل جسد " ( رسل 2/17 ) روح حياة ، روح حب . الروح بالذات الذي يحفز إلى أن نحيا المسيح ونحبه . إن الوصايا هي شرائع أجل إنما لكي نحب ولا ندع أحداً خارج الدائرة حيث الحب والمشاركة ، تكبر السعادة عندما تكون المشاركة ، تصبح نعيم الله بالذات عندما نعطي كل شيء ، مثل الذي كان " الإنسان من أجل الآخرين " ، المسيح . لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي ( الوصايا الثلاثة الأولى ) واحدة ، اثنان ، أو عشرة : في زمن يسوع كان هناك تياران يتنازعان المُنظّرين الخُلُقيين الفريسيين : مدرسة هلّيل التي كانت تنادي بشرح ملطّف للشريعة ، ومدرسة شمعي التي كانت تتشبّث بتقيّد صارم . يُحكى بأن وثنياً أراد أن يعتنق الديانة اليهودية ، ولكن اشترط أن تعرض له الشريعة اليهودية بكاملها خلال المدة التي يمكنه أن يقضيها واقفاً متوازناً على ساق واحدة . شمعي المتشدد ضربه بمسطرته وطرده فوراً خارجاً. أما هلّيل المتسامح فرفع التحدي بدعة واختصر الشريعة كلّها بكلمة : " أحبب قريبك " . هذا ما يلائمنا تماماً . عصرنا عصر السرعة ، لقد أوجزنا الكتب في " ملّخصات " ، وموضوعات المجلات في " مختصرات " . أتُراها السرعة نفسها - أم الكسل - هي التي تردّ اليوم طوعاً أوامر الله والكنيسة كلّها ، والشريعة والخلقية ، إلى هذه الكلمة الفريدة : الحبّ . ثمة أكثر من أسلوب . لأن الرب لا يعارض ذلك ، بل بالعكس. فللمشترع الذي يسأله لينصب له شركاً: - يا معلم ، ما الوصية العظمى في التوراة ؟ قال يسوع ( مستشهداً بتثنية الاشتراع ) : " أحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل فكرك . هذه هي الوصية العظمى والأولى. والثانية التي تشبهها : أحبب قريبك حبّك لنفسك . وبهاتين الوصيتين تختصر التوراة كلها والأنبياء " ( متى 22/33 _ 40 ) . هكذا ثـبّت يسوع المركز ، بؤرة الوصايا العشر . فالعقدة التي تشدّ في حزمة واحدة الخلقية الإنسانية والمسيحية كلّها ، هي إذاً " أحبب ". ولكن عندما نختصر الكلمات العشر ( الوصايا ) في واحدة ، " الوصية الكبرى " ، لا تصل إلى واحدة أو عشرة ، بل إلى اثنتين ، وكون الثانية عظيمة وهامة شأن الأولى، فالاثنتان تصبحان إذ ذاك غير منفصلتين . موجز القول ، " البرهان يتسع " على أننا نحب الله ، قائم في المحبة التي نكنّها لاخوتنا . فالوصية الأولى تتحقق في التقيّد بالثانية " المماثلة لها " . إن الرب يضع حداً لأوهامنا ، عندما يطلب كدليل منا على حبنا له ، الحب المحسوس تجاه الآخرين . علامة حبّ الله الذي لا نرى ، هي في حب اخوتنا الذين نرى . علامة اكتمال الوصية الأولى في قلوبنا تظهر في ممارسة التسع الأخرى حيث خمس منها تردّنا إلى احترام القريب وحبّه ( 1 يو 4/12 ، 16 ، 20 - 21 ) . يقدم الكتاب الوصايا في لوحتين يتضمن كلّ منها خمساً . الأولى تورد النقاط الأساسية في موقفنا إزاء الله ، والأخيرة تشير إلى واجباتنا تجاه القريب . والرب سيرجع اللوحتين إلى وصيتين ، وما هذا إلا ليوحدهما أو على الأقل ليضعهما في مرتبة واحدة : الوصية الثانية مماثلة للأولى من جهة أخرى ، فالوصية الخامسة هي كالمركز حيث تلتحم الوصايا ، لأن الراحة الأسبوعية هي ، في الوقت عينه ، تقديس لله واستراحة للإنسان من أعماله . ملاحظة : في ممارسة التعليم المسيحي في كنيستنا ، ترقيم الكلمات العشر أو تقطيعها لم يكن دائماً التقطيع المتبع في الكتاب . هكذا جمع القديس أغوسطينوس الوصيتين الأوليتين في واحدة وجزّأ إلى اثنتين الوصية الأخيرة . فضلاً عن مسودة قديمة من الوصايا العشر في سفر الخروج 34/14-16 ، وصلنا النص الموحى للكلمات العشر ، في تعابير مماثلة من خلال تقليدين مختلفين : خروج 20/2-17 وتثنية الاشتراع 5/6-21 . الوصايا العشر هي ذاتها فيهما وحسب الترتيب نفسه ) . " أنا هو إلهك الذي انتشلك من العبودية " " أنا يهوه ، إلهك ، الذي أخرجك من أرض مصر ، من دار العبودية ( تث 5/6 ) . هكذا تبدأ ما سميت بـ " الوصايا العشر " . لنلاحظنّ ذلك جيداً : هذه الكلمات الأولى لا " تأمر " بشيء . واحد يتقدم فيقول " أنا " صوت شخص . ويستشهد ، لا بسلطانه ، ولا بحقوقه ، ولكن بحبه المعلن ، بصوت صارخ : " أنا يهوه إلهك الذي أخرجك من أرض مصر من دار العبودية " . يهوه لا يقدّم نفسه هنا بما هو عليه ، بل بما صنع ويريد أن يصنع أيضاً لأجل شعبه ولأجلنا . إنه يُدعى بالاسم الحقيقي الذي به ظهر لموسى في العليقة الملتهبة : يهوه: " أنا هو " و" سأكون [ معك ، قربك ، لأجلك ] . اسم الله هذا ، هو هكذا مرتبط إلى الأبد بحدث الخروج : " أنا يهوه ، إلهك الذي أخرجك من أرض مصر " ، عمل محرر ، مخلص ، فادِ . بعد هذه المقدمة ، ما يطلب تالياً ، " الأنت " الذي سيفتح كلاً من الكلمات العشر والذي سيقوم بداهة في علاقة عهد ، في حوار حب معقود في التاريخ الإنساني بحدث ، هو زواج ، هو " أنا " و " أنت " في حنوّ أبدي. هذا " الأنا " الذي يستدعي " حبه " ، هذا " الأنا " الذي يخاطب " الأنت " بحنوّ حميم ، هذا " الأنا " الذي يُدعى يهوه " سأكون معك " يمكنه أن يلفظ الكلمات العشر . عندما نعرف أننا محبوبون، يمكننا أن نسمع كل شيء ولا نطلب إلاّ أن نقول نعم . وبالمقابل ، عندما نحبّ ، باستطاعتنا أن نسأل كل شيء ، لأننا فضلاً عن كوننا لا نؤخذ بتجربة الغلوّ ، فإننا لا نسأل إلاّ خير الذي أو التي أو الذين نحبهم . كذلك لا نخف من هذا " الأنت " مهما كان قاطعاً : إنّ له حدّ الحب الملزم . وعليك أن تسمع ملء رجاء بهيج ، هذه الكلمات العشر الآمرة التي يوجهها الله بذاته ، اليوم وأبداً ، إلى كلّ واحد شخصياً ، إذن ، إليك " أنت " الآن ، لأنه يحبك . " لا يكن لك " كلمات الرجاء العشر " " لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي " ، هذه هي الوصية الأولى . إنها تقع كحظر . لقد صدم البعض حقاً من الصياغة السلبية للكلمات العشر كلّها ، ما عدا اثنتين ، تعبّـر بـ " لن يكون? لك " ، مما يظهر الحريات العشر كمحظورات . يبدو للكثيرين أن الأوامر الإيجابية قد تكون أكثر إنجيلية وأكثر ديبلوماسية تجاهنا ، وهي بالتالي تطبّق بفرح أوفر . ليس هذا إلاّ شعوراً خالياً من التفكير . عظة يسوع على الجبل لا تخلو من المحظورات : " لا تحلف لا تمارس ديانتك لتجذب أنظار الناس لا تطنّ بكرمك لا تكونوا كالمرائين لا تكنـزوا كنوزاً على الأرض لا تخافوا لا تدينوا ( متى 5،7 ) . الصيغة السلبية التي ليست ، إلى كلّ هذا ، إلا اختياراً لشكل لغوي ، هي جارحة ، إنما ليس لها مدلول آخر سوى الصيغة الإيجابية التي تعني : " اترك لقريبك حياته وسمعته وزوجته أو زوجها ومحفظته " . إن الوصايا في نواهيها هي أساساً ناموس محرّر ، بسياقها التاريخي في الخروج من العبوديّـة ، بعهد الحب الذي هي شرعته ، وبمضمونها المؤنسن . إن الوصايا هي " الناموس الكامل " الذي عليه تكلمت رسالة القديس يعقوب : " أيها الأخوة ، كونوا عاملين بالكلمة لا سامعين لها فقط فتغرّوا أنفسكم فمن يتطلع في الناموس الكامل ، ناموس الحرية ويستمرّ عليه ، لا كمن يسمع ثم ينسى بل كمن يمارس العمل ، فهذا يكون سعيداً في عمله " ( يع 1/22 _ 25 ) . نقطة تكاد تمر دون أن تُلحظ . فالوصايا في نصّها الأصلي ، ليست موضوعة بصيغة الأمر : " لا تقتل لا تسرق " لكن بصيغة المستقبل : " لن يكون لك آلهة أخرى لن تقتل " . إن الكلمات العشر هي شرعة للمستقبل ، لذلك فإننا نؤّديها عادة بصيغة المستقبل : " لن يكون لك آلهة أخرى تجاهي " . " لا آلهة أخرى تجاهي " لا يعطينا سفر التكوين قط فكرة مجردة عن الإنسان ، بل يظهره بجسمه ، بكيانه ، في علاقته بالله ، بهذا الإله الذي يعلن صورته في الإنسان ، وهكذا يتيح لنا أن نكتشف إلهنا انطلاقاً من الإنسان صورته ، وبالأكثر ، في علاقته الأبوية معه هذا الإنسان ، مع شعبه الذي حرّره ، وأخيراً مع البشرية جمعاء . لأن العهد لا يبدأ مع إسرائيل إلا ليمتدّ إلى كل الأمم . مذاك ، دون أن يؤكد الله بأنّـه الأوحد ، فهو يستعمل لغة العهد : " أنا يهوه ، إلهك ، لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي " ( تث 5/6 _ 7 ) . كما في الأعراس الأرضية، عندما يضع كلّ من الخطيبين الخاتم في إصبعه ، يتبادلان ضمناً هذا الكلام : " أنا زوجك? أنا زوجتك لا يكن لك زوج سواي " . ها هما شريكان في الحياة والموت ، دون أن يتمكن أحد من التسرّب كثالث إلى هذا الحب " الزوجي " المتبادل . فالله هو إذن " إلهنا " إلى الأبد . الله الذي ارتبط بنا ولن ينفصل عنا ، الله الذي تعرّض للشبهة معنا والذي يُرفض غالباً بسببنا ، هذا الإله _ " إلهك " _ لن يتراجع . ولكنه يدعونا إلى التجاوب ، إلى الحب المطلق ، إلى الأمانة الخالصة: " لا يكن لك آلهة أخرى تجاهي " . نحن مدعوون أبداً إلى تجديد العهد الذي لا يمكن أن يحله شيء ، لا الموت ولا الحياة ، عهد لا يمكن أن ينوب عنه شيء لأنه خالق الحياة والحرية ، والسعادة والأبدية ، لا يمكن أن ينوب عنه شيء بالنسبة إليه وإلينا لأنه عهد حب . اسم الله بقدر ما نتقدم ، تتمحور الوصايا حول الله . الوصية الأولى موجهة إلى الخارج ، إنها تحذّر من الهرب بعيداً عن الله ، إلى آلهة أخرى ، إلى آلهة مزيّـفة ، تلك التي نستعيرها من الوثنيين أو نصوغها مثلهم . لكلّ عصر آلهته. الوصية الثانية تدين ممارسة ، ليست هي ابتعاداً عن الله الحقيقي ، إنما هي بالعكس عمل مباشر عليه وضدّه: تدنيه إلى صورة منحوتة ، تزييف الكلام اللامنظور الذي أوحي به ، تجاهل صورة الله في كلّ إنسان . وإليك أيضاً ما هو أخطر : الاستعمال الكاذب أو السيئ أو المدنّس ، لا للصورة المزيّفة ، بل للاسم ، أعني لشخص الرب أو يسوع بالذات . وهنا تدخل الوصية الثالثة : " لا تنطق باسم الرب إلهك باطلاً لأنّ الرب لا يزكّي من ينطق باسمه باطلاً "( تث 5/11). في التعدي على اسم الله ، المستعمل " زوراً " يتجاسر الإنسان على أن يحاول ، بشيء من الوعي ، الاستيلاء عليه واستعماله ، استعباده واستخدامه ، وضع اليد عليه ليصنع منه ما يشاء . أيها الآب ، إجعلنا متألقين بك إن الوصية الثالثة لا تدعنا في طمأنينتنا : إنها تُلزمنا بأن نُساعد أقصى ما يُستطاع لمجد الله . وبما أننا نحن أبناء وبنات الله المعتمدون ، فإن تصرفنا هو الذي سيحفز إلى التجديف عليه أو التعرّف إليه : يقول لنا يسوع : " أنتم نور العالم " ( متى 5/14- 16 ) . فأفكارنا وأقوالنا هي إذن مرآة القداسة الإلهية وحب الآب . " ومهما أخذتم فيه من قول أو فعل ، فليكن الكل باسم الرب يسوع المسيح شاكرين به الله الآب " ( قول 3/17) . من اللوح الأول إلى اللوح الثاني في البدء خلق الله السماء والأرض باركهما وقال لهما : " انميا واكثرا ، املأا الأرض وأخضعاها " (تك 1 ) . قبل الكلمات العشر بزمن بعيد ، هذه هي الكلمة الوحيدة ، كلمة الخالق الأولى للإنسان خليقته : " انميا " . وبهذه الكلمة ، لا يمكنك إلا أن تشعر بأنك معنيّ شخصياً : أنت مدين لها بالحياة ، لقد خلقتك ، وهي تخلقك في كل آن ، وستخلقك إلى الأبد . بها خلاصنا الأول ، لأنها تنشلنا من موت الأموات هذا الذي هو العدم الأصلي حيث كنّا ، لولاها ، مكثنا إلى الأبد . ولكن ألا يُهان الإنسان ويُستغل ويُسلب ويُقتل من قبل أناس آخرين ؟ أجل ، ومن أجل ذلك ، تدفقت كلمات " اللوح الثاني " من الشريعة ، من فم الخالق بالذات : " لا ترتكب قتلاً وزنىً وسرقةً وكذباً " وقبل هذا : " أكرم أباك وأمّك كما أمرك الربّ إلهك لكي تطول أيامك وتصيب خيراً في الأرض التي يعطيك الربّ إلهك " ( تث 5/16 ) . هذه الوصية الخامسة هي التي تنقلنا من اللوح الأول إلى اللوح الثاني من الشريعة الإلهية . أو بالأحرى هي التي تربطهما الواحد بالآخر . أكرم أباك وأمك منذ الفعل الأول ، فعل الخلاص الدائم ، خلق إله الحب الرجل والمرأة وأوكل إليهما هذه المهمة : " إنميا " ، فالخالق يشرك الوالدين بقدرته في الحياة والحب : يجعل الإنسان أباً وأماً ويقضي بأنه ، بدونهما ، لن يكون أولاد ولن يكون شعب الله ، حيث أن حياة كل كائن بشري تنبثق من حب الله كما من منبعها ، ولكنها بالضرورة أيضاً من اتحاد الوالدين ، من إرادتهما ومن حبهما . لذلك في الوقت نفسه الذي تعبد فيه خالقك ، " أكرم أباك وأمك " : إنهما ، معه ،" علّة وجودك " . بدون والديك ، لا الخلق ولا الخلاص يعنيانك . في تصميمه، أرادهما الله قريبين منه غاية القرب. إن تميّـزهما عنه ، فلا يمكنك أن تفصلهما عنه في الإقرار بجميلهما واحترامك لهما . نلاحظ أن اللوح الثاني من الشريعة ، الذي يلفتنا إلى القريب ، يجد هنا مفصلة تصلنا باللوح الأول ، بالله . إذا كنت لا أستطيع أن أسعى إلى والديّ دون أن أتجه صوب الله ، إذا كنت لا أستطيع أن أمسهما دون أن أمسّ الله ، ما الأمر الكبير الذي يجب أن أستشعره في وحي هذه الوصية الإيجابية : " أكرمهما " ؟ . الأهمية أولاً هي أهميتك أنت ، لأنك تعتقد نفسك ذا أهمية ، وأنت على حق . ولكن ، بفضلهما ، أنت في الوجود . أية كانت منزلتهما ، حتى مهما كانا غير مؤهلين ، فهما اللذان أعطياك الحياة . وإليك يعود بأن يقر العالم والله نفسه بفضلهما إلى الأبد . الأهمية أيضاً ، أنهما في انتظار أن تتـزوج وتصبح مثلهما أباً وأماً هما " قريبك " الأول . الأهمية أخيراً في أنهما صورة الله ثلاث مرات : - ككائنات بشرية خُلقت على مثال الله . - كزوجين متحابين أصبحا " ثالوثاً " في ولدهما بعطاء حبّهما المتبادل . - كوالدين أخيراً مُشاركين في قدرة الخالق ومكلّلين ببريق من مجده . وبما أن الوالدين هما فعلاً ، مع الله ، صانعا أولادهما ، فعلى هؤلاء أن يعترفوا ، أقله لوقت ما ، بسلطتهما ، هذا يعني أن السلطة تتجذّر في سر الحياة وفي سر الحب . والسلطة هي حكمة الله المُعارة للوالدين من أجل نموّ أولادهم الجسدي والنفسي والديني والثقافي . فالسلطة هي إذن حبّ وخدمة وواجب ، أكثر منها حق وبما أنها تُمارس على إنسان حر ، فهي تتلاشى وتتراجع بقدر ما تثبت حرية الابن . وتسقط ، في النهاية كمشد لا فائدة منه ، وكقالب لم تعد ثـمّة حاجة إليه . أخيراً ، إن السلطة محبوبة إجمالاً ، - شرط ألا يساء استعمال النفوذ لأنها حب . فيجب أن يُـجاب عنها بطاعة حب . يُحبّ الولد أن يطيع والدين يرى فيهما سلطة الله ، إذا ما نسيا ذاتهما وما عرفا إلا الحب ، كما الله . وهكذا في المحبة ، السلطة والحرية تتعانقان . بيد أن الوصية الخامسة هي على غرار التسع الأخرى ، كلمة حرية . فهي تدين إذن الوالدين الظالمين الذين يكون مسكنهم " بيت العبودية " . فإن الوصية الخامسة ، كونها كلمة حرية ، فهي لا تُغلق أمام الأجيال الجديدة سبل الابتكار والخلق والتجديد والتقدم ، دون أن ينسوا أن العالم بدأ قبلهم ، وأنهم ، بالعكس ، محمولون على أكتاف أجدادهم . "لا تقتل " لا تقتل أبداً إنساناً الحياة ؟ ما الحياة ؟ لم يستطع أحد أن يحدّدها ، بيد أن الناس كلهم يحدسون بما هي . كل إنسان يُدرك ظواهرها : يولد ، يتغذى ، يكبر ، يتحرك ، يشعر ، يلد عند الاقتضاء ، يحمل ثمراً ، يشيخ وأخيراً يموت . فالإنسان والحيوان والنبات يعيشون . لكن هنا لا نتكلمنّ على احترام حياة الكائنات إجمالاً ، بل على الحياة البشرية . بهائم ونباتات خلقت من أجل الإنسان ، من أجل بهجة الإنسان ورفاهيته . الحياة البشرية هي شيء مطلق وقيمة القيم ، لأن الإنسان وحده هو شخص بين أحياء هذه الأرض ، هو صورة الله ، عاقل وحر ومُحب وخالد . ولذلك ولاّه الخالق ليكون مدّبراً وسيداً على الحيوانات التي هي دون حياته . إن الوصية السادسة تشجب الموت الذي يسببه فرد في عمل عنف أو ثأر أو عدالة خاصة ، أو تهاون بالغ ، إنها تنكر القتل ، أياً كان ، الذي يهدد حياة شعب الله الاجتماعية . هكذا تُصان حياة " القريب " ضد كل اعتداء خاص . إنها تحرم القتل ، أعني كما يقول القديس توما ، " القتل الإرادي لبريء " . لماذا لأن الحياة البشرية هي أساس كل الخيور ، والمصدر والشرط الضروريان في كل نشاط بشري وكل مشاركة اجتماعية . ولأن كل إنسان هو مساو لكل إنسان. أيّ مواطن عادي لا يمكنه أن يعزو إلى نفسه حق الحياة والموت على الآخرين ، إلا إذا اعتبر نفسه الإله الخالق الذي يُحيي ويُميت ، أو ممثله في المجتمع . وأخيراً ، لأن كل إنسان يحرص حرصاً شديداً على حياته بالذات وعن حق فهو لا يُعذر إذا ما اعتدى على حياة أخيه بالدم، حياة ذاته الأخرى في الإنسانية ، والتي هي قريبه أياً كان . إلى ذلك ، يحدس المؤمن ، تجاه حياة نظيره ، بسر مقدس ذي مصدر إلهي . يعرف أن كل إنسان يأتي من الله ويعود إلى الله ، في ساعة الله الذي هو وحده ربّ الحياة والموت . وأنه في اختصاره حياة شبيهه ، إنما " يقلّد الله " في عملية اغتصاب وتحدّ . أخيراً ، يعرف المسيحي أيضاً أن دماً بشرياً يجري ، منذ ألفي سنة ، في عروق الله. إن الله حقاً ، ارتمى معنا في كفّة الميزان حتى يأخذ كلّ إنسان من بعدُ وزن الله . من يجرؤ على إراقة الدم الإلهي ؟ لقد قال الإنسان _ الإله : " كل ما صنعتم هذا إلى أحد اخوتي الأصغرين هؤلاء فإليّ صنعتموه " ( متى 25/40 ) . فقتل إنسان بريء ، هو قتل المسيح . " لا تزن .الزواج ، هذا السر العظيم " " أيها المعلم ، لقد فاجأنا هذه المرأة متلبسة بجريمة الزنى ، ونحن نعلم أن موسى في شريعته يأمر برجم نساء كهذه ، وأنت ماذا تقول ؟ ينتصب يسوع ويقول : من منكم بدون خطيئة ، فليقذفها بالحجر الأول (يو 8/2 ) . هاهم يقعون أسرى لعبتهم. على الأخص أسرى كلام الله العذب والخالي من الشفقة ، كلهم يختفون على أصابع أرجلهم . وتبقى المتهمة ، وحدها ، خائرة القوى، قال لها يسوع : يا امرأة ، أين هم ؟ لم يدنك أحد ؟ - لا أحد، يا رب حسناً، أنا أيضاً لا أدينك ، اذهبي ولا تخطئي بعد الآن . هكذا مرة أخرى ، يرد يسوع الشريعة الموسوية إلى العهد القديم ، ويُبقي للعهد الجديد كلمات العهد العشر . يظل على مسافة من موسى ورجمه ، بينما بقوله " لا تخطئي بعد الآن " يتمسك بالوصية السابعة من الوصايا العشر ويثبتها : " لا ترتكب زنى " ( تث 5/18 ) ، هناك "الخطيئة الصغرى "، الشراهة ، ثم وعلى الأخص ، إنها " الخطيئة الشنيعة " كما كان يقال في القرن السابع عشر ، وحتى بكل بساطة وبحرف كبير " الخطيئة " وكل ما تبقى ليس سوى زلات . فالمقصود ، الدنس عامة والزنى على الأخص . ليس من قبيل الصدفة أن تكون هذه الوصية السابعة " لا تقترف زنى " ملحقة بتلك التي تحرّم القتل . فالكائن البشري المتزوج يدمر قرينه ، عندما يستسلم لعلاقة أخرى ، وإن بطريقة عابرة . الجحود من قبل المارق نوع من قتل الله . معه ، كانت هناك خطيئتان أخريان في الكنيسة الأولى ، تبعدان عن الافخارستيا : القتل والزنى . بيد أن الإيضاحات الأخرى في الكتاب المقدس المتعلقة بالجنس تشهد بوفرة أن هذا المحظور الأكبر يتوسع لدى كل علاقة جنسية فاسدة : ارتكاب المحارم ، لواط ، علاقة بين إنسان وحيوان ( أح 18 ، خصوصاً 6- 7 ، 21- 23 ، و20/10- 21 ) . أما فيما يتعلق بالزنى ، فهو مُدان على الأخص ، بتحريم الدعارة ، في مواعظ الأنبياء ولا سيما في قرارات حكماء إسرائيل . إن التفسير الشامل الذي أعطاه العهد الجديد للوصية السابعة من الوصايا العشر ، لا يضيف شيئاً، كما يُتهم أحياناً بذلك . فهو يبقى أحياناً لتقليد كتابي طويل نابع من كلام العهد " لا تقترف زنى ". والتعليم المسيحي التقليدي في الكنيسة كان صدى العهدين في إسهابه في تحريم الزنى بهذه العبارات : " ولا تقترف زنى لا بالفعل ولا بالرضى لا تركن إلى شهوة الجسد إلا في الزواج . " إن تكن حاجة لتأكيد ذلك ، فها هي الرسالة إلى العبرانيين : " ليكن الزواج مكرّماً في كل شيء ، والمضجع طاهراً ، فإن الزناة والفسّاق سيدينهم الله " ( عب 13/4 ) . الزواج عظيم جداً -غاية في العظمة الزوجان والعائلة صدرا عن الله ، بالنسبة إلى الذين لا يؤمنون بذلك وإلى الذين يؤمنون ، لأن الزواج هو ، كالإنسان نفسه ، امتداد لسر الله بالذات ، ووسيلة لنقله . لكن هذا السر هو الحب . ولا سعادة إلا إذا أَحببنا وأُحببنا . وبما أن كل شيء به كُوّن ، فكيف نريد أن يخلق الأشياء إلا على صورته ومثاله ؟ نستنتج أن كل شيء خُلق عن حب ، كل شيء خُلق عائلة ، كما أن الله " عائلة " . هكذا يكون الزوجان ، حتى في اللذين يجهلون ذلك ، سر الله الذي يمكن أن يكشفه بملئه الإيمان وحده ، والذي وحدها كنيسة يسوع المسيح تحتفل به كما هو لا شيء يمكن أن يفصلنا : ولأن الله حب ، عقد الثالوث " ميثاقاً " مع البشرية : " أتزوجك إلى الأبد . " يقول الرب ، أتزوجك في الحب والحنان ، أتزوجك في الأمانة، فتعرفين الله " ( هو 2/21-22) . لنفهم ذلك : في تجسده اقترن الابن بالبشرية ، ترك أباه واتخذ الطبيعة البشرية ، وإذا بالله والإنسان في جسد واحد ، جسد يسوع الناصري ، هذا الجسد المولود من مريم العذراء. هكذا ، حياة الله كلها ، تنتقل إلينا بيسوع المسيح. حياتنا كلها ، وقد تطهّرت وتبدلت، تمر بيسوع المسيح إلى الله . بين زوجين ، كلّ شيء مشترك . والحال أن الله تزوج البشرية بيسوع المسيح . كلّ شيء إذن مشترك بين الله والبشر . هذا هو العرس الأمثل ، عرس الله والبشر بتجسد ابنه . هذا هو الزواج المثالي . زواج نهائي ، زواج حب ولا أغنى ؛ لأجل عروسه ، سلّم الابن نفسه إلى الموت . وهكذا ، يطلب الرب ، بواسطة كنيسته ، أن يقبل رجال ونساء يهبون ذواتهم الواحد للآخر في الحب مدى الحياة ، أن يقبلوا شرف ونعمة عهد المسيح وكنيسته ، فيعيشون ويشهدون له ويكونون " سره " أي علامة حسية يراها الجميع . لنعد قراءة الفصل 5 من القديس متى . من خلال الآيات 17- 48 يرسم يسوع عالياً ، في مطلق الله ، خط القمة للزواج ، لكن أيضاً وبالقدر نفسه ، لعدد من المثاليات الأخرى . إن تصريحات يسوع السامية تُقوي وتُرقّي ستّ نقاط اختارها كلها على أنها أساسية وجعلها في مستوى واحد وعالجها في النص ، وفاقاً للتصوّر ذاته: " ما جئت لأبطل الشريعة اليهودية ، بل بالعكس لأرفعها إلى كمالها / يجب أن تمتنع لا عن القتل فحسب، بل حتى عن الغضب / لا عن الزنى فحسب ، بل حتى عن الشهوة الباطنية / لا عن الطلاق وفاقاً للقوانين فحسب ، بل عن الطلاق إطلاقاً / لا عن القسم بالباطل فحسب ، بل عن كل قسم / ينبغي أن تمتنع لا عن الانتقام "المعتدل" فحسب ، بل عن كل انتقام بتاتاً / لا أن تحب قريبك فقط ، بل أن تحب حتى عدوك لا تزن فالجسد ليس مادة حتى للّذة . الجسد هو شخص لم يُعدّ ليتلذّذ اعتباطياً لا على حساب نفسه ولا حساب الآخرين. لا يمكن أن يقدّم ذاته جنسياً . لا يمكن أن يهب نفسه وأن يُقتبل كالشخص عينه ، إلا في حب نهائي في مؤسسة الزواج الأساسية والعامة . إن الاتحاد الجسدي لا يمكن أن يعني خارج الزواج ما يمثّله حقيقة : حب متبادل ، ثابت ، أمين ، مطلق ، وخصب . الحب والمسافة كل امرأة وكل رجل هما ، بالنسبة إلى كل كائن بشري جدير بهذا الاسم ، أخت وأخ. وعندما يولد الحب بين كائنين يُكمّل أحدهما الآخر ، فهو يبدأ في أن يخلق ، مع الحنان ، مسافة الاحترام والإعحاب . وحدها هذه المسافة تتيح أن نرى في الحبيب أو الحبيبة شخصاً روحانياً ، لا موضوع استيلاء غريزي . في الحب الحقيقي ، الروحي يتغلب على الجسدي: الجسد هو جزء من القلب . أن نطلب إلى شبان ، حتى إلى خاطبين ، ألاّ يمارسوا علاقات جنسية قبل الزواج ، فهذا يعني أننا نشير عليهم بأن يكوّنوا أنفسهم ، بادئ بدء ، أشخاصاً ، وأن يتبادلوا هذا الاحترام وهذا التحفظ كضمانة بأن الشريك ليس مرغوباً أو مستهلكاً لإشباع الشهوات ، إنّما مُقتبل ككائن رائع تجدر التضحية بكلّ شيء لأجله . آنئذ ينال كلّ حظّه في أن يصبح للآخر مصدر ابتهاج وإبداع ، حتى وإن حالت الظروف يوماً دون اتحاد الجسدين . لا تسرق - " سلب - خطف - " كلام لأجل الحرّية كلمات تقربنا من هذا المصراع الثامن ، مصراع الوصايا القديمة . " لا تسرق " ، هكذا كان يعبّر منذ عهد قريب عمّا يُسمى " الوصية السابعة " ، ولكن هذه الـ " لا تسرق " تحتفظ لنا بمفاجأة مزدوجة . الأولى ، وهي الصغرى ، أن هذه الوصية هي في الكتاب المقدس الثامنة لا السابعة . أما الثانية ، وهي الكبرى ، فهي لا تقصد القول " لا تقترف سرقة " ، بل : " لا تمارس الاغتصاب " ( تث 5/19 ) . " فالاغتصاب " هو حقاً سرقة ، إنما سرقة إنسان . هذه العبارة تشير إلى كل خطف لشخص أو احتجازه _ حتى في حال رضاه إن كان قاصراً _ لأي غرض كان : إستعباد اقتصادي ، شبع جنسي ، استثمار تجاري ، أخذه كرهينة ، ثأر أو انتقام هكذا نجد أن الوصايا الخمس الأخيرة تحافظ على الحقوق الأساسية للشخص البشري : حياة ، زواج ، حرية ، كرامة ، وملكية. حقاً ، إن كلمات العهد العشر تثبت كأنها الشرعة العالمية لحقوق الإنسان . مع الحرية في الوسط لأنها تتضمن وتشترط الأخرى كلها. لا تشهد زوراً من شهادة الزور إلى الكذب " لا تشهد على قريبك شهادة زور " ( خر 20/16 ) ، إن تلك الوصية تستوجب على الأخص مخافة الله . من هنا أهمية كلام رسمي لله ، في الوصايا ، ضد الألسنة الخبيثة . في الحقيقة ، إن شرف " المتّهم " وثروته وسلامته الجسدية وأحياناً حياته كانت تتوقف على الشهادة الصادقة أو الكاذبة . كان الخطر يُهدّد حقوقه الأساسية التي تضمنها الوصايا السابقة : " لا تقتل ، لا تزن ، لا تسرق " فالهدف الأول ، و " رأس " الوصية التاسعة هو إذن : " لا تشهد شهادة زور أمام العدالة " . لكن ، كيف باستطاعة من استحوذت عليه آفة الكذب في حياته العادية ، أن يكون صادقاً أمام المحاكم ؟ لمن الضروري إذن القضاء على الكذب من أي جهة كان . فحظر شهادة الزور يجب أن يفهم إذن كحظر من كل كذبة . كما يجب أن يقوم وفاق دائم بين الكلام والقلب. في المقاضاة بالتأكيد ، لكن بادئ بدء ، في العلاقات البشرية جميعها: العلاقات مع الله الذي يشيح عن شعب يكرمه بالشفاه بينما قلبه بعيد عنه ( اش 29/13 ) العلاقات مع الأخوة حيث كل كلام هو شهادة، وكل كذبة هي شهادة باطلة . كلمة العهد التاسعة هذه ، تستهدف دائرة الصدق والكذب . فشاهد الزور في المحكمة هو كاذب مؤهّل ومحلّف ، لكن كل كاذب هو شاهد زور لفكره وللحقيقة في يوميات علائقه البشرية . من هنا الصياغة المسهبة التي يعرض بها هذه الوصية سفر تثنية الاشتراع : " لا تشهد على صاحبك شهادة زور " ( تث 5/20 ) ، هكذا، كل كلام أو تصرف كاذب ، تحرّمه طبيعة الإنسان الاجتماعية ، وأعلى محكمة في العالم ، في سيناء : - لأنه إذلال للشخص الذي يُفكر بشيء ويصرّح بنقيضه - لأنه استعمال شنيع للسّان وللجسد اللذين هما أصلاً آلتا علاقة فاعلة - لأنه ، من هذا المنطلق ، هو دائماً خدعة " ضد القريب " وربما شهادة زور - وأخيراً ، لأنه ، بالنسبة إلى المؤمن ، نقيض " شيم " إلهه الذي هو حق وأمانة . شهادة الزور هي المثل الحسي الأكثر بشاعة للكذب ، فضلاً عن أن الكذب هو أصلاً شهادة باطلة . ما هو مُدان في هذا المجال إذن ، هو حصراً التحريف في أي كلام : أي الكذب في أي زيّ تقنّع. كذلك " إن الشفاه الكذوبة يمقتها الرب " ( مثل 12/22 ) ، لأنها تقوّض أُسس العهد بالذات : من يكذب مع البشر يكذب مع الله . إلى ذلك ، من يكذب مع البشر فهو كذوب أساساً مع إله العهد ، لأنه يزرع الفساد والفرقة في هذا الشعب الذي اختاره الله عروساً له . فالعهد إلهي ، والكذبة شيطانية . العهد حياة ، والكذبة مميتة . والمسيح هو الذي يفضح آفة الكذب الشيطانية والقاتلة. يرمز إليها في سفر التكوين " بالحية " الأكثر احتيالاً من الحيوانات كلها ، تلك التي خدعت حواء وآدم ( تك 3/13) فالكذوب هو ابن الشيطان ويتهيأ ليشاركه مصيره . " لا تشهد ضد قريبك -لا تدن " إن الوصية التاسعة تنحاز بحزم إلى جانب قريبنا : " لا شهادة كاذبة ضد قريبك " . سمعته وكرامته تُعدّان من أثمن ما يملك . إنهما أثمن من ماله ، بل غالباً أثمن من حياته ، لأن البعض يؤثرون الانتحار على فقدان ماء الوجه . وبالتالي ، لا شيء عرضة للعطب أكثر من الكرامة التي تتيح للشخص أن يعيش مرفوع الجبين . فشبهة مشهورة ، وبالتالي ظالمة ، تكفي لتلطّخ الكرامة وتهدّمها فوراً . إنها عود الثقاب الملقى دون اكتراث في مستودع العلف اليابس، إنها عقب السيجارة في الحصاد الجاف : تعلّق النار وتمتدّ في تأكيد راسخ، وتنتشر شائعةً وخبراً وتشكيكاً? إذا كان " التصريح " كاذباً ، فهو نميمة ، وإذا كان صادقاً ، فهو اغتياب . وفي كلتا الحالتين " هو شهادة ضد القريب " . إن الله يُحرّم اغتياب الغير حتى وإن عرفناه مجرماً ، فكم بالأحرى إذا كنا نجهل أو التقطناه عن طريق السماع فقط . حتى وإن كنتَ واثقاً من الوقائع ، فاحتفظ بها لنفسك ، وإلا فأنت تتصرف كجان . من غير الجائز إطلاقاً أن نسلب إنساناً شرفه وسمعته ? وبالنتيجة إذا ما وافاك ثرثار يغتاب الغير باتهامات ، كلّمه بقساوة وجهاً إلى وجه، واجعله يحمّر خجلاً . وهكذا ، أكثر من واحد يمسك لسانه بدلاً من أن يرمي الناس المساكين بذمّ يصعب عليهم جداً الإبدال منه . لأن الكرامة والصيت الطـيّب سرعان ما يُسلبان ، ولكن استردادهما لا يحصل بيسر . عليّ إذاً أن أصون لساني . هذا اللسان الذي يدعوه الكتاب سمّاً ، وموسى حادة ، وبلية ، وناراً وحساماً وسهماً ? حتى أتيقن أني لا أجرح ولا أقتل عندما أغتاب، عليّ أن أتريث قبل الكلام، فأطرح على نفسي ثلاثة أسئلة : 1- هل صحيح ما يُشاع ؟وإذا لم يكن إلا نميمة ؟ هل تقدّر دمارات النميمة ؟ 2- إذا كان صحيحاً ، أيمكنني أن أنطق بما أعرف ؟ كل الناس يقولون ذلك ، ولكن هذا لا يدل على أنه صحيح. 3- هل لي الحق في أن أرهف السمع للإصغاء ؟ هل يمكنني ضميرياً ، مع الحفاظ على كرامتي ، أن أكون المغسلة حيث يمكن أن يتقيأ النمّامون والمغتابون ؟ إن النجاح التعيس الذي تصادفه ألسنة الأفاعي يعود إلى كونها تجد فيضاً من الآذان التي تجامل . " لا تشته مقتنى قريبك " سمعتم ما قيل : " لا تزن " . أما أنا فأقول لكم : من نظر إلى امرأة نظرة هوى فبها في قلبه زنى ( متى 5/27- 28 ) . كيف يحدد الإنسان في ذاته نقطة الحرج حيث النظرة تلهب الشهوة ؟ ها نحن إزاء وصية مفخخة ، وصية " مستحيلة " . " النظر برغبة " لا يعني " المراقبة " أو حتى " الإعجاب " ولا حتى " الاشتهاء " بمعنى الرغبة العفوية . لماذا لنا الحق - بل علينا الواجب في أن نمجد الله لأجل مخلوقاته الجميلة نجوم ، ازاهر ، بحر ، جبال ، حيوانات بينما نرانا ملزمين بأن نشيح بقرف ، حالما نصادف مخلوقات تجمّل كغيرها مشاهد الطبيعة ؟ لمن المهم أن ندرك هذه المقارنة ، الفرق الذي يميّز ، في اللغة الكتابية وفي التقويم الأدبي ، " الرغبة " عن " الاشتهاء " : الرغبة يمكن أن تظل في حيّز الفكر ، أما الاشتهاء فهو في حيّز الفعل ، يقول الكتاب: " ينظر الله إلى القلب " ، إنما القلب الذي يفيض أعمالاً . ليس من يقول يا رب يا رب هو الذي يثير اهتمام الله ، إنما ذاك الذي يكمّل إرادة الآب . الفعل وإنجازه هذان هما ثمرتا القلب اللتان ينظر إليهما الله . كذلك ، إن الاشتهاء ليس فكراً بسيطاً ورغبة سطحية ، إنه الرغبة التي تباشر العمل ، الرغبة التي تتلذّذ والتي ، إذا أمكن ، تشهر سلاحها وتخرج إلى الحرب . اشتهى في الكتاب المقدس ، لا تتضمن فقط تنبّه الرغبة، بل أيضاً الطرق العملية التي تقود إلى امتلاك الشيء المُشتهى . هكذا ، لا تشير الوصية العاشرة إلى الرغبة الباطنية في المقتنيات الخاصة بالقريب فحسب ، إنما إلى مكائد فعالة للاستيلاء عليها : " لا تشته زوجة صاحبك ، ولا تشته بيته ولا حقله ولا عبده ولا أمته ولا ثوره ولا حماره ولا شيئاً مما لصاحبك " (تث 5/21) . اللغة الكتابية هي أيضاً لغة الواقع : فالكلمة العاشرة في الوصايا لا تشير إلى الأفكار الشريرة ، إلى مشاعر الغيرة ، إلى الرغبات غير الفعّالة ، إلى تراخ في الإرادة دون قرار . إنها تدين أعمالاً ، وتدين رغبات قيد التنفيذ ، وتدين مكائد للاستيلاء عل ما نشتهي . لنكرّر بصدد هذه الوصية الأخيرة : بين أشخاص ، الوجود هو أساساً في العلاقة بالآخرين ، وليس في حالات النفس . فالكلمات العشر لا تكترث قط بما نفكر ، أو نتخيّل ، أو نحسّ ، إنما على الأخصّ ، بسلوكنا تجاه الله وتجاه أخوتنا . في هذا يتجلى قلبنا . وهكذا تجمع الوصايا العشر كل خُلُقية العهد في خط متعرج ضخم ينطلق من الله المنقذ ، من اسمه وصورته ، وينتقل إلى الوالدين " الخالقين " معه ، فإلى البشر لأخوتنا ، لينتهي بقريبنا ، مشدداً على هذا " القريب " . " ومن هو قريبي ؟ " ( لو 10/29 ) ، " وإذا نزل بكم غريب في أرضكم فلا تهضموه . وليكن عندكم الغريب الدخيل فيما بينكم كالصريح منكم وكنفسك تحبّه ، لأنكم كنتم غرباء في أرض مصر . أنا الرب إلهكم " ( أح 19/33 - 34 ) . من الوصايا إلى التطويبات من موسى إلى يسوع بعد أن نجا شعب الله من العبودية ، بلغ أخيراً أرض الميعاد ، بعد أربعين سنة في الصحراء . فذكّره موسى باحتفال ، وهو على فراش الموت ، بكلمات العهد العشر . ونقل موسى للمرة الأخيرة ، ما يريد أن يصنعه الرب لشعبه : " يقيم لك الرب إلهك نبياً من بينكم من اخوتك مثلي له تسمعون " ( تث 18/17 ? 18/15). توالت العصور ، وبقي الانتظار ولم يخدع . هوذا موسى الجديد على سيناء الجديدة : يخبر الإنجيلي مرقس ( 9/2 ? 7 ) " بأن يسوع أخذ ، على حدة ، بطرس ويعقوب ويوحنا فأصعدهم جبلاً عالياً، وتجلى قدامهم وصارت ثيابه تلمع بيضاء جداً كالثلج حتى لا يستطيع قصّار على الأرض أن يبيّض مثلها . وتراءى لهم ( نبيّا سيناء ) موسى وايليا، وكانا يخاطبان يسوع " كانا يتكلمان على خروجه الذي كان مزمعاً أن يتممه في أورشليم " ( لو 9/31 ) . فظهر غمام ظلّلهم وانطلق صوت من الغمام يقول : هذا هو ابني الحبيب ، فله اسمعوا". ومن بعد العنصرة ، تذكر بطرس ذلك وهو يخاطب اليهود عند " رواق سليمان " ، فقال كلاماً مقارباً : " ألا توبوا ، وعودوا ، تمح خطاياكم ، فينعم الرب عليكم بأوقات فرج ، ويرسل من أعد لكم : المسيح يسوع فموسى قد قال : " سيقيم لكم الرب إلهكم من بين اخوتكم نبياً مثلي فله اسمعوا في كل ما يقول لكم " ( رسل 3/19 ? 22 . ولكن بماذا يكلّمهم ؟ شريعة جديدة ؟ لا . وهل ثمة أوضح من جوابه للشاب الغني ؟ " إذا أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا. و ما هي ؟ لا تقتل ، لا تزن ، لا تسرق ، لا تشهد بالزور ، أكرم أباك وأمك ، أخيراً ، أحبب قريبك كنفسك " ( متى 19/17 ? 19 ). إنه إذا يؤيد الوصايا العشر . ولكن وصايا الحب والتحرر هذه ، سوف يدفع بها إلى أقصى حدودها ، يحملها إلى كامل علوها ، " يتممها " ، يكملها بملئها . " يتممها " هو نفسه أولاً ، في حياته الخاصة ، وفي موته بالذات . على جبل التجلي ، وسيكون هذا الحب " شريعة " الجلجلة . علينا أن نتبعه ، حاملين كل يوم صليبنا . فثقله حبّ هو ، غير أن حمله يؤمن السعادة لأن ملكوت الله في يسوع المسيح القائم من الموت قريب جداً . لنسمع الابن الحبيب ، موسى جديد ، أعظم من موسى الكليم ، مشترع قداسة أكمل ، " صعد يسوع إلى الجبل ، جلس . فتح فاه " ماذا قال ؟ بدأ يبشّر بالتطويبات . ينادي مخلصنا بالطوبى ، ولكن ليست أية طوبى كانت . لا يجب أن تعرض المسيحية وكأنها تعزية مبتذلة ، ولكن كترقّ للإنسان. المسيحية هي دعوة للعيش كأبناء الله ، بقبول الحالة البشرية بملئها كما هي . ما الذي يخلق سعادة الله ؟ هل نحن ، نعم أم لا ، أبناء وبنات هذا الإله ؟ طوبى لكم ، أيها الفقراء قال يسوع : " طوبى للفقراء " . فالفقراء هم " الفقراء " مهما يبدو ذلك مذهلاً . الفقراء الحقيقيون ، الضعفاء مادياً ، الناس الصغار الذين هم بحاجة أحياناً إلى الضروري . ليس لأنهم ، اضطراراً ، أفضل من الآخرين ، بل لأن الله، الذي هو حب ورحمة ، هو " ببساطة " حامي الذين يتألمون مما يجعل عدالته المختلفة كلياً عن عدالة البشر موضع شبهة . فالله ليس مديناً بشيء للفقراء . ولكن عليه أن يكون لذاته : ذاك الذي يقف إلى جانب الضعفاء والمتواضعين . ولكن ، ليس الإنجيل هو البشرى السعيدة التي يتحتم على الفقراء قبولها كالشمس أو كالمطر . الرب يدعوهم ليقبلوها في باطنهم : طوبى للفقراء بالروح ، طوبى للذين روحهم روح الفقير . لأنه لا يكفي أن نملك جيوباً وخزانات فارغة لنكون كاملي السعادة بطوبى الإنجيل هذه : على الروح القدس أيضاً أن يلقي نوره على القيم الصحيحة والباطلة ، فيوقظ إذ ذاك التجرد الداخلي ، والفرح في العوز والتخلي الواثق قدام الله. طوبى إذن للذين ، بواسطة الروح القدس ، أرادوا الفقر ، مثل القديس بولس " لأجل الملكوت " : ما كان لي ربحاً عددته خسراناً من أجل المسيح " ( فل 3/7 ? 11 ) . الفقر بالروح يعني إذن السعي إلى " الحاجة الفعلية " ، أو على الأقل القبول الإرادي بها بفرح . طوبى للودعاء هذه الطوبى أخذت من المزمور 36/11 الذي هو أفضل تحليل لها . الوداعة ، كالفقر ، هي استعداد داخلي يبدل ، إذا كان حقيقياً ، السلوك الشخصي والوضع في المجتمع ، فهو أساساً التخلي عن كل حق خاص عندما نكون وحيدين في المعترك . " سمعتم أنه قيل : عين بعين ، وسن بسن ، أما أنا فأقول لكم لا تقاموا الشرير . من لطم خدّك الأيمن فأدر له الآخر ( متى 5/38 ? 41 ) . أهو موقف ضعف ؟ حاول فترى أنك بحاجة إلى قوة إلهية في موقف كهذا . هكذا كان موقف يسوع " العبد المتألم الوديع والمتواضع القلب وديع ، راكباً على جحش " (متى 21/9) فوداعته لا تقف عند حدود الدماثة ، ونبذ العنف ، بل تكمن في عزمه على معاناة العنف إلى أقصى الحدود بدلاً من ممارسته . وهكذا انتصر عليه وتخطى التصعيد الأرعن الذي يدفع الناس إلى التقاتل . يسوع يحمل صليباً ساحقاً ، ولكنه يقدم نفسه أيضاً ليحمل أثقالنا " تعالوا إليّ يا جميع المتعبين وأنا أريحكم " ( متى 11/28 ? 30 ) . الودعاء الذين يقتدون بيسوع يملكون الأرض ، يرثونها كأبناء مثل الابن . فالأرض هي أرض الميعاد . ولكن الآباء الأولين فهموا أن أرض الميعاد الحقيقية لم ترسم في جغرافيا معينة ، بل هي " أحد ما " ( عب 11/8 ? 6 ) . وهكذا نلتقي ملكوت الطوبى الأولى: " الميراث " وموضوعه الملكوت ، الحياة الأبدية ، أي الله بشخصه . " أما أختار الله مساكين هذا العالم ، وهم أغنياء في الإيمان وورثة للملكوت الذي وعد به الذين يحبونه ؟" ( يع 2/5 ). طوبى للحزانى لنعتد قراءة الكلمات على حقيقتها . وإلا ، فإن كل نصّ يعني قول كل شيء ، أو بالأحرى لا يعني شيئاً . الطوبى الثالثة ليست للمكروبين بوجه العموم ، بل للذين يبكون ميتاً ، " للحزانى " . لا نقصد إذن حالة نعتنقها، كالفقر الباطني أو وداعة القلب ، بل المقصود هو هذه التجربة بالذات التي يغرق فيها كل منّا عاجلاً أم آجلاً : الحزن . فالغني والفقير كلاهما ليسا بمأمن من الحزن . والحال ، أن الحزن بالنسبة إلى الجميع ، هو خلاص جذري فيه يجدون نور الحقيقة ، وبالتالي سعادتها . حقيقة الموت هي بطلان هذه الحياة وخداع السرابات الأرضية. هذا لأن حقيقة الموت ، بيسوع المسيح ، لا تؤدي إلى العدم ، ولكن إلى الملكوت . تؤدي إلى تعزية يسوع المخلص بقوة قيامته . لاحظوا الأوقات الثلاثة المتسلسلة في الإنجيل : موت دموع، قيامة . في الحزن كل شيء ينهار ، ما عدا يسوع المسيح الذي يقول " لا " للنعوش وللمقابر، " لا " للحسرات التي لا نهاية لها. أن أرفض معرفة شيء عن سعادة موتاي ، أفلا أكون قابعاً بأنانيتي في التمرد أو في الحزن ؟ هل أبلغت تعزية الإنجيل إلى الذين كانوا يبكون من حولي ؟ طوبى للجياع " طوبى لكم أيها الجياع الآن : فإنكم ستشبعون " ( لو 6/ 21 ) . يعيد لوقا في لمحة أليمة مميزة ، طوبى الفقراء مادياً ، ليعلن أن الفراغ في معدتهم مرحلي ، وان مآسي هذا العالم مرحلية كذلك . لكن هذا الواقع يجب التوقف عنده بادئ بدء ? لا يجرد هذه الطوبى من مداها الرمزي : " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ، بل بكل كلمة تخرج من فم الله " ( تث 8/3 ) . كلمة من الرب ، وقد قالها الحبيب بصوته ، تعلن وتعد اللقاء : " كما يشتاق الأيل إلى مجاري المياه ، كذلك تشتاق نفسي إليك يا الله " ( مز 42/2 ) . كما في طوبى الفقراء ، |
||||