22 - 05 - 2014, 07:08 PM | رقم المشاركة : ( 4391 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أنا لا أعلم كيف أستطيع أن أخدم الله كثيراً ما سمعنا هذه العبارة تتردد " أنا لا أعلم كيف أستطيع أن أخدم الله " و كأننا نظرنا حولنا فوجدنا العالم كله يعيش في مخافة الرب ومحبته , وها هى الخطية والخطاة وكأنهم قد اختفوا فجأة من الحياة و الكل يحيا بلا هموم في ظل النعمة " ما أغرب هذه العبارة ! " فكل مكان من حولنا ملآن بمن يحتاجون الله , ما أكثر هؤلاء ! فلا تنخدع من العدو الذي يريد أن يضيع عليك الوقت والفرص لتعمل في ملكوت الله . فالله يريد أن يرسلك لتكون من الفعلة المخلصين فلا تتردد . |
||||
22 - 05 - 2014, 07:11 PM | رقم المشاركة : ( 4392 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أنا ذاتي .. في ( مت 25) يشبه الرب يسوع نفسه بالعريس والمؤمنين بالعذارى .. ويقول الرسول بولس في ( 2كو11) خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح .. أكثر شيء يهم الخطيبين أو العروسين هو تكريس مشاعرهم الواحد للآخر .. قال الرب يسوع له كل المجد في ( يو 17 ) " من أجلهم أقدس "أخصص أو أكرس" أنا ذاتي .. " فعلينا ككنيسة خطيبته الآن وعروسته في المستقبل .. وأيضاً عليَّ وعليك كأفراد وكأعضاء في الجسد الواحد أن نكرس كل مشاعرنا له .. فلا يميل قلبك وراء آخر سواه .. ولا تفعل أي أمر تعرف أنه قد يحزن قلبه أو يجرح مشاعره.. تحبه من كل قلبك .. من ناحية هو سبق وفعل ذلك لأجلك .. ومن ناحية أخرى هو يليق به ويستحق ذلك . |
||||
22 - 05 - 2014, 07:13 PM | رقم المشاركة : ( 4393 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الأولى في حياتي إن أول كل الوصايا وأعظم كل الوصايا هي تحب الرب إلهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل قدرتك.. المفتاح في هذه الوصية والذي أعطاها الأهمية وجعلها أول الوصايا هو: كلمة " كل " التي تعني محور الحياة، وأن يكون قلبي ونفسي وفكري وقدرتي ملك لربي وإلهي فأعرف أن أحب قريبي مثل محبته هو لي. كلمة " كل " تعني أن تصبح هذه العلاقة هي الأولى في حياتي والتي تنبع منها كل العلاقات. |
||||
27 - 05 - 2014, 06:05 PM | رقم المشاركة : ( 4394 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
انت الهي لا سواك
من يكون امامي دوما ليقودني وليرشدني من يكون خلفي دوما ليصونني وليحميني من يكون فوقي دوما ليفيض بروحه عليً من يكون في قلبي دوما لينيرني وليهديني غيرك انت يا الهي انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك من اختارني من انا في احشاء امي لاكون من خاصته من رعاني ويرعاني دوما من طفولتي حتى مشيبي من يبحبني لشخصي فقط من دون اي مصلحة من ضحى بنفسه لاجلي كي اخلص واتحرر غيرك انت يا الهي انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك من يفرح لفرحي ومن يحزن لحزني من يرثي لضعفي ومن يبكي لبكائي من يحس بالمي ومن يئن لائنيني من يشاطرني افراحي ومعي في مرضي غيرك انت يا الهي انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك من يرافقني كظلي في كل اوقاتي من خيراته ومراحمه تتبعانني جميع ايام حياتي من اكليل احسانه ورافته دوما فوقي يدومان غيرك انت يا الهي انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك من معه لا اريد شيئا من معه لا يعوزني شيئا من يسدد احتياجاتي حتى حين لم اطلبها غيرك انت يا الهي انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك انت الهي لا سواك |
||||
28 - 05 - 2014, 05:56 PM | رقم المشاركة : ( 4395 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تأمل بسيط
التكلم بالسنة هي موهبة من مواهب الروح القدس اعطيت للرسل بانسكاب الروح القدس عليهم يوم الخمسين في العلية فتكلموا بلغات البشر كل واحد لغتة التي ولد فيها فرتيون ومادييون وعيلاميون والساكنون ما بين النهرين واليهود وكبدوكية وبنتس واسيا وفريجية وبمفيلية ومصر ونواحي ليبيا التي نحو القيروان والرومانيون المستوطنون يهود ودخلاء كريتيون وعرب نسمعهم يتكلمون بألسنتنا بعظائم اللة (اع2-1: 11) حقيقة السنة الناس والملائكة موهبة التكلم بالسنة في الصلاة لا يقصد بها لسان الملائكة كما ان الملائكة ارواح والتفاهم بين هذة الارواح يعلو علي مرتبة الحس والصوت المسموع بالاذن الحسية فلغتهم لغة خاصة بهم كأرواح غير مادية فكيف للبشر اذن ان يتكلموا بهذة اللغة الملائكية (علي ان الملائكة كلموا الببشر .كمرسلين من الله برسالة الي احد الناس .فانهم يتكلمون بلغة البشر) التكلم بألسنة تكلم بلغات لم يسبق تعلمها اولا :الالسنة ليست علامة مميزة للامتلاء بالروح القدس (اع 8- 17) ثانيا الالسنة لم تكن تعطي لكل واحد في الكنيسة ولم تكن اساسية او علي ايمان الانسان(1 كو 12-8 :11 ) ثالثا الالسنة يمكن التحكم فيها اثناء التكلم بها (1 كو 14- 27 ) 1- اضهار الروح للمنفعة (1 كو 12-7)بكلام مفهوم والا فما المنفعة من ذلك ؟ 2- ىلبنيان الكنيسة (1 كو 14 -5 - 12 -26 ) 3 اللياقة والترتيب (1 كو 14 -23:27 :39:40) 4- مراعاة هدف الموهبة (1كو14 22) 5- الحكم علي صحة المواهب لتمييز الارواح (1كو 12 :10) ايها الاحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الارواح هل هي من الله لآن انبياء كذبة كثيرين قد خرجوا الي العالم (1 يو 4- 1) لآخر انواع السنة ولآخر ترجمة ألسنة (1كو 12 -10) ولكن ان لم يكن مترجم فليصمت (1كو 14 -28) الفرق بين يوم الخمسين ويوم البلبلة 1- حدثت البلبلة بسبب عصيانهم وتمردهم وكبريائهم وعملهم ضد الله فبلبل اللة لسانهم الي السنة مختلفة اما في يوم الخمسين فحدث التكلم بألسنة نتيجة حضور اللهفي وسط الناس 2- نتج عن بلبلة الالسنة في بابل تشتت الناس وتفريقهم بسبب عدم فهمهم لغة بعضهم البعض اما النطق بالالسنة في اورشليم فنتج عنها تجمع للناس وربط شملهم بسبب فهمهم الغة التي ولد كل واحد فيها التي نطق بها من أخذ الموهبة مركز الالسنة بين المواهب 1-الاخيرة فانة لواحد يعطي بالروح كلام حكمة ولآخر كلام علم ولآخر ايمان ولآخر مواهب شفاء ولآخر انواع السنة ولآخر ترجمة السنة (1 كو 14 -5) الاقل لان من يتنبأ اعظم ممن يتكلم بألسنة 1كو 14-5 |
||||
31 - 05 - 2014, 12:01 PM | رقم المشاركة : ( 4396 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
محبة الله لنا " محبة أبدية أحببتك ، لذلك أدّمت لك الرحمة " ( إرمياء 31 : 3 ) + عندما نتأمل فى " محبة الله لنا " نجدها بلا حدود ، وفى كل المجالات ، وفى كل وقت . + وما أعظم محبة الله لنا ، وبدورنا نحن نحاول أن نحبه ، لأنه أحبنا من قبل ، ويكفى أن " الله محبة " ، هو رب الخير ، ويقدم لنا كل الخير ، ويبعد عنا كل شر . + وقد أحبنا قبل أن نكون فى العالم ، ومن أجل محبته خلقنا ، لكى نتمتع بالوجود معه ? فى دنياه وسماه ولذلك خلقنا على صورته ومثاله ، فى الحرية والإرادة والخلود والعقل الخ ..... ، وأعد لنا كل شئ ، لراحتنا فى حياتنا على الأرض ، قبل أن يخلقنا فى الدنيا . + ولما سقطنا فى الخطية بغواية عدو الخير أعد لنا الرب المُحب طريق الخلاص ، وفتح لنا باب التوبة حتى نهاية العمر ، ومن محبته الشديدة لنا تجسد ، وأخذ طبيعتنا وباركها فيه ، ومن محبته العملية لنا مات عنا على عود الصليب باحتماله آلاماً تفوق قدرة البشر . + ومن محبته أيضاً ، أنه لن يحاسب الخُطاة على كثرة شرورهم وآثامهم ، ولكن على عدم توبتهم قبل موتهم، كما قال أحد الآباء القديسين : " الله لن يسألك : لماذا أخطأت ؟! ولكن : لماذا لم تتب ؟! فبما ستُجيب ؟! . + ومن محبته لنا قال : "لا أعود أسميكم عبيداً ، بل أبناء أحباء " ( يو 15 : 15 ) . ودعانا إخوته ، وصيرنا أبناء للآب السماوى ، كم تامل القديس يوحنا الحبيب وقال للكل : " أنظروا ، اية محبة أعطانا الآب ، حتى نُدعى أولاد الله " ( 1 يو 3 : 1 ) . + ومن محبته لنا ، مضى ليُعد لنا مكاناً ، وسيأتى فى أقرب وقت ليأخذنا معه إلى ملكوته الأبدى السعيد. + وفى محبته لنا وعدنا " ها أنا معكم كل الأيام ، وإلى أنقضاء الدهر " ( مت 28 : 20 ) أى حفظه ورعايته لنا طول العمر ، فله كل الشكر . + وكذلك وعدنا الرب المُحب بأنه إذا "إجتمع إثنان أو ثلاثة بأسمى ، فهناك أكون فى وسطهم" ( مت 18 : 20 ) . + وما أجمل أن نطلب الرب ذاته لا عطاياه وأن نتأمل دائماً فى سائر صفاته ، وفى بركاته ونعمه ، ونشكره على كل ما وهبه لنا ، فى الماضى والحاضر والمستقبل ، ولا نفعل ما يُحزن قلب الرب من ارتكاب خطايا وعثرات ، بل نتأمل حسناته ورعايته وطول أناته ونحمده ، باستمرار ، على عطاياه فى دنياه وسماه . + وقد صلى شخص مبارك وقال : " يارب ، علمنى أن أحب الناس ، كما أحببتنى يارب ، وإن نسيتك ، لا تنسانى . يارب علمنى كيف أحبك بمثل ما تحبنى " |
||||
31 - 05 - 2014, 12:09 PM | رقم المشاركة : ( 4397 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الله الآب في العَهْد الجَديد فعلى غرار العهد القديم، يبدو لنا اللهُ في العهد الجديد الإلهَ الوحيد الذي له وحده يجب السجود والعبادة، والإله القريب من الانسان، الذي يعتني بجميع الناس ويدعوهم إلى دخول ملكوته. فعندما يتكلم يسوع عن الله لا يبشّر بإله جديد، بل بالإله الوحيد الذي ظهر في العهد القديم لابراهيم واسحق ويعقوب وموسى وسائر الأنبياء. وقد سأل يوماً أحد الكتبة يسوع عن أولى الوصايا، فأجابه يسوع مردّداً كنت العهد القديم: "أُولى الوصايا هي: اسمع يا اسرائيل: الرب إلهنا هو الرب الوحيد. فأحبب الرب إلهك بكل قلبك وكل نفسك وكل ذهنك وكل قوّتك" (مر 12: 29، 30؛ راجع تثنية الاشتراع 6: 4، 5). وللتعريف بهذا الإله لا يلجأ يسوع إلى لغة فلسفية وتعابير نظرية تصف الله في ذاته، بل يستخدم، على مثال أنبياء العهد القديم، لغة حياتية وتعابير واقعية وأمثالاً شعبيّة لا تعرّف بالله في ذاته بقدر ما تعرّف به في علاقته بالعالم والانسان. فيبدو الله، في تعاليم يسوع، قريباً من العالم والانسان، على خلاف آلهة الفلاسفة الأقدمين. فالله، عند أفلاطون، هو الفكرة المطلقة المجرِّدة للخير، وهو بعيد كل البعد عن هذا العالم، عالم الظواهر الحسية والمادة الفاسدة. وينتج من تلك النظرة إلى الله موقف عداء للمادة ورذل للجسد. والله، عند أرسطوطاليس، وان كان قد أبدع الكون، إلا أنه يحيا منذ الأزل بعيداً عن الكون. فهو العقل الذي يعقل ذاتَه ولا يبالي بالعالم: لا علاقة له بشؤون البشر، فلا يعتني بهم ولا يطلب منهم شيئاً. والله، عند أفلوطين، هو الواحد المنفصل عن الكون، الذي منه انبثق عالم المادة. إلا أن العالم، بانبثاقه من الواحد، سقط في فساد الكثرة والتعدّدية. لذلك، بينما الإله الواحد هو إله الخير، لا يرى أفلوطين في المادة إلا الشر والفساد. ويتحتّم من ثم على الانسان الذي يريد الوصول إلى الله أن يبتعد عن المادة ويتحرّر منها. 2- الإله القريب من الانسان هذا التناقض بين الله والكون لا وجود له في العهد القديم ولا في تعليم يسوع. فالله، منذ العهد القديم، هو الذي خلق الكون والمادة وخلق الانسان روحاً وجسداً، "ورأى ذلك كله انه حسن". وبعد أن خلق الكون والانسان لم يتخلَّ عنهما بل بقي ملتزماً ما خلق. فهو سيّد التاريخ وسيّد الانسان، وهو الذي يقود البشرية جمعاء إلى الخلاص. وقد أعلن للانسان مشيئته القدوسة في ما رسم له من أحكام ووصايا، وطلب منه الطاعة لأحكامه والأمانة لوصاياه. ومهما ابتعد الانسان عن الله، يبقى الله قريباً من الانسان يخاطبه ويذكّره بعهده ووصاياه، تارة في كلام الأنبياء وطوراً من خلاله أحداث التاريخ، يلاطفه مرّة ويداعبه، ويؤنّبه مرّة ويقاصّه. هذا الإله يصوّره لنا الكتاب المقدّس منذ سفر التكوين في ملامح بشرية. فنراه يتكلم ويأمر ويَعِد ويهدّد ويقاصّ ويسامح ويتطلّب ويغار ويغضب ويندم، يشعر بالفرح والحزن، بالمحبة والكره. لا تعني تلك التصاوير البشرية أن الله هو على مثال الانسان في تقلُّب عواطفه وتغيّر طبعه ومزاجه. فالقصد منها إظهار قرب الله من الانسان وعنايته الدائمة به وغيرته المستمرة عليه. فالله ليس كائناً مبهماً ولا حقيقة مجرّدة. وليس هو بالفراغ المظلم الذي لا يمكن التعريف به ولا الهاوية التي لا يمكن تحديدها. الله في تعليم يسوع، كما في العهد القديم، يظهر لنا كائناً شخصياً يمكن التحدّث إليه، وكائناً حياً أعطى الحياة للإنسان، وكائناً محباً يعتني بالبشر كما يعتني الأب بأبنائه. وهذا الكائن الشخصي الحي المحب هو الذي أخذ المبادرة وأوحى بنفسه إلى الانسان داعياً إياه إلى أن ينشى معه علاقات شخصيّة وحيّة، وعلاقات محبة. فالله هو الذي يقترب من الانسان ويريد أن يقترب منه الانسان بثقة ومحبة فيخاطبه ويتحدث إليه في الصلاة داعياً شاكراً ساجداً مبتهلاً. ومن خلال تلك العلاقات يريد الله من الانسان أن يزيل من نفسه كل خوف وقلق يمكنه أن يشعر بهما في هذا العالم، ويثق بالله ثقة الصديق بصديقه ويحبه محبة الابن لأبيه. لذلك لا نجد لا في العهد القديم ولا في تعاليم يسوع براهين فلسفية عن وجود الله. فيسوع لا ينطلق من الكون والانسان ليبرهن من خلالهما عن وجود الله. إلاّ أنه عندما يتكلم عن الكون والانسان يظهرهما دوماً مرتبطين بكائن آخر هو مبدأ كيانهما وثبات وجودهما. لا يرى يسوع العالم إلا في نور الله، فاذا به عالم حسن يستطيع الانسان، دون خوف وقلق، أن يحقّق فيه ذاته ويصل من خلاله إلى سعادته وغاية وجوده. وهكذا يظهر وجود الله في تعليم يسوع جواباً ليس على رفض الملحدين ولا على فضولية علمية تحاول تقصّي أسرار الكون، بل على حاجة وجودية كامنة في أعماق كيان الانسان. فالله، في نظر يسوع، لا يهمل الناس بل يعتني بهم جميعاً كما يعتني بطيور السماء وزنابق الحقل. لذلك يجب على الانسان ألاّ يعيش في الخوف والقلق والاضطراب. وهذا معنى عدم الاهتمام المفرط بأمور الحياة الذي يطلبه يسوع بقوله: "لا تهتموا لأنفسكم بما تأكلون، ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست النفس أفضل من الطعام، والجسد أعظم من اللباس؟ انظروا إلى طيور السماء، فإنها لا تزرع ولا تحصد، ولا تجمع إلى الأهراء، وأبوكم السماوي يقوتها؛ أفلستم أنتم أفضل منها بكثير؟ مَن منكم يستطيع، مع الجهد، أن يزيد على عمره ذراعاً واحدة؟ ولماذا تقلقون بشأن اللباس؟ تأمّلوا زنابق الحقل كيف تنمو، إنها لا تتعب ولا تغزل؛ وأنا أقول لكم: ان سليمَان نفسه، في كل مجده، لم يلبس كواحدة منها. فاذا كان عشب الحقل، الذي يكون اليوم، ويُطرَح في التنّور غداً، يلبسه الله هكذا، فكم بالأحرى يلبسكم أنتم، يا قليلي الايمان؟ فلا تقلقوا إذن قائلين: ماذا نأكل؟ أو: ماذا نشرب؟ أو: ماذا نلبس؟ فهذا كله يطلبه الوثنيون، وأبوكم السماوي عالم بأنكم تحتاجون إلى هذا كله. بل اطلبوا أولاً ملكوت الله وبرّه، وهذا كلّه يُزاد لكم".(متى 6: 25- 34) وهذا ما يعنيه يسوع أيضاً في مَثَل القاضي الجائر الذي كانت تأتي إليه أرملة قائلة: أنصفني من خصمي. "فامتنع زماناً طويلاً، ثم قال في نفسه: اني وإن كنت لا أتّقي الله، ولا أرعى للناس حرمة، أنصف هذه المرأة بما أنها تبرمني، لئلا تعود، على غير نهاية وتوجع رأسي". ثم قال الرب: "اسمعوا ما يقول القاضي الجائر! والله، ترى، أفلا ينصف مختاريه الذين يصرخون إليه نهاراً وليلاً؟ وهل يتوانى عنهم؟ أقول لكم: انه ينصفهم سريعاً".(لوقا 18: 4- 8) ويشبّه يسوع الله بالأب الذي يعرف أن يعطي العطايا الصالحة لأولاده: "إسألوا فتعطوا، اطلبوا فتجدوا، إقرعوا فيفتح لكم. فإن كلّ من يسأل يُعطى، ومن يطلب يجد، ومن يقرع يُفتح له. أي إنسان منكم يسأله ابنه خبزاً فيعطيه حجراً؟ أو يسأله سمكة فيعطيه حيّة؟ فاذا كنتم، مع ما أنتم عليه من الشرّ، تعرفون أن تعطوا العطايا الصالحة لأولادكم، فكم بالأحرى أبوكم الذي في السماوات يمنح الصالحات للذين يسألونه!"(متى 7: 7- 11) في تلك التصاوير والتشابيه والأمثلة يجد الانسان الجواب على ما يلاقيه في حياته من صعوبات ومضايق: في الشدّة والعذاب، في الضيق والألم، في الحزن والحرمان، يعلم أن الله لا يهمله، بل هو قريب منه، وانه باستطاعته في كل لحظة أن يلتجئ إلى الله فيجد الراحة والسلام والفرق والحياة. لم يأتِ يسوع ليشبع فضولية الانسان ويكشف له عن أسرار الكون، بل جاء ليعطيه موقفاً جديداً من الحياة، موقف إيمان بأن الحياة هي عطية من الله الأب المحبّ القريب من الانسان. 3- إله الملكوت إنّ قُرب الله من الانسان قد تحقق بشكل خاص بمجيء الملكوت في شخص يسوع المسيح. كان اليهود في العهد القديم ينتظرون زمناً يملك فيه الله على البشر ملكاً مباشراً فيزيل من الأرض الشقاء والظلم، ويحيا الناس متّحدين اتحاداً صميماً بالله الحاضر في العالم حضوراً دائماً ومتمّمين على الدوام إرادته المقدسة. عندما باشر يسوع كرازته بدأها بالتبشير مجيء الملكوت: لقد تمّ الزمان واقترح ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل. والأدلّة على قرب الملكوت أعطاها يسوع في ما اجترح من معجزات. ففي نقاش مع الفريسيين قدّم لهم يسوع معجزاته دليلاً على قرب الملكوت: "اذا كنت أنا بروح الله أُخرج الشياطين، فقد اقترب منكم ملكوت الله" (متى 12: 28). وبينما كان يوحنا المعمدان في السجن أرسل اثنين من تلاميذه يسألان يسوع: أأنت الآتي أم ننتظر آخر؟ فأجابهما يسوع: "انطلقوا وأعلِموا يوحنا المعمدان بما تسمعون وترون: العمي يبصرون والعرج يمشون والبرص يطهرون والصمّ يسمعون والموتى ينهضون والمساكين يبشّرون وطوبى لمن لا يشكّ فيّ" (متى 11: 4- 6). كل تلك المعجزات هي آيات، أي أعمال رمزية تظهر حضور الله وعمله في العالم بشكل نهائي في شخص يسوع المسيح، وتدعو الناس إلى الايمان بالمسيح ودخول الملكوت. ولا يستطيع أحد أن يلاقي الله ويدخل ملكوته إلا بتجديد حياته. فالسامرية والمرأة الزانية وزكّا العشّار ونيقوديمس ومتى العشّار وبطرس، جميعهم دخلوا الملكوت عندما آمنوا أن الله قد حضر اليهم في شخص يسوع. التقوا الله في الايمان بالمسيح ومن ثم جدّدوا حياتهم ليحيوا حياة الله فيهم. قلنا في الفقرة الثانية إن يسوع لا يبرهن عن وجود الله فلسفياً بل يرى كل شيء في نور الله، فيبدو وجود الله أساساً لوجود الكون ووجود الانسان. نضيف هنا أن الله ليس وهماً ولا صنع مخيّلة البشر ولا انعكاساً لرغباتهم كما يدّعي الملحدون من أمثال وماركس وفويرباخ فالله، في نظر يسوع حقيقة تسبق الانسان وكائن لا يستسلم لرغبات الانسان بل يدعوه إلى تجديد حياته للولوج إلى حياة الله. وقد أصبح ذلك ممكناً بمجيء المسيح. ان الله الذي هو قريب من الانسان منذ أن خلقه، والذي التزم محبة الانسان منذ أن أوجده، قد أصبح حاضراً في الكون ومع الناس حضوراً خاصاً ومميّزاً في شخص يسوع المسيح. ففي المسيح يسوع يملك الله على البشر لا كما يملك ملك على عبيده، بل لا يملك الحق في قلب عاشق الحق. وفي المسيح يسوع يحيا الناس مع الله، لا كما يحيا عبيد مع أسيادهم بل كما يحيا أبناء مع أبيهم. فبيسوع ابن الله يستطيع الجميع أن يصبحوا أبناء الله. "لما بلغ ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة، مولوداً تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس وننال التبنّي" (غلا 4: 4، 5)، "وكل الذين قبلوه آتاهم سلطاناً أن يصيروا أبناء الله" (يو 1: 12). لذلك في العهد الجديد يبدو لنا الله إله والملكوت وإله النعمة والرحمة في آن واحد. 4- إله النعمة والرحمة "إن الناموس قد أُعطي لنا بموسى، وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح قد حصلا" (يو 1: 17). إن قمة كشف الله عن ذاته في العهد القديم هي في ظهوره لموسى على جبل سيناء. فهناك أبرم الله عهداً مع بني اسرائيل وهناك أعطاهم الناموس ووعدهم بأن يكون معهم إن حفظوا وصاياه. وأصبح الناموس في العهد القديم الطريق الذي يقود الانسان إلى الله. أما في العهد الجديد فالله ليس إله الناموس بل إله النعمة والرحمة. وهذا ما أظهره يسوع في عمله وفي تعليمه. فنراه ينقض الناموس ليجري الأشفية يوم السبت، فيشفي اليابس اليد (متى 12: 1- 14)، والمرأة الحدباء (لوقا 13: 10- 17)، ويرفض أن تطبّق شريعة موسى القائلة برجم المرأة الزانية ويستبدلها بالرحمة والمغفرة (يو 8: 3- 11). لقد أظهر يسوع بنوع فائق رحمة الله للخطأة. "فكان العشّارون والخطأة جميعاً يقبلون إليه ليسمعوه، ما جعل الفريسيين والكتبة يتذمّرون قائلين: ان هذا الرجل يقبل الخطأة ويأكل معهم" (لوقا 15: 1، 2). فيغفر لمخلّع كفرناحوم: "يا رجل مغفورة لك خطاياك"، ثم يشفيه: "لك أقول: قمْ واحمل فراشك وامضِ إلى بيتك" (لوقا 5: 17- 26). وفي بيت سمعان الفرّيسي يغفر للمرأة الخاطئة التي جاءت إليه تبكي وتبلّ رجليه بالدموع وتمسحهـا بشعر رأسها، ويقول لسمعان: "إن خطاياها، خطاياها الكثيرة، مغفورة لها، بما أنها أحبّت كثيراً" (لوقا 7: 36- 50). ويغفر لزكّا العشّار قائلاً: "اليوم قد حصل الخلاص لهذا البيت، فإنه هو أيضاً ابن لابراهيم. لأن ابن البشر قد جاء ليطلب ما قد هلك ويخلّصه" (لوقا 19: 1- 10). وتفسيراً لموقفه من الخطأة يصف في عدة أمثال موقف الله نفسه من الخطأة. وقد جمع لوقا في الفصل الخامس عشر من إنجيله ثلاثة من هذه الأمثال: الخروف الضالّ والدرهم المفقود والابن الشاطر. أ- مَثَل الخروف الضالّ فالله يشبه الراعي الصالح الذي لا يرضى بأن يهلك أحد من خرافه، "فاذا كان له مئة خروف وأضاع واحداً منها، يترك التسعة والتسعين في البرّية ويمضي في طلب الضالّ حتى يجده، واذا ما وجده يحمله على منكبيه فرحاً، ويعود إلى بيته ويدعو الأصدقاء والجيران ويقول لهم: افرحوا معي، فإني قد وجدت خروفي الضالّ". ثم يردف يسوع منتقداً الفريسيين والكتبة الذين كانوا يتذمّرون لقبوله الخطأة ومؤاكلتهم، ومنتقداً الصورة المشوّهة التي كانوا يرون الله من خلالها: "أقول لكم: هكذا في السماء يكون فرح بخاطئ يتوب أكثر ما يكون بتسعة وتسعين صدّيقاً لا يحتاجون إلى توبة" (15: 4- 7). ويعني بهؤلاء التسعة والتسعين الفريسيين الذين يعتقدون أنهم صدّيقون وأنهم ليسوا بحاجة إلى توبة (راجع في ذلك مَثَل الفريسي والعشّار، لوقا 18: 9- 14). ب- مَثَل الدرهم المفقود والله يسعى أيضاً وراء الخاطئ كما تسعى المرأة الفقيرة وراء درهم أضاعته من دراهمها العشرة، "فتوقد سراجاً وتكنِّس البيت، وتطلبه في اهتمام حتى تجده؛ واذا ما وجدته تدعو الصديقات والجارات وتقول لهنّ: افرحن معي، فاني قد وجدت الدرهم الذي أضعت". ثم يضيف يسوع: "أقول لكم، إنه هكذا يكون الفرح عند ملائكة الله بخاطئ يتوب" (15: 8- 10). ج- مَثَل الإبن الشاطر أو الأب الرحيم أما قمّة الوحي الانجيلي بصورة الله فنجدها في مَثَل الإبن الشاطر. فالله الملك يصبح الله الأب، وعلاقة الله مع الناس لم تعد علاقة ملك مع عبيده، بل علاقة أب مع أبنائه، الخطأة والصدّيقين، الأشرار والصالحين. فالله هو ذلك الأب الذي ينتظر عودة ابنه الأصغر الذي أخذ حصّته من الميراث وقصد إلى بلد بعيد وأتلفها هناك عائشاً في التبذير. ولدى عودته، "وإذ كان بعد بعيداً، أبصره أبوه، فتحرّكت أحشاؤه وبادر إليه وألقى بنفسه على عنقه وقبَّله طويلاً" (15: 20). ولما أراد الابن أن يعتذر عمّا صنعه، قائلاً: "يا أبتاه، قد خطئت إلى السماء وإليك، ولا أستحقّ بعد أن أُدعِى لك ابناً" قاطعه الأب قائلاً لغلمائه: "هلمّوا سريعاً بأفخر حلّة وألبسوه وضعوا في يده خاتماً وفي رجليه حذاء، وأْتوا بالعجل المسمَّن واذبحوه، ولنأكل ونفرح، لأن ابني هذا كان ميتاً فعاش، وكان ضالاًّ فوُجِد" (15: 22- 24). يجب أن يدعى هذا المَثَل، لا مَثَل "الإبن الشاطر"، بل مَثَل "الأب الرحيم"، لأنه لا يركّز على موقف الإبن الشاطر بقدر ما يركّز على موقف الأب من ابنه الأصغر ثم من ابنه الأكبر. فالأب يغفر لابنه الأصغر ويعيده إلى بيته مكرَّماً، ثم يدعو ابنه الأكبر الذي يغضب ويرفض الدخول إلى البيت، إلى مشاركته الفرح بعودة أخيه الأصغر "الذي كان ميتاً فعاش وكان ضالاًّ فوُجِد" (15: 32). فالابن الأكبر يمثِّل الفريسيين في كبريائهم وقسوتهم تجاه موقف يسوع من الخطأة. كل ما عرَف الابن الأكبر عن أبيه الخدمة والأوامر. فيقول لأبيه: "كم لي من السنين في خدمتك، ولم أتعدَّ قط أمراً من أوامرك" (15: 29). وكل ما عرف الفريسيون عن الله الناموس والوصايا. ولكن الله، في نظر يسوع، ليس إله الأوامر والنواهي والناموس والوصايا، بل الله هو إله الرحمة والمحبة، وبقدر ما يبتعد أبناؤه عنه، بقدر ذلك تزيد محبته لهم. وهذا ما لم يستطع أن يفهمه الفريسيون المتعلقون تعلُّقاً أعمى بحرف الناموس. الله، في نظر يسوع، ليس إله الكبت والضغط والإكراه، بل إله التحرّر الذي يحرّر الانسان من حواجز التقاليد الاجتماعية والأحكام البشرية التي تفصل السامريين عن اليهود والعشّارين عن الفريسيين، وتغلق على الخطأة في خطيئتهم وعلى المنبوذين في انتباذهم وعلى المحرومين في حرمانهم وعلى الضعفاء في ضعفهم. الله، في نظر يسوع، هو إله الممكنات الذي يفتح أمام الانسان آفاق المستقبل، فيحرّره من قيود نفسه ويدعوه إلى تجاوز ذاته باستمرار؛ الله فيض من العطاء المجاني لا نستطيع أن ندرك عمقه أو سعة امتداده. والايمان بهذا الإله لا يستطيع الانسان أن يصل إليه عن طريق التحليل الفكري بل عن طريق الاختبار الشخصي. ان الإله الحقيقي قد ظهر لنا في شخص يسوع المسيح. والرسل والتلاميذ الذين آمنوا بيسوع وعاشوا معه اختبروا من خلاله الله وعرفوا وجهه الحقيقي. وعندما أراد يوحنا الانجيلي أن يعرّف بالله كما ظهر له من خلال تعاليم يسوع وحياته، ومن خلال خبرته الشخصية وخبرة سائر الرسل، لم يجد أجمل وأعمق وأصدق من هذا التعبير : "ان الله محبة" (1 يو 4: 16). 5- كمال الله في كمال المحبة في نهاية الفصل الخامس من انجيل متى، يطلب يسوع من مستمعيه أن يتشبّهوا بكمال الله: "فأنتم اذاً كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماوي هو كامل" (متى 5: 48). قد يتبادر إلى أذهاننا أن كمال الله هو في قدرته المطلقة على كل شيء، وعلمه الكامل بكل شيء، وتنزّهه عن المادة، وأزليته التي لا يستطيع أحد أن يدرك مداها، وعدم تحوّله وتغيّره. ونتساءل: كيف يسعنا، نحن البشر الضعفاء المحدودين في الوجود والمعرفة، أن نتشبّه بكمال الله؟ ان يسوع يعلم ضعف البشر وحدودهم، ومع ذلك يطلب منهم أن يكونوا كاملين مثل الله. ذلك لأنه أوجز جميع صفات الله في صفة واحدة هي في متناول الانسان، وتلك الصفة هي المحبة: "سمعتم أنه قيل: أحبب قريبك وأبغض عدوّك. أما أنا فأقول لكم: أحبّوا أعداءكم، وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات، فانه يطلع شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والأثمة. فإنكم إن أحببتم من يحبكم فأيّ أجر لكم؟ أليس العشّارون أنفسهم يفعلون ذلك؟ وإن لم تسلِّموا إلاّ على اخوانكم فقط، فأيّ عمل خارق تصنعون؟ أوَليس الوثنيون أنفسهم يفعلون ذلك؟ فأنتم إذن كونوا كاملين كما أنّ أباكم السماوي هو كامل".(متى 5: 43- 48) لن يصل الانسان إلى كمال الله، في نظر يسوع، إلا بالتشبّه بمحبة الله الشاملة لجميع الناس. "قل لي مَن هو إلهك، أقُل لك مَن أنت". إلهنا محبة، فينبغي أن نكون نحن محبة. والله هو الذي بادرنا بالمحبة. وانطلاقاً من تلك المحبة التي أحبَّنا، يطلب منا أن نحبّ بعضنا بعضاً. بهذا فقط نستطيع أن نصل إلى الله: "ان الله محبة، فمن ثبت في المحبة ثبت في الله وثبت الله فيه" (1 يو 4: 16). ان الله قد أحبّنا أولاً وغفر لنا خطايانا. فنحن البشر كلنا نشبه ذلك العبد الذي قُدِّمَ إلى سيّده وعليه عشرة آلاف وزنة، وإذ لم يمن له ما يوفي به، تحنّن عليه سيّده وترك له الدَّين. (راجع المَثَل في متى 18: 21- 35). وكما غفر لنا الله دون حدّ، كذلك يطلب منا أن نغفر بعضنا لبعض زلاّتنا، وذلك ليس فقط إلى سبع مرّات بل إلى سبعين مرّة سبع مرات أي دون أي حد. أ- صفات الله بهذا تتميّز المسيحية عن سائر الديانات، في نظرتها إلى الله. ان إله المسيحية لم يخترعه المسيحيون كما يدّعي الملحدون. فالله هو الذي أظهر لنا ذاته في شخص يسوع وتعليمه. وقد ظهر لنا محبة متجسّدة. فالمحبة هي التي تحدّد الله في المسيحية وانطلاقاً من هذا التحديد تأخذ صفات الله التي تتحدّث عنها الفلسفة ومختلف الديانات معاني جديدة: فأزلية الله لا تعني ابتعاده عن الزمن، بل حضور محبته حضوراً دائماً ومعاصراً لجميع الأزمنة. وروحانيته لا تعني تنزّهه عن المادة الفاسدة، بل سلطته المطلقة على الخليقة كلها وشمول محبته الكون بأسره؛ فالروح يهبّ في كل مكان ولا يستطيع أحد أن يوقف عمله. وصلاحه ليس إشعاعاً طبيعياً لما فيه من خير بقدر ما هو عمل اختيار عطوف ومحبة حرة. وعدم تحوّله لا يعنى الجمود بل الأمانة الكاملة لذاته ولمحبته. وعدله لا يعني مجازاة كل واحد بحسب أعماله وفقاً لنظام لازمني، بل هو فيض من المحبة والرأفة والخلاص. وعدم ادراكنا له لا يعني اننا أمام كائن مبهم وحقيقة غامضة، بل ان الله يسمو على كل ما يستطيع الانسان أن يتصوّره، وان محبته لا يمكن أحداً أن يسبر عمقها، حسب قول بولس الرسول: "يا لعمق غنى حكمته وعلمه! ما أبعد أحكامه عن التنقيب وطرقه عن الاستقصاء! فمن عرف فكر الرب؟ ومَن كان له مشيراً؟ من سبق فأعطاه، فيردّ اليه؟ ان كل شيء هو منه وبه وإليه. فله المجد إلى الدهور، آمين"(روم 11: 33- 36). ب- المحبة حتى الموت ولقد ظهرت محبة الله في أقصى حدودها في موت يسوع على الصليب: "فانه هكذا أحبّ الله العالم حتى انه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 16). فالله الآب بذل ابنه لأجل العالم. ويسوع ابن الله بذل ذاته لأجل العالم متمماً ما قاله لتلاميذه: "ليس لأحد حبّ أعظم من أن يبذل الحياة عن أصدقائه". (يو 15: 13). والابن في بذل ذاته حتى الموت هو صورة لله الآب: "مَن رآني فقد رأى الآب" (يو 14: 9). ان يسوع المسيح هو صورة لله الآب ليس فقط في حياته ومعجزاته وموقفه تجاه الخطأة، بل أيضاً وبنوع خاص في موته. فالابن في محبته لنا حتى الموت هو صورة حقيقية للآب الذي أحبنا حتى أقصى حدود المحبة. يتصوّر البعض أن يسوع على الصليب قد سكَّنَ غضب الله الثائر على البشر من جرّاء خطاياهم. ان هذا التصوّر البشري بعيد كل البعد عن الموقف الالهي. فيسوع في بستان الزيتون كان يخاطب الله قائلاً: "يا أبتاه، إن شئتَ فأَجزْ عني هذا الكأس. ولكن لا تكن مشيئتي بل مشيئتك" (لوقا 22: 42). الكأس هنا هي كأس العذاب ولكنها في الوقت نفسه كأس الخلاص. ومشيئة الله ليست في الانتقام من الخطأة بل في خلاصهم وتبريرهم. ويسوع في وسط عذابه يستعمل لفظة يا أبتاه (بالعبرية "أبّا")؛ ففي لحظة عذابه وموته، كما في كل حياته، نرى ان إرادته متّحدة بإرادة الله الآب لخلاص البشر بالمحبة حتى الموت في سبيلهم. ان حوار يسوع مع أبيه في بستان الزيتون يذكّرنا بحوار اسحاق مع أبيه ابراهيم عندما أصعده ابراهيم إلى جبل موريّا ليقدّمه ذبيحة لله: "فكلّمَ اسحاق ابراهيم أباه وقال: يا أبتاه! قال: لبّيك يا بُنيّ! قال: هذه النار والحطب، فأين الحَمَل للمحرقة؟ فقال ابراهيم: الله يرى الحَمَل له للمحرقة يا بُنيّ. ومضيا كلاهما معاً" (تكوين 22: 7، 8). إن إله ابراهيم ليس إلهاً سفاحاً كآلهة الوثنيين العطشى إلى دم البشر، وإله يسوع كان بإمكانه أن يرسل لنصرته اثنتي عشرة جوقة من الملائكة. ولكن إله يسوع، كإله ابراهيم، ليس إله الحرب والقتل والدمار، إنه أب لإبن وحيد. وهذا الابن قد أسلمه لأجلنا نحن، حسب قول بولس الرسول: "اذا كان الله معنا، فمَن علينا؟ هو الذي لم يشفق على ابنه الخاص بل أسلمه عنا جميعاً، كيف لا يهبنا معه كل شيء؟" (روم 8: 31، 32). بموت يسوع ظهرت صورة الله الحقيقية. فالله ليس إله القدرة والتسلّط والعظمة والانتقام. إنه إله العطاء والمحبة الذي بذل ابنه الوحيد للموت ليظهر للبشر محبته لهم ويمنحهم الفداء والخلاص. إلا أن الموت ليس نهاية كل شيء. فالله الذي أظهر أقصى محبته للعالم ببذل ابنه إلى الموت لأجل حياة العالم، أظهر أيضاً أقصى محبته لابنه وللعالم بإقامته يسوع من بين الأموات وإدخاله البشرية إلى مجده السماوي. "فالله ليس إله أموات، بل إله أحياء" (متى 22: 32). ثم "ان المسيح قد قام من بين الأموات، باكورة للراقدين" (1 كور 15: 20). 6- الله والانسان هل انكشف لنا، من خلال ما قلناه، وجه الله الحقيقي؟ لربما لم يتضح لنا وجه الله في ذاته بقدر ما اتضح لنا وجه الله في علاقته بالانسان. فالله في ذاته لا يستطيع انسان أن يراه ويبقى حياً. اننا نبقى إزاء سرّ الله كموسى الذي ظهر له الله على جبل سيناء فطلب إليه أن يريه وجهه فقال له الله: "لا يستطيع انسان أن يراني ويبقى حياً". لم يقدر موسى أن يشاهد وجهه، لكنه شاهد مجده أي بعضاً من حضوره، لم يعرف موسى الله إلا من خلال عمله. فلما أخرج الله شعبه من عبودية مصر، عرف موسى ان الله هو إله الخلاص والمحبة والحرية. أ- يسوع المسيح طريق الانسان إلى الله هكذا في العهد الجديد أيضاً عرفنا الله من خلال ابنه يسوع الذي هو حضور الله بالجسد. جميع الذين يؤمنون بالإله الواحد يعترفون بأن الله هو خالق الكون وخالق الانسان. وجميع الذين يؤمنون بالوحي يعترفون بأن الله قد أوحى بذاته للانسان بواسطة أنبيائه ومرسليه. إلا أن الإيمان بالإله الواحد يتَّسم في المسيحية بسِمَة خاصة. فإله الكون وخالق الدنيا الذي يؤمن بوجوده المسيحيون والمسلمون واليهود معاً هو، تبعاً للإيمان المسيحي، إله المحبة الذي لم يكتفِ بإظهار وجوده في الكون والطبيعة وإعلان إرادته لبعض الأنبياء المختارين كإبراهيم وموسى عند اليهود ، بل ظهر شخصياً في تاريخ البشر وأوحى بذاته في شخص ابنه وكلمته يسوع المسيح، ليشرك البشر جميعاً في حياته الالهية. "ان الله، بعد إذ كلَّمَ الآباء قديماً بالأنبياء مراراً عديدة وبشتى الطرق، كلَّمنا نحن، في هذه الأيام الأخيرة، بالإبن الذي جعله وارثاً لكل شيء كما وبه أيضاً أنشأ العالم، الذي هو ضياء مجده، وصورة جوهره، وضابط كل شيء بكلمة قدرته".(عبرانيين 1: 1- 3) بهذا يتميّز الايمان المسيحي عن إيمان اليهودية والاسلام: "ان الناموس قد أُعطي بموسى، وأما النعمة والحق فبيسوع المسيح قد حصلا. الله لم يره أحد قط، الإله، الابن الوحيد الذي في حضن الآب، هو نفسه قد أخبر" (يو 1: 17، 18) ان الناموس الموسوي هو الطريق الذي يقود اليهود إلى الله، أما الطريق الذي يقود المسيحيين إلى الله فهو شخص يسوع المسيح، ابن الله المتجسّد، الذي هو "الطريق والحق والحياة ولا يأتي أحط إلى الآب إلا به" (يو 14: 6). ماذا يعني شخص يسوع المسيح بالنسبة إلى البشر؟ لقد تمّ في شخص يسوع المسيح اتحاد الله والانسان. فيسوع المسيح هو ابن الله الذي أظهر لنا الإله الحقيقي، وهو الانسان الكامل الذي كان، في عمق كيانه وفي كل حياته، متّحداً اتحاداً تاماً بالله الآب. لذلك حقّق في ذاته وفي حياته حلم الانسان الدائم ببلوغ الاتحاد الكياني بالله. ان المسيحيين، بقبولهم يسوع المسيح واتحادهم به، يكرزون برؤية جديدة للكون وللواقع الانساني. فالكون الذي يرى فيه كل مؤمن وجه الله الخالق يرون هم فيه أيضاً وجه الله المخلص، بيسوع المسيح الكائن الجديد الذي حقق في الكون الخليقة الجديدة وصالح الانسان مع الله ومع نفسه ومع الآخرين. نؤمن نحن المسيحيين أن الكيان الانساني قد ظهر في الوجود والتاريخ دون نقص أو اعوجاج في شخص يسوع المسيح الذي، باتحاده العميق بالله في كيانه وحياته، تغلَّبَ على المخرّب والضياع وبلغ كمال الانسانية. ان الكائن الجديد قد ظهر في شخص يسوع المسيح. وهذا الكائن الجديد وحده يطابق جوهر الانسان ما يجب أن يكون. وعلى هذا الإيمان نرتكز لنؤكد أن الانسان يستطيع أن يتغلّب على ما يشعر به من تغرّب وضياع وقلق ويحقّق ما يصبو إليه في عمق كيانه. فالبشر لا يطلبون جواباً نظرياً على تغرّبهم وقلقهم، بل يطلبون السيطرة على تغرّبهم والخلاص من قلقهم، وهذا ما يجدونه في الاشتراك في الكيان الجديد الذي ظهر في شخص يسوع المسيح. عندما يعتمدون بالمسيح يلبسون المسيح ويصبحون خلائق جديدة: "أنتم الذين للمسيح اعتمدتم المسيح قد لبستم" (غلا 3: 27)؛ "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، فالقديم قد اضمحلّ وكلّ شيء قد تجدّد" (2 كور 5: 17). لقد رأينا في الفصل الأول أن هناك ثلاثة أنواع من الخاطر تهدّد الانسان في أبعاد كيانه الثلاثة: فالشعور بالفراغ والعبث يهدّدانه في كيانه الروحي، والشعور بالذنب والهلاك الأبدي يهدّدانه في كيانه الأدبي، والمصائب والموت تهدّده في وجوده وحياته. وقد أظهر لنا يسوع في حياته وأعماله وموته وقيامته انّ من يؤمن بالله ويحيا متّحداً به لا يمكن أن يخاف من بعد أو يقلق إزاء أي من تلك الخاطر. فلا شعور من بعد بالفراغ والعبث عندما نعلم أن لحياتنا قيمة لامتناهية، إذ ان الله أحبّنا إلى حدّ أنه بذل ابنه الوحيد لأجلنا. ولا شعور من بعد بالذنب ولا خوف من الهلاك الأبدي عندما نعلم أن الله هو إله الرحمة والمغفرة الذي لا يريد موت الخاطئ بل يسعى إليه كالراعي الصالح ليعيد إليه الحياة، وينتظر عودته كما ينتظر الأب الرحيم عودة ابنه الضالّ. ولا خوف من بعد أمام المصائب ولا قلق أمام الموت، عندما نعلم أن الله نفسه يمنحنا قوته لنتغلب على المصائب ونزيل الشرّ من العالم، وننتصر أخيراً على الموت وندخل مع ابنه القائم من بين الأموات إلى الحياة الأبدية. ب- حياة الانسان مع الله يتساءل بعض الناس اليوم: ماذا يفيد الانسان أن يؤمن بالله في عصر الذرّة والعلم والتقنية؟ لقد توصل العلم إلى اكتشاف أسرار الكون وتوصلت التقنية المعاصرة إلى تلبية معظم حاجات الانسان المادية. فما الحاجة بعد إلى الايمان بالله؟ لا يهدف الايمان بالله إلى كشف أسرار الكون للانسان ولا إلى تلبية حاجاته المادية. "نؤمن بإله واحد آب ضابط الكل". الإيمان بالله، في المسيحية، هو الإيمان بأن الله هو أب لجميع البشر، وبأن هذا الأب قد أوحى لنا بذاته في شخص ابنه يسوع المسيح ليصبح كل إنسان في المسيح ابناً لله. الله محبة، والمحبة علاقة بين أشخاص. لذلك فالإيمان بالله هو أولاً الإيمان بأن الله بادرنا بالمحبة وأعطانا ابنه الوحيد ليظهر لنا عمق تلك المحبة ويكون هو نفسه العلاقة بيننا وبين الله، وهو ثانياً الدخول إلى تلك المحبة والحياة بموجبها. وبقدر ما يحيا المسيحي بموجب تلك المحبة، وبقدر ما تتوطّد أواصر العلاقة بينه وبين المسيح، بقدر ذلك ينكشف له الله: "مَن كانت عنده وصاياي وحفظها، يقول يسوع، فهو الذي يحبني، والذي يحبني يحبّه أبي، وأنا أُحبّه وأُظهر له ذاتي" (يو 14: 21). لن يظهر الله ذاته للانسان ولن يعرف الانسان الله إلا بقدر ما يحفظ الانسان وصايا الله ويحيا في المحبة. فكما ان المعرفة بين الأشخاص تزيد بقدر ما تزيد محبتهم بعضهم لبعض، كذلك تنمو معرفتنا لله بقدر ما تنمو محبتنا له: "إن أحبّني أحد يحفظ كلمتي، وأبي يحبّه، وإليه نأتي، وعنده نجعل مقامنا" (يو 14: 23). الهدف من الإيمان بالله هو البلوغ بالانسان إلى أن يحيا في ذاته حياة الله، فيقيم الله فيه ويقيم هو في الله. عندئذٍ يسيطر على قلقه وضياعه وتغرّبه، ويجدّد كيانه على صورة المسيح يسوع ابن الله القائل: "أنا في الآب والآب فيَّ" (يو 14: 10). "إن الله لم يشاهده أحد قط، ولكن إن نحن أحببنا بعضنا بعضاً، أقام الله فينا، وكانت محبته كاملة فينا" (1 يو 4: 12). الله لم يره أحد قط، ولكن من يحيا في المحبة على مثال المسيح وبالاتحاد معه يستطيع أن يختبر الله، ولن نقوى نحن المسيحيين على أن نقود الناس إلى الايمان بالله وإلى اختبار الله في ذواتهم إلا عن طريق المحبة. "إنّ الله محبة. فمن ثبت في المحبة ثبت في الله وثبت الله فيه" (1 يو 4: 16). |
||||
31 - 05 - 2014, 12:10 PM | رقم المشاركة : ( 4398 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
خالق السماءوالأرض –ما يُري وما لا يُرى لا يراني أحد ويعيش! 1. يستحيل علينا أن نتطلع إلى الله بأعين بشرية، لأن غير الجسدي لا يقع تحت الأعين الجسدية. وقد شهد الابن الوحيد – ابن الله نفسه – قائلاً: “الله لم يره أحد في أي زمان” (يو 1: 18). فإن فهم أحد مما ورد في حزقيال (حز 1: 28) إنه رأى الله، فإنه ماذا يقول الكتاب المقدس؟ إنه رأى “شبه مجد الله”، وليس الرب ذاته كما هو في حقيقته، بل شبه مجده. وبمجرد رؤيته شبه مجد الله، وليس المجد ذاته، سقط على الأرض مرتعدًا. فإن كانت رؤية شبه المجد تملأ الأنبياء رعدة، فبالتأكيد إن حاول أحد رؤية الله ذاته يموت، وذلك كالقول: “الإنسان لا يرى وجهي ويعيش” (خر 33: 20). من أجل هذا فإن الله بحنو رحمته بسط السماوات أمام لاهوته لكيلا نموت. لست أقول هذا من عندي بل هو قول النبي: “ليتك تشق السماوات وتنزل من حضرتك، تتزلزل الجبال (وتذوب) (إش 64: 1). لماذا تتعجب من سقوط دانيال عند رؤيته شبه المجد، إن كان دانيال عند رؤيته جبرائيل – الذي هو ليس إلا مجرد خادم الله – ارتعب للحال وسقط على وجهه ولم يجسر النبي أن يجيبه بالرغم من أن الملاك نفسه، جاء على شبه ابن بشر؟! (راجع دا 10: 9، 16، 18) إن كان ظهور جبرائيل أرعب الأنبياء، فهل يرى الإنسان الله كما هو ولا يموت؟! نراه خلال أعماله2. يستحيل على الأعين البشرية أن ترى الطبيعة الإلهية، إنما تدرك قوتها بعض الإدراك خلال أعماله الإلهية. يقول سليمان: “بعظم جمال المبروءات يبصر ناظرها على طريق المقايسة”[1]. لم يقل إن الخالق يُرى خلال خليقته، بل أوضح أن ذلك يكون “نسبيًا”. فإن الله أعظم مما يدركه أي إنسان خلال معاينته عظمة الخليقة. وإذ يرتفع قلبه أكثر بمعاينته أكثر (لعظمة الخليقة) ينال إدراكًا أعظم نحو الله. إن كنا لا نفهم عرشه، فكيف ندرك طبيعته؟3. أتريد أن تتعلم استحالة فهم طبيعة الله؟ يقول الثلاثة فتية في أتون النار بتسبيحه مقدمين المجد لله: “مبارك أنت يا من ترى الأعماق وتجلس على الشاروبيم” (تسبحة الثلاثة فتية 32). أخبرني ما هي طبيعة الشاروبيم وبعد ذلك تطلع إلى الجالس عليه؟ قدم حزقيال وصفًا لهم قدر ما يستطيع قائلاً إن لكل واحد منهم أربعة أوجه: فشبه وجوهها وجه إنسان، ووجه أسد، ووجه ثور، ووجه نسر، ولكل واحد منها ستة أجنحة[2]، لهم أعين من كل جانب، وتحت كل واحد فواحد عجلة ذات أربعة جوانب. وبالرغم مما أوضحه لنا النبي، إلاّ أننا عند قراءته لا نستطيع أن نفهم. فإن كنا نعجز عن فهم العرش الموصوف، فكيف نفهم الجالس عليه غير المنظور ولا منطوق به؟! إذن يستحيل علينا أن نتحرى عن طبيعة الله، إنما في مقدورنا أن نقدم تسابيح لمجده من أجل أعماله المنظورة. خالق السماء والأرض4. نقول في قانون إيماننا “(نؤمن) بإله واحد. الآب القدير، خالق السماء والأرض، ما يُرى وما لا يُرى”، متذكرين أن أبا ربنا يسوع المسيح هو نفسه خالق السماء والأرض. وبهذا نُحفظ من أخطاء الهراطقة الأشرار الذين يتجاسرون فيقولون شرًا على خالق هذا العالم كلي الحكمة، إذ لهم عيون جسدية، أما عيون قلوبهم فأظلمت. حكمة الله خالق الجلد 5. لأنه أي خطأ يجدونه في خليقة الله المتسعة؟! هؤلاء الذين كان يليق بهم أن يتأملوا اتساع السماوات مندهشين… ويتعبدوا لخالق السماء كقبةٍ، وموجد مادة السماء (السحب) من الماء، إذ “قال الله ليكن جلد في وسط المياه” (تك 1: 6). تكلم مرة فتحقق قوله وبقي دون أن يسقط[3]… جمال الخليقة يتحدث عن الله6. ولكن ماذا؟ أما ندهش معجبين من بنيان الشمس؟ فإنها تبدو للنظر جسمًا صغيرًا لكنها تحمل قوة جبارة. تشرق من المشارق، وترسل أشعتها حتى المغارب. وكما وصف المرتل شروقها عند الفجر قائلاً: “مثل العريس الخارج من خدره” (مز 19: 5). لقد رسم لنا بهاءها وخفة حرارتها عند بداية شروقها للبشر حتى إذا ما جاء وقت الظهيرة غالبًا ما نهرب من التطلع إليها. فشروقها متعة للجميع، إنها شبيهة بالعريس! تأمل أيضًا تدابيرها (بل بالأحرى تدابير الله موجد عملها)، كيف تظهر في الصيف مرتفعة حيث يطول فيه النهار، فتعطي للبشر فرصة للعمل، وفي الشتاء يزداد البرد ويطول الليل لأجل راحة البشر… كما تساهم في أثمار منتجات الأرض! تأمل كيف تتوالى الأيام، وتتوافق مع بعضها البعض، في نظامٍ لائقٍ. في الصيف يطول النهار وفي الشتاء يقصر، وأمّا في الربيع والخريف فيتساوى كل منهما مع الآخر. وهكذا يحمل الليل نظامًا مشابهًا، إذ يقول المرتل: “يوم إلى يوم يبدي قولاً، وليل إلى ليل يُظهر علمًا” (مز 19: 2). يا للهراطقة الصم، إذ تصرخ هذه جميعها مدوية بصوتٍ عالًٍ خلال نظامها المبدع، قائلة: “ليس إله آخر سوى الخالق، موجد هذه النظم ومدبر نظام المسكونة!” موجد النور والظلمة7. لا تسمح لأحد أن يقول إن خالق النور غير خالق الظلمة، بل تذكر ما جاء في إشعياء! أنا الله “مصور النور وخالق الظلمة” (إش 45: 7). لماذا تتكدر من هذا يا إنسان؟ لماذا تستاء من الفرصة المعطاة لك للراحة؟! هل الخادم يسمح له سيده بالراحة لو لم تحتم الظلمة عليه بضرورة الراحة؟! فبعد إرهاق النهار ننتعش ليلاً، فنقوم في الصباح، وقد تجددت قوانا بعد أثقال أتعاب النهار وذلك بفضل راحة الليل. أي شيء أنفع للإنسان من الليل لبلوغ الحكمة؟! ففيه غالبًا ما نتأمل أعمال الله، وفيه نقرأ الأقوال الإلهية ونتفهمها، وفيه نضبط أذهاننا بالأكثر لنترنم بالأبصلمودية Psalmody والصلاة! أما يحدث هذا بالليل؟! متى نتذكر خطايانا؟ أما يكون ذلك في الليل غالبًا؟! إذن ليتنا لا نقبل فكرًا شريرًا ينادي بأن إلهًا آخر هو صانع الظلمة، إذ نحن ندرك بخبرتنا أنها صالحة ونافعة[4]. مدبر الكون! 8. كان يليق بهم بالأحرى أن يندهشوا متعجبين لا من نظام الشمس والقمر فحسب بل ونظم النجوم الدقيق وظهور كل كوكب في حينه. ومن ظهورها يعرف الصيف والشتاء، وبعضها يُعلن وقت الغرس وغيرها تعلن عن بداية الإبحار[5]. فالإنسان وهو جالس في سفينته يبحر بين أمواج بلا حدود، موجهًا سفينته بتطلعه إلى النجوم. وكما يقول الكتاب المقدس عن هذه الأمور “وتكون لآيات وأوقات… وسنين” (تك 1: 14)، وليس لأجل التنجيم والخزعبلات… تأمل كيف وهبنا بنعمته أن يزداد نور النهار تدريجيًا، فلا نرى (الشمس) مشرقة دفعة واحدة، بل تبدأ بنور بسيط حتى تقدر العين أن تتطلع إليه إلى أن تبلغ الشعاع القوي. تأمل كيف تسعف أشعة القمر ظلام الليل؟! المهتم بالمياه والأمطار!9. “من هو أب للمطر؟! ومن ولد مآجل الطل؟!” (أي 38: 28) من اكتنز الهواء في السحب، وربطها ليحمل مياه الأمطار، فتأتي ذهبية اللون (أي 37: 22) من الجنوب، بنظامٍ واحدٍ تارة، وفي شكل دوائر متعددة وأشكال متباينة تارة أخرى؟! من يحصي الغيوم بالحكمة (أي 38 :37)، إذ قيل في أيوب: “يعرف انفصال السحاب؟!” (أي 37: 16 LXX) من هو “المخرج الريح من خزائنه” (مز 135: 7)، وكما قلنا قبل: “من ولد قطرات الندى ومن بطن من خرج الثلج؟!” (راجع مز 135: 7؛ أي 38: 28) فإن مادتها ماء، وقوتها كالحجر! في وقت ما يصير الماء ثلجًا كالصوف (راجع مز 147: 16)، وأخرى يذريه صقيعًا كالرماد، وثالثة يصير مادة حجرية. إنه يحكم الماء كما يريد. طبيعة الماء واحدة لكن عمله متعدد في القوة، فيعمل في الكرمة خمرًا يفرح قلب الإنسان، وفي الزيتونة زيتًا يلمع وجهه، وفي الخبز يسند قلب الإنسان (مز 104: 15)، ويوجد في كل أنواع الفاكهة التي خلقها الله[6]. ما أعجب أعمالك يا رب!10. ما هي فاعلية هذه العجائب؟! هل تجدف على الله أم تتعبد له؟ هذا وإنني لم أتكلم شيئًا عن أعمال حكمته المنظورة. تأمل معي في الربيع وفي الزهور المختلفة، تجد لكل واحدةٍ طابعها الخاص، فمن وردة قرمزية اللون، وزنبقة ناصعة البياض، وكلتاهما وُجدتا من أرض واحدة، وارتوتا من مياه واحدة؟! ومن الذي خلقهما هكذا؟! تأمل معي في عنايته الدقيقة، ففي الشجرة ذاتها تجد ما هو للمأوى، وأجزاء منها عبارة عن ثمارٍ متنوعة، والخالق واحد. وعلى نفس الكرمة نجد منها ما هو للحرق، وما هو للنمو (البراعم)، وما هو أوراق وما هو حالق[7] وعناقيد. تعجب أيضًا من كثرة العقد التي تتخلل قصبة الغاب لأنها من صنع الخالق! من أرض واحدة تخرج الزحافات والوحوش المفترسة والقطيع، وعليها تثبت الأشجار، وتوجد الأطعمة والذهب والفضة والنحاس والحديد والحجر! طبيعة المياه واحدة فيها يسبح سمك، وبها ترتوي الطيور، الأولى تسبح فيها، والثانية تهيم في الجو. تأمل عظمة البحر!11. في هذا البحر العظيم المتسع تعيش كائنات بلا عدد (مز 104: 25)، من يقدر أن يصف روعة الأسماك التي تعيش فيه؟! من يقدر أن يتصور عظمة الحيتان وطبيعة الحيوانات البرمائية: كيف تعيش تارة على أرض صماء وأخرى وسط المياه؟! من يستطيع أن يخبر عن أعماق البحار وسعتها وقوة أمواجها الهائلة؟! ومع هذا فهي تقف عند حدود مرسومة لها، إذ قيل: “إلى هنا تأتي ولا تتعدى، وهنا تتخم كبرياء لُججك” (أي 38: 11) فيُظهر البحر الطاعة بوضوح، إذ يجرى ليقف عند حدود الشاطئ في خط واضح صنعته الأمواج، معلنًا لناظريه أنه لا يتعدى الحدود المرسومة له. تأمل جمال الطيور!12. من يقدر أن يميز طبيعة طيور السماء؟! كيف يتمتع بعضها بأصوات ملحنة، وآخر مزرقش بكل الألوان في أجنحتها، والبعض يهيم في الهواء كأنه بلا حراك مثل النسر. فإنه بأمر إلهي “ينشر العقاب (أو الصقر hawk) جناحيه نحو الجنوب” (أي 39: 26). من يقدر أن يرى الارتفاع الشامخ للصقر؟!… فكيف تريد أن تفهم خالق الكل؟! تأمل عجائب الحيوانات!13. مَنْ مِن البشر يعرف حتى أسماء كل الحيوانات المفترسة؟! أو من يقدر أن يميز فسيولوجية كل منها بتدقيق؟! فإن كنت لا تعرف عن الوحوش المفترسة مجرد أسمائها فكيف تفهم خالقها؟! لقد أصدر الله أمرًا واحدًا قائلاً: لتُخرج الأرض وحوشًا وبهائم وزحافات كأجناسها (راجع تك 1: 24). من أرضٍ واحدةٍ، وبأمرٍ واحدٍ خرجت طبائع متنوعة: الحمل الوديع والأسد الكاسر، ولكل منها غرائز متنوعة… تحمل صورًا لشخصيات متنوعة من البشر. فالثعلب يعلن لنا عن الخداع في الإنسان، والحية خيانة الأصدقاء، والحصان في صهيله جموح شهوات الشبان (إر 5: 8)، والنملة النشيطة توقظ الكسلان والخامل. فإن قضى الإنسان حياته في كسلٍ تعلمه الحيوانات غير العاقلة، إذ يوبخه الكتاب المقدس قائلاً: “اذهب إلى النملة أيها الإنسان، وكن أحكم منها” (أم 6: 7 LXX). فإذ تتأملها وهي تخزن طعامها في الوقت المناسب تمثل بها لتحزن نفسك ثمار أعمال صالحة للعالم الآتي. أيضًا “اذهب إلى النحلة وتعلم منها مقدار نشاطها” (أم 8: 8 LXX). تأمل كيف تنتقل بين كل أنواع الزهور المختلفة لتجمع لك عسلها. هكذا لتنتقل أنت بين الأسفار المقدسة، وتتمسك بخلاص نفسك، وإذ تشبع منها تقول: “وجدت كلامك حلوًا في حلقي، أحلى من العسل والشهد في فمي” (مز 119: 103). تمجيد الخالق مانح الخليقة فاعليتها14. ألا يليق بنا بالأحرى أن نمجد الخالق؟! لأنه إن كنت لا تعرف طبائع كل الأشياء فهل خُلقت بلا نفع؟! أما تعرف فعالية كل الأعشاب؟! أما تعلم الفوائد التي تستفيدها من كل حيوان؟! إنه حتى الأفاعي السامة نأخذ منها ترياقها لحفظ البشر. لكنك تقول “الحيّة مرعبة”، خف الرب فلا تؤذيك! “العقرب يلدغ”، خف الرب وهو لا يلدغك! “الأسد مفترس”، خف الرب، فيرقد بجوارك كما حدث مع دانيال! عجيبة حقًا هي الحيوانات: فالبعض عنيف في لدغاته كالعقرب، والبعض قوته في أسنانه، والآخر يحارب بمخالبه بينما تكون قوة الأفاعي في تفرسها. من هذه الأعمال كلها افهم قوة الأفاعي. تأمل داخلك15. ربما لا تعرف هذه الأمور، وإذ ليس لك شيء مشترك مع الخليقة الخارجية. ادخل إلى ذاتك، ومن خلال طبيعتك تأمل خالقها. أي خطأ تجد في تكوين جسدك؟! كن سيدًا لنفسك فلا تخرج شرًا من أعضائك! آدم في البداية كان في الفردوس بلا ملابس، فليس بسبب أعضائه طُرد، لأنها ليست هي سبب الخطية، بل من يستخدمها استخدامًا خاطئًا. الصانع حكيم، من الذي أعد الرحم ليحمل الجنين؟! من يهب الحياة الأشياء التي بلا حياة في داخلك؟! من الذي ربطنا بعضلات وعظام، وكسانا بجلد ولحم (راجع أي 10: 11)، وما أن يولد الطفل حتى يفيض اللبن من الثديين؟! كيف ينمو الطفل ليكون صبيًا فشابًا فرجلاً، ويبقى هكذا حتى يعبر إلى الشيخوخة، دون أن يلاحظ أحد هذا التحول الدقيق من يومٍ إلى يومٍ؟! أيضًا بالنسبة للطعام، كيف يتحول جزء منه إلى دم، وآخر يخرج كإفرازات، وآخر يتحول إلى لحم؟! من يعطي القلب نبضاته غير المنقطعة؟! من يحرس ليونة العينين بسور الجفنين؟! فإن تكوين العينين معقد وعجيب، بصعوبة تقدم مجلدات الأطباء شرحًا له. من يوزع النفس خلال الجسد كله؟! ها أنت ترى الصانع، تأمل الخالق الحكيم! ما أعظم أعمالك يا رب!16. وإن كنت قد عالجت هذه النقاط في مقالي هذا، إلاّ إنني تركت وراءها الكثير. نعم تركت عشرات الألوف من الأشياء الأخرى، خاصة ما هو غير محسوس ولا منظور. لتدحض المجدفين على الخالق الحكيم الصالح، ولتدرك مما تسمعه وما تقراه وما تكتشفه أن “من عظمة الخليقة وجمالها يُعرف صناعها إدراكًا نسبيًا” (راجع حك 13: 5). وإذ نحني رُكبنا بوقار صالح أمام صانع العوالم، أقصد عالم الحس والفكر، ما يُرى وما لا يُرى، فإنك تمجد الله بلسان مقدس، يلهج بالمعروف، وشفتان لا تسكتان، وقلبٍ لا يمل، قائلاً: “ما أعظم أعمالك يا رب. كلها بحكمة صَنَعْتَ” (مز 104: 24)، يليق بك الإكرام والمجد والجلال من الآن خلال كل الدهور. آمين. [1] حك 13: 5. يقول الأب ثاوفيلس الأنطاكي Autolycus 1: 5 & 6 “حقًا لا يمكن أن يُرى الله بأعين بشرية، بل تنظر وتدرك عنايته وأعماله… غير المدرك لا تنظره أعين الجسد”. [2] ذكر حزقيال (1: 6-11) أن عدد الأجنحة للمخلوقات الأربعة الحيّة أربعة، كما جاء في النسخة العبرية (10: 21). أما السبعينية فقالت 8 أجنحة. ويبدو أن القديس كيرلس خلط ما هو جاء في حزقيال مع ما جاء في إشعياء 6: 2 أن الساروفيم لكل منهم 6 أجنحة. [3] تأمل القديس في الشمس والقمر والنجوم قدر ما كانت توحي إليه علوم الفلك في أيامه. [4] أفاض القديس يوحنا الذهبي الفم في الحديث عن فائدة الليل للإنسان والحيوان في مقاله “عناية الله”. [5] في المرجع السابق تحدث القديس يوحنا الذهبي الفم عن استخدام حركات النجوم في معرفة اتجاه الرياح وسرعتها وتوقيت الميعاد المناسب للإبحار، كما تستخدم في معرفة اتجاه السفينة وهو في وسط البحر. [6] راجع مقال 16: 12، والقديس الذهبي الفم Statues 12: 2. [7] الحالق أو المحلاق هو جزء لولبي رفيع من النبتة المعترشة، يساعدها على التعلق بسِنادها. |
||||
31 - 05 - 2014, 12:12 PM | رقم المشاركة : ( 4399 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لا تتقدّم إلى مشاهدة الله كأنّه منظر غريب،
بل اخلع نعليك أمامه. 1- إذا أردت أن تعرف الله، عليك أن تقتفي آثار كبار المصلّين في الكتاب المقدّس، أولئك الذين كشف الله لهم عن ذاته. وتأمل اليوم مشهد العلّيقة الملتهبة ( خروج 3، 1-6 ). ومع موسى، انزع نعليك لكي تعرف الله، فهو سيكشف لك عن ذاته كنار آكلة. 2- أنظر أولا موسى متوغلا في الصحراء؛ فجبل الله نبلغه دوما في ما وراء المنظور. كان على موسى تبديل خطّته والارتداد. ها هوذا يتقدّم ليشاهد هذا المنظر الغريب، وليرى لماذا لا تحترق العلّيقة. موسى فضولي، يجذبه الشيء الخارق، ويريد الإحاطة بمسألة الله: " ورأى الربّ انه قد مال لينظر " ( خروج 3،4 ). 3- انه يحاول أن يفهم من الخارج، لماذا الله، بواسطة اعتبارات عقليّة. ولكنّك لا تستطيع الدنو من الله بدافع الفضول، لأنّ الله لا يسمح لك أن تحبسه ضمن مفاهيم بشرية. فهو، دوما، ما وراء أفكارك، وخارج قبضتك. ليس الله معضلة يجب حلّها، بل سرّ ينبغي اكتشافه. 4- لذلك يأخذ الربّ بزمام المبادرة في اللقاء، فيدعو موسى باسمه. والموقف الوحيد أمام الله هو أن تقول له: " هاءنذا". انه فعل الحضور والتواضع والفقر والقبول. ويطلب الربّ من موسى أن يخلع نعليه، أي أن يفقد كلّ ضماناته وحماياته وأفكاره عن الله. فالله هو المثلّث التقاديس الذي يكشف عن ذاته في حوار تسوده الحرية والسجود. 5- أن تعرف الله، ذلك يعني أنك تعترف بكونه حاضرا ههنا، ولا يمكن أن تحدّه أفكارك؛ بل انه يكشف عن ذاته حينما يشاء ولمن يشاء. يقول القديس بولس: " إنّ سرّ الله يفوق كلّ إدراك". 6- لا تحاول الدنوّ من الله للكشف عن تفصيلات سرّه. وكفّ عن معاملته كأحد الأشياء، بل ناجه كشخص حرّ. واللحظة الحاسمة التي فيها يبدأ اللقاء بالله هي في حركة التراجع والتواضع، حركة تضمحلّ بها أمامه. فليس الله بلادا يتمّ غزوها، بل هو أرض مقدّسة عليك أن تطأها عاري القدمين. 7- وحينما ترضى بألاّ يكون لك، بعد اليوم، أفكار حول هذه المسألة، عندئذ يكشف الله لك عن ذاته. وبالرغم من ذلك، فإنك لن تتوصل إلى ترجمة هذه الخبرة بعبارات واضحة وجليّة. فان الله ينكشف لك، كما لموسى، مثل النار، أي مثل شيءٍ لا يمكنك أن تقبضَ عليه وتبقيه بين يديك. إنه يعطي ذاته مثل نار آكلة. فالنار مادّةٌ باهرة وغريبة. إنّها تنير وتحوّل إلى ذاتها كلّ ما تلمسه. 8- وفي التأمّل، قف فقيرا وعاريا أمام العلّيقة الملتهبة والمتوهجّة. لا تقل شيئا، بل قدّم لهذه النار الآكلة كلّ السطح العاري من كيانك. فالله هو ذاك الذي يريد التهامك، فتصبح كيانا واحدا معه وشريكا في طبيعته الإلهية. انّه يحوّل إلى ذاته جميع الذين يقدّمون ذاتهم لنعمته المحوّلة، في وقفة الحفاة. وباتّحادك بالله، ستكون له من القدرة، ما يكفي ليُضرم العالم، وبطريقة سرّية، بنار حبّه |
||||
31 - 05 - 2014, 12:14 PM | رقم المشاركة : ( 4400 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لأنّ اللهَ مَعَنا الأب نقولا مالك «نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ كُلُّ شَيْءٍ يُعاوِنُهُمْ لِلخَير، أَيِ الَّذِينَ هُمْ مَدْعُوُّونَ بِحَسَبِ القَصْدِ. فَإِنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَحَدَّدَ أَنْ يَكُونُوا مُشابِهِينَ لِصُورَةِ ابْنِهِ، حَتّى يَكُونَ بِكْرًا ما بَينَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. وَالَّذِينَ سَبَقَ فَحَدَّدَهُمْ إِيّاهُمْ دَعا، وَالَّذِينَ دَعاهُمْ إِيّاهُمْ بَرَّرَ، وَالَّذِينَ بَرَّرَهُمْ إِيّاهُمْ مَجَّدَ. فَماذا نَقُولُ في ذلك؟ إِذا كانَ اللهُ مَعَنا فَمَنْ عَلَينا! الّذي لَمْ يُشْفِقْ على ابْنِهِ بَلْ أَسْلَمَهُ عَن جَمِيعِنا، كَيفَ لا يَهَبُنا أَيضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ!». (رو 28:8-39) لا مَفَرَّ مِنَ الشَّدائد: "كُلُّ شيْءٍ يُعاوِنُهُم لِلخَير": هل يقصدُ الرَّسولُ بكلامِهِ هذا أنّ اللهَ يُجَنِّبُ أحبّاءَهُ كُلَّ أنواعِ المَصاعبِ والتَّجارب؟ هل يقصد أنَّهم لا يتعرَّضُونَ لأمورٍ صعبة، بل كلُّ الأشياء تكونُ سهلةً وممهَّدةً أمامَهم؟ بالتّأكيد لا. فبولسُ الرَّسولُ نفسُه، عِندَما تَوَسَّلَ ثَلاثَ مَرّاتٍ إلى الرَّبِّ أن يُعْتِقَهُ مِنَ الأخطار، سَمِعَ صَوتًا يَقُولُ لَهُ: "تَكفِيكَ نِعمَتي، لأَنَّ قُوَّتي في الضَّعفِ تُكْمَلُ" (2كور 9:12)؛ فَفَهِمَ أَنَّ عليهِ أن يتحمَّلَ نصيبَهُ مِنَ الصُّعوباتِ بِصَبرٍ، وأَنْ يتقَبَّلَ ضعفَهُ البَشَرِيَّ، وَيَعيشَ حياةَ الجِهادِ ضِدَّ الأهواء، ضِدَّ الذّات. وعندئذٍ صارَ "يُسَرُّ بِالضَّعَفاتِ والشَّتائمِ والضَّروراتِ والاضطهاداتِ والضِّيقات" (2كور 10:12). وبَعدَ هذا الوَعي، تَبَلْوَرَتْ مَعَهُ النّتيجةُ: الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ كُلُّ شَيْءٍ يُعاوِنُهُمْ لِلخَير. وبِقَولِهِ "كُلُّ شيء"، يقصدُ الأُمُورَ الصَّعبةَ: الشِّدّة، العَوَز، السَّجن، الجُوع، الموت، وَكُلّ المصائب الأُخرى. لَمْ يَقُلْ: الَّذِينَ يُحِبُّونَ اللهَ لا يُواجِهُونَ الأخطار، بَلْ قالَ كُلُّ شَيْءٍ يَعمَلُ لِخَيرِهِم. هذه التَّجارِبُ مِن شأنِها أن تجعلَهُم يختبرونَ ما هو أسمى مِن كلّ شيءٍ آخَر. مَثَلاً، في أتُّونِ بابل، لَم يَمْنَعِ الرَّبُّ رَمْيَ الفِتْيَةِ الثَّلاثَةِ في الأَتُّون، لكِنَّهُ أَهَّلَهُم لاختِبارِ أعجوبةٍ أكبر. مِرساة الإيمان: ولكنْ، مَن هُمَ المَعنِيُّونَ بهذا الكلام، والمُستفيدونَ مِن هذه النّعمة؟ نقولُ، بَدءًا، إنَّ اللهَ يُريدُ أن يستفيدَ مِن نعمتِهِ جميعُ النّاس. إلاّ أنَّ البعضَ لا يَتَجاوَبُونَ مَعَها، فيأتي الرَّفضُ مِنهُم.. مِنَ الإرادةِ البشريّةِ المريضة. وهذا ما دَفَعَ الرَّسُولَ إلى رَبْطِ كَلامِهِ أعلاه بِقَولِه: "الّذينَ يُحِبُّونَ الله": أَي على الإنسانِ أن يَتَجاوَبَ مَعَ النِّعمةِ الإلهيّة، فيتقبّلَ محبّةَ الله ويُبادِلَها بمحبَّةٍ مُماثِلة... "الّذين هُم مدعوّونَ بحسبِ القصد": أي الّذين أطاعوا مشيئة الرّبّ، ولبَّوا دعوَتَهُ، فَجَعَلُوا مشيئتَهُم خاضعةً لِقَصدِهِ الإلهيّ. هؤلاء هُم الّذينَ كُلُّ شيءٍ يُعاوِنُهم للخير. مَدعوّونَ إلى ماذا: إلى أن يصيروا مشابِهِينَ لِصُورةِ ابنِه. هذا مجدٌ عظيمٌ هيَّأهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحبُّونَهُ. فَبَعدَ أن نَعرِفَ كُلَّ هذه الخيرات، يحقُّ لنا أن نقولَ مَعَ الرَّسُول: إذا كانَ اللهُ مَعَنا فَمَنْ عَلَينا! أيْ: لا تَهُمُّنا الأخطارُ والتّجاربُ الآتِيَةُ مِنَ الجميع. الدّعوةُ المسبَقة: هُنا يَبرُزُ تساؤُلٌ: أَلا يَعني هذا الكَلامُ (الّذينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُم.. سَبَقَ فَحَدَّدَهم) أَنَّ اللهَ قد عَيَّنَ مُسبَقًا الّذينَ يخلُصُونَ والّذينَ لا يَخلُصون؟ يقولُ القدّيسُ سمعانُ اللاهُوتِيُّ الحديث، مُوضِحًا هذا الكلام: يَدعو اللهُ الكُلَّ، يَهُودًا وَوَثَنِيِّينَ. كانَ يَعرِفُ مُسبَقًا أنَّ قِسْمًا مِنَ اليَهُودِ لَن يَقبَلَ دَعوَتَهُ. وَمَعَ ذلكَ عَيَّنَ مُسبَقًا أنَّ الَّذِينَ يُؤمنونَ به، مِن يهودٍ ووثنيّينَ، سَوفَ يعتمدونَ باسمِه، وسوفَ يتبرَّرُونَ مِنَ الخطيئة، وَيَتَمَجَّدُونَ في الحياةِ الأبديّة. هذا كُلُّهُ عن طريقِ الإيمانِ بالمسيح، والمعموديَّةِ المقدَّسة. مَن عَلَينا؟ العالَمُ ضِدُّنا: الطُّغاة- الشَّعب ? الأقرباء... لكنَّ كُلَّ مَن هوَ ضدُّنا، بِشِدَّةٍ، لا يؤذينا؛ لأنَّهُ، وبغيرِ إرادته، يصيرُ سَبَبًا لِخَلاصِنا، وَبِسَبَبِهِ نَنالُ الأكاليلَ والخيراتِ الّتي لا تُحصى. مَثَلاً، أَيّوب كانَ الشَّيطانُ ضِدَّه، فَأَثارَ عَلَيهِ أَصدِقاءَهُ، وامرأَتَهُ، وعبيدَهُ، مَعَ جِراحاتٍ وَمَكائدَ أُخرى. لكنْ، في النِّهايةِ انقَلَبَ كُلُّ شَيْءٍ مِن أجلِ فائدتِه. لماذا؟ لأَنَّ اللهَ كان مَعَه. نصائح تُساعدُ على تَقَبُّلِ الشَّدائد: - إذا أساءَ أَحَدٌ إِلَيكَ، تَقَبَّلِ الإساءةَ على أنّها أداةٌ مِنَ الله. فَبِإمكانِكَ، إذا رَغِبتَ، أن تستعملَها لِتَقتَلِعَ كُلَّ جُذُورِ القَذارَةِ مِن قَلبِكَ. - إبتعدْ عَنِ الغَضَبِ قَدْرَ المُستَطاع، فالتّدبيرُ الإلهيُّ يَسمحُ بالصُّعُوباتِ بِهَدَفِ خلاصِ النَّفس. تَذَكَّرِ القدّيسَ بولسَ الّذي واجَهَ مَخاطِرَ في الأنهار، مِنَ الأعداء، مِن مُواطِنِيه، مِنَ الوَثَنِيِّين، مِن إخوةٍ مُزَيَّفِين، في المُدُنِ والصَّحارى وَالبِحار، مِنَ الأمراضِ على أنواعها. - لا تُعِرْ أَيَّ اهتمامٍ لأَيِّ شخصٍ يُزعِجُكَ. تَذَكَّرْ فقط أنّهُ ما مِن أحدٍ يستطيعُ أن يُسيءَ إليكَ إذا كانَ اللهُ لا يُريدُ ذلك. وَمِنَ الأفضلِ أن تشكرَ اللهَ لأنَّهُ يُريكَ بِوُضُوحٍ مِن خلالِ المصاعبِ كم أنتَ قَريبٌ منه، وهو يَقُودُكَ إلى عالَمِ الجنّة. يقولُ الكتابُ المقدَّس: "إنْ كُنتُم تحتملونَ التّأديبَ يُعامِلُكُمُ اللهُ كالبَنِين؛ فَأَيُّ ابنٍ لا يُؤَدِّبُهُ أَبُوه!" (عب 7:12). - تَحاشَ دائمًا أن تكونَ متجَهِّمًا أو عابسًا. أمامَ الرَّبِّ يجبُ أن تكونَ بريئًا كالأولادِ في علاقاتِكَ مَعَ الآخَرين. - إستَرِحْ في مَحَبَّةِ الله. تَعَلَّمْها. تَنَفَّسْها. اللهُ مَحَبّة، وَمَنْ يَثبُتْ في المَحَبَّةِ يَثْبُتْ في الله، وَيَثبُتِ اللهُ فيه. مَعَ اللهِ تُصبحُ الحياةُ الصَّعبةُ حُلْوَةً. - تَجَنَّبِ المُخاصَماتِ الّتي تُسَبِّبُ الاضطِرابَ في القَلب، وتَحرمُكَ مِن سلامِ الرُّوح. قاوِمْ كُلَّ أفكارِ المُخاصَماتِ بواسطةِ صلاةِ يَسُوع. - أُطلُبِ الأشياءَ مِنَ الآخَرِين، مُتَحَلِّيًا بِصَبْرِ المرأةِ الكنعانيّة. - إنتَصِرْ على الشَّرِّ بالخَير، فالسُّوءُ لا يُمكِنُ أن يُصَحَّحَ بالسُّوء. - عندما تتوَتَّرُ علاقتُكَ مَعَ المُقَرَّبِينَ إليك، الْتَفِتْ أَوّلاً إلى نفسِكَ وافحَصْها بِشِدَّة. فَغالِبًا ما تَكُونُ أنتَ السَّبَب. - عندما يَشْتَدُّ غَضَبُكَ ابْقَ صامِتًا، وَصَلِّ صلاةَ يَسُوع. - لا تَشْتَكِ مِنَ الحياة. الأشرارُ فقط لا يحتملُونَها. وهذا لا يَنطَبِقُ على الَّذِينَ يُؤمِنُونَ بِيَسُوعَ المسيحِ وَيَثِقُونَ بِهِ وَيُحِبُّونَهُ |
||||