منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 19 - 06 - 2021, 01:19 PM   رقم المشاركة : ( 43091 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,297,752

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تساعية ام المعونة الدائمة

اليوم التاسع والاخير

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


تساعية ام المعونة الدائمة ( اليوم التاسع والاخير )

صلاة ام المعونة الدائمة:
يا ام المعونة الدائمة، ها قد وصلنا اليوم الاخير من هذه التساعية، لقد تضرعنا اليك كل يوم،والالن ترتفع اليك صلاتنا بمزيد من الثقة والحرارة.ونحن على ثقة من انك استجبت طلباتنا ومنحتنا ما هو خير نا، فبحق ابنك الحبيب، وبحق اوجاعك ومحبتك لنا وخصوصا بحق اسمك المجيد(االمعونة الدئمة)، تحنني علينا ولا تهملينا، بل استجيبي طلباتنا في هذا النهار وامنحينا ان نحبك طوال حياتنا حتى يتسنى نا يوما ان نمجدك ونشكرك مع ابنك الحبيب الى الابد، امين.

لنصلي مرة الابانا...السلام...المجد

من ماثر ام المعونة الدائمة:

كان في روما عام 1846 مقعد اتخذ له زاوية امام كنيسة العذراء (( ام المعونة الدائمة )) يقبع فيها , ومن مكانه كان يلتمس الشفاء من مرضه . وفي احد الايام توجه بالصلاة الى مريم البتول مخاطبا ً بكل دالة بنوية قائلا ً : لقد طال انتظاري يا عذراء , واملي عظيم برأفتك , فخذي عكازتي يا حنونة , اني لن اغادر هذا المقام حتى تردي لي القوة والصحة . استجابت مريم لذلك الطلب الصادر من اعماق قلب المقعد المسكين عن ثقة وايمان حي , فحدثت المعجزة ونال الشفاء التام , فقام في الحال وقد استفزه الفرح , ودخل الى الكنيسة ليشكر ام المعونة الدائمة التي استجابت لصلاته وهرعت لنجدته فشفته من عاهته . وانتشر خبر الا عجوبة في ارجاء المدينة , فتقاطرت الجماهير افواجا ً وزرافات واحاطوا به من كل جانب , ما بين ذارف الدموع وهاتف جذل , ودخلوا الى الكنيسة يرفعون اناشيد المديح والشكر للام البتول التي لا تخيب سائلا ً ابدا ً .

نشيد العذراء مريم:

46 فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «تُعَظِّمُ نَفْسِي الرَّبَّ،
47 وَتَبْتَهِجُ رُوحِي بِاللهِ مُخَلِّصِي،
48 لأَنَّهُ نَظَرَ إِلَى اتِّضَاعِ أَمَتِهِ. فَهُوَذَا مُنْذُ الآنَ جَمِيعُ الأَجْيَالِ تُطَوِّبُنِي،
49 لأَنَّ الْقَدِيرَ صَنَعَ بِي عَظَائِمَ، وَاسْمُهُ قُدُّوسٌ،
50 وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ.
51 صَنَعَ قُوَّةً بِذِرَاعِهِ. شَتَّتَ الْمُسْتَكْبِرِينَ بِفِكْرِ قُلُوبِهِمْ.
52 أَنْزَلَ الأَعِزَّاءَ عَنِ الْكَرَاسِيِّ وَرَفَعَ الْمُتَّضِعِينَ.
53 أَشْبَعَ الْجِيَاعَ خَيْرَاتٍ وَصَرَفَ الأَغْنِيَاءَ فَارِغِينَ.
54 عَضَدَ إِسْرَائِيلَ فَتَاهُ لِيَذْكُرَ رَحْمَةً،
55 كَمَا كَلَّمَ آبَاءَنَا. لإِبْراهِيمَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ».


صلاة:

1- السلام لك يا مريم يا يمامة جليله تصيح
لنا بسر معظم صوتها مبهج وفريح
2- السلام لك يا كرمة عنقودها قد أثمر
رأس ينبوع الحكمة وفهم عالي معظم
3- السلام للإناء المستور قبل كون العالمين
المحتوي نور من نور في حضن الأب كل حين
4- السلام لك يا كنز خفي حامل كل الأسرار
وبك الموعد وفي لسائر الأباء الأبرار
5- السلام لك يا مظلة أب الأباء أبراهيم
حكمة خفية وظهرت إحتار فيها كل فهيم
6- السلام لينبوع اسحق مروى الزرع المثمر
السلام لفجر مشرق أشرق في عالم مقفر
7- السلام لتهليل يعقوب وأصل كل البركات
وراحة للشعوب وبها زالت اللعنات
8- السلام لحقل مشهور وفي وسطه الجوهر
وجده يوسف مبرور ويفوق كنزا أبهر
9- يا حقلا نقي مبرور وفي وسطه خالق لا يرى
صير المشجوب مبرور له العظمة والقدرة
10- السلام لسفينة نوح والنجمة البدرية
اشراقك فجر يلوح نوره لكل البريه
11- يا حقلا غير مفلح من ذاته بغير تفليح
سقاه صار مفلح روحا قدوسا وصريح
12- السلام للمصنوعة وصانعها هو جنينها
وهي بيده مبدوعة وولد كصبي منها
13- طوباك يا من سرك متعالي عجيب ورهيب
احتار عقلي في أمرك بل وعقل كل نجيب
14- ما أبهج نورك في ضياه يضئ على أهل الظلمة
عبدك أبليس أغواه صيره من أهل النقمة
15- فيا ويلي ويا أسفاه فات العمر ولا ادراه
أجر الكرام اجراه وأنا خالي من الأجرة
16- عبر الشتاء والصيف ولم أظفر بخلاص
قرب الحصاد والهيف وأنا مربوط بقصاص
17- يا رجاء من خاب رجاه أم وعرش وعذرا
عفو ابنك اترجاه لا يحسبني من اليسرا
18- تأخرت في المتجر فخابت مني التجره
جئت في الحادي عشر راجي قبض الأجرة
19- طمعان فيك يوم الحشر وجرحي بك يبرا
وقت خروجي حضر وفي الساعة المرة
20- جريني وأنا في اليسر في حسبك يا عذراء
البسيني إكليل الظفر وأوفيني أجرة بكره
21- مع كافة المسيحيين أجمع يكونوا في سلام
ولشفاعتك طالبين يا شفيعة في الانام
22- تفسير أسمك في أفواه كل المؤمنين
الكل يقولون يا إله العذراء مريم أعنا أجمعين














 
قديم 19 - 06 - 2021, 01:32 PM   رقم المشاركة : ( 43092 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,297,752

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تساعية إكراماً
لأم الـمعونـة الدائمـة



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يا أم المعونـة الدائمة تضرعي لأجلنـا
طبقاً
لأسطورة قديمة أن القديس لوقا الإنجيلي قد قام برسم لوحـة للسيدة مريم العذراء
وهـى تحمل الطفل يسوع على ذراعيهـا أثناء حياتهـا فى أورشليم وأهداهـا إلـى صديقه
"العزيز ثاوفيلس" والذى جاء ذكره فـى
مقدمة إنجيله
(لوقا3:1)، وقيل أيضاً أنـه عندما رأت القديسة مريم الصورة باركت الرسّام والصورة
وقالت:"بركتـي ستصاحب هذه الصورة". وبمرور السنوات تمت العديد من
الـمعجزات بواسطة تلك الصورة لدرجة أن البابا إينوسنت الثالث فى عام 1207 أعلن أن
"الصورة بالفعل عجائبية". وهناك أسطورة أخرى تقول بأن القديس لوقا لم
يرسم صورة واحدة فقط بل عدة صور قد باركتهـا كلهـا العذراء مريم، ولقد قيل أنـه قد
قام بهذا العـمل كطلب الرسل ليحملوهـا معهم فـى رحلاتهم التبشيرية. ولا يوُجد أي
مصدر تاريخى حتى القرن الخامس الميلادي يُذكر فيـه أي شيئ عن تلك الصورة أو الصور
الأخرى، حتى جاءت إيـودوكيا زوجة الإمبراطور ثيودوسيوس الثانى من القسطنطينية لزيارة الأراضى المقدسة وحصُلت
على إحدى تلك الصور وأرسلتهـا الى القسطنطينية حيث تم بناء كنيسة ووضعت بهـا صورة
العذراء مريم. وأصبحت الصورة مزاراً مقدساً يحج اليه الـمؤمنين وكم من الـمعجزات
قد أجراهـا الله بشفاعة مريم العذراء فـى ذلك الـمكان، وكم من الكوارث والحروب
أُنقذت منهـا مدينة القسطنطينية من خلال تلك الصورة الـمقدسة. ولقد أُطلق على هذه
الصورة "سيدة الـمعونـة الدائـمة" لأنـه مـا من أحد إلتجأ لـمريم
العذراء ورُد خائبـاً، وتم ترتيب صلوات لله بشفاعـة أمـه مريم العذراء.
وهناك أكثر من تساعية منشورة لسيدة المعونـة الدائمة
اليوم الأول
يا أم المعونة الدائمة كم أحب أن أجثو أمام صورتك العجائبية فإنها تلهب
دائما فى قلبي أحرّ عواطف الثقة البنوية. فعلى ذراعيك أشاهد يسوع مخلصي ينبوع كل
خير ونعمة وأنت أمـه، فلكِ أن تطلبي وله أن يستجيب لأنه لم يُسمع قط انه رفض طلبك.
فهآنذا التجئ الى شفاعتك الكلية الإقتدار. فامنحيني النعمة (أذكر النعمة المطلوبة)
ولا ترفضي طلبي.
أبانا.. والسلام...و الـمجد...وأذكري يا مريم ....
اليوم الثانى
يا أم المعونة الدائمة فى هذا الطفل الذى تضمينه الى قلبك تشاهدين ابن الله
وابنك وممثل جميع البشر. فلا تنسي ان يسوع ابنك قد طلب منك وهو على الصليب
ان تجيديه فى كل واحد منا. فيسوع هذا الذى على ساعديك ويطلب حماك هو كل نفس
متألـمة، هو نفسي الآتية اليكِ تستنجد حنّوك. فيا أمي استجيبي لي فانك عارفة بطلبي.
أبانا.. والسلام...و الـمجد...وأذكري يا مريم ....
اليوم الثالث
يا أم المعونة الدائمة أحب صورتك المباركة لأنها تتعلق بجميع عظائمك فعليها
لقبك المجيد "أم الله" وجبرائيل رئيس الملائكة الذى دعاك "ممتلئة
نعمة" وميخائيل ممثل الطغمات الملائكية. ثم اني أشاهد ملك الملوك نفسه على
ذراعيك. فأنت إذن المباركة بين النساء. أنت لجة كل كمال. فيا أمّاً عجيبة اني
أُسّر بإعلان قداستك وأمجادك فهبيني ما أطلب من قدرتك السامية.
أبانا.. والسلام...و الـمجد...وأذكري يا مريم ....
اليوم الرابع
يا أم المعونة الدائمة أنت الفرع الـمقدّس الذى افرعت منه زهرة الحياة. ومن
محياك أشرق نجم ساطع لأنك أنت "نجمة الصبح" التى بشرتنا بيوم الخلاص.
أنت "نجمة البحر" التى منها يشرق الرجاء. فيا أمّاً حبيبة كم تخففين
علينا نير الواجب، فذكرك بهجة القلوب واسمك سلام لنفسي المضطربة، فدعينى أهتف
اليكِ: يا أمّاً حبيبة اني أحبك وبك ومعك أحب ابنك الإلهي. فيا رجاءنا استجيبيني.
أبانا.. والسلام...و الـمجد...وأذكري يا مريم ....
اليوم الخامس
يا أم المعونة الدائمة ان لي فى صورتك المقدسة سبباً آخر يحثني على الثقة
بجودك. فأنت فيها "أم الأوجاع" تضمين الى صدرك يسوع وهو ينظر لأدوات
آلامـه، وتتألمين معه فأنى أدرك سمو استحقاقاتك وقدرة شفاعتك العظمى لدى العدل
الإلهي وأتألم لآلام يسوع ولالآمك التى سببتها بآثامي وأتضرع اليك بإسم هذه الآلام
طالباً الندامة والقوة فأصغى إليّ فى هذه التساعية. آمين. أبانا.. والسلام...و
الـمجد...وأذكري يا مريم ....
اليوم السادس
يا أم المعونة الدائمة ان صورتك الـمؤثرة تنبئني بلآلامك الـمبرحة التى
جعلتك تتعطفين على أوجاعنا. فكم يحلو للنفس أن تجد قلباً يرثى لأوجاعها
نظير قلبك. فعند قدميك إذن آتى يا أماً حنونة لأجدد قواي لأنى على يقين من انك لن
تتركي ابنك بل تصغين الى صوت شقائه وتسمعيه كلام التعزية، فهبيني النعمة التى
أستمدها من حنوك. آمين.
أبانا.. والسلام...و الـمجد...وأذكري يا مريم ....
اليوم السابع
يا أم المعونة الدائمة اني ألتجئ اليك بثقة لأنك أنت القيّمة على كنوز
النعم الإلهية. فأنتِ أم يسوع وفى يديك استحقاقاته الغير الـمتناهية. أنتِ أم
الأوجاع ومن أوجاع يسوع وأوجاعك خرج ينبوع خلاصنا. أنتِ أم البشر وقد أخذت على
نفسك أن تساعديهم. فمن اتكل عليكِ وعاد مخذولاً؟ فاستمدي لي أن أثبت فى خدمتكِ
وأنال النعمة التى أطلبها منكِ. آمين.
أبانا.. والسلام...و الـمجد...وأذكري يا مريم ....
اليوم الثامن
يا أم
المعونة الدائمة تأخذني أحياناً الرجفة والجزع لشدة شقائي. نعم انكِ قديرة ورحيمة
أما أنا فمسكين وحقير فكيف أتجرأ على النظر إليكِ؟. لكن صورتك العذبة تدعونى
قائلة: "ثق يا بني فأنا أم الرحمة وغاية أماني ان أعزّي البائسين وأنا أم
المعونة الدائمة فعليّ أن أشفي كل سقم ومرض". فإلى حنانك التجئ إذن يا مريم
فى هذه الساعة فإحفظيني وساعديني وعزّيني.
آمين.
أبانا..
والسلام...و الـمجد...وأذكري يا مريم ....
اليوم التاسع
يا أم المعونة الدائمة هاءنذا قد بلغت آخر يوم من هذه التساعية. لقد تضرعت
اليك كل يوم وأمّا الآن فترتفع اليك صلاتي بأكثر ثقة وحرارة. فاني على يقين من انك
استجبت طلبي أو أعددت لي ما هو خيرُ لي. فبحق ابنك الحبيب وبحق اوجاعك ومحبتك لي
وخصوصاً بحق اسمك المجيد"ام المعونة الدائمة" تحتتي عليّ ولا تهمليني بل
استجيبي طلبتي فى هذه الساعة وامنحيني أن أحبك مدة حياتي كلها حتى أسبحك وأمجدك
وأشكرك مع ابنك الحبيب الى الآبد. آمين. أبانا.. والسلام...و الـمجد...وأذكري يا
مريم ....
 
قديم 19 - 06 - 2021, 01:48 PM   رقم المشاركة : ( 43093 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,297,752

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

اليهود وقيامة المسيح



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة





1 آراء اليهود الذين عاصروا المسيح، والرد عليها
إن اليهود الذين لم يكن لديهم علم بحقائق الأمور، كانوا يعتقدون بناء على ما تلقوه من كهنتهم، أن تلاميذ المسيح سرقوا جسده ليلاً. ثم أشاعوا أنه قام من بين الأموات، كما ذكرنا في حادثة القيامة، وللرد على هذا الإعتقاد نقول:
1 - إن أورشليم كانت في عيد الفصح (أو بالحري في الفترة التي صلب المسيح فيها) ، مكتظة باليهود الذين أتوا إليها من كل صوب وحدب، لكي يحضروا هذا العيد هناك، وكانوا كعادتهم يقضون ليالي العيد السبع في ترتيل أناشيدهم التقليدية على ضوء القمر الساطع، وهم سائرون في الشوارع أو جالسون في الخيام التي كانوا ينصبونها في الطرقات، لأن العيد المذكور كان يقع دائماً عند منتصف الشهر القمري (خروج 12: 6) . ولذلك لا يعقل إطلاقاً أن يكون تلاميذ المسيح قد فكروا وقتئذ في سرقة جسده، إن كانت لديهم النية لسرقته.
2 - فضلاً عن ذلك فإن صلب المسيح كان قد بدد آمال تلاميذه من جهته، كما ملأ قلوبهم بالرعب والفزع من اليهود والرومان على السواء، ولذلك هرب بعضهم واختبأ البعض الآخر (مرقس 14: 50-52 ، يوحنا 20: 19) - وأشخاص مثل هؤلاء، لو كانوا قد فكروا في سرقة جسد المسيح، لا يمكن أن تكون قد اجتمعت كلمتهم في بحر ثلاثة أيام، وامتلأوا شجاعة وإقداماً، ففتحوا قبر المسيح وسرقوا جسده، ليس فقط لأن جموعاً كثيرة من الناس كانت تسير في كل مكان وقتئذ، بل لأنه كان هناك حول القبر أيضاً جنود مدججون بالسلاح من حرس الهيكل اليهودي (متى 27: 65) ، يبلغ عددهم كما يقول المؤرخون ستين جندياً، يشرف عليهم أحد ضباط الرومان - وهؤلاء الجنود كانوا ولا شك، في غاية اليقظة والإنتباه، إذ أن القانون كان يقضي بالإعدام على كل من ينام منهم في مدة الحراسة. كما كان الضابط الروماني الذي يشرف عليهم، يراقبهم أشد المراقبة، الأمر الذي كان يزيد من حرصهم على القيام بمهمتهم خير قيام. أضف إلى ما تقدم، أن الجنود المذكورين كانوا بسبب موالاتهم لرؤساء الكهنة يحقدون على تلاميذ المسيح، ويتأهبون للقبض عليهم، إذا حاولوا سرقة جسده، كما أدخل هؤلاء الرؤساء في روع الجنود من قبل.
3 - كما أنه ليس من المعقول أن يكون تلاميذ المسيح قد رشوا الجنود المذكورين حتى يسمحوا لهم بسرقة جسده. إذ فضلاً عن أن هؤلاء التلاميذ كانوا على جانب عظيم من الأخلاق الكريمة التي لا تسمح لهم بهذا التصرف، لم يكونوا من الأثرياء أو ذوي النفوذ والجاه، بل كان جلهم من صيادي السمك الفقراء الذين يملكون بالكاد قوت يومهم. فضلاً عن ذلك، فإن الحراس لم يكونوا جميعاً من البلاهة بمكان، حتى يعرضوا أنفسهم للإعدام مقابل الحصول على شيء من المال.
ولو فرضنا أن تلاميذ المسيح لم يكونوا على شيء من الأخلاق الكريمة، وأنهم استطاعوا بوسيلة ما أن يرشوا الحراس والضابط الروماني معاً حتى يسمحوا لهم بسرقة جسد المسيح، لكانوا قد سرقوه بالأكفان، أو طرحوا الأكفان دون ترتيب، وسرقوه وحده كما يفعل اللصوص. ولكان رؤساء الكهنة من الناحية الأخرى، قد عملوا على إجراء تحقيق مع الحراس، وقدموهم إلى المحاكمة بتهمتي الرشوة والخيانة، وتحقيق آخر مع تلاميذ المسيح، ليس فقط لأن سرقة أجساد الموتى جريمة يعاقب عنها القانون، بل وأيضاً لأن خبر قيامة المسيح كان يزعج هؤلاء الرؤساء ويهدد سلطانهم بالإنهيار والزوال. لكن بالرجوع إلى التاريخ لا نرى أن تحقيقاً مثل هذا أو ذاك قد حدث، بل بالعكس نرى كثيرين من الكهنة قد آمنوا بقيامة المسيح وصاروا مسيحيين (أعمال 6: 7) ، الأمر الذي يدل على أن رؤساء الكهنة المذكورين كانوا يعلمون علم اليقين، بينهم وبين أنفسهم، أن المسيح قام حقاً من بين الأموات (متى 28: 11-15) .
4 - ولو فرضنا جدلاً أن الحراس والضابط الروماني الذي كان يشرف عليهم، قد أخذتهم جميعاً سنة من النوم (كما أوعز إليهم أن يقولوا) ، فليس من المعقول أنه لم يستيقظ واحد منهم على صوت دحرجة الحجر عن فوهة القبر - لو كان تلاميذ المسيح أو غيرهم حاولوا سرقة جسده - لأن هذا الحجر كان كبيراً لا يمكن دحرجته إلا بواسطة بضعة رجال أشداء، ولأن الحراس (إن كانوا قد ناموا) لا بد أن يكون بعضهم قد نام على هذا الحجر، ونام البعض الآخر بجواره (خشية أن يسرق أحد جسد المسيح، كما أدخل الكهنة في روعهم من قبل) ، ولذلك لا بد أن يكون قد استيقظ على الأقل نفر منهم عند دحرجة الحجر المذكور (إن كان قد دحرج وقتئذ) ، وقبضوا للتو على الأشخاص الذين قاموا بسرقة جسد المسيح، إن كان هناك مثل هؤلاء الأشخاص.
5 - ولو فرضنا جدلاً أيضاً أن الحراس جميعاً قد استغرقوا في سبات عميق للغاية (كما يقال عن أهل الكهف) ، وأنه لم يستيقظ واحد منهم على صوت دحرجة الحجر (إذا كان أحد من البشر قد دحرجه) ، فكيف عرفوا أن تلاميذ المسيح هم الذين سرقوا جسده؟ أليس ادعاؤهم بأن هؤلاء التلاميذ هم الذين سرقوه، يتعارض كل التعارض مع القول إنهم جميعاً كانوا نياماً؟!
6 - أخيراً نقول: إن تلاميذ المسيح كانوا لا يصدقون في أول الأمر أن المسيح سيقوم من الأموات (يوحنا 16: 16-28) ، أو يعرفون وقتئذ ما لهذه القيامة من ضرورة أو فائدة كما ذكرنا في حادثة القيامة، لذلك لا يعقل إطلاقاً أن يكونوا قد سرقوا جسد المسيح، لكي يعلنوا أنه قام من بين الأموات كما يدعي اليهود.
2 آراء اليهود المعاصرين، والرد عليها
قبل إعلان وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح في أوائل سنة 1966 بواسطة بابا روما، كتب واحد منهم يدعى هيوشنفيلد كتاباً عن المسيح جاء فيه إنه هو الذي دبر عملية صلبه كجزء من مؤامرة خاصة، ولذلك قبل أن يطرحه الرومان على الصليب، تناول مخدراً حتى لا يشعر بآلام الصلب التي كانت ستحل به. وبعد ثلاث ساعات من صلبه، نقله تلاميذه وهو على قيد الحياة إلى القبر، وهناك وضعوا في أكفانه الكثير من العقاقير والعطور التي ساعدت على التئام جروحه وإنعاش نفسه. وقد انتهزوا فرصة عطلة يوم السبت وهو اليوم التالي لصلبه، وسرقوه في غفلة من الحراس، ثم ذهبوا به إلى بلاد بعيدة، فعاش في هذه البلاد حتى مات .
l وللرد على هذه الدعوى نقول:
1 - إن المسيح، كما يتضح من حادثة صلبه، رفض أن يتناول مخدراً قبل توقيع الصلب عليه (مرقس 15: 23) ، لأنه أراد أنيتحمل الآلام كما هي، حتى تكون كفارته عن البشرية كفارة قانوية. لكن لما أحس قبيل موته بالعطش الشديد بسبب الإجهاد الذي كان يعانيه على الصليب، والحر اللافح الذي كان يحيط به في رابعة النهار، طلب أن يشرب. فقدم له الجنود خلاً أو بالحري نوعاً من الخل (يوحنا 19: 28 و29) ، لذلك ليس من الأمانة في شيء أن يقال إنه تناول مخدراً حتى لا يشعر بآلام الصليب.
2 - إن تلاميذ المسيح كانوا قد هربوا عندما قبض اليهود عليه، ولم يبق منهم إلا يوحنا الرسول. ولو فرضنا جدلاً أن الشجاعة قد دبت في نفوس التلاميذ وقتئذ واندفعوا إلى الصليب لإنزال المسيح عنه، لما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، لأن المسيح كان محاطاً بجنود الرومان واليهود، الذين كانوا يبعثون الرعب وكل الرعب إلى نفوسهم. كما كان محاطاً برؤساء الكهنة الذين كانوا يريدون التأكد من موته قبل إنزاله عن الصليب، لأنه كان ألد أعدائهم في الوجود، ومن ثم لا مجال للقول إن تلاميذ المسيح أنزلوا جسده عن الصليب قبل أن يموت. فإذا أضفنا إلى ذلك، أن واحداً من الجنود طعن المسيح بحربة في جنبه حتى إذا كان به رمق من الحياة، يقضي عليها بهذه الطعنة (يوحنا 19: 34) ، اتضح لنا بكل جلاء أن المسيح لا بد أنه كان قد مات قبل إنزاله عن الصليب.
3 - أخيراً نقول: إذا وضعنا أمامنا (أولاً) أن المسيح لم يدفع للصلب رغماً عنه (لأنه كان في وسعه أن يتجنبه من أول الأمر، وذلك بالكف عن توبيخ رؤساء الكهنة بسبب شرورهم) ، بل تقدم إليه بمحض اختياره. (ثانياً) أنه لم يكن جباناً أو رعديداً حتى يهرب كما يهرب اللصوص، بل كان طوال حياته شجاعاً جريئاً يواجه الأعداء في قلاعهم، ويوبخهم بكل شدة في وجوههم (متى 23: 13-65) . (ثالثاً) ليس هناك أي كتاب تاريخي يدل على أن المسيح غادر اليهودية بعد حادثة الصلب - اتضح لنا أن آراء اليهود المعاصرين هي مجرد محاولات ليبرئوا أنفسهم من جريمة صلب المسيح، حتى يتقربوا إلى الدول المسيحية وينالوا منها معونة ما. لكن لا يمكن أن تنطلي حيلهم على من لديه ذرة من الإخلاص للحق والوفاء له.





 
قديم 19 - 06 - 2021, 01:49 PM   رقم المشاركة : ( 43094 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,297,752

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الفلاسفة المحدثون وقيامة المسيح



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




الفلاسفة المحدثون وقيامة المسيح
إن الفلاسفة المحدثون، مثل ستروس وكرسوب وفنتوريني وهولتزمان وليك ورينان ولوزايه، الذين اشتغلوا بنقد الكتاب المقدس (حسب زعمهم) ، أقروا حادثة صلب المسيح وكتبوا الشيء الكثير عنها، لأنهم كانوا يبنون آراءهم ليس على عقائد خيالية أو تصورات ذهنية كالغنوسطيين، بل على الحقائق التاريخية المدونة في السجلات الرسمية. لكن نظراً لأن قيامة المسيح من الأموات تسمو فوق العقل، وفي الوقت نفسه لم تدون في مثل هذه السجلات بسبب عدم دخولها في اختصاص المحاكم والحكومات، قاوموها جميعاً بكل قواهم. وفي سبيل مقاومتهم إياها ذهب كل منهم إلى ابتداع رأي، قال إنه السبب في اعتقاد تلاميذ المسيح بقيامته من الأموات، وفيما يلي هذه الآراء مصحوبة بالرد عليها.
1 الآراء الخاصة بالأوهام، والرد عليها
1 - (من المحتمل أن يكون تلاميذ المسيح رأوا بعد موته شخصاً يشبهه، فاعتقدوا أنه المسيح بعينه) .
الرد: إن الذين نادوا بأنهم رأوا المسيح بعد موته ليسوا أشخاصاً رأوه مرة واحدة أو مرات قليلة قبل موته، حتى كان يجوز الظن بأنهم لم يكونوا على بينة من الشخص الذي ظهر لهم بعد موت المسيح، بل هم تلاميذه الذين كانوا يعرفونه كل المعرفة، لأنهم كانوا يلازمونه ليلاً ونهاراً. ومن ثم ليس من المعقول إطلاقاً أن يكونوا قد ظنوا أن شخصاً ما هو المسيح، حتى إذا كان يشبهه. لأنه إذا تشابه بعض الناس إلى حد ما في وجوههم، فإنهم يختلفون من جهة أصواتهم ومعلوماتهم وعاداتهم وأخلاقهم وتجاربهم مع غيرهم.
2 - (إن المسيح ظهر لتلاميذه بروحه في رؤيا، فانخدعوا واعتقدوا أنه قام من بين الأموات) .
الرد: فضلاً عن أن الأرواح بعد خروجها من أجسادها لا تظهر للبشر، وأن ما يقال عن ظهورها لهم، لا يتعدى مجال الحلم بها أو التوهم بحضورها، الأمر الذي لا يدع مجالاً لهذا الإعتراض نقول:
(أ) إن المسيح لم يظهر لتلاميذه في هيئة روح بل في ذات جسده كما ذكرنا فيما سلف. وقد تأكد من هذه الحقيقة ليس تلميذ واحد بل تلاميذه جميعاً، فقد نظروه بعيونهم ولمسوه بأيديهم وسمعوا صوته بآذانهم. فضلاً عن ذلك قدموا له طعاماً فأكل قدامهم، كما أخذ يعلمهم ويجيبهم عن أسئلتهم مثلما كان يفعل من قبل تماماً.
(ب) إن تلاميذ المسيح كانوا يفرقون تماماً بين الرؤيا والرؤية. فأطلقوا على الأولى إسم الغيبة أو الغيبوبة . ومن أمثلتها الرؤيا التي ظهرت لحنانيا (أعمال 9: 10) ، ولبطرس (أعمال 10: 10) . ولكن عند حديثهم عن ظهور المسيح لهم كانوا يعلنون أنهم رأوه بذاته، كما ذكرنا.
وهكذا الحال من جهة بولس الرسول الذي آمن بالمسيح بعدهم، فإنه كان يفرق بين الرؤيا والرؤية مثلهم، فيسجل لنا في (أعمال 16: 9 ، 22: 17 ، 2 كورنثوس 12: 1) ما شاهده من رؤى. ولكن عند حديثه عن ظهور المسيح له (أعمال 9) يقرر أنه كان في وقت اليقظة وليس في رؤيا أو غيبوبة.
3 - (إن ظهور المسيح لتلاميذه بعد موته، تم بعملية استحضار الأرواح) .
الرد: بالرجوع إلى الظروف التي كان التلاميذ يرون المسيح فيها، لا نجد هناك شرطاً من الشروط التي يقال بوجوب توافرها لاستحضار الأرواح. فالتلاميذ (أولاً) لم يأتوا بوسيط يحضر روح المسيح (لو فرضنا جدلاً إمكانية حدوث ذلك) حتى يتحدثوا معه (ثانياً) إنهم لما رأوه، لم يكونوا في حجرة مظلمة أو في حجرة بها لون خاص من الإضاءة، كالحجرات التي تستخدم في استحضار الأرواح (كما يقولون) ، بل كانوا إما في حجرة ضوءها معتاد، أو في بستان في الخلاء، أو في طريق عام، أو على شاطئ بحر، أو سفح جبل. (ثالثاً) إنهم لم يروا المسيح في أي مكان من هذه الأمكنة في هيئة روحية كالأرواح التي يقال باستحضارها، بل رأوه في ذات جسده الذي عرفوه من قبل. وقد تأكدوا بوسائط متعددة من وجود هذا الجسد له، إذ رأوا المسيح فيه بعيونهم ولمسوه بأيديهم، كما أعطوه طعاماً فأكل قدامهم كما ذكرنا.
ولذلك ليس هناك مجال للظن بأن ظهوره لهم كان بواسطة عملية استحضار الأرواح، إن كان هناك مجال لاستحضارها.
4 - (إن قول تلاميذ المسيح بظهوره لهم بعد موته، يرجع إلى اعتقادهم بالرجعة التي كان يؤمن بها فريق من اليهود من قبل) .
الرد: بالرجوع إلى تاريخ اليهود نرى أن الذين كانوا يتمسكون بالإعتقاد بالرجعة، أو بالحري برجوع يشوع ابن نون (الذي كان يقود أجدادهم في حروبهم بعد موسى النبي) إلى الأرض بعد موته، لكي يقودهم مرة أخرى في الحرب ضد أعدائهم من الفرس وغيرهم. وبرجوع إيليا النبي بعد صعوده إلى السماء، إلى الأرض أيضاً لكي يرشدهم ويهديهم كما كان يفعل من قبل، كانوا قد عدلوا عن اعتقادهم المذكور قبل الميلاد بمدة طويلة، إذ طغى عليه الإعتقاد بمجيء المسيا الذي سيقوم (حسب ظنهم) بإعادة الملك إليهم إلى الأبد. ومن ثم ليس هناك مجال للظن بأن تلاميذ المسيح قالوا بقيامته من بين الأموات بسبب اعتقادهم بالرجعة المزعومة.
5 - (إن تلاميذ المسيح كانوا يعتقدون أنه سيقوم بعد موته كما قال لهم من قبل، ومن ثم خيل لهم أنه قام، وأنه ظهر لهم وتحدث معهم أيضاً. ولذلك فأقوالهم عن قيامته كانت مجرد أوهام أو تهيؤات لا وجود لها في عالم الحقيقة، شأنها في ذلك شأن أوهام بعض الناس وتهيؤاتهم) .
الرد:(أ) إن المسيح وإن كان قد قال لتلاميذه إنه سيقوم بعد موته، لكن هذا القول لم يكن له وقع في نفوسهم، ومن ثم لم يفهموا منه شيئاً (مرقس 9: 30-32 ، لوقا 18: 31-22) ، لأن فكرة بقاء المسيح (أو المسيا) على الأرض إلى الأبد، وعدم تعرضه للموت بحال، كانت متسلطة وقتئذ على أذهانهم جميعاً، إذ أنها من صميم اعتقاداتهم القومية (يوحنا 12: 34) . ومن ثم عندما رأوه قد صلب ومات، تبددت ثقتهم فيه كالمسيا، وقطعوا الأمل نهائياً من جهته. والدليل على ذلك أن مريم المجدلية عندما وجدت القبر فارغاً، اعتقدت أن شخصاً ما أخذ جسد المسيح. وأن التلاميذ عندما سمعوا منها أنها رأت المسيح، لم يصدقوا في أول الأمر، كما بدا لهم حديثها وحديث غيرها من النساء كالهذيان. فضلاً عن ذلك فإن المسيح عندما ظهر فجأة لهم في الغرفة التي كانوا قد أحكموا غلقها، اعتقدوا في أول الأمر أنه روح من الأرواح. ولما أخبروا توما بعد ذلك أنهم رأوا المسيح، لم يصدق. وقال لهم: إن لم أبصر في يديه أثر المسامير، وأضع أصبعي في أثرها، وأضع يدي أيضاً في جنبه (مكان الحربة) لا أؤمن.
وهكذا الحال من جهة تلميذي عمواس، فإنهما لم يفطنا في أول الأمر أن المسيح هو الذي كان يسير معهما، لأنه لم يكن يدور في خلدهم أن المسيح سيقوم من بين الأموات.
(ب) ولكن الحقيقة الواقعة هي أن تلاميذ المسيح آمنوا بقيامته، ليس لأنه قال لهم من قبل إنه سوف يقوم من الأموات، بل لأنهم (كما ذكرنا فيما سلف) تأكدوا من قيامته بأدلة متعددة. وبالإضافة إلى ذلك فإن الذين أعلنوا أنهم رأوا المسيح بعد موته، ليس رسله فحسب (حتى كان يظن أن تأثرهم الشخصي بقوله عن وجوب قيامته بعد موته، هو الذي جعلهم يعتقدون أنه قام) ، بل إن الذين أعلنوا أنهم رأوه بعد موته كانوا أكثر من خمسمائة من أتباعه (1 كورنثوس 15: 6) .
وهؤلاء، فضلاً عن اختلاف أحدهم عن الآخر من جهة السن والطباع والثقافة والنشأة والمركز الإجتماعي، لا يمكن أنهم كانوا جميعاً على درجة واحدة من التأثر بقول المسيح السابق ذكره. ولذلك لا يعقل إطلاقاً أن يكونوا جميعاً قد انخدعوا، فاعتقدوا أنهم رأوا المسيح، والحال أنهم لم يروا إلا صورة ذهنية كانت تختلج في نفوسهم من جهته.
(ج) كما أن الذين رأوا المسيح، لم يروه عن بعد، أو رأوه برؤية خاطفة (حتى كان يظن أنهم لم يتحققوا من شخصيته) ، بل رأوه عن قرب، وفي فترات طويلة أيضاً. كما أنهم لم يروه فقط وهم مجتمعون معاً (حتى كان يظن أنهم انخدعوا تحت تأثير ما) ، بل رأوه أيضاً كأفراد في أوقات متفرقة، وتجاذب كل منهم أطراف الحديث معه بصفة شخصية.
أضف إلى ما تقدم أنهم لم يروه في مكان مهجور أو مظلم (حتى كان يظن أنهم رأوا شبحاً لا حقيقة له) ، بل كانوا يرونه في بيت اعتادوا الإقامة فيه، وفي طريق ألفوا السير عليه، وعند شاطئ بحر كانوا يعرفون كل بقعة منه، وفي مكان من الجليل كانوا يترددون بكثرة عليه. كما أنهم لم يروه فقط في المساء (حتى كان يظن أن بصرهم قد خدعهم) ، بل رأوه أيضاً في الصباح (يوحنا 21: 4-17 ، ومرقس 16: 2) ، وفي العصر (لوقا 24: 13-21) ، حيث تظهر الأمور على حقيقتها - ومع كل فتلاميذ المسيح لم يكونوا من الأشخاص ضعاف الأعصاب الذين تبدو أمامهم الأشباح في بعض الأحيان حقائق، بل كان معظمهم من طبيعة خشنة اعتادت السير في البحار وركوب الأخطار، وكان الباقون بحكم نشأتهم وأعمالهم يتميزون (كما يتضح من تاريخ حياتهم والمهن التي كانوا يقومون بها) ، إما بالتدقيق والتأني، أو الحيطة والحذر، أو الشك والتردد، الأمر الذي يجعلهم أبعد ما يكون عن التأثر بالأوهام والتخيلات.
(د) أخيراً نقول (أولاً) لو كانت رؤية التلاميذ للمسيح من باب التهيؤات، لكانوا قد قابلوها بفرح وابتهاج وليس بشك واضطراب كما رأينا فيما سبق، ولكانوا أيضاً قد سمعوا أمراً بالكرازة بالإنجيل ليس لكل الأمم، بل لليهود فحسب، لأنهم كانوا يريدون أن يحتفظوا بالمسيح لشعبهم اليهودي بسبب احتقارهم لهذه الأمم. (ثانياً) إن التهيؤات التي يمكن أن تجول في أذهان بعض الناس عن شخص ما، لا يمكن أن تكون بعينها عند البعض الآخر، بل لا بد أنها تختلف من إنسان إلى آخر تبعاً لحالته النفسية أو اختباراته الشخصية، بينما الحالة التي أعلن تلاميذ المسيح (على الرغم من الإختلافات الكثيرة التي كانت بين بعضهم والبعض الآخر) أنهم رأوه بها، في كل مرة من المرات التي كانوا يشاهدونه فيها، هي حالة واحدة، وهذه الحالة هي وجوده في ذات جسده الذي عرفوه من قبل. (ثالثاً) إن التلاميذ عندما أعلنوا عن رؤية المسيح، لم يكونوا في حالة التفكير فيه أو الشوق إليه، حتى كان يظن أن تفكيرهم وشوقهم هما اللذان جعلاهم يتوهمون أن المسيح ظهر لهم، بل كانوا منصرفين وقتئذ إنصرافاً تاماً إلى المحافظة على أرواحهم (يوحنا 20: 19) ، أو الحصول على الطعام اللازم لهم (يوحنا 21: 13) . كما أننا إذا نظرنا إليهم كأفراد نرى أن مريم كانت تجهش في البكاء، والنساء كن خائفات مرتعبات، وبطرس كان يقع تحت تأنيبات ضميره اللاذعة، وتلميذي عمواس كانا يتأسفان لعدم تحقيق أملهما في الخلاص من الرومان، وتوما كانت تساوره الشكوك وتستبد به. (رابعاً) إن التهيؤات والتخيلات تكون في أول الأمر واضحة، ثم تقل في الوضوح شيئاً فشيئاً حتى تتلاشى بمرور الزمن، بينما منظر المسيح بالنسبة إلى تلاميذه، كان واضحاً كل الوضوح في كل مرة قالوا برؤيتهم له فيها، كما أنهم لم يسمعوا من المسيح حديثاً واحداً في كل مرة كان يظهر لهم فيها، بل كانوا يسمعون منه في كل مرة حديثاً يختلف عن الحديث الذي كانوا يسمعونه منه في المرة السابقة لها، وذلك تبعاً للأسئلة التي كانوا يتقدمون بها إليه، واستمر الأمر على هذا المنوال زهاء أربعين يوماً، انقطعت بعدها رؤيتهم له وأحاديثه معهم دفعة واحدة. (خامساً) إن حماس التلاميذ في نشر خبر قيامة المسيح لم ينته بانتهاء الأربعين يوماً، التي أعلنوا أنهم كانوا يرونه فيها، بل ظل طوال حياتهم على الأرض، على الرغم من الإضطهاد الذي كانوا يقابلون به من كهنة اليهود، والتهكم الذي كانوا يقابلون به من فلاسفة اليونان. ولذلك لا يمكن أن تكون رؤيتهم للمسيح ضرباً من التهيؤات أو التخيلات على الإطلاق.
2 الآراء الخاصة بسرقة جسد المسيح أو تحلله أو عدم العثور على قبره
1 - (إن يوسف الرامي سرق جسد المسيح من القبر وأخفاه في مكان لا تتجه إليه الأنظار. لأن هذا القبر كان ملكاً له، وكان قد أحاطه ببستان يعتز به، فخشي على هذا البستان من التلف بسبب كثرة الناس الذين كانوا عتيدين أن يزوروا القبر المذكور. ولذلك فالقول بقيامة المسيح من الأموات ليس له نصيب من الصواب) .
الرد (أ) إن يوسف الرامي هذا، كان رجلاً باراً كريماً، كما قيل عنه إنه كان مشيراً (أو مستشاراً) شريفاً (مرقس 15: 3) . وهو الذي تجاسر وطلب من بيلاطس أن يأذن له بدفن جسد المسيح، كما أنه هو الذي كفن هذا الجسد باحترام عظيم ودفنه في قبره الخاص. لذلك لو كان قد أراد نقل جسد المسيح للسبب المزعوم، لما التجأ إلى طرق التهريب التي لا يلجأ إليها إلا الرعاع، بل إلى الطرق القانونية التي تتبع في مثل هذه الحالة.
(ب) ولو فرضنا جدلاً أنه فكر في السرقة، لما استطاع إليها سبيلاً، لأن القبر كان محروساً بثلة من الجنود كانوا في غاية اليقظة والإنتباه. كما أنه ليس من المعقول أن يكون قد قدم لهم رشوة ما، حتى يسمحوا له بأخذ جسد المسيح. لأنه بالإضافة إلى مكانته الأدبية السامية التي ترفعه عن هذا التصرف، فإن الجنود كانوا يهوداً (متى 37: 62-66) موالين لرؤساء الكهنة، وكانوا بطبيعة الحال يكرهون يوسف والتلاميذ لعلاقتهم بالمسيح. وفي الوقت نفسه، كانوا تحت إشراف ضابط روماني يهابونه ويعملون له حساباً كبيراً. فضلاً عن ذلك لم يكونوا من البلاهة بمكان حتى يعرضوا أنفسهم للإعدام في سبيل الحصول على شيء من المال كما ذكرنا فيما سلف.
(ج) ولو فرضنا أن يوسف سرق جسد المسيح قبل مجيء الحراس، مع أنه لا يمكن أن يكون قد جال بنفسه هذا الخاطر وقتئذ - لتأثره الشديد بصلب المسيح - لكان رؤساء الكهنة والحكام قد أجروا تحقيقاً مع جميع أتباع المسيح وفي مقدمتهم يوسف هذا، لأنه كان موالياً للمسيح ومن أتباعه المخلصين، ليس فقط لأن سرقة أجساد الموتى جريمة يعاقب عليها القانون، بل لكي يقضوا أيضاً على الشهادة بقيامة المسيح التي كانت تزعجهم، وتحول كثيرين من اليهود عن ديانتهم. لكن بالرجوع إلى التاريخ لا نرى أنه قد حدث تحقيق بهذا الشأن، الأمر الذي يدل على أن جسد المسيح لم يسرق على الإطلاق.
(د) ولو فرضنا أيضاً أن يوسف قد مات قبل إجراء أي تحقيق بشأن جسد المسيح، لكانت العذراء على الأقل قد عرفت بواسطة بعض الناس، المكان الذي يقول المعترضون إن يوسف دفن فيه جسد المسيح بعد سرقته إياه (لأنه لا يعقل أن يكون يوسف قد قام بمفرده بالسرقة إن كان قد قام بها) ، إذ أنها تتطلب دحرجة حجر كبير لا يمكن لأقل من بضعة رجال أشداء دحرجته. ولكان قد عرفه أيضاً غيرها من المؤمنين والمؤمنات وحافظوا على رفات المسيح فيه بكل إجلال واحترام. لكن القبر المعروف لدى جميع المسيحيين وغير المسيحيين من فجر المسيحية إلى الآن، وهو القبر الفارغ، وهذا دليل واضح على أن المسيح قام من الأموات كما ذكرنا.
(ه ) أخيراً نقول إن المسيح لم يكن له أحباء كثيرون في ذلك الوقت، حتى كان يوسف يخشى على بستانه من كثرة زيارتهم لقبر المسيح، فتلاميذه كانوا وقتئذ قليلين. كما أنهم لضعفهم وخوفهم من اليهود لم يبد على أحدهم نية القيام بزيارته (يوحنا 20: 19) . فإذا أضفنا إلى ذلك، أن المنديل الذي كان ملفوفاً حول رأس المسيح، والأكفان التي كانت محيطة بجسده، وملتصقة بعضها بالبعض الآخر بمزيج المر والعود كما ذكرنا فيما سلف، وجدهما التلاميذ واليهود داخل القبر في نفس الموضعين اللذين كانا فيهما بالنسبة إلى رأس المسيح وجسده عند دفنه، وبنفس الهيئة التي كانا ملفوفين بها عندئذ، دون أن تنحل عقدة من عقدهما أو طية من طياتهما، وكأنهما لا يزالان يحويان جسد المسيح بكامله، اتضح لنا بدليل ليس بعده دليل، أن جسد المسيح لا يمكن أن يكون قد سرق، بل لا بد أن يكون قد نفذ من بين الأكفان بطريقة معجزية، تاركاً هذه الأكفان كما هي، لأن السارق كان يسرق الجسد بالأكفان المحيطة به. ولو أراد أن يسرقه وحده (وإن كان هذا أمراً مستبعداً، لأن السارق يريد أن يقوم بمهمته بكل سرعة حتى لا يراه أحد) ، لكان قد نزع الأكفان وألقى بها دون ترتيب أو نظام.
2 - (إن بيلاطس البنطي سرق جسد المسيح من القبر، لكي يغيظ اليهود الذين أرغموه على صلب المسيح) .
الرد:(أ) إن بيلاطس لم يكن بحكم مركزه في حاجة إلى من يذكره بأنه لو أقبل على سرقة جسد المسيح، لافتضح أمره. لأن الحراس الذين كانوا حول قبر المسيح كانوا حراس الهيكل اليهودي الموالين للكهنة، ولذلك كانوا بحكم مركزهم وديانتهم يكرهون بيلاطس كل الكراهية. ولو فرضنا أنه أجزل العطاء لكل منهم، فليس من المعقول أن يحفظوا جميعاً سر السرقة (إن كانت قد حدثت) عن كهنتهم. كما أنه لو كان قد سرق جسد المسيح قبل مجيء الحراس، لما استطاع أن يقوم بذلك بمفرده، لأن الحجر الذي كان على فوهة القبر لم يكن من الممكن دحرجته إلا بواسطة بضعة رجال أشداء - وهؤلاء مهما كان شأنهم ليس من المعقول أن يحتفظوا بسر السرقة طوال حياتهم، لا سيما إذا كانت هناك مكافآت مغرية من كهنة اليهود، لكل من يرشدهم عن جسد المسيح (إن كان قد سرق) ، ولتعرض بيلاطس تبعاً لذلك لهياج اليهود ضده وفصله من وظيفته، الأمر الذي كان يتحاشاه بكل قواه.
(ب) أما لو كان بيلاطس يريد أن يغيظ اليهود، لكان قد أخفى المسيح عنهم قبل صلبه بوسيلة ما، أو أرسله إلى روما تحت حراسة جنود من الرومان، ليحاكم أمام قيصر سيد البلاد الأعلى لديهم، أو أتى بشهود تنفي دعوى اليهود ضد المسيح، أو بوسيلة غير هذه الوسائل. فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن بيلاطس كان يسعى لإرضاء اليهود حتى يظل محتفظاً بوظيفته. وأنه كان من الجبن بمكان، حتى أنه رضخ أمام رغبتهم الأثيمة، فأمر بصلب المسيح على الرغم من اقتناعه ببراءته، اتضح لنا أنه لا يمكن أن يكون قد سرق جسد المسيح، أو فكر في سرقته على الإطلاق.
3 - (إن مريم المجدلية ورفيقاتها لم يذهبن إلى القبر الذي كان المسيح مدفوناً فيه (كما جاء في الإنجيل) ، وذلك لسببين (الأول) إنهن كن يخشين مواجهة الجنود الذين كانوا يربضون هناك، (الثاني) لو فرضنا إنهن ذهبن إلى منطقة المقابر، لما استطعن الإهتداء إلى قبر المسيح، لأن الوقت الذي يقال إنهن ذهبن فيه وهو الفجر، لم يكن ليساعدهن على الإهتداء إلى هذا القبر-ولذلك فالمعقول أنهن ذهبن إلى قبر كان بالمصادفة مفتوحاً، وأن البستاني قال لهن عنه أنه قبر المسيح، ومن ثم لا يكون هناك دليل على أن المسيح قام من بين الأموات) .
الرد: فضلاً عن أن الذي أذاع خبر قيامة المسيح ليس فقط النساء المذكورات، بل أيضاً تلاميذه الذين تأكدوا من حقيقة قيامته (أولاً) بدخولهم إلى قبر المسيح وعثورهم على الأكفان وحدها بحالة تنبئ عن قيامة المسيح بقوة معجزية، من خلال هذه الأكفان (ثانياً) برؤيتهم للمسيح نفسه بعد ذلك مرات متعددة كما ذكرنا فيما سلف، الأمر الذي لا يدع مجالاً للدعوى التي نحن بصددها، نقول:
(أ) إن اليهود عينوا الجنود لحراسة قبر المسيح في اليوم التالي لصلبه، وذلك عندما تذكروا أنه كان قد قال لهم من قبل، أنه سيقوم من الأموات في اليوم الثالث فقد اجتمعوا ببيلاطس على انفراد في هذا اليوم، واتفقوا معه على وضع الحراس على القبر، لئلا (حسب زعمهم) يسرق التلاميذ جسد المسيح ويدعوا أنه قام من بين الأموات (متى 27: 62-66) . ومن ثم فالنساء المذكورات لم يكنّ على علم بوجود هؤلاء الحراس هناك. ومما يثبت هذه الحقيقة أنهن كن يتساءلن وهن في الطريق إلى القبر، ليس عمن يتوسط لهن لدى الحراس حتى يسمحوا لهن بوضع الأطياب على جسد المسيح، بل عمن يدحرج لهن الحجر عن باب القبر حتى يستطعن القيام بهذه المهمة (مرقس 16: 3) .
(ب) أما من جهة الشطر الثاني من الدعوى فنقول (أولاً) إن النساء المذكورات كن حاضرات عند دفن المسيح، ولذلك لا بد أنهن قد تأكدن من موضع قبره تماماً، إذ كانت لديهن النية من قبل أن يقمن بتعطير جسد المسيح في اليوم الثالث (لوقا 23: 55-56) . (ثانياً) إنهن وإن كن قد خرجن من بيوتهن في الفجر، غير أنهن وصلن إلى القبر في الصباح (مرقس 16: 2) ، الأمر الذي كان يساعدهن على الإهتداء إلى قبر المسيح بسهولة، (ثالثاً) ولو فرضنا جدلاً أنهن عجزن عن الإهتداء إليه، لكنّ قد ذهبن إلى صاحب القبر، فقد كان رجلاً مشهوراً في المدينة يعرفنه حق المعرفة، وكان من الممكن أن يهتدين بواسطته إلى القبر (رابعاً) فضلاً عن كل ما تقدم، فإن القبر الذي دفن المسيح فيه لم يكن في منطقة المقابر (أو بالحري في الجبانة) ، بل كان قبراً منفصلاً عنها، كما كان محاطاً ببستان خاص، ولذلك لم يكن من العسير الإهتداء إليه بحال. وبما أن النساء المذكورات وتلاميذ المسيح معاً وجدوا هذا القبر فارغاً إلا من الأكفان كما ذكرنا، إذن يكون المسيح قد قام فعلاً من بين الأموات.
(ج) وبالإضافة إلى ذلك، فإن رؤساء الكهنة الذين راقبوا دفن المسيح بأنفسهم، وختموا قبره بخاتمهم (متى 27: 66) ، ووضعوا عليه الحراس بعد ذلك، لا بد أنهم كانوا يعرفون موضعه حق المعرفة، ولا بد أنهم ذهبوا إليه على أثر سماعهم بخبر قيامة المسيح للتحقق من صدقه، لأن هذا الخبر كان يزعجهم كثيراً كما ذكرنا - ولو كانوا قد عثروا على جسد المسيح، لكانوا قد أظهروه للوالي وللتلاميذ ولليهود جميعاً، ولكان خبر قيامة المسيح من بين الأموات قد اندثر تماماً. وإذا كان الأمر كذلك، فلا مجال للدعوى التي أمامنا أو غيرها من الدعاوى.
4 - أخيراً يقول المعترضون: (إن جسد المسيح لم يدفن في قبر يوسف الرامي كما جاء في الكتاب المقدس، بل دفن في المقبرة العامة التي كان يدفن فيها الفقراء والمجرمون الذين يحكم عليهم بالصلب. ونظراً لأن تلاميذ المسيح لم يذيعوا خبر قيامته من بين الأموات أمام كهنة اليهود، إلا بعد خمسين يوماً من دفنه، لم يكن من الممكن وقتئذ الإستدلال على جسده، لأن معالمه كانت قد ضاعت، ومن ثم لا يكون هناك دليل على أن المسيح قام من الأموات) .
الرد:(أ) إن تلاميذ المسيح وإن كانوا لم ينادوا بقيامته جهرا أمام كهنة اليهود إلا ابتداء من اليوم الخمسين لصلبه تقريباً أو بالحري ابتداء من اليوم الذي حل فيه الروح القدس عليهم وأيدهم بالقوة الروحية التي كانت تنقصهم (أعمال 2: 1-24) ، غير أن خبر قيامته كان قد بلغ هؤلاء الكهنة بواسطة الحراس في اليوم الثالث لصلب المسيح، لأنه لو لم يكن قد قام من بين الأموات في هذا اليوم كما قال تلاميذه، لكذبهم هؤلاء الحراس وقضوا على شهادتهم في الحال. فضلاً عما تقدم، فإن الألسنة كانت تتناقل خبر قيامة المسيح في كل المجتمعات (إذ أن الذي أذاعه لم يكن نفراً قليلاً، بل كان أكثر من خمسمائة شخص) ، ومن ثم لا بد أن يكون هذا الخبر قد بلغ مسامع الكهنة بوسيلة ما. ولو كان إشاعة لا نصيب لها من الصواب، لكانوا قد قضوا عليه في الحال، بواسطة التحقيق القانوني مع التلاميذ كما سبقت الإشارة.
(ب) ولو فرضنا جدلاً أن المسيح دفن في المقبرة العامة، وأنه لم يقم من بين الأموات، وأن رؤساء الكهنة لم يبلغهم خبر قيامته إلا بعد خمسين يوماً من صلبه، لما كان يتعذر عليهم الحصول على بقايا جسده، لأنه دفن تحت إشرافهم وعلى مرأى منهم. ولو فرضنا جدلاً أنه لم يبق له أثر، لكانوا قد استطاعوا إسكات التلاميذ عن المناداة بقيامة المسيح، وذلك بتقديم أي جسد بال لهم، من المقبرة العامة (التي يقول المعترضون إن المسيح دفن فيها) ، بدعوى أنه جسد المسيح. وما كان التلاميذ يعترضون على الإطلاق، لو كانوا غير متأكدين من قيامته كل التأكد. وإذا كان الأمر كذلك، يكون استمرار تلاميذ المسيح في شهادتهم بقيامة المسيح، وعدم قدرة رؤساء الكهنة على إخماد هذه الشهادة بأي وسيلة من الوسائل، دليلين لا يمكن دحضهما على أن المسيح قام من بين الأموات، كما ذكرنا مراراً وتكراراً.
3 الآراء الخاصة بهروب المسيح دون صلبه، أو بهروبه بعد صلبه
1 - (إن المسيح هرب عندما حاول اليهود القبض عليه، ولذلك صلبوا شخصاً آخر عوضاً عنه ظنوا أنه المسيح، وفي اليوم الثالث وقف المسيح على قبر الشخص المذكور، وأعلن لتلاميذه أنه قام من بين الأموات، فصدقوه) .
الرد:(أ) إن المسيح لم يكن جباناً أو رعديداً، بل كان شجاعاً وجريئاً، فقد واجه الأعداء الجبابرة قبل أن يواجهوه، ومن ثم سقطوا جميعاً صرعى عند قدميه (يوحنا 18: 6) . كما كان في وسعه (لو أراد) أن يتجنب تألب اليهود عليه من أول الأمر، وذلك بالكف عن توبيخ رجال الدين على شرورهم ونقائصهم (متى 23: 13-36) ، لذلك فالقول بأن المسيح هرب عندما حاول اليهود القبض عليه لا نصيب له من الصواب.
(ب) كما أن اليهود لا يمكن أن يكونوا قد صلبوا شخصاً عوضاً عن المسيح ظنوا أنه هو، لأنه كان معروفاً لديهم كل المعرفة، فقد كانوا يلتفون حوله من وقت لآخر لكي يجادلوه في أمور الدنيا والدين، وكان يفحمهم ويوقعهم في الشراك التي كانوا ينصبونها له (متى 22: 15-40) ، كما أنه كثيراً ما كان يوبخهم بسبب نقائصهم وشرورهم، كما ذكرنا. فضلاً عن ذلك فإن المعجزات الباهرة التي كان يقوم بها بين الفينة والفينة، وتعاليمه السماوية الرائعة التي كانت تنطلق من شفتيه في كل مكان يحل فيه (يوحنا 7: 45 و46) ، لا بد أن هذه جعلته معروفاً لديهم كل المعرفة أيضاً.
فإذا أضفنا إلى ما تقدم (أولاً) أن الشخص الذي قبض اليهود عليه ليصلبوه، حوكم أمام رجال الدين ثلاث مرات، آخرها أمام السنهدريم في الصباح الباكر، وبعد ذلك حوكم أمام كل من هيرودس الملك وبيلاطس الوالي من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحاً، وذلك بحضور جماهير كثيرة من الناس (ثانياً) أنه ظل مصلوباً من الساعة التاسعة صباحاً إلى الساعة الثالثة بعد الظهر على مرأى من الخاص والعام، الأمر الذي ينفي وقوع أي اشتباه بشأن شخصيته (ثالثاً) أنه كان قد قال لليهود قبيل القبض عليه أَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ! 53éإِذْ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي الهَيْكَلِ لَمْ تَمُدُّوا عَلَيَّ الأَيَادِيَ. وَل كِنَّ هذهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ (لوقا 22: 52-53) ، وقال للنساء اللاتي كن يبكين عليه لَا تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلَادِكُنَّ، لِأَنَّهُ هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُونَ فِيهَا: طُوبَى لِلْعَوَاقِرِ وَالْبُطُونِ التِي لَمْ تَلِدْ وَالثُّدِيِّ التِي لَمْ تُرْضِعْ (لوقا 23: 28 و29) . وقال لبيلاطس عندما كان يحاكمه مملكتي ليست من هذا العالم (يوحنا 18: 30) و مملكتي ليست من هذا العالم (يوحنا 18: 30) و الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ (يوحنا 19: 11) . وقال للّه عن صالبيه يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ (لوقا 23: 34) . وقال بعد ذلك للعذراء مريم عن يوحنا الرسول يا إمرأة هوذا إبنك ، وقال ليوحنا عنها هوذا أمك لكي يعتني بها ويرعاها (يوحنا 19: 26-27) اتضح لنا أنه كان هو المسيح بعينه.
(ج) أخيراً نقول إن المسيح كان كاملاً كل الكمال في كل تصرفاته، لذلك لا يمكن أن يكون قد خدع تلاميذه، فقال لهم إنه قام بعد موته، والحال أنه قد هرب من الموت. فإذا أضفنا إلى ذلك أنه لو كان شخص غير المسيح قد صلب عوضاً عنه، لكان قد ظل في قبره إلى الأبد. اتضح لنا أن القبر الفارغ دليل لا يقهر على أن المسيح هو الذي صلب. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الدعوى التي أمامنا لا نصيب لها من الصواب مثل غيرها من الدعاوى.
2 - (إن التلاميذ، وفي مقدمتهم يوسف الرامي، طلبوا من بيلاطس الوالي أن يأمر بوضع مساند تحت قدمي المسيح عندما كان معلقاً على الصليب، حتى لا يقع ثقل جسده على ذراعيه ويسبب له الإرهاق المميت. كما طلبوا منه أن يأمر بعدم كسر ساقيه حتى لا يسيل منه دم غزير ويموت في الحال. ومن ثم فالمسيح عندما أنزل عن الصليب لم يكن ميتاً بل مغمى عليه فحسب، والدليل على ذلك أنه لما طعن بالحربة خرج منه دم وماء. وعندما وضع في القبر البارد بعد ذلك، استعاد نشاطه وهرب إلى بلاد فارس، متنكراً في زي بستاني كما رأته مريم المجدلية. وفي هذه البلاد أخذ يعلم الناس ويرشدهم حتى وافته المنية. ومما يثبت ذلك أن الفرس كانوا يعتقدون أن ماني فيلسوفهم هو رسول المسيح) .
الرد:(أ) إن تلاميذ المسيح كانوا من الفقراء الذين لا حول لهم ولا طول، ومن ثم لم يستطيعوا أن يصمدوا أمام اليهود عندما قبضوا على المسيح، بل هربوا وتواروا عن الأنظار، مما يدل على أنه لم يكن لهم المركز الذي يؤهلهم للتوسط لدى الوالي لكي يظهر شيئاً من العطف على المسيح. كما أن يوسف الرامي لم يكن ليقوى على التوسط لديه من جهة هذا الأمر، لأن بيلاطس نفسه لم يستطع التوسط لدى اليهودمن جهته من قبل، حرصاً على وظيفته التي كان يعتز بها. ولذلك كان الإلتماس الذي قدمه يوسف الرامي لبيلاطس مقصوراً على السماح له بدفن جسد المسيح بعد موته. وحتى هذا الإلتماس البسيط لم يكن من السهل على يوسف القيام به، لأن الوحي يسجل عنه أنه تجاسر وطلب جسد يسوع من بيلاطس. وقد أجابه بيلاطس إلى التماسه هذا، لأن دفن المسيح في قبر يوسف لا يغضب اليهود أو يثيرهم، إذ أن غرضهم الأول والأخير كان ينحصر في القضاء على المسيح. وما دام المسيح قد مات، فإن الحقد الذي كان في قلوبهم من نحوه لم يعد له أثر فيها. أما لو كان بيلاطس قد وضع مساند تحت قدمي المسيح، لكان اليهود قد قاوموه، بل وهددوه أيضاً برفع أمره إلى قيصر، ولكان بيلاطس قد أذعن لهم كما فعل من قبل، حرصاً على وظيفته كما ذكرنا.
(ب) أما السبب في عدم كسر ساقي المسيح، فلا يرجع إلى الرغبة في الإبقاء على حياته كما يقول المعترضون، بل يرجع إلى أنه كان قد مات فعلاً على الصليب، لأن الغرض من كسر ساقي المصلوب هو التعجل بموته. وما دام المسيح كان قد مات من تلقاء نفسه كما يتضح لنا من الكتاب المقدس، لم يكن هناك ما يدعو إلى كسر ساقيه - وطبعاً ما كان اليهود والرومان الذين كان هدفهم الوحيد أن يقضوا على المسيح قضاء تاماً، ليتركوا ساقيه دون كسر، لولا أنهم كانوا على يقين تام من أنه مات فضلاً عن ذلك، فإن واحداً من الرومان وجه إلى جنب المسيح بعد موته، بوحشية لا مثيل لها، طعنة قوية بالحربة، خشية أن يكون فيه بعد (حسب ظنه) رمق من الحياة، فيقضي بالطعنة المذكورة على هذا الرمق. وذلك لكي لا يبقى هناك مجال للشك لدى أحد ما، في أن المسيح مات فعلاً، ولكي يجنب أيضاً نفسه وزملاءه مسئولية المحاكمة القانونية التي كان يتعرض لها كل من يسمح بنزول مصلوب قبل موته.
(ج) كما أن خروج الماء والدم من جنب المسيح بعد طعنه بالحربة، لا يدل على أنه كان على قيد الحياة وقتئذ، لأن الدم (كما يقول الأطباء) يتحلل في بعض حالات الوفاة الفجائية إلى خثارة حمراء ومصل مائي، ويظل على هذا الحال بضع ساعات. وبما أن المسيح مات على الصليب قبل المدة التي يموت فيها أضعف شخص يعلق عليه بأكثر من 18 ساعة، كان من البديهي أن يخرج منه دم وماء عندما طعن بالحربة - فإذا أضفنا إلى ذلك أن موت المسيح كان قد تأيد على لسان الذين فحصوه (يوحنا 21: 33) ، كما أن رؤساء الكهنة كانوا حريصين على التحقق من موته قبل دفنه، لأنهم كانوا ينظرون إليه كألد عدو يهدد كيانهم (يوحنا 12: 19) كما ذكرنا، لا يبقى أي مجال للظن بأنه كان حياً قبل دفنه.
(د) ولو فرضنا جدلاً أن المسيح دفن قبل أن يموت، فليس من المعقول أن يكون قد خرج من القبر، لأن شخصاً جلد 40 جلدة، واجتازت المسامير في يديه ورجليه وقطعت بعض عروقه وأعصابه، ثم اخترقت الحربة بعد ذلك جنبه ومزقت بعض أحشائه، لا يستطيع (إن كان لم يمت) أن يستعيد قواه ويسحب نفسه من تحت 50 كيلو جراماً من المر والعود (ألصقت طيات أكفانه بعضها ببعض من جهة، وألصقتها بجسده من جهة أخرى) تاركاً إياها كلها كما كانت حول جسده. ثم يرفع بمفرده من الداخل حجراً عن القبر لا يستطيع أقل من بضعة رجال أشداء وهم في الخارج أن يرفعوه، وبعد ذلك يفلت من أيدي حراس مدججين بالسلاح في غاية اليقظة والإنتباه، ويقطع على قدميه رحلة شاقة طويلة إلى بلاد نائية ليس له فيها أقرباء أو أصدقاء، ولا يعرف شيئاً عن لغة أهلها أو عاداتهم.
كما أنه ليس من المعقول أن يكون المسيح بعد خروجه من القبر (إن كان لم يمت كما يقال) ، قد قام بالهروب إلى البلاد المذكورة، تاركاً تلاميذه (أحب الناس إليه) معرضين لبطش اليهود وعدوانهم، وتاركاً أيضاً الرسالة التي سلمها لهم تحت رحمة الظروف والأقدار، لكي يموت في هذه البلاد موت الضعيف الجبان. لأنه كان في وسعه (لو كان قد أراد) أن يتجنب الصلب من أول الأمر كما ذكرنا، ومن ثم كان يستطيع أن يعيش دون ألم أو عناء.
(ه ) أما من جهة القول (بتنكر المسيح في زي بستاني) ، ففضلاً عن أن المسيح لم يكن جباناً، الأمر الذي لا يدع مجالاً للقول المذكور، فالمسيح لم يلبس مطلقاً هذا الزي، بل أن مريم المجدلية هي التي ظنت أنه البستاني، لأنه لم يكن يخطر ببالها أن الشخص الذي أتت لتضع الحنوط على جسده في القبر، هو الذي كان يقف على مقربة منها. ومما يثبت أن عدم توقع حدوث أمر، يكون مدعاة للشك فيه إذا حدث، أنه عندما سجن بطرس الرسول وأعدت العدة لقتله، أخذ المؤمنون يصلون لأجله، فأنقذه اللّه من السجن بمعجزة عظمى، ومن ثم ذهب في الحال إلى هؤلاء المؤمنين لكي يبشرهم بالإحسان الذي صنعه اللّه معه، وأخذ يقرع على بابهم لكي يفتحوا له، لكنهم لم يصدقوا في أول الأمر أنه هو بعينه (أعمال 12) .
أخيراً نقول إن المعترضين لا يعتمدون على الحقائق التاريخية الثابتة، بل على الشائعات التي لا سند لها، إذ فضلاً عن أنه ليس كل من قال عن نفسه إنه رسول للمسيح، أو قال غيره إنه كذلك، يكون في الواقع رسولاً له، فليس هناك كتاب تاريخي يثبت أن ماني كان رسولاً من رسل المسيح. إذ أن كل الكتب التاريخية تثبت أن رسله جميعاً كانوا من سكان فلسطين ومن ثم لا يجوز الأخذ بالرأي الذي نحن بصدده أيضاً.
4 الآراء الخاصة بتأليف خبر قيامة المسيح أو نقله من الأساطير الوثنية، والرد عليها
1 - (إن المسيح لم يقم بعد موته، بل إن تلاميذه هم الذين ابتدعوا خبر قيامته من بين الأموات، لكي يخلدوا ذكراه وينشروا المبادئ التي نادى بها في حياته) .
الرد فضلا عن البراهين التي ذكرناها فيما سلف، عن صدق شهادة تلاميذ المسيح، الأمر الذي لا يدع مجالا لهذا الإعتراض نقول:
(أ) إن التلاميذ لم يكونوا من رجال الفلسفة أو الأدب أو الإجتماع الذين يهمهم تخليد ذكرى شخص ما أو نشر مبادئه في العالم، بل كان معظمهم من صيادي السمك الذين لم ينالوا قسطاً من التعليم سوى الكتابة والقراءة، والذين لم يكن يهمهم في الحياة سوى الحصول على قوتهم وقوت أولادهم (يوحنا 21: 30) . وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم لم يكونوا في أول الأمر يدركون شيئاً عن أهمية قيامة المسيح وما يترتب عليها من فوائد ونتائج، حتى يدعوا أنه قام من بين الأموات، ويتحملوا في سبيل هذا الإدعاء الكثير من الإضطهاد والآلام. لذلك لا بد أنهم نادوا بقيامته لتأكدهم منها بأنفسهم كل التأكد.
(ب) إن الذين يعمدون إلى تزوير حادثة ما، يبذلون كل ما في وسعهم لتجنب وقوع أي اختلاف بينهم بشأنها، فلا يذكر أحدهم (مثلاً) خبراً لم يذكره غيره، وذلك على النقيض مما فعله تلاميذ المسيح. فإذا أضفنا إلى ذلك (أولاً) أن هؤلاء التلاميذ لم يحاولوا مطلقاً تفسير أي تصرف من التصرفات التي سجلوها عن المسيح، بل رووها جميعاً كما هي (ثانياً) أنهم لم يتستروا على أخطائهم ونقائصهم وتوبيخ المسيح لهم، بل سجلوا كل ذلك بالتفصيل، اتضح لنا أنهم كانوا صادقين كل الصدق في ما كتبوه عنه.
(ج) فإذا أضفنا إلى ما تقدم (أولاً) أن تلاميذ المسيح كانوا (كما يشهد التاريخ) ، على مستوى عال من الأخلاق الكريمة التي تأبى عليهم المناداة بغير الحقيقة. (ثانياً) أن خبر قيامة المسيح من الأموات كان بعيداً في أول الأمر عن أذهانهم كل البعد، لأن آمالهم كانت تدور حول مسيا أرضي يطيح بسلطة الرومان ويوليهم رؤساء في مملكته التي يؤسسها لهم. (ثالثاً) وأنهم لو حاولوا تأليف قصة عن قيامة المسيح لاحتاجوا إلى وقت طويل، حتى يحبكوا تفاصيلها ويظهروها بمظهر معقول أو قريب من المعقول، وليس إلى ثلاثة أيام فقط كانوا في أثنائها في حالة الحزن والإضطراب التي لا تسمح لهم بالقيام بمثل هذا العمل. (رابعاً) أنهم نشروا خبر قيامة المسيح بين الناس الذين عاصروه وعرفوا كل شيء عنه، وبين أعداء ألداء كانوا يتربصون لهم ويحاولون إلصاق أي تهمة بهم لكي يقضوا عليهم قضاء تاماً، ومع ذلك لم يتعرض واحد منهم لتكذيبهم أو تخطئتهم - اتضح لنا أنه لا يمكن أن يكونوا قد ابتدعوا خبر قيامة المسيح، بل لا بد أنه خبر صادق كما ذكرنا.
(د) هذا وقد شهد الأستاذ العقاد بصدق رسل المسيح فقال ومن بدع (أهل) القرن العشرين سهولة الإتهام، كلما نظروا في تواريخ الأقدمين، فوجدوا في كلامهم أنباء لا يسيغونها وصفات لا يشاهدونها ويعقلونها. ومن ذلك اتهام الرسل بالكذب فيما كانوا يثبتونه من أعاجيب العيان وأعاجيب النقل. ولكننا نعتقد أن التاريخ الصحيح يأبى هذا الإتهام، لأنه أصعب تصديقاً من القول بأن أولئك الدعاة أبرياء من تعمد الكذب والإختلاق. فشتان عمل المؤمن الذي لا يبالي الموت تصديقاً لعقيدته، وعمل المحتال الذي يكذب، ويعلم أنه يكذب، وأنه يدعو الناس إلى الأكاذيب مثل هذا لا يقدم على الموت في سبيل عقيدة مدخولة، وهو أول من يعلم زيفها وخداعها. وهيهات أن يوجد بين الكذبة العامدين من يستبسل في نشر دينه، كما استبسل الرسل المسيحيون. فإذا كان المؤلف الصادق من يأخذ بأقرب القولين إلى التصديق، فأقرب القولين إلى التصديق أن الرسل لم يكذبوا فيما رووه، وفيما قالوا إنهم رأوه، أو سمعوا ممن رآه (عبقرية المسيح ص 118-189) .
2 - (إن تلاميذ المسيح نقلوا خبر قيامته من بين الأموات من الأساطير الوثنية) .
الرد: إن معظم تلاميذ المسيح كانوا كما ذكرنا فيما سلف من صيادي السمك البسطاء، ومهنة مثل هذه ليست كمهنة التجارة التي تفسح المجال أمام المشتغلين بها لمعرفة أخبار العالم وعقائد الساكنين فيه، بل أنها مهنة تفرض على أصحابها ملازمة البيئةالتي يعملون فيها، وتحصر أفكارهم في الأخبار والعقائد الموجودة في بلادهم. فضلاً عن ذلك كانوا من اليهود المتدينين الذين يحطون من شأن الوثنيين ويعتبرونهم نجسين، ومن ثم كانوا لا يتحدثون معهم أو يخالطونهم ومن جهة أخرى فإنه بالرجوع إلى عقائد الوثنيين أو بالحري إلى أساطيرهم، لا نرى فيها أسطورة عن إنسان قال الوثنيون إنه قام بعد موته، كما نادى التلاميذ عن المسيح. والدليل على ذلك أن اليونانيين كانوا يستهزئون عندما سمعوا التلاميذ ينادون بقيامة المسيح من الأموات (أعمال 17: 22) ، الأمر الذي لا يدع مجالاً للرأي الذي نحن بصدده. ومع ذلك نذكر فيما يلي أساطير الوثنيين التي يقال إنه ورد فيها شيء عن القيامة من الأموات أو العودة إلى الحياة، لكي يتضح بطلان هذه الدعوى من أساسها.
(أ) فالبابليون بسبب رغبتهم في أن تظل نساؤهم في حوزتهم، زعموا أن الإله تاموز أحب إشترا أو عشتاروت إلاهة الحب وتزوج منها. لكن لم يمض على هذا الزواج وقت طويل حتى أبغضته وقتلته، ثم أخذت بعد ذلك تبحث عن زوج آخر عوضاً عنه، ولكنها لم تجد. وأخيراً ذهبت إلى عالم الموتى لكي تخرج تاموز منه، فقبض عليها ملك هذا العالم، وبعد أن سامها العذاب لقتلها تاموز، سمح لها أن تأخذه، وبذلك عاد تاموز إلى الأرض.
(ب) وقدماء المصريين، بسبب رغبتهم في إعلان قوة الخير، زعموا أن إله الشر ست كان يبغض أخاه إله الخير أوزيريس . لذلك قتله ومزق جثته إلى 72 قطعة، رمى كل قطعة منها في مكان خاص. ومع ذلك استطاعت إيزيس زوجة أوزيريس أن تجمع القطع المذكورة، وأن تعيد زوجها إلى الحياة، ومن ثم أصبح خالداً، أو بالحري خالداً في نظرهم.
(ج) وقدماء اليونان بسبب رغبتهم في تعليل اختفاء القمح من الحقول ستة شهور، زعموا أن ملك الهاوية أحب بروسفوني إلاهة القمح ، واختطفها إلى مملكته، فشكت أمها (إلاهة الزراعة) إلى جوبيتر رب الآلهة عندهم ما أصاب ابنتها. فأمر ملك الهاوية بإطلاق سراح بروسفوني وإعادتها إلى الأرض. لكن لأن هذا الملك كان قد أحب بروسفوني حباً جماً، لم يطلق سراحها إلا بعد أن أعطاها من طعام الهاوية. ونظراً لأن من خصائص هذا الطعام أنه يجذب كل من يأكل منه إلى الهاوية بعد مفارقته لها، لذلك كانت بروسفوني تعود إلى الهاوية مرة كل عام وتبقى فيها ستة شهور متتالية (وهي المدة التي تختفي فيها الحبوب من الأرض) ، وبعد ذلك تظهر على الأرض مرة ثانية، وهكذا دواليك.
(د) وبسبب رغبة اليونانيين أيضاً في تعظيم الديمقراطية وتحريض الناس على الدفاع عنها، زعموا أن بروميتيه بعد أن ساعد جوبيتر في القضاء على أعدائه والإرتقاء إلى مركز رب الآلهة عندهم، حقد جوبيتر عليه وعزم على إهلاكه وإهلاك البشر معه. لأن بروميتيه كان يحبهم ويساعدهم في كل شؤونهم، لذلك صلبه على جبل القوقاز وأمر فلكان أن يعذبه. فأخذ هذا يغرس حديداً محمياً بالنار في جسم بروميتيه، كما أهاج النسور عليه لتمزق جسده. وبينما كان بروميتيه على هذه الحال، أتته عرائس البحر وعرضن عليه أن يتوسطن له لدى جوبيتر، فرفض. وأخيراً أتاه هرقل فأنقذه ورفع مكانته.
مما تقدم يتضح لنا أن قيامة المسيح من الأموات لا يمكن أن تكون قد نقلت عن الأساطير الوثنية، بل لا بد أنها حادثة حقيقية كما اتضح لنا في الأبواب السالفة. وقد أدرك هذه الحقيقة الأستاذ عباس محمود العقاد فقال كانت الدعوة المسيحية كما روتها الأناجيل دون أن يتعمد كتابها تطبيق أحوال التطور، أو تلتفت أذهانهم إلى معنى تلك الأحوال ثم قال إن أصحاب هذه الملاحظات (أو بالحري الفلاسفة العصريين) اتخذوا تشابه المراسيم والأخبار دليلاً على تلفيق تاريخ السيد المسيح. ويبدو لي أن نشوء علم المقابلة بين الأديان هو الذي دفع أصحابه في القرن الثامن عشر إلى تحميل المشابهات والمقارنات فوق طاقتها . كما قال ليس من الصواب أن يقال إن الأناجيل جميعاً عمدة لا يعول عليها في تاريخ السيد المسيح، وإنما الصواب أنها العمدة الوحيدة في كتابة تاريخه، وسواء رجعت هذه الأناجيل إلى أصل واحد أم إلى أكثر من مصدر، فمن الواجب أن يدخل في الحسبان أنها هي العمدة التي اعتمد عليهم قوم هم أقرب الناس إلى عصر المسيح، وليس لدينا نحن بعد قرابة ألفي عام عمدة أحق منها بالإعتماد (عبقرية المسيح ص 126 وكتاب اللّه ص 149-153) .
 
قديم 19 - 06 - 2021, 01:51 PM   رقم المشاركة : ( 43095 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,297,752

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



1 الآراء الخاصة بالأوهام، والرد عليها
1 - (من المحتمل أن يكون تلاميذ المسيح رأوا بعد موته شخصاً يشبهه، فاعتقدوا أنه المسيح بعينه) .
الرد: إن الذين نادوا بأنهم رأوا المسيح بعد موته ليسوا أشخاصاً رأوه مرة واحدة أو مرات قليلة قبل موته، حتى كان يجوز الظن بأنهم لم يكونوا على بينة من الشخص الذي ظهر لهم بعد موت المسيح، بل هم تلاميذه الذين كانوا يعرفونه كل المعرفة، لأنهم كانوا يلازمونه ليلاً ونهاراً. ومن ثم ليس من المعقول إطلاقاً أن يكونوا قد ظنوا أن شخصاً ما هو المسيح، حتى إذا كان يشبهه. لأنه إذا تشابه بعض الناس إلى حد ما في وجوههم، فإنهم يختلفون من جهة أصواتهم ومعلوماتهم وعاداتهم وأخلاقهم وتجاربهم مع غيرهم.
2 - (إن المسيح ظهر لتلاميذه بروحه في رؤيا، فانخدعوا واعتقدوا أنه قام من بين الأموات) .
الرد: فضلاً عن أن الأرواح بعد خروجها من أجسادها لا تظهر للبشر، وأن ما يقال عن ظهورها لهم، لا يتعدى مجال الحلم بها أو التوهم بحضورها، الأمر الذي لا يدع مجالاً لهذا الإعتراض نقول:
(أ) إن المسيح لم يظهر لتلاميذه في هيئة روح بل في ذات جسده كما ذكرنا فيما سلف. وقد تأكد من هذه الحقيقة ليس تلميذ واحد بل تلاميذه جميعاً، فقد نظروه بعيونهم ولمسوه بأيديهم وسمعوا صوته بآذانهم. فضلاً عن ذلك قدموا له طعاماً فأكل قدامهم، كما أخذ يعلمهم ويجيبهم عن أسئلتهم مثلما كان يفعل من قبل تماماً.
(ب) إن تلاميذ المسيح كانوا يفرقون تماماً بين الرؤيا والرؤية. فأطلقوا على الأولى إسم الغيبة أو الغيبوبة . ومن أمثلتها الرؤيا التي ظهرت لحنانيا (أعمال 9: 10) ، ولبطرس (أعمال 10: 10) . ولكن عند حديثهم عن ظهور المسيح لهم كانوا يعلنون أنهم رأوه بذاته، كما ذكرنا.
وهكذا الحال من جهة بولس الرسول الذي آمن بالمسيح بعدهم، فإنه كان يفرق بين الرؤيا والرؤية مثلهم، فيسجل لنا في (أعمال 16: 9 ، 22: 17 ، 2 كورنثوس 12: 1) ما شاهده من رؤى. ولكن عند حديثه عن ظهور المسيح له (أعمال 9) يقرر أنه كان في وقت اليقظة وليس في رؤيا أو غيبوبة.
3 - (إن ظهور المسيح لتلاميذه بعد موته، تم بعملية استحضار الأرواح) .
الرد: بالرجوع إلى الظروف التي كان التلاميذ يرون المسيح فيها، لا نجد هناك شرطاً من الشروط التي يقال بوجوب توافرها لاستحضار الأرواح. فالتلاميذ (أولاً) لم يأتوا بوسيط يحضر روح المسيح (لو فرضنا جدلاً إمكانية حدوث ذلك) حتى يتحدثوا معه (ثانياً) إنهم لما رأوه، لم يكونوا في حجرة مظلمة أو في حجرة بها لون خاص من الإضاءة، كالحجرات التي تستخدم في استحضار الأرواح (كما يقولون) ، بل كانوا إما في حجرة ضوءها معتاد، أو في بستان في الخلاء، أو في طريق عام، أو على شاطئ بحر، أو سفح جبل. (ثالثاً) إنهم لم يروا المسيح في أي مكان من هذه الأمكنة في هيئة روحية كالأرواح التي يقال باستحضارها، بل رأوه في ذات جسده الذي عرفوه من قبل. وقد تأكدوا بوسائط متعددة من وجود هذا الجسد له، إذ رأوا المسيح فيه بعيونهم ولمسوه بأيديهم، كما أعطوه طعاماً فأكل قدامهم كما ذكرنا.
ولذلك ليس هناك مجال للظن بأن ظهوره لهم كان بواسطة عملية استحضار الأرواح، إن كان هناك مجال لاستحضارها.
4 - (إن قول تلاميذ المسيح بظهوره لهم بعد موته، يرجع إلى اعتقادهم بالرجعة التي كان يؤمن بها فريق من اليهود من قبل) .
الرد: بالرجوع إلى تاريخ اليهود نرى أن الذين كانوا يتمسكون بالإعتقاد بالرجعة، أو بالحري برجوع يشوع ابن نون (الذي كان يقود أجدادهم في حروبهم بعد موسى النبي) إلى الأرض بعد موته، لكي يقودهم مرة أخرى في الحرب ضد أعدائهم من الفرس وغيرهم. وبرجوع إيليا النبي بعد صعوده إلى السماء، إلى الأرض أيضاً لكي يرشدهم ويهديهم كما كان يفعل من قبل، كانوا قد عدلوا عن اعتقادهم المذكور قبل الميلاد بمدة طويلة، إذ طغى عليه الإعتقاد بمجيء المسيا الذي سيقوم (حسب ظنهم) بإعادة الملك إليهم إلى الأبد. ومن ثم ليس هناك مجال للظن بأن تلاميذ المسيح قالوا بقيامته من بين الأموات بسبب اعتقادهم بالرجعة المزعومة.
5 - (إن تلاميذ المسيح كانوا يعتقدون أنه سيقوم بعد موته كما قال لهم من قبل، ومن ثم خيل لهم أنه قام، وأنه ظهر لهم وتحدث معهم أيضاً. ولذلك فأقوالهم عن قيامته كانت مجرد أوهام أو تهيؤات لا وجود لها في عالم الحقيقة، شأنها في ذلك شأن أوهام بعض الناس وتهيؤاتهم) .
الرد:(أ) إن المسيح وإن كان قد قال لتلاميذه إنه سيقوم بعد موته، لكن هذا القول لم يكن له وقع في نفوسهم، ومن ثم لم يفهموا منه شيئاً (مرقس 9: 30-32 ، لوقا 18: 31-22) ، لأن فكرة بقاء المسيح (أو المسيا) على الأرض إلى الأبد، وعدم تعرضه للموت بحال، كانت متسلطة وقتئذ على أذهانهم جميعاً، إذ أنها من صميم اعتقاداتهم القومية (يوحنا 12: 34) . ومن ثم عندما رأوه قد صلب ومات، تبددت ثقتهم فيه كالمسيا، وقطعوا الأمل نهائياً من جهته. والدليل على ذلك أن مريم المجدلية عندما وجدت القبر فارغاً، اعتقدت أن شخصاً ما أخذ جسد المسيح. وأن التلاميذ عندما سمعوا منها أنها رأت المسيح، لم يصدقوا في أول الأمر، كما بدا لهم حديثها وحديث غيرها من النساء كالهذيان. فضلاً عن ذلك فإن المسيح عندما ظهر فجأة لهم في الغرفة التي كانوا قد أحكموا غلقها، اعتقدوا في أول الأمر أنه روح من الأرواح. ولما أخبروا توما بعد ذلك أنهم رأوا المسيح، لم يصدق. وقال لهم: إن لم أبصر في يديه أثر المسامير، وأضع أصبعي في أثرها، وأضع يدي أيضاً في جنبه (مكان الحربة) لا أؤمن.
وهكذا الحال من جهة تلميذي عمواس، فإنهما لم يفطنا في أول الأمر أن المسيح هو الذي كان يسير معهما، لأنه لم يكن يدور في خلدهم أن المسيح سيقوم من بين الأموات.
(ب) ولكن الحقيقة الواقعة هي أن تلاميذ المسيح آمنوا بقيامته، ليس لأنه قال لهم من قبل إنه سوف يقوم من الأموات، بل لأنهم (كما ذكرنا فيما سلف) تأكدوا من قيامته بأدلة متعددة. وبالإضافة إلى ذلك فإن الذين أعلنوا أنهم رأوا المسيح بعد موته، ليس رسله فحسب (حتى كان يظن أن تأثرهم الشخصي بقوله عن وجوب قيامته بعد موته، هو الذي جعلهم يعتقدون أنه قام) ، بل إن الذين أعلنوا أنهم رأوه بعد موته كانوا أكثر من خمسمائة من أتباعه (1 كورنثوس 15: 6) .
وهؤلاء، فضلاً عن اختلاف أحدهم عن الآخر من جهة السن والطباع والثقافة والنشأة والمركز الإجتماعي، لا يمكن أنهم كانوا جميعاً على درجة واحدة من التأثر بقول المسيح السابق ذكره. ولذلك لا يعقل إطلاقاً أن يكونوا جميعاً قد انخدعوا، فاعتقدوا أنهم رأوا المسيح، والحال أنهم لم يروا إلا صورة ذهنية كانت تختلج في نفوسهم من جهته.
(ج) كما أن الذين رأوا المسيح، لم يروه عن بعد، أو رأوه برؤية خاطفة (حتى كان يظن أنهم لم يتحققوا من شخصيته) ، بل رأوه عن قرب، وفي فترات طويلة أيضاً. كما أنهم لم يروه فقط وهم مجتمعون معاً (حتى كان يظن أنهم انخدعوا تحت تأثير ما) ، بل رأوه أيضاً كأفراد في أوقات متفرقة، وتجاذب كل منهم أطراف الحديث معه بصفة شخصية.
أضف إلى ما تقدم أنهم لم يروه في مكان مهجور أو مظلم (حتى كان يظن أنهم رأوا شبحاً لا حقيقة له) ، بل كانوا يرونه في بيت اعتادوا الإقامة فيه، وفي طريق ألفوا السير عليه، وعند شاطئ بحر كانوا يعرفون كل بقعة منه، وفي مكان من الجليل كانوا يترددون بكثرة عليه. كما أنهم لم يروه فقط في المساء (حتى كان يظن أن بصرهم قد خدعهم) ، بل رأوه أيضاً في الصباح (يوحنا 21: 4-17 ، ومرقس 16: 2) ، وفي العصر (لوقا 24: 13-21) ، حيث تظهر الأمور على حقيقتها - ومع كل فتلاميذ المسيح لم يكونوا من الأشخاص ضعاف الأعصاب الذين تبدو أمامهم الأشباح في بعض الأحيان حقائق، بل كان معظمهم من طبيعة خشنة اعتادت السير في البحار وركوب الأخطار، وكان الباقون بحكم نشأتهم وأعمالهم يتميزون (كما يتضح من تاريخ حياتهم والمهن التي كانوا يقومون بها) ، إما بالتدقيق والتأني، أو الحيطة والحذر، أو الشك والتردد، الأمر الذي يجعلهم أبعد ما يكون عن التأثر بالأوهام والتخيلات.
(د) أخيراً نقول
(أولاً) لو كانت رؤية التلاميذ للمسيح من باب التهيؤات، لكانوا قد قابلوها بفرح وابتهاج وليس بشك واضطراب كما رأينا فيما سبق، ولكانوا أيضاً قد سمعوا أمراً بالكرازة بالإنجيل ليس لكل الأمم، بل لليهود فحسب، لأنهم كانوا يريدون أن يحتفظوا بالمسيح لشعبهم اليهودي بسبب احتقارهم لهذه الأمم.
(ثانياً) إن التهيؤات التي يمكن أن تجول في أذهان بعض الناس عن شخص ما، لا يمكن أن تكون بعينها عند البعض الآخر، بل لا بد أنها تختلف من إنسان إلى آخر تبعاً لحالته النفسية أو اختباراته الشخصية، بينما الحالة التي أعلن تلاميذ المسيح (على الرغم من الإختلافات الكثيرة التي كانت بين بعضهم والبعض الآخر) أنهم رأوه بها، في كل مرة من المرات التي كانوا يشاهدونه فيها، هي حالة واحدة، وهذه الحالة هي وجوده في ذات جسده الذي عرفوه من قبل.

(ثالثاً) إن التلاميذ عندما أعلنوا عن رؤية المسيح، لم يكونوا في حالة التفكير فيه أو الشوق إليه، حتى كان يظن أن تفكيرهم وشوقهم هما اللذان جعلاهم يتوهمون أن المسيح ظهر لهم، بل كانوا منصرفين وقتئذ إنصرافاً تاماً إلى المحافظة على أرواحهم (يوحنا 20: 19) ، أو الحصول على الطعام اللازم لهم (يوحنا 21: 13) . كما أننا إذا نظرنا إليهم كأفراد نرى أن مريم كانت تجهش في البكاء، والنساء كن خائفات مرتعبات، وبطرس كان يقع تحت تأنيبات ضميره اللاذعة، وتلميذي عمواس كانا يتأسفان لعدم تحقيق أملهما في الخلاص من الرومان، وتوما كانت تساوره الشكوك وتستبد به.

(رابعاً) إن التهيؤات والتخيلات تكون في أول الأمر واضحة، ثم تقل في الوضوح شيئاً فشيئاً حتى تتلاشى بمرور الزمن، بينما منظر المسيح بالنسبة إلى تلاميذه، كان واضحاً كل الوضوح في كل مرة قالوا برؤيتهم له فيها، كما أنهم لم يسمعوا من المسيح حديثاً واحداً في كل مرة كان يظهر لهم فيها، بل كانوا يسمعون منه في كل مرة حديثاً يختلف عن الحديث الذي كانوا يسمعونه منه في المرة السابقة لها، وذلك تبعاً للأسئلة التي كانوا يتقدمون بها إليه، واستمر الأمر على هذا المنوال زهاء أربعين يوماً، انقطعت بعدها رؤيتهم له وأحاديثه معهم دفعة واحدة.
(خامساً) إن حماس التلاميذ في نشر خبر قيامة المسيح لم ينته بانتهاء الأربعين يوماً، التي أعلنوا أنهم كانوا يرونه فيها، بل ظل طوال حياتهم على الأرض، على الرغم من الإضطهاد الذي كانوا يقابلون به من كهنة اليهود، والتهكم الذي كانوا يقابلون به من فلاسفة اليونان. ولذلك لا يمكن أن تكون رؤيتهم للمسيح ضرباً من التهيؤات أو التخيلات على الإطلاق.
 
قديم 19 - 06 - 2021, 01:54 PM   رقم المشاركة : ( 43096 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,297,752

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


الآراء الخاصة بسرقة جسد المسيح أو تحلله أو عدم العثور على قبره 1 - (إن يوسف الرامي سرق جسد المسيح من القبر وأخفاه في مكان لا تتجه إليه الأنظار. لأن هذا القبر كان ملكاً له، وكان قد أحاطه ببستان يعتز به، فخشي على هذا البستان من التلف بسبب كثرة الناس الذين كانوا عتيدين أن يزوروا القبر المذكور. ولذلك فالقول بقيامة المسيح من الأموات ليس له نصيب من الصواب) .
الرد (أ) إن يوسف الرامي هذا، كان رجلاً باراً كريماً، كما قيل عنه إنه كان مشيراً (أو مستشاراً) شريفاً (مرقس 15: 3) . وهو الذي تجاسر وطلب من بيلاطس أن يأذن له بدفن جسد المسيح، كما أنه هو الذي كفن هذا الجسد باحترام عظيم ودفنه في قبره الخاص. لذلك لو كان قد أراد نقل جسد المسيح للسبب المزعوم، لما التجأ إلى طرق التهريب التي لا يلجأ إليها إلا الرعاع، بل إلى الطرق القانونية التي تتبع في مثل هذه الحالة.
(ب) ولو فرضنا جدلاً أنه فكر في السرقة، لما استطاع إليها سبيلاً، لأن القبر كان محروساً بثلة من الجنود كانوا في غاية اليقظة والإنتباه. كما أنه ليس من المعقول أن يكون قد قدم لهم رشوة ما، حتى يسمحوا له بأخذ جسد المسيح. لأنه بالإضافة إلى مكانته الأدبية السامية التي ترفعه عن هذا التصرف، فإن الجنود كانوا يهوداً (متى 37: 62-66) موالين لرؤساء الكهنة، وكانوا بطبيعة الحال يكرهون يوسف والتلاميذ لعلاقتهم بالمسيح. وفي الوقت نفسه، كانوا تحت إشراف ضابط روماني يهابونه ويعملون له حساباً كبيراً. فضلاً عن ذلك لم يكونوا من البلاهة بمكان حتى يعرضوا أنفسهم للإعدام في سبيل الحصول على شيء من المال كما ذكرنا فيما سلف.
(ج) ولو فرضنا أن يوسف سرق جسد المسيح قبل مجيء الحراس، مع أنه لا يمكن أن يكون قد جال بنفسه هذا الخاطر وقتئذ - لتأثره الشديد بصلب المسيح - لكان رؤساء الكهنة والحكام قد أجروا تحقيقاً مع جميع أتباع المسيح وفي مقدمتهم يوسف هذا، لأنه كان موالياً للمسيح ومن أتباعه المخلصين، ليس فقط لأن سرقة أجساد الموتى جريمة يعاقب عليها القانون، بل لكي يقضوا أيضاً على الشهادة بقيامة المسيح التي كانت تزعجهم، وتحول كثيرين من اليهود عن ديانتهم. لكن بالرجوع إلى التاريخ لا نرى أنه قد حدث تحقيق بهذا الشأن، الأمر الذي يدل على أن جسد المسيح لم يسرق على الإطلاق.
(د) ولو فرضنا أيضاً أن يوسف قد مات قبل إجراء أي تحقيق بشأن جسد المسيح، لكانت العذراء على الأقل قد عرفت بواسطة بعض الناس، المكان الذي يقول المعترضون إن يوسف دفن فيه جسد المسيح بعد سرقته إياه (لأنه لا يعقل أن يكون يوسف قد قام بمفرده بالسرقة إن كان قد قام بها) ، إذ أنها تتطلب دحرجة حجر كبير لا يمكن لأقل من بضعة رجال أشداء دحرجته. ولكان قد عرفه أيضاً غيرها من المؤمنين والمؤمنات وحافظوا على رفات المسيح فيه بكل إجلال واحترام. لكن القبر المعروف لدى جميع المسيحيين وغير المسيحيين من فجر المسيحية إلى الآن، وهو القبر الفارغ، وهذا دليل واضح على أن المسيح قام من الأموات كما ذكرنا.
(ه ) أخيراً نقول إن المسيح لم يكن له أحباء كثيرون في ذلك الوقت، حتى كان يوسف يخشى على بستانه من كثرة زيارتهم لقبر المسيح، فتلاميذه كانوا وقتئذ قليلين. كما أنهم لضعفهم وخوفهم من اليهود لم يبد على أحدهم نية القيام بزيارته (يوحنا 20: 19) . فإذا أضفنا إلى ذلك، أن المنديل الذي كان ملفوفاً حول رأس المسيح، والأكفان التي كانت محيطة بجسده، وملتصقة بعضها بالبعض الآخر بمزيج المر والعود كما ذكرنا فيما سلف، وجدهما التلاميذ واليهود داخل القبر في نفس الموضعين اللذين كانا فيهما بالنسبة إلى رأس المسيح وجسده عند دفنه، وبنفس الهيئة التي كانا ملفوفين بها عندئذ، دون أن تنحل عقدة من عقدهما أو طية من طياتهما، وكأنهما لا يزالان يحويان جسد المسيح بكامله، اتضح لنا بدليل ليس بعده دليل، أن جسد المسيح لا يمكن أن يكون قد سرق، بل لا بد أن يكون قد نفذ من بين الأكفان بطريقة معجزية، تاركاً هذه الأكفان كما هي، لأن السارق كان يسرق الجسد بالأكفان المحيطة به. ولو أراد أن يسرقه وحده (وإن كان هذا أمراً مستبعداً، لأن السارق يريد أن يقوم بمهمته بكل سرعة حتى لا يراه أحد) ، لكان قد نزع الأكفان وألقى بها دون ترتيب أو نظام.
2 - (إن بيلاطس البنطي سرق جسد المسيح من القبر، لكي يغيظ اليهود الذين أرغموه على صلب المسيح) .
الرد:(أ) إن بيلاطس لم يكن بحكم مركزه في حاجة إلى من يذكره بأنه لو أقبل على سرقة جسد المسيح، لافتضح أمره. لأن الحراس الذين كانوا حول قبر المسيح كانوا حراس الهيكل اليهودي الموالين للكهنة، ولذلك كانوا بحكم مركزهم وديانتهم يكرهون بيلاطس كل الكراهية. ولو فرضنا أنه أجزل العطاء لكل منهم، فليس من المعقول أن يحفظوا جميعاً سر السرقة (إن كانت قد حدثت) عن كهنتهم. كما أنه لو كان قد سرق جسد المسيح قبل مجيء الحراس، لما استطاع أن يقوم بذلك بمفرده، لأن الحجر الذي كان على فوهة القبر لم يكن من الممكن دحرجته إلا بواسطة بضعة رجال أشداء - وهؤلاء مهما كان شأنهم ليس من المعقول أن يحتفظوا بسر السرقة طوال حياتهم، لا سيما إذا كانت هناك مكافآت مغرية من كهنة اليهود، لكل من يرشدهم عن جسد المسيح (إن كان قد سرق) ، ولتعرض بيلاطس تبعاً لذلك لهياج اليهود ضده وفصله من وظيفته، الأمر الذي كان يتحاشاه بكل قواه.
(ب) أما لو كان بيلاطس يريد أن يغيظ اليهود، لكان قد أخفى المسيح عنهم قبل صلبه بوسيلة ما، أو أرسله إلى روما تحت حراسة جنود من الرومان، ليحاكم أمام قيصر سيد البلاد الأعلى لديهم، أو أتى بشهود تنفي دعوى اليهود ضد المسيح، أو بوسيلة غير هذه الوسائل. فإذا أضفنا إلى ما تقدم أن بيلاطس كان يسعى لإرضاء اليهود حتى يظل محتفظاً بوظيفته. وأنه كان من الجبن بمكان، حتى أنه رضخ أمام رغبتهم الأثيمة، فأمر بصلب المسيح على الرغم من اقتناعه ببراءته، اتضح لنا أنه لا يمكن أن يكون قد سرق جسد المسيح، أو فكر في سرقته على الإطلاق.
3 - (إن مريم المجدلية ورفيقاتها لم يذهبن إلى القبر الذي كان المسيح مدفوناً فيه (كما جاء في الإنجيل) ، وذلك لسببين (الأول) إنهن كن يخشين مواجهة الجنود الذين كانوا يربضون هناك، (الثاني) لو فرضنا إنهن ذهبن إلى منطقة المقابر، لما استطعن الإهتداء إلى قبر المسيح، لأن الوقت الذي يقال إنهن ذهبن فيه وهو الفجر، لم يكن ليساعدهن على الإهتداء إلى هذا القبر-ولذلك فالمعقول أنهن ذهبن إلى قبر كان بالمصادفة مفتوحاً، وأن البستاني قال لهن عنه أنه قبر المسيح، ومن ثم لا يكون هناك دليل على أن المسيح قام من بين الأموات) .
الرد: فضلاً عن أن الذي أذاع خبر قيامة المسيح ليس فقط النساء المذكورات، بل أيضاً تلاميذه الذين تأكدوا من حقيقة قيامته (أولاً) بدخولهم إلى قبر المسيح وعثورهم على الأكفان وحدها بحالة تنبئ عن قيامة المسيح بقوة معجزية، من خلال هذه الأكفان (ثانياً) برؤيتهم للمسيح نفسه بعد ذلك مرات متعددة كما ذكرنا فيما سلف، الأمر الذي لا يدع مجالاً للدعوى التي نحن بصددها، نقول:
(أ) إن اليهود عينوا الجنود لحراسة قبر المسيح في اليوم التالي لصلبه، وذلك عندما تذكروا أنه كان قد قال لهم من قبل، أنه سيقوم من الأموات في اليوم الثالث فقد اجتمعوا ببيلاطس على انفراد في هذا اليوم، واتفقوا معه على وضع الحراس على القبر، لئلا (حسب زعمهم) يسرق التلاميذ جسد المسيح ويدعوا أنه قام من بين الأموات (متى 27: 62-66) . ومن ثم فالنساء المذكورات لم يكنّ على علم بوجود هؤلاء الحراس هناك. ومما يثبت هذه الحقيقة أنهن كن يتساءلن وهن في الطريق إلى القبر، ليس عمن يتوسط لهن لدى الحراس حتى يسمحوا لهن بوضع الأطياب على جسد المسيح، بل عمن يدحرج لهن الحجر عن باب القبر حتى يستطعن القيام بهذه المهمة (مرقس 16: 3) .
(ب) أما من جهة الشطر الثاني من الدعوى فنقول (أولاً) إن النساء المذكورات كن حاضرات عند دفن المسيح، ولذلك لا بد أنهن قد تأكدن من موضع قبره تماماً، إذ كانت لديهن النية من قبل أن يقمن بتعطير جسد المسيح في اليوم الثالث (لوقا 23: 55-56) . (ثانياً) إنهن وإن كن قد خرجن من بيوتهن في الفجر، غير أنهن وصلن إلى القبر في الصباح (مرقس 16: 2) ، الأمر الذي كان يساعدهن على الإهتداء إلى قبر المسيح بسهولة، (ثالثاً) ولو فرضنا جدلاً أنهن عجزن عن الإهتداء إليه، لكنّ قد ذهبن إلى صاحب القبر، فقد كان رجلاً مشهوراً في المدينة يعرفنه حق المعرفة، وكان من الممكن أن يهتدين بواسطته إلى القبر (رابعاً) فضلاً عن كل ما تقدم، فإن القبر الذي دفن المسيح فيه لم يكن في منطقة المقابر (أو بالحري في الجبانة) ، بل كان قبراً منفصلاً عنها، كما كان محاطاً ببستان خاص، ولذلك لم يكن من العسير الإهتداء إليه بحال. وبما أن النساء المذكورات وتلاميذ المسيح معاً وجدوا هذا القبر فارغاً إلا من الأكفان كما ذكرنا، إذن يكون المسيح قد قام فعلاً من بين الأموات.
(ج) وبالإضافة إلى ذلك، فإن رؤساء الكهنة الذين راقبوا دفن المسيح بأنفسهم، وختموا قبره بخاتمهم (متى 27: 66) ، ووضعوا عليه الحراس بعد ذلك، لا بد أنهم كانوا يعرفون موضعه حق المعرفة، ولا بد أنهم ذهبوا إليه على أثر سماعهم بخبر قيامة المسيح للتحقق من صدقه، لأن هذا الخبر كان يزعجهم كثيراً كما ذكرنا - ولو كانوا قد عثروا على جسد المسيح، لكانوا قد أظهروه للوالي وللتلاميذ ولليهود جميعاً، ولكان خبر قيامة المسيح من بين الأموات قد اندثر تماماً. وإذا كان الأمر كذلك، فلا مجال للدعوى التي أمامنا أو غيرها من الدعاوى.
4 - أخيراً يقول المعترضون: (إن جسد المسيح لم يدفن في قبر يوسف الرامي كما جاء في الكتاب المقدس، بل دفن في المقبرة العامة التي كان يدفن فيها الفقراء والمجرمون الذين يحكم عليهم بالصلب. ونظراً لأن تلاميذ المسيح لم يذيعوا خبر قيامته من بين الأموات أمام كهنة اليهود، إلا بعد خمسين يوماً من دفنه، لم يكن من الممكن وقتئذ الإستدلال على جسده، لأن معالمه كانت قد ضاعت، ومن ثم لا يكون هناك دليل على أن المسيح قام من الأموات) .
الرد:(أ) إن تلاميذ المسيح وإن كانوا لم ينادوا بقيامته جهرا أمام كهنة اليهود إلا ابتداء من اليوم الخمسين لصلبه تقريباً أو بالحري ابتداء من اليوم الذي حل فيه الروح القدس عليهم وأيدهم بالقوة الروحية التي كانت تنقصهم (أعمال 2: 1-24) ، غير أن خبر قيامته كان قد بلغ هؤلاء الكهنة بواسطة الحراس في اليوم الثالث لصلب المسيح، لأنه لو لم يكن قد قام من بين الأموات في هذا اليوم كما قال تلاميذه، لكذبهم هؤلاء الحراس وقضوا على شهادتهم في الحال. فضلاً عما تقدم، فإن الألسنة كانت تتناقل خبر قيامة المسيح في كل المجتمعات (إذ أن الذي أذاعه لم يكن نفراً قليلاً، بل كان أكثر من خمسمائة شخص) ، ومن ثم لا بد أن يكون هذا الخبر قد بلغ مسامع الكهنة بوسيلة ما. ولو كان إشاعة لا نصيب لها من الصواب، لكانوا قد قضوا عليه في الحال، بواسطة التحقيق القانوني مع التلاميذ كما سبقت الإشارة.
(ب) ولو فرضنا جدلاً أن المسيح دفن في المقبرة العامة، وأنه لم يقم من بين الأموات، وأن رؤساء الكهنة لم يبلغهم خبر قيامته إلا بعد خمسين يوماً من صلبه، لما كان يتعذر عليهم الحصول على بقايا جسده، لأنه دفن تحت إشرافهم وعلى مرأى منهم. ولو فرضنا جدلاً أنه لم يبق له أثر، لكانوا قد استطاعوا إسكات التلاميذ عن المناداة بقيامة المسيح، وذلك بتقديم أي جسد بال لهم، من المقبرة العامة (التي يقول المعترضون إن المسيح دفن فيها) ، بدعوى أنه جسد المسيح. وما كان التلاميذ يعترضون على الإطلاق، لو كانوا غير متأكدين من قيامته كل التأكد. وإذا كان الأمر كذلك، يكون استمرار تلاميذ المسيح في شهادتهم بقيامة المسيح، وعدم قدرة رؤساء الكهنة على إخماد هذه الشهادة بأي وسيلة من الوسائل، دليلين لا يمكن دحضهما على أن المسيح قام من بين الأموات، كما ذكرنا مراراً وتكراراً.
 
قديم 19 - 06 - 2021, 01:54 PM   رقم المشاركة : ( 43097 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,297,752

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


الآراء الخاصة بهروب المسيح دون صلبه، أو بهروبه بعد صلبه 1 - (إن المسيح هرب عندما حاول اليهود القبض عليه، ولذلك صلبوا شخصاً آخر عوضاً عنه ظنوا أنه المسيح، وفي اليوم الثالث وقف المسيح على قبر الشخص المذكور، وأعلن لتلاميذه أنه قام من بين الأموات، فصدقوه) .
الرد:(أ) إن المسيح لم يكن جباناً أو رعديداً، بل كان شجاعاً وجريئاً، فقد واجه الأعداء الجبابرة قبل أن يواجهوه، ومن ثم سقطوا جميعاً صرعى عند قدميه (يوحنا 18: 6) . كما كان في وسعه (لو أراد) أن يتجنب تألب اليهود عليه من أول الأمر، وذلك بالكف عن توبيخ رجال الدين على شرورهم ونقائصهم (متى 23: 13-36) ، لذلك فالقول بأن المسيح هرب عندما حاول اليهود القبض عليه لا نصيب له من الصواب.
(ب) كما أن اليهود لا يمكن أن يكونوا قد صلبوا شخصاً عوضاً عن المسيح ظنوا أنه هو، لأنه كان معروفاً لديهم كل المعرفة، فقد كانوا يلتفون حوله من وقت لآخر لكي يجادلوه في أمور الدنيا والدين، وكان يفحمهم ويوقعهم في الشراك التي كانوا ينصبونها له (متى 22: 15-40) ، كما أنه كثيراً ما كان يوبخهم بسبب نقائصهم وشرورهم، كما ذكرنا. فضلاً عن ذلك فإن المعجزات الباهرة التي كان يقوم بها بين الفينة والفينة، وتعاليمه السماوية الرائعة التي كانت تنطلق من شفتيه في كل مكان يحل فيه (يوحنا 7: 45 و46) ، لا بد أن هذه جعلته معروفاً لديهم كل المعرفة أيضاً.
فإذا أضفنا إلى ما تقدم (أولاً) أن الشخص الذي قبض اليهود عليه ليصلبوه، حوكم أمام رجال الدين ثلاث مرات، آخرها أمام السنهدريم في الصباح الباكر، وبعد ذلك حوكم أمام كل من هيرودس الملك وبيلاطس الوالي من الساعة السادسة إلى التاسعة صباحاً، وذلك بحضور جماهير كثيرة من الناس (ثانياً) أنه ظل مصلوباً من الساعة التاسعة صباحاً إلى الساعة الثالثة بعد الظهر على مرأى من الخاص والعام، الأمر الذي ينفي وقوع أي اشتباه بشأن شخصيته (ثالثاً) أنه كان قد قال لليهود قبيل القبض عليه أَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ! 53éإِذْ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي الهَيْكَلِ لَمْ تَمُدُّوا عَلَيَّ الأَيَادِيَ. وَل كِنَّ هذهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ (لوقا 22: 52-53) ، وقال للنساء اللاتي كن يبكين عليه لَا تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلَادِكُنَّ، لِأَنَّهُ هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُونَ فِيهَا: طُوبَى لِلْعَوَاقِرِ وَالْبُطُونِ التِي لَمْ تَلِدْ وَالثُّدِيِّ التِي لَمْ تُرْضِعْ (لوقا 23: 28 و29) . وقال لبيلاطس عندما كان يحاكمه مملكتي ليست من هذا العالم (يوحنا 18: 30) و مملكتي ليست من هذا العالم (يوحنا 18: 30) و الَّذِي أَسْلَمَنِي إِلَيْكَ لَهُ خَطِيَّةٌ أَعْظَمُ (يوحنا 19: 11) . وقال للّه عن صالبيه يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ (لوقا 23: 34) . وقال بعد ذلك للعذراء مريم عن يوحنا الرسول يا إمرأة هوذا إبنك ، وقال ليوحنا عنها هوذا أمك لكي يعتني بها ويرعاها (يوحنا 19: 26-27) اتضح لنا أنه كان هو المسيح بعينه.
(ج) أخيراً نقول إن المسيح كان كاملاً كل الكمال في كل تصرفاته، لذلك لا يمكن أن يكون قد خدع تلاميذه، فقال لهم إنه قام بعد موته، والحال أنه قد هرب من الموت. فإذا أضفنا إلى ذلك أنه لو كان شخص غير المسيح قد صلب عوضاً عنه، لكان قد ظل في قبره إلى الأبد. اتضح لنا أن القبر الفارغ دليل لا يقهر على أن المسيح هو الذي صلب. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الدعوى التي أمامنا لا نصيب لها من الصواب مثل غيرها من الدعاوى.
2 - (إن التلاميذ، وفي مقدمتهم يوسف الرامي، طلبوا من بيلاطس الوالي أن يأمر بوضع مساند تحت قدمي المسيح عندما كان معلقاً على الصليب، حتى لا يقع ثقل جسده على ذراعيه ويسبب له الإرهاق المميت. كما طلبوا منه أن يأمر بعدم كسر ساقيه حتى لا يسيل منه دم غزير ويموت في الحال. ومن ثم فالمسيح عندما أنزل عن الصليب لم يكن ميتاً بل مغمى عليه فحسب، والدليل على ذلك أنه لما طعن بالحربة خرج منه دم وماء. وعندما وضع في القبر البارد بعد ذلك، استعاد نشاطه وهرب إلى بلاد فارس، متنكراً في زي بستاني كما رأته مريم المجدلية. وفي هذه البلاد أخذ يعلم الناس ويرشدهم حتى وافته المنية. ومما يثبت ذلك أن الفرس كانوا يعتقدون أن ماني فيلسوفهم هو رسول المسيح) .
الرد:(أ) إن تلاميذ المسيح كانوا من الفقراء الذين لا حول لهم ولا طول، ومن ثم لم يستطيعوا أن يصمدوا أمام اليهود عندما قبضوا على المسيح، بل هربوا وتواروا عن الأنظار، مما يدل على أنه لم يكن لهم المركز الذي يؤهلهم للتوسط لدى الوالي لكي يظهر شيئاً من العطف على المسيح. كما أن يوسف الرامي لم يكن ليقوى على التوسط لديه من جهة هذا الأمر، لأن بيلاطس نفسه لم يستطع التوسط لدى اليهودمن جهته من قبل، حرصاً على وظيفته التي كان يعتز بها. ولذلك كان الإلتماس الذي قدمه يوسف الرامي لبيلاطس مقصوراً على السماح له بدفن جسد المسيح بعد موته. وحتى هذا الإلتماس البسيط لم يكن من السهل على يوسف القيام به، لأن الوحي يسجل عنه أنه تجاسر وطلب جسد يسوع من بيلاطس. وقد أجابه بيلاطس إلى التماسه هذا، لأن دفن المسيح في قبر يوسف لا يغضب اليهود أو يثيرهم، إذ أن غرضهم الأول والأخير كان ينحصر في القضاء على المسيح. وما دام المسيح قد مات، فإن الحقد الذي كان في قلوبهم من نحوه لم يعد له أثر فيها. أما لو كان بيلاطس قد وضع مساند تحت قدمي المسيح، لكان اليهود قد قاوموه، بل وهددوه أيضاً برفع أمره إلى قيصر، ولكان بيلاطس قد أذعن لهم كما فعل من قبل، حرصاً على وظيفته كما ذكرنا.
(ب) أما السبب في عدم كسر ساقي المسيح، فلا يرجع إلى الرغبة في الإبقاء على حياته كما يقول المعترضون، بل يرجع إلى أنه كان قد مات فعلاً على الصليب، لأن الغرض من كسر ساقي المصلوب هو التعجل بموته. وما دام المسيح كان قد مات من تلقاء نفسه كما يتضح لنا من الكتاب المقدس، لم يكن هناك ما يدعو إلى كسر ساقيه - وطبعاً ما كان اليهود والرومان الذين كان هدفهم الوحيد أن يقضوا على المسيح قضاء تاماً، ليتركوا ساقيه دون كسر، لولا أنهم كانوا على يقين تام من أنه مات فضلاً عن ذلك، فإن واحداً من الرومان وجه إلى جنب المسيح بعد موته، بوحشية لا مثيل لها، طعنة قوية بالحربة، خشية أن يكون فيه بعد (حسب ظنه) رمق من الحياة، فيقضي بالطعنة المذكورة على هذا الرمق. وذلك لكي لا يبقى هناك مجال للشك لدى أحد ما، في أن المسيح مات فعلاً، ولكي يجنب أيضاً نفسه وزملاءه مسئولية المحاكمة القانونية التي كان يتعرض لها كل من يسمح بنزول مصلوب قبل موته.
(ج) كما أن خروج الماء والدم من جنب المسيح بعد طعنه بالحربة، لا يدل على أنه كان على قيد الحياة وقتئذ، لأن الدم (كما يقول الأطباء) يتحلل في بعض حالات الوفاة الفجائية إلى خثارة حمراء ومصل مائي، ويظل على هذا الحال بضع ساعات. وبما أن المسيح مات على الصليب قبل المدة التي يموت فيها أضعف شخص يعلق عليه بأكثر من 18 ساعة، كان من البديهي أن يخرج منه دم وماء عندما طعن بالحربة - فإذا أضفنا إلى ذلك أن موت المسيح كان قد تأيد على لسان الذين فحصوه (يوحنا 21: 33) ، كما أن رؤساء الكهنة كانوا حريصين على التحقق من موته قبل دفنه، لأنهم كانوا ينظرون إليه كألد عدو يهدد كيانهم (يوحنا 12: 19) كما ذكرنا، لا يبقى أي مجال للظن بأنه كان حياً قبل دفنه.
(د) ولو فرضنا جدلاً أن المسيح دفن قبل أن يموت، فليس من المعقول أن يكون قد خرج من القبر، لأن شخصاً جلد 40 جلدة، واجتازت المسامير في يديه ورجليه وقطعت بعض عروقه وأعصابه، ثم اخترقت الحربة بعد ذلك جنبه ومزقت بعض أحشائه، لا يستطيع (إن كان لم يمت) أن يستعيد قواه ويسحب نفسه من تحت 50 كيلو جراماً من المر والعود (ألصقت طيات أكفانه بعضها ببعض من جهة، وألصقتها بجسده من جهة أخرى) تاركاً إياها كلها كما كانت حول جسده. ثم يرفع بمفرده من الداخل حجراً عن القبر لا يستطيع أقل من بضعة رجال أشداء وهم في الخارج أن يرفعوه، وبعد ذلك يفلت من أيدي حراس مدججين بالسلاح في غاية اليقظة والإنتباه، ويقطع على قدميه رحلة شاقة طويلة إلى بلاد نائية ليس له فيها أقرباء أو أصدقاء، ولا يعرف شيئاً عن لغة أهلها أو عاداتهم.
كما أنه ليس من المعقول أن يكون المسيح بعد خروجه من القبر (إن كان لم يمت كما يقال) ، قد قام بالهروب إلى البلاد المذكورة، تاركاً تلاميذه (أحب الناس إليه) معرضين لبطش اليهود وعدوانهم، وتاركاً أيضاً الرسالة التي سلمها لهم تحت رحمة الظروف والأقدار، لكي يموت في هذه البلاد موت الضعيف الجبان. لأنه كان في وسعه (لو كان قد أراد) أن يتجنب الصلب من أول الأمر كما ذكرنا، ومن ثم كان يستطيع أن يعيش دون ألم أو عناء.
(ه ) أما من جهة القول (بتنكر المسيح في زي بستاني) ، ففضلاً عن أن المسيح لم يكن جباناً، الأمر الذي لا يدع مجالاً للقول المذكور، فالمسيح لم يلبس مطلقاً هذا الزي، بل أن مريم المجدلية هي التي ظنت أنه البستاني، لأنه لم يكن يخطر ببالها أن الشخص الذي أتت لتضع الحنوط على جسده في القبر، هو الذي كان يقف على مقربة منها. ومما يثبت أن عدم توقع حدوث أمر، يكون مدعاة للشك فيه إذا حدث، أنه عندما سجن بطرس الرسول وأعدت العدة لقتله، أخذ المؤمنون يصلون لأجله، فأنقذه اللّه من السجن بمعجزة عظمى، ومن ثم ذهب في الحال إلى هؤلاء المؤمنين لكي يبشرهم بالإحسان الذي صنعه اللّه معه، وأخذ يقرع على بابهم لكي يفتحوا له، لكنهم لم يصدقوا في أول الأمر أنه هو بعينه (أعمال 12) .
أخيراً نقول إن المعترضين لا يعتمدون على الحقائق التاريخية الثابتة، بل على الشائعات التي لا سند لها، إذ فضلاً عن أنه ليس كل من قال عن نفسه إنه رسول للمسيح، أو قال غيره إنه كذلك، يكون في الواقع رسولاً له، فليس هناك كتاب تاريخي يثبت أن ماني كان رسولاً من رسل المسيح. إذ أن كل الكتب التاريخية تثبت أن رسله جميعاً كانوا من سكان فلسطين ومن ثم لا يجوز الأخذ بالرأي الذي نحن بصدده أيضاً.
 
قديم 19 - 06 - 2021, 01:55 PM   رقم المشاركة : ( 43098 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,297,752

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


الآراء الخاصة بتأليف خبر قيامة المسيح أو نقله من الأساطير الوثنية، والرد عليها
1 - (إن المسيح لم يقم بعد موته، بل إن تلاميذه هم الذين ابتدعوا خبر قيامته من بين الأموات، لكي يخلدوا ذكراه وينشروا المبادئ التي نادى بها في حياته) .
الرد فضلا عن البراهين التي ذكرناها فيما سلف، عن صدق شهادة تلاميذ المسيح، الأمر الذي لا يدع مجالا لهذا الإعتراض نقول:
(أ) إن التلاميذ لم يكونوا من رجال الفلسفة أو الأدب أو الإجتماع الذين يهمهم تخليد ذكرى شخص ما أو نشر مبادئه في العالم، بل كان معظمهم من صيادي السمك الذين لم ينالوا قسطاً من التعليم سوى الكتابة والقراءة، والذين لم يكن يهمهم في الحياة سوى الحصول على قوتهم وقوت أولادهم (يوحنا 21: 30) . وبالإضافة إلى ذلك، فإنهم لم يكونوا في أول الأمر يدركون شيئاً عن أهمية قيامة المسيح وما يترتب عليها من فوائد ونتائج، حتى يدعوا أنه قام من بين الأموات، ويتحملوا في سبيل هذا الإدعاء الكثير من الإضطهاد والآلام. لذلك لا بد أنهم نادوا بقيامته لتأكدهم منها بأنفسهم كل التأكد.
(ب) إن الذين يعمدون إلى تزوير حادثة ما، يبذلون كل ما في وسعهم لتجنب وقوع أي اختلاف بينهم بشأنها، فلا يذكر أحدهم (مثلاً) خبراً لم يذكره غيره، وذلك على النقيض مما فعله تلاميذ المسيح. فإذا أضفنا إلى ذلك (أولاً) أن هؤلاء التلاميذ لم يحاولوا مطلقاً تفسير أي تصرف من التصرفات التي سجلوها عن المسيح، بل رووها جميعاً كما هي (ثانياً) أنهم لم يتستروا على أخطائهم ونقائصهم وتوبيخ المسيح لهم، بل سجلوا كل ذلك بالتفصيل، اتضح لنا أنهم كانوا صادقين كل الصدق في ما كتبوه عنه.
(ج) فإذا أضفنا إلى ما تقدم (أولاً) أن تلاميذ المسيح كانوا (كما يشهد التاريخ) ، على مستوى عال من الأخلاق الكريمة التي تأبى عليهم المناداة بغير الحقيقة. (ثانياً) أن خبر قيامة المسيح من الأموات كان بعيداً في أول الأمر عن أذهانهم كل البعد، لأن آمالهم كانت تدور حول مسيا أرضي يطيح بسلطة الرومان ويوليهم رؤساء في مملكته التي يؤسسها لهم. (ثالثاً) وأنهم لو حاولوا تأليف قصة عن قيامة المسيح لاحتاجوا إلى وقت طويل، حتى يحبكوا تفاصيلها ويظهروها بمظهر معقول أو قريب من المعقول، وليس إلى ثلاثة أيام فقط كانوا في أثنائها في حالة الحزن والإضطراب التي لا تسمح لهم بالقيام بمثل هذا العمل. (رابعاً) أنهم نشروا خبر قيامة المسيح بين الناس الذين عاصروه وعرفوا كل شيء عنه، وبين أعداء ألداء كانوا يتربصون لهم ويحاولون إلصاق أي تهمة بهم لكي يقضوا عليهم قضاء تاماً، ومع ذلك لم يتعرض واحد منهم لتكذيبهم أو تخطئتهم - اتضح لنا أنه لا يمكن أن يكونوا قد ابتدعوا خبر قيامة المسيح، بل لا بد أنه خبر صادق كما ذكرنا.
(د) هذا وقد شهد الأستاذ العقاد بصدق رسل المسيح فقال ومن بدع (أهل) القرن العشرين سهولة الإتهام، كلما نظروا في تواريخ الأقدمين، فوجدوا في كلامهم أنباء لا يسيغونها وصفات لا يشاهدونها ويعقلونها. ومن ذلك اتهام الرسل بالكذب فيما كانوا يثبتونه من أعاجيب العيان وأعاجيب النقل. ولكننا نعتقد أن التاريخ الصحيح يأبى هذا الإتهام، لأنه أصعب تصديقاً من القول بأن أولئك الدعاة أبرياء من تعمد الكذب والإختلاق. فشتان عمل المؤمن الذي لا يبالي الموت تصديقاً لعقيدته، وعمل المحتال الذي يكذب، ويعلم أنه يكذب، وأنه يدعو الناس إلى الأكاذيب مثل هذا لا يقدم على الموت في سبيل عقيدة مدخولة، وهو أول من يعلم زيفها وخداعها. وهيهات أن يوجد بين الكذبة العامدين من يستبسل في نشر دينه، كما استبسل الرسل المسيحيون. فإذا كان المؤلف الصادق من يأخذ بأقرب القولين إلى التصديق، فأقرب القولين إلى التصديق أن الرسل لم يكذبوا فيما رووه، وفيما قالوا إنهم رأوه، أو سمعوا ممن رآه (عبقرية المسيح ص 118-189) .
2 - (إن تلاميذ المسيح نقلوا خبر قيامته من بين الأموات من الأساطير الوثنية) .
الرد: إن معظم تلاميذ المسيح كانوا كما ذكرنا فيما سلف من صيادي السمك البسطاء، ومهنة مثل هذه ليست كمهنة التجارة التي تفسح المجال أمام المشتغلين بها لمعرفة أخبار العالم وعقائد الساكنين فيه، بل أنها مهنة تفرض على أصحابها ملازمة البيئةالتي يعملون فيها، وتحصر أفكارهم في الأخبار والعقائد الموجودة في بلادهم. فضلاً عن ذلك كانوا من اليهود المتدينين الذين يحطون من شأن الوثنيين ويعتبرونهم نجسين، ومن ثم كانوا لا يتحدثون معهم أو يخالطونهم ومن جهة أخرى فإنه بالرجوع إلى عقائد الوثنيين أو بالحري إلى أساطيرهم، لا نرى فيها أسطورة عن إنسان قال الوثنيون إنه قام بعد موته، كما نادى التلاميذ عن المسيح. والدليل على ذلك أن اليونانيين كانوا يستهزئون عندما سمعوا التلاميذ ينادون بقيامة المسيح من الأموات (أعمال 17: 22) ، الأمر الذي لا يدع مجالاً للرأي الذي نحن بصدده. ومع ذلك نذكر فيما يلي أساطير الوثنيين التي يقال إنه ورد فيها شيء عن القيامة من الأموات أو العودة إلى الحياة، لكي يتضح بطلان هذه الدعوى من أساسها.
(أ) فالبابليون بسبب رغبتهم في أن تظل نساؤهم في حوزتهم، زعموا أن الإله تاموز أحب إشترا أو عشتاروت إلاهة الحب وتزوج منها. لكن لم يمض على هذا الزواج وقت طويل حتى أبغضته وقتلته، ثم أخذت بعد ذلك تبحث عن زوج آخر عوضاً عنه، ولكنها لم تجد. وأخيراً ذهبت إلى عالم الموتى لكي تخرج تاموز منه، فقبض عليها ملك هذا العالم، وبعد أن سامها العذاب لقتلها تاموز، سمح لها أن تأخذه، وبذلك عاد تاموز إلى الأرض.
(ب) وقدماء المصريين، بسبب رغبتهم في إعلان قوة الخير، زعموا أن إله الشر ست كان يبغض أخاه إله الخير أوزيريس . لذلك قتله ومزق جثته إلى 72 قطعة، رمى كل قطعة منها في مكان خاص. ومع ذلك استطاعت إيزيس زوجة أوزيريس أن تجمع القطع المذكورة، وأن تعيد زوجها إلى الحياة، ومن ثم أصبح خالداً، أو بالحري خالداً في نظرهم.
(ج) وقدماء اليونان بسبب رغبتهم في تعليل اختفاء القمح من الحقول ستة شهور، زعموا أن ملك الهاوية أحب بروسفوني إلاهة القمح ، واختطفها إلى مملكته، فشكت أمها (إلاهة الزراعة) إلى جوبيتر رب الآلهة عندهم ما أصاب ابنتها. فأمر ملك الهاوية بإطلاق سراح بروسفوني وإعادتها إلى الأرض. لكن لأن هذا الملك كان قد أحب بروسفوني حباً جماً، لم يطلق سراحها إلا بعد أن أعطاها من طعام الهاوية. ونظراً لأن من خصائص هذا الطعام أنه يجذب كل من يأكل منه إلى الهاوية بعد مفارقته لها، لذلك كانت بروسفوني تعود إلى الهاوية مرة كل عام وتبقى فيها ستة شهور متتالية (وهي المدة التي تختفي فيها الحبوب من الأرض) ، وبعد ذلك تظهر على الأرض مرة ثانية، وهكذا دواليك.
(د) وبسبب رغبة اليونانيين أيضاً في تعظيم الديمقراطية وتحريض الناس على الدفاع عنها، زعموا أن بروميتيه بعد أن ساعد جوبيتر في القضاء على أعدائه والإرتقاء إلى مركز رب الآلهة عندهم، حقد جوبيتر عليه وعزم على إهلاكه وإهلاك البشر معه. لأن بروميتيه كان يحبهم ويساعدهم في كل شؤونهم، لذلك صلبه على جبل القوقاز وأمر فلكان أن يعذبه. فأخذ هذا يغرس حديداً محمياً بالنار في جسم بروميتيه، كما أهاج النسور عليه لتمزق جسده. وبينما كان بروميتيه على هذه الحال، أتته عرائس البحر وعرضن عليه أن يتوسطن له لدى جوبيتر، فرفض. وأخيراً أتاه هرقل فأنقذه ورفع مكانته.
مما تقدم يتضح لنا أن قيامة المسيح من الأموات لا يمكن أن تكون قد نقلت عن الأساطير الوثنية، بل لا بد أنها حادثة حقيقية كما اتضح لنا في الأبواب السالفة. وقد أدرك هذه الحقيقة الأستاذ عباس محمود العقاد فقال كانت الدعوة المسيحية كما روتها الأناجيل دون أن يتعمد كتابها تطبيق أحوال التطور، أو تلتفت أذهانهم إلى معنى تلك الأحوال ثم قال إن أصحاب هذه الملاحظات (أو بالحري الفلاسفة العصريين) اتخذوا تشابه المراسيم والأخبار دليلاً على تلفيق تاريخ السيد المسيح. ويبدو لي أن نشوء علم المقابلة بين الأديان هو الذي دفع أصحابه في القرن الثامن عشر إلى تحميل المشابهات والمقارنات فوق طاقتها . كما قال ليس من الصواب أن يقال إن الأناجيل جميعاً عمدة لا يعول عليها في تاريخ السيد المسيح، وإنما الصواب أنها العمدة الوحيدة في كتابة تاريخه، وسواء رجعت هذه الأناجيل إلى أصل واحد أم إلى أكثر من مصدر، فمن الواجب أن يدخل في الحسبان أنها هي العمدة التي اعتمد عليهم قوم هم أقرب الناس إلى عصر المسيح، وليس لدينا نحن بعد قرابة ألفي عام عمدة أحق منها بالإعتماد (عبقرية المسيح ص 126 وكتاب اللّه ص 149-153)
 
قديم 19 - 06 - 2021, 02:04 PM   رقم المشاركة : ( 43099 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,297,752

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

تطييب رفات القديس المعلم إبراهيم الجوهري بيد البابا تواضروس الثاني










 
قديم 19 - 06 - 2021, 02:04 PM   رقم المشاركة : ( 43100 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,297,752

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المعلم إبراهيم الجوهري


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
نشأته:

رجل عصامي نشأ في القرن الثامن عشر من أبوين متواضعين فقيرين تقيين، والده يسمى يوسف الجوهري كان يعمل في الحياكة بقليوب. تعلم في كتّاب بلده الكتابة والحساب وأتقنهما منذ حداثته، فكان يقوم بنسخ بعض الكتب الدينية ويقدمها للبابا يؤانس الثامن عشر (البابا 107). سرّ البابا من غيرته وتقواه وقربه إليه، وكان يقول له: "ليرفع الرب اسمك، ويبارك عملك، وليقم ذكراك إلى الأبد".

تجاربه:

كان له ابن يدعى يوسف وابنة تسمى دميانة، مات الأول بعد ما أعد له منزلًا بكل إمكانياته ليزوجه.... فكانت نفس الوالدين مرة للغاية حتى سمّر الرجل الباب بمسامير وكسر السلم كي لا يدخل أحد البيت، لكن تحولت المرارة إلى حب شديد لمساعدة الأرامل والأيتام وتعزية كل حزين أو منكوب. وقد ظهر القديس أنبا أنطونيوس لزوجته كما له في نفس الليلة وعزاهما.
حدث انقلاب في هيئة الحكام، وحضر إلى مصر حسن باشا قبطان من قبل الباب العالي فقاتل إبراهيم بك شيخ البلد ومراد بك واضطرا إلى الهروب إلى أعالي الصعيد ومعهما إبراهيم الجوهري وبعض الأمراء وكتّابهم.... فنهب قبطان باشا قصور البكوات والأمراء والمشايخ واضطهد المسيحيين، وقام بسلب ممتلكات المعلم إبراهيم وعائلته وكل ما قد أوقفه على الكنائس والأديرة.
اضطرت زوجته إلى الاختفاء في بيت حسن أغا كتخدا علي بك، لكن البعض دلّ الباشا عليها، فاستحضرها وأقرت بكل ممتلكاتهما، كما استحضر أيضًا ابنتها دميانة التي طلبت من الباشا مهلة، جمعت فيها بعض الفقراء لتقول له: "أن أموال أبي في بطون هؤلاء وعلى أجسامهم".... ويبدو أن الباشا تأثر لذلك إلى حد ما فلم يبطش بها.
عاد إبراهيم بك ومراد بك ومعهما المعلم إبراهيم إلى القاهرة في 7 أغسطس 1791، وكان المعلم إبراهيم محبوبًا من السلطات جدًا ومن الشعب حتى دُعي "سلطان القبط" كما جاء في نقش قديم على حامل الأيقونات لأحد هياكل كنائس دير الأنبا بولا بالجبل الشرقي (في الأغلب هي كنيسة الشهيد أبو سيفين بدير أنبا بولا(1) - في أواخر القرن الثامن عشر)، وأيضًا في كتابه بقطمارس katameooc محفوظ بنفس الدير.

قال عنه الجبرتي المؤرخ الشهير: "إنه أدرك بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظيم الصيت والشهرة، مع طول المدة بمصر ما لم يسبق من أبناء جنسه، وكان هو المشار إليه في الكليات والجزئيات، وكان من دهاقين العالم ودهاتهم لا يغرب عن ذهنه شيء من دقائق الأمور، ويداري كل إنسان بما يليق به من المداراة، ويفعل بما يوجب من انجذاب القلوب والمحبة إليه، وعند دخول شهر رمضان كان يرسل إلى غالب أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا، وعمرت في أيامه الكنائس والأديرة، وأوقف عليها الأوقاف الجليلة، والأطيان، ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق الدائرة والغلال". قال عنه الأنبا يوساب الشهير بابن الأبح أسقف جرجا وأخميم إنه كان محبًا لكل الطوائف، يسالم الكل، ويحب الجميع، ويقضي حاجات الكافة ولا يميز أحدًا عن الآخر في قضاء الحق. خلال علاقاته الطيبة مع السلاطين في مصر والأستانة كان يستصدر فرمانات خاصة ببناء الكنائس وإصلاحها. كما قدم الكثير من أمواله أوقافًا للكنائس والأديرة، واهتم بنسخ الكثير من الكتب الدينية على حسابه لتقديمها للكنائس.

وداعته:

قيل أن أخاه المعلم جرجس الجوهرى جاءه يومًا يشتكي له من بعض الشبان إنهم أهانوه في الطريق، سائلًا إياه أن يتصرف خلال سلطانه، فقال له أنه سيقطع ألسنتهم.... وفي اليوم التالي إذ كان أخوه يسير في نفس الطريق وجد الشبان يحبونه ويكرمونه جدًا. فلما سأل أخاه عما فعله معهم، أجاب أنه أرسل لهم عطايا وخيرات قطعت ألسنتهم عن الشر.
قيل عنه أيضًا إنه إذ كان يصلي في كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة، وكان متعجلًا أرسل إلى القمص إبراهيم عصفوري -من علماء عصره- يقول له: "المعلم يقول لك أن تسرع قليلًا وتبكر في الصلاة ليتمكن من اللحاق بالديوان". أجابه الكاهن: "المعلم في السماء واحد، والكنيسة لله لا لأحد. فإن لم يعجبه فليبن كنيسة أخرى". إذ سمع المعلم إبراهيم تقبل الإجابة بصدر رحب دون غضب أو ثورة، ولكنه حسب ذلك صوتًا من الله إذ بنى كنيسة باسم الشهيد أبي سيفين بالجهة البحرية لكنيسة السيدة العذراء....
أما الكاهن فجاء يهنئه على بنائها، قائلًا: "حمدًا لله الذي جعل استياءك سببًا في بناء كنيسة أخرى فزادت ميراثك وحسناتك".

حبه لخدمة الآخرين:


عاد المعلم إبراهيم بعد قداس عيد القيامة المجيد ليجد أنوار بيته مطفأة كلها، وإذ سأل زوجته عن السبب أجابته: "كيف نستطيع أن نبتهج بالنور، ونعّيد عيد النور المنبثق من القبر الفارغ وقد حضرت عندي في المساء زوجة قبطي سجين هي وأولادها في حاجة إلى الكسوة والطعام؟! وقد ساعدني الله، فذهبت إلى زوجة المعلم فانوس الذي نجح في استصدار الأمر بإطلاق سراحه". فذهب المعلم إبراهيم وأحضر الرجل وزوجته وأولاده إلى بيته لكي يضيء الأنوار ويبتهج الكل بالعيد أما ما هو أعجب فإن هذا السجين الذي أكرمه المعلم في بيته إذ قدم له عملًا، قال للمعلم بأن هناك صديق له هو أولى منه بهذه الوظيفة وأكثر منه احتياجًا، ففرح المعلم إبراهيم باتساع قلب هذا الرجل ومحبته، وقدم عملًا لصديقه.

محبة غالبة للموت:

انتقل المعلم إبراهيم في 25 بشنس سنة 1511 الموافق 31 مايو 1795، فحزن عليه أمير البلاد إبراهيم بك الذي كان يعزه جدًا، وقد سار في جنازته، ورثاه البابا يؤانس.
لم تنته حياته بموته فقد قيل أن رجلًا فقيرًا اعتاد أن يأتيه (ربما من بلد أخرى) بطريقة دورية يطلب معونة، وإذ جاء كعادته وبلغ داره عرف إنه تنيح فحزن جدًا. سأل عن مقبرته، وانطلق إليها يبكي ذاك السخي بمرارة، حتى نام من شدة الحزن، وظهر له المعلم إبراهيم يقول له: "لا تبكِ، أنا لي في ذمة (فلان الزيات ببولاق) عشر بنادقة، فسلّم عليه مني وأطلبها منه فيعطيها لك". إذ استيقظ الرجل خجل أن يذهب إلى المدين. بالليل ظهر له المعلم مرة أخرى في حلم وسأله أن ينفذ ذات الأمر.... لكنه أيضًا تردد في الأمر. وفي المرة الثالثة قال له: "لا تقلق، اذهب كما قلت لك، وسأخبره بأمرك". فقام الفقير وذهب إلى الرجل دون أن ينطق بكلمة. تفرس فيه الرجل وطلب منه أن يروي له ما حدث معه. وإذ روى له ذلك، قال: "بالحق نطقت، لأن المعلم إبراهيم تراءى لي أنا أيضًا، وأبلغني بالرسالة التي أمرك بها. فإليك ما في ذمتي، وهوذا مثلها أيضًا مني".

محبة بلا تغصُّب:

يروي لنا توفيق إسكارس في كتابه: "نوابغ الأقباط ومشاهيرهم في القرن التاسع عشر" أن أسرة سريانية أرثوذكسية من حلب لا تزال تقيم قداسات إلهية باسم هذا الراحل، ذلك أن عائلهم وجد ضيقًا شديدًا ونُهبت أمواله في حلب فجاء إلى مصر واهتم به المعلم إبراهيم وسنده في عمل التجارة فأنجح الرب طريقه واقتنى ثروة ضخمة ورجع إلى عائلته يروي لهم ما فعله هذا القبطي به، فرأوا أن يقيموا قداسات باسمه اعترافًا بفضله.

السيرة من مصدر آخر


من مواليد قليوب في أواسِط القرن الثامن عشر، وكان أبيه يعمل في حرفة الخياطة، تعلم القراءة والكتابة الكنسية في إطار معرفة الكتاب المقدس ثم تعلم من أقاربه صناعة الكتابة والحساب، وتقلد بذلك أول وظيفة له عند أحد المماليك، كان قلبه مفعم بالإيمان ومحبة المسيح، فكان ينفق ربع راتبه في أعمال أكبر ونسخ الكتب وإيقافها على الكنائس، فكان بين الحين والحين يأتي للبطريرك بكتاب ويسلمه له، فسر منه الأب البطريرك وباركة ودعا له بالتوفيق في حياته وفى ظروف غير معروفة ترك إبراهيم عمله لأن المماليك كانوا قلب بطبعهم، ولما أخبر الأب البطريرك بهذا، طلب الأخير من رئيس الكتبة الأقباط أن يقبله كاتبًا خاصا له، فقبله هذا الرجل، ولما توفى هذا الكبير استقر رأي الجميع على أن يخلفه تلميذه إبراهيم لما عرف عنه من الاستقامة وطهارة اليد.

صار إبراهيم الجوهري رئيسا للكتبة، وبلغ أسمى رتبة كان يتطلع إليها قبطي آنذاك فبالغ في إنكار ذاته وإظهار تواضعه، وقدم الخير للكل دون تمييز بين مسلم ومسيحي، فوصل خبره إلى الوالي إبراهيم بك فعزز مركزه وأكرمه، واختصه بثقته، فلما رأى إبراهيم إلا أن الفرصة سانحة أمامه ليقدم خدمة لأمته شرع يعمر الكنائس والأماكِن الخيرية، واشترى أملاكًا كثيرة وأوقفها عليها ومازالت وثائقها موجودة إلى اليوم.
وقد رزق إبراهيم الجوهري بابن واحد اسماه يوسف وأوقف على اسمه وقصته كبيرة إلا أن الرب اختاره إلى جواره وهو شاب في مقتبل العمر، وكانت وفاته ليلة زفافه إذ وهو في وسط محبيه الذين دعاهم لليلة الزفاف أن همس أحد الخدم في أذنه بوفاة ابنه، فكانت صدمة له ولزوجته، حتى كادت زوجته تجن، ـما هو فكان أكثر تحملًا، وكانت الكنيسة تصلى من أجل تعزيته، فظهر القديس أنطونيوس لزوجته في حله وعزاها وطلب منها الكف عما تفعله، فلما روت الرؤية إليهم لزوجها تعزيا معًا.
إلا أن إبراهيم أغلق الدار التي كان قد حضرها للفقيد بما احتوته من منقولات جديدة كان قد أعدها لبيت الزوجية، وكسر السلم الموصل إليه.
لما اشتد ظلم الواليين إبراهيم بك ومراد بك أرسل السلطان العثماني حسن باشا قبطان لقتالهما، وفعلًا انتصر عليهما ولاذا بالفرار إلى صعيد مصر، وأخطر المعلم إبراهيم الجوهري إلى مرافقتهما، فلما صادر حسن باشا أملاكها صادَر معها أملاك المعلم إبراهيم وأمر بإحصاء ما أوقفه على الكنائس، وبسبب اختلال الأحوال وعدم ائتمان الناس على أموالهم وأرواحهم نتيجة هذه الحرب وظاهرة المصادرات، اخبتأت زوجة المعلم إبراهيم في بيت "حسن بك كتخدا" على بك أمين الحساب الذي كان زوجها عليه، إلا أن العثمانيين قبضوا عليها وأرغموها على أن تخبرهم أين زوجها وأين يخبئ أمواله فدلتهم عليها وأخرجوها فإذا هي أموال من ذهب وآواني من ذهب وفضة فأخذوها وباعوها، ووشى بعضهم على مكان المعلم إبراهيم فذهبوا إليه وقبضوا عليه واستولوا حتى على فراشه وأمتعته وأثوابه وأثوابها إلى حسن باشا فباعها بالمزاد الذي ظل لعدة أيام.
إلا أنه لما عاد الحكم إلى يد إبراهيم بك ومراد بك وعادا من الصعيد رجع معهم المعلم إبراهيم الجوهري، وكان هو الوحيد من الأقباط الذي نجا من اضطهاد حسن باشا، وتمكن بحسن سياسته أن يحفظ لنفسه مركزه في أعين المصريين جميعًا مسلمين وأقباطًا، وارتقى ثانية لدرجة عظيمة واستأنف جهاده في افتقاد الكنائس والفقراء والمساكين حتى أنه لم يكن يعتبر ماله مُلكًا خاصًا به، بل كان يعرفه في كل عمل خيري، وللآن توجد كنائس كثيرة كان قد شَيَّدها هذا الرجل العظيم، كما كان متهمًا بأحوال الرهبان الذين كان يرسل إليهم كل ما كانوا يحتاجونه، ولا يزال الترمس باقيًا مما كان يرسله إبراهيم إليهم في بعض الأديرة، وهذه الكنيسة الكبرى بكل أوقافها في الأزبكية تشهد بذلك.

من مآثر هذا الرجل:


تروى عن هذا الرجل مآثر كثيرة، فحدث أن أخاه المعلم جرجس الجوهري كان يركب حصانه ويسير في أحد الشوارع، فأهانه أحد الشيوخ، وشتت الإهانة على نفسه، فشكى لأخيه المعلم إبراهيم بما حدث له وطلب منه أن يعاقب ذلك الرجل فوعده بذلك، ولما استدل المعلم إبراهيم على منزل هذا الرجل أرسل إليه كمية كبيرة من الهدايا والأطعمة المختلفة دون علم أخيه، وأفهم الخادم أن يعلم هذا الشيخ أن هذه الهدايا من المعلم إبراهيم شقيق المعلم جرجس الجوهري، فلما مر المعلم جرجس مرة أخرى على هذا الرجل، انتفض واقفا إجلالًا واحترامًا له، وأبدى الترحيب كله، فتعجب جرجس من هذا وسأل أخاه، فأهمه ما فعل وقال "إن جاع عدوك فأطعمه وان عطش فاسقه، فانك بذلك تجمع حجر نار على رأسه" (رو 12: 20).
وذات مرة جاءت ليلة عيد وإذا بزوجة أحد مشاهير المعلمين هو المعلم فانوس الكبير أتتها امرأة وشكت سوء حالها، إذ كان زوجها في السجن وأولاده يبكون لعدم وجوده معهم في هذا اليوم الكبير، وقد يحكم عليه بالإعدام، فأرسلت زوجة المعلم فانوس كل ما تحتاج العائلات في الأعياد إلى بيت هذا الرجل المسجون بل أرسلت مَنْ أعلم زوجته بأن تستعد بكل هذه اللوازم لأن زوجها سيكون في بيته الليلة.
ولما جاء المعلم فانوس إلى بيته ليلًا عيد خروجه من الكنيسة لم يجده مضيئًا كالعادة فإنه دُهِشَ لذلك، بل وجد زوجته حزينة، ولما عرف ما وصلها من أبناء المعلم المسجون وقالت له زوجته أيليق أن نفرح نحن وتلك الأسرة باكية وعائلها مطروح في السجن، فإن كنت تريد أن تسعد بالعيد فلتسع لإطلاق سراحه، فأجاب حي هو اسم الرب ليكن لك ما تريد، وذهب مسرعًا إلى المسئولين، وتمكن من استصدار عفو عن الرجل الذي عاد إلى بيته لتعود معه البهجة إلى بيته وبيت المعلم فانوس كذلك ولما كان هذا الأمر قد استغرق منه طوال الليل، فقد استغرق في نومه ولم يستيقظ كعادته يوم العيد ليقدم التهنئة إلى البطريرك مع المعلم إبراهيم الجوهري، فلما ذهب إليه وعلم منه السبب، حزن جدًا كيف لا يشاركه هذا العمل الجميل وينفرد هو بالأجر وحده ولما حكما البطريرك في الأمر قال البطريرك للعلم إبراهيم: لا تحزن إن كان فانوس قد أطلق سراحه فعليك أنت أن توُجِد له عملًا.
وبشكل عام كان إبراهيم الجوهري مثالًا للمحبة والعطاء والإحسان، أرسله الله ليكون علامة في المجتمع المسيحي، كما كان مثالًا للاحتمال خصوصًا في وفاة وحيده ليلة زفافه.
ومات المعلم إبراهيم الجوهري سنه 1209 هـ. فكان لموته رنة أسى وحزن كبيرين ورثاه كل من عرفوه من إكليروس وعلمانيين.








قصة صوتية عن حياة المعلم إبراهيم الجوهرى








تطييب رفات القديس المعلم إبراهيم الجوهري بيد البابا تواضروس الثاني















 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 04:04 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025