منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13 - 12 - 2013, 02:22 PM   رقم المشاركة : ( 4141 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

أعدوا الطريق



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أنا صوت صارخ في البرية قـوِّمـوا طريق الرب" (يوحنا 23:1).

اليوم هو الأحد وقد أرسل الليل طلائعه. وكان الثلج قد نزل طوال اليوم بشدة. فربط شاب جواديه بمحراث الثلج الجديد، وشق طريقه إلى الأمام. وإذ كان على وشك الرجوع إلى الحوش بعد أن مهد الطريق أمام بيته، خطر له أن ينظف الطريق إلى الكنيسة، ليس لأنه كان ينتظر أن أحداً سيذهب إلى الاجتماع، بل لأنه قال: ربما يوجد واحد يرغب في الذهاب، فلماذا لا يعدّ له الطريق؟

وبعد أن وصل إلى باب الكنيسة قال في نفسه: يجب أن أنظف الطريق إلى بيت الكاهن إذ هو مضطر إلى الخروج على كل حال. وعند باب الكاهن ذكر أرملة في القرية وهي لم تقصر مطلقًاً عن القداس. وإذ لم يكن هناك فرق بين رجوعه من طريقه أو رجوعه من الجانب الآخر من الشارع، عبر الشارع ونظف الطريق هناك. وإذ ذاك ذكر شماس القرية في ملتقى الشارعين ومعلم مدرسة الأحد في نهاية الشارع، فنظف الطريق إليهما وعاد إلى بيته!

وبعد العشاء أعلن الشاب أنه ذاهب إلى الكنيسة ليرى ما إذا كان أحد قد ذهب أم لا، وما إذا كان الطريق سهلاً! وقالت أمه: وأنا أذهب. وقرر أبوه أن يذهب معهما. والكاهن إذ نظر من نافذته تشجع. ولما دق جرس الكنيسة أطل كثير من العائلات ودهشوا إذ رأوا طريقاً معدّاً إلى الكنيسة. ولما كان الثلج قد حبسهم اليوم كله في البيت رأوا من المفيد أن يتحركوا قليلاً فيذهبون إلى الكنيسة!!!

وحدث أن رأى الكاهن تلك الأمسية أكبر عدد من الحاضرين من وقت ابتداء فصل البرد. وكانت الآية: "أعدوا طريق الرب"! وكان الدرس المستفاد من الآية أن العالم يحتاج ليس فقط إلى من يعملون الأعمال العظيمة بل بالأكثر إلى من يعدون الطريق لمن يعملون هذه الأعمال!

وقد قال الكاهن: ولأضرب لكم مثلاً قريباً: كم واحد منكم كانوا سيحضرون هذه الليلة لو لم ينظف واحد الطريق؟ وإذا كانت عظة هذا المساء تأتي بشيء من الخير فإن جانباً من الفرح بهذا الخير يعود إلى ذاك الذي أعد الطريق لمن حضروا!!


 
قديم 13 - 12 - 2013, 02:26 PM   رقم المشاركة : ( 4142 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

من أين يتحقق السلام ؟
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لا يتحقق السلام فقط في عدم الحرب وعدم العنف وعدم البغض والخصام، بل يجب أن يكون السلام تعبيراً عن حالة داخلية في كيان الإنسان تكون مرادفة للحياة والخلاص والطمأنينة والأمان لتشمل كل الإنسان زمنياً وروحياً، أي علاقة الإنسان بجسده، مع الطبيعة والكون ومع البشر والله، فالله هو إله السلام، وهو واهبه.

كانت هناك فكرة قديمة وهي أن الله هو إله الحرب لأنه يحارب بجانب شعبه ويمنحه الخلاص والحياة والسلام بواسطة الحرب، ولا زالت هذه الفكرة تظهر بشكل او بآخر، إلاّ أن جميع أعوانها تعمل ضد الله والإنسان مستخدمة الدين لمآرب عالمية وطمعاً بالمال والشهوة، فتجعل الله إله حرب، ونتيجة لهذه الفكرة ظهر تياران دينيان عند اليهود أحدهما ملوكي يقف إلى جانب الملوك ويؤيد حروبهم فهو الذي يحارب معهم، وتيّار آخر هو نبوي يمثله النبياء يُدين الحرب ويشجب كل تأييد ديني للتسلّح من أجل العنف، مؤكداً أن الله هو إله السلام.

وعندما ولد المسيح المخلّص أنشد جمهور من الملائكة(المجد لله في العلى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرّة). فالإنجيل لا ينتظر السلام من السلطة الرومانية الحاكمة ولا من الثورة عليها، بل يبشر بمجيء سلام الله بحضور الله نفسه في شخص ابنه الذي هو كلمته، أي يسوع المسيح الذي بشر الناس كلهم بملكوت الله، ملكوت المغفرة والمصالحة : مغفرة الله للناس والمصالحة بين البشر، وبموته على الصليب حقق المغفرة والمصالحة.

تلك المغفرة المطلقة حيث يرفض المسيح الفرز الفريسي بين الصالحين والأشرار، فمحبة المسيح هي شاملة والمغفرة غير مشروطة ليغفر لهم أباهم الذي في السماوات- الله الآب - فيكون موقفهم مع جميع الناس على مثال موقفه وموقف الله الواحد بثالوثه الأقدس، ليتصالحوا مع الجميع قبل تقديم قربانهم لله(شعائرهم الفرضية) دون إدانة لئلاّ يدانوا، فعلى هذا الأساس يرتكز سلام الله الذي بتطبيقه ينتج سلام المسيح الذي يتضمّن أيضا التخلّي عن العنف ليمتد حتى يشمل محبة الأعداء.

(أمّا انا فأقول لكم: أحبّوا ّأعداءكم وصلّوا لأجل الذين يضطهدونكم لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات (متّى 5 :43). هذا التطلب الالهي يهدف الى تغيير جذري للتاريخ البشري المتسم بالعنف والعنف المضاد، ولذلك محبة الأعداء تظهر جليّاً بعدم مقاومة الشر بل مقابلته بالخير.

إنها تضحية بطولية كبيرة وصعبة جداً، إذا ما استطعنا بالمحبة تحويل العدو إلى الصديق المحبوب والمُحب، إنه سلام المسيح العظيم الذي يدعو إليه من له أُذنان سامعتان إلى سلام التواضع والخدمة المجرَّدة لسلام الفقراء والودعاء والحزانى والجياع إلى مخافة الله والرحماء وأنقياء القلوب وصانعي السلام والمضطهدين من أجل الحق(متّى5: 3- 10)الذي فيه تظهر إرادة الله(تبارك اسمه) في شأن علاقات الناس بعضهم بعضاً، تلك الارادة التي ترسم معالم الطريق إلى مشهد الدينونة العامة الذي أخذ منذ الآن يتشكَّل تدريجياً بين مجموعات متنوعة من البشر الذين – بعد قرون طويلة عاشوا خلالها في الظلمة - بدأت أذهانهم تستنير بنور المسيح استناداً إلى تصرفهم تجاه الأبرياء والبسطاء والمستضعفين والمهمّشين، هؤلاء الصغار الذين هم إخوته...(متّى 25 :31 – 46).

ولا يكتفي المسيح باعلان حقوق الفقراء، بل يهدف بالقول والعمل الى وضع حد للسيطرة والتسلّط في شتى الميادين السياسية والاقتصادية والدينية(تعلمون أن رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلّطون عليهم)، أمّا انتم فلا يكن فيكم مثل هذا، بل من أراد أن يكون فيكم كبيراً فليكن لكم خادماً، ومن أراد أن يكون الأول فليكن لكم عبدا، أي مضحّياً(متّى20: 25- 27).

ثم نرى أن هذا السلام الغافر للقريب والمحب للأعداء الذي بشر به السيد المسيح في حياته، قد حققه في موته على الصليب حيث فيه المصالحة بين الناس والله من جهة ، وبين الناس بعضهم البعض من جهة أخرى، حين غفر لصالبيه ومن خلالهم لجميع الخطاة على مدى التاريخ، وبواسطة تلك المصالحة جمع المسيح حول صليبه البشر جميعاً من الملك إلى المحتقر والمهمَّش.

من هنا يتضح أن سلام المسيح الذي منحه لنا بقوّة روحه القدوس والثابت فينا هو من جهة عطية مجّانية، ومن جهة أخرى هو عمل دائم يقتضي جهداً متواصلاً وسلوكاً بحسب الروح القدس الذي نحيا به، وبقدر انفتاحنا على عمل الروح القدس فينا نستطيع أن نُسهِم وبشكل فعّال في تحقيق سلام المسيح، هذا وسط مجتمعنا وفي العالم،(اسلكوا بالروح فلا تكمِّلوا شهوة الجسد .. فإن كنّا نحيا بالروح فلنسلك أيضاً بحسب الروح (غلاطية 5 : 16 – 25)، لأن سلوكنا بحسب الروح القدس الذي أرسله إلينا يسوع المسيح هو الذي يثمر فينا محبة وفرح وسلام .
 
قديم 13 - 12 - 2013, 02:28 PM   رقم المشاركة : ( 4143 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

افرحوا في كل حين
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
فاني كروسبي، فتاة فقدت بصرها ولها من العمر ستة أسابيع فقط، وقد عاشت حتى التسعينيات، ونظمت الآلاف من الترانيم العذبة. عندما بلغت الثانية والتسعين من عمرها، قالت بحماس شديد:

إن وجدتم في العالم كله شخصاً أكثر سعادة مني، فأحضروه إليّ. إنني أود أن أُصافحه. لقد اختارت كروسبي أن تعمل بالوصية القائلة: افرحوا في الرب كل حين، منذ أن كانت في الثامنة من عمرها، وقد عبرت عن ذلك بالقول: أنا اتمتع ببركات كثيرة لا يتمتع بها الآخرون! فالبكاء والنحيب لأنني عمياء أمر ُّلا أستطيع ولن افعله!

إخوتي: لنتذكر قول الرب يسوع: كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم، ويكمل فرحكم.

وبدل أن نتذمر بسبب الأشواك على الورود، لنشكر الله من أجل الورد بين الشوك.
 
قديم 13 - 12 - 2013, 02:30 PM   رقم المشاركة : ( 4144 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ألوان الفرح
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
وعدُ من السماء سطع منذ القدم لكل واحد منا بعدم الفناء. ميثاق من ربّ محبّ يرعانا في كل الظروف، ومهما تقلّب بنا الزمن في مسيرة حياتنا.

قوس قزح مدّ جسر البركة والتواصل والرجوع إليه، بألوان الفرح بوعوده الربانية فكلمة المحبة الأزلية الأبدية تُحيي الروح في وقت الضيق، وتقينا من صفعات القريب والغريب. فلنحمِ إيماننا من تناول طعام عدو الخير، والعين الشريرة، والوجه المُقنّع الذي يغتال الايمان والأرواح بدون وسيلة إدانة، ولا قطرة دم. جريمة بحق الروح لا يطالها القانون، وليس لها محام يترافع عنها.

لنعد إلى أنفسنا وحسب ايماننا نختار ما نريد أن نسمعه وما نشاهده في حياتنا، ولنصغِ إلى صوت الروح القدس الذي استودعه الرب في أوانينا الخزفية الذي وحده يوضح لنا الرؤيا بكل صفاء.

هناك أشخاص نلاقيهم في حياتنا مثل الألماس يضيئون بنور المحبة لأن في داخلهم إله السلام.

فلنعش مع الرب يسوع المخلص المحبوب الوديع المتواضع القلب، ونحمل نيره الخفيف. لنعش ألوان الفرح بالإيمان كألوان القزح ميثاق رب السماء، لأننا مهما طالت سنين حياتنا، سنترك يوماً بيوتاً بنيناها بمال حلال أو حرام، وشوارع مشينا فيها. سنرحل ونودّع أشخاصاً كانوا أحباءنا، وإلى جانبنا في الأحزان والأفراح.

في النهاية كلنا سندخل محكمة الرب العادلة وسيُغلق الباب.

أعبدوا الرب بفرح، وادخلوا إلى حضرته بترنم (مزمور100: 2).
 
قديم 13 - 12 - 2013, 02:41 PM   رقم المشاركة : ( 4145 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

شروط اتّباع يسوع
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
كلّنا نعرف أن الإنسان لا تكتمل إنسانيّته، إن لم يكن حرّاً. نسمع أحاديث كثيرة حول الحرية في المجال السياسي والاجتماعي، وفي المجال الثقافي الخ… ولكنّنا قلّما نتحدث عن الحرية، من حيث علاقة الله بنا. نحن نريد أن نكون أحراراً، والله خلقَنا أحراراً. لا يرغمنا على شيء أبداً. يقول يسوع: "مَن أراد أن يتبعَني…" مَن أراد! لم يرغم يوماً أحداً على اتّباعه. ويتابع يسوع: "مَن أراد أن يُهلكَ نفسَه من أجلي ومن أجل الإنجيل، فذاك يخلّصها".

عن أيّة حريّة نتحدّث من حيث علاقتنا بالله؟ الحرية المطلقة إخوتي، عندما نتأمّل فيما صنع الله، وما وهب الإنسان، وما دعا الإنسان إليه، نقف مدهوشين بالمقارنة مع ما يجري في جميع المجتمعات، وعبر كلّ التاريخ، دون استثناء. عبر جميع مراحل التاريخ، وعبر كلّ المجتمعات، البشر كانوا كالقطعان… يُساقون… واليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، البشرية تُساق… لا تُقاد… تُساق كالقطيع. تُساق بالضغط، تُساق بوسائل الإعلام، التي تنخر الإنسان حتى العظم… تنخر الفكر فيه… تنخر التوجّه الذي يريد أن يختارَه… تنخر الحبّ الذي طُبع عليه… تنخر الحرية بالذات، فتُملي عليه وسائل الإعلام وشتى أنواع الضغوطات الموجودة في المجتمع، من ضغوطات المخابرات في الدول الكبرى، والدول الصغرى… كلّ ذلك يضغط على الإنسان، ويُملي عليه أحياناً كثيرة، أموراً لا يريدها وكلاماً لا يريده ولا هو مقتنع به، ومواقف لا يريدها ولا هو مقتنع بها، وتصرّفات أحياناً كثيرة، يُجرّ إليها جرّاً.

الله يريدنا أحراراً. ولذلك قال يسوع: "مَن أراد…" المشكلة أنّ يسوع ذكّرنا بأنّنا أحرار، ولكنّنا كلّما قارنّا بالضغوطات القائمة في ذواتنا… في عائلاتنا، وفي المجتمع… على النطاق السياسي والإعلامي… وعلى النطاق الفكري… في كلّ العالم وفي مجتمعنا، نقف حيارى ونقول: "كيف لنا أن نوفِّق بين الحرية التي منحَنا إيّاها الله، والتي بها يدعونا إلى الرقيّ. حرية الله، كما قال يسوع، ترقى بالإنسان.

يعود يسوع فيقول: "من أراد…" لم يرغم أحداً على اتّباعه… التلاميذ قال لهم: "اتبعني!" كثيرون قالوا له: "نتبعك!" فقال لهم: "الحيوانات لها أوجرة. وطيور السماء لها أوكار. أما ابن الإنسان، فليس له حَجَر يُسند إليه رأسه". وإذن، كما قال لهم، بعد أن غسل أقدامهم في العشاء الأخير: "ما من تلميذ أفضل من معلّمه… أنا أدعوكم لما أتيتُ من أجله… لتحرير الإنسان… لدعوة الإنسان إلى الارتقاء، من الأنانية الفردية والجماعية،إلى المحبّة الفردية والشاملة… أنا أدعوكم إلى التحرّر من كلّ ما يسوقكم وفق غرائزكم، إلى ما يوجّهكم ويوجّه عقلكم، نحوالحياة الإلهية على الأرض وإلى الأبد".

يسوع يقرن دائماً كلامه بالبُعد الأبدي:"مَن يستحي بي، أستحي به أمام الله!" هناك دائماً في كلام يسوع، بُعدٌ إلهيٌّ، كثيراً ما يغيب عن بالنا. نتساءل أحياناً: "كيف لنا أن نعيش، كما يريد لنا يسوع أن نعيش؟" لَكَم من مرّة سمعتها، وخصوصاً من الكثير من الشبان والشابات: "أبونا، يسوع يطلب المستحيل!" وأقول دائماً:"يسوع يطلب ما يجب، في سبيلنا… يطلب المستحيل من وجهة نظر المجتمع". المجتمع يريد أن يكون قطيعاً، والقطيع يسير مغمض العين. الرب يريد لنا أن نكون أحراراً، لا قطعاناً.أن ندعو بعضنا البعض إلى الحرية التي ترقى بفكرنا، وترقى بقلبنا وعقلنا، وترقى خصوصاً بسلوكنا، لأننا كثيراً ما نكتشف أنّ هناك رقيّاً في الفكر والقول، وهناك سفالةً في السلوك. في الإنسان ذاته. هناك ازدواجية مخيفة أحياناً كثيرة. كم من مرّة سمعتها… هناك مَن يقول أقوالاً رائعة، ومَن لا تتطابق حياته وسلوكه مع أقواله…

أحبّائي، دون أن أقول: "إنّ هذا الكلام استثنائي!"… لينظرْ كلّ واحد منكم - وأنا - إلى نفسه، ويتساءل: "إلى أيّ مدى أنا حرّ في نظر يسوع ؟" المشكلة أننا لا ننظر إلى ذاتنا وحرّيتنا من وجهة نظر يسوع! نحن تعوّدنا أن ننظر إلى ذواتنا من وجهة نظر المجتمع… ما يريد الناس، نفعل… ما يلبس الناس، نفعل… ما يلبسون في الغرب، نلبس مثله… ما يأتينا من الغرب مع العلامة المميّزة، نتهافت عليه… السلوكات الغربية نعتبرها هي، مثال الرقي الإنساني.

أحبّائي، أدعوكم لأن تنظروا إلى ذواتكم من وجهة نظر يسوع. لا تقولوا: "هذا مستحيل!" قولوا: "هذا واجب علينا، لكي نكون بشراً أولاً، ثمّ مسيحيين". لا يمكن للإنسان أن يكون مسيحيّاً، إن لم يكن إنساناً. يسوع يدعونا لحمل الصليب. ما هو الصليب؟ الصليب لخّصه الإنجيل بهذه الكلمة: "هكذا أحبّ الله العالم، حتى إنه بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلكَ كلّ مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية".

قلت لكم ذات مرّة، ردّ فعل شاب مسلم، وأعود وأقولها الآن: شاب في كلية الفلسفة بدمشق. كان يأتيني وأتبادل الآراء أنا وإيّاه، ويطلب كتباً لفلاسفة مسيحيين، وخصوصاً سيرهم الذاتية، من أمثال بيردياييف الروسي وغابرييل مارسيل الفرنسي. كنت أعطيه الكتب. إلى أن قال لي ذات يوم: "أبونا، قرأت للفلاسفة المسيحيين، ولكني أريد أن أقرأ الإنجيل". أعطيته نسخة من الإنجيل… غاب قرابة شهرين وعاد. أذكر تماماً كلّما رويت هذه الحادثة. أذكرها كما لو كانت تحدث الآن أمام عينيّ. كنت آنذاك في البطريركية. دخل… سلّم عليّ، وجلس… وصمَت… احترمت صمتَه، ثم بعد حين، قلت له وناديته باسمه: "ما بالك صامت؟" قال: "أبونا، بعد ما قريت الإنجيل، اكتشفت أنّو البشرية كلّها… كلّها… بدّا مليون سنة، تطّهر وتتنقّى، لحتى تصل للتراب هللي بدوسو السيد المسيح بأقدامه!"

هل لدينا - نحن المسيحيين - شيء من هذا التصوّر الراقي عن يسوع، أم تُرانا نعترف بأننا مسيحيّون دون أن نعرف يسوع أو نحاول أن نعرفَه؟ اقرأوه… اقرأوه، لكي تشعروا بضرورة الارتقاء معه… ولو بلغنا أسفل قدمه، سنكون كباراً جداً. والذين سمعوا يسوع وأرادوا أن يتبعوه، هم الذين تركوا أنواراً عبر التاريخ كلّه، لا تزال نيّرة إلى اليوم. من أمثال التلاميذ الذين كانوا خلال الإنجيل - ومَن يقرأ الإنجيل يكتشف مدى تفاهتهم - انقلَبوا… انقلَبوا… مروراً بالقديس بولس، الذي أتى إلى دمشق مضطهِداً، وانطلق منها أعظمَ مبشّر عرفته المسيحية… واستعرضوا التاريخ، تجدوا أنّ كلّ مَن حاول أن يرتقي ليقترب من يسوع، كان كبيراً… حتى لو كان قابعاً في البيت يخدم الزوج والأولاد، أو الزوجة والأولاد… حتى لو كان قابعاً في مكتبه، في وظيفته، في مدرسته، يقوم بأمانة بما يقوم به… ليس حجم الإنسان بحجمه الاجتماعي. حجم الإنسان بحضور الله فيه. وهنا تكون الحرية الحقّة… الحرية الحقّة تُعتِق الإنسان من كلّ ما يحوّله إلى رقم في القطيع.

منذ أربعة أيام تماماً، جاءني طالب جامعي. قال لي: "أبونا، من شهرين اجتمعت معك ودعيتني لقراءة أعمال الرسل. قرأت أعمال الرسل… بدّي قلك شو تأثّرت بأعمال الرسل! تفاجأت بأنّو التلاميذ بأعمال الرسل صاروا كبار… صاروا ما يخافوا شي… بينما بالإنجيل، كانوا يتخانقوا بين بعضن. مين أحسن من التاني! في أعمال الرسل، كبروا… قلبوا الدنيا… إذن - هذا كلامه - إذن، الذي غيّرهم يستطيع أن يغيّرني أنا أيضاً"… قلت له: "أدخلت فرحاً رائعاً لقلبي. استمر!"…

اقرأوا - إخوتي - الإنجيل، واقرأوا أعمال الرسل، واقرأوا التاريخ… تاريخ المسيحية، لكي تعرفوا من هو يسوع. عندما يقول لنا: "من أراد أن يتبعني، فليحملْ صليبه ويتبعْني!"، يسوع ليس بالكائن والإله الخانع، ولا يدعو للخنوع. يسوع يدعو للكبر… يسوع يدعو للحب… للحب الحقّ النبيل النظيف، الذي يقدّم حياته من أجل الآخر. يسوع يدعو للقيامة… ليتنا نحاول أن نكون بحقّ، أبناء القيامة… آمين.
 
قديم 13 - 12 - 2013, 02:43 PM   رقم المشاركة : ( 4146 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الصلاة
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يسألني الناس: أبونا، هل صحيح أنه لا يجب أن نُصلي، إذا لم يخطر على بالنا فعل ذلك؟

كنت افكر في الأمر واقول أن فيه الكثير من الصحة، لأنه لا يمكننا أن نصلي إلا انطلاقاً من رغبة حقيقية. لكن السؤال: من أين تأتي هذه الرغبة، ومتى أعلم بوجودها؟ من الذي يقول لي أن رغبتي في الصلاة ليست مجرد حاجة نابعة من الخوف أو من باب الواجب؟

الصلاة قد تكون علاقة وحديث مع الله. إنما في رأيي هي قبل كل شيء استقبال لكلام الله وحبه في حياتي. لأن محور وهدف الصلاة في النهاية هو أن أحقق الوحدة المرغوبة والتي أسعى إليها مع الله. هذه الوحدة تتم من خلال استقبالي لكلام الله في حياتي حتى تصبح تصرفاتي وأفكاري، ونظرتي كلهم نابعين من هذا الاستقبال، وذلك الكلام.

إذا حللنا صلاة الأبانا لوجدنا أنها مكونة من جملة طلبات، تعود في النهاية إلى تحقيق إرادة الله وليس ماابتغيه أنا. أقله بشكل مباشر إذ أنني مدعو لأن ابتغي إرادته لا إرادتي." لتكن مشيئتك لا مشيئتي". يقول يسوع في بستان الزيتون: طعامي أن اعمل مشيئة من أرسلني. ويجب ألا ننسى قول يسوع في الانجيل:
بإنه مهما طلبنا من الآب، فهو لن يعطينا سوى الروح القدس، لأن هذا الأخير هو الذي يساعدنا على العمل لتحقيق إرادة الله الآب. أو بالأحرى هو الذي يحقق إرادة الله من خلالنا وبداخلنا(لوقا 11:1-14).

كل الحياة الروحية المسيحية مبنية على الاستقبال. إن لم يكن هناك من استقبال لكلام الله في حياتنا فسوف نقع آنذاك في خطر دين أخلاقي وإرادي، فلا نصل إلى شيء، لأننا آنذاك نكون في ظل الشريعة. إذا حللنا مثل الزارع وتسائلنا من الذي يعطي الثمار؟ سوف نلاحظ ان الثمار آتية من البذار، أي من كلمة الله المزروعة في الأرض الجيدة، وجودة الأرض تكمن في استقبالها الجيد لهذه البذرة، الكلمة.

إذاً، ماذا نعيش في الصلاة ؟ نحن في الصلاة، وخلافاً لما نعتقد نعيش صراعاً قوياً بين تحقيق إرادتنا أو العمل من أجل أن تتحقق إرادة الله. هذا الصراع عاشه المسيح أثناء حياته كلها: انظر إلى التجربة في البرية. هذه التجربة تدور حول إذا كان المسيح يريد أن يكون هو المصدر وبالتالي إرادته هي التي سوف تتم، أو أنه يقبل بالتخلي عن إرادته من أجل أن تتحقق إرادة الآب.

كذلك الأمر في بستان الزيتون حيث نعتقد بسهولة كبيرة جداً بأن يسوع تخلى دون صراع عن إرادته لأنه إله(هذا الفهم السيء نابع من فهمنا الرديء لتجسد المسيح وإنسانيته). فلنقرأ ما يقوله النص لنا:

" ثم خرج فذهب على عادته إلى جبل الزيتون، وتبعه تلاميذه. ولما وصل إلى ذلك المكان قال لهم: صلوا لئلا تدخلوا في تجربة. ثم ابتعد عنهم مقدار رمية حجر وجثا يصلي فيقول: ياأبتي، إن شئت فاصرف عني هذه الكأس، ولكن لتكن لا مشيئتي، بل مشيئتك. وتراءى له ملاك من السماء يشدّ عزيمته. وأخذه الجهد فأمعن في الصلاة، وصار عرقه كقطرات دم متخثر تتساقط على الأرض. ثم قام عن الصلاة فرجع إلى تلاميذه فوجدهم نائمين من الحزن، فقال لهم: ما بالكم نائمين؟ قوموا فصلوا لئلا تقعوا في التجربة"(لوقا22: 39-46). ما يوضح لنا كل ذلك هو ماحدث أثناء بدء يسوع لحياته العلنية حيث يقول لنا الانجيل:
ثم سار الروح بيسوع إلى البرية ليجربه ابليس(متى4 :1).

أو قول الانجيل: في تلك الساعة تهلل بدافع من الروح القدس فقال:أحمدك ياأبت رب السموات والأرض،على أنك أخفيت هذه الأشياء عن الحكماء والأذكياء وأعلنتها للصغار. هذا يعني بأن كل الأعمال التي كان يقوم بها يسوع، كان يعملها بدافع من الروح القدس، وإذا بقي محافظاً على موقعه كابن في الثالوث ولم يحاول أبداً أن يكون المحور فذلك لاستسلامه إلى الروح القدس.

ختاماً:

لقد اعتدنا على الصلاة، ونعيشها على أنها هروب من المشاكل، وهروب من الواقع، وأخيراً هروب من عالمنا والعيش في حلم تحقيق عالم خال من كل نقص. وهذا يبقى حلم، وعندما نعي بأن هذا حلم لن يتحقق أو لم يتحقق نتفاجىء بأننا تخلينا عن الصلاة، ولم تعد تعني لنا شيئاً.

لنعد إلى الواقع ونحاول أن نعيش صلاتنا باتصال مستمر مع كل ما نعيشه مع ذواتنا ومع الآخرين فنعيش بذلك تجسدنا بكل أبعاده، إذ يصبح الله موجوداً في كل مجالات حياتنا، ولم يعد هناك من فصل بين الديني والدنيوي.
 
قديم 13 - 12 - 2013, 02:55 PM   رقم المشاركة : ( 4147 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الابن الشاطر
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أحبّائي، لا أعتقد أنّ هناك ما هو أجمل من هذه الصفحة كُتبت لله. أن يكون الله أباً. هذا كان ثورةً في حدّ ذاته. كان الله جبّاراً، مستبدّاً، مرعباً… وكثيرٌ من الشعوب كانوا يقدّمون ذبائح بشريّة، للآلهة التي كانوا يؤمنون بها. وإذ بيسوع يقول إنّ الله أب. وأب قد يلتقي مع آباء كثيرين على الأرض، ولكنه منزّه عن الخطأ، وما مِن إنسان منزّه عن الخطأ. حتى الأب يُخطئ، أما الله، فلا يُخطئ…

الحادثة التي رواها يسوع مثَل، يحتوي على رموز بعيدة الغوص. الله منح الإنسان كلّ شيء، وأروع ما منحَه العقل، وترك له الحرية، وكان يعرف مسبقاً، أنّ الإنسان سوف يُسيء استخدامَ هذه الحرية. مع ذلك، راهَن لأنه يحبّ… الذي يحبّ، لا يفقه إلا لغةَ الحب. يُغمض العين… يسامح… وعندما يعود الذي أخطأ بحقّه، يفتح العقلَ والقلبَ له. وإذا ما نحن البشر تأثّرْنا ببعض الأسباب والناس، فأغلقنا قلبنا عن الحب، في ما نظنّه موقفاً لا بدّ منه تجاه مَن نحبّ، الله لا يعرف هذه الحسابات. يعرف فقط، أنّ ابنه كان يعيش بعيداً عنه، و"كان ميتاً فعاش!" ويعرف أنه عاد… انتهى كلّ شيء.

الابن الأكبر، كان وفيّاً حسب الحرف والقانون… "خدمتكَ! لم أخرج على إرادتك!" وكان يريد ألا يُستقبَل أخوه، الذي بذّر أمواله مع الزّواني، يتكلّم بصريح العبارة! ما الذي كان جواب الأب؟ "ينبغي أن نتنعّم ونفرح، لأن أخاك، أخاك هذا، كان ميتاً فعاش، وكان ضالاً فوُجِد"… كان ميّت… رجع.

هذا منطق أيّ أب أو أيّ أمّ، حتى لو طغت عليهم بعضُ العواطف البشرية، في تربية الابن وفي القسوة عليه، في أعماقهم يقولون: "ابني… لحمي… حياتي… روحي…" يستقبلونه ولا يعاتبون.

هذا الذي قدّمه لنا يسوع، يجب أن يكونَ راسخاً في ذهننا، أولاً لكي نفهم أنّ تجربة الحرية، هي تجربة دائمة لدى الإنسان. ما مِن إنسان يُفلت منها… حتى القديسون كانوا يعرفون، أنهم - كما يقول القديس بولس: "من خزف"، وكلّنا نعرف أنّ الخزف مادة سريعة العطب.

الربّ منحَنا الحرية. ونحن بشتّى الطرق، كثيراً ما تُغرينا الحرية فتُبعدنا عنه، ونظنّ أحياناً كثيرة - أننا نتوهّم أننا بابتعادنا عن الله، نعيش مطلق الحرية. الله يقمعُنا، نحن أحرار…!

هذه الفلسفة وصل إليها العديد من الفلاسفة الغربيين، وفكرهم - للأسف - انتشر الآن، في طول الغرب وعرضه، بصورة نظريّة وبصورة عمليّة. من أهم هؤلاء، فيلسوف ألماني، توفّي عام 1900. اسمُه "نيتشه"… كان يقول: "الله مات… مات! انتهينا منه"… ولكن تصوّروا أنّ هذا الذي كان يدعو لموت الله، كان يقول في أعماقه، وأحياناً في كتاباته، وأحياناً في وعيه، لأنه مات وظلّ مدّة اثنتي عشرة سنة في مصحّ مجانين. وآخر كلمة قالها: "أيُعقل أن يكون هناك إله، وأنا موجود؟ حكَم على موت الله، ولكنّه شاء أن يكون هو الله، فقضى اثنتي عشرة سنة في مصحّ مجانين.

ومثله الكثيرون - إخوتي - ظنّوا أنهم بتمرّدهم على "الله"، يحقّقون حرّيتهم، يحقّقون حياتهم، رغباتِهم الخ… وأنا واثق أنّ بينكم كثيرين عاشوا مثل هذا الأمر، واليوم، عدد كبير من الشبان والشابات، يعيشون هذا الوهم ويضحكون على زملائهم وزميلاتهم، عندما يأتون إلى الكنيسة، "شو رايح تعمل؟ كبّر عقلك!" الإيمان أصبحَ في نظرهم قلّة عقل! هم أيضاً سوف يعودون…

يسوع في الإنجيل يقول إنّ هذا الشاب أخذَ ميراثَه وسافر إلى بلدٍ بعيد. قديماً، كان الناس يعرفون بعضهم بعضاً. المثل الذي يقول: "الحارة ضيقة ومنعرف بعضنا"، يعكس تماماً هذا الواقع. المجتمعات القديمة كانت ضيّقة وصغيرة، وكان كلّ الناس يعرف بعضهم بعضاً، ولذلك يقول يسوع عن الشاب الذي أراد أن يتحرّر: "سافر إلى بلد بعيد"، كي لا يعرفه أحد، فعاش على هواه .

إخوتي، كلّنا بشكل أو بآخر، نمرّ بمثل هذه الظروف. البعض تطول به التجربة… البعض تقصُر… وحتى الذين يأتون إلى الكنيسة ولا يتجدّدون، يعيشون مثل هذه الغربة مع الله، ولو كانوا يتقيّدون بحرفية الصلاة وبحرفية الأخلاق، ولا يحاولون أن يستنبطوا من عمق الإيمان علاقةً مع الرب، تضعُهم في موقف الابن من الله، لكي تضعهم أيضاً في موقف الابن من الناس كإخوةٍ وأخوات له .

هذا الموقف يقتضي منّا - إخوتي - رجعةً إلى العمق، لنسألَ أنفسنا: "هل نحن حقاً نؤمن بأن الله أب؟" الصلاة الوحيدة التي علّمنا إيّاها يسوع هي: "أبانا… أبانا الذي في السماوات…" هل أنا حقاً ابن لله؟ هل فـيّ من الكِبَر، ما هو من كِبَر الله؟ هل فـيّ من النُّبل، ما هو من الله؟ هل فـيّ من النقاء، من النور، من الحبّ، من العطاء، من الاستضاءة، من المسامحة، ما هو من الله؟ أم تُراني دائماً أحلِّل… أنطوي… أحقد… أُحاسب… أتذمّر… أُثرثر وأنتقد وأدمِّر؟!…

"كان ميتاً فعاش، وكان ضالاً فوُجِد!" هذا هو الإيمان. يعطي الحياة… يعطي الفرح… ولا يحاسب… المحاسب هو الله وحده. ومع ذلك، يتصرّف وكأنه لا يحاسب. يهمّه فقط أن نكونَ أحياء، وأن نُحيي. عتابُه مع الابن الأكبر، هو لأنه رفض أن يستقبلَ أخاه بدل أن يفرحَ بعودته، وكان - لو فرِح - كان اكتسب مزيداً من النبل والكِبر والحرية الحقّة، في محبّته وفي أمانته لأخيه. هذا من جهة… من جهة الذين يعيشون في كنف الله، ويبتعدون عنه ظنّاً منهم أنهم يحقّقون ذواتهم. ومن جهة ثانية، هناك من يؤمنون بإله، يخترعونه على صورتهم، وينفّذون من خلاله مآربَ في نفوسهم، يحتاجون معها إلى مَن يُضيء لهم النور، لكي يفهموا فينقلبوا. فيعودوا إلى الله كما هو.

وهنا أيضاً - إخوتي - أدعوكم جميعاً لمحاولة الاقتراب من يسوع، لكي تصلوا من خلاله، إلى صورة سليمة لله، تحرّركم ممّا يمكن أن يكونَ بصورة متفاوتة، أصوليّة في الإيمان لا تليقُ بكم، ولا تليق بأيّ مسيحيّ. ويتحتّم على كلّ مَن يحمل اسم يسوع أن يتحرّر منها.

الأصوليّة كفرٌ بالله، كما أنّ الابتعاد عن الله كفرٌ به… الاثنان يلتقيان بطرق مختلفة، الثاني: في ما يظنّه تحرّراً بعيداً عن الله، والأول: في ما يظنّه خدمةً لله، وهو في الوقت نفسه، تدمير لله وللإنسان. أدعوكم دائماً لقراءة الإنجيل. حاولوا أن تكتشفوا وجهَ يسوع، ومن خلال يسوع حاولوا أن تستطلعوا نورَ الله، لكي تصلوا إلى علاقة بنوّة مع الله، وأخوّة مع جميع الناس، لكي نكون بحقّ أبناءً لله. ما عدا ذلك، نتوهّم… نوهم أنفسنا بأننا مؤمنون… نوهم الآخرين بأننا مؤمنون… نتصرّف بوحي لا يرضي الرب… نتصرّف بوحي يؤذينا. وبالتالي، يشوّه صورة الحضور المسيحي في هذا الشرق… كونوا بحقّ أبناءً لله… وبالتالي، كونوا بحقّ، إخوة وأخوات محبّين لجميع الناس… آمين.
 
قديم 14 - 12 - 2013, 09:48 AM   رقم المشاركة : ( 4148 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

المسيحي الحقيقي

من هو وما هي حياته

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
+ المسيحي الحقيقي، هو من يعرف أن له بداية ثانية وأصل جديد، ويقول القديس كيرلس الكبير: [ هكذا أعطانا نعمة البنوة وأصبحنا نحن بذلك مولودين من الروح لأن فيه هو أولاً حصلت الطبيعة الإنسانية على هذا الميلاد الروحي وبولس الإلهي كان يفكر في نفس الموضوع فقال بكل صواب:" كما لبسنا صورة الترابي، سوف نلبس صورة السماوي " وقال أيضاً: " الإنسان الأول من تراب ترابي، والإنسان الثاني من السماء. ولكن كما الترابيين مثل الترابي، هكذا سيكون السمائيين مثل السمائي " ( 1كو15 : 47 و 48 و 49 )، ونحن ترابيين، فينا التراب من آدم الأول الترابي أي اللعنة والانحلال اللذين بهما دخل ناموس الخطية في أعضاء جسدنا. ولكن صرنا سمائيين، وأخذنا هذا في المسيح، لأنه بالطبيعة الله وهو الكلمة من فوق، أي من الله، ونزل إلينا متجسداً بطريقة فائقة، فولد بالجسد من الروح لكي يجعلنا مثله ونصبح قديسين وبلا فساد، وتنزل إلينا النعمة من فوق، ويُصبح لنا بداية ثانية وأصل جديد فيه ] ( تعاليم في تجسد الوحيد )

+ فالمسيحي الحقيقي هو ذاك المسافر في برية هذا العالم متجهاً لأورشليم العُليا موطن الأبرار في حضن الله القدوس: [ في الإيمان مات هؤلاء أجمعون وهم لم ينالوا المواعيد بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها وأقروا بأنهم غرباء ونزلاء على الأرض ] (عبرانيين 11: 13)
+ فالمسيحي ليس بغريب عن القديسين بل هو من أهل بيت الله: [ فلستم إذاً بعد غُرباء ونُزلاً بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله ] (أفسس 2: 19)، لذلك حينما يتحدث الله الحي إلى القديسين، فهو يتحدث إلى أهل بيته الذي يسكن في قلبهم، والمسيحي ملكه الحقيقي هو شخص الكلمة ربنا يسوع الذي به صار أبناً حقيقياً فيه، كسلطان ممنوح له من الله في الابن الوحيد: [ وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه ] (يوحنا 1: 12)

والمسيحي على هذا النحو، مربوط برباط الحب والإيمان بشخص الكلمة محققاً الوحدة به من خلال الأسرار المقدسة بإيمان واعي وقلباً محباً لله مجاهداً بالنعمة أن يثبت في الكرمة متشرباً من عصارة النعمة، مرتوياً من ماء الكلمة المقدسة النابضة بالحياة يومياً، وكغريب عن هذا العلم وكابن لله له وطن سماوي، هارباً - بسبب الطبيعة الجديدة التي نالها - من الفساد الذي في العالم بالشهوة:
[ أيها الأحباء أطلب إليكم كغرباء و نزلاء أن تمتنعوا عن الشهوات الجسدية التي تحارب النفس ] (1بطرس 2: 11)
[ اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة ] (2بطرس 1: 4)

+ فالإنسان لا يكون بل ولا يُحسب مسيحي حقيقي بكونه مولود من أبوين مسيحيين، بل يصير مسيحياً بقدر تعمقه وتبعيته لصوت الراعي العظيم شخص ربنا يسوع: [ في الغد أراد يسوع أن يخرج إلى الجليل فوجد فيلبس فقال له اتبعني ] (يوحنا 1: 43)

+ باختصار :
المسيحي ليس إنسان مولود بالفطرة مسيحي، أو أنه من أسرة مسيحية، بل هو من يسعى ببساطة الأطفال نحو المسيح الكلمة المتجسد، ليرتبط به ارتباط وثيق بالإيمان والتوبة المستمرة، ويعرفه (أي المسيح) كابن بالطبيعة لله، ويتحد به بالإفخارستيا ويصير معه واحداً ليثبت في بنوته لله الذي نالها بالمعمودية بالخبرة في حياته اليومية، أي يصير ابناً لله في الابن الوحيد، متذوقاً شركة الآلام مع المسيح، فيحمل الصليب كل يوم ويتبع مخلصه الصالح بكل صدق وأمانه:
[ وقال للجميع إن أراد احد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم ويتبعني] (لوقا 9: 23)
 
قديم 14 - 12 - 2013, 11:28 AM   رقم المشاركة : ( 4149 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

كسوف الله
وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
إن نظرة سريعة إلى الظاهرة الدينية في المجتمعات المتحضرة في العصر الحديث تبين لنا أن حضور الله لم يعد مستديماً كما كان في العصور الماضية. لقد عشنا في العقود الأخيرة، بحسب تحليل بعض الدارسين، علمنةً لم تطاول المجتمع وحسب، بل الوعي والوجدان البشري بحد ذاته. فماذا وراء هذه العلمنة؟ ماذا وراء " كسوف الله" هذا، بحسب ما يسميه الفيلسوف مارتن بوبر؟

إنه سيكون من الخطأ أن نبسط الأمر ونراه من وجهة نظر أحادية، ومع ذلك فإن هناك بعض العوامل والأسباب التي أدت إلى غياب تدريجي لله من أفق الإنسان المعاصر، وسنعدد بعضها:

أولاً: نهاية الإنسان الليتورجي: نتحدث عن نهاية الإنسان الليتورجي ليس فقط بإشارة إلى الإنسان الذي يزاول الكنيسة والصلوات العامة، بل نتحدث عن إنسان فَقَدَ وقع الإطار الديني لمختلف خبراته الحياتية. فمن يعيش في الغرب الآن يرى أن الأعياد الكنسية الكبيرة لا تعني شيئاً للمواطن العادي وقد تم تغيير أسماء العديد من الأعياد وإعطاؤها طابعاً علمانياً (أو وثنياً). إن مثلاً على ذلك هو عيد "هالوين" الذي حل مكان عيد جميع القديسين. وعيد الفصول (سيزونز غريتينغز) الذي اقترحه البعض بديلاً عن عيد الميلاد (كريسماس) في انكلترا. هذه الخبرة، خبرة تهميش البعد الديني تلقي بظلها على مختلف خبرات الإنسان الذي لم يعد يلتقي الله في المنعطفات الاعتيادية لوجوده اليومي.

ثانياً: الإلحاد الذي أضحى حالة اجتماعية وثقافية: يلتقي العديد من علماء الاجتماع واللاهوتيين على أن الإلحاد الذي بات حالة اجتماعية معممة وموقفاً ثقافياً إنما هو سابقة في التاريخ. بالطبع، الملحدون موجودون منذ أزمنة مختلفة وهناك أنواع عديدة من الملحدين. فملحدو الإغريق يختلفون عن ملحدي العصر الحديث في أوروبا. ولكن الظاهرة اللافتة هي أنه في أيامنا هذه لم يعد الإلحاد أمراً يتعلق بأقلية من المفكرين بل أضحى ظاهرة شعبية. ويعلق يوسف راتزنغر على هذه الظاهرة فيقول: " لقد بات الإلحاد متفشياً لدرجة أنه لا يُعنى بتحدي الإيمان، بل يتجاهله بالكامل".

ثالثاً: مآسي البشرية: لطالما كانت مسألة الشر من المسائل التي طرحت الشكوك في قلب الإنسان. وقد اعتبرها القديس توما الأكويني في خلاصته اللاهوتية من بين الاعتراضات ضد وجود الله. إن الحربين العالميتين، السجون النازية، عمليات الإبادة الجماعية، وتعميم أخبار الشر عبر وسائل الإعلام... كل هذه عوامل ضاعفت في ذهن الإنسان المعاصر حدس الشر في العالم، وبشكل غير مباشر أدت إلى تعميم الشكوك حول حضور الله، وجوده وطيبته. فكيف لنا أن نتحدث عن الله بعد إبادة ملايين الأشخاص؟ كيف لنا أن نتحدث عنه بعد أن نرى طفلاً يموت بداء السرطان؟ كيف يمكننا أن نتحدث عن الله بعد فيضان يقتل عشرات الآلاف؟

رابعاً: الثورة الجنسية: شكلت ثورة عام 1968 تعبيراً عن تحول شمل عدة أبعاد من نظرة المرء إلى نفسه، إلى علاقاته وإلى جسده. لم تكن الثورة فقط إطلاقاً للعنان للحرية الجنسية، بل تضمنت أبعاداً أعمق. حملت سنوات "الثورة" تلك إلى تقويض مفاهيم وقيم مثل الطاعة كنقيض للحرية، مثل العفة كنقيض للتعبير عن الذات، ومثل الإذعان لـ "أنا" إلهي كنقيض وتهديد للـ "أنا" الفردي.

خامساً: الديانات الشرقية: إن الأديان أو الفلسفات الدينية الشرقية جلبت إلى ذهنية الإنسان المعاصر إمكانية عيش بُعد روحي للوجود بمعزل عن إيمان ديني فردي أو جماعي. يمكننا أن نرى الكثير من الكتاب الروحيين الذين ليسوا مؤمنين بالضرورة. نرى في كتابات الفيلسوف الفرنسي الملحد أندريه كومت نموذجاً لهذا الشكل من الروحانية الملحدة (مثلاً في كتابه روح الإلحاد): الروحانية لم تعد تعبيراً حتمياً لحياة في الروح القدس الذي يُنال في الكنيسة، وفي حياة روحية مشبعة بالعقيدة، بحسب المفهوم الذي يقدمه القديس إيريناوس. الروحانية الآن هي عيش الحياة بفلسفة.عيش الحياة بانتباه للبعد الباطني لإنسان لا يرى بالضرورة في هذا البعد صدى لإله في السماء.

ختاماً: في حديثه عن الله يقول الفيلسوف المسيحي موريس بلوندل: " أن الله هو ذاك الذي لا يمكن الحديث عنه من الذاكرة، هو ذاك الذي لا يمكن الحديث عنه كغائب". ماذا يقصد بقوله هذا؟

بالطبع يمكننا الحديث عن الله متذكرين ما فعله في حياتنا، ولكن ما يعنيه الفيلسوف هو أنه لا يمكننا أن نعتبر عمل الله في حياتنا واقعاً من الماضي، واقعاص يغطيه غبار الزمان وتطويه ذكريات الماضي دون وقع حي في الحاضر. ما يعنيه الفيلسوف إذاً هو أن الحديث اللائق عن الله يتطلب أن نعي أن الله حاضر هنا والآن وأن حديثنا عنه يجب أن يرتكز على حديثنا إليه، على صلاتنا. لذا نختم بصلاة الطوباوية أليصابات الكرملية:

" يا إلهي الثالوث الذي أعبده، ساعدني لكي أنسى ذاتي كلياً فيك... اسمح لي أن أغوص أكثر فأكثر في أعماق سرك.. أشعر بعجزي، ولذا أطلب إليك أن تلبسني قوتك.. أن تغمرني، أن تغزوني، أن تأخذ مكاني لكي تضحي حياتي إشعاعاً لحياتك.

أيها الكلمة الأزلي، أريد أن أقضي حياتي بالإصغاء إليك. يا روح الحب حلّ علي لكي يتم فيّ كتجسد للكلمة. وأنت، أيها الآب، انحنِ نحو خليقتك الفقيرة الصغيرة.

أيها الثالوث، يا كلّ ما لي، أيها الغور الذي أضيع فيه، إني أسلم ذاتي لك".
 
قديم 14 - 12 - 2013, 11:38 AM   رقم المشاركة : ( 4150 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,271,860

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

العنصرة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رؤى (يوئيل 2: 28).

انه يوئيل نبي التوبة والصوم والصلاة الذي عاش في القرن الرابع قبل الميلاد ورأى الناس وقد تمرغوا في حمأة الآثام، فنادى عليهم بالويل والثبور وعظائم الأمور منذرا ومحذرا إياهم من الاستسلام للمعاصي والعاقبة الوخيمة التي يتوقعها لهم من جراء ذلك، إذ أن الخطية كانت قد خرجت سافرة وإن الخطاة تمرغوا بالآثام بدون حياء، وكما يقول الرسول بولس عن مثل هؤلاء «الذين نهايتهم الهلاك الذين إلههم بطنهم ومجدهم في خزيهم»( في 19:3 ) وسمعنا يوئيل ينادي بالتوبة قائلاً «ولكن الآن يقول الرب ارجعوا إلي بكل قلوبكم وبالصوم والبكاء والنّوح مزقوا قلوبكم لا ثيابكم وارجعوا إلى الرب إلهكم .. قدسوا صوما ونادوا باعتكاف» (يوئيل 2: 12 ـ 13 ـ 15) وقد استحق النبي يوئيل أن يعلن له الله ما سيكون في مستقبل الأيام عندما يتم الصلح بين الله والإنسان بالمسيح المنتظر فادي البشرية فقال على لسان الرب «ويكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاما ويرى شبابكم رؤى وعلى العبيد أيضاً وعلى الإماء اسكب روحي في تلك الأيام» (يوئيل 2: 28 و 29)

هذا الروح ولئن ظهرت مفاعيله للناس في العهد القديم ولكنه ظهر جلياً في العهد الجديد بكل صفاته وخاصياته وانتشرت أعماله في الأرض كلها، إنه الروح القدس الاقنوم الثالث من الثالوث الأقدس الذي عندما نصفه بأنه مساو للآب والابن في الجوهر والذات والطبع والأزلية والقدرة والسلطان إنما نعني أن الروح القدس والآب والابن جوهر واحد، هذا ما تسلمناه من آبائنا القديسين ورسل الرب يسوع الأطهار، وقد أعلن المجمع المسكوني الثاني المنعقد في القسطنطينية عام (381 ) عقيدة الكنيسة المسيحية منذ ابتداء وجودها بألوهية الروح القدس قائلاً: «ونؤمن بالروح القدس الرب المحيي الكل المنبثق من الآب ومع الآب والابن يسجد له ويمجد الناطق في الأنبياء» وضم المجمع هذه العبارة إلى قانون الايمان النيقاوي الذي نتلوه في القداس الإلهي وقبل ختام صلواتنا صباح مساء وفي كل آن.

ويذكر لنا البشير لوقا في سفر أعمال الرسل كيف أن الرسل كانوا مجتمعين في البيت وكان اليهود في ذلك اليوم يحتفلون بأحد أعيادهم الكبرى، ويسمونه عيد العنصرة أي الاجتماع وعيد الباكورة، وعيد الخمسين لأنه يقع بعد خمسين يوما من عيد الفصح، وكانوا يقدمون فيه للرب رغيفين من باكورة زروعهم شاكرين إياه تعالى على النعم التي يسبغها عليهم، وكانوا يعتقدون أن في ذلك اليوم خُلق آدم، وفيه أعطيت الشريعة لموسى، ولذلك كانوا يحتفلون فيه احتفالا عظيما ويأتون من أقاصي الأرض إلى المدينة المقدسة ليظهروا أمام الرب في هيكله، في ذلك اليوم بالذات كان التلاميذ مجتمعين في العلية بحسب أمر الرب ، كانوا أنقياء قديسين وقد نالوا بركة الرب يسوع الذي كان قد سامحهم على كل ما اقترفوه من ذنوب ضده، فقد أنكره بعضهم، وشكّ آخرون أول وهلة في حقيقة قيامته، ولكنهم تابوا.

فظهر لهم الرب يسوع مرات عديدة مدة أربعين يوماً، وأطاعوا أمره بمكوثهم في أورشليم المدينة لينالوا قوة من العلاء وفيما كانوا مواظبين على الصلاة، صار بغتة صوت عظيم كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين فظهرت ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم وامتلأ الجميع من الروح القدس وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا . فلما صار هذا الصوت اجتمع جمع غفير من الناس إلى العلية حيث كان مصدر الصوت، ورأوا التلاميذ ومريم أم يسوع والنسوة وتعجبوا لان كل واحد منهم كان يسمعهم يتكلمون بلغته وكانوا قد جاءوا من كل أمة تحت السماء .

ومما يلاحظ أن الألسنة النارية استقرت على كل واحد من رسل الرب وتلاميذه، وأتباعه من الرجال والنساء بدون تمييز أو تفضيل أحد على الآخر، فالروح القدس هو روح المساواة روح تلاشي التمييز العنصري فلا تمييز بين عبد وحرّ بين ذكر وأنثى كما يقول الرسول بولس «ليس يهودي ولا يوناني ليس عبد ولا حر ليس ذكر وأنثى لأنكم جميعا واحد في المسيح يسوع»(غل 3 :28 ).

اجل هذا هو يوم العنصرة الذي استجاب فيه الله صلاة النبي موسى الذي قال يا ليت شـعب الرب كانوا أنبياء (عد 11 : 29) وتنبأ الشعب كله يوم العنصرة، أما الرسل الأطهار والتلاميذ الأبرار الذين اختارهم الرب يسوع من بين الشعب وأنعم عليهم بموهبة الكهنوت ورئاسة الكهنوت، فلسموّ هذه الموهبة السماوية، كانوا قد تقدموا على الآخرين.

وعندما اجتمع الناس حول العلية وظنوا أن أولئك الناس سكارى، وقف بطرس هامة الرسل مع الأحد عشر ورفع صوته وقال لهم إن هؤلاء ليسوا سكارى كما انتم تظنون لأنها الساعة الثالثة من النهار بل هذا ما قيل بيوئيل النبي: «يقول الله ويكون بعد ذلك أني أسكب من روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاما ويرى شبابكم رؤى»(اع 2 : 17) يكون بعد ذلك بعد أن تم الخلاص بالمسيح يسوع ربنا، بعد أن نلنا الفداء بدمه الثمين ، بعد أن قام المسيح من بين الأموات وصالحنا مع أبيه وبررنا وطهرنا وقدسنا يكون بعد ذلك أني أسكب روحي على كل بشر فيتنبأ بنوكم وبناتكم ويحلم شيوخكم أحلاماً ويرى شبابكم رؤى فذكرهم الرسول بطرس بهذه النبوة، وبكّتهم الروح القدس فنخسوا في قلوبهم وقالوا لبطرس ولسائر الرسل: ماذا نفعل أيها الرجال الاخوة ؟ فقال لهم بطرس «توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا فتقبلوا عطية الروح القدس»(أع 2: 28) وفي تلك الحادثة ظهرت مفاعيل الروح القدس في التلاميذ كافة، فهامة الرسل بطرس مثلاً الذي لخوفه، أنكر المسيح أمام جارية حقيرة صار بطلاً شجاعاً لم يهب أحداً فوبخ رؤساء اليهود على قتلهم المسيح. وبطرس نفسه الذي كان رجلاً بسيطاً صار بعد أن امتلأ من الروح القدس واعظاً ناجحاً لأن الروح القدس هو روح الرب، روح الحكمة والفهم، روح المشورة والقوة، روح المعرفة ومخافة الرب، (اش 11 : 2) هكذا امتلأ بطرس ورفاقه من الحكمة والمعرفة وصاروا خطباء قديرين وشهوداً للمسيح مملوءين شجاعة.

ودعا بطرس اليهود بخطابه الشهير ليتوبوا قائلاً لهم «اخلصوا من هذا الجيل الملتوي» فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس (أع 2: 40 و 41) لذلك عُدّ ذلك اليوم عيد ميلاد الكنيسة بوساطة الروح القدس وصار ذلك اليوم أيضاً للمؤمنين بالمسيح يوم تجديدهم إذ صاروا خليقة جديدة فقد ولدوا ثانية ولادة روحية من السماء.

وإن الروح القدس الذي حلَّ على أتباع الرب في العلية، هو ذاته يحلّ على سائر المؤمنين به والمعتمدين على اسمه على أثر خروجهم من جرن المعمودية ومسحهم بزيت الميرون المقدس.

كما أن الشريعة التي أعطاها الرب لموسى في مثل ذلك اليوم قد تجددت أيضاً بشريعة المسيح الذي لم يعطها مكتوبة على لوحين من حجر بل كما قال الله على لسان النبي إرميا: «هذا هو العهد الذي اقطعه ... أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على قلوبهم وأكون لهم إلها وهم يكونون لي شعباً»( ار 31 : 33) وقد ظهرت مفاعيل الروح القدس في العهد القديم أيضاً بالأعجوبة التي شاهدها بالرؤيا حزقيال النبي الذي أمره الله أن يتنبأ على العظام الرميم، فتحولت إلى أجساد بدون حياة. ثم أمر الرب النبي ليتنبأ عن الروح فهبت الروح عليهم ومنحتهم حياة فقاموا أحياء.

وهذه الأعجوبة رمز لمفاعيل الروح القدس الذي بإمكانه أن يعطينا حياة في المسيح يسوع ربنا، كما أنه ثابت في الكنيسة المقدسة، يعتني بها ويختار رعاتها، ويرشدهم إلى الحق ويذكرهم بتعاليم الرب يسوع ويهديهم سواء السبيل ويعينهم على إدارة الكنيسة كما ورد في سفر أعمال الرسل أنه بينما كان التلاميذ يخدمون الرب ويصومون: «قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه، فصاموا حينئذ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما» (أع 13: 3) والرسول بولس يوصي قسوس الكنيسة في أفسس قائلاً: «احترزوا إذن لأنفسكم ولجميع الرعية التي أقامكم الروح القدس فيها أساقفة لترعوا كنيسة الله التي اقتناها بدمه» (أع 20: 28). ويخاطب الروح القدس رعاة الكنيسة بوسائل عديدة، كما يذكر تاريخ كنيستنا المقدسة، إما بأحلام إلهية أو رؤى، وإما يلهمهم بتأثيره فيخاطب أرواحهم ويؤثر في أفكارهم.

ففي هذا اليوم أحبائي ونحن نحتفل بهذا العيد المقدس، لنسأل الله تعالى أن يؤهلنا لنستدعي الروح القدس ليبكّت ضمائرنا ويوقظها (أع 2: 37) وأن نتجاوب مع عمله في قلوبنا فنصحو ونستيقظ من سبات الخطية، ونتوب إليه توبة صادقة وأن نجعل أجسادنا هياكل نقية طاهرة للروح القدس الذي فينا (1كو 19:6 ) فلنطع الرب الإله، ولنقتد بالرسل الأطهار باجتماعهم في العلية، فلنجتمع نحن أيضاً في كنيسة الله بنفس واحدة مواظبين على الصلاة الحارة وليحل الروح القدس على كل واحد منا لنثبت في المسيح ونحيا فيه، مكملين وصية الرسول بولس القائل: «اسلكوا بالروح فلا تكملوا شهوة الجسد»( غل 5: 16) فلنبتعد عن كل ما يغضب الروح القدس طالبين من الرب مع النبي داود قائلين وروحك القدوس لا تنزعه منا آميـن.
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 01:55 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024