البابا شنودة الثالث

35- رأي أساتذة القانون المسلمين: ب) رأي الأستاذ الدكتور توفيق حسن فرج
الأستاذ الدكتور توفيق حسن فرج هو استاذ كرسي القانون المدني - بكلية الحقيق- جامعة الأسكندرية في كتابه احكام الأحوال الشخصية لغير المسلمين من المصريين":
في حديث الاستاذ الدكتور توفيق حسن فرج عن "مميزات الزواج الجوهرية" في المسيحية (ص 348 إلى ص 351) قال:
ومن أغراض الزواج السابقة، تبرز لنا مميزاته الجوهرية التى هي الوحدة، وعدم القابلية للانحلال. وتكتسب هاتان الخاصيتان ثبوتاً Fermete خصوصيا في الزواج المسيحي لكونه سرا (المادة 2/3 من الإرادة الرسولية - المادة 1013 من القانون الكنسي الغربي).
فالوحدة في ألزواج L'unite تعتبر من المبادىء التي تمسكت بها المسيحية من أول عهدها. إذ لا يجوز للمسيحي أن يتخذ أكثر من زوجة واحدة في وقت واحد. كما أنه ليس للمرأة الواحدة التزوج بأكثر من رجل واحد في الوقت نفسه.
فزواج الرجل الواحد بعدة نساء La Polygamie لا يحقق أغراض الزواج، إذ لا يجد هذا العدد من النساء لدى الرجل الواحد المساعدة التى تعتبر حقا لهن، إلا بصعوبة. كما أن في زواج المرأة الواحدة بعدة رجال la Polyandrie يتعارض هو للآخر مع الهدف الأول من الزواج...
وقاعدة الوحدة في الزواج المسيحي لا تحتمل أي استثناء.
وقد جاء في رسالة الرسول بولس الأولى إلى أهل كورنثوس "ليكن لكل واحد امرأته، وليكن لكل واحدة بعلها" (1كو 7: 2). كما جاء في الإنجيل "إن الذى خلق من البدء، خلقهما ذكراً وأنثى.. من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته، ويكون الاثنان جسداً واحداً. إذن ليسا بعد اثنين، بل جسد واحد" (متى 19: 4..).
ويبين من نصوص الكتاب المقدس في هذا الصدد، أن الله حين خلق منذ البدء، لم يخلق ثلاثة أو أكثر، بل خلق اثنين فقط. كما أن النص صريح بقوله "ويلتصق الرجل بامرأته ولم يقل يلتصق بنسائه. وفي هذا ما يدل على أن تعدد الزوجات غير موجود منذ بدء الخليقة. ومن كل هذا يبين المسيح أن الله نظم الزواج بحيث يكون ارتباطا بين اثنين فقط، لا أكثر من اثنين (انظر De Smet ص 245-246، وإشارته إلى ما قاله إنوسينت الثالث Innocent III بشأن ما جاء في مجمع ترنت Trente في هذا الصدد.
يدلل الفقهاء المسيحيون على أن الوحدة من خصائص الزواج المسيحي عن طريق آخر. ذلك أن الإنجيل قد نصَّ على أن من طلَّق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني. كما أنه إن طلقت امرأة زوجها وتزوجت بآخر تزني (متى 19: 9؛ مر 10: 11، 12) (اقرأ مقالاً عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في قسم الأسئلة والمقالات). فهذه النصوص تصرح أنه إذا كان للرجل زوجة وطلقها ثم أخذ أخرى فإنه يرتكب زنا، وكذلك المرأة التي تتزوج بآخر بعد أن تطلق زوجها. ولهذا يكون الزواج الثاني باطلاً، طالما بقي الزواج الأول... يضاف إلى ما سبق أن قرارات المجامع الكنسية المتعددة نادَت بنفس هذا المذهب وهو وحدة الزواج المسيحي.
وقد نصت على مبدأ وحدة الزواج فى الشريعة المسيحية، المادة 24 من مجموعة 1955 للأقباط الارثوذكس، فقررت أنه "لا يجوز للأحد الزوجين أن يتخذ زواجاً ثانياً مادام الزواج قائماً". فالزواج الأول بين الزوجين، يعتبر مانعا من زواج أخر.
(انظر كذلك المادة 25 من مجموعة 1938 للأقباط. وهذا هو ما نصَّت عليه المسألة 13 من الخلاصة القانونية للأيغومانوس فلتاؤوس، إذ قضت بأنه لا يجوز للمسيحي أن يتخذ سوى امرأة واحدة في الحال لا أكثر، وإن توفيت او افترقت عنه شرعا له أن يتفزج باخرى". وانظر ايضاً ما جاء في شرح الخلاصة ألقانونية لجرجس فلتاوؤس عوض، في هامش ص 30 (طبعة 1913). ويقول ابن العسال في كتاب القوانين (سنة 1927 ص 191) "وأما الجمع بين زوجتين أو أكثر، فلا يجوز لأنه زنا ظاهر مستمر"، وانظر كذلك ص 205-206).
وقد نصَّت المادة الثانية "فقرة 2" من الارادة الرسولية للكاثوليك على أنه من مميزات الزواج الجوهرية: الوحدة وعدم القابلية للانحلال.
"وهنا أورد الاستاذ الدكتور توفيق حسن فرج في الحاشية (3) ص 350 على أنه قد نصت المادة 26 من القواعد التى اوردها فيليب جلاد بالنسبة إلى الطوائف الكاثوليكية على أن "وحدة الزواج قائمة بان يقترن الرجل الواحد بامرأة لا أكثر حسب الشريعة الانجيلية واستعمال الكنيسة الدائم". وتبيح المادة 27 للحي من الزوجين التزوج بعد موت الآخر".
واستطرد المؤلف في نفس ص 350 بقوله عن وحدة الزواج: وهذا ما نصحت عليه كذلك المادة السادسة من قانون اللأحوال الشخصية للطائفة الانجيلية، فقررت أن "الزواج هو اقتران رجل واحد بامرأة واحدة اقتراناً شرعيا مدة حياة الزوجين".
ويختتم للأستاذ الدكتور توفيق حسن فرج بحثه هذا بقوله:
وخلاصة القول إن نظام الزوجة الواحدة أو الزواج الواحد (e régime monogamique) هو النظام الوحيد الذى يحقق للزواج اهدافه كاملة، ويقيم بين الزوجين تضامنا تاماً ومساواة أساسية، للمرأة الحق فيها للرجل سواء بسواء. وهو النظام الذى يمكن فى ظله أن يكون فيه الزوجان أسرة حقيقية تركز فيها حياتهما.
ويتعرض الاستاذ المؤلف لوحدة الزواج أيضا في الفصل الخاص بموانع الزواج "ثالثاً: مانع الزواج السابق" (انظر المادة 5 من القواعد الخاصة بالأرمن الأرثوذكس. وكذلك المادة 12 "أولاً" من مجموعة السريان الأرثوذكس)، فيقول:
يتمثل هذا المانع فى عدم إمكان ابرام زواج ثان طالما بقى الزواج الأول قائما. وهو من الموانع التى أقرتها الكنيسة فى الشرق والغرب منذ البداية، لأنه من التعاليم الالهية التى تحرم تعدد الازواج...
فطالما بقى الزواج الأول قائما، حرم على أى من الزوجين عقد زواج جديد مع شخص آخر، وإلا كان زواجه الثاني باطلاً.
إذن هناك مانع يمنعه من الزواج الثاني، وهو قيام الزواج الأول. فالمانع فى هذه الحالة يقوم على خاصتين من خصائص الزواج، وهما للوحدة وعدم قابلية الرابطة الزوجية للأنحلال. ولا خلاف بين المذاهب المسيحية جميعها فى ذلك.
ولكى يوجد هذا المانع، يتعين أن يكون الزواج السابق صحيحا قائما. ويكفى أن يوجد عقد صحيح، حتى ولو لم تحصل معاشرة بين الزوجين. فالعبرة بتمام العقد الصحيح ولو لم يكن الزواج قد اكتمل بالدخول والمعاشرة الجنسية.
وعلى هذا فطالما لم يثبت أن الزواج السابق وقع باطلا، أو انه انحل لسبب من الاسباب، يعتبر الزواج الجديد باطلا لقيام المانع (انظر المادة 24 من مجموعة 1955، 25 من مجموعة 1938 للأقباط الارثوذكس، حيث ينص على أنه "لا يجوز لأحد الزوجين أن يتخذ زواجاً ثانياً مادام الزواج قائماً". وانظر ايضا المادة 2 "أ" من قواعد الروم الأرثوذكس، والمادة 5 من قواعد الأرمن ألارثوذكس، والمادة 12 "أولاً" للسريان، الماد ة 6 بالنسبة للأنجيليين... وتقضي المادة 59 من الإرادة الرسولية بالنسبة للطوائف الكاثوليكية عامة "1-إن مَنْ كان مقيدا بوثاق زواج سابق -ولو غير مكتمل- يحاول باطلأ عقد الزواج، هذا مع مراعاة امتياز الإيمان. وانظر كذلك المادة 99 من القواعد الخاصة بالكاثوليك لفيليب جلاد، السابق،
ج 5 ص 380). وعند السريان الأرثوذكس تعتبر الخطبة السابقة مانعاً من الموانع للمبطلة لعقد الزواج والخطبة. إذ تنص المادة 12 على أن الموانع الشرعية في الخطبة والزواج هى "أولا" ألا يكون أحد الخطيبين مخطوباً لآخر أو مرتبطا بزيجة أخرى.
ولابد أن يثبت بطلان الزواج الأول أو انحلاله على وجه يقينى وبطريق قانوني، سواء كان ذلك عن طريق حكم قضائى أو بدليل قطعى آخر، وذلك على الاقل فى حالة الشك، كشهادة الوفاة مثلاً. وقد جاءت المادة 59 من الإرادة الرسولية للكاثوليك، فى فقرتها الثانية، مقررة لهذا المعنى السابق، إذ نصَّت على أنه "وإن كان الزواج السابق باطلا، أو انحل لأى سبب كان، فلا يجوز عقد زواج آخر، قبل أن يثبت يقينا وعلى وجه شرعى، أن الزواج السابق باطل أو انحل" (انظر أيضاً المادة 189 من القانون المدني الفرنسي).
ويدق الأمر في حالة غيبة أحد الزوجين. والغيبة فى ذاتها لا تعتبر سببا كافيا لإبرام زواج جديد، بل لابد من تحقق موت الغائب وإثبات ذلك على وجه يقيني (وقد أورد فيليب جلاّد [ج5 ص 381] في صدد القواعد الخاصة بالكاثوليك في حكم الغيبة، فقرر أن "غيبة أحد الزوجين -وإن طالَت- ليست بحجة كافية للتزوج بآخر، بل لابد من تحقيق موت الغائب")..
وأما بالنسبة للمذاهب المسيحية التى تبيح التطليق للغيبة، فلابد في هذه الحالة من صدور حكم من القضاء بذلك وبتطليق الحاضر من الزوجين. فإذا ما قضي له بذلك اصبح فى حِل من أن يتزوج من جديد.