منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات
قديم 07 - 11 - 2012, 04:41 PM   رقم المشاركة : ( 31 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الثاني والعشرون


الإهانات التى وُجهت ليسوع في محاكمة قيافا



ما أن غادر قيافا القاعة هو وأعضاء المجلس حتى أحاطت الحشود بيسوع كالزّنابير الغاضبة، وبدءوا ينهلون عليه بكل أهانة قابلة للتخيل. حتى خلال المحاكمة، بينما كان الشّهود يتكلّمون، لم يستطع الحرس وبعض من الآخرين أن يمتنعوا عن إظهار ميولهم الوحشية، فنزعوا الكثير من شعره ومن لحيته، صفعوه على وجهه، لكموه بقبضات أياديهم، جرحوه بعِصِي‏ مدبّبة، ووخزوه بالإبر في جسده؛ عندما ترك قيافا القاعة لم يضعوا حدوداً لهمجيتهم. أولاً وضعوا إكليلاً، مصنوعاً من القش وأغصان الأشجار على رأسه، وبعد ذلك أزالوه وًحيوه بكلمات مهينة، قالوا مثلاً : " انظروا ها هو ابن داود يرتدى تاج أبيه " و " ها هنا من هو أعظم من سليمان؛ ها هو الملك الذي يُعدّ وليمة العرس لابنه " وهكذا حوّلوا تلك الحقائق الأزلية إلى مادة للسّخرية, تلك الحقائق التي علّمها لهم من جاء من السّماء ليخلصهم من خطاياهم على صورة أمثال؛ وبينما كانوا يكررون هذه الكلمات السّاخرة، واصلوا ضربه بقبضات أياديهم وعصيهم وبصقوا في وجهه. ثم وضعوا تاج القش على رأسه.
ثم نزعوا عباءته، والقوا عباءة ممزّقة قديمة على كتفيه، بالكاد تصل لركبتيه؛ علّقوا سلسلة حديدية طويلة حول رقبته تنتهي بحلقة حديدية في كل نهاية ومزودة بأسنان حادّة، كبلوا ذراعيه ثانية، وضعوا قصبة في يدّه وغطّوا وجهه الإلهى بالبصاق. القوا بكل أنواع القاذورات على شعره وعلى صدره وعلى العباءة القديمة. عصبوا عينيه بخرقة قذرة وضربوه صارخين بأصوات عالية : تنبّأ لنا أيها المسيح، من الذى ضربك ؟ ", لم يجبهم بكلمة واحدة، بل تنهّد، وصلّى من أجلهم سراً.
وضعوا عليه غطاء رأس كبير يرتديه أعضاء المجلس، كان قيافا يضعه علي رأسه وكان ما زال في الغرفة، وبدوا مُبتهجين وهم ينظرون هذا المشهد المخزي الذي شرّعوا فيه، ناظرين بكل السرور للطقوس الأكثر قداسة وقد تحوّلت إلى مراسم للهزء. الحرّاس ألعديمي الرحمة غمروه بالطّين والبصاق، وبرزانة وهمية صاحوا : تسلم المسحة النّبوية, تسلم المسحة الملوكية ", ثم سخروا من مراسم الّعماد بشكل أثيم، ومن صنيع المجدلية فى إفراغ زجاجة الطيب على رأسه. صاحوا " كيف تجرؤ أن تظهر أمام المجلس بمثل هذه الحالة ؟ أتطهر الآخرين، ولا تقدر أن تُطهر نفسك؛ لكننا سنطهرك قريبا " وأحضروا حوضاً مملوءاً بالماء القذر، وسكبوه على وجهه وكتفيه، بينما احنوا ركبهم أمامه صائحين : " ها هى المسحة الثمينة, ها هو الطيب الذى يُقدر بثلاثمائة دينار؛ ها أنت قد تعمّدت في بركة بيت حسدا ". لقد تعمدوا أن يسخروا من تصرف المجدلية، عندما سكبت الطيب الثّمين على رأسه، في بيت الفريسي.
بعد عديد من الإهانات، أمسكوا بالسّلسلة التي علقوها على رقبته وسحبوه نحو الغرفة التي كان يتشاور فيها أعضاء المجلس، ودفعوه بعصيهم صائحين: تقدم يا ملك القش! أظهر نفسك للمجلس بشارة الشرف الملوكي التى نقدمها لك. "
لقد جروه حول الغرفة، أمام كل أعضاء المجلس، الذين استمرواّ يخاطبونه بلّغة تّأنيبية وسّيئة. بدا كل وجه كوجه شيطان غاضب، وكل ما حولهم كان مًظلماً ومشوشاً ورديئاً‏. يسوع بالمقابل رأيته كما رأيته فى تلك اللّحظة عندما أعلن فيها أنه هو ابن الرب، لقد كان مُحاطاً بهالة من النور. كثير من المّجتمّعين بدا عليهم أنه لهم معرفة مشوّشة بهذه الحقيقة، وامتلئوا بالذّعر بإدراك أنه لا إساءة ولا عار ممكن أن يُبدِّل‏ من السمة الملوكية لمُحياه .
حرّضت الهالة التي أشرقت حول يسوع منذ اللّحظة التى أعلن فيها نفسه أنه هو المسيح، ابن الرب الحيّ، حرّضت أعداءه على غضب أعظم، ومع ذلك كانت متألقة جدا حتى إنهم لم يستطيعوا أن ينظروا إليها، وأعتقد أن نيتهم برمي الخرق القذرة على رأسه كان لكى يخفون سطوعها.

  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:41 PM   رقم المشاركة : ( 32 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

تأمل الرب يسوع

تأمّلْوا كيف أساءوا معاملتي:
لقد ضُربت على وجهي،
بُصق عليّ، لوى عنقي ليُسْخرَ مني؛
نُتفت لحيتي؛ عُصرَ ذراعيّ؛
ضُربت على أعضاء رجولتي،
وعندما سْقطتُ، جُررت من شعري.


  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:42 PM   رقم المشاركة : ( 33 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الثالث والعشرون
إنكار القديس بطرس



في اللحظة التى قال فيها يسوع : " أنك قد قلت ذلك " وشق فيها رئيس الكهنة ثيابه، دوّت كل الغرفة بنّداءات صّاخبة. لم يستطع بطرس ويوحنا تحمل المنظر أكثر من ذلك، لقد تألما بشدة من المشهد الذي حدث فى التو، واجبرا أن يشهداه بصّمت، لهذا نهض بطرس ليترك الغرفة، وتبعه يوحنا فى الحال. ذهب يوحنا إلى العذراء المباركة، التى كانت في دار مرثا مع النّساء القديسات، محبّة بطرس ليسوع لم تجعله قادراً أن يتركه؛ قلبه كان يتمزق، وبكى بمرارة على الرغم من أنه سعى أن يمنع دموعه أو أن يخفيها. لقد كان من المستحيل عليه أن يبقى في المحكمة، فأن عاطفته العميقة برؤية آلام سيده الحبيب كانت ستخونه؛ لهذا دخل الدّهليز واقترب من النّيران التى كان يجلس حولها بعض الجنود وعامة الناس وكانوا يتحدّثون بأسلوب قاس ومثير للاشمئزاز‏ عن آلام يسوع ويقصون ما فعلوه هم بأنفسهم به. كان بطرس صامتاً، لكن صمته وسلوكه المحزن جعل من حوله يشكّون فى أمره. جاءت البوّابة نحو النيران في وسط الحديث ونظرت إلى بطرس وقالت " أنك أنت أيضا كنت مع يسوع الجليلي " باغتت هذه الكلمات بطرس ونبّهته؛ ارتعد لما يمكن أن يتبع ذلك إن اعترف بهذه ‏الحقيقة أمام رفاقه القساة، وأجاب بسرعة : " يا امرأة، أنى لست اعرفه " ونهض وترك الدّهليز. فى هذه اللحظة صاح دّيك من مكان ما عند أطراف المدينة. بينما كان بطرس يخرج نظرت إليه جارية أخرى وقالت لمن معها : " إن هذا الرّجل كان معه أيضا " والأشخاص الذين خاطبتهم سألوا بطرس فورا إن كانت كلماتها صادقة قائلين : " ألست واحداً من تلاميذ هذا الرّجل؟ " بطرس كان أكثر حذراً من ذى قبل وجدّد إنكاره قائلا : " كلا أنى لست أعرف هذا الرّجل. "
ترك بطرس القاعة الدّاخلية ودخل القاعة الخارجية وهو يبكي، وكان اضطرابه وحزنه عظيمان حتى أنه لم يفكر فى الكلمات التى نطقها تواً. كانت القاعة الخارجية قد امتلأت بالناس، وتسلّق البعض قمة الحائط ليستمعوا إلى ما يُقال في القاعة الدّاخلية التي مُنّعوا من دخولها. كان هناك بعض التلاميذ أيضاً، لأن قلقهم بخصوص يسوع كان عظيماً جدا حتى إنهم لم يتمكّنوا من أن يظلوا مختبئين في مغائر وادي هنوم. جاءوا إلى بطرس، وبكثير من الدّموع سألوه بخصوص سيدهم الحبيب، لكنه كان فاقداً شجاعته‏ وخائفاَ للغاية من خيانته، حتى أنه أوصاهم باختصار أن يخرجوا، حيث إنه من الخطر أن يمكثوا وتركهم فى الحال. لقد استمرّ يُطلِق العِنان لحزنه العنيف، بينما أسرعوا هم بترك المدينة. لقد ميزت بين هؤلاء التلاميذ، الذين كانوا حوالي ستة عشر، بَرْثلْمَاوُس، نثنائيل، ستيرنينوس، يهوذا برسابا، سمعان الذي أصبح بعد ذلك أسقف أورشليم، زكا، ومناحم، الرّجل الذي ولد أعمى وشفاه يسوع .
لم يستطيع بطرس أن يستريح فى أي مكان، وحبّه ليسوع حثّه على أن يرجع إلى القاعة الدّاخلية، التي سُمح له أن يدخلها، لأن يوسف الرامى ونيقوديموس كانا قد أدخلاه في المرة الأولى. ولكنه لم يدخل الدهليز، بل أنعطف يميناً وذهب نحو الغرفة المستديرة التي كانت خلف المحكمة، والتي كان يخضع فيها يسوع لكل احتقار وإهانة ممكنة من أعدائه القساة. سار بطرس بخوف نحو الباب، ومع أنه كان واعياً تماما أنه محل شكّ من قبل كل الحاضرين بأنه من الموالين ليسوع، ومع ذلك لم يتمكّن من أن يبقى خارجاً؛ حبّه لسيده دفعه للأمام؛ دخل الغرفة، تقدّم، ووقف قريبا في وسط الحشد البغيض الذي كان يمتّع نظره بآلام يسوع. لقد كانوا في تلك اللّحظة يجرونه بشكل مخز ذهابا وإيابا بتاج القش على رأسه؛ ألقى يسوع عليه نظرة حزينة جدا وحادّة، نظرة مزقت قلبه، لكنه كان لا يزال منتبّهاً للغاية، وفي تلك اللّحظة سمع بعضاً من الذين حوله يصيحون " من هذا الرّجل؟ " فرجع مرة أخرى إلي القاعة، وشاهد الناس الذين في الدّهليز يراقبونه، أتى نحو النيران ووقف أمامها لفترة. لاحظ بعض الأشخاص وجهه المضطرب الحريص وبدءوا يتكلّمون بكلمات مخزية عن يسوع وقال له أحدهم : " إنك أيضا أحد تلاميذه؛ أنك جليلي أيضا؛ أن لهجتك تُظهرك " نهض بطرس معتزماً أن يترك الغرفة، عندما أتى شقيق ملخس إليه وقال : " هل لم أرك في البستان معه؟ ألست أنت الذى قطع أذن أخي؟ "
حينئذ أصبح بطرس بغاية الرّعب؛ بدأ يلعن ويقسم " إني لست أعرف الرّجل " وخرج من الدّهليز إلى القاعة الخارجية؛ حينئذ صاح الدّيك مرة ثانية، وكان يسوع في تلك اللّحظة يُقتاد عبر القاعة، ألقى نظرة ممتزجة بالحنو والأسى على تلميذه. طعنت نظرة يسوع تلك قلب بطرس، لقد ذكّرته بالأسلوب القويّ والشديد الذى تكلم به يسوع معه فى المساء السّابق : " أنك قبل أن يصيح الدّيك مرّتين, ستنكرني ثلاث مرات." لقد نسى كل وعوده وتأكيداته إلى يسوع، أنه ممكن أن يموت بدلا من أن ينكره, لقد نسى تحذير يسوع له؛ لكن عندما نظر إليه يسوع، شعر بفداحة ذنبه، وقلبه كان يطفح بالأسى. لقد أنكر سيده، عندما كان ذلك السيد المحبوب مهاناً، مُذلاً, مُسلّماً في أيادي قُضاة ظّالمين، عندما كان يعاني كلّ شئ بصبر وبصّمت. أن إحساسه بالنّدم كان فوق كل تعبير؛ لقد رجع إلى القاعة الخارجية وغطّى وجهه وبكى بمرارة؛ كل خوفه من أن يتعرفون عليه قد ولى؛ وكان مستعداً أن يعلن للعالم كله ذنبه وتوبته.
لقد ترك الرب بطرس لقوته، وهو كان ضعيفاً، مثل كل من ينسون القول " اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة "


  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:42 PM   رقم المشاركة : ( 34 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

تأمل الرب يسوع

بينما كان قلبي يَعاني من كل هذه المِحَنِ، بطرس، الذي وَعد منذ ساعات مضت أَنْ يتبعني حتى الموت، أُنكرني فى إجابة لسؤالَ بسيطَ قد وجه إليه وكَانَ ممكن أَنْ يَخْدمه في إعْطاءِ شهادةِ عنّي. ولأن الخوف أُستوليْ عليه أكثر، عندما تكرر السّؤال، أقسمُ بأنّه ما سَبَقَ أَنْ عَرفني قط ولا أنه تلميذي. بَسْؤُاله لثالث مرة، أجابَ بلّعناتِ رديه .
أبنائي الصغار، عندما يَحتجُّ العالم ضدي وتتحول عنى نفوس مُختَاَرينى، واَرى نفسي متَروكاً ومُنكرُاً، هَلْ تَعْرفُون كم تكون عظمة الحزنُ والمرارةُ في قلبي؟
سَأُخبرهم كما أخبرتُ بطرس : أحبائي، يا من اَحْبّهمُ كثيراً، هَلْ لا تَتذكّرونُ اختبارات الحبِّ التي أعطيتها لكَم؟ هَلْ نَسيتمَ كم مرة وعدتموني أنْ تكُونواَ أمناء وأَنْ تدافعوا عنى ؟ أنكَم لا تثقون بأنفسكم لأنكم ضالون؛ لكن إن أتيتم لي باتضاع وبإيمان ثابت، لا تخافوا شيئاً؛ فأنكم ستكونون مسنودين جيّداً .
أحبائي، يا من تحيون مُحفوفين مِن قِبل كثير من الأخطارِ، لا تَدْخلُوا في فرص الخطيئةِ من خلال الفضولِ العقيمِ؛ كُونُوا حذرينُ فأنكم قد تَسْقطون مثلما سقط بطرس.
وأنتَم يا من تَعْملُون في كرمى، إن شْعرتُم أنكم تتحركون بدافع الفضولِ أو بدافع بعض الإشباع البشرىِ، فسَأُقول لكم أَنْ تَهْربَوا. لكن إن كنتم تَعْملُوا من أجل الطاعةِ وكنتم مَدْفوعينُ بتأجج من أجل النفوس ومن أجل مجدي، فلا تخافوا. فأنا سَأَحْميكَم وأنتَم ستغلبون.
عندما آخذني الجنود سجيناًَ، كَانَ بطرس نصف مُختبئ في أحد الأروقةِ وسط الحشودِ. نظراتنا تلاقت؛ عيناه كانت مُتحُيّرةْ، لقد كان ذلك لجزء من الثانية فقط ومع ذلك، أخبرته بالكثير!... لقد رَأيته يَبكى بمرارة لخطيئته وبقلبي قلت له : " إن العدو قَدْ حَاولَ أَنْ يَمتلككَ لكنى لم أَتْرككَ. أنى اَعْرفُ أنّ قلبكَ لم ينكرني. كُنُ مُستعداً لمعركةِ اليومِ الجديدِ، للمعارك المتكررة ضدّ الظّلمةِ الرّوحيةِ وأعد نفسك لتتلقى أخباراً جيدة. إلى اللقاء يا بطرس . "
كم من مرة اَنْظرُ نحو النفس التى أَثمتُ، لكن هَلْ تَنْظرُ هى إلىّ أيضا ؟ ليس دائما تتلاقى أعيننا. كم كثيراً من المرات اَنْظرُ إلي النفس وهى لا تَنْظرُ إليّ؛ أنها لا تَراني؛ إنها عمياء.... إنى اَدْعوها باسمها وهى لا تُجيبني. أُرسل لها الأحُزانَ، الآلام، عسى أن تستطيع أَنْ تفيق من نومها، لكنها لا تُريدُ أَنْ تَستيقظَ.
أحبائي، إن لم تَنْظرُوا نحو السّماءِ، فأنتَم سَتَحيون ككائناتِ محَرومةْ من الحافزِ. ارفعْوا رؤوسكَم وتأمّلْوا المسكن الذي ينتظركَم. ابحثواْ عن إلهكَم وأنتَم سَتَجدونه دائما وعيناه مًثَبّتة عليكم، وفي نظرته سَتَجدُون سلاماً وحياة.
  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:43 PM   رقم المشاركة : ( 35 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الرابع والعشرون


العذراء مريم في دار قيافا


كانت العذراء المباركة متّحدة دوماً بابنها الإلهي باتصالات رّوحية دّاخلية؛ لهذا كانت مُدركة بالكامل لكل ما يحدث له, لقد عانت معه، وانضمت إلي صلاته المستمرة من أجل قاتليه. لكن مشاعرها الأمومية حثّتها أن تتضرّع إلى الرب القدير بكل تأجج ألا يجعل الجريمة تكتمل، وأن ينقذ ابنها من هذا العذاب المخيف. لقد رغبت بلهّفة أن ترجع إليه؛ وعندما جاء يوحنا إلى دار لعازر ليعتني بها بعدما ترك المحكمة في اللحظة التى ارتفع فيها الصياح المخيف : " أنه مذنب ومستحق الموت " وروى تفاصيل المشهد المخيف الذى شهده، ترجته العذراء والمجدلية وبعض من النّساء القدّيسات الأخريات أن يأخذهن إلى حيث يعاني يسوع. يوحنا، الذي كان قد ترك مُخلصنا تواً من أجل أن يواسي تلك التى يحبها أكثر من أى أحد بعد مُعلمه الإلهى، استجاب فى الحال لطلبهم وقادهم خلال الشّوارع التي كانت مضاءة بالقمر فقط، ومزدحمة بأناس يتعجلون للرجوع لبيوتهم. النّساء القدّيسات قد تحجبن بإحكام‏؛ لكن البكاء الذي لم يستطعن منعه جعل عديد ممن يعبرن عليهن يلاحظهن، وتعَذَّبت مشاعرهن بالألقاب البذيئة التى سمعنها مُصادفة والتى مُنحت ليسوع من قبل أولئك الذين كانوا يتحدّثون عن موضوع اعتقاله. العذراء المباركة، التي نظرت دوما بالروح المعاملة المخزية التي ينالها ابنها العزيز، استمرت تضع فى قلبها كل هذه الأشياء؛ وقد عانت مثله في صّمت؛ لكن أكثر من مرة كانت تغيب عن الوعي تماما. رآها بعض تلاميذ يسوع الذين كانوا عائدين من قاعة قيافا، وتوقفوا لينظروها بشفقة وحيوها بهذه الكلمات : " السلام لك! السلام للأم الحزينة، السلام لأم أقدس من فى إسرائيل، لأكثر الأمهات ابتلاء ! " فرفعت مريم رأسها وشكرتهم بامتنان، وواصلت رحلتها الحزينة.
عندما اقتربوا من دار قيافا, ازدادت أحزانهم برؤية بعض الرّجال مُنشغلين فى إعداد الصليب لصلب يسوع. أصدر أعداء يسوع أوامر أن يُعدّ الصّليب بعد اعتقاله مباشرة، حتى ينفذوا العقوبة التي يأملوا أن يقنعوا بيلاطس أن يُجيزها عليه دون تأخير. كان الرومان قد اعدواّ صليبي اللّصين مسبقا، وكان العمّال الذي يُعدون صليب يسوع مُتذمرين كثيراُ لكونهم مُضطرين أن يعملوا خلال اللّيل؛ إنهم لم يحاولوا أن يخفوا تذمرهم من هذا، ونطقوا بأقسام ولّعنات مُخيفة طعنت قلب أم يسوع الحنونة مراراً وتكراراً؛ لكنها صلّت من أجل هذه المخلوقات العمياء التي تجدف بجهل على المُخلص الذي كان على وشك أن يموت من أجل خلاصهم ويعدون الصّليب ليُنفذ عليه هذا الحُكم القاسي بالإعدام‏.
اجتازت مريم ويوحنا والنساء القدّيسات القاعة الخارجية الملحقة بدار قيافا. وقفوا عند الباب الذي يُفتح على القاعة الدّاخلية. قلب مريم كان مع ابنها الإلهى ورغبت بتوهج أن ترى هذا الباب مفتوحاً، كى تتمكن أن تراه لأنها عرفت أن هذا الباب هو الشيء الوحيد الذى يفصلها عن السّجن حيث قد سُجن. فُتح الباب وأسرع بطرس خارجاً، وجهه كان مغطّى بعباءته وكان يعتصر يديه ويبكى بمرارة. على ضوء المشاعل تعرف فى الحال على يوحنا والعذراء المباركة، لكن رؤيتهم جدّدت مشاعر النّدم التي أيقظتها نظرة يسوع في صدره. اقتربت منه العذراء على الفور وقالت : " سمعان، اخبرني، أتوسّل إليك، ما هو حال يسوع، أبني!" طعنت هذه الكلمات قلبه؛ لم يتمكّن حتى أن ينظر إليها، بل استدار، واعتصر يديه ثانية. اقتربت مريم منه وقالت في صوت يرتجف بالانفعال : " يا سمعان بن يونا، لماذا لا تجيبني؟ " صرخ بطرس بنغمة حزينة " أماه، لا تتكلّمي إلى, لأن ابنك يعاني أكثر مما تستطيع أن تعبر عنه الكلمات, لا تتكلّمي إلى! لأنهم قد أدانوه إلى الموت، وأنا أنكرته ثلاث مرات " جاء يوحنا ليسأل بضعة أسئلة، لكن بطرس ركض خارج القاعة ولم يتوقف للحظة واحدة حتى وصل مغارة في جبل الزيتون, تلك المغارة التى انطبعت على صخورها يدا مُخلّصنا على نحو عجيب. أعتقد إنها ذات المغارة التى أتخذها آدم مأوى ليبكي فيها بعد سقوطه.
كانت العذراء المباركة حزينة بما يفوق الوَصْف‏ بسماع ما أوقع الألم على قلب ابنها الإلهي الحبيب، الألم بأن يجد نفسه مُنكراً من قبل ذلك التّلميذ الذي كان أول من اعترف به كابن الإله الحيّ؛ لقد كانت عاجزة عن أن تسند نفسها، ووقعت على حجارة الباب، التي أنطبعت قدميها ويديها عليها حتى الوقت الحاضر. لقد رأيت الحجارة تُحفظ بمكان ما لكنى لا أستطيع أن أتذكر أين فى هذه اللّحظة. لم يُغلق الباب ثانية، لأن الحشد كان يتفرق، وعندما أفاقت العذراء المباركة، توسلت إليهم أن يأخذوها إلى أقرب موضع ممكن لابنها الإلهى. قادها يوحنا حينئذ هى والنّساء القدّيسات إلى مقدمة السّجن حيث قد أُحتجز يسوع. مريم كانت مع يسوع بالرّوح، ويسوع كان معها؛ لكن هذه الأم المحبّة رغبت أن تسمع بأذنيها صوت ابنها الإلهى. لقد أصغت وسمعت ليس فقط تأوهاته، بل أيضا اللّغة السّيئة لأولئك الذين حوله. كان من المستحيل على النّساء القدّيسات أن يبقين في القاعة أكثر من ذلك دون جذب الانتباه. حزن المجدلية كان عنيفاً جدا حتى أنها كانت عاجزة عن أن تخفيه؛ وعلى الرغم من أن العذراء المباركة، بنعمة خاصّة من الرب القدير، احتفظ‏ت بهدوئها ووقارها وسط آلامها، إلا أنها عرفت وسمعت كلمات قاسية مثل هذا : " أليست هذه أم الجليلى؟ سيُعدم ابنها بكل تأكيد، لكن ليس قبل الاحتفال، ما لم يكن قبله، حقا، إنه لمن أعظم المجرمين."
تركت العذراء المباركة القاعة وصعدت إلى المستوقد‏ في الدّهليز، حيث كان لا يزال بعض الأشخاص واقفين. عندما وصلت للبقعة التى أعلن يسوع فيها أنّه ابن الرب، وصرخ حينئذ اليهود الأشرار : " أنه مذنب ويستحق الموت " غابت عن الوعي ثانية، وحملها يوحنا والنّساء القديّسات بعيداً، بمظّهر يشبه مظهر جثة أكثر من كونها شخص حيّ. لم يتفوه المحيطين بهم بكلمة؛ بدوا مندهشين وصمتوا .
عبرت النّساء القدّيسات المكان ثانية حيث كان يعدّ الصّليب؛ بدا أن العمّال يجدون صعوبة في إكماله بنفس قدر الصعوبة التى واجهها القضاة في إصدار العقوبة وكانوا مُجبرين أن يجلبوا خشباً جديداً فى كل لحظة، لأن بعض القطع لم تكن ملائمة، والأخرى تنشطر؛ استمر هذا حتى وضعت أنواع مختلفة للخشب في الصّليب طبقا لنوايا التّدبير الإلهى. رأيت الملائكة التي ألزمت هؤلاء الرّجال بإكمال عملهم، ولم يتركوهم يستريحون، حتى تم كل شئ بأسلوب صحيح؛ لكن تذكري لهذه الرّؤيا غَيْر متميِّز‏
  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:43 PM   رقم المشاركة : ( 36 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل الخامس والعشرون
اعتقال يسوع في سّجن تحت الأرض
أودع اليهود يسوع سجن صغير، بعد ما استنزفوا همجيتهم تماما، ليبقى فيه حتى الصباح. لازمه اثنان من الحراس، وقد استبدلوا باثنين آخرين فيما بعدً. لقد كان ما زال يرتدى العباءة القذرة القديمة، ومُغطّى بالبصاق والقاذورات الأخرى التي القوها عليه؛ لأنهم لم يسمحوا له أن يرتدى ملابسه ثانية، بل أبقوا يديه مُقيدتين بأحكام معاً.
عندما دخل يسوع هذا السّجن، صلّى بأكثر توهج لأبيه السّماوي أن يقبل كل ما يعانيه، وكل ما هو عتيد أن يعانيه كذبيحة كفارية، ليس فقط أن يقبل عذاباته، بل أيضاً عذابات كل الذين عليهم أن يتألمون في العصور التالية مثلما قد تألم هو، ويكونوا مُجربين بنفاد الصبر أو بالغضب.
لم يسمح أعداء الرب له بلحظة راحة، حتى في هذا السّجن الكئيب، بل قيدوه إلى عمود منتصب في وسطه، ولم يسمحوا له أن يتّكئ عليه، على الرغم من أنه كان مستنزفاً تماما من المعاملة السيئة ومن ثقل سلاسله وسقوطه العديد، حتى أنه كان يستطيع بالكاد أن يسند نفسه على قدميه المتورمتان والممزّقتان. لم يتوقفوا للحظة عن أهانته؛ وعندما تعبت المجموعة الأولى، أبدلوها بأخرى .
من المستحيل تماما أن أصف كل ما عاناه قدوس القديسين من هذه الكائنات القاسية؛ لأن المنظر أثّر فيّ جدا حتى أنى أصبحت مريضة حقا، وشعرت كما لو أننى لست أستطيع أن أحيا آلامه. نحن يجب أن نخجل حقاً من ذلك الضّعف الذي يجعلنا عاجزين عن أن نستمع برباطة جأش لأوصاف تلك الآلام التي تحملها الرب بشكل هادئ جداً وبصبر من أجل خلاصنا أو التكلّم عنها. إنّ الرّعب الذى نشعر به عظيم مثل رعب ذلك القاتل الذي يُجبر على أن يضع يديه على الجراح التى أوقعها هو بنفسه على ضحيّته. لقد تحمّل يسوع كل شئ دون أن يفتح فاه؛ أنى أنا أيضاً آثمة عظيمة، وآثامي تسبّبت فى هذه الآلام. فى يوم الدينونة، عندما ينكشف المستور، نحن سنرى النصيب الذى قد تسببنا فيه من العذاب الذى تحمّله ابن الرب؛ سنرى كم كثيراً قد تسبّبنا فيها من قبل الآثام التى نرتكبها بشكل متكرر، وأنها في الحقيقة، شكل من أشكال الموافقة التي نبديها والاشتراك الفعلي في العذاب الذي لاقاه يسوع من قبل أعدائه القساة. إن تأملنا بجدية فى هذا، نحن يجب أن نكرّر بأعظم تأجّج الكلمات الذي نجدها في كتب الصّلاة : " إلهى، هبني أن أموت، بدلا من أهينك مرة أخرى بالخطيئة."
استمرّ يسوع يصلّي من أجل أعدائه، ولكونهم تعبوا تركوه أخيرا في سّلام لوقت قصير، عندما اتّكأ على العمود ليستريح، أشرق حوله نور ساطع. كان النهار قد بدأ يلوح، إنه نهار يوم آلامه، أنه يوم فدائنا، واخترق شعاع ضعيف فتحة ضّيّقة فى السّجن، سقط على الحمل المقدّس الذي بلا عيب، الذي اخذ على نفسه كل آثام العالم. التفت يسوع نحو شعاع النور ورفع يديه المكبلتين، وبأسلوب بغاية التأثر، قدم الشكر لأبيه السّماوي لأجل فجر ذلك اليوم، ذلك الفجر الذي اشتاقت إليه الأنبياء طويلاً، والذي أشتاق هو إليه بحماس منذ لّحظة ميلاده على الأرض والذي أشار إليه لتلاميذه عندما قال لهم: " لِي مَعْمُودِيَّةً عَلَيَّ أَنْ أَتَعَمَّدَ بِهَا، وَكَمْ أَنَا مُتَضَايِقٌ حَتَّى تَتِمَّ ؟ " لقد صلّيت معه؛ لكنى لا أستطع أن أتذكر كلمات صلاته، لأني كنت مُنهكة بالكامل، ومتأثرة بسماعه يقدم الشكر لأبيه عن الآلام الفظيعة التي يتحمّلها بالفعل من أجلي، ولأجل أعظم الآلام التي كان على وشك أن يتحمّلها. لقد استطعت فقط أن أكرّر مرارا وتكرارا بأعظم تّأجّج : " إلهى، أتوسّل إليك, أعطني هذه الآلام؛ أنها تخصني أنا؛ إنى استحقها كعقاب عن آثامي " لقد أنهكت تماما بمشاعر الحبّ والحنان عندما نظرت كم أنه يرحب بفجر يوم تضحيته العظيم، وذلك الشعاع الذي اخترق سجنه ربما يكون مُماثلا لزيارة القاضي الذي يرغب أن يتصالح مع مجرم قبل أن تنفذ فيه عقوبة الموت التي قد أصدرها ضده .
استيقظ الحراس، الذين كانوا مغلوبين بالنعاس‏، للحظة ونظروا إليه بدهشة: لم يقولوا شيئاً، بل بدوا متعجّبين وخائفين. لقد سُجن يسوع في هذا السّجن حوالي ساعة.
  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:44 PM   رقم المشاركة : ( 37 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

تأمل الرب يسوع


تأملوني في السّجنِ حيث قضيت جزءَ من اللّيلِ. أُهانني الجنود بالكَلِماتِ والأفعالِ، لقد كانوا يَدْفعوني ويَضْربوني وسْخروا من حالي كإنسان .
بقرب الفجر، سئموا مني، فتَركوني وحيداًَ مُقيداً في غرفة مُظلمةِ، رطبة وذات رائحة كريهةِ، مليئة بالجرذانِ. لقَدْ قيدوني بطريقة بحيث كَانَ لِزاماً علّي أَنْ أقف أو أجلس على صخرةِ مدبّبةِ كَانتْ هى كل ما أعطوه لى كمقعدِ. جسدى المتَوَجُّع قَدْ تخُدّرَ تقريباً من البردِ. تَذكّرتُ آلافَ المرات التي دثرت فيها أمي جسدي، تُغطيني عندما أكُونْ فى حاجة للدفء .. فبكيت .
فلنُقارنُ الآن بين الهيكل والسّجنِ، وقبل كل شئ، بين السجن وقلوبِ البشر. فى السّجنِ قضيت ليلهَ واحدة.... كم عدد اللّيالي التى أقضيها في الهيكل ؟
فى السجنِ الجنودِ الذين كَانواَ أعدائي, جَرحوني؛ أما في الهيكل فأُعاملُ بشكل سيئ وأهانَ من قبل نفوس تَدْعوني أباها. فى السّجنِ كُنْتُ حزينَاً وخجلاناً، جوعاناً ونعساناً وبردَاناً، متَوَجُّعا ووحيداً ومهجوراً. لقد كنت أستطيع أَنْ أري، على مدى الزمنِ، كيف في كثير جداً من الهياكل لَنْ يَكونَ عِنْدَي كساء الحبِّ. كثير جداً من القلوبِ الباردةِ سَتَكُونُ لي مثل هذه الصّخرةِ التى في السّجنِ!
كثيراً جداً من المرات سَأكُونُ عطشان للحبِّ، عطشان للنفوس! أياماً كثيرة جداً انتظر أن تَزُورني نفس، أن تلاقيني في قلبها لأننى قضيت اللّيل كله وحيداً وقَدْ فَكّرتُ فى تلك النفس من أجل أَنْ تَرْوي عطشي! مرات كثيرة جداً أَشتاقُ لأحبائي، أشتاق لوفائهم ولكرمهم!
هَلْ يَعْرفونَ كيف يُهدّئون هذا الشّوقِ؟ عندما يكون عليهم أَنْ يتألموا يسيراً، هل سَيَعْرفونَ أَنْ يُقولوا لى : " أنْ نَكُونَ معك في وحدتكَ, فهذا سيُساعدكُ على أَنْ تُهدّئَ حزنكَ" ؟. وأه ! ليتكم على الأقل تتحدوا معى, وطالما أنكمَ تَواسون قلبي، فأنكمَ ستطوقونه بالكامل بالسّلامِ وسيتُقَوَّى.
فى السّجنِ شَعرتُ بالخجل عندما سَمعتُ الكَلِماتَ المروّعةَ التي قِيلتْ عنيّ، وذلك الخجل نَما عندما رَأيتُ أن هذه الكَلِماتِ نفسهاِ سَتُكرّرهاُ النفوس الحبيبةِ.
عندما صفعتني وضَربتني تلك الأيادي، رَأيتُ كيف أنه فى كثير من المرات سَأكُونُ مصفوعاً ومضُروباً مِن قِبل كثير جداً من النفوس التي بدون أن تُطهر نفسها من الخطيئةِ، بدون أن تُنظّفُ مسكنها بالاعتراف الجيدِ، تتناولني. رأيت أن تلك الآثامِ المألوفةِ ستَضْربني مراراً وتكراراً, رأيت عندما سيجْعلونني اَنْهضُ بدَفْعي، بَكُونُي بلا قوةَ وبسبب السّلاسلَ التى تقيدني، سْأسقطُ على الأرض. رَأيتُ كيف أن كثير جداً من النفوس التى تقيدني بسلاسلِ الجحودِ، ستَتْركني اَسْقطُ على الأحجارِ مُجدّدينُ خزيي ومُطيلُين وحدتي.
تأمّلواُ يا نفوسى المُختَاَرة، تأمّلواُ عريسكم في السّجنِ. تأمّلوني فى تلك الليلةِ واعلموا أن هذه الآلام تطولُ في عزلة كثير جداً من الهياكلِ، تطول هذه الليالي في برودةِ كثير جداً من القلوبِ.
إن أُردتم أَنْ تَعطوني برهان عن محبّتكمَ، اَفْتحُوا لى قلوبكمَ لأستطيع أَنْ اَجْعلها سجني. قيدوني بسلاسلِ محبّتكَم. غطوّني برقتكم؛ غذّوني بحنانكم. أروْا عطشي بتوهجكم. واسوا أحزاني ووحدتي بمشاركتكَم الأمينة. اجعلْوا خزيي يَختفي بنقاوتكمَ وبنواياكمَ الصّادقةِ. إن كنتم تُريدوا أَنْ أستَريحَ فيكم، تجنّبُوا صخب أهوائكم وفي صمتِ نفوسكم، أنا سَأَنَامُ بسلام .
من وقت لآخر سَتَسْمعُون صوتي يُخبركمَ بهدوء: يا عروسي، أنك الآن موضع راحتي، سَأكُونُ أنا موضع راحتك إلى الأبد. إليكم، يا من تُزوّدني بقلوبكم كسجن بكثير من التكريسِ والحبِّ، أنى أَعدُكم أنّ أجركم سيكون بلا حدودُ، والتّضحيات التى أديتموها من أجلي خلال حياتكَم لَنْ تجعلكم فى الموازين لأسفل .
عندما كنت في السّجنِ رَأيتُ المقتدين بآلامى يَتعلّمونَ منى وداعتي، يتعلمون صبري وسكوني. ليس فقط بقبول الآلام والازدراء، بل مُحبين حتى الذينََ يَضطهدونهم، وأن اقتضى الأمر، يَضحّون بأنفسهم من أجلهم كما ضَحّيتُ أنا بنفسي.
خلال ساعات العزلة تلك وفي غمرة كثير من الآلام، صرت متوهجاً أكثر فأكثر برغبتى فى إكمال إرادة أبى بالتمام. . هكذا قدمت نفسي لأصلح مجده المُهان بعمق! هكذا أنتم آيتها النفوس التقية, الذين تجدوا نفوسكم في سّجن اختياري من أجل المحبة، أكثر من مرة ستكونون في أعين الآخرين كمخلوقات بلا فائدة ومن المحتمل مخلوقات ضارّة، لا تخافوا. دعوهم يصيحون ضدكم, وخلال ساعات الألم والعزلة تلك, وحدوا قلوبكم بحميه مع إلهكم، مع موضوع محبتكم الوحيد. كفروا لأجل مجده المهان من قبل كثير جداً من الآثام.
بينما كان يسوع في هذه الزّنزانة، يهوذا، الذي كان يتجوّل أعلى وأسفل وادي هنون كالمجنون، توجه نحو دار قيافا بالثلاثين قطعة فضة، مكافأة خيانته، التى كانت ما زالت مُعلقة على خاصرته. كل شئ حوله كان صامتاً، وتوجه إلى بعض الحراس، دون أن يتركهم يعرفون من هو، وسألهم عما حدث للجليلي. كانت الإجابة : " لقد أدين بالموت، وسيصلب بالتأكيد ". مشي يهوذا ذهابا وإيابا، واستمع إلى الأحاديث المختلفة التي تختص بيسوع. البعض تكلّم عن المعاملة القاسية التى نالها، تكلم آخرون عن صبره العجيب، بينما آخرين، ثانية، ناقشوا باهتمام المحاكمة المهيبة التي ستحدث في الصّباح أمام المجلس العظيم.
بينما كان الخائن يستمع بلهّفة إلى الآراء المختلفة، أشرق النهار؛ شرع أعضاء المحكمة فى استعداداتهم، وانسلّ يهوذا خلف البناية لكى لا يراه أحد، لأنه مثل قايين طلب أن يخفي نفسه عن أعين البشر، وبدأ اليأس يدب فى نفسه. الموضع الذي اتخذه كمخبأ صادف وكان نفس البقعة التى كان العمّال يعدّون فيها الخشب لصنع صليب يسوع؛ كل شئ كان مُعداً، والرّجال كانوا نائمين بجانبه. امتلأ يهوذا بالرّعب من المنظر: ارتجف وهرب عندما نظر آداه ذلك الموت القاسي الذي أسلّم إليه إلهه وسّيده لقاء مبلغ تافه من المال؛ جرى ذهابا وإيابا في آلام مُبرِّحة‏ من النّدم، وأخفى نفسه أخيرا في مغارة مجاورة، حيث صمّم على أن ينتظر المحاكمة التي كانت ستحدث في الصّباح
  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:44 PM   رقم المشاركة : ( 38 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل السادس والعشرون

محاكمة الصّباح


تجمّع قيافا وحنان والشيوخ والكتبة مرة أخرى في الصّباح في القاعة الكبيرة ليعقدوا محاكمة قانونية، لأن اجتماعات الليل لم تكن قانونية، ويمكن فقط أن تنظر التمهيد للمحاكمة. نام أغلب الأعضاء في دار قيافا، حيث أُعدت لهم الأسرّة، لكن البعض ومن بينهم نيقوديموس ويوسف الرامى عادوا لمنازلهم ثم عادوا فجر اليوم. كان الاجتماع حاشدا، وشرع الأعضاء فى مهمتهم بأسرع ما يمكن. لقد رغبوا أن يدينوا يسوع بالموت فى الحال، لكن نيقوديموس ويوسف الرامى، وبعض الآخرين عارضوا رغباتهم وطلبوا أنّ يرجئ القرار إلى ما بعد العيد، خوفاُ من التسبب فى تمرد بين الشعب، مؤكدين أيضاً أنهّ لا يمكن أن يُحاكم مُتهم بعدل باتهامات لم تثبت، وأنه في الحالة التى أمامهم الآن فأن كل الشّهود يناقضون بعضهم البعض. أغتاظ كبار الكهنة والموالون لهم وقالوا ليوسف الرامى ولنيقوديموس بكلمات بسيطة، إنهم لم يندهشوا للاستياء الذى أظهراه في السابق، لأنهما مواليان للجليلي ولتعاليمه، وإنهما يخشيان أن يدان. نجح رئيس الكهنة فى أن يُبعد من المجلس كل الأعضاء الذين لديهم أدنى دّرجة من التعاطف مع يسوع. احتج هؤلاء الأعضاء بأن غسلوا أياديهم من كل إجراءات المجلس وتركوا القاعة وذهبوا إلى الهيكل، ومنذ هذا اليوم لم يشغلوا مقاعدهم مرة أخرى في المجلس.

أمر قيافا الحرّاس أن يُحضروا يسوع مرة أخرى أمامه، وأن يعدّ كل شيء لأخذه مباشرة إلى محكمة بيلاطس لأنه يجب أن يعلن العقوبة. أسرع الحرس إلى السّجن، وبوحشيتهم المعتادة حلّوا وثاق يدي يسوع، نزعوا العباءة القديمة التي كانت قد تركوها على كتفيه وجعلوه يضع عباءته، وجروه خارج السّجن بعدما ربطوا الحبال حول خصره. عندما عبر يسوع خلال الحشود التى تجمّعت عند مدخل الدّار، كان منظره كمنظر ذبيحة تُقاد للذبح؛ تغيّرت معالمه بالكلية وتشوّهت من المُعاملة القاسية، ملابسه تلطّخت وتمزّقت؛ لكن منظر آلامه كان بعيداً عن إثارة الشعور بالشّفقة في قلوب اليهود القاسية الذين امتلئوا بالاشمئزاز وزاد هياجهم. حقا أن الرحمة كانت شعوراً غير معروف في صدورهم القاسية.
خاطب قيافا يسوع دون أن يبذل أدنى جهد ليخفي كراهيته قائلا: " إن كنت أنت المسيح، قل لنا ذلك صراحة. " حينئذ رفع يسوع رأسه وأجاب بوقاره وهدوئه العظيم : " إن قلت لكم، فإنكم لن تصدقوني؛ وإن سألتكم، فإنكم لن تجيبوني ولن تطلقوني. إلا أن ابن الإنسان سيجلس من الآن على يمين قوة الرب. " نظر رؤساء الكهنة كل منهم للآخر، وقالوا إلى يسوع بازدراء : " أأنت إذن ابن الرب؟ " أجاب يسوع بصوت الحق الأزلى قائلاً: " أنتم قلتم أنى أنا هو " بهذه الكلمات صاحوا جميعا " ما حاجتنا بعد لأي شهادة أخرى؟ فأننا قد سمعنا ذلك بأنفسنا من ذات فمه "
نهضوا جميعا فى الحال ونافس كل منهم الآخر فى أهالة أردأ الصّفات على يسوع، الذى دعوه فاجراً ووضيع المَوْلِد‏، الذي يطمح فى أن يكون مسيحهم المنتظر، ويزعم أنه مؤهّل لأن يجلس على يمين الرب. لقد أمروا الحراس أن يربطوا يديه ثانية وأن يربطوا سلسلة حول رقبته ، وحينئذ استعدّوا لأن يقتادوه إلى بيلاطس، حيث أرسلوا إليه رسولاً بالفعل ليستجدونه أن يُعد كل شئ لمحاكمة مجرم، كما أنه من الضروري ألا يتأخر بسبب يوم العيد.
همهم اليهود بين أنفسهم أنه لابد أن يقدّم إلى الحاكم الرّوماني لتأكيد عقوبتهم، لأن ذلك كان ضرورياً، حيث أنه لم يكن لهم الحق فى مًحاكمة المجرمين باستثناء الأمور التى تتعلق بالدين والهيكل فقط، وإنهم لا يستطيعون أن يُجيزوا عقوبة الموت. لقد رغبوا أن يثبتوا له أنّ يسوع عدو للإمبراطورية، وهذا الاتهام كان يخص أمور تحت نطاق سُلطة‏ بيلاطس.
اصطف الجنود أمام الدّار، محاطين بحشود كبيره من أعداء يسوع ومن العامة الذين انجذبوا بدافع الفضول. سار رؤساء الكهنة وجزء من أعضاء المجلس على رأس الموكب، ثم يسوع يقتاده الحراس بالإضافة لبعض الجنود الذين يتبعونهم، بينما سار الغوغاء فى الخلف فى المؤخّرة. كان عليهم أن ينحدروا من جبل صهيون، ويجتازوا الجزء المنخفض من المدينة ليصلوا إلى قصر بيلاطس، وذهب عديد من الكهنة الذين حضروا المجلس إلى الهيكل مباشرة بعد ذلك، للاستعداد للعيد .
  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:45 PM   رقم المشاركة : ( 39 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

الفصل السابع والعشرون
يأس يهوذا



بينما كان اليهود يقتادون يسوع إلى بيلاطس، سار يهوذا الخائن بالقربً منهم ليستمع لأحاديث الحشود التي تتبعه، فسمع هذا الحديث : " إنهم يأخذونه أمام بيلاطس؛ لقد أدان رؤساء الكهنة الجليلي إلى الموت؛ أنه سيصلب؛ إنهم سيتمّمون موته؛ لقد أساءوا معاملته بشكل مخيف؛ أن صبره غير عادى؛ أنه لم يجب بكلمة؛ كلماته الوحيدة هى أنّه هو المسيح المنتظر، والذي سيجلس على يمين الرب؛ إنهم سيصلبونه بسبب تلك الكلمات؛ لو لم يقل تلك الكلمات لما كان ممكن أن يدينوه إلى الموت. إن الفاجر الذي باعه كان أحد تلاميذه، ومنذ وقت قليل كان يأكل الفصح معه؛ لا يوجد فى مجتمعات البشر ما يجعلنى مضطراً لأتيان مثل هذا العمل الذى آتاه؛ مهما كان هذا الجليلى مذنباً، فإنه في كل الأحوال لم يبع صاحبه من أجل المال مثلما فعل هذا الشخص الكريه, إن أمثال هذا الرجل ليستحقون ما هو أكثر من الموت. " حينئذ استولي الألم واليأس على يهوذا. حثه الشيطان على الهرب. فهرب كما لو أن عاصفة في أعقابه، والكيس الذى كان معلّقا علي جانبه كان يضربه أثناء جريانه ويدفعه كالمهماز؛ فأخذه في يدّه ليتجنب ضرباته. هرب بأسرع ما يمكن، لكن إلى أين يهرب ؟ هل نحو الحشود؟ هل يلقي بنفسه تحت قدمي يسوع، مُخلصه الرّحيم، يناشده غفرانه، ويستجدى أن يموت معه؟ كلا, إنه لم يعترف بذنبه ولم يتوب توبة حقيقية أمام الرب، بل كان يسعي أن يحرر نفسه مِن عِبء‏ جريمته أمام العالم ومن ثمن خيانته.
جاء يهوذا إلى الهيكل، حيث تجمع أعضاء المجلس معاً بعد محاكمة يسوع. نظر كل منهم للآخر بدّهشة؛ وبعد ذلك أداروا وجوههم المتغطرسة بابتسامة سّاخرة. مزّق يهوذا بإيماءة هائجة حافظة الثّلاثين قطعة فضة من جنبه، وحملها بيدّه اليمنى، صاح بلهجة يائسة : " استردّوا فضتكم, تلك الفضّة التى رشوتموني بها لأسلم هذا الرجل البار؛ استردّوا فضتكم؛ أطلقوا سراح يسوع؛ إن اتفاقنا ملغى؛ لقد أثمت لأنى قد أسلمت دماً بريئاً." . أجابه الكهنة بأسلوب حقير، وكما لو كانوا خائفين من أن يلوثوا أنفسهم بلمس مكافئة الخيانة، لم يمسّوا الفضة، بل أجابوا : " ماذا علينا أن نفعل بخطيئتك ؟ إن كنت تعتقد أنك أسلمت دماً بريئاً، فإن ذلك شأن يخصك؛ لكننا نعرف ما دفعنا من أجله، ولقد حاكمناه وأنه لمستوجب الموت. إليك مالك ولا تقل شيئاً آخر " لقد خاطبوه بهذه الكلمات بنّغمة فظّة ليتخلّصوا منه، فنهض على الفور وانصرف. ملأت هذه الكلمات يهوذا بالغضب واليأس حتى أنه صار شديد الاهتياج‏؛ شق الحقيبة التي تحتوي الثّلاثين قطعة فضة، وألقاها في الهيكل، وهرب إلى أطراف المدينة.
رأيته مرة أخرى يسرع ذهابا وإيابا كالمجنون في وادي هنوم: كان إبليس بجانبه في شكل قبيح، يهمس في أذنه، ساعياً أن يسوقه إلى اليأس، تتبعه كل اللّعنات التى صبها الأنبياء على هذا الوادي، حيث ضحّى اليهود بأولادهم سابقاً إلى الأصنام.
بدت وكأن كل هذه اللعنّات تُنصب عليه، كما لو أن مثل هذه الكلمات، قيلت له : " ثُمَّ يَمْضُونَ لِمُشَاهَدَةِ جُثَثِ الرِّجَالِ الَّذِينَ تَمَرَّدُوا عَلَيَّ، لأَنَّ دُودَهُمْ لاَ يَمُوتُ وَنَارَهُمْ لاَ تَخْمَدُ. وَيَكُونُونَ مَثَارَ اشْمِئْزَازِ جَمِيعِ النَّاسِ” .
ثم همس الشّيطان : " قايين أَيْنَ أَخُوكَ هَابِيلُ؟ مَاذَا فَعَلْتَ؟ إِنَّ صَوْتَ دَمِ أَخِيكَ يَصْرُخُ إِلَيَّ مِنَ الأَرْضِ. َمُنْذُ الآنَ، تَحِلُّ عَلَيْكَ لَعْنَةُ الأَرْضِ الَّتِي فَتَحَتْ فَاهَا وَابْتَلَعَتْ دَمَ أَخِيكَ الَّذِي سَفَكَتْهُ يَدُكَ, وَتَكُونُ شَرِيداً وَطَرِيداً فِي الأَرْضِ "
وعندما رأى مجرى قدرون بجبل الزيتون، ارتجف، استدار، ومرة أخرى دوت هذه الكلمات فى أذنيه : يا صاحب، لماذا أتيت ؟ يهوذا, أتسلم ابن الإنسان بقبلة؟ " ملأ الرعب نفسه، رأسه بدأت تترنح، وهمس العدو مرة أخرى فى أذنيه : " لقد عبر داود وادي قدرون هنا عندما هرب من أبشالوم. الذى أنهى حياته بشنق نفسه. وأنه عنك ما تكلم به داود عندما قال :" يُجَازُونَنِي شَرّاً مُقَابِلَ خَيْرِي، وَبُغْضاً بَدَلَ حُبِّي. وَلِّ عَلَى عَدُوِّي قَاضِياً ظَالِماً، وَلْيَقِفْ خَصْمُهُ عَنْ يَمِينِهِ يَتَّهِمُهُ جَوْراً. عِنْدَ مُحَاكَمَتِهِ لِيَثْبُتْ عَلَيْهِ ذَنْبُهُ، وَلْتُحْسَبْ لَهُ صَلاَتُهُ خَطِيئَةً. لِتَقْصُرْ أَيَّامُهُ وَلْيَتَوَلَّ وَظِيفَتَهُ آخَرُ. لِيَتَيَتَّمْ بَنُوهُ وَتَتَرَمَّلْ زَوْجَتُهُ. لِيَتَشَرَّدْ بَنُوهُ وَيَسْتَعْطُوا، وَلْيَلْتَمِسُوا قُوتَهُمْ بَعِيداً عَنْ خَرَائِبِ سُكْنَاهُمْ. لِيَسْتَرْهِنِ الْمُدَايِنُ كُلَّ مُمْتَلَكَاتِهِ، وَلْيَنْهَبِ الْغُرَبَاءُ ثِمَارَ تَعَبِهِ. لِيَنْقَرِضْ مَنْ يَتَرَاءَفُ عَلَيْهِ، وَلْيَنْقَطِعْ مَنْ يَتَحَنَّنُ عَلَى أَيْتَامِهِ. لِيَنْقَرِضْ نَسْلُهُ وَلْيُمْحَ اسْمُهُمْ مِنَ الْجِيلِ الْقَادِمِ. لِيَذْكُرِ الرَّبُّ إِثْمَ آبَائِهِ، وَلاَ يَغْفِرْ خَطِيئَةَ أُمِّهِ. لِتَمْثُلْ خَطَايَاهُمْ أَمَامَ الرَّبِّ دَائِماً كَيْ يَسْتَأْصِلَ مِنَ الأَرْضِ ذِكْرَهُمْ. لأَنَّهُ تَغَافَلَ عَنْ إِبْدَاءِ الرَّحْمَةِ، بَلْ تَعَقَّبَ الفَقِيرَ الْمُنْسَحِقَ الْقَلْبِ، لِيُمِيتَهُ. أَحَبَّ اللَّعْنَةَ فَلَحِقَتْ بِهِ، وَلَمْ يُسَرَّ بِالْبَرَكَةِ فَابْتَعَدَتْ عَنْهُ. اكْتَسَى اللَّعْنَةَ كَرِدَاءٍ، فَتَسَرَّبَتْ إِلَى بَاطِنِهِ كَالْمِيَاهِ وَإِلَى عِظَامِهِ كَالزَّيْتِ. فَلْتَكُنْ لَهُ كَرِدَاءٍ يَتَلَفَّعُ بِهِ، وَكَحِزَامٍ يَتمَنَطَّقُ بِهِ دَائِماً. هَذِهِ أُجْرَةُ مُبْغِضِيَّ مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ، النَّاطِقِينَ شَرّاً عَلَى نَفْسِي"
ركض يهوذا مغلوّباً بهذه الأفكار الفظيعة، ووصل سفح الجبل. إلى بقعة مقفرة, كئيبة، ممتلئة بالقمامة والبقايا الفاسدة؛ صمت أصوات من المدينة آذنيه، وكرر الشيطان باستمرار : " إنهم على وشك أن يميتوه؛ لقد بعته. ألست تعرف كلمات الشريعة : " إِذَا خَطَفَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَحَد أِخْوَتِهِ وَاسْتَرَقَّهُ وَبَاعَهُ، يَمُوتُ الْخَاطِفُ. فَتَجْتَثُّونَ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ. " ؟ ضع حداً لبؤسك أيها التعس ؛ ضع حداً لبؤسك " مزّق يهوذا حزامه مغلوباً باليأس وعلّق نفسه على شجرة نمت في شق بين الصّخور، وبعد موته تمزق جسده أرباً، وتبعثرت أشلاؤه.
  رد مع اقتباس
قديم 07 - 11 - 2012, 04:45 PM   رقم المشاركة : ( 40 )
Magdy Monir
..::| VIP |::..

الصورة الرمزية Magdy Monir

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 12
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر : 58
الـــــدولـــــــــــة :
المشاركـــــــات : 51,017

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Magdy Monir غير متواجد حالياً

افتراضي

تأمل الرب يسوع


بعد أسلمني يهوذا في بستان الزّيتونِ، هام على وجهه بعيداً وجرى كهاربِ دون أن يَقوى على إسكاتَ صيحات ضميره الذى أنبه على أبشع تدنيس للمقدسات, وعندما بلغت آذانه أخبار الحكم بموتي، استسلمَ لليأسِ وشنق نفسه.
من يستطيع أَنْ يَفْهمَ ألام قلبي الحادة عندما رَأيتُ تلك النفس تلقى بنفسها إِلى دينونة أبديةِ؟ وهو من قضى ثلاث سَنَوات في مدرسةِ محبّتي مُتعلماً مبادئي، مُتلقياً تَعاليمي، وكثيراً ما أستمعً من شفاهي غْفرانى لأعظم المذنبين .
يهوذا! لماذا لم تَجيءُ وتَلقى بنفسك عند أقدامى لأغْفرُ لكَ؟ إن كنت لا تَتجاسرُ أَنْ تَجيءَ بقربي خوفاً من أولئك الذينِ يُحيطون بي ويُعاملونني بغاية السوء، على الأقل أَنْظرُ إلىّ وأنتَ سَتَرى كيف سَتَنْظرُ عيناى إليك فوراًِ.
أحبائي، يا من تورطتم في أعظمِ الأثام.....إن عشتم بعض الأوقات تائهين كلاجئين بسبب جرائمكَم، إن أعمتكم الآثامَ التى أذنبتم بها وقست قلوبكمَ، إن كنتم باتِّباعِ بعض أهوائكم قَدْ سَقطتَم في أعظمِ اضطراب، لا تَسْمحُوا لليأس أَنْ يسود عليكم عندما يترككم شركاء خطيئتكَم وتُدرك نفوسكم ملامتها. طالما أن الإنسان لدية لحظةُ حياةِ، فهو ما زالَ عِنْدَهُ وقتُ كى يُنشدَ رحمتي وأن يلتمس مغفرتي.
إن كانت فضائحُ حياتكمِ الماضيةِ قد تَركتكمِ في حالة إذلالِ أمام البشر، فلا تخافوا! حتى عندما يحتقركم العالم، عندما يُعاملكَم كأناس أشّرار، عندما يُهينكمَ ويَهْجركَم، تأكدوا أن إلهكمَ لا يُريدُ أنْ تَكُونَ نفوسكم وقوداً لنيران جهنمِ. إنه يُريدكَم أَنْ تتجرءوا وتَتكلّمَون معه، أَنْ تُوجهوا نظراتكمَ وتنهداتَ قلوبكمِ نحوه، وسَتَرون فوراً أن يدّه الرّحيمة والأبوية ستَقُودكِم نحو ينبوع المغفرة والحياةِ.
إن كنتم بدافع الحقدِ قَدْ قضيتم أعظم جزء من حياتكمَ في فوضىِ ولامبالاة، والآن بدنوكم قُرْب الأبدية، يُريدُ اليأس أَنْ يُعصّبَ أعينكَم، فلا َتْدعوه يَخْدعكَم. مازال هناك وقّتُ للمغفرةِ. استمعْوا باهتمام: إن لم يكن لديكم سوى لحظة من الحياةِ، اَستغلّوها لأنكم تستطيعوا أَنْ تَكْسبونَ الحياة الأبدية خلال تلك اللحظة.
إن كانت حياتكم قَدْ مرت في جهلِ وفي خطاياِ، إن كُنْتَم قد سببَتم أعظم أذىِ للبشر وللمجتمعِ وحتى للدّينِ، ولأي سببِ أدركتُم خطياكمَ، لا تَسْمحُوا لنفوسكم أنْ تُسقَطُ بثقل العيوبِ ولا مِن قِبل الأذىِ الذي قَدْ كُنْتمَ أداته. بل بالعكس، اَسْمحُوا لنفوسكم أنْ يُختَرقُها أعمق حُزنِِ، غَطّسْوا نفوسكم تحت رعايةَ من يُنتَظِركمِ دوما كى يَغْفرَ لكَم والتفتوا نحوه.
نفس الشيء يصدق على النفوس التى قَدْ قضت سَّنَوات حياتها الأولى في مراعاة وصاياي بأمانة، لكن قليلاً قليلاً سَقطتَ من التّأجّجِ إلى حياةِ فاترةِ ومريحة .ِ
أن النفوس التى تنال يوماً ما هزة قوية لتوقظها، فتَرى فجأة أن حياتها بلا فائدة، فارغة وبلا استحقاق للأبدية. يُهاجمها الشّيطان بغيرةِ لعينة بطرق عديدة، يُبالغُ فى عيوبها. يُلهمُ فيها الحزنَ والقنوطِ، وفى النهاية يَسُوقها نحو الخوفَ واليأس.
أحبائي, يا من تنتمون إليّ، لا تَنتبهواُ إلى هذا العدوِ القاسي. بمجرد أن تَشْعرواُ بحركةَ النّعمةِ في بِدايةِ معركتكمِ، تعالوا إِلى قلبي. اشعرواْ ورَاقبواْ كيف أنه يَسْكبُّ قطرات منَ دماه على نفوسكِم، وتعالوا إليّ. أنتم ستَعْرفون أين أنا، أنا تحت ستار الإيمانِ.... ارفعوه وبإيمان كاملِ أخبروني عن كل أحُزانكمَ، أخبروني عن تعاستكَم وسقوطكمَ ....استمعوا لكَلِماتي بثقة ولا تَخَافُوا من ماضيكِم. أن قلبي قَدْ غَطّس ماضيكم في أعماقِ رحمتي الغير محدودة ومحبّتي.
إن حياتكمَ الماضية سَتَعطيكِم التواضع الذي سَيَمْلأكَم. وإن أردتم أَنْ تَعطوني أفضل برهان عن الحبِّ، آمنوا وثقوا بي واعتمدوا على مغفرتي. آمنوا أنّ آثامكَم لَنْ تَكُونَ أعظمَ من رحمتي اللانهائيةِ.
لا تَخفون أي شئ مما أُخبرتكمَ به، لأنه لفائدةِ الإنسانيةِ جمعاء. كَرّروه في وضح النهارِ؛ أَوصوا به إِلى أولئك الذينِ يُريدونُ حقاً أَنْ يَسْمعوه.


  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
آلام المسيح وقيامته التي تنبأت بها الكتب المقدسة
حقائق صادمة جدّاً عن آلام السيد المسيح وقيامته
شاهد عيان أمام مديرية القاهرة: الانفجار أطاح بنا من فوق كراسي المقهى
آلام المسيح وصلبه وقيامته: جوهر البشارة
شاهد عيان بالخصوص :مدير أمن القليوبية هددنا وحاول اعتقال الأقباط المتواجدين أمام الكنيسة


الساعة الآن 10:59 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024