منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05 - 10 - 2022, 10:10 AM   رقم المشاركة : ( 31 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,267,491

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

قداسة البابا شنودة الثالث

- بين الصمت والكلام



كثيرًا ما يتحير الإنسان: أيهما أفضل: أن يصمت أم أن يتكلم؟ وهكذا عليه أن يحدد موقفه بين الصمت والكلام.
فضيلة الصمت:
نلاحظ أن غالبية القديسين قد فضلوا الصمت، واضعين أمامهم قول الحكيم: "كثرة الكلام لا تخلو من معصية". وفى ذلك قال القديس أرسانيوس -معلم أولاد الملوك- عبارته المشهورة:
"كثيرًا ما تكلمت فندمت.. وأما عن سكوتي، فما ندمت قط".
ومن أجل هذا صلى داود النبي قائلًا: "ضع يا رب حافظًا لفمي، بابًا حصينًا لشفتي".. وقال الوحي الإلهي: "الاستماع أفضل من التكلم".

وما أكثر ما تحدثت الكتب الروحية عن: "فضيلة الصمت" ودعت إليها، لكيما يتخلص بها الإنسان من أخطاء الإنسان وهى عديدة..
منها الكذب والمبالغة، وكلام الرياء والتملق والنفاق. ومنها التهكم، والكلام الجارح، والسب واللعن والإساءة إلى الآخرين، والتحدث بالباطل في سيرة الناس. ومنها الافتخار بالنفس والتباهي ومدح الذات ومنها الكلام البذيء، والقصص والفكاهات الخليعة، وكلام المجون. ومن أخطاء اللسان أيضًا: التجديف، وكلام الكفر، والتذمر على الله. ومنها التعليم الخاطئ، والضلالة والبدع.
ومن أخطاء اللسان أيضًا الثرثرة. لأن الله لم يخلق اللسان فينا لكي يتكلم عبثًا بلا فائدة. لكل هذا فضل القديسون الصمت..
ليس فقط، لكي يبعدوا عن أخطاء اللسان، إنما أيضًا لكي يتيح لهم الصمت فترة للصلاة والتأمل..
لأن الإنسان لا يستطيع أن يتكلم مع الله والناس في الوقت نفسه. لهذا قال الشيخ الروحاني:
(سكِّت لسانك، لكي يتكلم قلبك).
وقال مار إسحق: (كثير الكلام يدل على أنه فارغ من الداخل)، أي أن قلبه فارغ من مناجاة الله، فارغ من العمل الروحي في التأمل والصلاة..



كلام المنفعة:
يبقى بعد كل هذا سؤال هام وهو:
هل كل صمت فضيلة؟
وهل كل كلام خطيئة؟
كلا، طبعًا، فقد قال داود النبي في المزمور: "فاض قلبي بكلام صالح". إذن هناك كلام نافع ومفيد، وذلك حينما نتكلم بالصالحات.
إن الصمت حالة سلبية، بينما الكلام حالة إيجابية.
وإنما يدرب الناس أنفسهم على الصمت، حتى يتدربوا على الكلام النافع. الصمت إذن هو وضع وقائي يحمينا إن كنا نتكلم بدافع بشرى.
أما إن كان الله هو الذي يفتح شفاهنا، وهو الذي يضع كلامًا في أفواهنا، فحينئذ يكون كلامنا –لا صمتنا– هو العمل الفاضل.
كان السيد المسيح يتكلم، والناس "يتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه". والشهيد اسطفانوس تكلم فأفحم المجامع الخاطئة " ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به". وقد قال سليمان الحكيم: "فم الصديق ينبوع حياة".
وقد كان حكماء العالم يجوبون البر والبحر، لكي يسمعوا كلمة منفعة من المتوحدين والنساك في براري مصر وقفارها..
كلام المنفعة هذا، هو كلام من الله يضعه في أفوه أحبائه، ليبلغوه للآخرين، هادئًا كان أم شديدًا.
ومن كلام المنفعة: كلمة النصح لمن يحتاج إليها، وكلمة العزاء لقلب حزين، وكلمة التشجيع لناشئ أو ليائس، وكلمة التعليم لبناء النفوس، وكلمة الله للهداية والإرشاد، وكلمة البركة، وكلمة الحق وكلمة الحكمة.. الخ.
نسأل سؤالًا بعد هذا، وهو: إن كان الكلام هكذا نافعًا في بعض الأوقات.
فهل يمكن أحيانًا أن يعتبر الصمت خطيئة، تمامًا كما يحسب الكلام الشرير خطيئة؟ وهل يمكن أن ندان على صمتنا، كما ندان على كلامنا!
نعم، أحيانًا ندان على صمتنا..
إن لكل شيء تحت السماء وقتًا. وقد قال سليمان الحكيم: "للسكوت وقت، وللتكلم وقت". فإن كان للتكلم وقت، فلا شك أننا ندان إذا صمتنا فيه.
فالبار لا يتكلم حين يحسن الصمت. ويصمت حين يحسن الكلام.
إنما يعرف متى يتكلم، وكيف يتكلم. ويضع لكلامه هدفًا نافعًا روحيًا. وقد قال الحكيم: "تفاحة من ذهب، في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في موضعها".
وكثيرًا ما أمر الله الناس بالكلام، فكان يرسلهم أحيانًا للإنذار، وأحيانًا للتبشير، وأحيانًا لإعلان حقه بين الناس.
إن الله لا يكلم الناس مباشرة، وإنما يكلمهم عن طريق أحبائه من البشر. هو يريدنا أن نعلن وصاياه للناس، وقد طلب إلينا أن نكون شهودًا له على الأرض..
فإن صمتنا عن الشهادة للحق، ندان على صمتنا.
وإن صمتنا، وبصمتنا أعطينا مجالًا للباطل أن ينتشر وأن ينتصر فإننا ندان على صمتنا.
وإن قصرنا في إنذار البعض، فأضر بنفسه أو بغيره، ندان أيضًا على صمتنا.
فإن رأيت إنسانًا يسقط في حفرة وهو لا يدرى، هل تقول إن الصمت فضيلة أم تحذره؟! وإذا لم تحذره، ألا تدان على صمتك، ويطالبك الله بدم ذلك الإنسان؟
بهذا يكون هناك واجب على الرعاة أن يتكلموا، وواجب مثله على الآباء والأمهات، وعلى القادة الروحيين، وعلى المعلمين، وعلى كل من هو في مسئولية.. كل هؤلاء كلفهم الله أن يقولوا كلمة الحق، وأن يشهدوا لوصاياه في العالم.. ومثل هؤلاء يكون كلامهم أفضل من الصمت.
فليعطنا الرب أن نعرف كيف ومتى نتكلم. وليعطنا الكلمة التي تتفق ومشيئته الصالحة، والتي يعمل فيها روحه القدوس فلا ترجع فارغة، بل تثمر ثمرًا في قلوب الناس. ويرى الرب ثمار هذه الكلمة فيفرح وتفرح ملائكته، ويكون هو الذي تكلم وليس نحن.. وليتمجد الرب في صمتنا وفي كلامنا، له المجد إلى الأبد أمين.


المقال مع بعض التعديلات نُشِر مرة أخرى في وقتٍ لاحق في جريدة الأهرام يوم 1 يناير 2012

أيهما أفضل‏:‏ الصمت أم الكلام

نلاحظ أن غالبية قديسي البرية قد فضلوا الصمت. واضعين أمامهم قول سليمان الحكيم: كثرة الكلام لا تخلو من معصية. وفي ذلك أيضا قال القديس أرسانيوس معلم أولاد الملوك عبارته المشهورة: كثيرا ما تكلمت فندمت. وأما عن سكوتي فما ندمت قط.
من أجل هذا صلي داود النبي قائلًا: ضع يا رب حافظا لفمي، بابا حصينا لشفتي. وقال الوحي الإلهي: الاستماع أفضل من التكلم.
وما أكثر ما تحدثت الكتب الروحية عن فضيلة الصمت، ودعت إليها، وذلك لكي يتخلص بها الإنسان من أخطاء اللسان وهي كثيرة: منها الكذب، والمبالغة، وكلام الرياء والتملق والنفاق، ومنها التهكم والكلام الجارح، والسب واللعن والإساءة إلي الآخرين. والنميمة، والتحدث بالباطل في سيرة الناس. ومنها الافتخار بالنفس، والتباهي ومدح الذات. ومنها الكلام البذيء، والقصص والفكاهات الخليعة. وكلام المجون ومنها أخطاء الإنسان في حق الله، كالتجديف، وكلام الكفر، والتذمر علي الله، ومنها التعليم الخاطيء، والضلالة والبدع.
ومن أخطاء اللسان أيضا الثرثرة. ذلك لأن الله لم يخلق اللسان عبثا، لكي يتكلم بلا فائدة.
لكل هذا فضل القديسون الصمت... ليس فقط لكي يبعدوا عن أخطاء اللسان، إنما أيضا لكي يتيح لهم الصمت فترة للصلاة والتأمل. ذلك لأن الإنسان لا يستطيع أن يتكلم مع الله والناس في الوقت نفسه. لهذا قال الشيخ الروحاني: سكت لسانك، لكي يتكلم قلبك وقال مار إسحق: الشخص الكثير الكلام، يدل علي أنه فارغ من الدخل أي أن قلبه فارغ من مناجاة الله، وفارغ من العمل الروحي للتأمل والصلاة.
كلام المنفعة:
يبقي بعد كل هذا سؤال مهم وهو:
هل كل صمت فضيلة؟ وهل كل كلام خطيئة؟!

كلا طبعا، قال داود النبي في المزمور: فاض قلبي بكلام صالح. إذا هناك كلام نافع مفيد. وذلك حينما نتكلم الصالحات.
إن الصمت حالة سلبية، بينما الكلام حالة إيجابية.
وإنما يدرب الناس أنفسهم علي الصمت، حتى يتدربوا علي الكلام النافع، الصمت إذن هو وضع وقائي، يحمينا إن كنا نتكلم بدافع بشري.
أما إن كان الله هو الذي يفتح شفاهنا، وهو الذي يضع كلاما في أفواهنا، فحينئذ يكون كلامنا ـ لا صمتنا ـ هو العمل الفاضل.
كان السيد المسيح يتكلم، والناس يتعجبون من كلمات النعمة الخارجة من فمه والشهيد استفانوس تكلم، فأفحم المجامع الخاطئة ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح الذي كان يتكلم به.
وقد قال سليمان الحكيم: فم الصديق ينبوع حياة وقد كان عظماء الناس يجوبون البر والبحر، لكي يسمعوا كلمة منفعة من المتوحدين والنساك في براري مصر وقفارها.
كلام المنفعة هذا هو كلام من الله يضعه في أفواه أحبائه ليقدموه للآخرين، هادئًا كان أم شديدًا.

ومن كلام المنفعة: كلمة النصح لمن يحتاج إليها. وكلمة العزاء لقلب حزين. وكلمة التشجيع ليائس أو لأحد الناشئين. وكلمة التعليم لبناء النفوس. وكلمة الحق للهداية والإرشاد. وكلمة البركة، وكلمة الحكمة.
نسأل سؤالا بعد هذا، وهو: إن كان الكلام هكذا نافعا في بعض الأوقات. فهل يمكن أحيانًا أن يعتبر الصمت خطيئة، تماما كما يحسب كلام الشرير خطيئة؟! وهل يمكن أن ندان علي صمتنا، كما ندان علي كلامنا في بعض الأوقات؟!
نعم أحيانا ندان علي صمتنا.
إن لكل شيء تحت السموات وقتا. وقد قال سليمان الحكيم: للسكوت وقت، وللتكلم وقت.
فإن كان للتكلم وقت فلا شك أننا ندان إذا صمتنا فيه.
الإنسان البار لا يتكلم حين يحسن الصمت. ولا يصمت حين يجب الكلام. إنما يعرف متى يتكلم وكيف يتكلم. ويضع لكلامه هدفا روحيا. وقد قال الحكيم: تفاحة من ذهب، في مصوغ من فضة، كلمة مقولة في موضعها.
وكثيرا ما أمر الله الناس بالكلام، فكان يرسلهم أحيانا للإنذار، وأحيانًا لإعلان حقه بين الناس.
إن الله لا يكلم البشر مباشرة وإنما يكلمهم عن طريق خدامه من البشر هو يريدنا أن نعلن وصاياه للناس. وقد طلب منا أن نكون شهوده علي الأرض.
فإن صمتنا عن الشهادة للحق، ندان علي صمتنا. وإن صمتنا، وبصمتنا أعطينا مجالا للباطل أن ينتشر وأن ينتصر، فإننا ندان علي صمتنا.
وإن قصرنا في إنذار البعض، فأضر بنفسه أو بغيره، فحينذاك ندان أيضًا علي صمتنا.
إن رأيت إنسانا يكاد يسقط في حفرة وهو لا يدري، هل تقول وقتذاك إن الصمت فضيلة أم تحذره؟! وإن لم تحذره، ألا تدان علي صمتك، ويطالبك الله بدم ذلك الشخص؟!
لهذا يكون هناك واجب من الرعاة والقادة أن يتكلموا وواجب مثله علي الآباء والأمهات، وعلي المعلمين وعلي كل من هو في مسئولية... كل هؤلاء عليهم أن يقولوا كلمة الحق، وأن يشهدوا لوصايا الله في العالم... ومثل هؤلاء يكون كلامهم في قول الحق أفضل من الصمت.
فليعطنا الرب أن نعرف كيف ومتى نتكلم، وليعطنا الكلمة التي تتفق ومشيئته الصالحة... ولا ترجع فارغة. بل تثمر ثمرًا في قلوب الناس.

  رد مع اقتباس
قديم 05 - 10 - 2022, 10:12 AM   رقم المشاركة : ( 32 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,267,491

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

قداسة البابا شنودة الثالث

- فوائد النسيان



كثير من الناس يشكون من أنهم ينسون، ويسألون باستمرار عن علاج للنسيان.. وحقًا إن للنسيان مساوئ كثيرة ومع ذلك فلكي ننصفه، نقول إن هناك ولا شك فوائد للنسيان.
النسيان على أنواع. هناك نسيان ضار ليس هو الذي نقصده في هذا المقال. فمن الخطأ طبعًا أن ينسى المرء واجباته الدينية أو واجباته العالمية. ومن الخطأ أن ينسى عهوده ووعوده ومواعيده. ومن الخطأ أن ينسى فضل الناس عليه أو ينسى بالأكثر إحسانات الله العديدة.. الخ.
على أن النسيان ليس كله شرًا، لقد سمح الله به من أجل نفع الإنسان وفائدته، لو أحسن الإنسان استخدامه.. فالإنسان الحكيم يعرف متى ينبغي أن يذكر، ومتى ينبغي أن ينسى. فلا ينسى حيث يجب التذكر، ولا يتذكر حيث يجب النسيان.. وسنحاول في هذا المقال أن نشرح بعض المجالات التي يحسن فيها النسيان..

فمن فوائد النسيان مثلًا أن ننسي إساءات الناس إلينا.. ننساها لكي نستطيع أن نصفح وأن نغفر. وننساها لكيلا يملك الغضب على قلوبنا من جهتها.. ننساها لكي نهرب من شيطان الحقد ومن شيطان الكراهية.
الذي ينسى أخطاء الناس إليه، يمكنه أن يحب الجميع، ويملأ السلام قلبه من جهة الكل. ويستطيع أن يقابل كل أحد ببشاشة، ولا يختزن في قلبه شرًا من جهة أحد.. لذلك إن أساء إليك أحد، لا تحاول أن تسترجع في ذهنك إساءته إليك. ولا تجلس مع الناس وتحدثهم عما فعله بك هذا المسيء.. لا تفكر في هذا الموضوع، ولا تتكلم فيه، لئلا يرسخ في ذاكرتك وفي قلبك، ويتعبك..
ولا تنسى فقط أخطاء الناس، إنما إنس أخطاءهم عمومًا. لو تذكرت على الدوام أخطاء الناس، لاسودت صورتهم في نظرك، ولعجزت عن أن تجد لك في الناس صديقًا.. كل الناس لهم أخطاء، ولو تذكرنا لكل واحد أخطاءه لما استطعنا أن نتعامل مع أحد.. وربما يدخل الشك إلى قلوبنا من جهة الناس جميعًا.. وربما لا نستطيع نتكلم باحترام مع كل أحد..
إن الله لا يضع أخطاءنا على الدوام أمام عينيه، فلنفعل هكذا مع الناس.. يقول لنا الإنجيل المقدس: "بالكيل الذي به تكيلون، يكال لكم ويزاد". ليتنا إذن ننسى أخطاء الناس، لكي ينسى الله أخطاءنا. وفي نفس الوقت الذي ننسى فيه أخطاء الناس، ينبغي أن نذكر خطايانا الخاصة، لكي نصل إلى حياة الاتضاع.. قال القديس الأنبا أنطونيوس: (إن ذكرنا خطايانا، ينساها لنا الله، وإن نسينا خطايانا، يذكرها لنا الله)..
إذن اذكر خطاياك، وانس خطايا غيرك.. فإن هذا يقودك إلى الاتضاع وإلى المحبة أما الإنسان المتكبر أو غير المحب فإنه على العكس: دائمًا ينسى نقائصه الخاصة، ودائمًا يذكر أخطاء غيره. وقد يتحدث عن خطايا الناس، ويتضايق إن تحدث الناس عن خطاياه.
كذلك من النسيان النافع، أن تنسى فضائلك، أو تنسى الأعمال الحسنة التي شاءت نعمة الله أن تعملها على يدك.. إن عملت خيرًا أو إن عمل الله خيرًا بواسطتك، فالواجب عليك أن تنسى ما عملته. لا تذكره، ولا تتذكره. لئلا يوقعك في هذا الأمر في الإعجاب بالنفس أو في الكبرياء، وأيضًا لكيلا تجلب لنفسك مديحًا من الناس يضيع معه أجرك في السماء إذ تكون – حسبما يقول الإنجيل – " قد استوفيت خيراتك على الأرض"..
الذي يعمل خيرًا، عليه أن يخفى الأمر، ليس عن الناس فقط، إنما حتى عن نفسه هو، بالنسيان. وفى هذا يقول السيد المسيح: "وأما أنت فمتى صنعت صدقة، فلا تعرف شمالك ما تفعله يمينك. لكي تكون صدقتك في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء، هو يجازيك علانية".. حقًا إن الذي يذكر فضائله، أو يظهر فضائله، إنما يقع في الغرور ويفقد ثوابه.. لذلك إنس الخير الذي تعمله، وإن ألح عليك الفكر في تذكره، أو أن تكلم الناس عنك فانسب ذلك إلى نعمة الله وعمله لا إلى نفسك.
ومن فوائد النسيان، أن تنسى المتاعب والضيقات..
أحيانًا يكون التفكير في الضيقة أشد إيلامًا وضررًا من الضيقة ذاتها.. اجعل الضيقات خارجك لا داخلك. لا تسمح بدخول الضيقات في فكرك أو في قلبك لئلا تتعبك. حاول أن تنساها. وإن ألح عليك الفكر ولم تستطع أن تنسى، حاول أن تنشغل بالقراءة أو بالعمل أو بالحديث مع الناس، لكي تنسى..
وعندما تنسى ضيقاتك ومتاعبك وآلامك، ستدرك أن النسيان نعمة وهبها لنا الله. وستشكر الله الذي جعلك تنسى.. أليس أن الأطباء يقدمون للمرضى المتعبين بأفكارهم ومشاكلهم النفسية، أدوية لكي تشتت تركيز أفكارهم فينسون.. وهكذا يحاول الإنسان أن يشترى النسيان بالطب والدواء والمال. مبارك هو الله الذي يهب النسيان مجانًا، لمحبيه..
إنس المتاعب إذن والهموم، لأن تذكرها يجلب الأمراض النفسية والعصبية، وأمراضًا أخرى باطنية كثيرة.
من فوائد النسيان أيضًا أن ينسى الإنسان المعثرات التي تجلب له الخطية. فقد يقرأ شاب قصة بذيئة، أو يرى منظرًا خليعًا، أو يسمع كلامًا مثيرًا.. وإن لم ينسى كل هذا، تظل هذه الأمور حربًا على فكره تضيع نقاوة قلبه. ومن الخير له أن ينسى.
و قد يقع شاب في مشكلة عاطفية، ويحاول من أجل راحة قلبه أن ينسى.. وإن استطاع يعترف أن النسيان نعمة عظيمة.
لذلك حاول أن تنسى كل ما يعكر نقاوة قلبك.. لا تجلس وتفكر في أي أمر ينجس ذهنك أو مشاعرك. إنما إن عبر شيء من هذه الأمور عليك لا تستبقيه ولا تعاود التفكير فيه لكي تنساه.
ومن فوائد النسيان أيضًا أن تنسى التافهات لكي تبقى في ذهنك الأمور الهامة النافعة لك ولغيرك..
تصوروا مثلًا لو أن إنسانًا تذكر كل ما يمر عليه طوال يومه أو طوال أسبوع أو شهر من كل الأمور التافهة التي تختص بالأكل والشرب وأحاديث الناس ومناظر الطريق وأيضًا كل القراءات وكل الإحداث، مثل هذا الشخص لا تحتمل طاقة فكره أن تخزن المعلومات اللازمة له والأساسية.. لذلك يسمح الله أن ننسى التافهات لكي تبقى في ذهننا الأمور الهامة فقط.
تصور مثلًا إذا أردت أن تصلى، وجاءت إلى ذاكرتك كل الأخبار والأحاديث التي عبرت عليك في يومك!! هل تستطيع حينئذ أن تركز فكرك في الصلاة. كذلك إن أراد أحد أن يذاكر درسًا، أو أن يكتب بحثًا، أو أن يناقش موضوعًا هامًا، أتراه يستطيع ذلك وفي ذهنه كل التفاهات التي عبرت عليه في يومه. أليس من صالحه أن ينساها؟! ولو إلى حين..
إن النسيان إذن عملية غربلة حيوية تغربل في الذهن وفي الذاكرة جميع المعارف والمعلومات والمناظر والسماعات والأخبار، فتستبقى منها النافع، وتترك ما لا يفيد..
حاولوا إذن أن تتحكموا في ميزان ذاكرتكم، ولا تستبقوا فيها إلا كل ما يفيدكم.. أما الباقي فانسوه. فلمثل هذا أوجد الله النسيان..

  رد مع اقتباس
قديم 05 - 10 - 2022, 10:16 AM   رقم المشاركة : ( 33 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,267,491

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

كتاب مقالات روحية للبابا شنودة الثالث

قداسة البابا شنودة الثالث

المجد أم الألم






يحتفل المسيحيون اليوم بأحد الشعانين أو ما يسميه الناس "أحد السعف" حيث استقبل السيد المسيح في أورشليم بسعف النخل وبأغصان الزيتون.

وفي ذكرى اليوم نريد أن نتأمل في نقطة روحية هامة عن أيهما نختار:

في ذلك اليوم دخل السيد المسيح إلى أورشليم، وكانت شهرته قد طبقت الآفاق كمعلم صالح بهت الناس من سمو تعاليمه، وكصانع معجزات يشفى المرضي، ويقيم الموتى، ويخرج الشياطين، ويعمل ما لم يعمله أحد من قبل. كما ذاعت شهرته كزعيم شعبي كبير استطاع أن يجمع القلوب من حوله فالتفوا حوله في حب وإعجاب..

لذلك عندما دخل إلى أورشليم استقبله الناس كملك، بسعف النخل وبأغصان الزيتون، وبالتهليل والهتاف، وأرادوا تنصيبه ملكًا عليهم، لكي يخلصهم من حكم الرومان، ويقيم لهم مملكة قوية ذات هيبة وسلطان، ويرجع لهم عظمة سليمان..


ولكن السيد المسيح رفض أن يكون ملكًا، ورفض هذه المملكة الأرضية، إذ أراد تكوين مملكة روحية يملك فيها الله على القلوب، لا مملكة أرضية ذات عرش وصولجان، وجنود وفرسان..

كان يعرف أن اليهود يسيرون بتفكير عالمي علماني، سعيًا وراء السلطة والشهرة والنفوذ. وهو قد جاء ليخلصهم ويخلص العالم من هذه النظرة المادية.. إنه لم يأت إلى العالم لكي يكون ملكًا على اليهود يحقق لهم العالمية، بل على العكس يخلصهم من الشهوات..

وإذ رفض المسيح فكرة الملك، رفضه هؤلاء اليهود، وتآمروا لكي يقتلوه.. وهكذا رفض المسيح المجد، وفضل عليه طريق الألم..

فضل أن يكون مضطهدًا من اليهود، عن أن يكون ملكًا عليهم
ولم يرد مطلقًا أن يشترك مع ذلك الشعب في رغباته وفي شهواته.. حقًا ماذا يفيدهم الملك وهم بعيدون عن الله، يأخذون من الدين مظاهره ويتركون روحه، حتى وبخهم الله بقوله: "هذا الشعب يعبدني بشفتيه، وأما قلبه فمبتعد عنى بعيد"!

لقد أراد المسيح أن يطهر الناس ويقدسهم، لا أن يملك عليهم، أراد أن يحرر قلوبهم من الخطية، لا أن يحررهم من الرومان الذين ملكوا عليهم نتيجة لخطاياهم..

ولكن اليهود كانوا بعيدين عن هذا التفكير الروحي، بل لم يفكروا إطلاقًا في أرواحهم وخلاصهم، الأمر الذي كان شغل المسيح الشاغل.

كل تفكيرهم كان منحصرًا في الملك، وفي الملك وحده.. لذلك خابت آمالهم في المسيح الذي يحدثهم عن الروحيات ويرفض الملك الأرضي.. وهكذا استقر رأيهم على أن يقتلوه.. وبدأوا في التأمر عليه، من نفس ذلك اليوم الذي اختاروه فيه ملكًا!!! وهكذا رفضوه.. فقيل عنه..

"إلى خاصته جاء، وخاصته لم تقبله". "النور أضاء في الظلمة، والظلمة لم تدركه".. جاءالنور إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور.. رفضوا المسيح، وطلبوا بارباس.. كانت قلوبهم مظلمة، ولم يدركوا أين خيرهم.. وإذ سعوا لقتل المسيح، إنما جنوا على أنفسهم لا عليه.. وسار المسيح في طريق الجلجثة وفي طريق الصلب..

وبهذا وضع لنا المسيح مبدأً هامًا، وهو أن الألم أسمى من المجد العالمي، أو أن الألم هو طريق المجد الحقيقي.. ولا مجد بدون ألم.. أو أن مجد الإنسان كامن في ألمه..

لهذا يحب المسيحيون آلام المسيح، بل يحتفلون بآلامه.. وفي كل سنه لهم أسبوع اسمه "أسبوع الآلام".. ولا يخجل من آلام المسيح بل يفتخر. ويرى أن آلامه من أجلنا، هي علامة حب، وعلامة بذل، وعلامة زهد فيها رفض الأمجاد الزائلة العالمية. بل أن اسم المجد هو اسم خاطئ يطلق عليها بغير وجه الحق..

صدق أمير الشعراء أحمد شوقي حينما قال:

ومتعت بالألم العبقري وانبغ ما في الحياة الألم

إن كل من يسير في طريق الله، عليه أن يتألم من أجله، ويجد لذة في ألمه.. وكل فضيلة بغير ألم، هي فضيلة رخيصة خالية من البذل..

لذلك فكل إنسان في اليوم الأخير، سيعطى حسابًا عن أعماله، ويثاب بمقدار ألمه من أجل الرب. وكما قال الكتاب: كل واحد سينال أجرته بحسب تعبه".. إن كان الأمر هكذا، فيحق لنا أن نسأل:

ما هو مقدار تعبك من أجل الرب؟ وما هو مقدار بذلك وألمك؟

طبق هذه القاعدة في كل عمل من أعمالك.. وإن وجدت عقبة أمامك في طريق الفضيلة، فابذل جهدك لكي تتخطاها. وإن وجدت ألمًا في طريق الخير، فاحتمله بفرح ورضى. وإن وجدت عملًا صالحًا لابد أن يقضى جهدًا وتعبًا، فلا تبال بالتعب، وكن قوي القلب..

واعلم أن الله الذي تحبه، لا يمكن أن ينسى تعب المحبة.. واذكر سير الشهداء القديسين الذين تألموا من أجل الرب، وكانوا فرحين في آلامهم، وكان الناس ينذهلون من قوة احتمالهم.. ومهما كانت آلامك أنت، فإنها لا يمكن أن تقاس بآلامهم وعذاباتهم.. كذلك الأبطال وأصحاب الرسالات، كلهم تعبوا من أجل أهدافهم السامية، وكافأهم الله على أتعابهم، وكانت هي طريقهم إلى المجد..

إن الراحة لا تخلق أبطالًا، والمتعة لا تخلق قديسين.. وما أصدق قول الشاعر الحكيم الذي قال:

وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام

ونحن في هذه الحياة، علينا أن نبذل كل طاقاتنا، ونضحي بكل راحتنا، من أجل الله وملكوته، ومن أجل المثل التي نؤمن بها، واضعين أمامنا قول الكتاب: "إذن يا أخوتي الأحباء، كونوا راسخين غير متزعزعين، مكثرين في عمل الرب كل حين، عالمين أن تعبكم ليس باطلًا في الرب"..

والآلام التي نحتملها من أجل الله، يجب أن نتحملها برضى وبغير تذمر لأن التذمر يضيع أجرها، وهو دليل على أن القلب من الداخل غير متجاوب مع الألم الخارجي، وغير مقدم ذاته كذبيحة مرضية لله. أن آباءنا القديسين كانوا يفرحون في الألم، ويفرحون بالألم.. إن تلاميذ المسيح عندما جلدهم رؤساء اليهود، يقول الكتاب عنهم: "فخرجوا فرحين لأنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه".. ويرى لنا التاريخ أن السجون كانت تمتلئ بالتراتيل والتسابيح والأغاني الروحية في القرن المسيحي الأول من أشخاص ينتظرون موتهم بين حين وآخر..

إن آلام الدهر الحاضر، لا يمكن أن تقاس بالمجد العتيد الذي ينتظره المؤمن في الأبدية.. أن الذي يتأمل في السماء وأمجادها، وفي النعيم الأبدي، وفي الملائكة والقديسين، وفيما أعده الله لقديسيه في العالم الآخر، يهون عليه كل تعب يتعبه من أجل الله. ويهون عليه السهر الذي يسهره للصلاة، والتعب الذي يحتمله في الصوم وفي العبادة، والجهد الذي يبذله من أجل البعد عن خطية معينة، أو من أجل التخلص من عادة خاطئة..

واعلموا أن الألم المقدس ليس هو علامة ضعف، بل هو دليل على قوة القلب من الداخل.. لم يقل أحد أن الشهداء مثلًا كانوا ضعفاء في موتهم وفي مقاساتهم، بل كانوا أقوياء القلب والإيمان..
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
مقالات روحية للبابا شنودة - بين الصمت والكلام
مقالات روحية للبابا شنودة - محاسبة النفس
مقالات روحية للبابا شنودة - التوبة
مقالات روحية للبابا شنودة - الإيمان العملي
لا تُغَطِّ أخطائك بالأعذار من كتاب مقالات روحية للبابا شنودة


الساعة الآن 09:38 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024