|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
41. وإن كنت قد صرت غبيا بسرد هذه الأمور فاقبلوا هذا أيضا كمساعد علي نجاتكم وعدم خوفكم، وصدقوني لأنني لست أكذب. "مرة قرع واحد باب صومعتي، وإذ خرجت وجدت شخصا طويلا كبير الحجم. ولما سألته "من أنت" قال " أنا الشيطان ". ولما قلت " لماذا جئت هنا"، أجاب "لماذا يلومني الرهبان وسائر المسيحيين بغير حق؟ لماذا يلعنوني كل ساعة؟" عندئذ أجبت " ولماذا تضايقهم؟" فقال " لست أنا الذى أضايقهم، بل هم الذين يضايقون أنفسهم. لأنني قد أصبحت ضعيفاً. ألم يقرءوا "تلاشت سيوف العدو وأنت أخربت المدن؟"[89] ليس لي فيما بعد مكان، أو سلاح، أو مدينة، فالمسيحيون منتشرون في كل مكان، وأخيراً امتلأت حتى الصحراء بالرهبان. فليحترسوا لأنفسهم، ولا يلعنوني بغير حق". عندئذ عجبت من نعمة الرب وقلت " أنت كذاب أبداً، ولا تقل الصدق قط. وهذا قلته بالصدق أخيراً رغم إرادتك. لأن مجيء المسيح جعلك ضعيفاً، وهو قد طرحك إلى أسفل وجردك". أما هو فاختفى إذ سمع اسم المخلص، ولم يستطع أن يحتمل لهيبه.
42. وإن كان إبليس قد اعترف بنفسه أن قوته قد تلاشت، وجب أن نحتقره وشياطينه احتقارا تاماً. وطالما كان العدو وكلابه ليست لها سوى حيل من هذا القبيل فإننا إذا عرفنا ضعفها نستطيع احتقارها. إذن وجب أن لا تخور عزائمنا، أو يتسرب الجبن إلى قلوبنا، أو نصور المخاوف لأنفسنا قائلين: "أنا خائف لئلا يأتي شيطان ويحطمني، لئلا يرفعني إلى أعلى ويطرحني إلى أسفل، أو لئلا يثور علي بغتة فيزعجني". مثل هذه الأفكار يجب أن لا تخطر ببالنا قط، ويجب أن لا نحزن كأننا قد هلكنا. بل بالأحرى لنتشجع ونفرح دواما، واثقين أننا آمنون. ولنذكر في نفوسنا أن معنا الرب الذى طارد الأرواح الشريرة، وحطم قوتها. ولنذكر ولنضع في قلوبنا أنه طالما كان الرب معنا فإن أعدائنا لن يستطيعوا إيذائنا، لأنها عندما تأتى، تقترب إلينا في صورة تتفق مع الحالة التي تجدنا فيها[90] وتجعل خداعها موافقا للحالة الفكرية التي تخامرنا. فهي إن وجدتنا في حالة جبن واضطراب اقتحمت المكان في الحال كلصوص إذ تجده بغير حراسة، وتفعل ما تجدنا مفكرين فيه، بل وأكثر أيضا. لأنها إن وجدتنا خائري القلب وجبناء ازدادت في إرهابنا بعنف بتضليلاتها وتهديداتها، وبهذه تتعذب النفس التعسة في ذلك الحين . أما أن وجدتنا فرحين في الرب متأملين في سعادة المستقبل ، مفكرين في الرب. مسلمين كل شئ إلي يده، وواثقين أنه لا قوة لأى روح شرير ضد المسيحي، ولا أي سلطان علي أي واحد قطعاً، فإنها إن رأت النفس متحصنة بهذه الأفكار اندحرت ورجعت إلى الوراء. هكذا عندما رأي العدو أيوب محصنا بها ( بهذه الأفكار) تنحي عنه. ولكنه إذ رأي يهوذا غير متيقظ أخذه أسيراً. وهكذا أن أردنا احتقار العدو فلنتأمل دواماً في الإلهيات، ولتفرح النفس في الرجاء، وعندئذ ترى فخاخ الشيطان كالدخان، والأرواح الشريرة نفسها تهرب بدلا من أن تتابعنا. لأنها كما قلت شديدة الخوف جداً. تتوقع دائما النار المعدة لها. |
01 - 11 - 2018, 03:58 PM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
43. ولعدم الخوف منها تمسكوا بهذه العلامة الأكيدة: كلما ظهر لكم شبح فلا يستولي عليكم الخوف، بل مهما كانت شخصيته اسألوا أولا بجسارة: من أنت ، ومن أين أتيت؟ فإن كانت الرؤيا للقديسين طمأنوكم وبدلوا خوفكم إلى فرح. إنما أن كانت الرؤيا من إبليس ضعف في الحال إذ يري ثباتكم العقلي. لأن مجرد السؤال: من أين أتيت؟ برهان علي عدم اكتراثكم. بسؤال كهذا عرف ابن نون من هو معينه[91] كما أن دانيال لم يترك العدو دون توجيه السؤال إليه.[92]
44. وبينما كان أنطونيوس يتحدث بهذا الكلام كان الجميع مغتبطين. وفي البعض زادت محبة الفضيلة، والآخرون طرحوا جانبا الإهمال والتراخي، وتلاشي الغرور من غيرهم. واقتنع الجميع بضرورة احتقار هجمات الشرير، وعجبوا بالنعمة المعطاة لأنطونيوس من قبل الرب لتمييز الأرواح. وهكذا صارت صوامعهم في الجبال كهياكل مقدسة، مكتظة بجماعات الأتقياء الذين كانوا يرنمون المزامير، ويحبون القراءة، ويصومون ويصلون ويفرحون برجاء الأمور العتيدة، ويكدون في إعطاء الصدقة. ويحتفظون بمحبة بعضهم البعض. والوفاق مع بعضهم البعض. وحقا لقد كان ممكنا رؤية أرض منعزلة مليئة بالتقوى والعدل، لأن لم يكن فيها فاعل شر، أو مظلوم، أو تعيير جابي الضرائب بل بدلاً من ذلك جماهير من النساك، والهدف الوحيد للجميع هو الفضيلة، وهكذا كان كل من يري هذه الصوامع ثانية، ويري مثل هذا النظام الجميل بين الرهبان، كان يرفع صوته ويقول: "ما أحسن مساكنك يا يعقوب خيامك بإسرائيل، كأودية ظليلة، كجنات علي نهر، كخيام أقامها الرب، كارزات علي مياه".[93 |
||||
01 - 11 - 2018, 03:58 PM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
45. وعلي أي حال فإن أنطونيوس كعادته عاد منفردا إلى صومعته، وازداد في نسكه، وتنهد يومياً كلما فكر في مساكن السماء، إذ ركز فيها رغبته، متأملا في قصر حياة الإنسان. وكان يأكل وينام، ويتمم سائر المطالب الجسدية الضرورية بخجل عندما كان يفكر في مواهب النفس الروحية. وعندما كان يشرع في الأكل مع نساك آخرين ويتذكر الطعام الروحي. كثيرا ما كان يعتذر ويتنحي عنهم. معتبرا أن رؤية الآخرين له وهو يأكل أمر يدعو إلى الخجل. وعلي أي حال اعتاد أن يأكل الكفاف عندما كان يأكل منفردا، أو مع الأخوة. وكان يغطيه الخجل في هذه المناسبات. ومع ذلك كان ينطق بجسارة بكلمات التشجيع. وقد اعتاد أن يقول أنه خليق بالمرء أن يعطي كل وقته لروحه لا لجسده، ومع ذلك فليعط وقتا قصيرا للجسد لقضاء حاجياته الضرورية، ولكنه يجب عليه تكريس كل الباقي للنفس وطلب منفعتها، لكي لا تنجذب بملذات الجسد، بل بالعكس يخضع الجسد للنفس. لأن هذا ما قاله المخلص "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ولا لأجسادكم بما تلبسون، ولا تطلبوا ما تأكلون أو ما تشربون. ولا تتشككوا، لأن هذه كلها تطلبها أمم العالم، ولكن أباكم يعلم أنكم تحتاجون إلى هذه كلها، لكن اطلبوا أولا ملكوته، وهذه كلها تزاد لكم".[94]
|
||||
01 - 11 - 2018, 03:58 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
46. بعد هذا حل بالكنيسة الاضطهاد [95]الذى حدث أيام مكسميانوس، وعندما اقتيد الشهداء إلى الإسكندرية تبعهم أيضا أنطونيوس تاركا صومعته، وقائلا: لنذهب نحن أيضا حتى إذا دعينا كافحنا أو نظرنا المكافحين. وقد تاق إلى الاستشهاد، ولكنه إذ لم يشأ تسليم نفسه، خدم المعترفين في المناجم وفي السجون. وكان في شدة الغيرة في ساحة القضاء، لكي يبعث الهمة في نفوس الذين دعوا للجهاد. أما الذين دعوا للاستشهاد، فكان يقبلهم ويسندهم في طريقهم حتى يكملوا. وإذ رأى القاضي عدم خوف أنطونيوس ورفاقه، وغيرتهم في هذا الصدد، أمر بأن لا يظهر راهب في ساحة القضاء، أو يبقي في المدينة علي الإطلاق، ولذلك وجد جميع الباقين أنه من الأصلح أن يختبئوا في ذلك اليوم. أما أنطونيوس فلم يبال كثيرا بذلك الأمر، حتى أنه غسل ثوبه، ووقف طول اليوم التالي في مكان مرتفع أمامهم، وظهر في أحسن حالة أمام الوالي. ولذلك فعندما تعجب من هذا جميع الباقين، ورآه الوالي ومر به بحلته الملكية، وقف غير خائف مظهراً استعدادنا نحن المسيحيين، لأنه كما قدمت كان يصلي أن يكون هو نفسه شهيداً، ولذلك يبدو عليه كأنه حزين لعدم حمل شهادته. لكن الرب حفظه لأجل فائدتنا وفائدة الآخرين. لكي يكون معلما للكثيرين عن النسك الذي تعلمه من الكتب المقدسة، لأن الكثيرين رغبوا أن يقتدوا بطرقة بمجرد رؤيتهم لطريقة حياته، هكذا خدم المعترفين ثانية. وتعب في خدمته كأنه شريكهم في الأسر.
|
||||
01 - 11 - 2018, 03:59 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
47. وعندما توقف الاضطهاد أخيراً، وحمل المغبوط الأسقف بطرس[96] شهادته، انصرف أنطونيوس، واعتزل ثانية في صومعته، وبقي هنالك. وكان كل يوم شهيدا أمام ضميره مناضلاً في جهاد الإيمان وصار نسكه أشد صرامة لأنه كان دائم الصوم، يلبس لباسا من الشعر في الداخل، أما اللباس الخارجي فكان من الجلد، وهكذا احتفظ به إلى نهاية حياته، وكان لا يستحم بالماء ليتخلص من القذارة، ولا يغسل قدميه، بل كان لا يطيق أن يضعها في الماء، إلا عند الضرورة. ولم يره أحد غير لابس ثيابه، ولا رؤى جسده عرياناً إلا بعد موته، عند دفنه.
48. لذلك فعندما اعتزل أنطونيوس، اعتزم أن يحدد وقتا لا يخرج بعده ولا يقبل أي شخص أتاه مرتنيان ـ ضابط حربي ـ وأقلق راحته، لأنه كانت له ابنة معذبة بروح شرير. وإذ ظل يقرع الباب طويلا، وطلب منه أن يخرج ويصلى إلى الله من أجل ابنته، ولم يحتمل أنطونيوس أن يفتح، بل تطلع إليه من أعلي وقال: "يا إنسان لماذا تناديني ؟ أنا أيضا إنسان مثلك. ولكن إذا آمنت بالمسيح الذي أعبده فاذهب وحسب إيمانك لله فيكون لك". وللحال انصرف مؤمنا وداعيا المسيح، فخرج إبليس من ابنته. وأشياء كثيرة أخري عن طريق أنطونيوس عملها الرب الذي قال "اسألوا تعطوا"[97]، لأن الكثيرين من المتألمين كانوا ينامون خارج صومعته عندما كان يرفض فتح بابه، فشفوا بإيمانهم وصلواتهم الصادقة. |
||||
01 - 11 - 2018, 03:59 PM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
49. وعندما رأى نفسه محاطا بالكثيرين، ولم يحتمل الانسحاب عنهم وفقاً لما قرره، وإذ امتلأ قلبه خوفا بسبب الآيات التي عملها به الرب، لئلا ينتفخ، أو يفتكر فيه أحد فوق ما ينبغي أن يفتكر، فكر في الأمر مليا، واعتزم الذهاب إلى طيبة العليا بين من لا يعرفونه. وإذ تقبل بضعة أرغفة من الأخوة جلس علي شاطئ النهر، لعله يجد سفينة يستقلها، حتى إذا اعتلاها صعد في النهر معهم. وبينما هو يفكر في هذه الأمور جاءه الصوت من فوق "يا أنطونيوس إلى أين تذهب ولماذا ؟" أما هو فلم يضطرب قط، ولكنه إذ تعود أن يسمع مثل هذا النداء كثيراً، أصغي وأجاب قائلا: "طالما كانت الجموع لا تسمح لي بالهدوء، فإنني أريد الذهاب إلى طيبة العليا بسبب المعطلات الكثيرة التي ألقاها هنا، سيما لأنهم يطلبون مني أمورا فوق طاقتي". ولكن الصوت قال له: "حتى إن ذهبت إلي طيبة، أو حتى إن نزلت إلى بوكوليا[98]، كما يخطر ببالك، فسوف تحتمل أتعاباً أوفر، بل تتضاعف أتعابك الحالية. أما إن كنت ترغب حقيقة في الهدوء فارتحل الآن إلى الصحراء الداخلية". وعندما قال أنطونيوس: "ومن يريني الطريق لأنني لا أعرفه"، أشار الصوت في الحال إلى بعض العرب كانوا مزمعين الذهاب في ذلك الطريق، وهكذا تقدم أنطونيوس واقترب منهم، وسألهم ليذهب في الصحراء، فقبلوه بكل ارتياح، كأنهم قد تلقوا الأمر من العناية الإلهية. وإذ ارتحل معهم ثلاثة أيام وثلاث ليال وصل إلى جبل عال جداً ، وعند سفح الجبل كان يجرى ينبوع صاف، مياهه عذبة وباردة جدا، وفي الخارج كان هنالك سهل وقليل من أشجار النخيل غير معتني بها.
|
||||
01 - 11 - 2018, 03:59 PM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
50. عندئذ أحب أنطونيوس المكان الذي كان مسوقاً إليه من الله، إذ كان هو الموقع الذى تكلم معه على شاطئ النهر. وهكذا إذ تقبل أولاً بضعة أرغفة من زملائه المسافرين معه لبث في الجبل منفردا ولم يكن معه أحد. وإذ أعتبره بيتاً له لبث فيه بقية الأيام التالية. أما العرب فإذ رأوا غيرة أنطونيوس تعمدوا اتخاذ ذلك الطريق فيما بعد في أسفارهم، وأحضروا إليه أرغفة بكل فرح، وفي نفس الوقت كان يأخذ من النخيل قليلاً من البلح، ولما عرف الأخوة المكان بعد هذا حرصوا علي إمداده بالطعام كأبناء يعنون بأبيهم. وعندما رأي أنطونيوس أن الخبز سبب تعبا ومشقة للبعض منهم، فإنه لكي يوفر هذا علي الرهبان اعتزم أن يطلب من بعض الذين أتوا أن يحضروا إليه جاروفا وفأسا وقليلا من الحنطة، ولما أحضرت هذه بحث الأرض المحيطة بالجبل، وبالعثور علي بقعة صغيرة من الأرض الصالحة فلحها، ولما وجد كمية مياه وافرة للري زرعها. فعل هذا عاماً بعد عام، وحصل علي خبرة بهذه الكيفية، وفرح لأنه لم يعد عبئا علي أحد، ولأنه حفظ نفسه غير ثقيل علي أحد. وبعد ذلك ، إذ رأي أن الناس أتته، زرع قليلا من الخضراوات، حتى يجد كل من أتاه قليلا من الغذاء بعد عناء السفر الشاق.
علي أن وحوش البرية في بداية الأمر كانت تأتي بسبب الماء، وكثيرا ما أتلفت بذارةه وزراعته. أما هو فأمسك بأحدها برقة ولطف وقال لجميعها: "لماذا تسيئين إلي وأنا لم أسئ إلى أى واحد منك؟ انصرفي، وباسم الرب لا تقربي هذا المكان". ومن ذلك الوقت فصاعدا لم تقترب من المكان، كأنها قد خشيت أمره . |
||||
01 - 11 - 2018, 03:59 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
51. هكذا كان وحده في الجبل الداخلي، يصرف وقته في الصلاة والنسك. أما الأخوة الذين كانوا يخدمونه فطلبوا منه أن يأتوا كل شهر، ويحضروا له زيوتا وبقولا وزيتا، لأنه كان وقتئذ قد تقدم في السن. حينئذ صرف حياته هناك، واحتمل مصارعة "ليس مع لحم ودم"[99] كما هو مكتوب، بل مع الشياطين المقاومة كما علمنا ممن زاروه. لأنهم هناك سمعوا شغبا وأصواتاً كثيرة وقرقعة كأنها قرقعة أسلحة. وفي الليل رأوا الجبل مليئا بالوحوش البرية، كما رأوا أنطونيوس أيضا مجاهدا كأنه يجاهد ضد كائنات منظورة، ومصليا ضدها، وكل الذين أتوه شجعهم وإذ كان يجثو كان يجاهد ويصلى إلى الرب. ويقينا أنه كان أمراً عجيبا أن شخصاً في برية كهذه لم يخش لا الشياطين التي هاجمته، ولا وحشية الوحوش ذوات الأربع والزحافات، لأنها كانت كثيرة جدا، ولكنه حقا كما هو مكتوب "توكل علي الرب مثل جبل صهيون "[100]بإيمان لا يتزعزع ولا يضطرب، حتى أن الشياطين هربت منه بالأحرى، ووحوش البرية سألته كما هو مكتوب [101]
52. كان إبليس، كما يقول داود في المزامير[102]، يراقب أنطونيوس ويحرق عليه أسنانه. أما أنطونيوس فكان متعزيا بالمخلص، واستمر سالماً من حيله ومكائده المختلفة. كان يسهر بالليل فيرسل عليه إبليس وحوشا برية. وخرجت كل ضبع تلك البرية تقريبا من مغايرها وأحاطت به، وكان في وسطها، يهدده كل واحد بالعض. وإذ رأى أن هذه حيلة من العدو قال لها كلها: "إن كان لك سلطان علي فإنني مستعد أن تلتهمينى، أما إن كنت قد أرسلت على من قبل الشياطين فلا تمكثي بل انصرفي لأنني عبد المسيح". وعندما قال أنطونيوس هذه هربت أمام تلك الكلمة، كما لو أنها ضربت بالسياط |
||||
01 - 11 - 2018, 03:59 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
53. وبعد ذلك بأيام قليلة، كان يعمل، لأنه حرص علي أن يؤدى عملاً شاقاً. فوقف واحد بالباب وشد الجديلة التي كان يعملها، لأنه اعتاد أن يصنع سلالاً يعطيها لمن أتوا بدلاً مما أحضروا إليه. وإذ انتصب رأى وحشا له شكل إنسان حتى فخديه، ولكن له سيقان وأقدام كالحمار. أما أنطونيوس فإنه إنما رسم ذاته وقال "أنا عبد للمسيح، فإن كنت قد أرسلت إلى فها أنذا هنا". ولكن الوحش هرب هو وأرواحه الشريرة، حتى أنه بسبب سرعته سقط علي الأرض ومات. وكان موت الوحش إيذانا بسقوط الشياطين، لأنها بذلت كل جهد، بكل الطرق، لإبعاد أنطونيوس عن البرية فلم تقدر.
54. وبعد مدة سأله الرهبان مرة لينزل ويزورهم في مساكنهم، فارتحل مع من أتوا إليه، وحملوا الأرغفة والماء علي جمل، لأن كل تلك البرية مقفرة، وليس فيها علي الإطلاق مياه صالحة للشرب سوى في ذلك الجبل الذي منه كانوا يستقون المياه، والذي كانت توجد فيه صومعة أنطونيوس. ولذلك فعندما أعوزتهم المياه في الطريق، واشتدت الحرارة، وصاروا جميعا في خطر شديد. لأنهم لما تجولوا في التخم المجاورة، ولم يجدوا ماء، ولم يستطيعوا أن، يتقدموا خطوة واحدة، بل استلقوا علي الأرض، وصرفوا الجمل بعد أن استولوا عليهم اليأس. أما الشيخ فإذ رأي أنهم جميعا قد أحدق بهم الخطر، أنَّ بحزن عميق، وابتعد عنهم مسافة قليلة، وجثا علي ركبتيه، وبسط يديه وصلي. وللحال جعل الرب المياه تتفجر حيث وقف يصلي، وهكذا شرب الجميع وانتعشوا. ملئوا أوعيتهم وبحثوا عن الجمل حتى وجدوه، لأن الحبل تصادف أن علق بحجر فربط به الجمل، فساقوه وسقوه ووضعوا الأوعية علي ظهره، وأتموا رحلتهم بسلام. وعندما أتي إلى الصوامع الخارجية حياه الجميع ناظرين إليه كأب، وهو أيضا كأنه آت إليهم بالإمداد من الجبل، حياهم بكلماته، وأعطاهم نصيبا من المساعدة. وصار فرح في الجبل ثانية، وغيرة نحو التقدم، وتعزية بالإيمان المتبادل. وقد فرح أنطونيوس أيضا عندما رأي غيرة الرهبان، لا سيما عندما وجد أن أخته قد شاخت في العذارية وأنها هي أيضا كانت تقود غيرها من العذارى. |
||||
01 - 11 - 2018, 04:00 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: حياة الأنبا انطونيوس للقديس أثناسيوس الرسولى
55. وهكذا بعد بضعه أيام ذهب ثانية إلى الجبل. ومن ذلك الوقت لجأ إليه الكثيرون. وتجاسر غيرهم من المرضي علي الدخول. وكل الرهبان الذين أتوا إليه كان يقدم إليهم بصفة مستمرة هذه الوصية: "آمنوا بالرب وأحبوه، احفظوا أنفسكم من الأفكار القذرة والملذات الجسدية، وكما هو مكتوب في سفر الأمثال "لا تخدعوا بامتلاء البطن"[103] واظبوا علي الصلاة ، تجنبوا الغرور والخيلاء، رنموا المزامير عند النوم وعند الاستيقاظ، احفظوا في قلوبكم وصايا الكتاب المقدس، اذكروا أعمال القديسين، حتى إذا ما تذكرت نفوسكم الوصايا بقيت علي وفاق مع غيرة القديسين".
ثم نصحهم بصفة خاصة بالتأمل دواما في كلمة الرسول "لا تغرب الشمس علي غيظكم"[104]وكان يعتقد أن هذه تشمل كل الخطايا بصفة عامة. فليس المقصود الغيظ فقط، بل يجب أن لا تغرب الشمس علي أية خطية من خطايانا لأنه حسن، بل ضروري، أن لا تغيب الشمس علي أي شر بنا نهارا ولا القمر علي آية خطية ليلاً، أو حتى علي أي فكر شرير. ولكي تستمر هذه الحالة فينا يحسن أن نسمع الرسول ونحفظ كلماته لأنه يقول "جربوا أنفسكم. امتحنوا أنفسكم".[105] إذا يجب علي كل واحد أن يستخلص من نفسه كل يوم قصة أعماله في الليل والنهار. وإن كان قد أخطأ فليكف عن الخطية، وإن لم يكن قد أخطأ وجب أن لا يفتخر. بل ليتمسك بالصالح دون إهمال، وأن لا يدين أخوته، أو يبرر نفسه "حتى يأتي الرب الذي يكشف الخفيات"[106] كما يقول المغبوط بولس الرسول. لأننا كثيرا ما فعلنا بغير قصد الأشياء التي لا نعرفها، ولكن الرب يري كل شئ. لذلك إذ نسلم الدينونة له لنعطف بعضنا علي بعض. لنحمل أثقال بعضنا بعضاً[107] ولكن لنمتحن أنفسنا ونسرع لملء ما نقص فينا. واتقاء للخطية لنراع الآتي: لينتبه كل منا. ولنسجل أعمالنا والدوافع المحركة لنفوسنا، كأننا سوف نقصها بعضا علي بعض. واثقين من أننا إن كنا سوف نخجل تماماً من أن تعرف الخطية، وجب أن نكف عنها، وألا نبقي علي أية أفكار شريرة في عقولنا. من ذا الذي لا يكذب بعد ارتكاب الخطية بسبب الرغبة في تجنب معرفة الآخرين لها؟ وكما أننا إذا روقبنا من بعضنا البعض فإننا لا نرتكب الخطية المادية، هكذا إذا سجلنا أفكارنا، كأننا سنخبر بها بعضنا بعضاً. حفظنا أنفسنا بسهولة من الأفكار الرديئة بسبب الخجل لئلا تعرف. لذلك فليكن ما نكتبه عن أنفسنا بمثابة أعين زملائنا النساك، حتى إذا ما خجلنا من أن نكتب خطايانا كأننا قد أمسكنا بها فلن نفكر قط فيما لا يليق. فإن رتبنا أنفسنا بهذه الكيفية أمكننا إخضاع الجسد لارضاء الرب. كما أمكننا أن ندوس علي حيل العدو. |
||||
|