04 - 03 - 2014, 03:37 PM | رقم المشاركة : ( 31 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
الله يصالح البشرية أول ما نتذكره في هذا المجال، هو أن الله يسعى لخلاص الإنسان، حتى لو كان الإنسان لا يسعى لخلاص نفسه. نلاحظ هذا منذ البدء: عندما أخطأ آدم وسقط، لم يسع لخلاص نفسه، بل نراه -على العكس من ذلك- قد هرب من الله، وخاف من الله، واختفى، بل إنه: "لما سمع صوت الرب الإله ماشيًا في الجنة... "اختبأ هو وامرأته من وجه الرب" (تك3: 8). وهكذا أوجد حجابًا وحاجزًا بينه وبين الله. وبدأت الخصومة. من الذي سعي لخلاص آدم؟ إنه الله نفسه، دون أن يطلب آدم منه ذلك. آدم شغله الخوف عن الخلاص أو حتى عن مجرد التفكير فيه... وهكذا بحث الله عن آدم، وتحدث معه... وأعطاه وعدًا بأن نسل المرأة سوف يسحق رأس الحية (تك3: 15). لقد أعتبر الله أن المعركة الدائرة هي بينه وبين الشيطان، وليست بين الشيطان والإنسان. أعتبر أن قضيتنا هي قضيته هو. وإذا بنسل المرأة الذي يسحق رأس الحية هو الله نفسه الذي أتي في ملء الزمان من نسل المرأة. هو الله إذن الذي دبر قصة الخلاص كلها، لأنه: يريد أن الجميع يخلصون، وإلى معرفة الحق يقبلون" (1تى2: 4). هو يريد خلاصنا جميعًا ويسعى إليه، حتى إن كنا نحن في تكاسلنا أو في شهواتنا غافلين عن خلاص أنفسنا!... في قصة الخروف الضال، نرى أن هذا الخروف الضال لم يسع لخلاص نفسه، وإنما ظل تائهًا وبعيدًا. والراعي الصالح هو الذي جرى وراءه. هو الذي فتش عليه وسعي إليه، وهو الذي تعب من أجله إلى أن وجده، وحمله على منكبيه فرحًا، ورجع به سالمًا إلى الحظيرة... وفي قصة الدرهم المفقود، نجد نفس الوضع أيضًا... فإن تعطل خلاص الإنسان، يكون السبب بلا شك راجعًا إلى الإنسان ذاته وليس إلى الله. وهذا الأمر واضح في تبكيت الرب لأورشليم، إذ قال لها: "يا أورشليم يا أورشليم، يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها. كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا" (مت23: 37)... أنا أردت، وأنتم لم تريدوا... مثال أخر هو عروس النشيد. الله هو الذي سعي لخلاصها "طافرًا على الجبال، وقافزًا على التلال" وقال لها: "افتحي لي يا أختي يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي، لأن رأسي قد امتلأ من الطل وقصصي من ندي الليل" (نش5: 2). وتكاسلت النفس في الاستجابة، وتعللت بالأعذار. فماذا كانت النتيجة... كانت أنها عطلت عمل النعمة فيها بعض الوقت وصاحت في ندم: "حبيبي تحول وعبر"... تأكد أنك إن كنت تريد الخلاص من الخطية، فإن الله يريد ذلك أضعافًا مضاعفة... المهم إنك تبدي رغبتك المقدسة هذه. هناك عبارة لطيفة قالها أحد القديسين. قال: [إن الفضيلة تريدنا أن نريدها لا غير]. يكفي أن نريد، إرادة جادة، والله يتولى الباقي. بل حتى هذه الإرادة هو يمنحها لنا، لأجل خلاصنا. ومن القصص العجيبة عن سعي الله لخلاصنا، ما يقوله الله -في سفر حزقيال النبي- للنفس الخاطئة الملوثة: "مررت بك ورأيتك مدوسة بدمك... وقد كنت عريانة وعارية. فمررت بك ورأيتك وإذا زمنك زمن الحب. فبسطت ذيلي عليك... ودخلت معك في عهد -يقول السيد الرب- فحممتك بالماء، وغسلت عنك دماءك، ومسحتك بالزيت... وجملت جدًا جدًا، فصلحت لمملكة" (حز16). تلك النفس المسكينة -لو تركت لذاتها- لبقيت على حالها مطروحة وملوثة، عريانة وعارية. ولكن الله فعل من أجلها الكثير، وأنقذها مما هي فيه... ولكن ليس معني سعي الله لخلاصنا، أننا نتكل على ذلك ونكسل! كلا وإلا فإنه يتحول ويعبر كما حدث مع عروس النشيد. إنما يجب أن تتحد إرادتنا بإرادته. وعملنا بعمله. هو ينزل إلى عالمنا، ونحن نقدم له ولو مزودًا ليستريح فيه... إن الله يسعى لخلاصنا، ويسعى ليصالحنا معه. عجيب في هذه المصالحة، أننا نرى الصلح يبدأ من جانب الله، أكثر مما يبدأ من جانب البشر... إنه درس لنا حينما تكبر قلوبنا على أخوتنا الصغار، فلا نسعى لمصالحتهم بحجة أننا الكبار..! بينما قد وضع لنا الله مثالًا حسنًا.. |
||||
04 - 03 - 2014, 03:39 PM | رقم المشاركة : ( 32 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
الكبير يسعى لمصالحة الصغير في كل تباشير الصلح التي ذكرناها نرى أن الله هو الساعي لمصالحة البشرية. النور الذي لا يدنى منه، يسعى لمصالحة التراب والرماد! ملك الملوك ورب الأرباب يتقدم ليصالح عبيده... نراه أنه هو الذي أرسل الملائكة للبشر وهو الذي بعث إليهم برسائل في الأحلام. وهو الذي أرجع لهم روح النبوة، وهو الذي عمل على إعادة العلاقات كما كانت من قبل... بل هو الذي أرسل إليهم ابنه الوحيد ليخلصهم، من فرط محبته لهم. وكما قال القديس يعقوب السروجي: [إنه كانت هناك خصومة بين الله والإنسان. فلما لم يتقدم الإنسان لمصالحة الله نزل الله ليصالح الإنسان]. ولم يحدث هذا في الميلاد فقط، وإنما كان هو دأب الله دائمًا. نراه وهو الكبير العالي غير المحدود يسعى لمصالحة الإنسان. يقول: "أنا واقف على الباب وأقرع. من يفتح لي أدخل وأتعشى معه" (رؤ3: 29). ونحن نتساءل في عجب: كيف يا رب تقف على الباب وتقرع. البشر هم الذين يذهبون إلى بابك، ويقبلون أعتابك. ويطلبون رضاك... يقول الله: بل أنا الذي أذهب إليهم. أنا لست أبحث عن كرامة لي، وإنما أبحث عن خلاصهم هم، ولا أستريح حتى أطمئن على خلاصهم. حقًا، ما أعجب قلب الله المحب، وما أعجب تواضعه... الله يرسل الأنبياء والرسل لكي يصالحوه مع البشر. يعترف القديس بولس الرسول بهذا فيقول: "نسعي كسفراء عن المسيح، كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله" (2كو5: 20). حقًا: هل كان هناك عمل آخر للأنبياء سوى عقد صلح بين الله والناس. والله هو الذي طلب الصلح فأرسل أنبياءه ! بل ما أعجب الرب في سعيه للصلح إذ يقول: "بسطت يدي طول النهار، إلى شعب معاند ومقاوم" (رو10: 21). ورغم معاندة الشعب مازال الرب باسطًا يده، يطلب صلحًا معنا بل أن الله يقول للناس ويقول: "هلم نتحاجج" (إش1: 18). الله هو الذي صالح يونان النبي لما اغتم واغتاظ، مع أن غضبه لم يكن حسب مشيئة الرب. أعد له يقطينه: "فارتفعت فوق يونان لتكون ظلًا على رأسه، لكي يخلصه من غمه" وظل يجاذبه الحديث قائلًا له: "هل اغتظت بالصواب؟" ويونان يجيب: "اغتظت بالصواب حتى الموت"، وهكذا لم يزل به حتى أقنعه وصالحه (يون4). والسامرة التي أغلقت أبوابها في وجهه، لأن وجهه كان متجهًا نحو أورشليم، لم يتضايق من تصرفها هذا، ولم ينزل نارًا من السماء ليحرقها كما اقترح التلميذان، بل ذهب إليها مرة أخرى ليصالحه، وهي المخطئة. وبذل من حبه ورعايته حتى أصلحها وصارت له (يو4). وفي قصة الابن الضال، نرى أن الابن الكبير لما غضب ورفض أن يدخل، ورفض أن يشترك في الفرح برجوع أخيه، مع أن غضبه لم يكن مقدسًا، ومع أن إرادته كانت ضد إرادة الأب، إلا أن الأب ذهب إليه ليصالحه. وفي ذلك يقول الكتاب: "فخرج أبوه يتسول إليه" (لو15: 28). ومع أن كلام هذا الابن كان قاسيًا في حديثه مع أبيه، وكانت اتهاماته كثيرة وظالمة، إلا أن الأب احتمله، وأطال أناته عليه حتى صالحه. ولم يقل له كيف وأنت صغير تكلمني هكذا! ولما أخطأ القديس بطرس وأنكر السيد المسيح، لم ينتظر الرب حتى يأتي القديس بطرس تائبًا ومعتذرًا، بل هو الذي بدأه بالكلام، وسهل الأمر عليه، وأرجع العلاقات كما كانت، بنفس الدالة... إن الرب لا يرى في سعيه للصلح إنقاصًا لقدرة أو إضاعة لكرامته، بل على العكس إنه يبرهن على محبته وعلى وتواضعه فيزداد حب الناس له. وإن كان الله بميلاده قد جاء ليصالحنا، فاذهب أنت يا أخي وصالح غيرك. لا تقل كيف أذهب أنا؟ هم الذين يأتون. كلا، فإن الذي يقوم بالصلح، هو الذي ينال بركته... ولا تقل كيف أصالح ابني، أو أخي الأصغر، أو خادمي، أو مرؤوسي، وأنا الكبير؟! اعرف تمامًا أن الكبير هو الكبير في قلبه وفي حبه، وهو الكبير في فضائله وفي احتماله. والله لا يقيس الناس بمقياس السن أو المركز، بل بنقاوة القلب. ومهما كنت كبيرًا، فلن تكون مطلقًا في درجة الله الذي سعي لمصالحة عبيده ومخلوقاته! وحاذر من أن تطلب احترامًا يليق بك، حتى لو كان يليق بك المجد والكرامة!! بل أطلب محبة الناس وبركتهم. وفي ذكري الميلاد تذكر تواضع الرب الذي نزل من سمائه إلينا، فكيف لا نتنازل بعضنا للبعض... وفي مصالحة الناس، لا تفكر في خطية غيرك كبيرًا كان أم صغيرًا وإنما فكر في نقاوة قلبك، وضع أمامك تواضع الرب في مصالحته للبشر. |
||||
04 - 03 - 2014, 03:40 PM | رقم المشاركة : ( 33 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
لماذا حلَّ الرب بيننا؟ ونحن نحتفل بميلاد السيد المسيح من العذراء، لعلنا نتساءل فيما بيننا: ما هي الأسباب التي دعت رب المجد أن يتخذ جسدًا ويحل بيننا، ويصير في الهيئة كإنسان، ويولد من امرأة كبني البشر؟ لا شك أن الفداء هو السبب الأساسي للتجسد. جاء الرب إلى العالم ليخلص الخطاة، جاء ليفديهم، جاء ليموت وليبذل نفسه عن كثيرين. هذا هو السبب الرئيسي الذي لو اكتفى السيد المسيح به ولم يعمل غيره، لكان كافيًا لتبرير تجسده. جاء السيد المسيح ليوفي العدل الإلهي، وليصالح السماء والأرض. ويمكننا أن نقول أيضًا إلى جوار عمل الفداء والمصالحة إن السيد المسيح قد جاء لينوب عن البشرية. وكما ناب عنها في الموت، ينوب عنها أيضًا في كل ما هو مطلوب منها أن تعمله. إن الإنسان قد قصر في كل علاقاته مع الله، فجاء "إبن الإنسان" لينوب عن الإنسان كله في إرضاء الله. وفي فترة تجسده أمكن للرب أن يقدم للبشرية الصورة المثالية لما ينبغي أن يكون عليه الإنسان كصورة الله ومثاله. قدم القدوة، والمثال العملي. حتى أن القديس أثناسيوس الرسولي قال إنه لما فسدت هذه الصورة التي خلق الله بها الإنسان، نزل الله ليقدم لهم الصورة الإلهية الأصلية... وأيضًا لما أخطأ الناس في تفسير الشريعة الإلهية وقدموها للناس حسب مفهومهم الخاطئ، ومزجوا بها تعاليمهم الخاصة وتقاليدهم، جاء الرب ليقدم للبشرية الشريعة الإلهية كما أرادها الرب، نقية من الأخطاء البشرية في الفهم والتفسير... وسنحاول الآن أن نتناول هذه الأسباب جميعها، نتحدث عنها بمزيد من التفصيل، ونري ما يمكن أن نستفيده من دروس روحية لحياتنا خلال هذا الشرح. |
||||
04 - 03 - 2014, 03:45 PM | رقم المشاركة : ( 34 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
الفداء هو السبب الأساسي للتجسد لقد أخطأ الإنسان الأول، وكانت خطيته ضد الله نفسه: فهو قد عصي الله وخالف وصيته. وهو أيضًا أراد أن يكبر وأن يصير مثل الله عارفًا الخير والشر (تك3: 5). وفي غمرة هذا الإغراء نري أن الإنسان لم يصدق الذي قال له عن شَجرة معرفة الخير والشر: "يوم تأكل منها موتًا تموت" (تك2: 17). وعلى العكس من هذا صدق الحية التي قال: "لن تموتا". وبعد الأكل من الشجرة نري أن الإنسان قد بدأ يفقد إيمانه في وجود الله في كل مكان وقدرته على رؤية كل مخفي، وظن أنه إن اختبأ وسط الشجر يستطيع أن يهرب من رؤية الله له. وفي محاسبة الله للإنسان بعد الخطية، نري أن الإنسان يتكلم بأسلوب لا يليق، إذ يحمل الله جزءًا من مسئولية خطيته فيقول له: "المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني" (تك3: 12). إنها مجموعة أخطاء موجهة ضد الله: عصيان الله، ومنافسة الله في معرفته، وعدم تصديق الله في مواعيده، وعدم الإيمان بقدرة الله، وعدم التأدب في الحديث مع الله. أخطأ الإنسان ضد الله، والله غير محدود، لذلك صارت خطيته غير محدودة. والخطية غير المحدودة، عقوبتها غير محدودة. وإن قدمت عنها كفارة، ينبغي أن تكون كفارة غير محدودة، ولا يوجد غير محدود إلا الله. لذلك كان ينبغي أن يقوم الله نفسه بعمل الكفارة... هذا هو ملخص المشكلة كلها في إيجاز... لقد أخطأ الإنسان، وأجرة الخطية هي الموت (رو6: 23). وكان لابد أن يموت الإنسان، وبخاصة لأن الله كان قد أنذره بهذا الموت من قبل أن يتعدي الوصية، إذ قال له: "وأما شَجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها. لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت". وهكذا استحق حكم الموت، وكان لابد أن يموت. كان موت الإنسان هو الوفاء الوحيد لعدل الله. وإن لم يمت الإنسان، لا يكون الله عادلا، ولا يكون الله صادقًا في إنذاره السابق... هذه النظرة يشرحها القديس أثناسيوس الرسولي باستفاضة في كتابه " تجسد الكلمة ". وإذ يشرح لزوم موت الإنسان، يشرح من الناحية المضادة المشاكل التي تقف ضد موت الإنسان. فماذا كانت تلك المشاكل؟ كان موت الإنسان ضد رحمة الله، وبخاصة لأن الإنسان قد سقط ضحية الشيطان الذي كان أكثر منه حيلة ومكرًا!! (تك3). وكان موت الإنسان ضد كرامة الله، إذ أنه خلق على صورة الله ومثاله، فكيف تتمزق صورة الله هكذا؟! وكان موت الإنسان ضد قوة الله، كأن الله خلق خليقة ولم يستطع أن يحميها من شر الشيطان! وهكذا يكون الشيطان قد انتصر في المعركة!! وكان موت الإنسان ضد حكمة الله في خلقه للبشر. وكما يقول القديس أثناسيوس الرسولي إنه كان خيرًا للإنسان لو لم يُخلَق، من أن يخلق ليلقي هذا المصير!! وأخيرًا كان موت الإنسان ضد ذكاء الله. إذ كيف توجد المشكلة ولا يستطيع عقل الله أن يوجد لها حلًا!! إذن كان موت الإنسان ضد رحمة الله، وضد كرامة الله، وضد قوة الله، وضد حكمته وذكائه. وكان لابد لحكمة الله أن تتدخل لحل هذا الإشكال... وهكذا تدخل أقنوم الابن لحل الإشكال. والابن كما يقول القديس بولس الرسول هو: "حكمة الله وقوة الله" (1كو1: 24)، ويسميه سفر الأمثال: "الحكمة" (أم9: 1). والآن نسأل: كيف أمكن لحكمة الله حل هذا الإشكال؟ كان الحل هو الكفارة والفداء، لابد أن يموت أحد عن الإنسان، فيفديه، لإنقاذه. ولم يكن يصلح لهذا الفداء أي كائن آخر، غير الإنسان ذاته، لا ملاك، ولا حيوان، ولا رُوح، ولا أية خليقة أخري... فلماذا ؟ كان لا يمكن لمخلوق أن يموت عن الإنسان لسببين: أولًا لأن كل مخلوق محدود، لا يمكن أن يقدم كفارة غير محدودة، توفي العقوبة غير المحدودة، للخطية غير المحدودة. ثانيا لأن الحكم صدر ضد الإنسان، فيجب أن يموت الإنسان. وكان الحل الوحيد هو التجسد: أن ينزل الله إلى عالمنا مولودًا من امرأة، فهو من حيث لاهوته غير محدود كإله، يمكنه أن يقدم كفارة غير محدودة، تكفي لمغفرة جميع الخطايا لجميع الناس، في جميع الأجيال. وهو من حيث ناسوته، يمكنه أن ينوب عن الإنسان المحكوم عليه في دفع ثمن الخطية. من أجل هذا السبب كان السيد المسيح يتعمد أن يسمي نفسه: "إبن الإنسان" في كثير من المجالات... هذا إذن هو السبب الأساسي لولادة السيد المسيح مع العذراء. جاء ليحمل خطيتنا، ويموت عنها، لينقذنا من عقوبتها... إن عرفنا هذه الحقيقة، فما هي الدروس الروحية التي يمكن أن نتعلمها منها في حياتنا؟ هذا ما نود الآن أن نتأمل فيه. |
||||
04 - 03 - 2014, 03:47 PM | رقم المشاركة : ( 35 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
كل خطية ترتكبها هي موجهة ضد الله تأمل أيها الأخ المبارك في أن كل خطية ترتكبها هي موجهة ضد الله ذاته، ولا تختلف في دينونتها عن خطية آدم وحواء. هي مثل خطيئتهما غير محدودة، لأنها موجهة ضد الله غير المحدود. وهكذا فإن عقوبتها غير محدودة، ولا تغفر إلا بكفارة غير محدودة... كل خطية ترتكبها هي عصيان لله. هي نوع من التحدي لله وعدم المبالاة بوصاياه، بل هي ثورة عليه وانضمام لخصمه الشيطان... وهكذا فكل خطية ترتكبها تحمل معني عدم محبة لله، لأنه يقول: من يحبني وصاياي (يو14: 15). لذلك عندما أخطأ داود وزني وقتل، لم يقل أخطأت ضد أوريا الحثي وزوجته، بل قال لله: "لك وحدك أخطأت، والشر قدامك صنعت" (مز50: 4)... حقًا إن الخطية خاطئة جدًا كما يقول الكتاب (رو7: 13). وكل خطية ترتكبها يحملها المسيح، لأنه هو: "حمل الله الذي يرفع خطية العالم كله" (يو1: 29) " كلنا كغنم ضللنا، ملنا كل واحد إلى طريقه. والرب قد وضع عليه إثم جميعنا" (إش53: 6). إنك يا أخي ربما تستسهل الخطية، وتستسهل غفرانها، وتظن أنه بمجرد الاعتراف بها تنتهي. ولا يتناول تفكيرك كيف تغفر هذه الخطية بالاعتراف لذلك تجد الأمر سهلًا ولا تشعر بفداحة ما تفعله...!! خطيتك أيها الإنسان لا تغفر إلا بدم المسيح، لأنه: "بدون سفك دم، لا تحدث مغفرة" (عب9: 22). فما هو موقف الكاهن من الغفران إذن؟ هل مجرد قراءة التحليل أو عبارة: "الله يحاللك" هي كل شيء؟! كلا بلا شك. فمجرد هذه الكلمة وحدها لا تكفي... عندما يعطيك الكاهن المغفرة، إنما يقوم بعملية تحويل. يحول الخطية من حسابك إلى حساب السيد المسيح. ينقل الخطية من على رأسك إلى رأس الحمل الذي يحمل خطايا العالم كله. وحينئذ يمحوها السيد المسيح بدمه. بل أتجرأ وأقول إن السيد المسيح نفسه عندما كان يقول لإنسان: "مغفورة لك خطاياك" لم تكن هذه العبارة وحدها تكفي بدون دم الرب. إنما قول السيد الرب لإنسان: "مغفورة لك خطاياك" معناها: "إنني قبلت أن أموت عن هذه الخطايا، وقبلت أن أمحوها بدمي. لذلك أعتبرها مغفورة، لأنها مغموسة في دمي". لأنه لو كانت مجرد عبارة المغفرة تكفي لماذا إذن كان التجسد، ولماذا إذن كان الصلب والفداء؟ بسبب خطيتك أيها الأخ، أخلي الرب ذاته، وأخذ شكل العبد، وولد كإنسان، وأحتمل كل ضعف البشرية. من أجل خطيتك صار طفلًا، ومن أجلها هرب من هيرودس إلى مصر، ومن أجلها جرب من الشيطان، ومن أجلها اضطهده اليهود وأهين وشتم وبصق عليه وضرب وصلب ومات. إن عرفت كل هذا، فكيف تحتمل مشاعرك أن تخطئ؟! يجب أن تعلم جيدًا أن كل خطية لابد أن تقف أمام عدل الله، لكي تعطي حسابًا أمامه "ومخيف هو الوقوع في يدي الله الحي" (عب10: 31). لذلك في يوم ميلاد المسيح، تأمل في محبته لك، وفي سعيه لخلاصك وكيف أنه من أجلك جاء حقًا لقد جاء المسيح ليخلص العالم (يو3: 17). جاء ليطلب ويخلص ما قد هلك... فهل كان هذا هو كل شيء؟ كلا، فإننا نلاحظ شيئًا آخر وهو أنه قد جاء لينوب عن البشرية. |
||||
04 - 03 - 2014, 03:50 PM | رقم المشاركة : ( 36 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
أتى المسيح لينوب عن البشرية إنه ناب عنا في دفع ثمن الخطية، في الموت، فمات عنا. ولكن هذا لم يكن هو الشيء الوحيد الذي ناب عنا فيه. بل أنه ناب عنا في كل عمل صالح، في تكميل الناموس كله... فاختتن وهو غير محتاج إلى الختان، وصام وهو غير محتاج إلى الصوم، واعتمد وهو غير محتاج إلى عماد، وهكذا دواليك. ولعل نيابة الرب عن الإنسان هي التي جعلته يسمي نفسه في أحيان كثيرة "إبن الإنسان"، مشيرًا إلى أنه جاء نائبًا عن الإنسان أو نائبًا عن البشرية فهو ليس إبن فلان من الناس، وإنما هو إبن الإنسان عمومًا. وقد ناب عن الإنسان في موته وفي حياته وفي كل ما كان مطلوبًا منه... · ولنبدأ أولًا بموضوع العماد، كمثال... ذهب السيد المسيح إلى يوحنا ليعتمد منه. ولكنه بلا شك لم يكن محتاجًا مطلقًا إلى العماد. معمودية يوحنا كانت للتوبة، والتوبة عمل يقوم به الخطاة وليس الأبرار. ويسوع المسيح القدوس البار، الذي هو وحده بلا خطية، لم يكن محتاجًا إلى التوبة، وبالتالي لم يكن محتاجًا إلى معمودية يوحنا. كان يوحنا صوتًا صارخًا في البرية ينادي: "توبوا لأنه قد أقترب ملكوت السموات" (مت3: 2). "اصنعوا ثمارًا تليق بالتوبة" "كل شجرة لا تصنع ثمرًا جيدًا تقطع وتلقي في النار". وهذا الصوت لم يكن بأي حال موجهًا إلى السيد المسيح، الذي اعترف له يوحنا قائلًا: "أنا محتاج إلى أن أعتمد منك" (مت3: 14). ويوحنا كان يأتي إليه ليعتمدوا "معترفين بخطاياهم" (مت3: 6) والسيد المسيح لم تكن له خطية يعترف بها... فمادام لم يكن محتاجًا إلى التوبة، ولا إلى المعمودية، فلماذا ذهب إلى يوحنا؟ ولماذا اعتمد؟ لقد فعل ذلك "ليكمل كل بر"، لينوب عنا في إطاعة الناموس. إن البشرية فشلت في إرضاء الله الآب، فجاء الابن يرضيه: "إبن الإنسان" وقد وقف كاملًا أمامه... فناب عنا في تقديم هذه التوبة... كما سينوب عنا في آخر الزمان في تقديم خضوع البشرية للآب. وهكذا يقول الرسول: "ومتي أخضع له الكل، حينئذ الابن أيضًا سيخضع للذي أخضع له الكل" (1كو15: 28). إن الخطية كانت لها نتيجتان: هلاك الإنسان، واغتصاب قلب الله. وجاء السيد المسيح ليصلح الأمرين معًا: جاء ليخلص الإنسان الهالك، إذ ناب عنا في الموت وفي دفع ثمن الخطية. وجاء ليصالح قلب الله الغاضب بأن يقدم له ناسوتًا كاملًا يرضيه، وهكذا ناب عنا في تكميل الناموس وفي كل عمل صالح. قام بالعملين معًا: أرضي قلب الله بحياته الطاهرة، وأنقذ حياة الإنسان، بموته الكفاري. · وكما ناب السيد المسيح عن البشرية في التوبة والعماد وتكميل الناموس، ناب عنها أيضًا في الصوم. لم يستطيع الإنسان أن يكبح جماح جسده، فأكل من طعام نهي الله عنه، فسقط. وجاء السيد المسيح ليصلح هذا الخطأ، فبدأ خدمته بالصوم حتى عن الطعام المحلل للجميع. نحن نصوم لنروض الجسد ونلجمه ونربيه. أما جسد السيد المسيح فلم يكن جامحًا حتى يكبح جماحه، فلماذا إذن صام؟ ونحن نصوم لكي تصفو الروح وتسمو. وروح السيد المسيح في صفائها وسموها ليست في حاجة إلى صوم يوصلها إلى العلو الذي توجد فيه بطبيعتها. إذن لماذا صام؟ لقد صام عنا، أربعين يومًا وأربعين ليلة. وفي ذلك الصوم قدم لله الآب نيابة عنا جسدًا طاهرًا لا يخضع لشهوة طعام، استطاع أن يبرهن عمليًا على أنه: "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان" (مت4: 4). لقد ناب السيد المسيح عنا في تقديمه للآب صورة الإنسان الكامل المطيع لوصاياه، وفي نفس الوقت قدم للبشرية الصورة الإلهية التي خلقوا على مثالها. |
||||
04 - 03 - 2014, 04:07 PM | رقم المشاركة : ( 37 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
أتى المسيح ليُقَدِّم لنا الصورة الإلهية لقد خلق الإنسان على صورة الله ومثاله (تك1: 27) في البر والقداسة والكمال، ولكنه شوه تلك الصورة الإلهية بخطاياه. لسنا نقول هذا عن مجموعة خاطئة معينة من الناس، وإنما عن الكل: "الجميع زاغوا وفسدوا معًا، ليس من يعمل صلاحًا، ليس ولا واحد" (مز14: 3). وهكذا فقدت الصورة الإلهية من الكون... لعل تلك الصورة هي التي كان يعينها ديوجين الفيلسوف: [عن أي شيء تبحث]؟ فأجاب: [أبحث عن إنسان]!! إن الإنسان في وضعه الأصلي كصورة الله لم يكن موجودًا. فأتي السيد المسيح ليقدم للناس هذه الصورة الإلهية، بمثال عملي أمامهم يرونه فيحاكونه... وهكذا قال لهم فيما بعد: "لأني أعطيتكم مثالًا، حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا" (يو13: 15). بهذه الصورة رآه القديس بطرس الرسول: "تاركًا لنا مثالًا، لكي تتبعوا خطواته" (1بط2: 21). وبنفس المعني يقول معلمنا يوحنا الرسول: "من قال إنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك يسلك هو أيضًا" (1يو2: 6)... قدم لنا صورة للإنسان المنتصر على الشيطان، ليعالج بها صورة آدم وحواء اللذين انهزما أمام إغراء الحية وإيحائها. وهكذا بدأ خدمته بأن سمح للشيطان أن يجربه، ليس مرة واحدة كما فعل مع أبوينا الأولين، وإنما ثلاث مرات (مت4) أعقبتها فيما بعد تجارب لا تعد. وإذ كانت كلمة الله ووصيته على لسان الإنسان الأول، ولكنها ليست ثابتة في قلبه، ولا منفذه عمليًا في حياته، كانت وصية الله وكلمته قوية وفعالة في فم السيد المسيح، هزم بها الشيطان فلم يستطع أن يرد عليه. وفي حياة السيد المسيح قدم لنا صورة الإنسان الكامل، الذي استطاع أن يتحدى جميع مقاوميه قائلًا: "من منكم يبكتني على خطية" (يو8: 46). ويقول عنه بولس الرسول إنه: "مجرب في كل شيء مثلنا بلا خطية" (عب4: 15). وقال عنه أيضًا إنه: "قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة، وصار أعلى من السموات" (عب7: 26). لذلك عندما بشر الملاك العذراء بميلاده قال لها: "القدوس المولود منك..." (لو1: 35). هذا القدوس، إذ لم تكن في حياته خطية يموت بسببها، مات عن خطايانا نحن واستحق أن يكون فادي البشرية. يمكننا أن نتأمل حياته المقدسة، ونأخذ لأنفسنا درسًا من كل عمل ومن كل قول. كانت حياته نورًا يرشدنا إلى ما ينبغي أن نعمله. لذلك يسميه القديس يوحنا "النور الحقيقي الذي يضئ لكل إنسان" (يو1: 9). وإذ كانت خطية الإنسان الأولي هي الكبرياء، لذلك جاء السيد المسيح يلقننا درسًا في التواضع. |
||||
04 - 03 - 2014, 04:07 PM | رقم المشاركة : ( 38 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
الله يعطينا درس عجيب في التواضع سقط أبوانا الأولان في الكبرياء عندما قبلًا إغراء الحية في قولها: "تصيران مثل الله..." (تك3: 5) ومن قبلهما سقط الشيطان في هذه الخطية ذاتها إذ قال في قلبه: "أصعد إلى السموات.. أصير مثل العلي" (إش14: 13، 14). فجاء السيد المسيح يرد على هذه السقطة. الإنسان الترابي أراد أن يرتفع ويصير مثل الله، فإذا بالله ينزل ليصير شبه الناس!! الإنسان أراد أن يكبر ذاته، فعالجه الرب بأن أخلي ذاته. مقاييس العظمة كانت مرتبكة في حياة الإنسان. فأصلحها له الرب. كان يري العظمة في الكبرياء، فشرح له الرب عمليًا كيف أن العظمة في التواضع. ووضع ذلك المبدأ العجيب: "أكبركم يكون خادمًا لكم. فمن يرفع نفسه يتضع، ومن يضع نفسه يرتفع" (مت23: 11، 12). كان الناس يقيسون عظمة الشخص بمقدار انتفاخه وتوقير الناس له. لذلك كان الكتبة والفريسيون: "يحبون المتكأ الأول في الولائم، والمجالس في المجامع، والتحيات في الأسواق، وأن يدعوهم الناس سيدي سيدي" (مت23: 6، 7). فجاء السيد المسيح يعطي مثالًا آخر للعظمة، العظمة الهادئة المتضعة غير المنتفخة البعيدة عن الكبرياء ومديح الناس، عظمة القلب النقي المنتصر على المجد الباطل، عظمة البساطة والوداعة. ولأول مرة بدأنا نسمع عن جمال الاتضاع... قبل السيد المسيح كانوا يرون العظمة، كعظمة الملوك، في فخامتهم وحسن منظرهم، مثل شاول الملك الذي: "من كتفه إلى فوق، كان أطول من كل الشعب" (1صم9: 2). كانوا يرون العظمة في المركبات والسيوف وإحاطة الشخص نفسه بالجنود ورجال الحاشية والعبيد والخصيان...!! فأتاهم السيد المسيح بصورة أخري للعظمة، عظمة مالك السموات والأرض الذي ليس له أين يسند رأسه. عظمة الشخص الذي ليس له مكان إقامة، وليس له منصب ولا وظيفة في المجتمع، ومع ذلك يهز المجتمع كله بأصابعه !!... لقد جاء السيد المسيح بصورة أخري للعظمة لم يرها الناس من قبل... كانوا يفهمون الكرامة بأن يجلس العظيم فلا يستطيع أحد أن يقترب إليه، أو أن يمشي في هيبة ووقار لا تقرب منه امرأة ولا طفل لذلك عندما اقترب الأطفال من المسيح، انتهرهم التلاميذ!! (لو18: 15). فقال لهم الرب " دعوا الأولاد يأتون إلى ولا تمنعوهم، لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله".. وتعجب التلاميذ، وكانوا يفكرون في قلوبهم: "ما هذا الذي نراه منك يا رب؟! إنك كبير عن هذا المستوي، نجلسك على عرش عظيم، والناس يسجدون لك من بعيد!! لا يستطيع الكبار أن يقتربوا إليك، فكم بالأولي الأطفال!!".. وكأن السيد المسيح يجيبهم عن كل هذا: "دعكم من هذه الصورة الخاطئة التي أخذها الناس عن العظمة". نفس الأمر تكرر في بيت الفريسي عندما أتت امرأة خاطئة وبللت قدمي المسيح بدموعها ومسحتها بشعر رأسها، وكانت تقبل قدميه وتدهنهما بالطيب (لو7: 38) فتأفف الفريسي، وتذمر في قلبه... كيف يقبل السيد المسيح أن تلمسه امرأة خاطئة وتقبل قدميه...! ولكن السيد المسيح دافع عن المرأة، ورآها أعظم من الفريسي، لأنها أحبت كثيرًا، فغفر لها الكثير... لم تكن العظمة في نظر السيد المسيح هي الترفع عن الناس والتعالي على الضعفاء، وإنما محبة الناس والعطف عليهم... نفس الانتقاد وجهوه إلى الرب في جلوسه مع الخطاة والعشارين، كما لو كان في جلوسه معهم أو اشتراكه في موائدهم، انتقاص من قدرته وكرامته. أما الرب فكان يرى الكرامة كل الكرامة في البحث عن هؤلاء الضالين وإنقاذهم مما هم فيه. وهنا تبدو كرامته كراع، ومعلم... كل هذا يقنعنا بأن السيد المسيح في مجيئه إلينا كانت له إلى جوار الفداء أسباب أخري، وإن كانت جانبية... |
||||
04 - 03 - 2014, 04:08 PM | رقم المشاركة : ( 39 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
أسباب أخرى لمجيء المسيح لقد جاء السيد المسيح لكي يصلح التعليم الفاسد الذي وقع فيه الناس، ولكي يصحح المفاهيم الخاطئة للشريعة وللناموس وللمبادئ العامة في الحياة... ذلك لأن الكتبة والفريسيين وزعماء اليهود وكهنتهم ورؤساءهم كانوا قد شوهوا كل شيء، وفسروا الدين حسب مزاجهم الخاص، وأبطلوا وصيه الله بسبب تقاليدهم (مت15: 6). ووضعوا على أكتاف الناس أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل، وأغلقوا ملكوت السموات قدام الناس، فلا هم دخلوا، ولا جعلوا الداخلين يدخلون (مت23). من أجل ذلك وبخهم السيد المسيح، وكشف رياءهم أمام الناس. وقال عن أمثال هؤلاء المعلمين الكذبة: "جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص" (يو10: 8). ذلك لأنهم غرسوا في أذهان الناس وقلوبهم تعاليم خاطئة ومفاهيم منحرفة. لهذا جاء السيد المسيح ليقدم مفاهيم جديدة. جاء يقلب تلك الأوضاع، ويقيم ثورة في الحياة الدينية. أو كما قال للناس جئت لألقي نارًا على الأرض. فماذا أريد لو اضطرمت" (لو 12: 49). جاء يشعل ثورة، ما قبلها ثورة، ولا بعدها ثورة... ثورة على الفهم الخاطئ للدين، والفهم الخاطئ للمبادئ. أقام السيد المسيح دولة جديدة من الفكر العالي السامي، لا يمكن أن يصل إليه تفكير البوذيين ولا تفكير الكنفوشيوسيين ولا تفكير البراهمة ولا تفكير الفلاسفة جميعًا. جميع فلاسفة العالم انحنوا في خضوع وفي توقير أمام تعاليم المسيحية. وإذ بالمسيحية قد ارتفعت فوق كل تلك الفلسفات، وغلبتها جميعًا الفلسفة وغلبت القوانين، وغلبت الأنظمة الموجودة الجهلة الذين لا فكر لهم، ولكن لهم فكر المسيح. واستطاع هؤلاء أن ينشروا تعاليم الرب في كل مكان: "مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح" (2كو10: 5). حقًا لقد قدم السيد المسيح نورًا عجيبًا للعالم. نحن نفتخر ونفرح ونسر. يمتلئ فمنا بركة وتسبيحًا، لأن السيد المسيح أعطانا تعليمًا عظيمًا من هذا النوع يسمو على كل تعليم آخر. صدقوني لو كانت المسيحية كلها، ليست فيها سوي هذه الآية الواحدة التي تقول: "أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم" (مت5: 44). لو كانت المسيحية لا تحمل سوي هذه الآية الواحدة، لكانت هذه الآية الواحدة تكفي... هاتوا كل تعليم الفلاسفة لا تجدونه يوازي هذه الآية في سموها وعلوها وعمقها... لقد جاء السيد المسيح إلى العالم فبهر العالم بتعليمه... يقول معلمنا القديس متي بعد تسجيله لعظة السيد المسيح على الجبل: "فلما أكمل يسوع هذه الأقوال بهتت الجموع من تعليمه، لأنه كان يعلمهم كمن له سلطان وليس كالكتبة" (مت7: 28، 29). كان تعليمًا لا يدخل إلى الآذان والأذهان فقط، وإنما يخترق القلب ويستقر فيه، بسلطان... ذلك لأن: "كلمة الله حية وفعالة، وأمضي من كل سيف ذي حدين ومميزة أفكار القلب ونياته" (عب4: 12). ان يعطي التعليم ويعطي معه نعمة لتنفيذه. وربما عن هذا قال القديس يوحنا الرسول: "لأن الناموس بموسى أعطي. أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا" (يو1: 17). لم يكن تعليم السيد المسيح مبهرًا للشعب فقط، وإنما للرؤساء أيضًا، حتى في طفولته... إنه وهو صبي في الثانية عشرة من عمره، جلس في الهيكل في أورشليم، في وسط المعلمين، في وسط الكتبة والكهنة والشيوخ وأعضاء مجلس السنهدريم: "وكل الذين سمعوه، بهتوا من فهمه وأجوبته" (لو2: 47). ولما بدأ كرازته، نسمع عن نيقوديموس أحد رؤساء اليهود وعضو مجلس السنهدريم، أنه جاء إلى السيد المسيح ليلًا، يسأل ويتعلم 0 يو3: 1، 2)... |
||||
04 - 03 - 2014, 04:09 PM | رقم المشاركة : ( 40 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
المسيح وتوضيح المفاهيم وفي سلطان السيد المسيح في التعليم، وفي ثورته التعليمية، نجده يقول في سلطان: "سمعتم أنه قيل... وأما أنا فأقول لكم..." (مت5). من ذا الذي يستطيع أن يتكلم هكذا عن شريعة الله؟! ولكنه السيد المسيح، الذي أنار عقولنا بذلك السمو العجيب في فهم الدين، واستطاع أن يحول فكر البشرية وفهمها... الناس قبل مجيئه كانوا يفهمون أن القوة هي العنف، فأعطاهم مثلًا للقوة هو قوة المحبة الباذلة، التي تبذل ذاتها عن الآخرين، ومثلًا آخر عن القوة، هو قوة الروح في الداخل. والناس كانوا يفهمون الحرية بمعنى أن يفعل الإنسان ما يشاء. فوضح لهم أن الحرية الحقيقية هي تحرر الإنسان من الخطية وتحرره من عبودية الشهوة ومن سلطان الجسد، بل تحرره من الذات... وفي تعليم السيد المسيح أعطى الناس فكرة جديدة عن الله ذاته. كانوا ينظرون إلى الله كقوة جبارة لا يستطيعون الدنو منها. حتى أنهم عند إعلان الوصايا العشر على الجبل، كانوا مرتعدين، " وقالوا لموسى: تكلم أنت معنا فنسمع، ولا يتكلم معنا الله لئلا نموت" (خر20: 19). أما في مجيء السيد المسيح، فأراهم الله في صورة أخري. وأخذوا فكرة عن الله المحب الشفوق، الوديع المتواضع، الذي: "لا يخاصم ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته. قصبه مرضوضة لا يقصف، وفتيلة مدخنة لا يطفئ" (مت12: 20). الله الذي يجول بينهم كراعٍ يسعى في طلب الضالوكطبيب يضمد الجروح، وكنور حقيقي يشرق للضالين وغير العارفين... هذه هي الصورة الجديدة التي قدمها لهم عن الله فأحبوه: "والمحبة تطرح الخوف إلى خارج" (1يو4: 18). لأجل هذا كله فرح العالم بمجيء الرب... وقف الملاك يحمل البشرى للرعاة قائلًا: "ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب" (لو2: 11)... أي أن الفرح لم يكن للرعاة فقط، إنما لجميع الشعب. وليس لليهود فقط، إنما للعالم كله.. حقًا إنه فرح عظيم، رأيناه واضحًا على وجه سمعان الشيخ الذي حمل الطفل يسوع على ذراعيه، وبارك الله قائلًا: "الآن يا رب تطلق عبدك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام جميع الشعوب" (لو2: 29)... إنه فرح بالخلاص المنتظر منذ زمان. رأينا هذا الفرح على وجه حنة النبيه العابدة القديسة التي "وقفت تسبح الرب، وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداء في أورشليم" (لو2: 28). وظهر هذا الفرح على وجه أليصابات لما زارتها العذراء، فامتلأت أَلِيصَابَات من الروح القدس وقالت للعذراء: "من أين لي هذا، أن تأتي أم ربي إلى. فهوذا حين صار صوت سلامك في أذني، ارتكض الجنين بابتهاج في بطني" (لو1: 41 44)... حتى الجنين ابتهج، لأنه كان نبيًا، ويعرف من هو هذا المسيح الذي أتى... ولكن هل فرح الكل وابتهجوا، أم أن هناك من قد حزن للأسف بسبب مجيء المسيح؟ |
||||
|