28 - 03 - 2021, 12:44 PM | رقم المشاركة : ( 36381 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
يقول: "وسافر إلى كورة بعيدة" [13]. ما هي هذه الكورة البعيدة التي يمكن للإنسان أن يهرب إليها إلا "الأنا"؟ فينطلق الإنسان في كمال حريته بغباوة من الحياة السماويَّة، التي هي "الحب"، إلى الأنانية حيث يتقوقع حول ذاته، فيصير كمن هو في كورة بعيدة، لا عن الله فحسب، بل وعن الناس، وعن محبَّته لخلاص نفسه. خلال "الأنا" يفقد الإنسان التصاقه الداخلي بالكل، حتى وإن ظهر في أعين الآخرين اجتماعيًا ولطيفًا وسخيًا في العطاء! "الأنا" هي انغلاق داخلي محكم، يحبس فيه الإنسان نفسه وحيويته، ليفقد إنسانيته، ويعيش في عزلة داخليَّة حتى عن أولاده وأهل بيته! يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [لم يسافر الابن الأصغر إلى كورة بعيدًا، فيرحل عن الله مكانيًا، لأن الله حاضر في كل موضع، وإنما يرحل عنه بقلبه؛ إذ يهرب الخاطئ من الله ليبتعد عنه بعيدًا.] يقول القدِّيس أغسطينوس بأن هذا الرحيل هو اتكال الإنسان على ذاته وقوَّته الخاصة فيفقد عمل الله فيه، وعلى العكس الاقتراب من الله يعني الاتكال عليه، ليعمل فينا، فنصير على مثاله. يُعلِّق القدِّيس أمبروسيوس على السفر إلى كورة بعيدة، قائلاً: [الابتعاد الأعظم هو أن ينفصل الإنسان لا خلال المسافات المكانية وإنما خلال العادات، فلا يذهب إلى بلاد مختلفة بل يحمل اتجاهات مختلفة... من ينفصل عن المسيح يتغرب عن الوطن، ويصير وطنه هذا العالم، أما نحن فلسنا بعد غرباء ونزلاء بل رعيَّة مع القدِّيسين وأهل بيت الله (أف 2: 19)، لأنه "أنتم الذين كنتم قبلاً بعيدين صرتم قريبين بدم المسيح" (أف 2: 13). ليتنا لا نكن قساة على القادمين من كورة بعيدة، لأننا نحن أيضًا كنا بعيدين في كورة بعيدة... هي ظلال الموت... وقد صرنا أحياء في ظل المسيح، لذا تقول الكنيسة: "تحت ظله اشتهيت أن أجلس" (نش 2: 3).] |
||||
28 - 03 - 2021, 12:45 PM | رقم المشاركة : ( 36382 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
حدوث مجاعة "فلما أنفق كل شيء، حدث جوع شديد في تلك الكورة، فابتدأ يحتاج" [14]. إذ تهرب النفس من الله مصدر الشبع وكنز الحكمة تجد نفسها قد دخلت إلى حالة فراغ داخلي، فتكون كمن في "مجاعة". خُلقت النفس البشريَّة على صورة الله ومثاله، لن تشبع إلا به بكونه الأصل. العالم كله بإغراءاته، والجسد بشهواته، والحياة الزمنيَّة بكل أحداثها، لن تملأ فراغ النفس التي تتطلب ذاك اللانهائي لكي يملأها. يقول القدِّيس أمبروسيوس: [المجاعة التي اجتاحت تلك الكورة لم تكن مجاعة طعام، بل مجاعة للأعمال الصالحة والفضائل. هل يوجد أمر يحتاج إلى رثاء أكثر من هذا؟! فإن من يبتعد عن كلمة الله يصير جائعًا، لأنه "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله" (لو 4: 4). بالابتعاد عن الينبوع نعطش، وبالابتعاد عن الكنز نفتقر، وبالابتعاد عن الحكمة نصير جهلاء، وبالابتعاد عن الفضيلة نموت. إذن كان طبيعيًا (لهذا الابن) أن يحتاج، لأنه ترك الله الذي فيه كنوز الحكمة والعلم (كو 2: 3)، وترك أعماق الخيرات السمائية، فشعر بالجوع إذ لا يوجد ما يُشبع الإنسان الضال. الإنسان يصير في جوعٍ دائمٍ عندما لا يدرك أن الطعام الأبدي هو مصدر الشبع.] |
||||
28 - 03 - 2021, 12:45 PM | رقم المشاركة : ( 36383 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
رعايته للخنازير "فمضى والتصق بواحد من أهل تلك الكورةk فأرسله إلى حقوله، ليرعى خنازير، وكان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله، فلم يُعطه أحد" [15-16]. يقول القدِّيس أمبروسيوس: [يبدو أن هذا الرجل يشير إلى رئيس هذا العالم، وقد أرسل (هذا الابن) إلى حقوله، التي بها يعتذر الشاري عن وليمة الملكوت (لو 14: 18)، وفيها يرعى الخنازير التي طلبت الشياطين أن تدخل فيها فاندفعت إلى جرف هذا العالم (مت 8: 32). هذه الخنازير تعيش على النفايات والنتانة. كان يشتهي أن يملأ بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تأكله، فلم يعطه أحد. الخاطئ لا همّ له سوى أن يملأ بطنه، إذ قيل "آلهتهم بطنهم" (في 3: 19). الطعام المناسب لهم هو الخرنوب الفارغ في الداخل ولين في الخارج، الذي يملأ البطن بلا فائدة غذائية، وزنه أكثر من نفعه. يرى البعض في الخرنوب إشارة للأجناد الشرِّيرة، أو ضعف الفضيلة البشريَّة، كمن لهم رونق في العظات دون فائدة، تجتذبهم الفلسفة الباطلة. لهم المظهر الخارجي البراّق دون نفع. هذه الزينة الخارجيَّة لا يُكتب لها الدوام... "لم يعطه أحد"، إذ لا يمكن لأحد غير الله أن يهب الحياة.] يقدَّم لنا القدِّيس أغسطينوس ذات التفسير، إذ يرى هذا الإنسان هو "رئيس الهواء" الذي يدخل بالنفس المبتعدة عن الله إلى حقوله، أي يجعله تحت سلطانه، يخدم الأرواح الدنسة (الخنازير)، إذ يعمل لحساب الخطايا المتنوعة. أما الطعام الذي يقدَّمه فهو الخرنوب، أي التعاليم البشريَّة الجوفاء التي تبهج الشياطين وتملأ ذهن الخطاة لكنها لا تشبع النفس، فيعيش الخاطئ في حياة بلا سعادة، ويشعر كأنه لا يجد من يعطه شيئاُ مشبعًا! |
||||
28 - 03 - 2021, 12:47 PM | رقم المشاركة : ( 36384 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
رجوعه إلى نفسه "فرجع إلى نفسه، وقال: كم من أجير لأبي يفضل عنه الخبز وأنا أهلك جوعًا؟! أقوم وأذهب إلى أبي..." [17-18.] هذا هو بداية طريق التوبة: "رجع إلى نفسه"، ماذا يعني هذا؟ قلنا أن الابن الضال حين ترك أباه وسافر إلى كورة بعيدة، إنما ترك طريق الحب وتقوقع حول "الأنا" أو "الذات البشريَّة " ليعيش في أنانيته مؤلهًا ذاته، متمركزًا حول كرامته أو شبعه الجسدي أو ملذّاته. بهذا يكون بالحق قد انطلق حتى من "نفسه". فإنه إذ يتقوقع حول "الذات" إنما يحطم نفسه ويهلك حياته. بمعنى آخر ليتنا نميز بين "الذات ego" وحب الإنسان لنفسه بمعنى حبه لخلاصها، هذا ما أكده السيِّد المسيح حين أعلن من يهلك نفسه يخلصها، بمعنى من يحطم "الأنا" فيه إنما يعيش في طريق الحب لا لله والناس والملائكة فحسب، وإنما يحب نفسه أيضًا خارج دائرة الأنانية. وهذا ما أعلنه الناموس حين طالبنا أن نحب قريبنا كأنفسنا، إذ يقول القدِّيس أغسطينوس من لا يحب نفسه، أي خلاصها الأبدي، كيف يقدر أن يحب قريبه؟! إن كانت الخطيَّة هي تحطيم للنفس بدخول الإنسان إلى "كورة بعيدة" أي الأنا، فإن التوبة هي عودة الإنسان ورجوعه إلى نفسه ليعلن حبه لخلاصها، فيرجع بهذا إلى أبيه السماوي القادر على تجديد النفس وإشباعها الداخلي. بهذا إذ يرجع الإنسان إلى نفسه إنما يعود إلى كورة أبيه، ليمارس الحب كعطيَّة إلهيَّة، ويوجد بالحق كعضو حيّ في بيت الله يفتح قلبه لله وملائكته وكل خليقته حتى للمقاومين له. v إن كان قد رجع إلى نفسه، فلأنه كان قد ترك نفسه، إذ سقط عن نفسه وتركها، لذلك يرجع أولاً إلى نفسه، لكي يرجع إلى حالته الأولى التي سقط منها. v إذ سقط عن نفسه سقط عن أبيه. إذ سقط عن نفسه انطلق إلى الأمور الخارجيَّة. الآن يعود إلى نفسه فيعود إلى أبيه حيث تكون نفسه في آمان تام. القدِّيس أغسطينوس v رجع إلى نفسه بعد أن ابتعد عنها، لأن الرجوع إلى الرب هو رجوع إلى النفس. فمن يبتعد عن المسيح يقاوم نفسه. القدِّيس أمبروسيوس رجوع الإنسان إلى نفسه يحتاج إلى عمل إلهي ينير بصيرة الإنسان الداخليَّة ليكتشف فقره التام بل وموته، وفي نفس الوقت يدرك عمل الله الخلاصي ومحبَّته له، فيمتلئ رجاءً. فالقدِّيس بطرس رجع إلى نفسه عندما تطلع الرب إليه، فخرج سمعان بطرس خارجًا يبكي بمرارة، لكن ليس بدون رجاء، أما يهوذا فندم مدركًا شره، لكنه إذ لم ينظر إلى مخلِّص العالم مضى وشنق نفسه. ما أحوجنا أن نجلس مع نفوسنا الداخليَّة تحت رعاية ربَّنا يسوع المسيح نفسه الذي يشرق علينا بروحه القدُّوس فيبكتنا على خطيَّة، وفي نفس الوقت يعزينا بنعمته المجانية، يهبنا تنهدات القلب مع سلامه الفائق، يدفق فينا ينبوع الدموع لتختلط مشاعر التوبة ببهجة عمله الإلهي. فنرجع إلى نفوسنا بالحق، متكئين في حضن الآب الباسط يديه بالحب ليحتضننا. إذ رجع الابن الشارد إلى نفسه أدرك الحقيقة، أنه وهو ابن يشتهي أن يأكل الخرنوب مع الخنازير، بينما يأكل الأجراء في بيت أبيه خبزًا لا خرنوبًا! يعيش بعيدًا عن بيت أبيه في جوعٍ شديدٍ بينما يقترب الأجراء من أبيه ويشبعون! v بعد أن عانى في كورة غريبة ما يستحقه الأشرار، فسقط تحت المصائب التي حلت به، أي الجوع والعوز، أحسّ بهلاكه، مدركًا أنه بإرادته ألقى بنفسه في أيدي الغرباء بعيدًا عن أبيه، فصار في منفى عوض بيته، وفي عوز عوض الغنى، وفي مجاعة عوض الخيرات والترف؛ هذا هو ما عناه بقوله: "وأنا أهلك جوعًا" [17]. كأنه يقول: إني لست غريبًا بل ابن لأب صالح وأخ لأخ مطيع. أنا هو الحُر النبيل قد صرت أبأس من العبيد الأجراء، سقطت من الرتبة العاليَّة السامية إلى أحط درجة! القدِّيس يوحنا ذهبي الفم v آه أيها الرب يسوع، ليتك ترفع عنا الخرنوب، وتهبنا البركات، لأنك أنت المسئول في بيت أبيك! ليتك تقبلنا عبيدًا، وإن كنا قد جئنا متأخرين، لأنك تقبل الذين يأتون في الساعة الحاديَّة عشر وتدفع لهم ذات الأجرة؛ تهبهم ذات الحياة لكن ليس نفس المجد، فإكليل البرّ لا يحفظ للجميع، بل للذي يستطيع أن يقول "جاهدت الجهاد الحسن" (2 تي 4: 7)! يرى البعض أن يؤجلوا عمادهم أو توبتهم لحين قرب الموت، لكنك كيف تعرف أنه لا تُطلب نفسك في هذه الليلة (12: 20) ؟ القدِّيس أمبروسيوس هكذا يحثُّنا القدِّيس أمبروسيوس على الرجوع السريع إلى بيت أبينا حتى لا نُحرم نحن الأبناء من التمتع بما يناله ولو الأجراء، الذين يخدمون أبانا السماوي من أجل الأجرة. لنجر سريعًا إليه، يدفعنا في ذلك عوامل كثيرة، أولها أننا لا نعرف متى تُطلب نفوسنا فقد تكون "الآن". وثانيًا لكي نجاهد بالحق، فإن كانت عطيَّة الله لكل داخلٍ ملكوته هي "الحياة الأبديَّة"، لكن "نجمًا يمتاز عن نجم في المجد" (1 كو 15: 41)، وكما يقول رب المجد نفسه: "في بيت أبي منازل كثيرة" (يو 14: 2). لنقم الآن وننطلق نحو بيت أبينا السماوي مجاهدين كل لحظات غربتنا، لنقول بحق: "جاهدت الجهادالحسن، أكملت السعي، حفظت الإيمان، وأخيرًا قد وُضع لي إكليل البرّ، الذي يهبه لي في ذلك اليوم الرب الديان العادل" (2 تي 4: 7-8). |
||||
28 - 03 - 2021, 12:58 PM | رقم المشاركة : ( 36385 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الاعتراف بالخطأ، "وأقول له: يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك، ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك ابنا، اجعلني كأحد أجراءك" [18-19]. الروح القدس الذي يعمل فينا للتوبة يفتح قلبنا بالرجاء في الله واهب القيامة من الأموات، لكن بروح التواضع يهبنا أن نعترف بخطايانا. فالابن الضال بثقة يقول: "يا أبي"، وبتواضع يعلن أنه مخطئ وغير مستحق للبنوة طالبًا قبوله كأجير. v إذا سلمت النفس ذاتها للرب بطل قوَّتها، يظهر الله الصالح لها هذه الأوجاع والعيوب واحدة فواحدة لكي تحيد عنها. القدِّيس أنبا أنطونيوس الكبير v لنتعلم كيف نتضرع إلى الآب. قال: "يا أبي"! يا لرحمة الله وعطفه! فمع أنه قد أسيء إليه لكنه لا يرفض مناداته "يا أبي". "أخطأت إلى السماء وقدامك". وهذا هو الاعتراف الأول... قدام سيد الرحمة، أمام ديان الخطيَّة. الله يعرف كل شيء، لكنه ينتظر الإقرار بالاعتراف، "لأن الفم يعترف به للخلاص" (رو 10: 10). عندما يلوم الإنسان نفسه يخفف ثقل ضلاله، ويقطع عنه حدة الاتهام... إنك لا تخسر شيئًا عندما تعترف بما معروف لديه. لتقر بخطاياك فيشفع فيك المسيح لأنه هو شفيعنا لدى الآب (1 يو 2: 21). لتصلِ أيضًا الكنيسة لأجلك، ولتبكِ الجموع عليك، ولا ترتاب فإنك ستأخذ. الشفيع يعدك بالغفران، وصاحب الكرم بالنعمة، والدفاع يؤكد مصالحتك مع العطف الأبوي. ثق أن هذه حقيقة واسترح، لأن الله قوَّة! يهمه أن يشفع فيك حتى لا يكون قد مات لأجلك باطلاً. والآب يهمه أن يغفر، "لأنه إن كان بالناموس برّ، فالمسيح إذاَ مات بلا سبب" (غل 2: 21). "يا أبي أخطأت في السماء وقدامك" الخطيَّة تسيء إلى مواهب الروح السماوي، إذ كان ينبغي بالإنسان ألا ينحرف عن أحشاء هذه الأم "أورشليم" التي هي السماء. يقول: "لست مستحقًا أن أدعى لك أبنًا"، إذ يليق بالساقط ألا يتكبر بل يرجع متضعًا. القدِّيس أمبروسيوس v هذه الكلمات تخص من يفكر في التوبة معترفًا بخطاياه، لكنه لم يستخدمها بعد. أنه لا يتحدَّث الآن مع أبيه، إنما يعد بما ينطق به عندما يأتي إلى أبيه. لنفهم "المجيء إلى الآب" يعني الإقامة في الكنيسة بالإيمان، حيث نمارس فيها الاعتراف بالخطايا بطريقة قانونية فعّالة. القدِّيس أغسطينوس v كان يوجه الحديث لنفسه، ولكنه لا يكفي الحديث ما لم يأتِ إلى الأب. أين يبحث عنه؟ أين يجده؟ قم أسرع إلى الكنيسة لتجد هناك الأب، هناك الابن، هناك الروح القدس. الأب ينصت إليك، وأنت تتحدَّث في داخلك، ويسرع لمقابلتك. القدِّيس أمبروسيوس |
||||
28 - 03 - 2021, 12:59 PM | رقم المشاركة : ( 36386 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
البدء بالعمل، "فقام وجاء إلى أبيه" إن كان الابن الشارد قد سافر إلى كورة بعيدة من أجل ما حسبه تمتعًا بالحريَّة الشخصيَّة، يبذر مال أبيه كما يعلن له، فإنه أن رجع بذهنه إلى بيت أبيه أدرك أن المسافة مهما طالت بينه وبين أبيه لا تمثل عائقًا. جذبته أبوة أبيه، وسحبت ذهنه ليجد طريق العودة ليس طويلاً ولا مستحيلاً، فقام منطلقًا أيضًا بالعمل، سائرًا نحو أبيه، وكأنه يسمع صوت النبي زكريا: "هكذا قال رب الجنود: ارجعوا إليّ يقول رب الجنود، فأرجع إليكم يقول رب الجنود" (زك 1: 3). v لنعمل أيضًا، حتى وإن كنا خارج الحدود.َ لنرتفع إلى بيت أبينا، ولا نتوانى خلال الرحلة. إن أردنا فسيكون الرجوع سريعًا وسهلاً جدًا. فقط علينا أن نترك الكورة الغريبة التي هي الخطيَّة، لنتركها حتى نرجع سريعًا إلى بيت أبينا... قد يقول قائل: كيف أرجع؟ فقط ابتدئ بالعمل، فيتحقَّق كل شيء. القدِّيس يوحنا الذهبي الفم |
||||
28 - 03 - 2021, 01:00 PM | رقم المشاركة : ( 36387 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
لقاء مع الأب الحنون، "وإذ كان لم يزل بعيدًا رآه أبوه فتحنن، وركض، ووقع على عنقه وقبله. فقال له الابن: يا أبي أخطأت إلى السماء وقدامك ولست مستحقًا بعد أن أدعى لك ابنًا. فقال الأب لعبيده: اخرجوا الحلة الأولى..." [20-22]. يكشف هذا المثل عن أبوة الله الحانية، فإنه وإن كان لا يلزم الإنسان بالرجوع إليه، لكنه إذ يراه من بعيد منطلقًا نحوه يركض هو مسرعًا لا ليعاتبه أو يوبخه وإنما ليقع على عنقه ويقّبله. إنه ينصت لاعتراف ابنه المخطئ، لكنه لا يسمح له بالمذلة، فلا يتركه يقول: "اجعلني كأحد أجراءك"، إنما يطلب له ثوب الابن وخاتمه، مكرمًا إيَّاه في بيته! v ينصت الآب إليك وأنت تتكلم في داخل نفسك، ويسرع لمقابلتك. عندما تكون لا تزال بعيدًا يراك ويركض. إنه ينظر ما في داخل قلبك، ويُسرع حتى لا يؤخرك أحد، بل ويحتضنك. "مقابلته لك" هي سبق معرفته، و"احتضانه لك" هو إعلان رحمته، وتعبير عن حبه الأبوي. يقع على عنقك لكي يقيمك أنت الساقط تحت ثقل الخطايا، ولكي يرجعك إلى السماء إذ اتجهت إلى الأرض، فتطلب خالقك. يقع المسيح على عنقك، لكي يخلص عنقك من نير العبوديَّة، فيحملك نيره الهين (مت 11: 30)... يقع على عنقك بقوله: "تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم، احملوا نيري عليكم" (مت 11: 28). هكذا يحتضنك الرب عندما تتوب. القدِّيس أمبروسيوس v ماذا يعني: "ركض"؟ إلا أنه بسبب عائق خطايانا لا نستطيع نحن أن نبلغ إلى الله خلال فضيلتنا، لكن الله نفسه قادر أن يأتي للضعيف لذا يقع على عنقه. يُقبل الفمّ، أي يتقبل الآب بفرح ذاك الذي يعترف (بفمه) نادمًا من قلبه. القدِّيس يوحنا الذهبي الفم v إذ يركض يقع على عنقه، لأن الآب لا يترك ابنه الوحيد الجنس الذي يجري دومًا نحونا نحن الذين ضللنا طويلاً. "الله كان في المسيح مصالحًا العالم لنفسه" (2 كو 5: 19). إنه يقع على عنقه، ينحني ليحتضن بذراعه، أي بالرب يسوع المسيح. إذ يتعزى (التائب) بكلمة نعمة الله الواهبة رجاء غفران الخطايا هذا يتّحقَّق بقبلة الحب النابعة عن الأب عند الرجوع إليه في رحلة طويلة... لم يقل: "اجعلني كأحد أجراءك"، لأنه عندما كان في عوز إلى خبز اشتاق أن يكون ولو عبدًا أجيرًا، لكنه إذ تقّبل القبلة من أبيه بنبلٍ كفّ عن ذلك. القدِّيس أغسطينوس |
||||
28 - 03 - 2021, 01:01 PM | رقم المشاركة : ( 36388 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
العطايا الأبويَّة، "فقال الأب لعبيده: اخرجوا الحلة الأولى وألبسوه، واجعلوا خاتمًا في يده، وحذاء في رجليه.وقدَّموا العجل المسمن واذبحوه فنأكل ونفرح. لأن ابني هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالاً فُوجد، فابتدؤوا يفرحون" [22-24]. يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم أن الأب لا يوجه حديثه لابنه الراجع بل لعبيده، أو وكلائه، فإن كان التائب هو الذي جاء متوسلاً لكنه ينال الإجابة لا خلال كلمات موجهة إليه، وإنما خلال أعمال الرحمة التي تُقدَّم له. يرى الأب ثيؤفلاكتيوس أن هؤلاء العبيد هم الأرواح الخادمة، أو الكهنة الذين يمارسون العماد ويقدَّمون كلمة التعليم لكي تكتسي النفس بالمسيح نفسه. v يأتيك بالحلة والخاتم والحذاء. الحلة هي ثوب الحكمة التي بها غطى الرسل عري أجسادهم، وبها يكتسي كل إنسان. أخذوا الحلة لكي يستروا ضعفات أجسادهم بقوَّة الحكمة الروحيَّة، وقد قيل عن الحكمة: "غسل بالخمر لباسه" (تك 49: 11). الحلة هي الكساء الروحي وثوب العرس. الخاتم ليس إلا صك الإيمان الصادق وختم الحق. الحذاء يشير إلى الكرازة بالإنجيل. القدِّيس أمبروسيوس v الحلة الأولى هي الكرامة التي فقدها آدم، وأما العبيد الذين قدَّموها فهم الكارزون بالمصالحة... الخاتم الذي في اليد هو عربون الروح القدس بسبب شركة النعمة، إذ يُشار إلى الروح حسنًا بالإصبع... الحذاء في القدَّمين هما الاستعداد للبشارة بالإنجيل كي لا نمس الأرضيات. القدِّيس أغسطينوس v هذا هو عمل الحب الأبوي المترفق وصلاحه، أنه ليس قط يقيم الإنسان من الأموات، بل ويعيد إليه نعمته العظيمة خلال الروح؛ وبدل الفساد يلبسه ثوبًا غير فاسد، وبدل الجوع يذبح العجل المسمن، وعوض المسافة الطويلة التي قطعها في رحلته، فإن الآب المنتظر رجوعه إليه يقدَّم حذاء لرجليه. وما هو أعجب من هذا أنه يعطيه خاتم الخطبة الإلهي في إصبعه، وفي هذا كله يجعله في صورة مجد المسيح. القدِّيس البابا أثناسيوس هذه الأمور الثلاثة (الثوب والخاتم والحذاء) قدَّمها السيِّد المسيح للبشريَّة الخاطئة، ليقيم منها أبناء الله الحيّ، الذين يرتدون ثوب العرس اللائق بالوليمة السماويَّة، ويحملون خاتم البنوة، ويسترون أرجلهم ويحفظونها من أتربة هذا العالم ودنسه أثناء عبورهم خلال كلمة الكرازة. يمكننا أيضًا أن نقول أن هذه الأمور إنما قدَّمها للبشريَّة الراجعة إليه ليقيمها عرُوسًا وملكة له بعد أن عاشت زمانها كزانية روحيًا تجري وراء عريسٍ آخر. قدَّم لها أولاً الثوب المُوشى بالذهب، كقول المرتل: "قامت الملكة عن يمينك بثوب موشى بالذهب" (مز 45). وكما يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [لا يقصد هنا ثوبًا حقيقيًا بل الفضيلة... الثوب الموشى بالذهب ثوب به في نسيجه مواد متنوعة]. يكمل القدِّيس حديثه موضحًا أن الكنيسة تضم أصحاب مواهب متنوعة ومتمايزة، لكنها متكاملة، فتنسج ثوبًا واحدًا للعرس السماوي. أما الخاتم فهو عربون الروح، إذ يقول الرسول بولس: "ولكن الذي يثبتنا معكم في المسيح وقد مسحنا هو الله، الذي ختمنا أيضًا وأعطى عربون الروح" (2 كو 1: 21-22) هذا هو مهر العرس الذي قدَّمه العريس السماوي لعروسه الكنيسة لكي تحيا به حتى تدخل إلى كمال العرس. والحذاء يشير إلى الانطلاق للكرازة لتضم كل نفس إلى العضويَّة الكنسيَّة الروحيَّة فيكون له نصيب في العرس الأبدي. ما هو العجل المسمن الذي قدَّم في الوليمة ليأكل الكل ويشبعوا ويفرحوا؟ يقول القدِّيس يوحنا الذهبي الفم: [إنه الرب يسوع المسيح الذي دعي هكذا مقدَّما جسده الذي بلا عيب ذبيحة، وسمي "المسمن" بسبب غناه وتكلفته، إذ قادر على خلاص العالم كله.] ويقدَّم القدِّيس أغسطينوس ذات التفسير، قائلاً: [قد ذُبح لأجل كل إنسان يؤمن بذبحه.] وجاء تعليق القدِّيس أمبروسيوس هكذا: [بالتناول من الأسرار المقدَّسة يستطيع الإنسان أن يتقوت بجسد الرب الدسم بالقوَّة الروحيَّة... هو الذبيحة الكهنوتيَّة التي قدَّمت عن الخطايا.] إن كان الابن قد أسلم جسده ذبيحة من أجل خلاص البشريَّة، والآب قد فرح وتهلل من أجل هذا العمل المفرح، وطالب السمائيين أن يتقدَّموا لينظروا ويفرحوا بالإنسان القائم إلى الحياة السماويَّة بعد موته، إلا أن الابن الأكبر الذي يشير إلى المتكبرين من اليهود قد وقف خارجًا لا يريد أن يدخل ويفرح مع الكل، إذ يقول السيِّد المسيح: "وكان ابنه الأكبر في الحقل، فلما جاء وقرب من البيت سمع صوت آلات طربٍ ورقصًا. فدعا واحدًا من الغلمان وسأله ما عسى أن يكون هذا. فقال له: أخوك جاء، فذبح أبوك العجل المسمن، لأنه قبله سالمًا. فغضب، ولم يرد أن يدخل، فخرج أبوه يطلب إليه. فأجاب وقال لأبيه: هاأنا أخدمك سنين هذا عددها، وقط لم أتجاوز وصيتك، وجديًا لم تعطني قط، لأفرح مع أصدقائي. ولكن لما جاء ابنك هذا الذي أكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمن. فقال له: يا بني أنت معي في كل حين، وكل ما لي فهو لك. ولكن كان ينبغي أن نفرح ونسر، لأن أخاك هذا كان ميتًا فعاش، وكان ضالاً فُوجد" [25- 32]. يُعلِّق القدِّيس أمبروسيوس على تصرف هذا الابن الأكبر، قائلاً: [دين الابن الأكبر، لأنه جاء من الحقل. هنا الحقل يشير إلى الاهتمام بأعمال الأرض والجهل بأعمال روح الله (1 كو 2: 11). اشتكى لأنه لم يُعط جديًا ليذبحه، مع أن حمل الله قد ذُبح لغفران الخطايا، لا لذة الجسد. يطلب الحاسد جديًا ليذبحه، بينما يشتهي البار أن يُذبح من أجل حمل الله! بسبب الحسد أصيب الأكبر بشيخوخة (روحيَّة) مبكرة، وقد ظل خارجًا بسبب عدم محبَّته. الغيرة (الشرِّيرة) التي فاض بها قلبه طردته خارجًا! إنه أحد الذين لا يبصرون الخشبة التي في أعينهم، بينما ينتقدون القذى التي في الآخرين. إنه يغضب، لأن الغير ينال غفرانًا ونعمة! يا لعدم احتمال جنود الشر الروحيَّة، إذ لا تطيق أن تسمع ترانيم الفرح وتلاوة المزامير!... يشير الابنان إلى شعبين، الأصغر يمثل الأمم، والأكبر إسرائيل الذي يحسد الآخر من أجل تمتعه بالبركات الأبديَّة. احتج اليهود عندما دخل المسيح ليأكل عند الأمم، لذا طلبوا جديًا كتقدَّمة أثيمة مكروهة. يطلب اليهودي الجدي (باراباس)، والمسيحي يطلب حملاً (المسيح)، لذلك أطلق لليهود بارباس وقدَّم لنا المسيح ذبيحة. حل بهم منذ ذلك الحين فساد الإثم بينما نلنا نحن غفران الخطايا... يشير الابن الأكبر للفرِّيسي الذي برر ذاته في صلاته المملوءة غرورًا، هذا الذي حسب نفسه أنه لم يكسر وصيَّة الله مطلقًا، بممارسته لحرف الناموس (18: 11). بقسوة اتهم أخاه أنه بدد ميراث أبيه مع الزواني، مع أنه كان يجب أن يحترس في كلماته لأن الرب يسوع جاء لأجل العشارين والزواني. لم يُطرد الابن الأكبر، إنما وقف على الباب ولم يرد أن يدخل، إذ لم يقبل إرادة الله التي دعت الأمم للإيمان، بهذا صار الابن عبدًا، "لأن العبد لا يعرف إرادة سيِّده" (يو 10: 14)، وعندما عرفها غار وصار معذبًا من أجل سعادة الكنيسة، وبقي هو خارجًا. مع هذا أراد الأب المحب أن يخلصه، إذ قال له: "أنت معي في كل حين"... يا حبذا لو أبطلت حسدك، "كل ما هو لي فهو لك"، فإذ لك أسرار العهد القديم كيهودي، وتنال أسرار العهد الجديد أن اعتمدت أيضًا.] v الآن إذ كان أخوه الأكبر في الحقل وقد جاء إلى البيت سمع صوت موسيقى ورقصًا، فدعى أحد العبيد وسأله ما عسى أن يكون هذا. الابن الأكبر يُفهم بكونه الشعب اليهودي الذي كان في الحقل يخدم الله لأجل التمتع بممتلكات أرضية. ففي العهد القديم على وجه الخصوص كانت السعادة الأرضية وعدًا لمن يعبد الله. جاء إلى البيت وسمع موسيقى. الصوت المتناغم معًا يُسمى موسيقى، لأنه حينما يتفق كل الذين يخدمون الله في محبَّة يتممون قول الرسول: "أطلب إليكم أن تقولوا جميعكم قولاً واحدًا" (1 كو 1: 10) حينما يصير المسيحيون هكذا يبعثون موسيقى، أي صوتًا متناغمًا يسرّ الله، ويتحقَّق فيهم المكتوب: "كان لهم قلب واحد ونفس واحدة" (راجع أع 4: 32). لقد سأل أحد العبيد، أي قرأ أحد الأنبياء... إشعياء أو إرميا أو دانيال، إذ كرز الكل بمجيء المسيح وبالفرح من أجل مصالحة الأمم. قال له العبد: "أخوك جاء فذبح أبوك العجل المسمن" [27]، فغضب ولم يرد أن يدخل [28]. غضبه يعني مقاومة الشعب اليهودي لخلاص الأمم. حقًا فإنهم إلى هذا اليوم في غيرة من الكنيسة يقاومونها. الحقيقة التاليَّة هي أن الأب "خرج يطلب إليه" [28] ربَّما تعني أنه في نهاية العالم سيقبل كل اليهود الإيمان خلال رحمة الله، كقول الرسول بولس: "إلى أن يخلص ملئ الأمم وهكذا سيخلص جميع إسرائيل" (رو 11: 25-26)... بقوله: "قط لم أتجاوز وصيتك" [29] عني أن اليهود بدوا كمن عبدوا الله الواحد، وعندما اشتكى: "وجديًا لم تعطني قط" تُفهم عن المسيح. فإن المسيح وهو حمل الله دين كجدي بواسطة اليهود، أي دين كخاطئ. لهذا فالمسيح بالنسبة لنا هو حمل، وبالنسبة لهم هو جدي. الذين اعتقدوا أنه خاطئ وليس بارًا لم يستحقوا التمتع بوليمة جدي مذبوح أو حمل كذبيحة. عندما قال الأب: "أنت معي في كل حين وكل ما لي فهو لك" [31] يعني بذلك عبادة الله الواحد وكتابات العهد القديم والأنبياء الأمور التي بالتأكيد تخص الله وقد بقيت مع اليهود على الدوام. |
||||
28 - 03 - 2021, 01:03 PM | رقم المشاركة : ( 36389 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
هل الابن الأكبر كان أفضل من أخيه الأصغر في مثل الإبن الضال؟ وما هي معاني كل من أشخاص هذا المثل؟ الابنان وردا في مَثَل آخر عند السيّد!!! دعاهما ليعملا له في أرضه فرفضا بعد قبول، وقبل أحدهما ثم لم يذهب… والآن واحد وهو البكر بقي مع أبيه يعمل له تحت وصاياته مختبئاً في ذلّ وتردّي موقفه والثاني رحل تابعاً شهوته شاطراً نفسه عن أبيه ومُلك أبيه. في الأمثال الإنجيلية عامّة وجوه مطروحة أمامنا من وجوه الطبيعة البشريّة، يظهرها السيّد على حقيقتها ليرينا بدءاً وجهي آدم وحوّاء وما تفرّع عنهما من وجوه إذ تكسّرت الطبيعة البشريّة وتفتّتت بعد السقوط…. كان وجه السيّد المنتهى والبداية، فصار بعد السقوط ما يفرزه الإنسان في جميع حالاته وجهاً جديداً في لُمَحُ الوجه الأوّل. والآن لم يعد في غالبيّة الوجوه مسحة من القدّوس. لا لم يعد الوجه مرآة النفس حاملاً خلود الروح في أبديّة الإله. أمات الإنسان وجهه مغرباً وجه الإله… إبنان. الأكبر ولد صبياً. صار فرحة أبيه ليحمل ميراثه. اسمه. هذا في التقليد المشرقي. أحاطوه بالكثير الكثير من الترف والانتباه والعناية والحبّ. وربّما أسرفوا في عنايتهم به لحدّ إذكاء أنانيّته وهذا ما ظهر لنا في هذا المَثَل عينه…. لم يظهر لنا وجه الابن الأكبر وطبيعته، بل طبيعة علاقته بأبيه وبأخيه إلاّ حين عاد الهارب من وجه الآب إلى حظيرة الخراف، حين عاد إلى حبّ وقلب وملك والده. الأصغر كان صغيراً وبقي الأصغر… الأب هو الله، والابن الأكبر والأصغر هما مثال لشقيّ البشريّة. هناك دائماً وجهان أو وجه وقفا… ما يُرى وما هو مخبوء… ولنسرد الحدث سريعاً…. الابن الأكبر بقي يعمل في أرض أبيه، بقي في مملكة أبيه. والأصغر تعبت نفسه من أبيه ومن روتينيّة الحياة في المملكة فطلب ماله وكل ما يملك وارتحل بعيداً بعيداً إلى أرض غريبة ليحيا هناك متفلّتاً من كل قيد، من كل التزام، من كل روتينيّة… نادته أهواؤه فاستجاب لها. ارتحل مفجّراً كل دفائن السقوط المكبوتة في نفسه… وبقي الإبن الأكبر في مملكة أبيه، عند الله، في بيته يعمل بصمت لكنّه لم يحفظ الأمانة لتربية الملك له. لم يحفظ وديعة الحبّ. لم يغسل الوجه والقلب والنيّة بكلام أبيه، بوصيّته ليعمل رضاه… اختبأ في الإنجاز، في ذاته، وصار يغزل حياته حول أنانيّته حتى يظهر أفضل من أخيه…. تعلّم من الحيّة السقوط والكذب… وجلس عند قدمي أبيه يشكو أخاه الهارب الذي يأكل مال الأب مع الزواني!!! الأب صورة الإله والابنان الأكبر والأصغر هما صورتا الخليقة في الطبيعة البشريّة الساقطة… هما وجه آدم وحوّاء… في كليهما انغرز السقوط الكبير… البكر المحبوب في الخفية والأصغر المحبوب أيضاً والشرود في اتباع الوصيّة علانية… الله أحبّ آدم وحوّاء لكنّهما ما أحبّا بعضهما البعض… لم يغرفا حتى وهما في الفردوس من رحيق الفردوس ونوره… فإذ أتتهما الحيّة فارزة واقهما، بثّت بل بخّتْ فيهما السمّ فتفجّر منها إدانة، أتهاماً، كراهية وحقداً…. والآن نحن أمام إثنين أيضاً ابنان. أخذ كلاهما الحبّ ولم يفرّق الأب، الإله، أحدهما عن الآخر، كما لم يفرّق آدم عن حوّاء… لكنّهما هما سقطا واعتلى وأحدهما الحياة مع أبيه بالكذب والمواربة والآخر بالرحيل والرجوع لأنّه جاع وعطش…. هل يفضل الابن الأكبر على الأصغر؟! أو الأصغر على الأكبر؟ّ! هي يفضل آدم على حوّاء أو حوّاء على آدم؟! هل يحبّ الإله أكثر أو أقل أحداً منهما؟!… الله وحده هو القدّوس، معطي الحياة… يقولون مقسّم الأرزاق، لكنّه بالحقيقة يغدق كل ما عنده على كل مَن يخلق! المهم أن يسمع الإنسان نداء الإله ويعود إليه ابناً تائباً إلى أبيه… لأنّ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله…. وحدها ابنة الملك حافظت على الأمانة وحفظتها في قلبها حاملة سرّ السماع لتدفعه هدية للبشريّة، بعد أن قدّمتها هي هدية للإله…. توبة البشريّة تكشّفت حين قدّمت حنّة بكرها ووحيدتها من عقرها هدية للإله. والإنسان بدوره عليه أن يقدّم ذاته طوعاً عن كل شيء ولكل شيء حتى تحمله والدة الإله إلى ابنها متشفّعة به تائباً كي يخلّصه المصلوب والقائم من بين الأموات. كذبة البشريّة أنّها تفاضل. أنّها تزكّي. والربّ قال للابن الأكبر أنت معي في كل حين أما أخوك هذا فكان ميتاً فعاش وكان ضالاً فوجد…. هذه رحمة الربّ العظيمة للبشريّة هكذا يفضل الواحد عن الآخر بالرجعة إلى حضن الآب كهذا الابن الشاطر. (الأم مريم زكا) “من المفيد جداً قراءة الأسفار الإلهية. إنها تجعل النفس حكيمة، إنها توجّه الروح نحو السماء، إنها تدفع الإنسان نحو الامتنان، إنها تقتل الرغبة بالأمور الأرضية، إنها تدع أذهاننا تتمعّن على الدوام في العالم الآخر؛ إنها تدفعنا للتصرف بما يتفق مع المجازاة التي نتوقعها من الرب، وتجعلنا جاهزين لنحمل على عاتقنا الحِمْل الذي يتطلبه تعقّب الفضيلة” (القديس يوحنا الذهبي الفم) “صرنا بكِ مشاركين الطبيعة الإلهية، يا أمّ الإله الدائمة البتولية، لأنك ولدتِ لنا إلهاً متجسداً، لأجل ذلك بحسب الواجب نعظّمك كلنا بحسن عبادة” (ثيؤتوكيات) |
||||
28 - 03 - 2021, 01:07 PM | رقم المشاركة : ( 36390 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تفسير مثل الابن الضال 11. وقال انسان كان له ابنان. 12 فقال اصغرهما لابيه يا ابي اعطني القسم الذي يصيبني من المال. فقسم لهما معيشته. 13 وبعد ايام ليست بكثيرة جمع الابن الاصغر كل شيء وسافر الى كورة بعيدة وهناك بذر ماله بعيش مسرف. 14 فلما انفق كل شيء حدث جوع شديد في تلك الكورة فابتدا يحتاج. 15 فمضى والتصق بواحد من اهل تلك الكورة فارسله الى حقوله ليرعى خنازير. 16 وكان يشتهي ان يملا بطنه من الخرنوب الذي كانت الخنازير تاكله. فلم يعطه احد. 17 فرجع الى نفسه وقال كم من اجير لابي يفضل عنه الخبز وانا اهلك جوعا. 18 اقوم واذهب الى ابي واقول له يا ابي اخطات الى السماء وقدامك. 19 ولست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا. اجعلني كاحد اجراك. 20 فقام وجاء الى ابيه. واذ كان لم يزل بعيدا راه ابوه فتحنن وركض ووقع على عنقه وقبله. 21 فقال له الابن يا ابي اخطات الى السماء وقدامك ولست مستحقا بعد ان ادعى لك ابنا. 22 فقال الاب لعبيده اخرجوا الحلة الاولى والبسوه واجعلوا خاتما في يده وحذاء في رجليه. 23 وقدموا العجل المسمن واذبحوه فناكل ونفرح. 24 لان ابني هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد. فابتداوا يفرحون. 25 وكان ابنه الاكبر في الحقل. فلما جاء وقرب من البيت سمع صوت الات طرب ورقصا. 26 فدعا واحدا من الغلمان وساله ما عسى ان يكون هذا. 27 فقال له. اخوك جاء فذبح ابوك العجل المسمن لانه قبله سالما. 28 فغضب ولم يرد ان يدخل. فخرج ابوه يطلب اليه. 29 فاجاب وقال لابيه ها انا اخدمك سنين هذا عددها وقط لم اتجاوز وصيتك وجديا لم تعطني قط لافرح مع اصدقائي. 30 ولكن لما جاء ابنك هذا الذي اكل معيشتك مع الزواني ذبحت له العجل المسمن. 31 فقال له يا بني انت معي في كل حين وكل ما لي فهو لك. 32 ولكن كان ينبغي ان نفرح ونسر لان اخاك هذا كان ميتا فعاش وكان ضالا فوجد. ------------------------------------- عاد نرساي إلى انجيل لوقا، فقرأ مثل الابن الضال (15: 11- 32) كما تحدّث عن فرح عودة الخاطئ في المثلين السابقين لهذا المثل (لو 15: 1-10). بعد أن أورد المثل (3- 20)، توقّف عند الابن الأصغر (21- 46) الذي ابتعد عن أبيه وصار أجيراً يرعى الخنازير (47- 69). وتساءل الشاعرُ عن الغنى الأدبي للخبر (70- 84)، فرأى فيه مثَلاً يطلب تفسيراً (85- 122): الانسان أو الأب، الابن الاصغر.... وفعلت الخطيئة فعلها في الابن الأصغر (23- 148) قبل أن يعود إلى ذاته (149- 182) وينطلق إلى أبيه (183- 202). استقبل الأب ابنه (203- 216) وسمع كلامه المتواضع (217- 244)، فغفر له ودلّ على رحمته العظيمة (245- 264)، وأعاد إلى الابن كرامته (265- 276). وبعد كلام عن الأخ الأكبر (277- 296)، يتحدّث الشاعر عن ألم الوالد مع ولديه (297- 306). في النهاية، يبحث الشاعر عن المعنى الروحي للمثل في خط ما نقرأ من شرح مثل الزؤان في انجيل متّى (13: 36- 43): بالنسبة إلى الابن الأصغر (307- 332) وإلى الابن الأكبر (333- 362)، وأخيراً، بالنسبة إلى حياتنا (363- 394)، وإلى كل واحد منا (395- 432). ------------------------------------- طلبتُ أن أتتلمذ لدى المعلّمين، لدى أسفار الروح، فشرعتُ أهجّي السطور المكتوبة: رجل وابناه. المثل الانجيلي وقعتُ في رأس المقطع على خبر اقتسام الخيرات: أبٌ يورث ابنيه غنى حبّه. 5. سمعتُ الأصغر يقول لوالده: "أعطني حصّتي فأكون مسلّطاً على نشاطي، أعطنيه لأكون سيّد أموالي وأدبّر ما لي: حقُّ أبناء الأحرار أن يكونوا أسياداً، فهبني أن أمتلك اسم الابن بالفعل، 10. فيعرف كلُّ انسان أنني من نسل يملك الحريّة. إن كنتُ الوارثَ، فحقّق فيَّ اسم الوارث، واختبر وجداني وامتحنّي: هل أدبّر حياتي". عرف الأب أن ولده لن ينجح، فما رفض أن يُلبّي له رغبة نفسه. 15. ومع أن ضلال الابن لم يضلّ من عذوبته، لم يفكّر بأن يكثر العطاء لمن نقص فهمُه. ومع أن من حقّه أن يكثر العطاء لمن يستحقّ، أعطى بالتساوي غنى عذوبته العظيم: قسم أبو المراحم بالتساوي غناه لابنَيه، 20. وما حسب حساب الفاجر، الذي تواقح فسأل. الابن الأصغر أخذ ابنُ الغنيّ ميراثَه، وأمسك أمواله، فانفصلا كل بحصّته، وصار الواحد غريباً عن الآخر. جمع الأصغر الغنى الذي وصل إليه من بيت أبيه، وابتعد، فأقام في موضع يبتعد به عن معارفه. 25. انفصل بمقتناه، وانفصل عن حبّ والده، ورغب وأحبّ الإقامة مع الغرباء. نسيَ عنايةَ البيت الأبويّ وما فيها من جمال، وشرع يتيه في ما لا يليق ببيوت الأحرار. خرج بالنفس والجسد، وتنكّر لبني جنسه، 30. فراحت مقتنياتُه مع أفكاره في إثر الضلال. أخذ الضال كل غناه وخرج معه، وما أبقى لدى قرابته فضلة حبّ. خرج من الأمان، وأحبّ الصحراء المليئة بالرعدة، فاهتمّت نفسُه بالشراهة والفجور. 35. لزم الشرّ، فحبلت أفكاره بالشهوة البغيضة، وولد فمُه ثمرةَ الفجور التي ربّتها عيناه. سحر الفجورُ عقل الابن الحكيم، ومثل منفيّ، خرج ينحطّ أمام الدناءات. نسي حكمته، واحتقر اسم كرامته، 40. فما عاد يتذكّر من هو، وابن من هو، وما هو نسله. أكل طعام الشراهة مع الشرهين، وأغنى نفسه بشراب الشرّ مع الفاجرين. سكر عقلُه بشهوات الجسد والنفس، وأسرعت عيناه، بلا حياء، وراء رغباته. 45. تكالب، واشتعلتْ فيه الشهوات اللحميّة، طعام الموت، فما تبيّن أنه يُبيد بطعامه مقتنى حياته. صار الابن أجيراً بدّد غناه، وصرف فضّته لدى الزناة، فأضاع فهمه ومقتناه. فاستقرض وأكل، ولم يُشبع شرهه، 50. فصار في الضيق، ورهن نفسه وأجّرها لقاء الأكل اليوميّ. اتّفق الشره مع الغاشّ ليعمل مجاناً، فكدَنه المبُغضُ بنير قاسٍ ومرير. استغلّه بقساوة وبلا رأفة، واستصغره، فجعله يرعى الحيوان الحقير. 55. أرسله، وهو أكرم الكرماء، يرعى الخنازير الحقيرة، ووهبه الخروب طعاماً، كما للبهائم. البغيضُ الذي استأجره، ساوى حياتَه مع الحيوانات، وأسر سعْيَ تمييزه مع (الحيوانات) الصامتة. كان طعامهُ أقلّ من طعام البهائم التي يقودها، 60. وقوتُ حياته أقلّ من قوت المواشي. أكل الأكلَ الحقير فما شبع، ورغب أن يملأ بطنه من الخروب. وإلى جوعه أضيف عذاب قاسٍ، حين تطلّع إلى أكله: هو قليل وقريب من لا شيء. 65. عذابُ نفسه ضايقه أكثر من الجوع: بعد أن أضاع مقتناه، أضاع حكمتَه! أردتُ أن أتأمّل عذابه وجوعه، فتميّزتُ السبب، ولماذا كُتب عن الاثنين في الانجيل. سحقني خبرُه منذ البداية حين وقعتُ عليه. مثل أم حكاية من الواقع 70. هل هو مثَل، هل هو حكاية؟ وتساءلتُ: هل خبرُه حقيقيّ، أو غير حقيقيّ هو؟ كُتب: أَخذ الغنى من بيت أبيه. وحين قرأتُ ظلّت أفكاري تتردّد، فتبصّرتُ: هل أقرأ الخبر كمثل أو حكاية؟ 75. دُهشتُ جداً من كاتب الروح يكتب الخبر، سواء اهتمّ، فرسمه في ذاكرته أو جعله في كتاباته. مثل صورة أدخله بين الرموز ورسّخه، ليرى كلُّ انسان من هو، وابن من هو ولماذا صار أجيراً. إذن، يجب أن لا نشكّ في الحكاية، 80. وكارِزُ الروح يبيّن أن الخبر حقيقيّ. هو مثل، لا خبر واقعي وإذ هو مثَلٌ مثَل، فالخبرُ حقّ والدرسُ عظيم. غنى عظيمٌ خفيَ في خبره وإن كان مثَلاً، فيه ترسّخت قوّة الخالق وعملُ يديه. تفسير المثَل 85. "فالانسان" الذي كُتب عنه هو إله الكلّ الذي أَتقن كلّ شيء، وابناه طغمتا الأبرار والخطأة. "والغنى" الذي قسمه هو التمييز الذي جعله للناطقين، لكي يتميّزوا قوّة الخالق الذي أكرمهم. "الابن الأكبر" (يدلّ) على الكمال وأصدقاء الحبّ، 90. "والابن الأصغر" على الراغبين في حبّ الأمور الأرضية. للصالحين والأشرار وهب الخالقُ قوّة حكمته، وجعل تمييزَه في الأثمة والصديقين. بحبّ حافظ الأبرارُ على كنوزهم من الضرر، والقلوب المتراخية بدّدت الغنى بإرادتها. 95. أولئك هم البنون الذين ظلّوا لدى أبيهم، وأدّوا الحبّ الواجب من الانسان إلى خالقه. أخذ الأصغرُ الغنى الذي وصل إليه وابتعد جداً، (فدلّ) على الأشرار الذين أبغضوا حبّ الأمور الروحيّة. خرج هؤلاء، ضلّوا بعيداً عن الحقّ، 100. وابتعدوا وأقاموا هناك بمنأى عن اسم الخالق. هم بدّدوا الغنى والفهم الذي لهم، فترك زادُ الحياة معرفتَهم وانتهى. هم أكلوا وشربوا بشراهة، وما شبعتْ رغبةُ أفكارهم البغيضة. 105. هم عملوا مجاناً مع الماكر، فخطئوا واستسلموا لرغبات أعمالهم. "من استأجره" جعله يعمل معه وما أعطاه أجراً: هو قاتل البشر، وذاك الذي فرغ قلبه من الرأفة. له أجرّ نفسه ابنُ الأحرار وصاحبُ السلطان، 115. فجعله محروماً من توجّهات (تُعلّمه) التمييز. هو الماكر الذي جعله راعي الحقائر، ووهبه طعام النجاسة، فلم يشبع. هو من عوّده على شرب النجاسة والفجور، فسكر بالخطيئة، كما بخمر، وضلّ عقلُه. 115. اقتدى الخاطئ بالثلاّب، من خلال أعماله، ومعه أجّر نفسه لرغبات لا تُفيد. "الخنازير" التي كُتب عنها: رعاها مجاناً، ولا قُوتَ له، (تدلّ) على عمل الاثم الذي لا فائدة منه لمن يعمله. وحين قال أيضاً: "رغب في أن يملأ بطنه..."، 120. (دلّ) على الرغبة الشريرة في سكرات لا تشبع. "الخروب" هو مختلف الشراهات: بقدر ما يتيه بها القلب، يزداد شراهة. عمل الخطيئة في الابن الأصغر هكذا تفعل الخطيئة كل ساعة تجاه أقربائها، فهي تحرّك القلب للتأمّل بما لا يليق به. 125. كالزانية يُبرز وجوَه النجاسة، وبدل الجسم، يدخل فيزني مع الروح. ففساده أشنع من فساد الحيوانات الذليلة، وأنجس من اتحاد البهائم التي لا فهم لها، اتحادُه. معها زنى الابن الضالّ الذي بدّد خيراته، 130. فنجّسته باتحاد لا شرعيّة فيه. حبّها فصله عن حبّه الشخصيّ لوالده، وبمناجاتها أضاع مناجاة الحبّ مع أبيه. عرّته من الفهم كما من المال، واستعبدته لعبوديّة الاثم لدى الغرباء. 135. ابن الأحرار يعمل عملَ العبيد مع من أهانه، فكدَنه مع الحيوانات، بالعمل تجاه الطعام. بلا رأفة، عمل الشرّير بالابن المنفيّ، وما حزن على انحطاطه الحقير الدنيء. في جهله أكرم من ذلّه، 140. فما ميّز لمن يتعب، ولا عرف لمن يعمل. غرقت أعضاء نفسه، وكأنها نعست، فما أدرك وقرَ العمل القاسي. سكر قلبه بالشهوات، كما بالخمر، وما رأى بشاعات نفسه البغيضة. 145. مثل ميت ارتمى في اثم النفس وبشاعتها، وعثُّ الشهوات نخره وما أحسّ به. فسُد وتفكّك كله بكل الشهوات، فما بقي فيه جزء حيٌّ مُعافى. عودة إلى الذات غرق في مرض قاس أقام فيه، فصمتَ، 150. إلى أن دعته الطبيعة من صمته وتكلّمت معه. مثل شوكة غرزت الطبيعة في ضميره، فاستيقظ فجأة ورأى شخصه مهاناً في الاثم. رأى جسده يتفكّك ونفسه، وقرحُ الاثم (يسيل)، فتعذّب، وناح على فساد لا حُسن فيه. 155. ولول وبكى بأنّات كئيبة، واشتكى، وقال في نفسه: "أين أنتِ أيها الارادة التي تميّز؟ أين أنتِ، يا معرفتي، يا مالكةَ حكمة التمييز، صرتِ خرساء وما تأمّلتِ في حقارة نفسك. أين أنت، يا ضميري، يا رفيق الساهرين الذين على الدوام يسهرون: 160. دخل اللصوص وسلبوا غناك، وما توجَّعتَ ولا شعرت. أين أنتَ، يا عقلي، يا حوذيّ الجسد، ومدبّر الحواس: بَطُل سعْيُك السريع فغُلبتَ في الجهاد. أين أنتِ، يا نفسي، يا ينبوعاً يسقي الحياة للجسد: فرغتْ حكمتُك، وتوقّف ريّ النطق فيك". 165. وتساءل: "أين أنتَ، يا موت، يا من مُتّ في الاثم، لا أعرف إن كنتُ بين الأحياء أو بين الأموات". ناح على ذلَّه، وتعذّب كثيراً، وبدأ يصيح بالاثم الذي أرسله إلى المنفى وسباه غناه. "أواه من الاثم"! صاح الخاطئ بمرارة: 170. "بدّد خيراتي، وجعلني أضحوكة لدى معارفي. أواه من البغيض الذي يبغض ويجعل تابعه بغيضاً: جعلني بغيضاً وقبيح الوجه على عيون الناظرين إلي. أوّاه من النجس، فكله منجّس وينجّس الكل: نجّس حواسي وجعلني أناجي المخازي. 175. أواه! ما أمرّ خدمة الإثم، وما أثقل نيره! باطلٌ تعبُ من يؤجّر نفسه لقساوته. أوَّاه! ما أعمى الجهالة، ويا شرّ مناجاتها! هي تجعل الانسان كله أعمى عمّا ينبغي. جعلتني الجلة أعمى وناقص العقل، 180. فبدّدتْ غناي الذي وصلني من بيت أبينا. هي التي عرّتني من مساعيّ المميّزة، فعشتُ بأكل حقير، أكل الخروب. انطلاق إلى الأب "كم من الأجراء يعيشون مجاناً في بيت أبينا، وأنا هنا، في جهلي، أهلك من الجوع. 185. كم من الناس يأكلون من فتات مائدة أبي، وأنا أُحرم من القوت، وما من أحد يروّح عني. أقوم وأمضى إلى أبي وأبى الجميع، وأقول: "خطئت إلى السماء وأمام وجهك". خطئتُ كثيراً، لا قليلاً، وأنا أعترف. 190. ظلمتُ حبّك وبدّدتُ غنى عذوبتك". أقول له: "خطئتُ وأنا لا أستحقّ أن أدعى ابنك. منذ الآن، إجعلني مثل أجرائك فأحيا في نعمتك". قال الابن الضالّ هذا في نفسه، وشرع يسير في انسحاق النفس، باتجاه أبيه. 195. وإذ كان يسير، امتلأ قلبه رعدة وحبّاً، فالرعدة تخيف، والحبّ يدعونا لنتجرّأ ونسأل. رعدةُ ذنوبه جعلته يرتجف من فكرة العودة، وحبُّ أبيه نبّهه لكي لا يتوانى. محبّة الحبّ تغلّبت جداً جداً على الرعدة، 200. فأمسكتْ يديه، وقوّت حواسه لكي لا يتراخى. عاد الضائع في الطريق الذي به خرج من بيت أبيه، وجعل علامة التوبة أمامه حتى نهاية الطريق. استقبال الأب لابنه رأتْه الرحمةُ وهو يسير إلى موعد الأمان، فخرجتْ إلى لقائه لكي تعزّيه من كربته. 205. رأتْه الاشارة التي رأته قبل أن يخرج، فأسرعت إلى لقائه وارتمت على عنقه وقبّلته بحبّ. رأته تعباً، مرهقاً، مسحوقاً بأعمال الاثم، فتحنّنت على ضعفه وعلى حقارته وسط الغرباء. رأته ممزّقاً بجراح سبّبها له الشرير، 210. فضمّدته بالمراهم وغسلت منه وساخة الاثم. رأته منجَّس الشهوات، نفساً وجسداً، فرشّته كله بالماء النقيّ، ماء سرّ الغفران. رأتْ ما يجمّد الجرأة ويمنع الكلام من فمه، فشرعت تترجم أقوالاً تملأ نفسه تعزية: 215. "ها هو ابني الذي كان ميتاً. هو الثاني. عاد حياً. والنعجة التي ضلّت من القطيع، ها أنا وجدتُها". كلام الابن الأصغر سمع الولدُ الصبيّ قول الرجاء الذي ينادي به أبوه، فشرع يلجلج مع والده ويجهر بصوته. سمع برجاء يُحيي الموتى الذين أماتَتْهم الخطيئة، 220. فشرع يتوسّل لعله يبعثه من رذائله: "يا أبي، أثمتُ جداً، وخطئت بلا حساب، فلا أستحقّ أن أدعو نفسي باسم الوارث. لا يليق اسمُ الأبناء بمن لم يعد ابن الأحرار، ولا يحقّ لعبد الاثم أن ينال الحريّة. 225. لا تجملُ حريّةُ النفس بمن أبغض نفسه، ولا يمسك البليد عصا السلطان. أنا أصغر من أدعى الوارث والابن، وصغير جداً، ولا أستحقّ أن آخذ درجة اللامائتين. هب لي أن أعمل كغريب، من أجل خبزي اليوميّ، 230. فآخذ القوت مع الأجراء الذين في بيتك. وإن لم يمكن أن أكون أجيراً، فأعمل وآخذ أجرتي، أهّلني بنعمتك، أن آخذ أجراً كمسكين (من المساكين). فأنا أعلم أني خطئتُ كثيراً وخرجتُ من درجتي، ولا أقدر أن أفي دَين خطاياي. 235. لا أشكّ أنّ جهالتي أعظم من أن تُغفَر، وأن البحر أصغر من أن يُغسل نجاساتِ نفسي البغيضة. ليس بعدُ من دواء يقدر أن يشفي أمراضي الصعبة، إلاّ رحمة أبٍ ولدني بعمل يديه". بهذا الصراخ بكى موت نفسه، 240. وما توقّف عن التنهّد على شقاواته. صنع مناحة عظيمة على إثمه، كمن ينوح على ميت، وبكى خطيئته بالآهات والصراخ. امتلأ فمُه بكاء عظيماً، مع عقله، وسالت من عيونه دموعُ الألم. الأب الرحيم 245. دهش والده، ومعه أجواق العلاء، من صراخ كآبته، فأرسل إليه الحنان والمراحم لكي تُسكته. هتفت الرحمةُ وما توقّفت: "أسكت، أيها الخاطئ: أمر أبوك بأن يُمزّق صكُّ ذنوبك. أسكت ولا تبكِ بعد، لئلاّ تسحق نفسَك ووالدك: 250. فأبوك تعذّب أيضاً وتنهّد على آلامك". رأى والده أن الرحمة لا تكفي لإسكاته، فخرج هو بنفسه، وتوسّل إليه بأن يتوقّف عن البكاء. "توقّف ولا تبكِ ما أضعتَ في الأيام القديمة، ففي بيت أبيك غنى عظيم لا قياس له. 255. توقّف ولا تبك جرائم جهلك، فإن كان جرمك عظيماً، فأنا أحسبه كلا شيء وأنسيه. عرفتُ قبل أن تخرج (من البيت) أنك ستخطأ خطأ، وتجلّى لي أنك ستضيّع الغنى الذي أخذتَه. إرادتي رأتْك في ذهابك وفي إيابك، 260. ونظرتُ إليك في خطيئتك وفي توبتك. معك خرجتْ إلى بيت الغرباء، رحمةٌ تحنّنتْ عليك، وهي نصحتْك أن تعود إلى بيت أبيك وفيه ما فيه من أمان. فاقتربْ من خيراتك، وتنعّمْ بها كالوارث. ضع يدك على المال، وتدبّر بحكمة في ما يخصّك". عودة الكرامة إلى الابن 265. وأمر أبوه أهل بيته أن يكرّموه: يكلّلونه باسم الأب ودرجة اسم والده. "أخرجوا ثوباً نسجتْه الرحمةُ، واكسوه، فيعرف الجميع، من بهائه، ابن من هو. ضعوا له الخاتم، ختم أبيه، الحقيقيّ الحقيقيّ، 270. فيرى العبيدُ والأحرار أنه استعاد درجته. ليُجعل في رجليه الحقّ النقيّ الذي لا دجل فيه، فيدوس رأس الشرّير الذي سلبه خيراته. اذبحوا العجل أيضاً فيتنعّم به مع رفاقه، ويخزى المبغض الذي جعل الخروب طعامه". 275. ما قاله أبوه تمّ، وما أمره صُنع. فشرع العبيد والأحرار معاً يفرحون في يوم عودته. الأخ الأكبر أما أخوه الأكبر منه، فلم يكن هنا. كان في الحقول، يعمل عمل الأب بأمانة. وصلَ هو أيضاً، وجاء يومَ عودة أخيه: 280. فرأى أن وليمة عظيمة صُنعت في يوم عودته. حزن الأخُ جداً حين رأى عودة أخيه، وغضب، وعاد إلى عمله، وما أراد أن يدخل. سمع أبوه، فخرج إليه وطلب منه: هكذا خرج لاستقبال أخيه بحبّ ورحمة. 285. "لا تحزن، يا ابني، لعودة أخيك إلى بيت أبيه، لا تتنكّر له، بل شارك في يوم عودته". فأجاب هو أيضاً والدَه المتوسّل إليه، وبيّن حبّه الذي أكرم إرادة أبيه اكراماً. "كلّ هذا الزمن وأنا أعمل لديك عملَ العبيد، 290. فما وقّرتني يوماً (وأعطيتني) جدياً أتنعّم به مع أحبائي. وهذا الذي دمّر مقتنى بيتك بين الزواني، ذبحتَ له العجل، بعد أن عاد، وهو لا يستحقّ". فأجابه والده: "يا ابني، كل ما هو لي هو لك، وأنت مسلط على خيراتي، لأنك البكر. 295. فوجب عليك اليوم أن تفرح وتُنشد، لأن أخاك الميت عاد، وانبعث من ضلاله". ألم الأب عن ابنيه هو أيضاً سحق أباه جداً، أكثر من أخيه، حين لامه: لماذا تحنّن على أخيه العائد؟ ذاك العذب نال من ابنيه إهانة كبيرة، 300. فتحمّل بلا حدود قساوة قلبيهما. الاثنان سحقاه، مع أن أعمالهما لا تتساوى: واحد حين خطئ، والآخر حين طلب (حساباً) عن غفران الخطيئة. واحد آلمه بدمار حياته وتبديد ماله، وآخر بلومه بعد أن قبل توبةَ القلب. 305. بعذوبة تحمّلهما كالعارف، وعلّمهما التشبّه به لاقتناء الحياة. المعنى الروحي والابن الأصغر والآن، بعد أن انتهى الخبر الذي رُسم بشكل سرّي، لنبحث عن القوّة المخفيّة في داخل الكلمات. لنبحث عمَّا كُتب عن (الابن) الضالّ، 310. الذي فكّر بأن يعود ويمضي إلى بيت أبويه. بالأصغر وبتوبته، رسم سرَّ الخطأة، وبإقامته بين الغرباء، التجاوب مع الأشرار. بخروجه (من البيت)، (رسم) البُعد عن الله، وبعودته، توبةَ الضمير (التي تقود) إلى البرّ. 315. توسّلت كلماتُه ليُحسب بين الأجراء: هو التمييز الذي يدين نفسه في ما به خطئ. الأجراء هم اللامعمّدون الذين آمنوا فقط، وما شاركوا في سرّ الولادة الروحيّة. وبهذه الكلمة التي قال: "لا أستحقّ أن أكون ابنك"، 320. هو الفهم الثابت الذي يدين أعمالَه فيُحسِن. الأب الذي خرج يستقبل ولده، وأسرع للقائه، هو الرحمة التي تحنّ كل ساعة على الخطأة. خرج، وارتمى على عنقه، وقبّله بحبّ، فبيّن كم يرغب في أن يتوب الناس إليه. 325. والثوب الجميل الذي ألبس جسمَه وكسا عريَه، هو المعموديّة التي تغطّي الاثم وتهب الحريّة. والخاتم هو عربون الحياة التي لا تموت، التي يهبها الروح للذين امتلكوا اسم الأبناء. العجلُ المسمّن هو السرّ العظيم، سرّ الجسد والدم، 330. الذي بذبحه صالح العالم مع عظمته. حسناً سمّى العجل المسمّن ذبيحة جسده، لأنه يُقيت بطعام الروح وشراب الخمر. المعنى الروحي والابن الأكبر وإذ ذبحَه (= العجل) يوم عودة ابنه من ضلاله، دلَّ على حبّ لا حدود له من أجل جنسنا. 335. بكلام أعلن: "ابني كان ميتاً وعاد إلى الحياة"، فعلّمنا كم يفرح بتوبتنا. إذ توسّل إلى ابنه الذي لامه لأنه تحنّن على الهالك، قدّم توبيخاً لمن عارض غفرانَ الخطايا. ليس الأبرار هم الذين يضلّون هناك (في السماء) بهذا الترتيب، 340. بل الذين يلومون هنا (على الأرض) مراحم تتحنّن. قبْلَ الاختبار، سبق وأعلن ما سيكون، فإن تأثّر أحد برأفة الله يهدّئ غضبته. بيَّن اثنين بواسطة كلام وجّهه إلى الأكبر: البار الذي هو أمين في عمل البرّ، لا يلوم (الربّ). 345. وكُتب في الانجيل: كان الذي لام (أباه) في الحقول، فعرفنا أنه كان لدى البرّ في كل ساعة. فالحقول هي رمز خدمة الحياة الروحيّة، فتشير إلى العلويّة بالنسبة إلى الأرضيّة. والجدي الذي قال عنه إن أباه لم يهبه لكي يتنعّم به، 350. هو حدودٌ منعتْه من التعامل مع الشراهات. سمّى الجديَ الضالّ ومُضلَّ الانسان، لأن الجداء يتيهون دوماً خارج القطيع. يتهوّر الجدي حين يرعى، ولونه أسود، هو يُشبه الإثم ويهاجم النفس ويملأها سواداً حتى يُفنيها. 355. الأصدقاء الذين تحدّث عنهم، هم الطبيعة التي تأسرُها الرغبات، فتطلب ما يخصّها كما ترغب في الأمور الروحيّة. فالطبيعة تحبّ مالها، مع أنها أرضيّة، وكما في صراع، ترتمي بين اثنتين، بين الجسد والروح. منعه أبوه من رغبات ترغب في الجسد، 360. ووعده بأن يتنعّم بغنى الروح. قال لابنه: "كل ما هو لي هو لك"، فأعلمنا أن الخيرات الموعودة هي له. المثل الانجيليّ في حياتنا بمثَل صوّر طبعنا كله كما في صورة، وأدخله ووضعه في قصرٍ أتقنه في العلاء. 365. حسب ترتيب الحواس، ركّب الكون بابنيه الاثنين، فاجتمع إليه الأخيار والأشرار، على مائدة حبّه. بالابن الاصغر دعا الخطأة إلى التوبة، وبالأكبر عزى الأبرار بما ينالون من أجر. سيّدُ الطبائع دعى طبعنا أبناء وورثة، 370. وهو لنا أب: فيا للعجب العظيم الذي يفوق الوصف! فهو أعظم ممّا يرويه اللسان، أن يُسمّي خالقُ الكل نفسه، أبا الانسان. يا لطبيعة أبناء الطين، كم عُظّمت، فاستحقّت بأن تصير وارثة الخالق وابنته. 375. كم أقول وكيف أقول أن قد صار ما صار: هو لنا الأب، ونحن الوارثون للاهوته. صنع تجاه جنسنا حباً عظيماً لا يُوصف، وفمُ كل ما صُنع أصغر من أن يقول كم هو (عظيم). كيف يقدر الفم أن يحكي عن عظمة حبّه، 380. إذ جعل منا معه كائنات تعبدها البرايا كلها. كيف يمكن أن نردّ له ديَن الحبّ، لأن الروحيّين يبتهجون أيضاً بتوبتنا. "هكذا تبتهج الجوقات السماويّة لخاطئ يتوب ويتوسّل من أجل جهالته". 385. وإن كان الملائكة يفرحون معنا بتوبتنا، فكم تكون قاسية دينونة من يلوم مراحم (الله)! وإن تعطّش الروحيون ليرونا في برارتنا، فمن أبغض أخاه استحقّ عذاباً مضاعفاً. تفرح جوقات السماويين، لأنه يحيينا، 390. وأنت تحزن لأن المراحم تحنّنت على الانسان مجاناً! الكائنات اللامتألّمة تألّمت لأننا هلكنا، وأنت تهنأ إن بقينا في الجحيم بلا انبعاث. هم يرغبون في وقت نملك فيه معاً، وأنت تنتقد ذاك الذي يسعى وراء رغبتنا! عودة إلى الذات 395. فأنا النائم والغارق في نعاس الخطيئة، استيقظتُ وقمتُ، فتجاوبتُ مع كلام يحمل الغفران. حرّكني خبرُ الابن الضالّ لأن أطلب قوّة (تفهم) الرموز، ففي عودته عادت أفكاري نحو التعليم. دفعني خبرُه لكي أقرأ ما كُتب عنه في الكتاب، 400. وأتعلّم القوّة (لأكشف) خفيّ الكلمات التي تفوّه بها الروح. خرجتُ معه حين خرج من بيت أبيه، وعدتُ معه حين رأيته يتوسّل إلى والده. رأيتُه يبدّد ماله الكثير بين الزواني، كما شاهدتُه عائداً ماضياً إلى حيث الغفران. 405. سمعتُه يركّب أقوالاً حزينة حول جهالاته، فتألّمتُ جداً بسبب إثمي الذي يُشبه إثمه. سمعتُه يقول: "لا أستحقّ اسم الوارث"، فأمسكْتني الكآبةُ لأني سرتُ في طريق بدّدتُ فيها مالي. طريق أعمالي تشبه جداً طريقاً سار فيها، 410. وعلى مثاله بدّدتُ أنا أيضاً مقتنى حياتي. عملتُ أنا أيضاً مع المبغض وأجّرتُ له نفسي، ومثله عشتُ من خرّوب الشهوات. جعلني الجهل مسلوباً من الرحمة، أنا أيضاً، كما هو بدّد ماله وما تبيّن. 415. فالرحمة التي حنتْ عليه وأخرجته إلى لقائه في يوم عودته، تتوسّل لأجلي لدى الديّان الذي يتحرّى كل شيء. والصوت الذي يقول: "كان ابني ميتاً فعاد إلى الحياة"، يؤهّلني لأن أسمع: "تعال، أيها الخاطئ، خذ الغفران". واليد التي فرشت على عريه لباسَ المجد، 420. تُخفي وجهي لئلاّ يعير أمام الآخرين. والرمز الذي وضع له عربونَ الحياة مثل خاتم، يقوّي ملكات نفسي لأنتظر وعد الحياة. والفم الذي هدَّأ غضب الأخ الذي لام الرحمة، يوبّخ الاثم القاسي الذي يحارب أفكاري. 425. والملائكة الذين ابتهجوا في يوم عودته ومجّدوا أباه، يكونون المحامين عن ذنبي لدى العدالة (الالهيّة). والاصبع التي صوّرت رسمَ هلاكه وعودته إلى الحياة، تُصوّر فوق عقلي رسم التوبيخ الذي يمنح الحياة. أجل، يا ربّ، لأكن رفيق الابن الذي كان ميتاً فعاد إلى الحياة، 430. وليَتمّ في ما قيل في نهاية الخبر. أجل، يا ربّ، بنعمتك أهّلني معه لموعد حبّك، ولتقبلني الرحمة في الدينونة، كما قُبِل هو. |
||||