![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
رقم المشاركة : ( 34671 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() أستير تصير ملكة ![]() خُلعت وشتى عن المُلك لتملك أستير عوضًا عنها؛ وكأن الأولى تمثل حرفية الناموس التي يلزم نزعتها لتقدم النعمة المجانية روح الإنجيل فينا فتملك أستير رمز كنيسة العهد الجديد. [الحاجة إلى ملكة جديدة [1-4. [أستير المسبية [5-11. [أستير الملكة [12-20. [مردخاي ينقذ الملك [21-23. الحاجة إلى ملكة جديدة ![]() "بعد هذه الأمور لما خمد غضب الملك أحشويروش ذكر وشتى وما عملته وما خُتم به عليها، فقال غلمان الملك الذين يخدمونه: ليطلب الملك فتيات عذارى حسنات المنظر، وليوكل وكلاء في كل بلاد مملكته ليجتمعوا كل الفتيات العذارى الحسنات المنظر إلى شوشن القصر إلى بيت النساء إلى يد هيجاي خصي الملك حارس النساء وليعطين أدهان عطرهن، والفتاة التي تحسن في عيني الملك فلتملك مكان وشتى" [1-3]. لقد خمد غضب الملك وتذكر وشتى وربما كان يمكنه العفو عنها، لكن خاف المشيرون لئلا تنتقم منهم بسبب مشورتهم للملك فأسرعوا بتحريضه على إختيار زوجة جميلة. ويُقال أن الملك كان في العادة يختار زوجته من فتيات الرؤساء، لكن إذ خشى الرجال أن يظن الملك أنهم دفعوه لطرد وشتى لمصلحة شخصية حاولوا أظهار حسن نيتهم بأن يختار الملك الفتاة الجميلة من أية كورة أو أي جنس، إذ يجتمعون له الفتيات الحسنات من كل المملكة. بهذا أرادوا تقديم علاج لطرد شتى باحلال إنسانة جميلة عوضًا عنها. وكما يقول القديس جيروم: [كان فلاسفة العالم ينزعون شهوة قديمة ببث شهوة جديدة، يخلعون مسمارًا بتثبيت آخر. على هذا الأساس عمل سبعة رؤساء فارس مع الملك أحشويروش، إذ نزعوا تأسفه على وشتى الملكة بأثارته لحب عذارى أخريات. إنهم يشفون خطأ بآخر، وخطية بخطية أخرى، أما نحن فيليق بنا أن نغلب أخطاءنا بتعليمنا حب الفضائل المضادة. وكما يقول المرتل: "حد عن الشر واصنع الخير، أطلب السلامة واسع وراءها" (مز 34: 14). فإن لم نكره الشر لا نقدر أن نحب الخير؛ بل بالحرى لنفعل الخير إن أردنا ترك الشر؛ لنطلب السلام إن أردنا تجنب الحرب[8]]. إستغل الروساء ضعف شخصية الملك[9] وحبه للخلاعة فأخمدوا حنينه نحو وشتى بتقديم الفتيات الجميلات إلى بيت النساء فيختار حسب هواه. إن أخذنا بالتفسير الرمزي أو الروحي نسأل من هم هؤلاء الغلمان الذين يخدمونه ويسألونه من أجل أقامة ملكة جديدة عوض وشتى إلاَّ رجال الإيمان من العهد القديم من بطاركة وأنبياء وملوك وكهنة وعلمانيين عاشوا تحت ظل الناموس (وشتى)، وأدركوا أنه لا خلاص لهم بالناموس خاصة في حرفيته إذ "وُجدت الوصية (الناموس) التي للحياة هي نفسها ليّ للموت، لأن الخطية وهي متخذة فرصة بالوصية خدعتني بها وقتلتني" (رو 7: 10-11). فالناموس أظهر الخطية وفضحها (رو 7: 12) وأكدّ موت الإنسان عوض أن يسند ويعالج ويخلص، لهذا كان رجال العهد القديم يترقبون بفرح مجئ "المسيا" المخلص ليقيم أستير ملكة خلال نعمة الإنجيل المجانية، وكما يقول الرب نفسه: "أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح" (يو 8: 56). طلب الغلمان أن تُجمع الفتيات العذارى الحسنات المنظر من كل المملكة إلى شوشن القصر، وكأنهم برجال العهد القديم الذين رأوا كنيسة العهد الجديد وقد ضمت في عضويتها أبناء من كل الأمم والشعوب ودخلت بهم إلى بيت العذارى في قصر المسيح، أي الكنيسة التي دُعيت "كنيسة الأبكار" (عب 12: 23)، لتعلن عذراويتها الروحية وجمالها الداخلي بكونها "كنيسة مجيدة لا دنس فيها ولا غضن أو شيء من مثل ذلك بل تكون مقدسة وبلا عيب" (أف 5: 27). لقد اشتهى المؤمنون أن يروا هذه العذراء المقدسة وهي كعروس للملك، وكما يقول الرسول بولس: "لأني خطبتكم لرجل واحد لأقدم عذراء عفيفة للمسيح" (2 كو 11: 2). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 34672 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() أستير المسبية ![]() إذ خُلعت وشتى عن المُلك حوّل الله هذا الأمر لخلاص شعبه باقامة أستير المولودة في أرض السبي والتي قام إبن عمها مردخاي بتربيتها– ملكة عوضًا عن وشتى. تحدث الكتاب عن مردخاي الذي كان يعمل في شوشن القصر، وهو يهودي سُبى من أورشليم في أيام يكنيا ملك يهوذا بواسطة نبوخذ نصر ملك بابل. والأمر الذي يلفت أنظارنا أن البطل الخفي في قصة أستير هو "مردخاي" الذي إتسم بالأمانة في تربيته لأستير وأرشاداته لها، وأمانته في عمله لدى الملك الغريب الجنس منفذًا حياته من مؤامرة شريرة، كما إمتاز بالتصرف الروحي العميق المملوء إيمانًا وثقة في عمل الله. قلنا أن وشتى تُشير إلى حرفية الناموس التي يجب أن تنزع من القلب لكي تملك نعمة العهد الجديد فتظهر أستير (كنيسة العهد الجديد) ملكة، أما ملامح وظروف أستير فجاءت مطابقة لكنيسة العهد الجديد من جوانب متعددة، نذكر منها: أولاً: وُلدت أستير في أرض السبي، حُرمت من أرض الموعد والهيكل بكل طقوسه الجميلة، وكأنها تمثل جماعة الأمم الذين سقطوا تحت سبي إبليس، حرموا من بركات الله الروحية والتمتع بهيلكه... لكن الله أقامهم من هذا السبي وجعلهم ملوكًا روحيين، إذ جاء السيد المسيح لتحريرهم، كما يقول بإشعياء: "أرسلني لأعصب منكسري القلب لأنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالاطلاق" (إش 61: 1). يقول القديس أُغسطينوس: [نزعت سبينا، لا بتحريرنا من أيدي البرابرة... وإنما من أعمالنا الشريرة ومن خطايانا التي بها سيطر إبليس علينا، فمن يتحرر من خطاياه لا يعود رئيس الخطاة (إبليس) يسيطر عليه]، كما يقول: [لتعترف أنك مسبي فتستحق أن تتحرر، فمن لا يعرف عدوه كيف يحث محرره؟[10]]. ثانيًا: "لم يكن لها أب ولا أم" [7]، آي يتيمة الوالدين. هذه هي سمة الكنيسة حين حققت دعوة الله لإبراهيم: "إذهب... من بيت أبيك" (تك 12: 1). لنترك أبانا القديم، إبليس، وأمنا الأولى أي محبة العالم، ليكون الرب نفسه ابانا السماوي والكنيسة السماوية أمنا. لقد سأل الرب اليهود أن يتيتموا من أبيهم الشرير حين قال لهم: "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا" (يو 8: 44). ويتحدث القديس أُغسطينوس عن ترك الأمم لأبيهم القديم، قائلاً: [جاء الأمم من عند أبيهم الشيطان وجحدوا بنوتهم له[11]]. ثالثًا: "كانت الفتاة جميلة الصورة وحسنة المنظر" [7]... يرى العريس السماوي في عروسه الملكة جمالاً سكبه هو عليها، إذ يقول لها: "وخرج لكِ إسم في الأمم لجمالكِ، لأنه كان كاملاً ببهائي الذي جعلته عليكِ يقول السيد الرب" (حز 16: 14). (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). إن كان ماضينا مشين بسواد الخطية لكننا في اعتزاز نقول" "أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم" (نش 1: 5). وكما يقول القديس أمبروسيوس: [إذ لبست تلك الثياب خلال جرن المعمودية تقول في نشيد الأناشيد "أنا سوداء وجميلة (كاملة) يا بنات أورشليم". إنيّ سوداء خلال الضعف البشري، كاملة خلال سرّ الإيمان[12]]. رابعًا: "نقلها (هيجاي) مع فتياتها إلى أحسن مكان في بيت النساء، ولم تخبر أستير عن شعبها وجنسها" [9-10]. كان هيجان حارسًا لبيت العذارى، وشعشغار حارسًا للسراري [14]، أما أستير فدخلت بيت العذارى، ووُضعت في أفضل موضع فيه، إذ أدرك أنها ستجد نعمة في عيني الملك وتُقام ملكة. ما هو هذا الموضع إلاَّ "البنوة لله" التي صارت لنا كعطية الروح القدس لنا في المسيح يسوع الإبن وحيد الجنس. ففيه إرتفعنا إلى حضن أبيه لنوجد معه كأبناء له. لم تخبر أستير عن شعبها وجنسها كمشورة مردخاي، فالنفس إذ تنعم بالبنوة لله وتصير ملكة تحيا على مستوى سماوي، ويصير لها جنس فائق لا تستطيع اللغة أن تعبر عنه. إنها تعيش في صمت، لا صمت العجز القائم على إنغلاق القلب، وإنما صمت الحب المنفتح على السماء يتأمل أعمال الله بفرح مجيد لا ينطق به. خامسًا: إتضاعها. فقد إتسمت أستير بروح الطاعة والخضوع لمربيها مردخاي حتى بعد أن جلست كملكة على أعظم عرش في ذلك الحين، إذ قيل: "وكانت أستير تعمل حسب قول مردخاي كما كانت في تربيتها عنده" [20]. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 34673 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() أستير الملكة ![]() إذ عاد زركسيس من حملته ضد اليونان مهزومًا إنشغل باختيار الملكة الجديدة، ويبدو أن ما تم من إستعدادات مع العذارى كان قبل مجيئه من المعركة وليس بعد مجيئه، إذ بقيت العذارى سنة كاملة يستعدن للقاء مع الملك. ويروي لنا السفر الإستعدادات التي قُدمت لأستير وهي: أولاً: كملت أيام تعطرها، "ستة أشهر بزيت المّر وستة أشهر بالأطياب وأدهان تعطر النساء" [12]. ماذا تعني الستة أشهر التي تعطرت فيها بزيت المرّ إلاَّ قبولها الدفن مع عريسها المسيح المدفون وقد طُيب بالمرّ... إنها تبقى ستة أشهر، ورقم 6 يُشير إلى أيام الخليقة، أي تبقى تحمل الآلام وتدفن مع عريسها كل أيام غربتها حتى يتم كمالها الروحي وتلتقي في اليوم السابع مع الرب وجهًا لوجه. وكما تدفن مع الرب هكذا تقوم معه، إذ تُشير الأطياب والأدهان إلى رائحة القيامة المبهجة. إذًا لنتألم معه وندفن معه ونقوم أيضًا معه! هذا هو طريق البلوغ إلى الإكليل السماوي. وكما يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [يليق بكم ألاَّ تقلقكم هذه الآلام بل بالحرى تفرحكم... هكذا يليق بنا أن نسلك الطريق حتى نشاركه في المجد والكرامة... ما أمجد الآلام! بها نتشبه بموته![13]]. ثانيًا: "وكل ما قالت عنه أُعطى لها للدخول معها من بيت النساء إلى بيت الملك" [13]. تحمل العذراء معها كل ما تريده من بيت النساء (العذارى)، فإنها إذ تنطلق إلى عريسها الملك السماوي تحمل ما قد جمعته هنا من مقدسات كالحب والنقاوة والفكر السماوي، تحمله علامة حب لعريسها مما قدمه هو إليها أيام غربتها على الأرض، أي تقدم له مما أعطاها. ثالثًا: "كانت أستير تنال نعمة في عيني كل من رآها" [15]. هذا هو رصيدها الحقيقي: نعمة الله المجانية التي تقيم النفس وترتفع بها حتى تصلح لمملكة (حز 16: 13)، فتجد نعمة في أعين الكل... هذه هي نعمة الله التي تسند الإنسان في جهاده، والتي قال عنها القديس يوحنا الذهبي الفم: [ليس أقوى من الذي يتمتع بالعون السماوي، كما أنه ليس أضعف من الذي يُحرم منه[14]]. رابعًا: "أُخذت أستير في الشهر العاشر هو شهر طيبيت في السنة السابعة لملكة" [16]. لا يمكن إقامة أستير كملكة إلاَّ في الشهر العاشر في السنة السابعة. الشهر العاشر يُشير إلى تكميل الناموس (10 وصايا)، الذي يتحقق خلال إتحادنا في المسيح الذي وحده لم يكسر الناموس، أما السنة السابعة فتُشير إلى كمال الإنجيل. وكأن تمتعنا بالملكوت يتحقق بقبولنا الناموس روحيًا في الرب خلال نعمة الإنجيل. خامسًا: "وعمل الملك وليمة عظيمة لجميع رؤسائه وعبيده، وليمة أستير، عمل راحة للبلاد، وأعطى عطايا حسب كرم الملك" [19]. لقد أنسته أستير متاعب معركته مع اليونان وخسارته الفادحة، وتحولت حياته إلى فرح، معطيًا راحة للبلاد أي اعفاء من الجزية لمدة عام أو اعفاء من التجنيد وضع الملك التاج بيديه على رأسها [17]، إذ لا تستطيع النفس أن تملك إلاَّ بالمسيح يسوع الذي يتوجها بأكليل مجده، ويقيم وليمة باسمها تفرح قلب السمائيين، وتكون راحة إذ يحسب الرب إكليلها سبتًا مباركًا وعيدًا مفرحًا، أما عطاياه التي حسب كرم الملك فهي تقديم ذاته لنا كعريس نحمله فينا. هو العاطي والعطية، لا يبخل علينا بنفسه بل بفرح بقبولنا له، لنقول: "حبيبي ليّ وأنا له الراعي بين السوسن" (نش 2: 16). وكما يناجيه القديس أُغسطينوس، قائلاً: [تسهر عليَّ، وكأنك قد نسيت الخليقة كلها! تهبني عطاياك، كآنيّ وحدي موضوع حبك[15]]. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 34674 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() مردخاي ينقذ الملك
![]() إتسم مردخاي بالأمانة، فكان أمينًا في حياته الخاصة، كما في تربيته لأستير، وفي خدمته للملك كما في حبه لشعبه. عرف مردخاي أن خصيين حارسي الباب يدبران مؤامرة لأغتيال الملك فأخبر أستير التي أخبرت الملك، وإذ فحص الأمر وتحقق منه صلبهما على خشبة، وكتب الأمر في كتاب أخبار الأيام الخاص بملوك الفرس. في تتمة أستير [12] يروي لنا أن الملك قدم هبات لمردخاي، لكن فيما بعد إذ طار النوم من الملك وقرأ ما سبق أن كتبه حسب أن ما ناله مردخاي كلا شيء (6: 1-11)، وأراد تكريمه بصورة فائقة. ونحن أيضًا إذ نجاهد هنا من أجل خلاص إخوتنا من العقاب الأبدي يحسبه الرب دينًا، مع أنه هو العامل فينا ومعنا، فيهبنا بركات ونعم، لكن هذا كله يحسبه كلا شيء عندما يتوجنا بأكليل الحياة الأبدية ويدخلنا إلى شركة أمجاده لنحيا معه وجهًا لوجه في حضن الآب. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 34675 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() هامَان ومقاومته للشعب ![]() إرتفع هامان فصار كرسيه فوق كراسي جميع الرؤساء الذين معه [1]... وإذ كبر في عيني نفسه حمل سمة إبليس المتعجرف إذ صار قتالاً لا يستريح إلاَّ بسفك الدم. وإذ أحكم تدبير المؤامرة للقتل والإبادة جلس يشرب ويلهو. "هامان" إسم أحد الآلهة الرئيسية في عيلام التي إستولت عليها مملكة مادي وفارس وجعلتها إحدى ولاياتها، وأقامت من عاصمتها "شوشن" أو "سوسه" عاصمة يقيم بها ملوك الفرس في الشتاء. جاء هامان الأجاجي من نسل عماليق (1 صم 15: 3، 9) الذين استهتر شاول بأمرهم ولم يحرمهم، فجاء منهم من كاد أن يُبيد الشعب كله في يوم واحد. بهذا يمثل هامان الخطية التي يستهين بها الإنسان ويستهتر في إقتلاعها فتعرض حياته كلها للخطر في الوقت المناسب. "عظم الملك أحشويروش هامان بن همداثا الأجاجي ورقاه وجعل كرسيه فوق جميع الرؤساء الذين معه، فكان كل عبيد الملك الذين بباب الملك يجثون ويسجدون لهامان" [1-2]. كان هامان قد نال كرامة عظيمة فوق الجميع فكبر في عيني نفسه، فأراد أن يخضع الكل له ويسجدون لعبادته. كأنه يحمل روح سيده – إبليس– الذي أراد أن يقيم من نفسه إلهًا، لهذا عندما امتنع مردخاي اليهودي عن السجود له [2] "إمتلأ هامان غضبًا" [5]، "وإزدرى في عينيه أن يمد يده إلى مردخاي وحده لأنهم أخبروه عن شعب مردخاي فطلب هامان أن يهلك جميع اليهود الذين في مملكة أحشويروش شعب مردخاي" [6]. حقًا لقد اعتاد اليهود أن يسجدوا أمام ملوكهم للتكريم (2 صم 14: 4؛ 18: 26؛ 1 مل 1: 16)، لكن الفارسيين كانوا يقدمون العبادة لملوكهم لهذا رفض المؤمنون الإشتراك معهم في هذا العمل[16]. ولمل سُئلّ مردخاي عن عدم سجوده "أخبرهم بأنه يهودي" [4] لا يجوز له الإشتراك معهم في هذا العمل. ليس عجيبًا أن يطلب هامان ابادة كل الشعب، فإنه إذ يمثل إبليس بينما يرمز مردخاي للسيد المسيح، فإن عدو الخير لا يطيق شعب المسيح، بكونه مملكة الله. هنا نقف قليلاً لنرى مردخاي كرمز للسيد المسيح، الذي بسببه أراد هامان (إبليس) إبادة كل شعبه. يقول الأب أفراهات[17] بأنه كما كان مردخاي يضطهده هامان الشرير، هكذا كان الشعب الشرير يضطهد السيد المسيح. وكما صلى مردخاي من أجل شعبه ليخلصهم من هامان، يشفع السيد المسيح عن شعبه (بدمه) ليخلصهم من إبليس. وكما خلص مردخاي من مضطهده لم يستطيع المضطهدون أن ينتصروا على السيد المسيح. وكما جلس مردخاي في المسوح وأنقذ شعبه، هكذا نزل كلمة الله وحمل جسدنا كما في المسوح وفي إتضاع خلصنا. بمردخاي صارت أستير مرضية لدى الملك عوض وشتى، وبالمسيح يسوع صارت كنيسة العهد الجديد موضع رضى الآب عوض المجمع اليهودي. وكما حث مردخاي أستير على الصوم مع فتياتها هكذا يحث السيد المسيح كنيسته بكل أولادها على الصوم. أخيرًا نال مردخي مجد هامان، ونودى قدامه: "هكذا يُصنع بالرجل الذي يُسر الملك بأنه يكرمه" (6: 11) وأما يسوع المسيح فتمجد بالمجد الذي له منذ الأزل وقد شهد له الحراس: "حقًا كان هذا إبن الله" (مت 27: 54). اكتشف هامان أن ما يفعله مردخاي لا يقوم على عداوة شخصية وإنما على أساس روحي تقوى لهذا ظن أنه لا علاج لهذه المشكلة إلاَّ بإبادة الشعب كله. يرى القديس جيروم أن كلمة "هامان" تعني (ظلمًا)؛ الآن إذ اشتعلت نيران الظلم غضبًا فإنها إنما تحرق ذاتها، إذ يقول: [هامان الذي يعني (ظلمًا) احترق بالنار التي أشعلها بنفسه[18]]. هنا يليق بنا أن نؤكد أن ما فعله مردخاي من عدم سجود لهامان لم يكن عن كراهية أو عداوة في داخل قلبه ولا عن كبرياء، وإنما كما قال في صلاته الواردة في تتمة أستير: "إنك تعرف كل شيء وتعلم أنيّ لا تكبرًا ولا إحتقارًا ولا رغبة في شيء من الكرامة فعلت هذا أنيّ لم أسجد لهامان العاتي، فإني مستعد أن أقبل حتى آثار قدميه عن طيب نفس لأجل نجاة إسرائيل، ولكن خفت أن أحول كرامة إلهي إلى إنسان وأعبد أحدًا سوى إلهي" (13: 12-14). إنه لا يستنكف أن يقبل آثار قدمي هامان لأجل خلاص إخوته، هكذا يتسع قلبه حبًا ويمتلئ إتضاعًا، لكنه لا يقبل أن يعبد غير الله! |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 34676 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() هامان والمرسوم الملكي بالإبادة ![]() إذ حسب هامان الإهانة التي لحقت به من مردخاي لا يُكفر عنها قتل شخص واحد إنما طلب إبادة الشعب اليهودي كله، ففي إبريل عام 474 ق.م أي بعد حوالي 4 سنوات من تتويج أستير سأل هامان العرافين والسحرة أن يلقوا فورًا أي قرعة ليحددوا اليوم المناسب لإبادة هذا الشعب حتى لا تفشل خطته، فحددوه باليوم الثالث عشر من الشهر الأخير من السنة (شهر آذار)، وبهذا أعطوه مهلة طويلة وكافية لتحقيق هدفه في يوم واحد في كل أرجاء المملكة. التقى هامان بالملك وأثاره ضد الشعب بإتهامهم أنهم كاسري السنن ولا يستحقوا إلاَّ الإبادة، وقدم عشرة آلاف وزنة من الفضة ثمنًا لهذا العمل، وكما قلنا أنه كان يود جمع ثروات كل اليهود فيغتني ويقدم هذا المبلغ للملك ربما ليعوضه هن خسائره منذ سنوات قلية في حربه ضد اليونان، أو مقابل خسائره عن الجزية التي كان يدفعها اليهود، إذ عُرف اليهود بالغنى المبالغ فيه حتى في أرض السبي، ففي الإكتشافات الحديثة وجدت أسماء يهودية كثيرة تقوم بأعمال الصيارفة في منطقة بابل في فترة السبي[19]. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). سلم الملك خاتمه لهامان، وقال له: "الفضة أُعطيت لك والشعب أيضًا لتفعل به ما يحسن في عينيك" [11]. هكذا كان الملك يثق في هامان ويحبه حتى سلمه الخاتم يكتب ما يشاء، حتى الفضة التي عرض هامان أن يقدمها للملك كتعويض تنازل عنها له، وأما الشعب كله فبين يديه يفعل به كيفما شاء... وبالفعل "أرسلت الكتابات بيد السعاة إلى كل بلدان الملك لإهلاك وقتل وابادة جميع اليهود من الغلام إلى الشيخ والأطفال والنساء في يوم واحد في الثالث عشر من الشهر الثاني عشر أي آذار وأن يسلبوا غنيمتهم" [13]. إنها صورة خفيفة للحكم الذي صدر علينا بسبب حسد هامان (إبليس) فصار الجميع بلا إستثناء تحت حكم الموت، حتى أن كل من ينظر إلى نفسه يضع مناحة عظيمة ويبكي نهارًا وليلاً (4: 3). وكما يقول الرسول: "من أجل ذلك كأنما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت وهكذا إجتاز الموت إلى جميع الناس" (رو 5: 12). هذا الحكم المرّ ينقلب على هامان وأتباعه خلال مردخاي وأستير ويصير خلاصًا وفرحًا وعيدًا لكل الشعب. هكذا إن كنا بإبليس سقطنا تحت حكم الموت فبالمسيح يسوع (مردخاي الحقيقي) تمتعت أستير وشعبها (الكنيسة) بالخلاص والفرح والعيد السماوي بينما انهار إبليس وكل جنوده تحت الصليب. وكما يقول الرسول: "إذ محا الصك الذي علينا في الفرائض الذي كان ضدًا لنا وقد رفعه من الوسط مسمرًا إياه بالصليب، إذ جرد الرياسات والسلاطين أشهرهم جهارًا ظافرًا بهم فيّه" (كو 2: 14-15). |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 34677 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() الملك وهامان ![]() كان للملك أذن واحدة يسمع بها لهامان دون أن يستفسر عن الجانب الآخر. فلم يفحص الأمر بنفسه بل سلم كل شيء في يد هامان. وإذ خشى هامان لئلا يتراجع الملك ويدرك الأمر صار يشرب معه فيلتهي الملك بملذاته على حساب شعبه. قدم لنا "تتمة أستير" الواردة في الترجمة السبعينية صورة من المرسوم الملكي المُرسل بإسم أحشويروس موجهًا إلى كل الولايات أو الكور المئة سبع وعشرين كورة، وقد جاء مطابقًا للحديث المذكور في هذا الأصحاح بين هامان والملك، أهم ما جاء فيه: أولاً: إتهم اليهود بالجحود كأناس يحسن إليهم الملك، ويقابلون الإحسان بمخالفة السنن، واعتبر أن هلاكهم فيه سلام للبلدان كلها، إذ يقول: "حتى إذا هبط أولئك الناس الخبثاء إلى الجحيم في يوم واحد يرد إلى مملكتنا السلام الذي أقلقوه" (13: 7). ثانيًا: دُعي هامان بالرجل الثاني بعد الملك وأن الملك يكرمه بمنزلة أب، لذا يلتزم الكل بمشورته الخاصة بإبادة هذا الشعب العدو، هم ونسائهم وأولادهم. هنا نقف قليلاً عند دعوة هامان "بأب" فإنه يمثل إبليس الذي يقدم لتابعيه أبوة شريرة، وكما قال السيد المسيح لليهود الأشرار: "أنتم من أب هو إبليس وشهوات أبيكم تريدون أن تعملوا" (يو 8: 44). فكما يقدم لنا الله أبوته فنحمل كأبناء سمات أبينا وننعم بشركة مجده الأبدي، هكذا يقدم عدو الخير إبليس أبوته لتابعيه ليحملوا سماته ويشاركونه هلاكه الأبدي. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 34678 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() مردخاي يحث أستير ![]() إذ سمع مردخاي بما فعله هامان التزم بالتصرف الروحي الحكيم، إذ لبس المسوح وتذلل أمام الله وقدم الصلوات كما طالب أستير بالصوم والتذلل مع الإلتقاء بالملك وكشف خطة هامان. هكذا يسند الصلوات بإنسحاق القلب دون أن يهمل العمل بروح الحكمة البناءة. "ولما علم مردخاي كل عُمل شق مردخاي ثيابه ولبس مسحًا برماد وخرج إلى وسط المدينة وصرخ صرخة عظيمة مُرّة، وجاء إلى قدام باب الملك لأنه لا يدخل أحد باب الملك وهو لابس مسحًا، وفي كل كورة حيثما وصل إليها أمر الملك وسنته كانت مناحة عظيمة عند اليهود وصوم وبكاء ونحيب، وانفرش مسح ورماد لكثيريم" [1-3]. إذ علم مردخاي بما فعله هامان شق ثيابه علامة الحزن الشديد كما فعل رأوبين حينما رجع إلى البئر ولم يجد يوسف أخاه (تك 37: 29)، ولبس المسوح علامة انسحاق قلبه وتذلله وصرخ صرخة مرّة فقد أدرك أن ما حلّ بشعبه كان بسببه... هذا وقد تمتع مردخاي بقلب متسع بحب أخوته فلا يطيق أن يرى آلامهم. إنه كنحميا الذي سمع الأخبار المؤلمة في أورشليم فقال: "جلست وبكيت ونحت أيامًا وصمت وصليت أمام إله السماء" (نح 1: 4). وحمل الرسول بولس ذات القلب حين قال: "أقول الصدق في المسيح ولا وضميري شاهد ليّ بالروح القدس، أن ليّ حزنًا عظيمًا ووجعًا في قلبي لا ينقطع، فإني كنت أود لو أكون أنا نفسي محرومًا من المسيح لأجل إخوتي أنسبائي حسب الجسد" (رو 9: 1-3). إن كان مردخاي يمثل السيد المسيح، فطريق الخلاص إنما بدأ بشق مردخاي ثيابه ولبس المسوح وخروجه إلى المدينة ليصرخ صرخة مرّة تهز أبواب السماء، فتخلص أستير الملكة وشعبها من الابادة. هكذا خلع السيد المسيح مجده مخليًا ذاته من أجلنا (تمزيق الثياب)، حاملاً جسدنا (لبس المسوح)، وحالاً في وسطنا على أرضنا (خروجه إلى المدينة) وصرخ على الصليب ليسلم روحه من أجل خلاصنا. وكما يقول الأب أفراهات: [إذ جلس مردخاي والتحف بالمسوح أنقذ أستير وشعبها من السيف، إذ لبس المسيح جسدًا... خلص الكنيسة وأولادها من الموت[20]]. في كل كورة وصل إليها أمر الملك تحولت حياة اليهود إلى مناحة وصوم وبكاء كما فرش الكثيرون المسوح ممتثلين بمردخاي... إنها صورة حية للمؤمنين الذين يتأملون يوم الرب العظيم وإذ يدركون عمل الخطية فيهم ينوحون مقدمين توبة صادقة ليغتصبوا مراحم الرب. أخيرًا جاء مردخاي إلى قدام باب الملك لكنه لم يدخل بسبب المسوح؛ هكذا كان الملوك يعيشون في قصورهم لا يريدون أن يلتقوا بالمتألمين والمظلومين إذ يهتموا براحتهم النفسية دون مبالاة بالشعب. أغلقوا الأبواب أمام لابس المسوح لكي ينزل ملك الملوك نفسه لابسًا المسوح، ويشاركهم آلامهم، وينطلق بهم بروحه القدوس لا إلى باب الملك أو داخل قصره، وإنما إلى حضن الآب عينه. هكذا أغلق العظماء أبواب قصورهم في وجه المحتاجين لينزل العظيم إليهم ويحملهم إلى سمواته. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 34679 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() حزن أستير وبعث هتاخ له ![]() إغتمت أستير جدًا لما سمعت بما فعله مردخاي، إذ أرسلت إليه ثيابًا لم يقبل أن ينزع محسه عنه. فأرسلت إليه هتاخ أحد الخصيان الذي بين يديها، فأخبره مردخاي بكل ما فعله هامان وأعطاه صورة من أمر الملك وطلب منه أن يوصي أستير أن تدخل إلى الملك وتتضرع إليه وتطلب منه لأجل شعبها. إن كان في تذلل أمام الله لبس مردخاي المسوح ففي شجاعة أعلن حزنه وسط المدينة ولم يخف مرارة نفسه، عندما سألته الملكة أن يلبس ثيابًا أرسلتها إليه رفض. أرسلت إليه هتاخ الذي يبدو أنه كان يهوديًا، إذ جاء عنه في الترجوم الثاني أنه عمل إسمًا آخر "دانيال". ولهذا السبب حدثه مردخاي بصراحة كاملة وسأله أن يعلن الأمر لأستير أن تتدخل بالتقائها مع الملك. |
||||
![]() |
رقم المشاركة : ( 34680 ) | ||||
† Admin Woman †
![]() |
![]() رسائل بين أستير ومردخاي ![]() إذ أخبر هتاخ أستير بكلام مردخاي، أرسلت إليه تقول بأنها لم تُدع لتدخل عند الملك هذه الثلاثين يومًا، فإن دخلت تُقتل ما لم يمد الملك قضيب الذهب فتحيا. أما هو فعاد يخبرها: "لا تفتكري في نفسك إنكِ تنجين في بيت الملك دون جميع اليهود، لأنكِ إن سكتِ سكوتًا في هذا الوقت يكون الفرج والنجاة لليهود من مكان آخر، وأما أنت وبيت أبيكِ فتبيدون. ومن يعلم أن كنت لوقت مثل هذا وصلتِ إلى الملك" [13-14]. إن كان مردخاي قد مزق ثيابه ولبس المسوح وصرخ صرخة مرة في وسط المدينة، ليس يأسًا ولا فقدان رجاء وإنما تذللاً أمام الله إيمانًا به أنه قادر أن يعمل، وحثًا لشعبه أن يشترك معه في الإنسحاق أمام الله... هذا ما كشفته كلماته لأستير فقد آمن أن الخلاص قادم لا محالة، بأسير أو بغيرها الله يعمل، إذ يقول لها: "لأنك إن سكت سكوتًا في هذا الوقت يكون الفرج والنجاة لليهود من مكان آخر". وكأنه يقول لها: الله لا يعدم الوسيلة، فسيخلص على كل حال، لكنني أخشى أن تخسري إكليلك فلعله أرسلك إلى هذا الموضع ليعمل بك فتتمتعين بالإكليل. ليتنا في وقت التجربة نكون كمردخاي تؤمن أن الخلاص قادم لا محالة، والله لابد وأن ينقذ، لكنه ليتنا نخرج من التجربة غالبين ومنتصرين لا محطمين وخاسرين. إن آمنا بعمل الله تنتهي التجربة ونكون قد كُللنا في عينيه، فنقتني لأنفسنا ربحًا على مستوى سماوي. أكد مردخاي لأستير أن أحداث حياتها ليست مجموعة من الصدف ولا هي ثمرة جهاد بشري محض، إنما هي خطة إلهية لمجد الله وبنيان الكنيسة ونمو حياة أستير الروحية. هكذا آمن يوسف عندما قال لاخوته الذين سلموه للعبودية: "لا تتأسفوا ولا تغتاظوا لأنكم بعتمومي إلى هنا؛ لأنه لاستبقاء حياة أرسلني الله قدامكم" (تك 45: 5)... فإن كانت أستير قد صارت ملكة أو يوسف بيع كعبد، فالله سيد التاريخ إنما يدخل بهما إلى حيث يمجداه لحساب الجماعة المقدسة كلها. كشف لها مردخاي أن تخرج من دائرة التفكير الضيق، فلا تفكر في حياتها أو موتها، لأن ما يصيب شعبها يمس حياتها وحياة بيت أبيها، إذ يقول لها: "لا تفتكري أنكِ تنجين في بيت الملك". وفي نفس الوقت أكدّ لها أن العمل الذي تقوم به يقوم به الله نفسه فهو سيخلص حتمًا، فإن مدت يدها للعمل فالله نفسه كأب ملتزم بالعمل... فلا تخف. ليتنا نعمل دائمًا منطلقين من دائرة الأنا، مدركين أن عمل الله الروحي لن يفشل، وأن يده قادرة على الخلاص إن سلمنا حياتنا بين يديه. إن كان مردخاي واجه استير بصراحة وشجاعة لينزع عنها كل خوف، ففي اتضاع قبلت الملكة رسالته وكانت إجابتها تكشف عن قلب متسع بالحب الفائق، إذ قالت: "أذهب أجمع جميع اليهود الموجودين في شوشن وصوموا من جهتي ولا تأكلوا ولا تشربوا ثلاثة أيام ليلاً ونهارًا، وأنا أيضًا وجواري نصوم كذلك، وهكذا أدخل إلى الملك خلاف السُنة، فإذا هلكت هلكت" [16]. أحبت أستير شعبها، فقدمت حياتها للموت من أجلهم: "فإذا هلكت هلكت". فمع كونها ملكة عظيمة جميلة المنظر، في مقتبل عمرها، محبوبة من رجلها، لكنها قبلت أن تدخل إليه دون أن يدعوها وهي تعلم وحشيته لا يعرف الرحمة حتى على أصدقائه فعندما توسل إليه ليسياس أن يعفي إبنه الأكبر من الحرب مقدمًا أبناءه الخمسة الآخرين ما كان منه إلاَّّ إن شطر الولد شطرين وطلب من الجند أن يسيروا على جثمانه بأقدامهم حتى يعرف الكل حزمه وصرامته. عرضت حياتها للهلاك بإيمان، فلم تلق باللوم على مردخاي ولا إتهمته بالكبرياء لعدم خضوعه لهامان، وإنما بإيمان حيّ أدركت أن خطاياها هي وكل شعبها هي السبب، إذ نسمع في صلاتها التي جاءت في تتمة أستير تقول: "إنا قد خطئنا أمامك ولذلك أسلمتنا إلى أيدي أعدائنا، لأنّا عبدنا آلهتهم وأنت عادل يارب" (14: 6-7)... بالإيمان عرفت مفتاح الخلاص: الاعتراف بالخطايا والرجوع إلى الله المخلص. لم تفكر أستير بطريقة بشرية زمنية، فلم تهتم كيف تتزين وتتطيب لتجتذب الملك، ولا طلبت من مردخاي أن يدبر لها مؤامرة ضد هامان لكنها عرفت أن الخلاص من الله فلجأت إلى الصوم والصلاة، وطلبت أن يشترك معها مردخاي وسائر اليهود الذين في مدينة شوشن (سوسة) كما إشتركت جواريها معها... وهنا نقف عند شركة جواريها معها في صومها عن الأكل والشرب ثلاثة أيام وصلواتها ففي هذا كشف عن حياة أستير معهم، كانت تعيش معهم لا كآمرة ناهية وإنما كأم تهتم بخلاصهن، حملن معها روح الورع والتقوى، لذلك شاركن إياها في ضيقتها بفكر روحي لائق! ليتنا نهتم حتى بالخدم، فنحن مسئولون عن خلاصهم كأخوة لنا يشاركوننا العضوية في الجسد الواحد. كان لزامًا أن تدخل أستير إلى الملك، لكنها أرادت أن تدخل إلى قلبه بالله الذي وحده في يده قلب الملك (أم 21: 1) فلجأت إليه بالصوم والصلاة حتى يغير طبيعته الحجرية، ويفتح أبوابه لها، فتدخل مع الرب نفسه ليخلصها مع شعبها. في هذا يقول القديس أمبروسيوس: [أستير بأصوامها حركت الملك المتعجرف[21]]. كما يقول القديس أكلميندس الروماني: [إذ كانت أستير كاملة في الإيمان عرضت نفسها لخطر ليس بأقل (من يهوديت)، لكي تنقذ أسباط إسرائيل الإثنى عشر من هلاك أكيد. فقد توسلت بالصوم والاتضاع إلى الله الأبدي الذي يرى كل شيء، وهو إذ رأى اتضاع روحها خلص الشعب الذي من أجله عرضت نفسها للموت[22]]. وجاء في كتاب (الدساتير للرسل القديسين): "بالصوم هربت أستير ومردخاي ويهوديت من مكائد هولفيرنوس وهامان الشريران"[23]. بحب كامل لشعبها وثقة كاملة في الله العامل في حياة المتضعين صامت أستير وإنطلقت بشجاعة للعمل قائلة: "فإذا هلكت هلكت"، ليس عدم إيمان بخلاص الله، وإنما بحب مستعدة أن تهلك ليحيا الشعب، وتموت هي من أجل إخواتها. وكما يقول القديس أمبروسيوس: [لماذا عرضت أستير حياتها للموت ولم تخف غضب الملك المتوحش؟ أليس لكي تخلص شعبها من الموت، الأمر اللائق المملوء فضيلة![24]]. لقد حملت أستير روح الثلاث فتية الذين قالوا: "هوذا يوجد إلهنا الذي نعبده يستطيع أن ينجينا من أتون النار المقدة وأن ينقذنا من يدك أيها الملك، وإلاَّ (حتى إن متنا جسديًا) فليكن معلومًا لك أيها الملك أننا لا نعبد آلهتك ولا نسجد لتمثال الذهب الذي نصبته" (دا 3: 17-18). طلبت الصوم إنقطاعيًا من كل أكل وشرب ثلاثة أيام، وكأنها أرادت أن تدخل مع الرب في قبره لتقوم معه في اليوم الثالث. لقد أمنت بالقادر أن يقيمها هي وشعبها من الموت. كأنها شاركت يونان رمز المسيح فدخلت في جوف الحوت تعاين دفن السيد المسيح وإحتماله الموت عن شعبه لتخرج تكرز ببشارة الحياة. جاء في تتمة أستير (ص 14) أنها خلعت ثياب الملك ولبست ثيابًا للحزن والبكاء وعوض الأطياب المختلفة ألقت على رأسها رمادًا وذللت جسدها بالصوم وكانت تنتف شعر رأسها، ووقفت تتضرع إلى الله معترفة بخطاياها هي وشعبها، وتذكره بمواعيده وأعماله مع آبائها، وتسأله أن ينظر إلى مذلة شعبه وضيقته بأيدي الوثنيين. آمنت أستير أن الله هو الذي يتكلم على فمها لتخترق الكلمات قلب هذا الأسد المتوحش، إذ قالت: "إلق في فمي كلامًا مرصفًا بحضرة ذاك الأسد وحوّل قلبه إلى بغض عدونا لكي يهلك هو وسائر المتواطئين معه" [13]. فإنها لا تقتنص قلب الملك بجمالها ولا بتدليلها ولا بحكمتها الذاتية إنما بالله الذي يتكلم في فمها ويعمل في قلب هذا الأسد. يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [أنقذت أستير كل شعب اليهود عندما أوشك على الهلاك التام باستخدامها هذه الوسيلة (الصلاة)!... لقد سألت الله الرحوم أن يذهب معها إلى الملك، وقدمت له صلواتها، إذا قالت: "إلق في فمي كلامًا مقبولاً..."[25]]. في صلاتها كشفت أستير عن حياتها الداخلية، فقد عاشت كملكة عظيمة صاحبة مجد وكرامة أما قلبها فكان بسيطًا للغاية لم يدخله شيء من كرامة هذا العالم وملذاته. وكما قالت: "أنت عالم بضرورتي وأنيّ أكره سمة أُبهتي ومجدي التي أحملها على رأسي أيام بروزي وأمقتها كفرصة الطامث ولا أحملها في أيام قراري، وأنيّ لم آكل على مائدة هامان ولا لذذت بوليمة الملك ولم أشرب خمر السكب، ولم أفرح أنا أمتك منذ نقلت إلى ههنا إلى اليوم إلاَّ بك أيها الرب إله إبراهيم" (14: 16- 18). هكذا عاشت في القصر كملكة لكنها تدرك أنها إمرأة أسيرة، إكليلها في عينها كخرقة الطامث لا تشتهيه بل تثتثقله، لم تأكل مع هامان الرجل الثاني بعد الملك ولا وجدت لذه في مائدة الملك، ولا إشتركت في شرب الخمر المقدم كسكيب للآلهة، ولم يفرحها أحد سوى إله إبراهيم! وهذا يفسر لنا كيف أنها حين دخلت إلى الملك قبل إختيارها "لم تطلب شيئًا إلاَّ ما قال عنه هيجاي خصي الملك" (2: 15)، إذ لم يتعلق قلبها بشيء حتى تاج المُلك! لقد قدم لنا القديس أُغسطينوس أستير مثلاً للذين هم في منصب ولهم مراكز سامية وكبرى ومنهمكون في الأعمال العامة لكن قلبهم منفتح على السماء، إذ يقول: [من هذا النوع السيدة القديسة أستير التي مع كونها زوجة الملك لكنها عرضت حياتها للخطر مستشفعة عن شعبها، إذ صلت قالت بأن الزينة الملوكية بالنسبة لها كخرقة الطامث[26]]. وحين إمتدح القديس جيروم إحدى المكرسات الحديثات للرب، قال: [صارت تبغض كل لباس بهي، وصرخت للرب مثل أستير: "أنت عالم بضرورتي وأنيّ أكره سمة أُبهتي ومجدي – أي الإكليل الذي لبسته كملكة – وأمقتها كفرصة الطامث"[27]]. |
||||