منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 13 - 11 - 2020, 04:03 PM   رقم المشاركة : ( 30101 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,296,129

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

ليدية بياعة الارجوان




وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


مقدمة لست أظن أن في الوجود قصة أبدع وأجل وأجمل من قصة تجديد القلب البشري، قصة المعركة الخفية بين المسيح والشيطان، بين النور والظلمة، بين الحق والباطل، بين السماء والجحيم.

هي القصة التي تقف الملائكة والشياطين جميعًا شهودها المترقبين القلقين المتحفزين، هي القصة التي تهتف لها ملائكة الله ويندب لها الشيطان وأتباعه وزبانيه الجحيم، من لنا بالقلم الخفي العظيم يقص علينا قصة كل قلب غزته نعمة المسيح؟ من لنا بمن يقص علينا أطرف قصة وأروعها!؟ قصة الأزلي يتعقب النفوس البشرية، قصة السيد يقف على الباب في حنان ولطف وعطف وصبر وجود، دون كلل أو ملل أو إعياء.
سائلاً الدخول والضيافة والبقاء. كلنا نهيم على وجوهنا في هذا الكون لا نعرف راحة أو غرضًا أو معنى أو هدفًا منشودًا، كلنا على الجبال بين الشوك والضيعة والهلاك خراف ضالة يسعى وراءها الراعي العظيم، كلما جوابون أفاقون ضالون تمتد وراءنا في الأفق البعيد عينا الأب القلق الحزين تنتظر رجوعنا من أرض الجوع ومرعى الخنازير..

ها الابن في طريقه إلى العودة! وها الأب لا يكاد يصبر حتى يجيء، إنه بشوق عميق يسعى إليه ويركض للقائه إنه يحتضنه ويقبله ويلبسه الثوب والخاتم والحذاء، يذبح العجل المسمن والبيت كله يموج بالفرح والرقص والغناء.

قصة ليدية بياعة الأرجوان قصة جميلة نموذجية لسعي الله الحثيث وراء القلب البشري، السعي الذي لا يتعب أو يكل أو ينتهي، السعي الذي يسخر الشوق والتعب، المادة والعاطفة، الإنسان والطبيعة، الليل والنهار، النوم واليقظة، الخفي والمنظور، حتى يغزوه ويمتلكه،... منع الروح بولس من أن يوغل في آسيا ويتكلم فيها بكلمة الله، وبعث إليه وهو قلق مرتبك حائر لا يدري كيف يتوجه برجل مكدوني يستغيث: ان «اعبر إلى مكدونية وأعنا» وعبر بولس إلى هناك، عبر ليغزو القلب الأول في أوربا للمسيح، ومن جمال التوفيق أن يكون هذا القلب قلب امرأة لا رجل.

هذه هي المرأة التي أرجو أن نتأملها الآن من نواح ثلاث: المرأة التي فتح الرب قلبها، كيف فتح الرب هذا القلب، الثمار الحلوة لهذا القلب المفتوح. المرأة التي فتح الرب قلبها لست أدري لم هفا بالنفس وأنا أذكر ليدية أن أتذكر أنها أسيوية المولد شرقية؟ أهو نازع من نوازع الأثرة يهتف بنا نحن الشرقيين أن نفخر أن القلب الأول للمسيح في أوروبا كان قلبًا شرقيًا خالصًا محضًا؟ أم هي الحقيقة العظمى تتابعنا بفيض من الفرح والجزل عميق أن الشرق دائمًا أستاذ الغرب وملقنه الدين؟

على إنه ينبغي أن نذكر أيضًا في روح من الحق والامتنان أن الغرب قد رد الوفاء جميلاً في جيوش مرسليه العظام البواسل حين أصيب الشرق بمحنته الكبرى التي تركته في أشد ظلام وأتعس فوضى... ولا أنسى أيضاً أن ليدية لم تكن رجلاً بل امرأة، وأن ازدهار المدنية الأوروبية، يرجع قبل كل شيء وأول كل شيء، إلى أن المرأة فيها سبقت الرجل إلى معرفة المسيح، وستظل الكنيسة في أوروبا وسائر أرجاء المعمورة شامخة قوية موطدة الأركان طالما كانت المرأة فيها قبل الرجل ومن ورائه المسيح..

إنها عندئذ ستقدم لنا أنجب الأطفال وأكمل الرجال، بل إنها يومئذ ستنفث في كل شيء روحًا سحرية ماجدة عظيمة،... ولدت ليدية في مدينة ثياتيرا في مقاطعة تحمل اسمها، وكانت لثياتيرا شهرة بالغة في الصباغة وصناعة الحرير، ونحن نعلم من قصة الكتاب أن ليدية كانت تتجر في الارجوان لكننا لا نعلم شيئًا عن السبب الذي دعاها إلى هجرة بلدها والانتقال إلى فيلبي، ألأنها لم تصب حظًا أوفر من النجاح رجته في مكان آخر؟ أم لأنها كما يظن البعض قد قضى زوجها في ثياتيرا، فآثرت المرأة أن تبتعد ما أمكن ببيتها وتجارتها في المكان الذي فجعت فيه بوفاة زوجها، تتلمس شيئًا من الراحة والنسيان والعزاء،لا نعلم! الله وحده يعلم. كما ولا نعلم فيما أظن ماذا يقصد الكتاب بعبارة «أهلها» أهم أولادها وهل كان لها أولاد؟ أم هم خدمها؟ أم العمال المساعدون الذين كانوا معها في تجارتها؟ على مسرح الحياة تقف أمامنا هذه المرأة جريئة قوية باسلة لا تروعها غربة أو يهزمها بعد، أو يقهرها كفاح الحياة، فهي تنأى عن أهلها ومدينتها وعشيرتها لتطلب الحياة والتجارة في بلد بعيد، كما أنها كانت قوية التفكير بارعة الاقناع سديدة الحجة ولعلها قد اكتسبت الشطر الأكبر في هذه الخلة مما ألفته من التعامل التجاري مع الناس، فقد استطاعت بأسلوب جميل رقيق لبق أن تقنع بولس الأبي أن يدخل بيتها، ويخيل إلينا أيضاً أنها كانت قوية الشخصية من أولئك اللواتي يستطعن أن يفرضن شخصيتهن على الآخرين لا بالاستبداد والتحكم والعنف بل بسحر الإعجاب والجاذبية والتقدير، وهذا يبرز جلياً في تأثيرها على بيتها ومن معها، لأن الكتاب يبين أنها ما أن اعتمدت حتى اعتمد أهل بيتها معها، وهل ننسى أنها كانت امرأة كريمة فاض كرمها وتابع بولس أينما ذهب نسيم رائحة طيبة في المسيح يسوع.





كيف فتح الرب قلب ليدية بياعة الارجوان؟


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


نستطيع أن نفهم كيف فتح الرب قلبها اذا تأملنا في أمرين:



الممهدات لهذا الفتح


طريق هذا الفتح. الممهدات لهذا الفتح وهذا يقتضينا رجعة قليلة إلى الوراء، هل كان حقًا وفاة زوجها أول نداء وجهه الله لهذا القلب، كما يريدنا أحد المفسرين ممن تناولوا شخصيتها أن نفهم؟ وهل كان الحزن ذلك الصوت القوي العميق الذي يرسله الله إلى نفوس الناس لينفض عنهم غبار المادة، وما يرين على قلوبهم من زهو وكبر واعتداد، هو أول رسول سماوي؟ أم أن نفسها كانت من تلك النفوس التي تستجيب لنداءات أعلى مما يبكي الناس ويدعوهم نداء السمو عن الاسفاف الذي هوى إليه الأمم، نداء الشبع والري الذي لا تجده في معبودات ثياتيرا وآلهتها وأصنامها.. الذي نعلمه أنها صدفت عن هذه الوثنية، ونزعت عن خرافاتها، وبحثت عن جناحين تحلق بهما إلى الإله العلي إله السماء:

«قد جعلتنا لنفسك وقلوبنا لن تجد الراحة إلا بين يديك» هكذا صاح أوغسطينوس المتعطش إلى الله. ولقد وجدت
- وعلى الأرجح جدًا في مدينة ثياتيرا

- ما يرضي رغائبها وأشواقها في الديانة اليهودية فتهودت، وسارت في الحياة شديدة الورع متعبدة لإله إسرائيل، ولما ذهبت إلى مدينة فيلبي، وبحثت عن مجمع أو يهود يصلون فلم تجد

- وقد كان التقليد اليهودي يجيز لعشرة من الرجال على الأقل أن ينشئوا مجمعًا، إذا جمعهم مكان ما، ويظهر أن فيلبي لم يكن بها هذا العدد

- اجتهدت أن تجتمع كل سبت مع أترابها في مكان هاديء منعزل خارج المدينة على ضفة نهر حيث جرت العادة أن تكون صلاة، وحيث يسهل عليهن العبادة والاغتسال والتطهير، إلى هذا المكان جاء بولس، جاء ليغزو القلب الأول للمسيح في أوروبا، جاء ليضع قدم الفادي للمرة الأولى على الأرض الأوروبية العظيمة ومن استطاع أن يدرك عظمة هذه الساعة الخالدة في تاريخ أوروبا والغرب، من استطاع أن يستوعب ما فيها من بذرة الحق والنور والحرية والمدنية والخلود.

هذا الرجل الصغير القزم المريض كما كان يحلو لرينان أن يدعوه أشعل في تلك اللحظة أوهج شعلة في تاريخ الحضارة والرقي الإنساني. على ضفاف هذا النهر حدثت معركة من أهم المعارك الحاسمة في التاريخ الروماني. المعركة التي وطدت أسس الإمبراطورية الرومانية العظيمة حين هزم اكتافيوس وانطونيوس بروتس وكاسيوس، لكن هذه الإمبراطورية رغم امتدادها وعظمتها، كان يطل عليها في الأفق البعيد وجه الريك القوطي الذي داس مجدها وهوى بعظمتها إلى التراب والحضيض..

أجل انتهت روما وتلاشى ذكرها بين الناس، وعفا الزمان على كاسيوس وبروتس واكتافيوس وانطونيوس وأباطرة الرومان أجمعين، وتبقى فقط على وجه التاريخ ذلك الرجل العظيم الهائل بولس، ورسالته التي غيرت معالم أوروبا، وشادت إمبراطورية أروع وأجل تتحدى البلى والفناء والانهيار.



طريقة هذا الفتح



ان لله طرقًا عجيبة في فتح القلب، ولعله لم يعامل أبدًا قلبين معاملة واحدة، فهناك قلوب صلدة صلبة، وأخرى هادئة وادعة ساكنة، هناك قلوب تهرع إلى الله مدفوعة بنداء الجمال، وأخرى تأتيه فزعة مروعة من مخاوف الموت، وهناك قلوب تأتي إليه لأنها تحن إلى السماء وموسيقى السماء ومجد السماء، بينما تقرب منه أخرى خوفًا من الجحيم وعذاب الجحيم ورهبة الجحيم.. تقترب منه بعض القلوب إذ ترى نورًا أبهر من الشمس يرهبها كبولس، وأخرى إذ تفزع من زلزال يروعها ويقض مضجعها كسجان فيلبي، وثالثة إذ يأتيها صوت عميق يناديها بتفاهة الدنيا وأوهامها وأباطيلها وغرورها...

رأى الأخ لورنس شجرة يعمل فيها الذبول، تساقطت أوراقها وبدت جرداء، ففزع إذ رأى في هذه الشجرة صورة حياته تتجرد من كل جمال، فقدم نفسه لله ليضحى شجرة مغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل، وكل ما يصنعه ينجح، أجل هناك ملايين الوسائل المختلفة التي يستعملها المولى في جذبنا إليه، فأي طريقة بلغ بها قلب ليدية؟ استعمل لوقا في الكلمة «فتح» لفظا فريدا انفرد به وحده في العهد الجديد، والكلمة تعني في الأصل «حل» أو «سرح» أو «فصل» ولعلك قد رأيت الصوف أو الشعر المتشابك يشط ويسرح ويرتب، هذا هو المعنى الدقيق للكلمة.
كانت الحقائق أمام ليديه مختلطة يأخذ بعضها برقاب بعض، فجاءها بولس ليفصل بين الحق والباطل، بين النور والظلمة، بين القبح والجمال جاءها بولس ليرسم لها الطريق الفاصل بين الله والشيطان، وما أن وضح أمامها هذا الطريق حتى سارت وراء الله، وآمنت واعتمدت.
لعل صديقنا القديم الذي هتف: «امتحني يا الله واعرف قلبي. اختبرني واعرف أفكاري، وانظر إن كان في طريق باطل واهدني طريقًا أبديا». كان رجلاً يحس صعوبة الفصل بين مسالك الموت وطرق الحياة، بين مواقع النور وأوضاع الظلال. نورًا أكثر!!

تلك صرخة جوتة في ضجعة الموت. وهي أبدًا صرخة النفس البشرية الفزعة المروعة في دنيا الأشباح والظلام، الدنيا التي تلبس القبح ثوب الجمال، وتعلو بالرذيلة على هامة الفضيلة، وتضع للشر والأثم والفساد والطمع والحقد وما أشبه من الرذائل أسماء ذاهية ماجنة خليعة، وفي الوقت عينه تلقي بالمحبة والبر والطهارة والخير والوداعة واللطف واليثار والإحسان وكل فضيلة تحت أقدام الأشرار المستهزئين العابثين الدائسين.. ما رسالة المسيحية لدنيا كهذه؟

هي رسالة بولس التي أجملها السيد له وهو على أبواب دمشق: «لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور ومن سلطان الشيطان إلى الله حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع القديسين» ولقد كشفت هذه الرسالة الأوضاع الحقيقية للآلاف والملايين من الناس، فجعلتهم ينحون مع تشارلس كنجسلي لحكمة وعظمة الثالوث الأقدس، ويتمشون في سفوح الجبال مع وردثورت كمن يتمشى مع الله في معبد، ويصيحون مع صموئيل رزر فورد: إن العالم كله لا يقوم في ضوء النفس الخالدة بأكثر من مليمين.

ويغنون مع يوناثان ادواردز لكل جميل في الطبيعة لأنه خلق بابن الله ولمجده، ويصرخون في حزن وألم مع نيوتن وهويتفيلد واسبرجن ومودي والجنرال بوث والوعاظ قديمًا وحديثًا لأجل خلاص الآخرين وفداء النفس البشرية.


الثمار الحلوة لليدية بياعة الارجوان



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



المفتوح وما أجمل حقًا هذه الثمار وأسرعها وأنضجها وأكملها، إنها لم تظهر فقط في أهل بيتها الذين ترسموا خطى إيمانها فتبعوها، بل في كونها أيضًا قد جعلت من بيتها مكان الاجتماع والعبادة وحين خرج بولس وسيلا من السجن ذهبا إلى هناك ووجدًا الأخوة مجتمعين، كما أنها لفرط تعلقها بالله تعلقت بخدامه، جاهدت مع بولس ورفاقه حتى أقنعتهم بقبول ضيافتها، وأظنه من المفيد والطريف معاً أن نتذكر أن الكلمة «فألزمتنا» المعبرة عن ضيافة ليدية، وردت مرة أخرى فقط في العهد الجديد حين جاهد تلميذا عمواس في اقناع السيد بأن يمكث معهما «فألزماه قائلين امكث معنا لأنه نحو المساء وقد مال النهار»

وهل قصد الوحي بهذا أن يرينا صورة حلوة للضيافة بالنسبة للضيف والمضيف معًا، أن بولس كان سيده أبيًا عزيز النفس رقيق الشعور دقيق الإحساس، وهو يرهق نفسه ويثقل عليها حتى لا تبدو - أو على الأقل يظن - أنها ثقيلة على الآخرين، وفي الوقت ذاته نرى ليدية كتلميذي عمواس تعبر عن روح الضيافة الحقة التي يجب أن تسود أتباع المسيح وتلاميذه جميعًا. كانت ضيافتها ضيافة النفس الكريمة الملحة المشوقة التواقة إلى استجابة طلبها كما أنها لم تحسب هذه الضيافة تفضلا منها بل امتياز لها: «إن كنتم قد حكمتم أني مؤمنة بالرب فادخلوا بيتي وامكثوا».

لقد اعتقدت أن قبول بولس دخول بيتها مغنم كبير لها وبركة لا تعوض.. أجل أنها لم تكن تنظر إلى الرسول بل إلى ما ورائه. إلى الرب الذي تكرمه في شخص رسوله.. ما أحوجنا كشرقيين ومسيحيين معًا أن نستعيد هذه الروح التي أخذت للأسف تذبل وتتلاشى بفعل المدنية الغربية وتأثيرها فينا. لا أود أن أختم الحديث عن ليدية دون أن أذكر أنها ومدينتها أشتهرتا بروح السخاء في العطاء والتوزيع. كان القلب الفيلبي أفضل القلوب وأكرمها من هذه الناحية. لقد عبر عن شكره لله بما يعد في الواقع المقياس الحقيقي للحياة المتعبدة. بتقدمة المال..

وها نحن نرى بولس يذكرهم بكل ثناء في ختام رسالته إليهم: «ثم أني فرحت بالرب جدًا لأنكم الآن قد أزهر أيضاً مرة اعتناؤكم بي الذي كنتم تعتنونه وأنتم تعلمون أيها الفليبيون أنه في بداءة الإنجيل لما خرجت من مكدونية لم تشاركني كنيسة واحدة على حساب العطاء والأخذ إلا أنتم وحدكم. فإنكم في تسالونيكي أيضًا أرسلتم إلى مرة ومرتين لحاجتي، ليس أني أطلب العطية بل أطلب الثمر المتكاثر لحسابكم ولكني قد استوفيت كل شيء واستفضلت. قد امتلأت إذ قبلت من ابفرودتس الأشياء التي من عندكم نسيم رائحة طيبة وذبيحة مقبولة مرضية عند الله. فيملأ إلهي كل احتياجاتكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع ولله وأبينا المجد إلى دهر الداهرين. آمين»...
 
قديم 13 - 11 - 2020, 04:04 PM   رقم المشاركة : ( 30102 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,296,129

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

كيف فتح الرب قلب ليدية بياعة الارجوان؟


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


نستطيع أن نفهم كيف فتح الرب قلبها اذا تأملنا في أمرين:



الممهدات لهذا الفتح


طريق هذا الفتح. الممهدات لهذا الفتح وهذا يقتضينا رجعة قليلة إلى الوراء، هل كان حقًا وفاة زوجها أول نداء وجهه الله لهذا القلب، كما يريدنا أحد المفسرين ممن تناولوا شخصيتها أن نفهم؟ وهل كان الحزن ذلك الصوت القوي العميق الذي يرسله الله إلى نفوس الناس لينفض عنهم غبار المادة، وما يرين على قلوبهم من زهو وكبر واعتداد، هو أول رسول سماوي؟ أم أن نفسها كانت من تلك النفوس التي تستجيب لنداءات أعلى مما يبكي الناس ويدعوهم نداء السمو عن الاسفاف الذي هوى إليه الأمم، نداء الشبع والري الذي لا تجده في معبودات ثياتيرا وآلهتها وأصنامها.. الذي نعلمه أنها صدفت عن هذه الوثنية، ونزعت عن خرافاتها، وبحثت عن جناحين تحلق بهما إلى الإله العلي إله السماء:

«قد جعلتنا لنفسك وقلوبنا لن تجد الراحة إلا بين يديك» هكذا صاح أوغسطينوس المتعطش إلى الله. ولقد وجدت
- وعلى الأرجح جدًا في مدينة ثياتيرا

- ما يرضي رغائبها وأشواقها في الديانة اليهودية فتهودت، وسارت في الحياة شديدة الورع متعبدة لإله إسرائيل، ولما ذهبت إلى مدينة فيلبي، وبحثت عن مجمع أو يهود يصلون فلم تجد

- وقد كان التقليد اليهودي يجيز لعشرة من الرجال على الأقل أن ينشئوا مجمعًا، إذا جمعهم مكان ما، ويظهر أن فيلبي لم يكن بها هذا العدد

- اجتهدت أن تجتمع كل سبت مع أترابها في مكان هاديء منعزل خارج المدينة على ضفة نهر حيث جرت العادة أن تكون صلاة، وحيث يسهل عليهن العبادة والاغتسال والتطهير، إلى هذا المكان جاء بولس، جاء ليغزو القلب الأول للمسيح في أوروبا، جاء ليضع قدم الفادي للمرة الأولى على الأرض الأوروبية العظيمة ومن استطاع أن يدرك عظمة هذه الساعة الخالدة في تاريخ أوروبا والغرب، من استطاع أن يستوعب ما فيها من بذرة الحق والنور والحرية والمدنية والخلود.

هذا الرجل الصغير القزم المريض كما كان يحلو لرينان أن يدعوه أشعل في تلك اللحظة أوهج شعلة في تاريخ الحضارة والرقي الإنساني. على ضفاف هذا النهر حدثت معركة من أهم المعارك الحاسمة في التاريخ الروماني. المعركة التي وطدت أسس الإمبراطورية الرومانية العظيمة حين هزم اكتافيوس وانطونيوس بروتس وكاسيوس، لكن هذه الإمبراطورية رغم امتدادها وعظمتها، كان يطل عليها في الأفق البعيد وجه الريك القوطي الذي داس مجدها وهوى بعظمتها إلى التراب والحضيض..

أجل انتهت روما وتلاشى ذكرها بين الناس، وعفا الزمان على كاسيوس وبروتس واكتافيوس وانطونيوس وأباطرة الرومان أجمعين، وتبقى فقط على وجه التاريخ ذلك الرجل العظيم الهائل بولس، ورسالته التي غيرت معالم أوروبا، وشادت إمبراطورية أروع وأجل تتحدى البلى والفناء والانهيار.



طريقة هذا الفتح



ان لله طرقًا عجيبة في فتح القلب، ولعله لم يعامل أبدًا قلبين معاملة واحدة، فهناك قلوب صلدة صلبة، وأخرى هادئة وادعة ساكنة، هناك قلوب تهرع إلى الله مدفوعة بنداء الجمال، وأخرى تأتيه فزعة مروعة من مخاوف الموت، وهناك قلوب تأتي إليه لأنها تحن إلى السماء وموسيقى السماء ومجد السماء، بينما تقرب منه أخرى خوفًا من الجحيم وعذاب الجحيم ورهبة الجحيم.. تقترب منه بعض القلوب إذ ترى نورًا أبهر من الشمس يرهبها كبولس، وأخرى إذ تفزع من زلزال يروعها ويقض مضجعها كسجان فيلبي، وثالثة إذ يأتيها صوت عميق يناديها بتفاهة الدنيا وأوهامها وأباطيلها وغرورها...

رأى الأخ لورنس شجرة يعمل فيها الذبول، تساقطت أوراقها وبدت جرداء، ففزع إذ رأى في هذه الشجرة صورة حياته تتجرد من كل جمال، فقدم نفسه لله ليضحى شجرة مغروسة عند مجاري المياه التي تعطي ثمرها في أوانه وورقها لا يذبل، وكل ما يصنعه ينجح، أجل هناك ملايين الوسائل المختلفة التي يستعملها المولى في جذبنا إليه، فأي طريقة بلغ بها قلب ليدية؟ استعمل لوقا في الكلمة «فتح» لفظا فريدا انفرد به وحده في العهد الجديد، والكلمة تعني في الأصل «حل» أو «سرح» أو «فصل» ولعلك قد رأيت الصوف أو الشعر المتشابك يشط ويسرح ويرتب، هذا هو المعنى الدقيق للكلمة.
كانت الحقائق أمام ليديه مختلطة يأخذ بعضها برقاب بعض، فجاءها بولس ليفصل بين الحق والباطل، بين النور والظلمة، بين القبح والجمال جاءها بولس ليرسم لها الطريق الفاصل بين الله والشيطان، وما أن وضح أمامها هذا الطريق حتى سارت وراء الله، وآمنت واعتمدت.
لعل صديقنا القديم الذي هتف: «امتحني يا الله واعرف قلبي. اختبرني واعرف أفكاري، وانظر إن كان في طريق باطل واهدني طريقًا أبديا». كان رجلاً يحس صعوبة الفصل بين مسالك الموت وطرق الحياة، بين مواقع النور وأوضاع الظلال. نورًا أكثر!!

تلك صرخة جوتة في ضجعة الموت. وهي أبدًا صرخة النفس البشرية الفزعة المروعة في دنيا الأشباح والظلام، الدنيا التي تلبس القبح ثوب الجمال، وتعلو بالرذيلة على هامة الفضيلة، وتضع للشر والأثم والفساد والطمع والحقد وما أشبه من الرذائل أسماء ذاهية ماجنة خليعة، وفي الوقت عينه تلقي بالمحبة والبر والطهارة والخير والوداعة واللطف واليثار والإحسان وكل فضيلة تحت أقدام الأشرار المستهزئين العابثين الدائسين.. ما رسالة المسيحية لدنيا كهذه؟

هي رسالة بولس التي أجملها السيد له وهو على أبواب دمشق: «لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلمات إلى نور ومن سلطان الشيطان إلى الله حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيبا مع القديسين» ولقد كشفت هذه الرسالة الأوضاع الحقيقية للآلاف والملايين من الناس، فجعلتهم ينحون مع تشارلس كنجسلي لحكمة وعظمة الثالوث الأقدس، ويتمشون في سفوح الجبال مع وردثورت كمن يتمشى مع الله في معبد، ويصيحون مع صموئيل رزر فورد: إن العالم كله لا يقوم في ضوء النفس الخالدة بأكثر من مليمين.

ويغنون مع يوناثان ادواردز لكل جميل في الطبيعة لأنه خلق بابن الله ولمجده، ويصرخون في حزن وألم مع نيوتن وهويتفيلد واسبرجن ومودي والجنرال بوث والوعاظ قديمًا وحديثًا لأجل خلاص الآخرين وفداء النفس البشرية.

 
قديم 13 - 11 - 2020, 04:04 PM   رقم المشاركة : ( 30103 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,296,129

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الثمار الحلوة لليدية بياعة الارجوان



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



المفتوح وما أجمل حقًا هذه الثمار وأسرعها وأنضجها وأكملها، إنها لم تظهر فقط في أهل بيتها الذين ترسموا خطى إيمانها فتبعوها، بل في كونها أيضًا قد جعلت من بيتها مكان الاجتماع والعبادة وحين خرج بولس وسيلا من السجن ذهبا إلى هناك ووجدًا الأخوة مجتمعين، كما أنها لفرط تعلقها بالله تعلقت بخدامه، جاهدت مع بولس ورفاقه حتى أقنعتهم بقبول ضيافتها، وأظنه من المفيد والطريف معاً أن نتذكر أن الكلمة «فألزمتنا» المعبرة عن ضيافة ليدية، وردت مرة أخرى فقط في العهد الجديد حين جاهد تلميذا عمواس في اقناع السيد بأن يمكث معهما «فألزماه قائلين امكث معنا لأنه نحو المساء وقد مال النهار»

وهل قصد الوحي بهذا أن يرينا صورة حلوة للضيافة بالنسبة للضيف والمضيف معًا، أن بولس كان سيده أبيًا عزيز النفس رقيق الشعور دقيق الإحساس، وهو يرهق نفسه ويثقل عليها حتى لا تبدو - أو على الأقل يظن - أنها ثقيلة على الآخرين، وفي الوقت ذاته نرى ليدية كتلميذي عمواس تعبر عن روح الضيافة الحقة التي يجب أن تسود أتباع المسيح وتلاميذه جميعًا. كانت ضيافتها ضيافة النفس الكريمة الملحة المشوقة التواقة إلى استجابة طلبها كما أنها لم تحسب هذه الضيافة تفضلا منها بل امتياز لها: «إن كنتم قد حكمتم أني مؤمنة بالرب فادخلوا بيتي وامكثوا».

لقد اعتقدت أن قبول بولس دخول بيتها مغنم كبير لها وبركة لا تعوض.. أجل أنها لم تكن تنظر إلى الرسول بل إلى ما ورائه. إلى الرب الذي تكرمه في شخص رسوله.. ما أحوجنا كشرقيين ومسيحيين معًا أن نستعيد هذه الروح التي أخذت للأسف تذبل وتتلاشى بفعل المدنية الغربية وتأثيرها فينا. لا أود أن أختم الحديث عن ليدية دون أن أذكر أنها ومدينتها أشتهرتا بروح السخاء في العطاء والتوزيع. كان القلب الفيلبي أفضل القلوب وأكرمها من هذه الناحية. لقد عبر عن شكره لله بما يعد في الواقع المقياس الحقيقي للحياة المتعبدة. بتقدمة المال..

وها نحن نرى بولس يذكرهم بكل ثناء في ختام رسالته إليهم: «ثم أني فرحت بالرب جدًا لأنكم الآن قد أزهر أيضاً مرة اعتناؤكم بي الذي كنتم تعتنونه وأنتم تعلمون أيها الفليبيون أنه في بداءة الإنجيل لما خرجت من مكدونية لم تشاركني كنيسة واحدة على حساب العطاء والأخذ إلا أنتم وحدكم. فإنكم في تسالونيكي أيضًا أرسلتم إلى مرة ومرتين لحاجتي، ليس أني أطلب العطية بل أطلب الثمر المتكاثر لحسابكم ولكني قد استوفيت كل شيء واستفضلت. قد امتلأت إذ قبلت من ابفرودتس الأشياء التي من عندكم نسيم رائحة طيبة وذبيحة مقبولة مرضية عند الله. فيملأ إلهي كل احتياجاتكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع ولله وأبينا المجد إلى دهر الداهرين. آمين»...
 
قديم 13 - 11 - 2020, 04:33 PM   رقم المشاركة : ( 30104 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,296,129

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الأرثوذكسيَّةُ إيمانٌ وحياةٌ

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مَنْ لا يعرفُ عقيدتَه الأرثوذكسيَّة لا يكون فعليًّا عضوًا في كنيستِه، ولو كان أرثوذكسيًّا على هوّيته.



الصوم الأربعينيُّ المقدَّسُ يعيدُنا إلى البرِّيَّة، إلى الصحراء حيث نتعرَّى من ألبستِنا الجلديَّةِ (أي أهواء النفس والجسد واهتماماتنا الدنيويّة الكثيرة)، لكي نلبسَ مِن جديد لباسَ النعمةِ الإلهيَّةِ، هذا اللباس الّذي يليق بالإنسان الجديد المخلوق على صورة المسيح الإله، الذي خلق كلَّ شيءٍ حسنًا.
نعم، تقليدُنا الشرقيّ المسيحيّ الأرثوذكسيّ هو تقليدٌ نسكيّ تقشفيّ. نحن لا نخجل من ذلك بل نفتخر به. لأجل هذا واجب على الإنسان الأرثوذكسيّ أن يصوم عن ملذّاته الجسديّة حتى يشرِقَ من جديد، من قلبه المتطهّر بالأصوام وحتى من جسده، نورُ نعمةِ الله غيرِ المخلوق الذي لا يُشبِهُ بجماله الفائق أيّ شيء من المخلوقات.
هذا النور الإلهي يحمل لنا السلام الحقيقيّ الذي ليس مثل السلام الذي يعطيه العالم، إنّه يحمل لنا الفرح الذي لا يضاهيه أيّ فرح أو لذّة عالميَّتَين.



أيها الإخوة الأحبّاء، يا أبناء كنيستي العزيزة جدًّاً، لِنُقْبِلْ إلى الصِّيام المُشْرِق، بشَغَفٍ، مشتَرِكِينَ بهذه الصلوات الخشوعيّة الجميلة، صائمين عن الملّذات الدنيويّة، مندفعين إلى أعمال الرحمة السخيّة.
“لقد تناهى الليل واقترب النهار فلنَدَعْ عنّا أعمال الظلمةِ ونلبَس أسلحةَ النُّور” (رو 13: 12) بفرح صليبه مع آلام هذا العالم متوثِّبين إلى لقاء العريس في فصحه الخلاصي، آمين.

أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
قديم 13 - 11 - 2020, 05:25 PM   رقم المشاركة : ( 30105 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,296,129

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

الخطيئة من نظرة بالاماسيّة ونظرة عقلانيّة

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
” يا بنـيَّ مغفورةٌ لك خطاياك “

أتى بعض اليهود بمخلّعٍ إلى يسوع طالبين، طبعاً، أن يحلَّه ويخلِّصه من عاهته الجسدية. لكنّ يسوع التفت بشكلٍ غريبٍ إلى هذا المخلّع – والشلل أوضحُ الأمراض ظهوراً للعيان – وكأنَّه لم يرَ إلاَّ المرض الذي اهتمّ هو أن يشفيه، وقال للمخلّع: “مغفورةٌ لك خطاياك”؛ ففوجئ اليهود.

تترك لنا هذه الأحداث أسئلةً عديدةً. ما مفهوم يسوع للخطيئة الذي جعله يتجاهل الحاجة الجسدية ويركز على المرض الروحي؟ وثانياً لماذا اختارت لنا الكنيسةُ هذا النصّ في أحد القديس غريغوريوس بالاماس، الذي نحييه اليوم، وهو الذي تصدّى في القرن الرابع عشر لـ برلعام من كلابريا في صقلّية؟
لم يكن الصراع بين بالاماس وبرلعام نظريّاً وجدالاً فكريّاً، بل هو خلافٌ على طريقة تعامل الإنسان مع الله وعبادته له والعيش معه والسير إليه.

نعم، لعلَّ الإلحاد المعاصر ليس هو عدم الإيمان بوجود الله، وهذه هي صيغة الإلحاد الغابر، إنما تزييفُ هذا الإيمان وإفساده. لذلك لم يعد الخطر على الإيمان من الاضطهادات الخارجيّة، وإنّما من خطر فقدان صفاء الإيمان، أي من الداخل. إذا ألقينا نظرةً على مفهومنا للخطيئة، وهذا الأمر هو من أدقّ الأمور في علاقتنا بالله، فإنّنا نجد أنَّ هذا المفهوم الدقيق مهدَّدٌ فعلاً وربّما مزيّفٌ بسبب العقلانيّة البرلعاميّة الغربيّة. لنرى إذاً ما هي الخطيئة من مفهومنا المسيحيّ الأرثوذكسيّ الحقيقيّ!
عقلانيّاً، يتساءل إنسان اليوم، لماذا بلغة الدين نسمّي أفعالاً وتصرّفاتٍ ما “خطيئةً”؟ ما دامت هذه أحياناً كثيرةً تبدو مفيدةً لي شخصيّاً، ومناسبة أو مريحة، وتلبّي لديّ شهواتٍ دون أن تضرّ أحداً آخر، ولربّما أحياناً تبدو مفيدة له أيضاً؟ لماذا هذا المفهوم “العتيق” و”المعقّد” للخطيئة؟



عقلانياً، يحلّل غالبيّة الناس اليوم مفهوم الخطيئة، مصطدمين بالمفاهيم “الدينيّة” القديمة لها! هم يرغبون إذاً بتجاوز كلّ الموانع وكلّ رادعٍ أخلاقيٍّ، حتّى ولو كلّفهم ذلك أحياناً إسكات صوت الضمير الداخلي، متساهلين مع كلّ ما يتركه هذا الأسلوب التحليليّ من غموضٍ داخليّ. ويحتكمون بعد ذلك إلى تسمياتٍ جديدةٍ لتلك التصرفات من أجل تبريرها. ولو أنّنا تناولنا أدقّ التصرفات وأهمّ المسلكيّات الإنسانيّة، وتساءلنا ما هو تحديد الإنسان المعاصر للخطيئة فيها، لوجدنا أنّنا غالباً ما نفسد ذلك مستبدلين الرشوة بالشطارة مثلاً، وخالطين الحبّ بالزنى أحياناً، ومحوّلين الخدمة إلى الاستخدام، ومعوّضين عن المحبّة بالمصلحة، ومحدّدين السعادة بالرفاهيّة… ولا نتأخر عن تحليل ذلك بعقلانيةٍ تبرّر كلّ ذلك.
لنفكّر عقلانياً كإنسان اليوم “وبمفاهيم معاصرة”! كما يقال: هل تضرّ الرشوة حين تُسيِّر أعمال كلّ الأطراف؟ ما هو ضرر الزنى مثلاً إذا لبّى شهوة فريقَين؟ ما هو خطأ الاستخدام إذا حقّق توازن الجميع؟ هل عارٌ علينا أن نطلب مصلحتنا؟ ولماذا التضحية والمحبّة، وكلّ هذه الأثقال الإنجيليّة الملائكيّة، ونحن بشر؟ أليست الراحة في الاستراحة؟ هل هذا يؤذي بشراً؟ وغير ذلك الكثير… أين الخطيئة في كلّ هذه المواضيع؟
دينياً- وكم تحمل هذه الكلمة من مخاطر وتتحمّل كثيراً من سوء الفهم- نخطئ في تفسير الخطيئة أيضاً، فنحدّدها على أنّها تعدٍّ للوصيّة الإلهيّة! وكأن المتضرّر في هذا الموضوع هو الله، الذي عليه، لعدالته وربّما “لأنانيته” ولكرامته، أن يُحصِّل حقوقه منَّا بفرض عقوباتٍ في حياتنا الحاضرة قبل جهنّم المقبلة. لكن لو فكَّرنا بشكلٍ أعمق لأدركنا أنَّ الخطيئة لا تستطيع أن تمسّ الله. فإذا ما وضعَ الله لنا نواميساً وقوانيناً تنهانا عن الخطيئة، فإنَّه لا يصنع ذلك لمصلحةٍ تتعلّق به، بل لأجلنا، “لكي نصيب خيراً… ونحيا”[1]. إنَّ إله الكتاب المقدّس، إلهنا، ليس إله الأبيقوريين أو إله أرسطو ذاك الذي لا يهمّه أمر الإنسان والعالم!
حقيقة الخطيئة، من نظرةٍ مسيحيّةٍ عمليّةٍ، وكما يعرّفها القدّيس بالاماس، هي رفض الله كأب، رفض الحبّ الأبويّ، أي رفض النعمة الإلهيّة، والعيش في عزلة عقلانيّة. ما أحزنَ الأب في مَثَل “الابن الضال” هو رحيل ابنه. لقد أهان الابن أباه بحرمانه من وجوده كابن، لذلك فإنَّ هذه الخطيئة لا تُغتفر إلاَّ بالعودة. إنَّ الحبّ الإلهيّ المنسكب جعل الله، إذا جاز التعبير، “قابلاً للتجريح”. خطيئة هي أن نرفض النور ونحبّ الظلام حين يجيئ النور إلينا. خطيئة الابن دائماً تكمن في أنّه يفكرّ وحده فقط. أكبر إهانةٍ للأب هي أن نتجاهل حبّه. يمكننا أن نحيا بعقلانيّةٍ ونحدّد مصيرنا بتحاليلنا. ويمكننا أيضاً أن نحيا مع الله بالإيمان، وهنا فقط نعطي للآب حقّه. لم يُخطئ آدم في شيءٍ بالجوهر إلاَّ في أنّه أراد أن يحيا ويفكّر ويخطط لذاته دون الله. أن ننعزل عن الله يعني أيضاً أن نعزله. أليس هذا هو الإلحاد الحقيقيّ، وهذه هي الخطيئة إذاً بين الابن وأبيه، بيننا وبين الله؟ “الخطيئة” هي أن ندّعي أنّنا أبناء بينما محبّة الآب ليست فينا. لا تعني الحياةُ مع الله مجرّد الاعتراف بوجوده، أو أن نعرف عن وجوده الأمور الكثيرة وحسب؛ الحياة مع الله تعني أن نسعد بحياتنا معه، وبكلمةٍ أخرى أن يكون اللهُ سعادتَنا. أن نقرأ، مثلاً، اللاهوت من أجل المعرفة فقط، فهذه خطيئة! لأنّه إن قرأنا اللاهوت ولم نفرح، ونتخشَّع، ونحيا، فنحن نهين الله الذي أتى إلينا حياةً. لأنّ الله لم يأتِ ليَشغَلَ عقلنا وإنّما ليُشعِلَ قلبنا. الحياة مع الله ليست معلومات وإنّما خبرات. لا يُدَرك الله ولا يوصَف من قِبَل الدراسات، وإنّما يُخبَّر عنه من الخبرات. الدراسات إيجابيّة حين تزيد الخبرات. يمثّل برلعام خدعةَ الدين كمعرفة، ويذكِّرنا القدّيسُ بالاماس بخبرة الدين كحياة.
من وجهة النظر الأرثوذكسيّة، لا يحيا الإنسان إلاَّ على المنّ السماويّ، أي على النعمة الإلهيّة. لا يحيا الإنسان بالخبز، بل بالنعمة والكلمة الإلهيّة الخارجة من فم الله. على هذا الأساس، نُعرِّف الخطيئة أنّها “خسارة”، إذ نرفض النعمة المعطاة لنا ونحيا بمحدوديات العقل المنعزل عن الله ونعمته. خطيئة هي أن نقول “لا” للحبّ الإلهيّ المتدفق إلينا وفينا.



أَتؤمن؟ هذه هي مغامرة الإيمان، لا بل هذا هو يقينه بالذات، أنّنا نُقلع ونُبحر معتمدين على ريح النعمة لا على تجذيف أيادينا الخاصّة. لكلّ إيمانٍ أبعاده، للعقلانيّة حدودها التي لا تتجاوز الأطر الجسدانية والبشريّة والدهريّة. أمَّا أبعاد الإيمان فهي أمرٌ آخر، لأنها تنفتح على النعمة الإلهيّة والمؤلِّهة، وتسير بنا بالروح إلى فردوس القدّيسين.
لكلّ إيمانٍ مسيرةٌ وغاية، والإساءة إلى ذلك هو الخطيئة. يحدِّد القدّيس سيرافيم ساروف غايةَ الإنسان المسيحيّ بـ “اقتناء الروح القدس”، لذلك كلُّ ما يعيق هذه المسيرة هو خطيئة. على كفّة هذا الميزان يجب أن نزِين الرشوة، والمصلحة، وسائر الرغبات… وليس على موازينَ عقلانيّةِ أبناءِ هذا الدهر. هذه هي خطيئتنا الكبيرة، كما تقول الرسالة اليوم، أنّه إن كان الذين قد أهملوا بشارةً جاءت على لسان ملائكة قد أُدينوا، “فكم هي خطيئتنا نحن إن أهملنا خلاصاً كهذا” رافضين أن نسعى في طلب النعمة؟

انطلاقاً من هذه النظرة إلى الخطيئة ندرك لماذا أراد المسيح أن يغفر لذلك المخلّع خطيئته قبل شفاء أعضائه. بنظرةٍ عقلانيّةٍ فقط نستطيع أن نتساءل بحقٍّ ما هي دواعي الصوم، فهو تعذيب للجسد، أو لماذا الصلاة التي قد تبدو بلاهة! ولكن إن كنَّا نطلب النعمة الإلهيّة فالسؤال يُعكَسُ ويصير لماذا لا نصوم، ولا نصلّي، ولا نسهر…؟
هذه هي صرخة القدّيس بالاماس اليوم، أن نتحدّى العقلانيّة ساعين وراء النعمة، وذلك بالأصوام والأسهار والصلوات، متعالين فوق عالم المنطق الدنيوي. “فالبارّ بالإيمان يحيا”، حتّى إذا ما تقبَّلنا بالطهارة النعمةَ الإلهيّةَ، ندرك ونستحقّ كلمة المسيح:

“يا بنيَّ مغفورةٌ لك خطاياك، وها قد عوفيت فلا تعد تخطئ”.

آميــن
من كتاب سفر الكلمة- الجزء الأول

للمتروبوليت بولس يازجي
 
قديم 13 - 11 - 2020, 05:27 PM   رقم المشاركة : ( 30106 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,296,129

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

النُّور الإلهيّ

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
تكلّم القدّيس غريغوريوس بالاماس عن النُّور الإلهيّ غير المخلوق. تعليمه كان حول القوى الإلهيّة غير المخلوقَة ، وأيضًا حول النّعمة الإلهيّة غير المخلوقَة. قال إنّ النّعمة الإلهيّة الّتي تُقَدِّسُنا هي نور أزليّ إلهيّ. لقد مَيَّزَ القدّيس بوضوح بين الجوهر الإلهيّ غير المُدْرَك والقوى الإلهيّة غير المخلوقَة (النّعمة الإلهيّة) الّتي نستطيع أن نساهم فيها بعد تطهيرنا. بهذا، يأتي الجواب على السّؤال الكبير: “كيف نعرف الله وفي الوقت نفسه لا ندركه؟!”. في كلّ هذا سرّ قداسة الإنسان.

ماذا يعني مثلًا أن يتأَلَّهَ الإنسان؟. يعني أن ينزل عليه نورٌ إلهيّ يجعله متحرِّرًا من الأهواء والشَّهَوَات.
يقول القدّيس غريغوريوس بالاماس: “إنّ المعرفة الحقيقيّة للمسيح الإله لا تأتي من الدّراسات بل من الطّهارة والنّقاوة، أي التّحرُّر من الأهواء: “طوبى لأنقياء القلوب لأنّهم يعاينون الله” (متّى 5: 8).



* * *
القدّيس غريغوريوس بالاماس من دُعَاة الهُدوئيَّة . والهدوء أو السَّكِينَة الدّاخلية لا يبلغها الإنسان إلَّا عن طريق النُّسْكِ والفضائل، عن طريق نقاوة الجسد والنَّفْس. يُحَدِّدُ القدّيس يوحنّا السُّلَّمِيّ الهدوء بالطريقة التّالية:

“الهدوء هو صخرة جاثية على شاطئ بحر الغضب”.

القدّيس بالاماس يُعَلِّمُ، كما ذكرنا، عن النُّور الإلهيّ. “قد نَظَرْنَا النُّورَ الحقيقيّ، وأَخَذْنَا الرّوحَ السّماوِيّ وَوَجَدْنَا الإيمانَ الحقّ”. عندما نعيّد في الأحد القادم للصَّليب المحيي، نفهم أنّه الطّريق الصّحيح إلى هذا النُّور. لأنّنا لن نبلغ هذا النّور قبل أن نتطهَّرَ من أوساخ خطايانا. في فترة الصّوم الكبير هناك نُسْكٌ جَسَدِيٌّ وروحِيٌّ، إِمْسَاكٌ عن الخطيئة، في طيّاته نورٌ إلهيّ يَنْبَلِجُ واضِحًا في الفصح.
أفرام، مطران طرابلس والكورة وتوابعهما
 
قديم 14 - 11 - 2020, 11:12 AM   رقم المشاركة : ( 30107 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,296,129

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

يونان: من هو ؟



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




لا نكاد نعرف عن يونان سوى بضع عبارات وردت عنه في العهد القديم والجديد ، وبعض التقاليد اليهودية غير الثابتة ، وهذه وتلك قد تعطينا ضوءاً كافياً ، لنعرف أنه يونان بن أمتاى ، من جت حافر الواقعة في سبط زبولون والتي تبعد ثلاثة أميال إلى الشمال الشرقي من مدينة الناصرة ، والكلمة يونان معناها حماقة « وأمتاى » تعني حقيقة ، وإن كان جيروم يعتقد أن الاسم يونان يعني « حزين » .

وهناك تقاليد متعددة عنه ، فالبعض يقول إنه ابن أرملة صرفة صيدا الذي أقامه إيليا من الموت ، والبعض الآخر يقول إنه النبى الذى أرسله أليشع ليمسح ياهو بن نمشى ، بينما اعتقد آخرون أنه زوج الشونمية التي كانت تضيف أليشع ، وأيا كان هو ، فإن الثابت أنه تنبأ فى عصر يربعام الثاني ، ومن المرجح أنه بدأ نبوته في أوائل حكم هذا الملك أو عام 785 ق.م. ، ويعتقد البعض أنه ذهب إلى نينوى حوالى 763 ق.م.
وقد بدأ يونان رحلته وهو هارب من مدينته إلى يافا ، الميناء الواقع على بعد اثنين وثلاثين ميلا جنوبي قيصرية ، وإلى الشمال الغربى من أورشليم ، والتي يقال إنها أقدم مدن فلسطين على الإطلاق ، وقد اتجه بالسفينة غرباً إلى ترشيش القريبة من جبل طارق في أسبانيا ، ثم رجع إلى نينوى عاصمة الدولة الأشورية العظيمة ، والتي كانت من أعظم وأجمل المدن التى عرفها التاريخ القديم والتي كان محيط دائراتها ، عندما ذهب إليها يونان ، ستين ميلا أو يزيد ، وقد بنيت على الضفة الشرقية لنهر دجلة ، وعلى بعد ستمائه ميل من الخليج الفارسي ، وقد كشفت الحفريات الحديثة عما كان لها من مجد ضائع ، وعز دارس ، ذهب فى بطن الأيام وأحشاء القرون .



يونان والقصد الإلهي



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




يكاد إجماع الشراح ينعقد على أنه ليس في أسفار العهد القديم كله سفر استطاع أن يتجاوز التزمت اليهودي ، ويعلن عن محبة اللّه ، وأبوته لليهود والأمم ، كهذا السفر الصغير الذى لا يتجاوز ثماني وأربعين آية ، ولذا لا عجب أن يرى فيه تشارلس ريد الروائى ، أنه أجمل قصة كتبت على الإطلاق ، ولا عجب أن تكون هذه القصة سبباً فى مجيء القديس كبريانوس إلى المسيح !
والقصة تكشف عن قصد اللّه الثابت والمجيد فى إنقاذ نينوى ، والتى كان يبلغ عدد سكانها فى أيام يونان ما يزيد على ستمائة ألف نسمة إذ كان بها من الأطفال الذين لا يعرفون يمينهم من شمالهم أكثر من مائة وعشرين ألفاً ( اثنى عشرة ربوة ) وكانت مطوقة بسور عظيم يسهل على أربع عربات أن تجرى متجاوره فوقه ، أما داخلها فقد كان متسعاً يذخر بالترع والقنوات والميادين ، والحدائق والقصور والتماثيل والسلع ، والمجوهرات والذخائر والكنوز !! ..

ولعله مما يستدعي الملاحظة والانتباه ، أن اللّه ، لكي يثبت قصده ، كشف عن هذا القصد : « فأرسل ريحاً شديدة » « فأعد حوتاً عظيماً » « فأعد الرب الإله يقطينة » « ثم أعد اللّه دودة » . ( يونان 1 : 2 و 17، 4 : 6 و 7 ) وهل وقفنا لنتأمل الفعل « فأرسل » والفعل الذى كرر ثلاث مرات : « أعد » لقد استخدم اللّه الريح ، والحوت ، واليقطينة ، والدودة ، على النحو العجيب المثير لإثبات قصده ، أو فى لغة أخرى ، أن اللّه كان وراء الطبيعة ، والحيوان الضخم ، والنبتة الصغيرة ، والدودة الحقيرة ، لكي يؤكد استخدامه لكل شيء ، وهو يثبت قصده .

عندما تمرد يونان على الرحلة ، وبدأ فى الاتجاه العكسي لها ، أرسل اللّه له الريح الشديدة العاتية ، لتعيده إلى الرسالة التى يلزم أن يؤديها ، ويونان كان كموسى ، وإرميا، إذ لم يقبل على الرسالة بقلب راغب ، واستعداد كامل ، كما فعل إشعياء ، وهو يقول : « ها أنذا إرسلنى » ، (إش 6 : 8) وكثيراً ما يرسل اللّه ريحه الشديدة على سفينة حياتنا ، وقد تكون هذا الريح فشلا أو ضيقاً ، أو اضطراباً أو إفلاساً ، أو ما أشبه، حتى تعود هذه السفينة مرة أخرى من ترشيش التى نزمع الذهاب إليها ، إلى نينوى التي نرفض أن نتجه إليها ، ...
ومع أن اللّه غضب على يونان ، إلا أنه فى الغضب يذكر الرحمة ، وقد أعد اللّه لذلك حوتاً عظيماً ، ... ولم يكن هذا الحوت مصادفة أو خيالا أو رمزاً ، كما يزعم النقاد الذين علت القصة فوق إدراكهم ، فتصوروها شيئاً يصعب تصديقه ، وكان يكفيهم تماماً أن يشير المسيح يسوع سيدنا إلى هذه القصة كواقعة وحقيقة تعتبر صورة أو مثالا لما سيحدث معه هو فى القبر بعد الصليب ، .. ولا يستطيع أحد أن يتصور أن المسيح يجعل من قصة رمزية أو خيالية ، شبهاً أو رمزاً لقصته هو في القبر قبل القيامة ، ... ولو صح هذا ، لتحولت قصة المسيح بدورها رمزاً أو خيالاً ، وليس موتاً أو صليباً حقيقياً ، ألم يقل : «هذا الجيل شرير . يطلب آية ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي . لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك يكون ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل » ( لو 11 : 92 و 03 ) ؟؟ .

فإذا كان اليهود قد قبلوا هذه القصة مرغمين وأوردها يوسيفوس المؤرخ اليهودى كواقعة تاريخية فى كتاب الآثار ، وإذا كانت توبة نينوى لم تكن مجرد خيال أو تصور بل حقيقة واقعة ، فإنه يحق لنا أن نورد ما قاله أحد الشراح اللاهوتيين : « إن ديان المستقبل ، وهو يتحدث إلى أولئك الذين سيقفون يوما أمام كرسيه ، محذراً ، كان لابد أن يعطيهم صورة حقيقية مثالا لحقيقتهم ، وهم ماثلون أمامه ، ويستحيل أن يعطيهم صورة رمزية ، لما سيكونون عليه عندما يمثلون أمام عرشه العظيم ، فى يوم القضاء الأبدي ، كواقعة حقيقية » ...

فإذا أضفنا أن مصدر الصعوبة القائمة عند من لا يقبلون القصة ، ويعتبرونها حلماً حلم به يونان أو أسطورة ألحقت بالكتاب ، وهو ما يستحيل على أهل نينوى قبوله كآية تردهم إلى اللّه ، ما لم يكن حقيقة ماثلة أمام عيونهم ، إن مصدر الصعوبة راجع إلى أنه لا يعقل أن هناك حوتاً يستطيع أن يبلغ يونان ، فى بطنه ليستقر ثلاثة أيام ليال ، وأنه شيء ، يتجاوز تفكيرهم وخيالهم ، ... وقد أطلق النقد الأعلى هذا الاتهام المردود والذي تصدى له كثيرون من علماء علم الأحياء ، والذين قالوا إن هناك نوعاً من الحيتان يمكنه أن يبتلع رجلاً مهما كان حجمه ، والحوت كما نعلم يختلف عن غيره من الأسماك ، وهو أشبه بالغواصة التى صنعها الإنسان ليبقى تحت الماء أسابيع وأياماً ، ...
وإذا أمكن أن يصنع الإنسان شيئاً من هذا القبيل ، فإنه يحسن بنا أن نذكر التعبير الكتابى كما أشار واحد من المفسرين : « فاعد اللّه حوتاً عظيماً » ... واللّه لن يعجز على أسلوب عادى أو خارج أن يعد ذلك ، ... وقد كان أهل نينوى يؤمنون ، على ما يعلق هنرى كلاى ترامبل ، بخلائق تخرج من البحر نصفها إنسان والنصف الآخر سمكة ، ... ومع ما فى هذا الخيال من خرافة ، ... إلا أنه من السهل أن تأتيهم رسالة من إنسان قذف به الحوت إلى الشاطئ على النحو العجيب الذى صنعه اللّه آية لهم ، ليرجعوا عن شرورهم ، ويتوبوا عن خطاياهم ، .. وقد أدرك يونان أنها رحمة اللّه وليس غضبه ، أن يحفظه فى بطن الحوت ليصلى صلاته ويرجع هو ، إلى رسالته العتيدة إلى نينوى ..

وإلى جانب ذلك لا ننسى أن اللّه « أعد يقطينة » وهنا نتحول إلى منظر آخر ، من الحوت الضخم إلى اليقطينة الصغيرة ، ونتحول من رحمة اللّه تجاه الإنسان الغريق إلى ابتسامة اللّه تجاه النفس المغمومة ، كان الحر اللافح خارج يونان وداخله ، وهو يجلس على مشارف المدينة ، وقد امتلأ غيظاً وغضباً وغماً ، وأعد اللّه له اليقطينة ليخرجه من هذا الغم المستولي عليه ، ... وما أكثر ما يفعل اللّه معنا هكذا عندما تستولي علينا الوساوس والهموم ، فيرسل اللّه ابتسامته التى تأتى إلينا مفاجأة، وعلى وجه لم تكن نتوقعه ، ..

قالت سيدة عجوز للرئيس ابراهام لنكولن فى أدق أوقات الحرب الأهلية : « لا تفزع اللّه معك ، ونحن نصلى لأجلك ، ولن تهزم » ... وفرح الرئيس بهذه الكلمات البسيطة التى أخرجته من هوة اليأس العميق الذى وصل إليه !! .. كان الصبى على أعتاب اليأس ، عندما رسب فى الامتحان ، وكانت قريته كلها تتكلم عن رسوبه ، غير أن الراعي التقى به ووضع يده على كتفه ، وقال له : أنا أعلم أنك ستنجح !! ... وكانت هذه الكلمات هى التى عبرت به الخط الفاصل بين الفشل والنجاح فى تاريخه كله !! ..
حاول صموئيل جونسون - وهو شاب فقير - أن يلفت أنظار أحد اللوردات الإنجليز إليه دون جدوى ، لكنه لما أصبح كاتباً إنجليزياً عظيماً ، أرسل إليه هذا اللورد خطاب تهنئة ، .. ورد جونسون يقول : لقد جاءت هذه التحيات ياسيدي متأخرة ، لقد كنت فى حاجة إلى كلمة صغيرة واحدة منها فى أيام التعب والفشل والمأساة !! .. لم ينس اللّه أن يعد يقطينة ليونان !! .. على أن اللّه مع ذلك ، أعد دودة لتقضى على هذا الفرح بسرعة غريبة ، ... وذلك لأن اللّه أبصر فى الفرح نوعاً من الأنانية ، كانت اليقطينة شيئاً يشبه شجر اللبلاب الذى لا قيمة له ، وكان يونان أنانياً بفرحه ، فهو يفزع ليقطينة ضاعت دون أن يبالى بمدينة عظيمة تتعرض للضياع !! ... كان قصد اللّه ثابتاً وأكيداً فى إنقاذ نينوى !! ..

يونان والتمرد الشخصي



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


كيف تكلم اللّه إلى يونان ، وبأية صورة جاء هذا الكلام !! . نحن لا نعلم ، غير أننا ندرك أن يونان تحول إلى بركان من الثورة ، وتمرد على الرسالة ، هل يرجع تمرده إلى شيء فيه ، أم شيء فى المدينة نفسها ، أم إلى شيء فى اللّه تعالى ؟ … يعتقد البعض أن الرسالة فى حد ذاتها كانت لا تتجاوب مع طبيعة يونان ، فيونان واسمه « حمامة » وهو أدنى إلى طباع الحمام ووداعته ، ليس من السهل عليه أن يتحدث بلغة الزجر والشدة والانقلاب ، … قد يكون من السهل على الإنسان أن يتحدث بالناعمات ، ويردد ما هو مطلوب أو منسجم مع آذان سامعيه ، لكن من أصعب الأشياء وأقساها وأشدها وقعاً على النفس أن يقف منهم – وهو وديع هادئ مسالم – متحدثاً بالعنف والإنذار والتهديد !!
على أن البعض الآخر يعتقد أن يونان تمرد على الرسالة ، لأنه بطبعه يكره هذه المدينة ، وهي مدينة وثنية تتربص ببلاده وشعبه بالغزو والفتح ، وهو كرجل إسرائيلي وطني يهمه أن تزول نينوى من الوجود ، لا أن تبقى … !! … ويرى غيرهم أن الأمر يرجع ، أكثر من ذلك، إلى يقين يونان في اللّه ، إذ أبصر من وراء ندائه القاسي على المدينة بالانقلاب ، نداء آخر بالرجوع والتوبة ، وخاف هو أن تتوب المدينة وترجع ، فيعفو اللّه ويسامح ، إذ هو « إله رؤوف ورحيم بطئ الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر » .." يونان 4 : 2 " وهـــو لا يريـــد لنينوى هـذا !! ..





يونان والهروب العكسي


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


إن قصة يونان لا تتحدث عن نينوى فحسب ، لكنها - أكثر من ذلك - تكشف عن إحسان اللّه ومعاملته لخدامه حتى فى لحظات الضعف التمرد !! ..

وقصة الرجل ، في هروبه ، تكشف عن بعض الوقائع المثيرة ، .. لعل أولها أن الأجرة الجاهزة ، أو السفينة المقلعة ، ليست بالضرورة دليل العناية أو الموافقة الإلهية ، ... إن عناية اللّه لا يجوز تفسيرها بالمظهر السطحي الساذج ، لعمل يعلم الإنسان تماماً أنه في الاتجاه العكسي لإرادة اللّه ، ولا يجوز لإنسان أن يندفع فى رغبة ما تتمشى مع هواه ، ويبصر بعض خطواتها سهلة أو هينة يسيرة ، فيعتقد أن هذا هو الجواب المؤكد من اللّه بالموافقة على العمل بصرف النظر عن طبيعته وفحواه ، ... وما أكثر ما يرتبط الناس ببعض الصور الساذجة أو الخرافية ، معتقدين أنها إرادة اللّه ، واللّه منها براء ، ... يتصور بعض المؤمنين أنهم بمجرد أن يفتح الكتاب المقدس ، ويضعوا يدهم على آية أو صفحة معينة ، فإن هذه الآية أو الصفحة - ستكون - قطعاً - الصوت الإلهي الذى يلزم أن يأخذوا به وينفذوه ، وبعض الناس قد يتوهمون هذا الصوت فى حلم جاءهم فى المنام ، أو فى رسالة جاءت إليهم من آخر ، .. فيأخذون السفينة إلى ترشيش ، وهم مطلوبون فى نينوى !!

على أن الأمر الثاني .. أن الهروب العكسي قد لا يضر بنا وحدنا ، بل قد يضر أيضاً بالآخرين الذين قد تجمعنا معهم سفينة الحياة ، وذلك لأن هروب يونان كاد أن يؤدي " لا بحياته هو " بل بحياة الملاحين الذين كانوا فى السفينة معه أيضاً !! ...

ومع أن اللّه ، عادة ، يحاسب كل إنسان على حدة ، وبخطاياه ، دون أن يمتد هذا إلى غيره ، لكن السفينة التى تحملنا معا تتعرض للضياع ، لأن فرداً فيها قد يكون فى الاتجاه العكسي لطريق اللّه ، فالقائد في الأمة والراعي فى الكنيسة ، ورب البيت فى الأسرة ، والصديق في المجتمع ، يرتبطون بلا فكاك مع من يجتمعون معهم في سفينة واحدة ، ...

ومصيرهم يدور وجوداً أو عدماً ، مع الرابطة الواحدة في السفينة الواحدة ، ... وإذا نظرنا إلى الأمر من الجانب المنير ، فإننا نعلم أن وجود بولس فى السفينة التى أقلعت إلى روما ، كان السبب فى إنقاذ جميع الركاب وعددهم مائتان وستة وسبعون ، « لأنه وقف بى هذه الليلة ملاك الإله الذى أنا له والذي أعبده قائلا : لا تخف يابولس ينبغي لك أن تقف أمام قيصر ، هوذا قد وهبك اللّه جميع المسافرين معك . لذلك سروا أيها الرجال لأني أومن باللهّ أنه يكون هكذا كما قيل لي » " أع 27 : 23 - 25 " ...

وثالثاً : إننا قد نصل فى الهروب إلى درجة التثقل بالنوم العميق حتى يأتينا التوبيخ من أهل العالم كما وبخ رئيس النوتية يونان !! .. وأنها لمأساة محزنة لكثيرين من أبناء اللّه فى سقطاتهم ، عندما يفعلون مالا يفعله أبناء العالم أنفسهم ، ويقف المرء متعجباً : كيف يمكن أن ينحدر المؤمن فى بعض لحظات الزمن ، إلى مالا يسقط فيه العالمي ، بدافع من الشهامة أو المروءة أو الرجولة أو ما أشبه من صفات أدبية تتملكه وتستولي عليه ؟!! .. ألا تتعجب إذ يأخذ إبراهيم درسه من فرعون أولا ، وأبيمالك ثانياً ؟ ويأخذ اسحق نفس الدرس ، لأن الأب أو الإبن لم يعط الصورة الصحيحة الكاملة عن سارة أو رفقة باعتبارها زوجته ، ولولا حماية اللّه لحدث الضرر الذى كان لا يمكن تجنبه !! ..

يونان والإعياء النفسي

وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


دفع اللّه يونان إلى بطن الحوت ، وهناك صلى : « حين أعيت فى نفسى ذكرت الرب » " يونان 2 : 7 " وهذه هى نقطة التحول أو الرجوع فى قصة الرجل ، ... لقد أدرك ضعفه الكامل أمام الريح الشديدة التي لم تفلح كل الجهود فى مواجهتها ، وإعيائه الكامل فى بطن الحوت ، ... لقد كان حراً طليقاً كما يريد اللّه لأبنائه أن يكونوا ، أحراراً يسيرون فى خدمة اللّه ، دون إكراه أو ضغط ، ولكننا ما أكثر ما نسئ استخدام هذه الحرية ، فيظهر اللّه اضطراراً إلى أن يأخذها منا ، حتى نثوب إلى رشدنا - وكان يونان محتاجاً إلى الإعياء النفسي الكامل حتى يتعلم كيف يعود إلى إلهه ويذكر ! على أن هذا الإعياء لم يكن فى فقدان الحرية فحسب ، بل ، أكثر من ذلك فى ضياع الصحة أو القوة ، ... لست أعلم كم كانت كمية العشب التى التفت برأسه ، وكيف حاول أن يكافحها حتى بدأ كما لو أنه أوشك أن يختنق ، وإذ به يذكر الرب ، ... وما أكثر ما ذكر أبناء اللّه إلههم وهم فى العجز الصحي أو فى سرير المرض . أو فى شدة العلة ، أو فى قسوة الداء !! ..
وأكثر من ذلك ، لقد أصاب يونان الإعياء عندما سقط فى الوحدة والعزلة القاسية ، فلا يوجد من يتحدث معه أو يخاطبه فى بطن الحوت ، سوى اللّه الذى بقى له ، عندما انقطع من أرض الأحياء ، ... ولعلنا نسأل هنا : ما الداعي إلى ذكر الرب ، وما الفائدة من ذلك !! ؟ وقد أطبق عليه الحوت وغاص هو معه فى المياه العميقة ، ... لقد ذكره لأكثر من سبب ..
أولا : لأن اللّه أرحم مما كان يصور أو يتخيل ، ... لو أن اللّه قضى عليه بالموت غرقاً ، لما نسب إلى اللّه أدنى لوم ، بل كان اللّه عادلا لو فعل ذلك ، .. لكنه اكتشف أن اللّه العادل هو أيضاً أرحم الراحمين ، لقد أدرك أن سجنه فى بطن الحوت هو الرحمة بعينها ، والعناية التى تعلو على كل فهم أو خيال ، ...

لقد تبين أن الحوت تحول بقدرة القادر على كل شيء ، إلى فلك آخر كالذي أدخل اللّه فيه نوحاً وأغلق عليه ، ليحميه من الهلاك والغرق !! .. وكم يغلق اللّه علينا ، ولا يتركنا للحماقة والضياع ، عندما يرانا نسعى إلى حتفنا بظلفنا ! ...
ثانياً : لقد أدرك يونان ان اللّه ليس أرحم فحسب ، بل هو أكرم وأطيب من أن يدخل معه فى نوع من المؤاخذه أو الحساب ، ... لقد كان مجئ الابن الضال إلى أبيه كافياً لأن يستبدل هوانه وجوعه وذله وحاجته بالترحيب والإكرام والعطاء السخى ، دون مراجعة أو حساب عما فعل أو أساء ، .. وظهر اللّه إلى جانب هذا كله ، عندما أمر الحوت بأن يقذف يونان إلى البر ، ... لقد ظن يونان كما يبدو من صلاته أن انتهى إلى الأبد : « نزلت إلى أسافل الجبال . مغاليق الأرض على إلى الإبد . ثم أصعدت من الوهدة حياتى أيها الرب إلهى » ... " يونان 2 : 6 " .

ثالثاً : ولكن اللّه إلى جانب أنه أرحم ، وأكرم ، هو أيضاً أقدر فلا حدود لقوته وقدرته ،... أما كيف استطاع يونان وهو في العمق فى قلب البحار أن يذكر الرب ، ... فإنه ذكره بأمرين عظيمين قريبين إليه أينما يذهب أو يجيء ، ... لقد ذكره بالإيمان ، وما الإيمان إلا تحول النفس والمشاعر والإرادة تجاه اللّه ، ... وما أجمل أن يدرك الإنسان هذه الحقيقة فى شتى الظروف المحيطة به « أين أذهب من روحك ومن وجهك أين أهرب ؟ إن صعدت إلى السموات فأنت هناك ، وإن فرشت فى الهاوية فها أنت . إن أخذت جناحي الصبح وسكنت فى أقاصي البحر ، فهناك أيضاً تهديني يدك وتمسكني يمينك » " مز 137 : 7 - 10 " . أما الصلاة فقد كانت من جوف الحوت ، وصلاة المتضايق لا يشترط أن تكون فى هيكل أو معبد ، أو مع جماعة من الناس يشاركون فى العبادة أو التضرع ، ... بل يمكن أن تكون فى أعماق البحار أو فى أعلى الجبال ، يمكن أن تكون فى السجن أو الأتون ، إنها فى المكان الذى يوجد فيه الإنسان إن كارها أو راضياً ، لأن اللّه فى كل مكان : « اطلبوا الرب ما دام يوجد ادعوه وهو قريب » " إش 55 : 6 " ونحن لا نعلم هل استطاع يونان أن يصلي واقفاً أو راكعاً أو منبطحاً على ظهره أو بطنه ، ...

لا يهم الصورة التى يظهر فيها المصلي ، إنما المهم أن يكون راكع النفس ، منحني المشاعر ، منبطح التسليم ، واللّه سيسمعه طالما يتجه فى إعياء النفس بروح الصلاة ، ... هل كان يصرخ فى الصلاة ، هل كان يصلى بصوت يسمع ، أم كان يتمتم بشفتيه ، ... إن الصوت فى حد ذاته يتساوى أمام إذن اللّه ، التى تسمع الصوت الصارخ ، أو المتمتم ، أو الهامس على حد سواء ، طالما تخرج صرخة النفس من الأعماق أمام اللّه !! .. لقد صرخ يونان من بطن الحوت واستمع اللّه إلى صراخ نفسه ! ..



يونان والعودة إلى الرسالة



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


عاد يونان إلى الرسالة التى هرب منها ، وذهب إلى نينوى ، لا ليعلن لها فحسب ، بل للأجيال كلها - الحقائق العظيمة التالية : أولا : إن أبوة اللّه ومحبته وإشفاقه ، لا تقف عند حدود اليهود فقط ، بل تمتد إلى جميع الناس ، إذ الكل خليقته وأبناؤه وذريته ، ... كان يونان من الحماقة حتى كان يهرب من امتيازه الأعظم فى كل التاريخ ، إذ أنه هو المرسل الأول إلى الأمم ، أو فى لغة أخرى ، أبو المرسلين القدامى والمحدثين فى كل التاريخ ... كان وليم كيرى رائد المرسلين فى التاريخ الحديث ، وكان شاباً إسكافياً فقيراً لا يملك مالا أو نقوداً أو علماً ، ومع ذلك فقد امتلأ قلبه حباً وغيرة على تبشير العالم الوثني ، وقد تحدث فى ذلك الشأن إلى بعض رجال الدين ، فلم يجد منها تأييداً أو معونة ، بل وجد على العكس تعطيلا وتحقيراً ومقاومة ، كان يضع فى دكانه خريطة العالم وقد كتب عليهــا : « لأنه هكذا أحب اللّه العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكى لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية » " يو 3 : 16 " ... كان يحمل معه الكتاب المقدس وكتاب « الأجرومية » "علم النحو والصرف " ، وقد تعلم عدة لغات وذهب إلى الهند . وعندما نذكر أنه فتح الباب أمام جيش المرسلين فى التاريخ الحديث ، علينا أن نذكر يونان المرسل الأول فى كل التاريخ ، إلى نينوى !! كان يونان وهو لا يدري أول من تعلم الدرس أنه لا فرق عند اللّه بين اليوناني واليهودي والعبد والحر ، والذكر والأنثى ، والأسود والأبيض - أو كما قال الرسول بطرس فى بيت كرنيليوس : « بالحق أنا أجد أن اللّه لا يقبل الوجوه بل فى كل أمة الذى يتقيه ويصنع البر مقبول عنده » " أع 10 : 34 و 35 " . عاش احد الأشخاص السود والذي اشتهر في دفاعه عن الملونين ويهاجم التفرقة العنصرية ، ولم يكن يضيق بلونه الأسود ، بل قال : لو ذهبت إلى السماء وهناك سألني اللّه عما إذا كنت أرغب فى العودة إلى الأرض كرجل أبيض فإني أجيبه : إن عندي عملا كرجل أسود أكثر مما يستطيع رجل أبيض أن يؤديه ، أرجوك أن ترسلني ثانياً أسود حتى يمكني أن أؤدي عملي » . ثانيا : تعلم يونان ما كان يجهل أو ما لم يكن يعلم حق العلم ، أن النفس البشرية غالية جداً عند اللّه ، : « الذى يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون » " 1 تى 2 : 4 " .. وأنه إذا كان يونان قد خرج بيقطينة ظللته ، ولكنها إذ ذوت وهي بنت ليلة ولدت ، وبنت ليلة ضاعت ، فامتلأ غيظاً وهماً وقلقاً ، فكيف يكون الأمر بالنسبة لقلب اللّه ، كخالق ، وهو يرى مدينة عظيمة تهوى إلى قاع الهاوية والجحيم ؟ ... آه ! لو نعلم كم يتألم قلب اللّه على النفوس الضائعة ، لعشنا حياتنا كلها ، ولا هم لنا إلا إنقاذ النفوس الهالكة ، ... لا لأنها خليقة اللّه فحسب ، بل ، أكثر من ذلك ، لأن المسيح مات من أجلها على هضبة الجلجثة !! .. والأمر الثالث الذى أدركه يونان ، هو بركة الألم فى الحياة ، لقد أعاده الألم إلى اللّه والرسالة التي هم بأن يهرب منها ، ... وجاءت نينوى إلى التوبة عندما هددت بالانقلاب !! ... ومع أنه شيء محزن وتعس أن يلجأ اللّه إلى أسلوب الشدة مع الإنسان ، وكان من الممكن أن يستمع إلى نداءاته الكثيرة بالخير والبركة والجود والمراحم ، ... لكنها الصفة فى النفس البشرية ، التى تجعل اللّه يرحم الإنسان بالتأديب والتهديد والآلام ، وربما نعمة فى نعمة طويت .. الأمر الرابع : أن التوبة الشاملة الصادقة ميسورة لأى شعب أو فرد أو جنس ، متى اتجه إلى اللّه من كل قلبه وفكره ، حتى كانت توبته عملية بالرجوع عن الطرق الرديئة والظلـــــم الذى فى يديه ، وأنه ليس فى حاجة إلى كهانة أو وساطـــة أو شروط ، ماخلا الاتجاه إلى اللّه الحي الحقيقي !! .. على أن القصة تعلمنا آخر الأمر غرابة النفس البشرية ، وقد تكون من أفضل النفوس على الأرض ، إذ هى النفس السريعة التذبذب ، الغريبة الأطوار ، تفرح وتكتئب ، وتتسع وتضيق ، دون فاصل زمني ، وتغتاظ مرات كثيرة بالصواب ، ... ومن الغريب أن نجاح يونان كان فشلا فى تصوره ، وأن وقوفه في وجه الكارثة ، كان كارثته الشديدة ، ... والسر الحقيقي كما ذكر كلفن ، أن يونان كان مهتماً بالذات أكثر من اهتمامه بخلاص المدينة أو مجد اللّه !! .. كان يونان ، كما دعاه الكسندر هويت ، الأخ الأكبر الذى غضب لمجيء أخيه ، ولم يرد أن يدخل البيت ، فخرج أبوه يطلب إليه الدخول ... فى الحقيقة أن رجاءنا دائماً فى خلاص النفوس لا يرجع إلينا ، بل يرجع إلى قصد اللّه الأبدي ومحبته التي لا تتغير ولا تتبدل.
 
قديم 14 - 11 - 2020, 12:17 PM   رقم المشاركة : ( 30108 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,296,129

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

خليك واثق إن ربنا بيحضر ليك حاجة كويسة

الأنبا إبرام، مطران الفيوم
ورئيس أديرتها



"خليك واثق إن ربنا بيحضر ليك حاجة كويسة،


اتكلم معاه وقوله يا رب، لتكن مشيئتك".


" تذكر عمل الله في حياتك لأن أي نعمة نحن فيها مصدرها الله".
 
قديم 14 - 11 - 2020, 12:40 PM   رقم المشاركة : ( 30109 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,296,129

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

القديس مار مينا



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



تحتفل الكنائس الأرثوذكسية خلال نوفمبر الجاري بنهضة وعيد القديس مار مينا، المشهور كنسيا بلقب "العجائبي".

ونشر الأنبا نيقولا أنطونيو، مطران الغربية وطنطا للروم الأرثوذكس، والمتحدث الرسمي للكنيسة في مصر، عبر صفحته الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مجموعة من أغرب الصور للقديس مار مينا أو ميناس حسبما يلقب في كنيسة الروم الأرثوذكس.

ويرى الأقباط مار مينا صغيرا في السن لذلك لا يرسمونه بلحية، وهو ما يعتبر غريبا في بعض تلك الصور حيث يراه بعض الروم الأرثوذكس بلحية وشارب.

ويقول موقع "تكلا هيمانوت" المتخصص في الشئون الكنسية إن مار مينا أشهر الشهداء المصريين، نال شهرة لم ينلها أي شهيد مصري سواء في القطر المصري أو خارجه، ولعل السبب في ذلك العجائب الكثيرة التي يجريها الرب بصلواته إلى يومنا هذا، لذا يطلق عليه الشهيد مار مينا العجايبي.

ووُلد حوالي سنة 285 م، ببلدة نقيوس مركز منوف محافظة المنوفية، كان والده أودكسيوس حاكمًا للمدينة، وكان جده أيضًا حاكمًا.

وقد نال أودكسيوس شهرة عظيمة بسبب فضائله وتقواه، وأنجب مينا بعد فترة من عدم الإنجاب، الذي كبر وأصبح ضابطا بالجيش الروماني، واعتقل وعذب نظير تمسكه بالمسيحية ورفضة عبادة الأصنام، حتى أعدم بقطع الرأس عقابا على ذلك.



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة


وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة




وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة



 
قديم 14 - 11 - 2020, 03:30 PM   رقم المشاركة : ( 30110 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,296,129

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة

let us worship and bow down

let us kneel before the LORD our Maker

Psalm 95:6



وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
 
موضوع مغلق


الانتقال السريع


الساعة الآن 09:06 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025