18 - 04 - 2013, 07:44 PM | رقم المشاركة : ( 2991 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل الزوؤان مثلا الكنز واللؤلؤة (مت 44:13-46)(مت 13: 36-43) يلي مثل الزوؤان، كما كان الأمر مع مثل الزارع، تفسير له (مت36:13-43). هناك اختلافات عديدة بين المثل وبين تفسيره. تطال هذه الاختلافات كل الجوانب: فهي تطال المعنيين بالمثل، والإطار العام، والنوع الأدبي، والموضوع الأساسي. لقد وجّه المعلم المثل إلى الجماهير، ولكنه يوجّه شرحه إلى التلاميذ وحدهم، إطار المثل أو المكان الذي قيل فيه هو شاطئ البحر (مت 1:13)، أمّا التفسير فيتم في البيت (مت 36:13). لقد حوّل التفسير المثل إلى تشبيه، يجد فيه كل شخص وكل جانب وكل عنصر ما يقابله ويشبهه: فالزارع هو ابن الإنسان (مت 37:13)، والحقل هو العالم (مت 38:13أ)، والزرع الجيد هم أبناء الملكوت (مت 38:13ب)، والزوؤان هم بنو الشرير (مت 38:13ج)، والعدو هو الشيطان (مت 39:13أ)، والحصاد هو نهاية الأزمنة (مت39:13ب)، والحصادون هم الملائكة (مت 39:13ج).أمّا أهم ما تغيّر في المثل فهو مركزه: لم يعد الأمر الأساسي هو منطق الله الذي يقود إلى الملكوت، بل الدينونة في اليوم الأخير. لقد اختفى، في تفسير المثل، كل أثر لأسئلة العبيد ورد سيدهم. كان المثل ذا هدف لاهوتي، أما هدف تفسير المثل فهو أخلاقي. لقد تحوّلت جدَّة التعليم إلى تحذير جليّ وواضح: عدم استغلال صبر الله تعالى. إن المسألة التي تشغل المكانة الأولى، في تفسير المثل، هي مصير الأشرار النهائي، وليست مسألة تواجد وتعايش الصديقين والأشرار معاً في الجماعة. يدل هذا التحوّل، في التفسير، على محاولة عقلنة الأمور وجعلها تسير بطريقة منطقية. لا يسلب هذا التغيير أهمية التفسير الكبيرة، إذ أنه يذكّر المسيحيين أنه ليس أمراً مفروغاً منه أن يكونوا زرعاً جيداً. حذار، فقد يكونون زوؤاناً. ربما يرجع سبب هذا التحوّل في طريقة تفسير مثل الزوؤان إلى تغيّر وضع جماعة المؤمنين التاريخي والرعوي. لقد خبا الحماس الأول عبر الزمن ، وأحدق بالجماعة خطر الإحساس باللامبالاة تجاه خطايا وانحرافات أعضائها: لم تعد هذه الخطايا تثير الاستغراب أو تسبب الشكوك. لقد اعتادت عليها الجماعة وتأقلمت. لم يعد هناك خطر التشدّد والصرامة بل التسيب واختلاط الأمور. لذلك لا يركّز إنجيل القديس متى، في تفسير مثل الزوؤان، على صبر الله، بل يحذّر من استغلال هذا الصبر والتمادي في الأخطاء والانحرافات.التسامح هو فضيلة يتحلى بها الله تعالى، ولكن ليس هذا التسامح هو نتيجة لا مبالاة. فتسامح الله وغفرانه ناتجان عن حبه؛ عن عدله الواضح والمحدد. إننا أمام مثلين- مثلا الكنز واللؤلؤة- توأم، مرتبطين معاً. التكرار هو وسيلة من وسائل الرواية الهامة والمفيّدة: إنه يسمح، من جهة، بالتأكيد والتشديد على الأمور الأساسية، ومن جهة أخرى يسمح بتنويع العناصر التي تساهم في تحديد وإبراز الموضوع الرئيسي والتعليم الأساسي. لقد أحسن الإنجيلي بضمه هذين المثلين القصيرين إلى تعليم يسوع الموجّه للتلاميذ، وليس للجموع "ثم ترك الجموع ورجع إلى البيت، فدنا منه تلاميذه وقالوا له فسّر لنا مثل زوؤان الحقل" (مت36:13). وبعد أن فسّر يسوع لهم المثل، واصل تعليمه بهذين المثلين. أمّا سبب ذلك فهو أن التلميذ معرّض، أكثر من غيره من العامة، لخطر عدم تقدير النعمة التي نالها. مثل الشبكة (مت 47:13-50)تشير إلى التعليم الأساسي مجموعة من الأفعال العادية جداً "وجد.. عاد.. باع.. اشترى". وترد هذه الأفعال في اللغة الأصلية، أي اليونانية، في المثل الأول في الزمن الحاضر، وفي المثل الثاني في الزمن الماضي. ربما يكون سبب الانتقال من الحاضر إلى الماضي رغبة الكاتب في التنويع. كذلك يذكر المثل الأول فرح من وجد الكنز "لشدة فرحه" وهو أمر هام لا يذكره المثل الثاني، وربما يكون تفسير ذلك مثل الأمر السابق (الحاضر والماضي). إننا أمام مشهدين مختلفين: يبرز المثل الأول أجيراً زراعياً، يعمل باليوم في حقل لا يملكه، والمثل الثاني تاجراً غنياً، يمتلك العديد من محلات التجارة، كما تشير إلى ذلك الكلمة اليونانية "أموروس". يبدو، لأول وهلة وبنظرة سطحية، أن الأجير في الزراعة والتاجر هما بطلا المثلين، إذ أنهما فاعلا كل الأفعال التي ترد في المثلين: وجد، أعاد، دفن، مضى، باع، اشترى (المثل الأول)؛ كان يطلب، وجد، باع، يملك، اشترى (المثل الثاني). ولكن التعمّق في المثلين يكشف أن البطل الحقيقي للمثلين هو الكنز، في المثل الأول، واللؤلؤة، في المثل الثاني، إذ يسيطران تماماً على الرجلين. تحرك سيطرة الكنز واللؤلؤة كل أفعال وتصرفات الرجلين. ويحدث هذا الأمر ويتكرر في خبرة اللقاء بالخبر السار. يثير تصرّف الرجلين، أمام اكتشافهما، الدهشة والإعجاب، وذلك لسرعة رد فعلهما واتخاذهما قرارات مؤثرة، لا بل مصيرية جذرية بلا تردد أو خوف وببساطة نادرة. إن تصرفهما هو تصرّف أي إنسان عاقل في مكانهما. الاكتشاف المفاجئ والغير متوقع يدفع إلى هذا التصرّف. تكمن جِدَّة تعليم المثلين في الطبيعية. إن كل من يقابل ويكتشف الإنجيل يتصرّف تماماً مثل هذين الرجلين. لا يمكن اعتبار تصرف مثل هذا تصرفاً غير عادي أو استثنائي. إنه التصرّف الطبيعي والمتوقع أمام اكتشاف شيء غير متوقع! إنه إنسان محظوظ للغاية، لأنه وجد الكنز واللؤلؤة.. كذلك التلميذ الذي وجد الإنجيل.. يسوع.. الله. باع العامل الأجير كل ما يمتلك. ربما لم يكن يمتلك الكثير، وباع التاجر الغني الكثير الذي كان يمتلكه. إن الذي يجمع بين هذين الرجلين هو أنهما باعا "كل ما يمتلكان". يقتضي الإنجيل تجرداً كاملاً. وليس دافع هذا التجرّد هو الرغبة في التضحية بالممتلكات والذات لأجل الله، بل دافعه هو فرح العثور على الله. يبيع الأجير والتاجر كل ما يمتلكان ولكنهما لا يندمان على شيء ولا يشعران بالأسى. إنهما لا يضحيان بل يتاجران ويكسبان ما هو أفضل: إنها لفرصة لا تتاح لأحد غيرهما لا يستطيع أن يتركها أي إنسان أوتي القليل من الفهم!. كذلك الأمر بالنسبة لملكوت الله: إنه يظهر أمام الإنسان فجأة، والاختيار العاقل الوحيد هو ترك كل شيء لامتلاكه. هذا ما فعله التلاميذ الأولون (مت 18:4-22): سمع بطرس واندراوس النداء "فتركا الشباك من ذلك الحين وتبعاه" (مت20:4)، وكذلك يعقوب ويوحنا ابنا زبدي "تركا السفينة وأباهما من ذلك الحين وتبعاه" (مت 22:4). وهذا ما لم يفعله الشاب الغني الذي قالله يسوع : "اذهب وبع أموالك وأعطها للفقراء" (مت21:19) ولكنه "انصرف حزيناً لأنه كان ذا مال كثير" (مت 22:19). هناك تناقض بين حزن الشاب الغني (مت 22:19) وفرح الأجير الذي وجد الكنز (مت44:13). يعلم المثلان أن التوبة، وهي تقتضي تخلياً سريعاً وقاطعاً، تنبع من كون الإنسان عثر، وجد، تنبع من خبرة عطاء غير متوقع، مفاجئ، تنبع من لقاء يغمر القلب: إنه خبر ملكوت الله السار والمفرح. لذلك لا يقول التائب الحقيقي: "لقد تركت"، إنما: "لقد وجدت"، لا يقول: "لقد بعت حقلاً"، بل "وجدت كنزاً". إن التلميذ الحقيقي لا يتكلم كثيراً عما ترك بل يتكلم دائماً عمّا وجد. إنه لا يحسد أحداً، لأنه يعتبر ذاته أفضل الناس حظاً وأكثرهم سعادة بما نال. هنا يكمن تعليم الإنجيل في المثلين: إن جذرية التخلي هي الوجه الآخر لما كان يمتلكه الإنسان قبلاً. وفور أن يتم الاكتشاف يقرر الأجير والتاجر أن ينتميا كلية إلى الكنز واللؤلؤة اللذين وجدا. إن مقياس التلمذة هو الانتماء وليس الابتعاد أو التخلي. يترك الإنسان كل شيء لأنه يرتبط بشيء آخر أفضل وينتمي إليه. نختم الحديث عن هذين المثلين قائلين إن الأجير يبيع كل ما يملك "لشدة فرحه". هذا الفرح نابع من "العثور على" وليس من "بيع ما". إن في ذلك قلباً لمفاهيم وحياة التجرّد والتخلي. ليس التخلي هو الثمن أو ألم الحرمان، إنه الحصول على الكنز، على ما يشتاق إليه أكثر من أي شيء آخر، وبالتالي يجب نشر هذا الفرح والتعمّق فيه بقدر ما يستطيع حائز الكنز. إذا اكتفينا بتشبيه الشبكة التي إذا أُلقيت في البحر أخرجت كل أنواع السمك، ما كانت هنا أية صعوبة في تفسيره: إن زمن يسوع وزمن الكنيسة، هذا الزمن، هو زمن الحصاد والدينونة. لقد أعلن يسوع ذاته في عظته على الجبل: "لا تدينوا لئلا تدانوا" (مت1:7). هناك بالتأكيد دينونة، ولكنها لا تتم الآن، بل في نهاية الأزمنة. إذا تمت قراءة مثل الشبكة بهذه الطريقة فإنه يكرر ويلّح على تعليم مثل الزرع الجيد والزوؤان. ولكن الشرح الذي يلي التشبيه (مت 49:13-50) يسير في اتجاه مختلف تماماً، حيث يركّز على الدينونة أكثر من تركيزه على الحصاد، وبالتالي فإنه لا يكرر تعليم مثل الزوؤان إنما تعليم تفسير مثل الزوؤان (مت 36:13-43) الذي يتلخص في هذا الأمر: حتى وإن بدا غير ذلك فهناك دينونة. إنه من الطبيعي، في هذه الحالة، كما فعلنا في مثل الزوؤان وتفسيره، أن نقول: المثل هو النص الأصلي، أمّا التفسير الذي يليه فهو إعادة قراءة المثل وتطبيقه على الظروف الراهنة للجماعة، وقت كتابة النص. تغيرت نقطة ارتكاز المثل في التفسير لكي تطابق وتلائم ظروف جماعة المؤمنين الرعوية الجديدة. وهكذا الأمر بالنسبة لمثل الشبكة: قصد التشبيه الأولي الحصاد، أمّا التفسير فإنه يتناول الدينونة. إنه افتراض مغري ولكن الذي يدعو إلى الحذر في قبوله هو أن الدينونة حاضرة ولو بالتنويه في التشبيه الأولي نفسه وليس فقط في التفسير. ودليل ذلك هو توظيف أزمنة الأفعال: يتم التعبير عن أفعال إلقاء الشبكة في البحر، وجمع كل جنس وإخراج الشبكة إلى الشط بمصادر الأفعال (كما فعلنا الآن في كلامنا)، وبالتالي تكون حسب أصول اللغة اليونانية وقواعدها، إشارة إلى خلفية الحدث. أمّا فعلا التمييز: جمع الطيب في السلال وإلقاء الخبيث فإنهما يردان في الحاضر للتأكيد. وبالتالي يتم التركيز، على هذين الفعلين: التمييز. لذلك نقول يحتل التمييز في الفصل (الدينونة) المكانة الأولى حتى في التشبيه. |
||||
18 - 04 - 2013, 07:49 PM | رقم المشاركة : ( 2992 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الزوؤان ألم تزرع زرعاً جيداً…؟(مت 13: 24-30) يواصل إنجيل القديس متى حديثه؛ بعد أن عرض مثل الزارع (مت1:13-9) وشرحه (مت 18:13-23)؛ فيورد مثل الزوؤان (مت 24:13-30) ومثل حبة الخردل (مت 31:13-32) ومثل الخميرة (مت 33:13). وتدور هذه الأمثال حول نقطتين أساسيتين: الأولى: الزرع الجيد والزوؤان، أي الخير والشر، ينموان معاً متشابكين ولا يقع على الإنسان واجب فضّ اشتباكهما معاً. الله ذاته هو الذي سيفصل بينهما في الزمن الذي حدده هو. أمّا النقطة الثانية فتتعلق ببداية ملكوت الله. إنها بداية هادئة متواضعة وتتبع في ذلك قوانين ومنطق خاصين. كانت حياة يسوع المسيح كلها تأكيداً وتفسيراً وشرحاً لهاتين الحقيقتين. لقد عاش يسوع الأمثال قبل أن يلقيها على السامعين. كانت كل تصرفاته تجسيداً لصبر الله، مظهراً أنه لا توجد خطيئة، مهما كانت جسامتها، تحرم الإنسان نهائياً من رحمة الله. لقد كانت خيارات يسوع كلها مطابقة لمقاييس الله وليس لمقاييس البشر: إنه تغاضى، وبطريقة دائمة، عن خيارات كانت تبدو نافعة ومفيدة، وانحاز لأخرى ما كانت لتبشر بأية فائدة. يتكوّن مثل الزوؤان من رواية أو حدث وحوار. ينتهي الحدث بملاحظة العمال وجود الزوؤان في الزرع. ويقوم الحوار في أسئلة والرد عليها. وترد النقطة الأساسية في الحوار، وليس في الرواية وإن كانت الرواية هي التي تقود إلى سؤاليَّ العبيد لرب البيت: "من أين جاء الزوؤان؟.. أتريد أن نذهب فنجمعه؟" (مت27:13و28). وتدور الرواية في ثلاثة أزمنة: الأول: الماضي، وهو الوقت الذي يتمّ فيه الحدث والذي عنه يتكلم العبيد مع سيدهم، والثاني: الحاضر، وهو وقت الحوار الذي فيه يتبادل العبيد وسيدهم وجهات النظر، والثالث: هو المستقبل، أي زمن الحصاد والدينونة. الماضي هو مقدمة التعليم وفيه يقدم الحدث على أنه قد تمّ. ويعني هذا، في المثل، ما يجب أن يعرفه السامع. حيث لا يجب عليه أن يتوقف عند هذا. ويخدّم هذا الزمن ويُعد للثاني. والمستقبل أيضاً مرتبط بالحاضر: يعلن كاتب المثل مسبقاً عمّا سيتم في المستقبل لا لأنه يريد أن يركّز السامع انتباهه، بل لكي يقدّم سبباً مقنعاً لرد وتصرّف رب البيت العجيب والذي ما كان ينتظره أحد. الزمن الأساسي والذي يركّز عليه المثل مجبراً السامع أيضاً أن يركّز عليه هو الحاضر. ترد الأفعال كلها، في المثل، في زمن الماضي ماعدا فعل واحد هو "أقول" وهو الفعل الذي يسبق الأمر الذي يعطيه رب البيت للحصادين، وكذلك فعل: "يقولون" [في النص اليوناني، أما في الترجمة العربية فيرد الفعل في الماضي] الذي يسبق سؤال العبيد الثاني: "أفتريد أن.." الذي يرد في الحاضر. ربما يكون السبب الذي دفع الكاتب لاستخدام الحاضر هو رغبته في التركيز على أهمية هذا السؤال. تنساب الرواية بلا عقبات. ولكن يبدو أن هناك آثار تعديل أُدخلت على المثل تظهره ملاحظة "فلما نما النبات وأخرج سنبله" (مت 26:13أ) والتعبير اليوناني يشير إلى إخراج الثمر. بالتالي يكون هناك استعجال في النتيجة. على أي حال يجب فهم ذلك على بداية خروج السنبلة وليس على زمن تكوين الحَبِّ ونضوجه داخلها. وفي الواقع عندما تخرج السنبلة من الورق يستطيع المرء أن يميز بين الزوؤان والقمح. ليس من المستغرب أن ينتقم أحدهم من خصومه بأن يحرق محصولهم (راجع قض 4:15-5) أو أن يدس الزوؤان في حقله: (مت28:13) "وبينما الناس نائمون، جاء عدوه فزرع بعده بين القمح زوؤاناً وانصرف " (مت 25:13). يظهر العبيد دهشة من ظهور الزوؤان في القمح، بينما لا يندهش رب البيت وكأنه كان يتوقع شيئاً من هذا القبيل ويندهش العبيد مرة أخرى من هدوء سيدهم ورد فعله وإجابته: "أحد الأعداء فعل ذلك" (مت 28:13أ). كما أن تأكيده الأخير لم يكن مستغرباً بأن الفصل سيتم في وقت الحصاد: حيث سيُجمعالقمح في الأهراء ويُلقى الزوؤان في النار. لعل أهمما يثير دهشة المستمع والقارئ، وبالتالي يمثّلقمة الإثارة، هو رد رب البيت على سؤال عبيده الثاني والذي فيه يأمر عبيده: "دعوهما ينبتان معاً" (مت 30:13أ). من عادة المزارعين أن يقوموا بتنقية حقولهم من الحشائش الضارة، ويتم ذلك بعد ظهور النبات بمدة قصيرة. فلماذا اتبع رب البيت في هذا المثل الطريق المضاد؟. تجمع كل الأدلة على أن مركز المثل هو الحوار كما تظهر هذه الأدلة أن قمة الحوار هي إجابة رب البيت الثانية. لا يقلل هذا من أهمية الإجابة الأولى. وهناك ما يبرر دهشة العبيد: "يا رب، ألم تزرع زرعاً جيداً طيباً في حقلك؟ فمن أين جاء الزوؤان؟" (مت27:13) لا يدور الحديث حول حقل قمح، إنما يدور عن صورة ملكوت الله في التاريخ. إن سؤال العبيد في عموميته سؤال شامل وقديم شمول الإنسان وقدمه. "إذا كان الله صالحاً، فلماذا يوجد الشر في العالم ومن أين أتى؟" عندما يرد هذا السؤال في الإنجيل، فإنه يكتسب أهمية كبيرة ومعنىً عميقاً وبعداً خاصاً: إذا كان الزمن المسياني قد حلّ، فلماذا توجد بعدُ الخطيئة في العالم، لا بل في الجماعة المسيحية؟ لم يكن جديداً أن يسمح للشر بأن يتواجد ويتعايش مع الخير، ولكن الجديد والمثير للدهشة أنّ تدخُّل الله الأخير، وهو ما كان المرء يتصوره مختلفاً عما هو عليه بالفعل، لم يغيّر شيئاً! ألم يكن هذا هو الزمن الذي فيه يعيد إرساء قواعد العدل في العالم؟ يبدو أن الزمن المسياني هو مجرد وعد لا يتحقق! وأن انتظار ملكوت الله هو مجرد حلم أو نبوءة لم تتحقق بعد. لكن يجب على المؤمن أن يقرأ الأمثال على ضوء الملكوت الذي تحقق: بهذا تجد الأمثال قوتها وأهميتها وفرادتها. أجاب رب البيت على سؤال عبيده حول مصدر الزوؤان: "أحد الأعداء فعل هذا"، وكأنه يريد أن يقول: لا دخل لي بما حدث، ولست مسؤولاً عنه. لم يكن باستطاعته أن يضيف تفاصيل أخرى. ما يهم الكتاب المقدس ليس هو أصل أو مصدر الشر، بل كيف يعيش الإنسان في العالم حيث ينمو الشر والخير معاً. إن مسألة أصل الشر هي مسألة نظرية، في حين أن الحياة في عالم يتشابك فيه الخير والشر هو أمر عملي. والمثل يتوقف ويركّز على الأمر الثاني. يرى بعض مفسري الكتاب المقدس أن سؤال العبيد عن مصدر الزؤوان ورد رب البيت عليهم تم إدراجهما في المثل في وقت لاحق. ولكن هؤلاء يستندون على أدلة ضعيفة غير مقنعة. فليس هناك ما يمنع الكاتب من إدراج أسئلة ثانوية في روايته بجوار الأسئلة الأساسية، بشرط ألاّ تقطع الأسئلة الثانوية السياق وألا تخلّ بالحبكة القصصية، وإلا تشتت انتباه القارئ أو السامع عن المسألة الأساسية. وفي هذا المثل لا يشتت السؤال، الذي يرى البعض أنه إضافة لاحقة، الانتباه عن المسألة الجوهرية، لا بل إنه يوضحها ويبرزها. لم يكن الزوؤان ناشئاً عن رغبة أو موافقة رب البيت لذلك اعتقد العبيد أنه من الأفضل اقتلاعه. لكنهم يفكرون بطريقة مغايرة لطريقة تفكير سيدهم. أقول للحصادين سبق وقلنا إن الزمن الذي يجب التوقف عنده هو الحاضر، لذلك ولا خاتمة المثل يتم التوقف عندها. ومع ذلك يرد فيها شيء هام جداً. تأكيد الفصل النهائي: الزوؤان يُلقى في النار ويجمع القمح في الأهراء. يظهر هذا أن أمر رب البيت بعدم انتزاع الزوؤان الآن لا يعني أنه لا يبالي بالشر أو أنه يقبله ويسكت عليه. إن الفصل والتمييز، الذي سيتم في المستقبل، لهما دليل على أن الله يأخذ الإنسان مأخذ الجد، وفي الآن ذاته يحرر الإنسان وبذلك يدخل الملكوت بدون اللهفة وهمّ خلق وإيجاد مجتمع يكون فقط من القدّيسين الأبرار. لقد رفض يسوع أن يكوّن جماعة محدودة أو "بقية مقدسة". إنه لا يريد أن يضطلع تلاميذه بواجب الحصادين. ولكن، لأجل هذا السبب، عليهم أن يعرفوا قصة الزرع الجيد والزوؤان بكاملها، حتى إن كانوا الآن لا يرون إلا أحد جوانبها: الزمن الذي ينمو فيه الزوؤان والقمح معاً. لا يرفض سيد البيت ضرورة الفصل والتمييز. ولكنه يرى أن زمن ذلك لم يحن بعدُ وأن مسؤولية وواجب الفصل لا تقع على البشر. دعوهما ينبتان معاً يرجع وجود الزوؤان في الحقل إلى عمل أحد الأعداء، أمّا السماح بأن ينمو مع القمح فهو راجع إلى إرادة رب البيت: "دعوهما ينبتان معاً" (مت 30:13أ). تقوم جِدّة المثل في هذا الأمر غير المنتظر، والذي يليه تبرير لا يخلو من نبرة تهكمية: "مخافة أن تقلعوا القمح وأنتم تجمعون الزوؤان" (مت29:13). يعيش الخير والشر، الأبرار والخطأة معاً في عالم يصعب الفصل بينهما فيه. وما غاب أبداً عبيدٌ وبشر كان هذا الأمر سبب شكوك لهم: ألا يجدر بالله أن يسوس العالم ويحكمه بقوانين أكثر وضوحاً، لا بل عدلاً؟ إنهم يرون أن حلم الله واحتماله تخطيا كل حد، لذلك يقومون بأنفسهم بسد هذا النقص في العدل الإلهي! عاصر يسوع الفريسيين، الذين ادّعوا أنهم يكوِّنون شعب الله المبرَّر، المنعزل عن العامة الخطأة. كما اعتزل الأسينيون العامة وعاشوا في البرية متَّبعين أدق ترتيبات الطهارة الشرعية، رافضين كل شركة مع من كانوا يعتقدون أنهم خطأة وغير طاهرين. حتى يوحنا المعمدان نادى بمسيح يفصل بين الأشرار والصديقين: "بيده المذرى ينقي بيدره فيجمع قمحه في الأهراء، وأما التبن فيحرقه بنار لا تطفأ" (مت12:3). جاء يسوع ويبدو أنه كان يفعل عكس ذلك تماماً. فإنه لا يعزل نفسه عن الخطأة ولا يتخلى عنهم بل يسامحهم. لا بل أنه يقبل أن يكون أحد الاثني عشر خائناً، ويحيط نفسه بتلاميذ على استعداد أن يتركوه. نستطيع على ضوء هذا فهم قوة مثل الزوؤان. هناك تناقض حاد بين تصرّف الله الصبور والمتسامح وتصلّب وتشدّد عبيده. ومن المعروف أن الجماعة المسيحية الأولى تعرّضت لتجربة التشدّد، فدار الجدل حول إمكانية مغفرة الخطايا بعد العماد. يدعو مثل الزرع الجيد والزوؤان الجماعة أن تكون رحيمة، ويشدّد بولس الرسول في رسالته الأولى إلى كورنتس على هذا الأمر: "فلا تدينوا أحداً قبل الأوان، قبل أن يأتي الرب، فهو الذي ينير خفايا الظلمات ويكشف عن نيات القلوب" (1كو 5:4). وتشير كلمة "تسامح" إلى مفاهيم عديدة؛ فهناك تسامح مرادف لـ "لامبالاة" ليس هذا التسامح هو الذي يقصده مثل الزرع الجيد والزوؤان، الذي يتكلم عن تسامح نتيجة حب. إنه تسامح الله الذي تجلّى في حياة وتصرفات يسوع الناصري. |
||||
19 - 04 - 2013, 02:16 PM | رقم المشاركة : ( 2993 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
الشبع الروحى بِاسْمِكَ أَرْفَعُ يَدَيَّ، كَمَا مِنْ شَحْمٍ وَدَسَمٍ تَشْبَعُ نَفْسِي، وَبِشَفَتَيْ الابْتِهَاجِ يُسَبِّحُكَ فَمِي مز 63: 4، 5 فى الشبع الروحي =======++++======= لا يمكن للإنسان أن يحيا فى ظل النجاح والسعادة وتتابع الإنتصارات على مستوى الحياة عموما بعيدا ممارساته الدائمة لما يجعله فى شبع روحي ، كما لا يتصور أن يكون للإنسان القدرة على الإنتقال من مجد إلى مجد فى الحياة فى ظل تجاهل دور الشبع الروحي فى هذا الإنتقال ، ومن ثم لا غنى عن الشبع الروحي لكل من يرجو سلاما وإنتصارا وسعادة فى حياته ، وهو ما سوف نوضحه في السطور التالية : + الشبع الروحي لا يكون فقط سببا فى سعادة وسلام الداخل ، بل ومجد الخارج أيضا ، وهذا يعنى أن سعادة الإنسان عموما تكمن فى شبعه كل حين بالرب ، أى بالوجود فى حضرته كل حين ، بقراءة كلمته والعمل بها رغم كل الظروف ، بالتأمل فى صفاته والتسبيح لإسمه بلا إنقطاع .. + كذبوا الذين راحوا يقولون بأن الشبع الروحي لا يخدم وقت المحنة والتجربة أو أنه لا يساهم فى إنقاذ النفس وقت تعرضها للضغوط من الخارج والداخل ، فمن ذا الذى يقدر أن ينكر دور الشبع الروحي فى حياة داود فى إنقاذه من مطاردات ومحاولات شاول الشريرة من أجل قتله ؟ ومن يقدر أن ينكر دور الشبع الروحي فى حياة الطوباوي بولس الذى جعله فى ثبات وفرح ، بل فى نمو ومثابرة رغم كل التجارب والمخاطر التى واجهها ابان كرازته ؟ + لا يمكن أن يتأتى الشبع الروحي للإنسان بعيدا عن الصلاة ، بل محبة الصلاة ، إذ هى سر كل شبع حقيقي وسلام دائم ، وما أحوج الإنسان لمعرفة إنه إن إمتلأ قلبه شبعا بالرب فى الصلاة سهل عليه الوصول إلى كل ما يرجوه و ما يستحيل الوصول إليه ، وإن فشل فى ذلك أدركه الفشل فى شتي جوانب الحياة ، إذ قد فشل في اقتناء القوة والحكمة والمؤازرة التى من فوق .. + إن لم يوجد فيك الشبع الدائم بالمسيح فسوف يوجد فيك كل إشتياق للباطل والعدم والفساد .. + اشبع روحيا بكلمة الرب ، وثق فى قول السيد " ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان, بل بكل كلمة تخرج من فم الله." مت 4:4 .. + بالشبع الروحي يتحدي الإنسان كل عثرة وخطية ، إذ أن الذى إمتلأ بالروح هو الأقدر على مقاومة إبليس والنصرة فى معترك الجهاد ضد الخطية و نداءات الشيطان.. + الشبع الروحي هو أحد تعابير القلب النقي والنفس العفيفة والفكر المنشغل بالأمور المقدسة ، وكلما زاد هذ الشبع تأصلا ونموا كلما كان ذا تأثير عجيب فى حياة الإنسان وحياة الاخرين أيضا .. + الشبع الروحي يحصن الإنسان من الخوف والقلق والإضطراب ، وبدونه تصير النفس فريسة لكل ما يفقدها سلامها ورجاؤها وقوتها .. + الشبع الروحي لا يتأتى للإنسان الذى يجهل دور التسبيح فى نجاح الحياة الروحية ، فمع التسبيح الشبع بالرب والإمتلاء من صفاته ، وبعيدا عن التسبيح يُحرم الإنسان من كل شبع حقيقي ويكون عرضة لكل تعب وفشل وإنكسار .. + الشبع الروحي يحتاج لمزيد من التغصب ولمزيد من التعود ، وهذا ما يؤول إلى مزيد من التمييز ومزيد من التفوق .. + الشبع الروحي يملأ أعماق الإنسان من القناعة والتعفف ، وبدونه ستمتلأ أعماق الإنسان من الطمع و الميل الردىء لكل ما هو باطل وفاسد وشرير .. + الشبع الروحي هو الوسيلة الأكثر فاعلية لتقديس فكر وقلب وضمير ومشاعر الإنسان ، وبدونه لا يمكن للإنسان أن يصل إلى قداسة الحياة والسيرة ومجد العيش فى ظل بركات الحياة حسب والإنجيل .. + مع الشبع الروحي القدرة على رفض الخطية ومقاومة كل الأفكار الشريرة وإفتضاح خطط الشيطان ، إذ يأتى الشبع الروحي ومعه المزيد من الإفراز والحكمة والإيمان ، الأمور التى تساهم كثيرا فى النصرة واليقظة والتدقيق ، ومن ثم الوصول إلى الهدف .. + الشبع الروحي كفيل بان ينقل الإنسان من مجد إلى مجد ومن قوة إلى قوة ومن حياة يملأها الضعف والفساد والفشل والفراغ إلى حياة مباركة تملأها القوة والسعادة والإنتصارات .. صديقي ، ليتك تشبع بالرب وتتلذذ به ، لأنه حينئذ ستتغير حياتك إلى الأفضل وحينئذ تري مجد الله فى كل اعمالك .. لك القرار والمصير !! |
||||
19 - 04 - 2013, 02:20 PM | رقم المشاركة : ( 2994 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ملناس غيرك يارب
لما الحزن يصاحب قلبك ويفضل جنبك كده علي طول لما تكون تعبان عالاخر ومنتاش قادر حتي تقول لما يضيع من ايدك حلمك وقصاد عينك كده يتهد لما تلقي الدنيا معانده ومفيش فايده معاها بجد لما تعيش طول عمرك خايف ومنتاش عارف خايف ليه لما تكون مش عاجبك حالك ارمي تكالك بس عليه لما تحاول قد ما تقدر والمتقدر ده يكون صعب اياك تنسي ودايما قولها ملناش غيرك انت يارب |
||||
19 - 04 - 2013, 02:20 PM | رقم المشاركة : ( 2995 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
ماء الحياة ...
"ماء الحياة" الإنسان الخاطئ هو بلا رجاء كالمرأة السامرية قبل أن تتقابل مع الرب يسوع، وكأيّ إنسان بعيد عن الرب. فالمال سنتركه أو يتركنا، وكذلك الممتلكات والأولاد سوف يبتعدون عنا. أما نحن كمؤمنين، فليس لنا رجاء في هذا العالم، لكن رجاءنا هو في العالم الآتي لأنه لنا محب ألزق من الأخ. كانت السامرية تذهب يومياً إلى البئر لتستقي ماء، وهو يشير إلى ماء العالم الذي كل من يشرب منه يعطش أيضاً، أما من يشرب من الماء الذي يعطيه الرب يسوع فلن يعطش إلى الأبد. فالمركز الكبير لا يشبع القلب... والمال الكثير لا يروي النفس... لأن النفس نسمة من الله ولا ترتوي إلا بالقرب من الله. لذلك أشير عليك - يا قارئي - أن تشرب من ينبوع الحياة الذي كل من يشرب منه لن يعطش إلى الأبد. قد يظن البعض أن لقاء المسيح مع السامرية كان بمحض الصدفة، لكن لا يوجد عند الرب مجال للصدفة: إن كل شيء يجري بترتيب إلهيّ عجيب. لقد رتب أن يتقابل مع الخصي بواسطة فيلبس، وكذلك رتّب أن يتقابل مع نثنائيل عن طريق فيلبس أيضاً. وأرسل لكرنيليوس ملاكاً لكي يستدعي بطرس. وهكذا رتّب معي ومعك، أليس كذلك؟ إن كلام الرب مع السامرية أعطاها عزاء ورجاء وحياة، لأنه هو رئيس الحياة. قال بطرس في عظته: «إن إله إبراهيم وإسحق ويعقوب، إله آبائنا مجّد فتاه يسوع، الذي أسلمتموه وأنكرتموه... ورئيس الحياة قتملتموه». نعم، إن يسوع هو رئيس الحياة. ألم يقل: «أنا هو الطريق والحق والحياة» (يوحنا 6:14). لقد اعترفت السامرية بخطاياها إذ قالت: «ليس لي زوج»، الأمر الذي جعل الرب يمدحها على ذلك إذ قال لها: «حسناً قلتِ ليس لي زوج». وكذلك يريدنا الرب أن نعترف بخطايانا لأنه مكتوب: إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم». يخطئ من يظن أنه يمكنه أن يتبرّر بدون دم المسيح، لأنه مكتوب "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة". لقد تبررت السامرية بالإيمان بالمسيح. يقول الرسول بولس: "فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح". وقيل عن إبراهيم: "فآمن بالرب فحسبه له براً" (تكوين 6:15). حالما تجددت السامرية ذهبت تنادي وتبشر بالمسيح الذي طهرها وقدسها. إن المسيح لم يكلفها بهذا العمل، لكنها ذهبت وبشّرت بدافع من الروح القدس! أخيراً، لقد فرحت السماء بالسامرية أولاً. ثم فرحت السماء أيضاً برجوع الكثيرين من أهل السامرة. أليس مكتوباً بأن «السماء تفرح بخاطئ واحد يتوب؟» نرجو الرب أن يساعدنا كبعيدين لكي نقترب منه فنخلص بدمه من الغضب الآتي، وكمؤمنين لنتثقّل بالنفوس المسكينة البعيدة، وليساعدنا الروح القدس أن نعمل عمل المبشر الأمين. يسوع المسيح يحبكم جميعاً هو ينبوع الحياة |
||||
19 - 04 - 2013, 02:29 PM | رقم المشاركة : ( 2996 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
طوبى لعيونكم لأنها تبصر (مت 13: 10-17) جمع القدّيس متى في الخطاب الثالث من خطب المسيح (مت 13: 1-52) عدداً كبيراً من أمثال الملكوت التي وصلته بطرق متعددة من التقليد. يذكر القدّيس متى في المقدمة أن موضوع تعليم يسوع هو "أمور عديدة" (راجع 3:13)، ولكنه يحدد فيما بعد أن الأمر يتعلق "بأسرار الملكوت" (را 11:13) و"كلمة الملكوت" (18:13) و "الكلمة" (20:13-23)، و"ملكوت السموات" (24:13،31،33،44،47). استقى القدّيس متى مثلين من هذه الأمثال من تقليد القدّيس مرقس [مثلا الزارع (مر3:4-9// مت 3:13-9) وحبة الخردل (مر30:4-32// مت31:13-32)]. وأغفل بدون سبب معروف مثل الزرع الذي ينمو وحده (مر 26:4-29)، واستقى من مصدر قديم مثلين هما مثل الخميرة (مت 33:13) ومثل الكنز (مت 44:13). ويُعرّف القديس لوقا هذين المثلين، إلا أنه يضعهما في سياق آخر: فمثل الخميرة يرد في الفصل الثالث عشر الذي يبدأ بضرورة التوبة (لو1:13-5) ثم مثل التينة التي لا تثمر (لو 6:13-9) وشفاء المرأة المنحنية الظهر في السبت (لو 10:13-17) ثم مثل حبة الخردل (لو 18:13-19) وأخيراً مثل الخميرة (لو 20:13-21). تلي ذلك فقرة طويلة عن من يخلص (لو 22:13-30) وأخرى أقصر عن يسوع وهيرودس (لو 31:13-33) ويختتم الفصل بفقرة إنذار لأورشليم (لو 34:13-35). أما باقي الأمثال الزرع الجيد والزؤان (مت 24:13-30)، مثل اللؤلؤة (مت 45:13-46) ومثل الشبكة (مت 47:13-50) فتعود إلى مصدر يبدو أن متّى وحده هو الذي استعمله. وتمثل الأمثال السبعة المذكورة تعليماً محدداً عن ملكوت الله. لا تتناول هذه الأمثال، كما هو الحال أيضاً في إنجيل القديس مرقس، طبيعة الملكوت، بل تتناول حضور هذا الملكوت في التاريخ: فيُظهر مثل الزارع أن الملكوت لا ينمو بدون صعوبات ومقاومة وفشل، ويُظهر مثلا حبة الخردل والخميرة أن الملكوت ينمو وينتشر بالرغم من صغر حجمه في البداية. بينما يظهر مثل الزرع الجيد والزؤان أنه لا يجب أن يتعجب المرء من تواجد الأشرار والأبرار، الخير والشر معاً. ويؤنب مثلا الكنز واللؤلؤة كل الذين لا يتخلون عن عاداتهم القديمة وقوالب خططهم وممارستهم الدينية الثابتة أمام الجديد الذي يحمله ويعلمه يسوع. ويذكر مثل الشبكة التلاميذ وكل المبالغين في الغيرة أن زمن الملكوت ليس هو زمن التمييز بقدر ما هو زمن الجمع. يتضح لمن يدرس خطب الأمثال في إنجيل القديس متى أنها تدور حول مسألتين: المسألة الأولى، وقد تناولها أيضاً إنجيل القديس مرقس، هي مسألة عدم الإيمان: كيف يمكن تفسير إيمان البعض بالكلمة ورفض الكثيرين لذات الكلمة؟ إذا كانت بشارة يسوع، والآن بشارة الجماعة، هي كلمة الله، أفلا يجب أن يقتنع بها الجميع؟ والمسألة الثانية، يتفرّد بها إنجيل القديس مرقس: مازال الخطأة، أي الزؤان، موجودين في جماعة المسيحيين. كيف يمكن تفسير هذا الأمر؟ وما هي طريقة التصرف تجاههم؟ |
||||
19 - 04 - 2013, 02:32 PM | رقم المشاركة : ( 2997 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
أعطيتم… أما هم فلم يعطوا
(مت 11:13) يزيد حوار يسوع مع تلاميذه في إنجيل القديس متى (مت 10:13-17) اتساعاً منه في إنجيل القديس مرقس (مر 11:4-12). توضح الإضافات والتعديلات التي أجراها إنجيل القديس متى مزاياه وأهدافه التي يمكن تلخيصها في ثلاثة فروق: - التلاميذ والجموع - رؤية وسماع بلا فهم، ورؤية وسماع وفهم - التلاميذ الذين يرون، والأنبياء والصديقين الذين تمنوا أن يروا ولم يروا. يرد الفعل أُعطي في المبني للمجهول ويشير هذا الأمر إلى أن الإنسان لا يستطيع، بقواه الذاتية، الحصول على معرفة أسرار ملكوت الله: إن الله وحده يهبه هذه المعرفة. كما يشير الفعل في الوضع التام Parfait إلى استمرار هذه الهبة. الأولوية تعود دائماً لله حتى في حالة عدم الإيمان: "لم يُعطوا". يركّز القديس متى بشدة على أولوية الله في المثل وبذلك يضفي عليه صيغة لاهوتية واضحة. ولكن الكاتب لا يتوقف عن هذا الحد، إذ يسارع ليأخذ الاحتياطات التي تبعد أي احتمال أو أي ميل إلى الوقوع في القدرية. بعد أن أوضح يسوع المسيح الفرق بين التلاميذ والجماعة، حدد ما هي الأمور التي يُسأل عنها الإنسان. إن أولوية الأمور الإلهية لا تنقص مساحة مسؤولية الإنسان؛ لأن يسوع يكلّم الجموع بالأمثال لأنهم "ينظرون ولا يبصرون- يسمعون ولا يسمعون.. ولا يفهمون" (مت13:13). هناك فرق بين إنجيلي القديس مرقس والقديس متى: ففي إنجيل القديس مرقس يتكلم يسوع بالأمثال لكي لا يفهموا: "فينظرون نظراً ولا يبصرون ويسمعون سماعاً ولا يفهمون لئلا يرجعوا فيغفر لهم" (مر12:14). أما في إنجيل القديس متى فإنه يكلمهم بالأمثال لأنهم في الواقع "ينظرون ولا يسمعون ولا يفهمون" (راجع مت 13:13). لا يكفي القول إن التلاميذ يفهمون الأمثال لأن يسوع يشرحها لهم، بل أن يسوع يشرح لهم الأمثال لأن لديهم الاستعداد لفهمها. إن الله ظاهر، جلي، واضح لمن لديه الاستعداد للفهم. بذلك نستطيع أن نقلب ترتيب الألفاظ والمعاني ونقول: لا يكلّم يسوع الجموع بغموض (أي بالأمثال) بل الجميع هي التي تسمع ولا تسمع تنظر ولا ترى، وبذلك تحول وضوح كلام يسوع إلى غموض وإبهام، وتلقي عليه ظلال عدم الرؤية وتشويش السماع وعدم الفهم. يكلم يسوع الجميع: التلاميذ والجموع بنفس الطريقة ونفس الوضوح. يؤكد هذا الرأي استشهاد يسوع بنص أشعيا النبي (مت 14:13-15// أش 9:6-10). ومن الملاحظ أنه بالرغم من كثرة استشهاد إنجيل القديس متى بنصوص العهد القديم فإن النص الوحيد الذي يضعه الإنجيلي على فم يسوع هو هذا أي أش 9:6-10. تدل الأفعال في هذا المقطع على واقع (هو هذا الواقع) وليس غاية (لكي...). لقد غلّظ الشعب قلبه ولم يغلظ الله هذا القلب. |
||||
19 - 04 - 2013, 02:33 PM | رقم المشاركة : ( 2998 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
من كان له يعطى يستعين يسوع بمثل غامض، لكي يفسّر لماذا أعطى الرسل هبة الفهم بينما حُرم منها الشعب. فيقول: "لأن من كان له شيء، يُعطى فيفيض، ومن ليس له شيء ينزع حتى الذي له" (مت 12:13). يبدو، لأول وهلة، أن يسوع يذكر هنا مثلاً شعبياً شائعاً في العالم كله: "الغني يزداد غنىً والفقير فقراً" أو "القرش يجيب قرش"...الخ وهناك نص مشابه في كتاب الأمثال: "رُبّ مبذر يزداد ماله ومقتصد فوق الحد لا تكون عاقبته إلا الفاقة" (أم 24:11). ولكن النص الأكثر قرباً لعبارة يسوع ورد في كتابات الربيين: "يستقبل، في مفاهيم البشر، الإناء الفارغ شيئاً ولكنه لا يمتلئ. أما عند الله فليس الأمر كذلك: فالإناء الممتلئ لديه يستقبل (شيئاً)، أما الإناء الفارغ فلا يستقبل (شيئاً)". ربما أراد يسوع بذلك الإشارة إلى أن العمى يولّد المزيد من العمى، كما أن النور يولّد المزيد من النور: فمن يقبل الحقيقة فإنه يصبح أكثر استعداداً للتعرف عليها والإيمان بها. أما من يرفضها فيزداد عمى عنها. من الملاحظ أن الأفعال ترد في صيغة المبني للمجهول، وربما يكون في ذلك تنويه إلى الله. وفي الواقع تزيد الحقيقة الإنسان نوراً وإشعاعاً والكذب يزيده غموضاً. وهذا أمر طبيعي وبالتالي يدخل في رسم وخطط الله تعالى. ومع ذلك فالإنسان مسؤول عن مصيره واختياره: الأساس هو القلب القاسي الغليظ أو الحساس المتجاوب، كما يتضح من نص إشعيا الذي يورده الإنجيلي. ينتهي الحوار بين يسوع وتلاميذه بنبرة إيجابية: إنه يدعوهم للوعي بالهبة التي نالوها: إنهم وهبوا معرفة أسرار ملكوت الله بينما حُرم الآخرون من ذلك. إنهم وُهبوا أن يعيشوا في زمن المسيح وهذا ما اشتهاه كثير من الصديقين والملوك والأنبياء ولم يُمنح لهم. كان أقصى ما يتمناه أيٌّ من أبناء بني إسرائيل هو أن يعيش حتى يرى زمن المسيح. |
||||
19 - 04 - 2013, 03:01 PM | رقم المشاركة : ( 2999 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
البواب الساهر
دعوة ثلاثية للسهر يبدأ مثل البواب الساهر بعبارة: "إحذروا واسهروا" (33:13) وتتوسطه دعوة أخرى: "فاسهروا إذاً" (35:13) وتختمه دعوة ثالثة: "اسهروا" (37:13) ويستعمل الإنجيل أفعالاً مختلفة. فهو يستعمل مرتين فعل جريجويو ويشير إلى اليقظة والسهر، ومرة يستعمل فعل اجروبنين والذي يوحي بمقاومة شديدة للنوم. ليست هناك فروق أساسية بين معاني الفعلين: ففي معناهما المعتاد لا يشيران إلى عمل، فعل بقدر ما يشيران لطريقة: السهر لا يحدد لحظة الانتقال من النوم إلى اليقظة، ولكن يحدد اللحظة أو الحالة التي تلي ذلك: وهي الصحيان، فتح الأعين. كما أن هناك فعل ثالث وهو بليبن ومعناه النظر بتدقيق، التركيز وتحديق النظر في أو على شيء. وعكس هذا الفعل هو السطحية والتشتت والنظر في اتجاهات مختلفة. صعوبات في النصّ الهدف من اليقظة والسهر هدف واضح محدد يتكرر مرتين: "لا تعلمون متى يحين الوقت" (33:13)؛ "لا تعلمون متى يأتي رب البيت" (35:13). مجيء السيد أو الساعة أمر أكيد، كما أن قرب الصيف أكيد عندما تلين أغصان التينة وتنبت أوراقها (راجع 28:13). ولكن هذا المجيء يتم فجأة وبلا سابق إنذار. لذلك فإن الموقف الذي ينم عن المسؤولية هو أن يكون الإنسان مستعداً دائماً لهذه اللحظة. لذلك فالسهر هو الشيء الذي يجب أن تتصف به حياة المسيحي عادة. إنه لا يقتصر على بعض المختارين: ما أقوله لكم أقوله للناس أجمعين: "اسهروا" (37:13). كان يكفي لتوضيح هذه الوصية مثل السيد الذي خرج، ولأنه لا يعرف ساعة رجوعه أوصى البواب بالسهر. ولكن المثل، كما نقرأه في الإنجيل، متشابك وروايته مضطربة نوعاً ما. وهذا الأمر غريب على إنجيل القديس مرقس. تركيب الجمل والقواعد في هذا المثل معقد غير سلس: يصف المثل تصرف السيد بثلاثة أفعال في أزمنة فعلية مختلفة: فعلان في الماضي وفعل في زمن الماضي المطلق. ينتج عن التغيير في الأزمنة انتقال مفاجئ، ويصعب ترجمته. كما أن هناك تشابك، قد يصل إلى التضارب، في الصور. ففي بداية النص (34:13أ) يظهر أن السيد ينوي الغياب مدة طويلة من الزمن، لذلك ترد كلمة أبوديموس، التي توحي بإقامة طويلة خارج البلاد. بالإضافة إلى هذه الكلمة هناك اهتمام السيد بتوزيع الأعباء والواجبات على خدمه: "فوّض الأمر إلى خدمه، كل واحد وعمله" (34:13ب). ثم يورد النص بعد ذلك وصية السيد للبواب بالسهر وانتظاره (34:13ج). إن أراد السيد أن يبتعد لعدة أيام، فكيف يمكنه أن يوصي البواب بأن يظل ساهراً في انتظاره؟ وهناك أمر آخر: تنتهي القصة بالتركيز فقط على صورة البواب: لا يرد أي شيء عن الخدم الآخرين ومهامهم. الاختيار بين اتساق الحبكة الروائية والتعليم اللاهوتييبدو أننا هنا أمام مشهدين متداخلين معاً: مشهد السيد والبواب، ومشهد رجل يتأهب للسفر. ويبدو أنه يحمل آثار مقدمة مثل الوزنات مت14:25 فيعهد لعبيده قبل سفره العناية ببيته. وهو الأمر الذي يرد بوضوح في النص. تقوم نقطة القوة في المشهد الأول في الأمر بالسهر ، وفي المشهد الثاني من المفترض أن تكون الأمر بتأدية الأعمال والمهام بجد وأمانة ونشاط. ولا ترد أية كلمة بهذا الصدد في النص. يتفق كل المفسرين على أن التشابك الذي عرضناه، الذي يصل إلى الغموض، هو نتيجة إعادة صياغة للنص. إنه افتراض صحيح وسليم ولكنه لا يعفي من التساؤل: ألم يعِ المحرر هذا التناقض؟ لماذا لم يحاول تفاديه؟ هذا التساؤل المشروع يجب أن يحذرنا من توقع نص إنجيلي يتفق ومنطقنا وأساليبنا في التعبير. وفي الواقع ترد، في معظم الأمثال، بعض التفاصيل التي تبدو لنا غامضة. يبدو أن رواة ذلك العصر لم يكونوا يشعرون بالالتزام بمنطق حديدي مثل منطقنا. كان على الإنجيلي أن يراعي أمرين في صياغته للمثل: اتساق الرواية المنطقي من ناحية، ومن ناحية أخرى الخروج بتعليم يطابق احتياجات المؤمنين. وكما هو معروف ليس من السهل التوفيق دائماً بين هاتين القضيتين، ومن الواضح أن الإنجيلي فضّل القضية الثانية على الأولى. على أية حالة يميل الإنجيلي هنا لتفضيل المعنى على الصور. والآن نتساءل إذا كانت المعاني المختلفة التي تقابلنا في المثل، كما هو، متشابكة ومتضاربة أحياناً، تتسق فيما بينهما أم لا. ما يهمنا ليس اتساق الحبكة الروائية بقدر اتساق التعليم اللاهوتي. إنه الاختيار الأوفق والأنسب. فالصور والتعبيرات المختلفة وغير المألوفة التي يلجأ إليها الكاتب تعتبر بمثابة آثار يهتدي بها المفسر في إعادة بناء مراحل تكوين المثل المختلفة لكي تقوده، وتقودنا معه، إلى المعاني العديدة الكامنة بين طبقات المثل. فالمثل مزروع في تقليد حي لذلك فهو ينمو بنمو الجماعة التي تقرأه وتعيشه. ملكوت الله وعودة الرب نواة المثل الأولية هي صورة البواب الذي يسهر الليل كله في انتظار عودة سيده. لذلك يستعمل الكاتب في هذا الجزء الفعل في زمن aoriste. بينما ترد الأفعال الخاصة بالعبيد والمهام الموكلة إليهم في الماضي وبالتالي على سبيل الخلفية. وسهر البواب هو الوحيد الذي تركّز عليه المثل: فاسهروا إذاً لأنكم.. (35:13). في انتظار عودة الربإنها صورة كلها حيوية وجمال وسرعة؛ الصورة التي تتفق وطريقة يسوع في الكلام: فإليه يعود المثل. وإذا وضعنا المثل في إطاره الحقيقي وهو إطار إعلان الملكوت لاستطعنا أن نتعرف بسهولة على الهدف منه: "يدعو يسوع بهذا المثل للاستعداد لاستقبال سيادته الإسكاطولوجية. لا يمكن بأي حال من الأحوال معرفة زمنه ولذلك فالموقف الوحيد المناسب والواجب هو السهر الدائم. يمكننا التعرّف على خطوة أولى وأساسية: ليس هدف المثل الأول في إنجيل مرقس هو التعليم عن حلول الملكوت، بل هو عودة رب البيت، أي عودة الرب القائم من الأموات. ويتم الانتقال من حلول الملكوت غير المعلن عنه مسبقاً إلى عودة الرب يسوع المفاجئة. إنها نقلة هامة جداً ولكنها لا تتم بالفصل بل بتواصل منطقي. لقد صاحب مثل يسوع إيمان التلاميذ الذين فهموا، بعد القيامة، أن حلول الملكوت لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن شخص الرب. لقد أعلن يسوع خبر الملكوت السار، وفهم المؤمنون بعد ذلك أن الخبر السار هو يسوع المسيح بذاته. لم يتغير المثل بل زادت المعاني اللاهوتية الكامنة فيه غنىً وغزارة. توضح صورة السيد الذي يبتعد لفترة قصيرة ويوصي البواب بأن ينتظره وبضرورة عدم النوم ولو للحظة واحدة فقد يعود السيد في أية لحظة. ولكن هذه وحدها لا تكفي للتعبير عن إمكانية تأخر عودة الرب كما اختبرت فوراً الجماعة المسيحية. قد تطول فترة الانتظار. لذلك دار التساؤل عن كيفية شغل فترة الانتظار هذه. وعليه تمت بعض الإضافات التي يبدو وكأنها تخل بصورة المثل الأولية. تقوم هذه الإضافات في الواجبات والمهام التي يعهد بها السيد لعبيده وتوصياته لهم بالعناية والمحافظة على بيته ومصالحه. تكشف هذه الإضافات محاولات الجماعة لملائمة المثل وتأوينه على الظروف التي يعيش فيها المؤمنون: يجب عليهم السهر دائماً، وكأن السيد على الأبواب ومجيئه وشيك، وفي نفس الوقت الصبر كما لو كان مجيء السيد يبطئ. ومعنى السهر في الحالتين كلتيهما هو الإطلاع بالمسؤوليات الشخصية، سواء في الحياة العامة أو في الكنيسة. لذلك تقول إنه عندما يكشف تحليل المثل عن بعض التفاصيل الغريبة فلا يجب البحث عن الاتساق المطلق للحبكة الروائية، بل يجب البحث عن منطق تعليم المثل استناداً على هذه التفاصيل الغريبة أو المتناقضة. والآن نستطيع أن نلاحظ أن نصائح وتوجيهات المثل متسقة ومتناسقة فيما بينها وأكثر من ذلك فهو تلائم مقتضيات الحياة المسيحية ومتطلباتها. أوجه السهرمثل البواب الساهر ليس مثلاً لاهوتياً بحصر المعنى. ومع ذلك ترتكز نصائحه وتوجيهاته على تعليم لاهوتي راسخ ومحدد: عودة الرب في مجده (راجع 32:13) وأساس دينونته لنا هو التزامنا بواجباتنا. في هذه النقطة تقوم أوجه السهر المختلفة. غياب الرب غير معلومة نهايته ومجيئه مفاجئ: الموقف الوحيد هو اليقظة الدائمة. وسواء طال الانتظار أم قصر يجب أن يكون انتظاراً عاملاً، حياً، فعالاً. وليس التصرف المطلوب هو التطلع في الأفق لكي يعرف مسبقاً ما سيحدث بل هو معرفة أن المستقبل يتم إعداده في الحاضر. لذلك يجب أن نكون جادين في إعطائه حقه من الاهتمام وفي نفس الوقت مقتنعين بأن الحاضر ليس كله ملكاً لنا. فالسهر هو في ذات الوقت التزام وانتظار في العالم وأبعد من العالم. حتى هنا كان كلامنا عن مثل البواب الساهر في حد ذاته، واضعين إياه في إطار التقليد الذي نشأ ونما فيه حتى وصل إلى شكله النهائي في نص إنجيل مرقس (33:13-37) لم يقتصر دور الإنجيلي على تثبيت المثل كتابة، ولكنه وضعه في سياق مما يضفي عليه معنىً معيناً. يختم سياق إنجيل مرقس بهذا المثل الخطاب الإسكاطولوجي (مر13)، وكأنه يلخص به هذا الأمر. ويبدو أن الخطاب كله يدور حول موضوع السهر. ولكن الكاتب خص المثل الختامي بفعلين تقنيين هما، كما سبق وذكرنا في بداية الموضوع، جريجورين وأجروبنين. اما الفعل الثالث وهو بليبين ينظر باهتمام، يراقب، فهو يتخلل الخطاب كله (2:13، 5،9،23،33). السهر هو الانتباه. ولكن الانتباه لأي شيء؟ هل هو الاحتراس من بعض المخاطر، مثلاً عدم الانجراف وراء بعض الوعود والأوهام الدينية الخادعة؟ يوضح هذا معنى فعل النهي: لا تصدقوه (21:13) وهو يعني، بكيفية ما، السهر. والسهر يعني الثبات على كلمة الله "السماء والأرض تزولان وكلامي لن يزول" (31:31) كما يعني أيضاً عدم فقدان التركيز بسبب القلق بخصوص الأزمنة الأخيرة أو الأنبياء الكذبة أو العلاقات والآيات الخارقة. كما أن هناك أفعال نهي آخر في خطاب السهر مثل: إياكم أن يضلكم أحد (5:13).. لا تفزعوا (7:13).. لا تهتموا من قبل بماذا تتكلمون (11:13). للسهر أوجه عديدة منها عدم الانبهار بعظمة المباني البشرية حتى وإن كانت مباني أمينة: يا معلم انظر! يا لها من حجارة يا لها من أبنيةّ.. لن يترك هنا حجر على حجر (1:31-2). يستطيع الإنسان الساهر أن يسبر عمق معنى الأعمال التي ينبهر ويفخر بها الإنسان السطحي. ويتناول إنجيل القديس مرقس موضوع السهر في سياق آخر، يشترك مع مثل البواب الساهر في نقاط عديدة: حادث بستان الزيتون (32:14-42)، حيث يرد الفعل جريجورين مرتين. مرة بالمعنى الحرفي: أتنام؟ ألم تقو على السهر ساعة واحدة؟ (37:14) ومرة بالمعنى الرمزي: اسهروا وصلوا لئلا تقعوا في تجربة (38:14). وبالتالي يتطلب السهر قوةً، وتأتي هذه، حسب السياق، من الصلاة أي من الله. السهر هو الشرط الأساسي للصلاة وهو، في نفس الوقت، وقاية من السقوط في التجربة. ولكن السهر يتطلب قوة لا يملكها التلميذ. لدينا مثال على السهر. يسوع قرب آلامه: لقد استطاع بالسهر والصلاة التغلب على الخوف والانتقال من النزاع إلى الاستعداد: قوموا ننطلق (42:14أ). الخوف، الذي يقتضي التغلب عليه السهر والصلاة، هو الصليب. إنها تجربة تمس الإيمان: الصليب هو اللحظة التي فيها يبدو أن الله، الذي اتكلنا عليه، يتركنا ويهملنا. عندئذ يجب التحلي بالشجاعة والرؤية الواضحة للتمسك؛ بشدة أكبر، كما فعل يسوع. الصلاة والسهر شيئان لازمان للإنسان لأن الروح مستعد أما الجسد فضعيف. ينتمي النعت مستعد إلى مفردات السهر بطريقة تتخطى السهر في حد ذاته: إنه يعبر بالإضافة إلى اليقظة، عن الاستعداد. الروح والجسد لا يعنيان مكونات الإنسان، إنهما مجرد إشارة إلى الاتجاهين أو الميلين أو القوتين المتصارعتين. الدافع إلى السهر هو شدة التجربة الواقعة على الإنسان وحاله وضعف الإنسان. هكذا يتخذ الفعل سهر معنىً جديداً. لم يعد معناه فقط الصحيان لاستجماع القوى، وأطراف الشجاعة، إنما يقظة للثقة بالله والتمسك به. عكس السهر هو نوم التلاميذ (37:14و40و41)، لأن النعاس أثقل عيونهم (40:14). إنه عبء ثقيل، لم يستطيعوا مقاومته. إنها قدرة الله وحده القادرة أن تجعل من الإنسان النائم إنساناً يقظاً |
||||
19 - 04 - 2013, 03:17 PM | رقم المشاركة : ( 3000 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: وجبـــــــة روحيـــــ(†)ــــــــــة يوميـــــــــة
مثل الكرّامين القتلة العبيد والابن(مر33:11-12:12) يضع إنجيل القديس مرقس، وكذلك إنجيل القديس لوقا، مثل الكرّامين القتلة في إطار جدلي: يكلمهم (1:12أ) يعود الضمير هنا على الأشخاص الذين يوجه إليهم يسوع المثل، والذين بعد أن استمعوا للمثل "حاولوا أن يمسكوه" (12:12أ). إنهم عظماء الكهنة والكتبة والشيوخ (راجع 27:11). لقد وجّه هؤلاء سؤالاً إلى يسوع: "بأي سلطان نعمل هذه الأعمال؟ من أولاك ذاك السلطان لتعمل هذه الأعمال؟"(مر 28:11). وتم توجيه هذا السؤال في الهيكل بعد أن كان قد طرد منه الباعة (راجع مر 15:11-17). لم يكن السؤال متعلقاً بطرد الباعة، إنما يمتد إلى نشاط يسوع بأكمله وجميع تعاليمه. وبدلاً من أن يرد عليهم، وجه بدوره سؤالاً: "أمن السماء جاءت معمودية يوحنا أم من الناس؟" (مر 30:11). كان رفضهم الإجابة على سؤال يسوع: "لا ندري" (مر 33:11) دليلاً عن عدم صدق سؤالهم، عندئذ يقول لهم: "وأنا لا أقول لكم بأي سلطان أعمل هذه الأعمال" (مر33:11) فيسوع لا يرد على من لا يبحث بإخلاص عن الحقيقة. وبالرغم من رفضه إعطاءهم جواباً مباشراً، إلا أن يسوع لا يوصد باب النقاش بل يستمر فيه عن طريق الأمثال: "وأخذ يكلمهم بالمثال" (مر1:12). ولقد سبق ورأينا- في العدد الماضي- أن يسوع يوجه تعاليمه "للذين في الخارج بالأمثال" (مر11:4). أما السؤال الذي رفض يسوع أن يرد عليه فيتعلق بهويته ومن المنتظر أن يفصح يسوع، بالأمثال، عن هويته. ولكي يصل إلى ذلك لا يقدم تحديداً ولا موضوعاً، إنما يحكي قصة. صاحب الكرم والكرّامون حاول بعض المفسرين أن يثبتوا أن تفاصيل القصة حقيقية. قد يبدو هذا غريباً للبعض. ولكن الواضع الاجتماعي في فلسطين وفي البلاد المجاورة يشهد بذلك. فمعظم أراضي الجليل الزراعية كانت ملك عدد قليل من الملاّك الأجانب. وكان بُعد مكان إقامة المُلاّك عاملاً مساعداً لثورات الفلاحين، لا بل، إذا توافرت بعض الشروط، كانت تعتبر الأراضي متروكة وتصبح مِلك مَن يضع يده عليها. وهذا يجعل محاولة قتل ابن صاحب المِلك، للاستيلاء على الكرمة، أمراً ممكناً. تعتبر هذه الملاحظات هامة ولكنها لا تساعد كثيراً على فهم أوضح للمثل. لذلك علينا إتباع خطوتين هامتين. 1-تحليل دقيق لبنية المثل 2-الاستنارة بالإشارات الكتابية الأخرى. تقوم قوة المثل في التشابك الذكي للعلاقات على 3 مستويات: أ-العلاقة بين صاحب الكرم والكرّامين. ب-العلاقة بين العبيد وابن صاحب الكرم. ج-موقف صاحب الكرم من الكرّامين. ويقتصر الحديث والعمل على صاحب الكرم والكرّامين. ويقتصر أمر العبيد والابن على ذكر مصيرهم. ولا يذكر لهم المثل قولاً أو عملاً... تدور القصة كلها بين صاحب الكرم والكرّامين. يأخذ صاحب الكرم الكلام في البداية والنهاية: فهو الذي يبادر بغرس كرمه وإرسال العبيد، كما أنه هو الذي يبادر بأخذ القرار بمعاقبة الكرّامين. وبين هاتين المبادرتين الخاصتين بصاحب الكرم يصف المثل إصرار عكسي مزدوج: إصرار صاحب الكرم على الحصول على الثمار، ومن ناحية أخرى إصرار الكرّامين وبوقاحة على عدم إعطائه أي شيء. من هم المقصودون بهذا المثل؟ يعطينا الإنجيلي مفتاح القراءة في العدد الأول، الذي يذكِّر بنشيد الكرم في كتاب أشعيا: "لأنشدت لحبيبي نشيد محبوبي لكرمه. كان لحبيبي كرم في رابية خصيبة وقد قلَّبه وحصّاه وغرس فيه أفضل كرمه وبنى برجاً في وسطه وحفر فيه معصرة وانتظر أن يثمر عنباً فأثمر حصرماً برياً" (أش1:5-2). إذا قرأنا المثل على ضوء نشيد أشعيا تضح المعنى وينجلي: قصة صاحب الكرم مع الكرّامين هي بدون شك قصة الله مع شعبه. فالله يرسل الأنبياء، بينما الشعب يصر على الرفض. لقد رفض الشعب الأنبياء، كما يرفض الكرّامون العبيد؛ وتعرّض هؤلاء كما تعرّض الأنبياء للضرب والقتل لا بسبب مطلب خاص بهم ولكن بصفتهم مرسلين من الله ولأنهم يحملون صوت الله للشعب. لذلك لا يتفوهون، في المثل، بكلمة واحدة ولا يقومون بأي عمل: إنهم ليسوا شخصيات مستقلة ولكنهم يمثلون رب الكرم. ويقص المثل، من خلال العلاقة المتوترة بين صاحب الكرم والكرّامين، تاريخ بني إسرائيل: أمانة الله وخيانة الشعب والعقاب العادل. ولا شيء جديد في ذلك. ولكن الجديد يظهر في الجزء الثاني، أي في الصراع بين الابن والعبيد. يمكن التمييز في المثل، بين جزئين: أمانة وعقابالجزء الأول: إرسال العبيد (1:12ب-5). الجزء الثاني: وصف إرسال الابن (6:12-8). ويميّز الراوي جيداً بين الرسالتين. يمر الراوي مرور الكرام على إرسال العبيد ولكنه يعقب إرسال الابن بتفكير وتأمل صاحب الكرم (6:12ب)، كما يسبق رد فعل الكرّامين القتلة تفكير وتدبير. يقوم الطابع الخاص في رسالة الابن في شخص المرسل ذاته. إنه الإضافة التي تضفي على الأحداث الفرادة والخبرة، فلا نصبح مجرد حوادث تاريخية. إنه بالنسبة للأب ابنه الحبيب (6:12) وبالنسبة للكرّامين الوارث، ورسالته هي الأخيرة. مع ذلك فهناك تشابه عديد بين رسالة العبيد ورسالة الابن: المرسل هو ذاته، كذلك الواجب، المرسل إليهم وذات المصير. يقدم المثل عناصر جديدة وعناصر استمرارية. إذا كان المثل قد بدا في الوهلة الأولى كتاريخ إسرائيل يتضح الآن أنه قمة هذا التاريخ بالمقارنة بنشيد الكرم في أشعيا هناك أشياء جديدة. لم يكتفِ الله بإرسال الأنبياء بل يرسل ابنه، والشعب لم يرفض فقط الأنبياء، إنما رفض أيضاً الابن. يمكن أن يعيد المثل قراءة التاريخ كله ابتداءً من نهايته التي كان أشعيا النبي يجهلها. يقوم الصراع الثالث داخل نفس صاحب الكرم ويقدم له الصراعان الأولان اللذان يمثلان موضوع الدينونة أو العقاب. ويهدف هذا أيضاً لإلقاء الضوء على تاريخ الشعب والعلاقة بين الله والإنسان. إعلان- دفاع- تحذيرصاحب الكرم صبور وعنيد لدرجة أنه يرسل ابنه الحبيب. إنّه لا يفقد الأمل: "سيهابون ابني" (6:12). ولكن لصبره حدود، ولا يقبل أن يظل عنف الكرّامين بلا حدود. لم يتبق له سوى أن يذهب بنفسه ليوقع عقاباً صارماً: "يأتي ويهلك الكرامين ويعطي الكرم لآخرين" (9:12). إنها النهاية المحتومة التي ضمنها أشعيا النبي: "أي شيء يُصنع للكرم ولم أصنعه لكرمي؟ فما بالي انتظرت أن يثمر عنباً فأثمر حصرماً برياً؟ فالآن لأعُلمنكم ما أصنع بكرمي. أزيل سياجه فيصير مرعى وأهدم جداره فيصير مداساً وأجعله بوراً لا يُقضب ولا تُقلع أعشابه فيطلع فيه الحسك والشوك" (أش 4:5-6). العقاب، في رأي النبي، هو الإهمال أمّا المثل فيضيف شيئاً جديداً، ربما أضافه الإنجيلي أو الجماعة المسيحية الأولى: يعطي الكرم لآخرين. ويكشف هذا عن وضع ألم المسيحيين الأوائل كثيراً: لماذا انتقل الملكوت من بني إسرائيل إلى الأمم؟ أليس شعب إسرائيل هو صاحب المواعيد التي أقسم الرب أن يكون أميناً على تتميمها؟ والرد هو أن الله أمين ولكن أمانته لا يمكن أن تلغي العقاب العادل. لم يهمل الله شعبه ولكن الشعب هو الذي ترك إلهه. نحاول الآن أن نجمع أهم الملاحظات التي برزت من تحليل المثل. لا شك أن التعليم الرئيسي للمثل هو تعليم كريستولوجي: يريد المثل أن يكشف من هو يسوع. يسير المثل على نهج كتابات الأنبياء ولكنه يتخطاها. الأنبياء هم عبيد أما يسوع فهو الأمين؛ الأنبياء هم الإشارة ويسوع هو التحقيق. والتعليم الأساسي للمثل هو، بالإضافة لهوية يسوع، مصيره ذاته. ويمثل هذا الربط جدّة حدث يسوع. وفي ذات الوقت هو سبب صعوبة: إذا كان يسوع هو فعلاً ابن الله، فكيف يمكن أن يُصلب؟ ألا يُعتبر الفشل الذي لقيه علامة كذب إدعائه. يحاول المثل إعطاء ردود على هذه التساؤلات. وهو لا يكتفي بالإعلان ولكنه يتخطاه إلى التبرير. فهدف المثل دفاعي. يندرج مصير يسوع في سلسلة متواصلة من الأحداث: إنه مصير كل الأنبياء. إنه ليس بجديد كان يمكن أن يكون جديداً إذا كان عكس ذلك. يكتسب الصليب معناه من موقعه في أحداث الخلاص. فيسوع ليس غريباً على مصير الأبرار والأنبياء، ولكنه أعطى هذا المصير معنىً، بحياته وموته. في هذا الخط يجب البحث عن معنى الصليب ويصاحب هذا الخط جِدَّة غير متوقعة: لذلك لا يستطيع أن يفهم معنى الصليب، إلا من كان مستعداً أن يغيّر مفهومه عن معنى الاكتمال. لقد أشارت نهايات بعض الأمثال إلى هذه الحقيقة. لا يمكن أن نفهم الصليب بدون اهتداء وتوبة لاهوتية: ليس المسيا هو الذي يضع نهاية لتناقضات عديدة، كما يحلو للبعض أن يتصوره، ولكنه من يضع ذاته في قلب هذه التناقضات ومن هنا، من هنا فقط، يلقي الضوء على كل شيء. ويرد في المثل أيضاً موضوع العقاب. لذلك يتخذ المثل شكل التحذير. الله أمين وحبه صبور ولكن ليس بدون الحقيقة: عوقب الكرامون، وانتقل الكرم إلى آخرين. يعني العقاب أن الله يولي اعتباراً كبيراً لمسؤولية الإنسان. ولا يلغي الصبر الإلهي الحرية البشرية. ولكن هناك أيضاً لا تكون الكلمة الأخيرة للتهديد، بل للرجاء. "والحجر الذي رذله البناؤون قد صار رأس الزاوية. من عند الله كان ذلك وهو عجب في أعيننا " (مز22:118-23). لا ينتمي هذا الاقتباس الكتابي إلى المثل بل إلى التعليق عليه. وقد يعود هذا التعليق إلى يسوع أو إلى الجماعة المسيحية. إنها إشارة واضحة إلى القيامة ، إلى أمانة الله: ليست الكلمة الأخيرة في تاريخ يسوع هي الرفض الذي تعرَّض له، ولكنها التدخل الإلهي لصالحه. إن تشبيه الحجر الذي رذله البناؤون واستعمله الله يكشف الفرق الشاسع بين تدبير الله وأفكار البشر: يختار الله ما يرفض البشر. ومن المدهش أن يتم هذا ليس بين الله والعالم، بل بين الله وشعبه. |
||||