|
رقم المشاركة : ( 1 )
|
|||||||||||
|
|||||||||||
مرثاة على الملوك كشفت الأصحاحات السابقة خطايا الشعب ورجاساتهم، والآن يفضح الرب شرَّ ملوكهم. 1. اللبوة وشبلاها: إذ يقدم مرثاة على ملوك يهوذا خاصة الملكين يهوآحاز الذي لقى مصيره المحزن بسبيه إلى مصر عام 608 ق.م. بعد مُلك دام 3 شهور، والملك يهوياكين الذي أسر إلى بابل عام 597 ق.م. بعد مُلك دام أيضًا حوالي 3 شهور. في هذه المرثاة نُلاحظ: أ. أنه لا يقول "مرثاة على رؤساء يهوذا" أو "ملوك يهوذا" بل على "رؤساء إسرائيل"... فإن ما يصيب أحد المملكتين إنما يصيب الشعب كله. الله يتطلع إلى البشرية المؤمنة كشعب واحد، إن تألم عضو تتألم معه بقية الأعضاء، "وإن كان عضو واحد يكرم فجميع الأعضاء تفرح معه" (1 كو 12: 27). لم يسيء هذان الملكان إلى نفسيهما وحدهما بتصرفاتهما الخاطئة، ولا إلى مملكة يهوذا وحدها، بل إلى كل إسرائيل الذي كان يمثل شعب الله في ذلك الحين، هكذا حين يضعف عضو فينا إنما يضعف معه الجسد كله، وبتوبة أحد الأعضاء تفرح له كل السماء! عبادتنا هي علاقة شخصية مع الله لكنها ليست فردية، أي غير منعزلة عن الجماعة المقدسة، سواء المجاهدة أو المنتصرة أو حتى عن الأعضاء القادمين في المستقبل. إنها كنيسة واحدة متفاعلة معًا بالحب وروح الوحدة ب. "وقل ما هي أمك؟ لبوة ربضت بين الأسود، وربَّت جراءها بين الأشبال" [2]. إنها ملكة تربض بقوة بين الملوك، أما تشبيهها باللبوة لا الأسد، فلأنها ملكة تنجب ملوكًا وتربيهم "ربت واحدًا من جرائها فصار شبلًا وتعلم افتراس الفريسة. أكل الناس. فلما سمعت به الأمم أُخذَ في حفرتهم فأتوا به بخزائم إلى أرض مصر" [3-4]. إنه يهوآحاز الذي تربى في أسرة ملكية وصار ملكًا وتعلم الحرب ، ولكنه عوض أن يُحارب لحماية شعبه حارب أولاده ليأكلهم. صار يعمل لحساب ذاته لا لحساب المملكة التي ربته وأقامته ملكًا. لقد أثبت أنه ضعيف، مجرَّد من المبادئ الأخلاقية، سباه فرعون نخو ونزل به إلى مصر ولم يعد قط إلى أرضه. على أي الأحوال إنه شبل، لم يحمِ شعبه ولا حتى نفسه، بل صار يفترس رعيته... ما أصعب أن ينقلب الراعي إلى ذئب، وعوض أن يحمي خرافه يذبحهم ليشبع هو! كان يجب أن يقدم حياته ذبيحة حب عن شعبه لا أن يذبح شعبه لأجل كرامته أو مصالحة الخاصة. في هذا يقول الأب أفراهات: [تمثلوا براعينا الحلو (يسوع) الذي لم تكن حياته أعز عليه من خرافه. هذبوا الصغار، أحبوا الحملان، واحملوهم في أحضانكم، حتى متى مثلتم أمام الراعي الأعظم تقدمون القطيع كاملًا، فيهبكم ما وعدكم "حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا]. ويقول القديس أغسطينوس: [ليتنا لا نحب ذواتنا بل نحبه هو، وبرعايتنا لغنمه نطلب ما له وليس ما لنا... لأنه من لا يقدر أن يحيا بذاته يموت بالتأكيد إن أحب ذاته. وهو بهذا لا يكون محبًا لنفسه، إذ بحبه لنفسه يفقد حياته... ليت رعاة القطيع لا يكونون محبين لذواتهم لئلا يرعوا القطيع كما لو كان ملكًا وليس بكونه قطيع المسيح، فيطلبون ربحًا ماديًا بكونهم "محبين للمال". أو يتحكمون في الشعب بكونهم منتفعين، أو يطلبون مجدًا من الكرامة المقدمة لهم بكونهم متكبرين، أو يسقطون في هرطقات كمجدفين، ويحتقرون الآباء القديسين كعصاة على الوالدين. ويردون الخير بالشر على ما يرغبون في إصلاحهم حتى لا يهلكوا بكونهم ناكرى المعروف. ويقتلون أرواحهم وأرواح الآخرين كمن هم بلا رحمة، ويحاولون تشويه شخصيات القديسين كشهود زور، ويطلقون العنان للشهوات الدنيئة كغير طاهرين، ويشتكون دائمًا... كغير رحماء. ولا يعرفون شيئًا عن خدمة الحب كمن لا عطف فيهم، ويُقلقون البشرية بمناقشاتهم الغبية كعنيدين، ولا يفهمون ما يقولونه أو ما يُصرّون عليه كعميان، ويفضلون المباهج الجسدية عن الفرح كمحبين للذات أكثر من حبهم لله. هذه وغيرها من الرذائل المشابهة، سواء كانت كلها في مجموعها تظهر في شخص واحد، أو أن إحداها تسيطر على شخص وغيرها على آخر، فإنها تظهر بشكل أو آخر من منطلق أن يكونوا محبين لأنفسهم. هذه الرذيلة التي يلزم أن يتحفظ منها من يرعون قطيع المسيح، لئلا يطلبوا ما لذواتهم وليس ما ليسوع المسيح، ويستخدمون من سفك المسيح دمه لأجلهم لأجل تحقيق شهواتهم ]. لقد افترس يهوآحاز غنمه عوض أن يدافع عنهم ويبذل حياته من أجلهم فصار هو فريسة الأمم؛ سقط في فخاخهم واقتيد أسيرا إلى مصر. إن من يرعى ذاته على حساب إخوته وعلى حساب خلاص نفسه يفقد حتى متعته الجسدية وكرامته الأرضية. تكرر الأمر مع ملك آخر "يهوياكين" الذي لم يكن أفضل من السابق بل أكل شعبه وخرَّب مدنهم بتصرفاته الشريرة فأقفرت الأرض بسببه، فأسر إلى بابل. 2. الكرمة المقتلعة: بعد أن قدم مرثاة على هذين الملكين بدأ يقدم مرثاة على شعب الله الذي كان ككرمة مغروسة على مياه النعمة الإلهية فكانت "مثمرة مفرخة من كثرة المياه" [11]. لم تقف أمامها الأمم بل ارتفع ساقها وكثرت أغصانها... لكنها إذ تركت عنها إلهها وارتدَّت إلى الوثنية أقتلعت من أرضها ونقلت إلى بابل فيبست برياح التأديب وفقدت ثمارها بخطاياها المتكاثرة... صارت أغصانها وقودًا ودخلت إلى حالة ضعف شديد، وليس من يسندها! هذه هي مرثاة كل إنسان يترك طريق الرب ويجري وراء شهوات قلبه وملذات جسده يُحرم من التمتع بمياه الروح القدس الواهبة الحياة والمعطية ثمارًا، وينقل من مركز البنوة لله ليصير بقلبه الشرير وحياته الرديئة في أرض العدو (إبليس) غريبًا وأسيرًا، تتحطم أغصانه لتصير وقودًا تأكلها النيران، وتجف نفسه تمامًا كأرض قفرة! من وحي حزقيال 19 رد لي ملوكيتي! * تحول ملوك إسرائيل من رعاة إلى ذئاب! افترسوا الرعية، ومارسوا حب السلطة! طلبوا ما لذواتهم لا ما لشعبهم! فهلكوا، وفقدوا كل غنى ولذة وكرامة! * إني أشكو لك نفسي! نسيت ملوكيتي وتحوَّلت إلى الافتراس، لم أطلب الحب، ما هو للآخرين بل ما هو لذاتي! ردُ لي طبيعة الملوكية يا ملك الملوك! علمني الحب فأصير ملكة! |
31 - 01 - 2023, 10:41 AM | رقم المشاركة : ( 2 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر حزقيال
تمردهم المستمر إذ قدم مرثاة على الملوك ثم على إسرائيل ذاتها بكونها الكرمة التي لاقت عنايته ورعايته فاقتلعت ونقلت إلى أرض غريبة للتأديب، عرض هنا صورة سريعة لتمرد هذا الشعب المستمر عبر التاريخ بالرغم من إحسانات الله لهم غير المنقطعة. إنه عرض تاريخي لمعاملات الله مع الإنسان، هو يقدم كل الحب ورعاية، والإنسان يقدم كل تمرد وعصيان. هذه هي طبيعة الإنسان بعد السقوط، لا يرى في الله صديقًا له بل الآمر الناهي، لهذا كثيرًا ما يعطيه القفا لا الوجه، يعجز عن تنفيذ وصاياه. 1. عتاب مع الشيوخ: في السنة السابقة جاء جماعة من الشيوخ يسألون النبي في أرض السبي عما سيحدث لمملكة يهوذا وللشعب المسبي في ذلك الحين، أما هو فوجه الحديث إلى توبة، إذ قال الرب: "حيّ أنا لا أُسأل منكم يقول السيد الرب" [3] إن كنتم قد أتيتم لتسألوني فانزعوا أولًا عنكم طبيعة التمرد التي عاشها آباؤكم وتعيشونها أنتم، حينئذ أستجيب طلباتكم. كثيرًا ما نصرخ إلى الرب في وقت الضيق، وهو يريد أن ينقذ، ويشتهي أن يُخَلِّص، لكنه يريد أن يحقق الضيق غايته وهو توبتنا القلبية ورجوعنا من كل القلب إليه! إن كان الله يتأخر في الاستجابة ليس لإهماله إيانا وإنما علامة رعايته، إذ ينتظر صدق توبتنا لكي ننتفع من التجربة. طبيعتنا المتمردة تحتاج إلى نار الضيقة لكي نرتد إلى إلهنا ونطلبه بإخلاص. 2. تمردهم في مصر: طبيعة التمرد ليس أمرًا جديدًا في حياتهم لكنها لازمتهم منذ بدء ظهورهم كشعب أو أمة في أرض مصر. لقد دخل يعقوب وأولاده إلى مصر كعائلة، وخرج كشعب تحت قيادة أول قائد هو موسى النبي. في مصر حيث نبتت هذه الأمة وهذا الشعب كانت أصنام مصر ترعى في داخل قلبهم. لقد كشف الرب سرّ عبوديتهم في مصر، ليس قساوة قلب فرعون إنما انحراف قلب الشعب: "قلت لهم اطرحوا كل إنسان منكم أرجاس عينيه، ولا تتنجسوا بأصنام مصر، أنا الرب إلهكم، فتمردوا عليَّ" [7-8]. في الوقت الذي كان الله يتجسس لهم الأرض التي تفيض عسلًا ولبنًا "فخر كل الأراضي" [6]، رفضوا طرح أرجاس عيونهم والتخلي عن الأصنام، ومع هذا لم يسخط عليهم في أرض مصر بل أخرجهم بقوة لأجل اسمه القدوس [9]، حتى يتمجد فيهم وسط الأمم. هكذا يهتم الله بالإنسان منذ خلقته، بل دبر خلاصنا وعبورنا من عبودية الخطيئة والدخول بنا إلى أحضانه، فردوس الحق الذي يفيض للنفس عسلًا ولبنًا، بينما يولد الإنسان وميكروب العصيان يسرى في دمه. التمرد طبيعة ورثناها عن عصيان أبوينا الأولين، لهذا يحتاج إصلاحنا إلى تغيير شامل لطبيعتنا. 3. تمردهم في البرية: ما أكثر عطايا الله في البرية! أعطاهم طعامًا طازجًا كل يوم مجانًا، فلا يحتاجون لا إلى حرث الأرض وتنقيتها، ولا إلى الزرع والحصاد، ولا إلى جمع الحصاد وتهيئة الطعام. وقدم لهم صخرة تفجر ماءًا عذبًا تتبعهم أينما ذهبوا، الأمر الذي يكلف الإنسان كثيرًا خاصة في الصحراء! لم تعوزهم ثياب جديدة أو أحذية ولا أدوية لعلاج مريض... كان يرعاهم في كل كبيرة وصغيرة، ومع هذا ففي عتابه لهم لم يذكر شيئًا من هذا بل ركز على أمرين اعتبرهما أفضل ما قدمه لهم: الوصية الإلهية وسبوته، إذ يقول: "وأعطيتهم فرائضي وعرفتهم أحكامي التي إن عملها إنسان يحيا بها، وأعطيتهم أيضًا سبوتي لتكون علامة بيني وبينهم ليعلموا أني أنا الرب مقدسهم" [12]. قدم لهم الوصية كفرائضه وأحكامه الخاصة به، والسبوت بكونها سبوته هو. بالوصية يحيا الإنسان، وبالسبوت يتقدس. هذا في رأى الله قمة ما فعله معهم في البرية. أما الوصية فهي علامة حب الله للإنسان ورعايته، إذ لم يقبل أن يجعله كالكائنات غير العاقلة يسير حسبما تمليه عليه الطبيعة التي وهبت له من الله، بل قدم له الإرادة الحرة، ووهبه الوصية علامة هذه الحرية، له أن يقبل الحياة مع الله وله أن يرفضها. وكما يقول العلامة ترتليان: [لقد مكَّنه ككائن بشري أن يفتخر بأنه الوحيد الذي كان مستحقًا أن يتقبل وصايا من قبل الله، بكونه كائنًا قادرًا على التعقل والمعرفة، يضبط نفسه في هدوء برباطات الحرية العاقلة، خاضعًا لله الذي أخضع له كل شيء ]. والوصية أيضًا هي المجال الذي فيه يسلم الإنسان للرب إرادته بالطاعة فيتقبل الإرادة الإلهية عاملة فيه. إنه إذ يقبل الوصية إنما يقبل كلمة الله الذي يعمل فيه. لهذا يقول الرب: "إن ثبتم في كلامي فبالحقيقة تكونون تلاميذي، وتعرفون الحق والحق يحرركم" (يو 8: 31، 33)، "الكلام الذي أكلمكم به روح وحياة" (يو 6: 63). ويقول القديس مرقس الناسك: [يختفي الله في وصاياه، فمن يطلبه يجده فيها]. أما السبوت التي وهبنا الله إياها لتقديسنا، فتُشير إلى السيد المسيح نفسه الذي جاء في اليوم السابع كَسِرَّ راحتنا الحقيقية. لأن كلمة "سبت" تعني بالعبرية "راحة"، فلا راحة لنا إلا في المسيح يسوع. أنه سرّ السبت، فيه استراح الآب فينا، إذ وجده نائبًا عنا موضوع سروره، وفيه استرحنا نحن في الآب إذ نجد فيه أحضان الآب تستقبلنا. السيد المسيح هو سر سبتنا وسر تقديسنا! يقسم القديس أغسطينوس تاريخ العالم الخلاصي إلى أيام الأسبوع هكذا: اليوم الأول: من آدم إلى الطوفان، اليوم الثاني: من الطوفان إلى إبراهيم، اليوم الثالث: من إبراهيم إلى داود، اليوم الرابع: من داود إلى السبي، اليوم الخامس: من السبي إلى تجسد المسيح، اليوم السادس: من التجسد إلى يوم الرب العظيم، اليوم السابع: هو يوم الرب العظيم الذي فيه تجد البشرية راحتها في المسيح يسوع ربنا. بهذا يدخل بنا الرب إلى حياة بلا نهاية، فيه تستريح نفوسنا مع أجسادنا. "هناك نستريح ونرى، نرى ونحب، نحب ونُسبّح. هذا ما سيكون في النهاية التي بلا نهاية، فإنه أي هدف لنا نقصده لأنفسنا إلا بلوغ الملكوت الذي بلا نهاية"؟! يقول القديس إكليمنضس الإسكندري: [إننا نتمسك بالسبت الروحي حتى مجيء المخلص، إذ استرحنا من الخطيئة]. قدم الرب وصيته لهم علامة تقديره للإنسان أكثر من كل خليقة أرضية أخرى، أما هو فاحتقرها ولم يسلك فيها. وقدم له سبوته لأجل تقديسه أما هو فنجَّس سبوت الرب كثيرًا [13]. ومع هذا يقول الرب: "لكن عيني أشفقت عليهم عن إهلاكهم فلم أفنهم في البرية" [17]. هذه هي طول أناة الله نحونا وحبه لنا! 4. تمرد الجيل الجديد في البرية: عاد الله يؤكد للجيل الجديد الذي ولد في البرية ألا يسلكوا بروح آبائهم الذين خرجوا من مصر يحملون أصنامها في قلبهم، بل أن يسلكوا في فرائضه ويحفظوا أحكامه ويعملوا بها، ويقدسوا سبوته علامة العهد بينه وبينهم، ولم يكن الأبناء أقل تمردًا من آبائهم. لقد انجذبوا إلى أصنام آبائهم لا إلى الرب إلههم. ومع هذا كله فمن أجل اسمه لم يرد أن يسكب غضبه عليهم في البرية حتى لا يُحتقر أمام عيون الأمم. ربما يعترض البعض على القول الإلهي: "وأعطيتهم أيضًا فرائض غير صالحة وأحكامًا لا يحيون بها، ونجستهم بعطاياهم إذ أجازوا في النار كل فاتح رحم لأُبيدهم حتى يعلموا إني أنا الرب" [25-26]. إذ يُصِّر الخطاة على العصيان يقدم لهم وصاياه وأحكامه لخلاصهم [11]، لكنه لا يُلزمهم بها... فإن استمروا في إصرارهم يسلمهم إلى ذهن مرفوض ليفعلوا ما لا يليق (رو 1: 28). كلمة "أعطيتهم" هنا تعني "سمح لهم" أن يقبلوا الفرائض والأحكام الخاصة بالعبادات الوثنية فيمارسوا الإجازة في النار... ويهلكون. 5. تمردهم في دخولهم كنعان: إذ أطال مدة سياحتهم في البرية أربعين عامًا لكي ينسوا أصنام مصر التي حملوها معهم في قلوبهم، ودخل بهم إلى أرض جديدة، إذا بهم يتبنون العبادة الوثنية التي لهذه البلاد، فصاروا يقيمون عبادتهم على المرتفعات كأهل المنطقة. بدلًا من أن يكونوا شعب الله المقدس يمجدون الله في وسط الأمم، ساروا وراء نجاسات الأمم. 6. تمردهم في أيام حزقيال: عملية التمرد ليست عملية تاريخية لكنها واقعة حاضرة، انطلقت بظهور الشعب كأمة، ولاحقتهم في البرية حتى الجيل الجديد، والتهبت بالأكثر عندما دخلوا أرض الموعد، ولا تزال عاملة فيهم حتى في الوقت الذي كان فيه يتحدث حزقيال مع الشيوخ. يوبخهم الرب: "هل تنجستم بطريق آبائكم وزنيتم وراء أرجاسهم، وبتقديم عطاياكم وإجازة أبنائكم في النار تتنجسون بكل أصنامكم إلى اليوم؟!" [30-31]. لهذا كانت الإجابة "حيّ أنا يقول السيد الرب لا أُسْأَل منكم". إنه لا يقبل سؤالهم ولا يستجيب طلباتهم حتى تتغير قلوبهم. إنه يؤدبهم بيد قوية وبذراع ممدودة، ويسكب سخطه عليهم ويشتتهم ويحاكمهم علانية [33-35]. 7. تمردهم في أرض السبي: في هذا كله لا ينتقم بل يؤدب ليدخل بهم في عهد جديد. "وأُمِرُّكم تحت العصا وأدخلكم في رباط العهد، وأعزل منكم المتمردين والعصاة عليَّ" [37-38] إنه يدخل بهم إلى البرية، لا برية سيناء كما فعل بآبائهم، بل إلى حالة جفاف وقحط داخل السبي وتشتيتهم بين الأمم لأجل توبتهم خلال العصا (لا 27: 32). 8. العودة والإصلاح: بعد أن قدم صورة لانحراف إسرائيل نحو الوثنية، بكونه انحرافًا قديمًا وعنيفًا ومهلكًا في نتائجه، وبالرغم من الماضي المظلم الشرير لكنه يشرق عليهم في نفس الأصحاح بمستقبل مملوء رجاءً بعودتهم من السبي وإصلاحهم كرمز إلى عودة الإنسان من سبي الخطيئة وإصلاح طبيعته الفاسدة. إنه يدخل بنا إلى "جبل قدسه"، إلى مقدساته، الجبل العالي، أي إلى كنيسة المسيح حيث تتعبد لله في المسيح يسوع، فيًشْتَمّ الله تقدماتنا رائحة سرور [41] ويرضى عنا. إنه خلاص لا عن استحقاقاتنا الذاتية، إنما من خلال النعمة المجانية إذ يقول: "لا كطرقكم الشريرة ولا كأعمالكم الفاسدة يا بيت إسرائيل يقول السيد الرب" [44]. 9. سيف نبوخذنصَّر المدمِّر: إن كان قد أشرق عليهم بالرجاء في عودتهم وإصلاحهم لكنه يؤكد ضرورة التأديب أولًا بسيف نبوخذنصَّر المدمر الناري. إنه يبدأ بحريق فائق للطبيعة في منطقة الجنوب، حريق التأديب المُرّ حتى يحرق كل أشواك الخطيئة. يبدأ بالتيمن(206)، الصحراء الجنوبية، إشارة إلى التأديب مملكة الجنوب (يهوذا وأورشليم). أدار النبي وجهه نحو الجنوب [46-47]، أي نحو أرض إسرائيل ليرى كما من بعيد غابات لبنان... معلنًا: "هكذا قال السيد الرب: هأنذا أضرم فيك نارًا فتأكل كل شجرة خضراء فيك وكل شجرة يابسة؛ لا يُطفأ لهيبها الملتهب، وتحرق بها كل الوجوه من الجنوب إلى الشمال" [47]. هكذا يسكب الله نار دينونته عليهم ليدرك الكل قداسته وعدله. يختم النبي الأصحاح بقوله: "آه يا سيد الرب؛ هم يقولون: أما يمثل أمثالًا؟!" [49]. هذا هو حال النفس المتراخية في بحثها عن مخلصها، فإنها تجد حديثه أمثالًا غامضة. وكما يقول القديس أمبروسيوس في تعليقه على كلمات النشيد: [في الليل على فراشي طلبت من تحبه نفسي، طلبته فما وجدته" (نش 3: 1). (إنها تطلبه في الليل لأنه يتكلم بأمثال، فقد جعل الظلمة مسكنه وليلًا فليلًا يُظهر علمًا (مز 19: 3)... لكنها لا تجده بهذه الطريقة...]. من وحي حزقيال 20 انزع عني تمردي! * كلك حب يا إلهي، أما أنا فإنسان متمرد! من يخلصني من طبيعتي الجاحدة غيرك يا مخلصي؟! * سألك الشيوخ في أرض السبي، لم تجبهم، لأنك تريد توبتهم ورجوعهم إليك. أرى في حديث نبيك معهم طبيعتي الجاحدة! في مصر تمردوا عليك، خرجوا بيدٍ قوية وذراع رفيعة، لكنهم حملوا عبادة المصريين في قلوبهم! في البرية كنت عجيبًا في رعايتك لهم، أما هم فلم يكفوا عن التذمر. في أرض الموعد كنت حصنًا لهم، أما هم فعصوا وصاياك، واشتركوا في عبادة الأوثان! أدبتهم بالسبي... وهناك عوض التوبة امتلأوا رجاسات! تُرى ماذا تعمل معهم؟! * لم تخلق الظروف في التذمر، بل أنا بفساد قلبي أتعلل بكل ظرف لأعلن تمردي! خلصني يا رب من جحودي المستمر! ثبتني فيك فأحمل شركة الطبيعة الإلهية. بتناولي جسدك ودمك المبذولين أحمل طبيعة الحب الباذل! |
||||
31 - 01 - 2023, 11:12 AM | رقم المشاركة : ( 3 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر حزقيال
أنشودة السيف المدمر إذا أعلن الرب عن تخليه عن حماية المدينة بل وأكد إشعالها بالنار، أجاب اليهود قائلين: "أمايُمثِّلهو أمثالا؟!" (20: 49)، لهذا تحدث الرب بصراحة في هذا الأصحاح عن هذه النار، أو السيف الناري المؤدب: 1. نبوته ضد أورشليم: طلب منه أن يوجه نظره نحو أورشليم [1] ويتنبأ صراحةضد الأرض المقدسة والمدينة المقدسة والهيكل المقدس. الذي سبق فوقف يشفع فيهم ويتضرع لأجلهم في أكثر من موضع (حز 9: 8) يُدعى الآنلكي يُعلن أحكام دينونة الله التي تحل على إسرائيل التي أعلنت رفضها للوصية وعنادها المتعمد. إنه ينطق بكلمات الرب، قائلًا: "هأنذاعليكِوأستلُّسيفيمن غمده، فأقطع منك الصدِّيق والشرير" [3]. إذ لم تعد هذه المواضيع في عيني الرب يرسل عليها سيفه ويقف ضدها، ويقطع منها الصديق والشرير. لا يعني هنا أن يقتل الاثنين بلا تمييز بينهما، إنما ينزع الصدّيق عنها لينقله إلى أرض الكلدانيين كالتين الجيد (إر 24)، وينزع الشرير بقتله في يهوذا فتخسر الأرض الاثنين خلال السبي والسيف. وقد أوضح الرب موقفه من التين الجيد في سفر إرميا هكذا: "كهذا التين الجيد هكذا أنظر إلى سبي يهوذا الذي أرسلته من هذا الموضع إلى أرض الكلدانيين للخير، وأجعل عيني عليهم للخير وأُرجعهم إلى هذه الأرض وأنبتهم ولا أهدمهم، وأغرسهم ولا أقطعهم، وأعطيهم قلبًا ليعرفوني أني أنا الرب فيكونوا لي شعبًا وأنا أكون لهم إلهًا لأنهم يرجعون إليّ بكل قلبهم" (إر 24: 5-7) هكذايقطع التين الجيد والرديء عن أورشليم، لكن يفرز هذا عن ذاك. لقد طلب منه أن يتهند بمرارة علانية ليسألوه عن سبب تنهده فيُجيب صراحة "علىالخبر،لأنهجاء فيذوب كل قلب وترتخي كل الأيدي، وتيأس كل روح، وكل الركب تصير كالماء، ها هي آتية وتكون" [7]. إن الله لا يُعطي مثلًا بل خبرًا حقيقيًا وأمرًا واقعًا يرتجف له الكل! 2. سيف حاد مصقول: هذا السيف المرهب في الحقيقة ليس سيف نبوخذنصَّر بل هو سيف الله نفسه الذي يستخدم هذا الملك للتأديب. إنه يقوم بدوره حسنًا، فهو مصقول وحاد، يذبح رؤساء يهوذا والشعب، سيف قاتل عظيم، يُلوِّح مرة فثانية فثالثة. يأتي في المرة الأولى بعد التحذير الشفوي، والمرة الثانية بعد أن يصفق النبي على فخذه [12] والمرةالثالثة بعد أن يصفق كفًا على كف [14]، وكأن انطلاق السيف ليس غاية في ذاته، إنما ينطلق حينما يرفض المسئولون والشعب إنذارات الله. يلاحظ أنه سيف حاد قاتل للأشرار، لكنه بالنسبة لأولاد الله هو"عصا التأديب يذبح فيهم العود الأخضر (العبادةالوثنية)لا نفوسهم، إذ يقول عنه: "عصاابنيتزدريبكل عود [10]، وليس بكل نفس. إنه قادم لإبادة الشر والخطيئة لا الخطاة. هو سيف امتحان [13] أو عصا اختبار إن ازدري أحد بها تعرضه للهلاك، لكن إن رجع أحد عن شره خلص. كما يلاحظ أنه موجه على الشعب كما على كل رؤساء إسرائيل الذين رفضوا نبوته... إنه لا يُحابي مسئولًا على حساب أفراد الشعب، إنما الكل متساوون أمامه. أخيرًا فإنه يقف عند كل باب، متقلبًا، يضرب يمنةً ويسارًا، فلا يفلت أحد منه [15-16]. 3. طريقا ملك بابل: يبدو أن ملك بابل جاء إلى ملتقى طريقين، أحدهما يؤدي إلى أورشليم والآخر إلى ربة عاصمة بني عمون، وهنا بدأ يفكر أيهما يحاربها أولًا: أورشليم أم ربة. لقد استخدم كل وسيلة وثنية من صقل السهام لكي يصوبها في الطريقين ويلقي قرعة، ومن سؤال بالترافيم ،والتطلع إلى كبد الذبيحة التي يقدمها لإلهه... فجاءت الإجابة أن يبدأ بأورشليم. حسب الظاهر جاءت الإجابة بطرقه الشريرة الوثنية، لكن الواقع أن الله هو الذي خطط خفية للتأديب. إن العرافة كاذبة، لكن الله ضابط الكل حول شر الملك وعرافته لتأديب الشعب. يلاحظ أن الرب يقول: "عَيّنْ طريقا ليأتي السيف على... يهوذا في أورشليم إذ يبدو أن شعب يهوذا قد تجمهر غالبيته في العاصمة أورشليم ظنًا أنه حتى إن سقطت كل مدن يهوذا فإن الله يُدافع عن أورشليم بكونها "مدينة الملك العظيم". لكن الله يؤكد أنها ستأخذ الضربة الأولى القوية ليس قبل كل مدن يهوذا فحسب بل وقبل مدن بني عمون. أورشليم التي عرفت كثيرًا عن الله استحقت أن تضرب أكثر، لأنها لا تخطئ عن جهل أو عدم معرفة بل في تمرد وعصيان. 4. حديث ضد صدقيا الملك: يوجه الله حديثه ضد صدقيا الملك مباشرة، الذي يحطم شعبه بشرِّه، قائلًا: "وأنتأيهاالنجسالشرير" [25]، لقد جاء يوم نزع العمامة ورفع تاج الملك عنه [26]. لقد ظن في نفسه أنه عظيم فحطم شعبه، لهذا ينقلب الحال، ويفقد الملك تاجه إلى الأبد "منقلبًامنقلبًاأجعله" [27]. ويُنزلبهذا الملك المتعجرف إلى الحضيض "حتىيأتيالذيله الحكم فأعطيه إياه" [27]. يأتي السيد المسيح باتضاعه فيملك إلى الأبد. إن كان شعب صدقيا قد هلك بمشورة ملكه، فسيملك رب المجد ويقيم شعبه ويخلصهم ليملكوا معه إلى الأبد. 5. نبوة ضد بني عمون: لقد أفلت بنو عمون من سيف الدينونة بسبب انشغال نبوخذنصَّر بأورشليم، وقد وقفوا شامتين. لقد عيَّر بنو عمون الشعب لهلاكه وأورشليم لحرقها، لكن تأديب أورشليم إلى حين حيث يقوم الملك الروحي ويخلص المؤمنين به، أما السيف الذي يُحطم بني عمون، وهو ذات السيف الذي حطم يهوذا، فيضرب لكن لا للتأديب بل للإهلاك، فلا يعود يذكر بعد. لم يدخل بنو عمون في عهد مع الله كما دخلت إسرائيل، ومع ذلك فسقطوا في التأديب الإلهي، لأن الله لا يطيق الخطية لا في حياة شعبه أو في حياة غيرهم. بنو عمون يشيرون إلى الشر لا الأشرار، يهلك بيدٍ قوية ولا يقوم بعد (ضُربتعمون بعدأورشليم بخمس سنوات). من وحي حزقيال 21 السيف المدمر والمنفذ! *استخدمتيا إلهي نبوخذنصَّر سيفًا للتدمير، فذاب كل قلب، وارتخت كل يد، وصارت كل الركب كالماء! ضربت بالسيف لتفصل في القلب ما بين الشر والخير! أردت بالسيف المدمر التوبة والرجوع إليك! *أمامتأديباتكترتجف نفسي، ويهتز كل كياني! مادام السيف في يدك يا ضابط الكل، يا محب البشر، تطمئن نفسي وتستريح يا قابل الخطاة! إن سمحت بالتأديب فاسمح لي بالتوبة. توبني فأتوب، اشفني فأُشفَى! *سَخَربنو عمون بأورشليم وكل يهوذا يوم تأديبهم، لكن السيف الذي أدبّ يهوذا هو بعينه حطم عمون! حطم في داخلي عمون، وأدِب في داخلي أورشليم! بدِّد في داخلي كل الشر، وقدّس عملك في يا واهب الخلاص والحياة! إني مطمئن مادام السيف في يدك أنت مخلصي! |
||||
01 - 02 - 2023, 05:53 PM | رقم المشاركة : ( 4 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر حزقيال
خطايا يهوذا بعد أن عرض أنشودة السيف المدمر قدم ثلاث رسائل بخصوص يهوذا من جهة قائمة الخطايا التي ارتكبتها، وأثرها عليها. وشيوعها على كل المستويات: 1. قائمة بخطايا يهوذا: قدم الرب ملخصًا لأهم الخطايا البشعة التي كانت ترتكبها مملكة يهوذا في ذلك الحين؛ وقد ركزها في أمرين: سفك الدم والتنجس بالأصنام، حتى لقب أورشليم بسفاكة الدم [3]،ونجسة الاسم [5]،بدلًا من أن تكون المدينة العادلة، المقدسة. أ. دُعيت بسفاكة الدم، لأنها ارتكبت جرائم بشعة ذهبت ضحيتها دماء بريئة، لا بالمعنى الحرفي الضيق بل بالمعنى المتسع. لهذا اعتبر الرب إهانة الوالدين وظلم الغريب واضطهاد اليتم والأرملة وأخذ الرشوة والربا من المحتاجين هي جرائم سفك دم، لأن فيها اغتصاب لحقوق الآخرين وظلمهم. والمسيحي، إذ يرى السيد المسيح متجليًا في كل إنسان، فإن كل اغتصاب لحق من حقوق الآخرين يُحسب إهانة موجهة للسيد المسيح نفسه. هذا ما أكده السيد نفسه في موقفه يوم الدينونة العظيم، حيث يتطلع إلى الذين عن يمينه قائلًا: "الحق أقول لكم بما أنكم فعلتموه بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم" (مت 25: 40) وللذينعن يساره: "الحق أقول لكم بما أنكم لم تفعلوه بأحد هؤلاء الأصاغر فبي لم تفعلوا" (مت 25: 45). ب. دعيت "النجسةالاسم"،لأنها صنعت نجاسات أساءت إلى الله نفسه الذي هو صاحب المدينة، لأنها "مدينة الملك العظيم". أهم هذه النجاسات هي الاستهانة بمقدسات الله وتنجيس سبوته، ارتكاب الزنا في أبشع صوره كالزنا مع القريبات المحرمات (مثلالكنة أو الأخت) أو امرأة القريب أو الزوجة الطامث... 2. إدانة يهوذا كزغل في نارٍ: كانت إسرائيل قبل انقسامها إلى مملكتين (إسرائيلويهوذا) في عصر الملك داود وابنه سليمان كرأس ذهبية متلألئة، وبعد الانقسام صارت كقضيبين من فضة، أما وقد انحرفت المملكتان إلى عبادات متنوعة وثنية وانجرفت إلى سفك الدم والرجاسات فقد تحولتا إلى نحاس وقصدير وحديد ورصاص... أنواع معادن رخيصة ورديئة، بل صارت زغلًا، إذا وضعت في النار احترقت. فالعيب ليس في النار بل في المادة التي تتعرض للنار، إذا كانت ذهبًا أو فضة ازدادت نقاوة وبريقًا، أما إن كانت زغلًا فتستهلك وتلقي خارجًا. في عتاب مُرّ يقول: "صارلي إسرائيل زغلًا" [18]،وكأنه يعلن أن ما صاروا إليه بسبب شرهم لا يتحملون آثاره وحدهم بل يسيئ لله نفسه الذي اقتناهم ودعا اسمه عليهم. إن كل خطيئة نرتكبها إنما تجرح مشاعر الله نفسه، لأننا أولاده، وبسببنا يُجدف على اسمه من الأمم. 3. شيوع الخطيئة في كل المستويات: بعد أن قدم قائمة بأهم الخطايا البشعة التي ارتكبتها يهوذا فصارت زغلًا للرب، عاد ليؤكد أن هذا الوباء حل بالجميع: الأنبياء والكهنة والرؤساء، والشعب. صار الأنبياء كأسود لا لتحمي الشعب بل لتفترسه وترمل نساءه. والكهنة عوض تقديم الوصية الإلهية وتقديس الشعب بالعبادة النقية الخالصة خالفوا أحكام الله وفرائضه ونجسوا مقدساته خاصة سبوته. والرؤساء عوض بذلهم عن الشعب اهتموا بمكسبهم المادي وصاروا كذئاب خاطفة سافكة للدماء. أما الشعب فصارت طبيعته الظلم والاغتصاب. ويلاحظ أنه لا يقول: "أنبيائي،كهنتي، رؤساء شعبي، شعبي "وإنما يقول" أنبياؤها،كهنتها، رؤساؤها، شعب الأرض" [25-28]،لا يُريد أن ينسبهم إليه في شرهم، لأنهم رفضوه واعتزلوه، فرفضهم حتى يؤدبهم ويردهم إليه. ويصف أورشليم بكل هذه المستويات هكذا: "أنتالأرضالتيلم تطهر، لم يمطر عليها في يوم الغضب" [24]. فقد رفض اليهود بكل طبقاتهم الإيمان بالمسيح يسوع، المطر النازل من السماء ليطهر العالم كله، ويجعل من القلوب فردوسًا خصبًا... لقد صاروا أرضًا بلا تطهير، بلا مطر أي بلا مسيح، ليس من يشفع فيهم في يوم الغضب! هذا يُذكرنا بالعلامة التي طلبها جدعون من الله في الليلة الأولى: "ها إني واضع جزة الصوف في البيدر فإن كان طل على الجزة وحدها وجفاف على الأرض كلها علمت أنك تخلص بيدي إسرائيل كما تكلمت" (قض 6: 37)فكانت الجزة تُشير إلى الشعب اليهودي الذي قبل كلمة الله وحده دون سائر الأمم في العهد القديم، فكانت الجزة بها طل ماء وحدها وجفاف على الأرض كلها. أما الليلة التالية حيث تُشير إلى العهد الجديد فطلب العكس إذ صار طل على الأرض كلها وجفاف على جزة الصوف، فكان إشارة إلى رفض الأمة اليهودية السيد المسيح، كلمة الله، أو الطل السماوي، بينما قبل العالم الأممي الإيمان به. لقد صارت الأمة اليهودية الأرض التي بلا مطر! أخيرًا إذ عرض لشمول الخطيئة في كل المستويات عاتبهم الله قائلًا: "وطلبتمن بينهم رجلًا يبني جدارًا ويقف في الثغر أمامي عن الأرض لكيلا أخربها فلم أجده" [30]. من هو هذا الرجل الذي يمكنه أن يبني سورًا أو جدارًا أمام غضب الله ويقف متشفعًا عن البشرية كلها لكيلا يخربها؟! إنه ليس من كائن ما يقدر أن يحتمل غضب الله عن الأرض ويشفع فيها، لهذا أرسل ابنه الوحيد ابنًا للإنسان، هذا وحده يستطيع أن يسد هذه الثغرة ويقف حاملًا الغضب الإلهي في جسده عنا، يشفع فينا بدمه الطاهر ويردنا إلى حضن الآب. في هذا يقول القديس أثناسيوس الرسولي: [حيث أنه كلمة الآب وفوق الكل، كانت له وحده لياقة طبيعية أن يجدد خلق كل شيء، وأن يحتمل بالنيابة عن الكل، وأن يكون شفيعًا عن الكل لدى الآب". "كانضروريًا ألا يتجسد أحد سوى الله الكلمة نفسه،" لأنه لاق بذاك الذي من أجله الكل، وبه الكل، وهو آت بأبناء كثيرين إلى المجد أن يجعل رئيس خلاصهم كاملًا بالآلام" (عب 2: 10) ويقصدبهذه الكلمات أنه لم يكن اختصاص أحد آخر أن يرد البشر عن الذي قد بدأ سوى كلمة الله الذي هو أيضًا صنعهم من البدء... لأنه بذبيحة جسده وضع نهاية للحكم الذي كان ضدنا]. ماذا يعني: "يقففي الثغر أمامي على الأرض" [30]؟ لقد وقف ابن الإنسان، كلمة الله المتجسد في الثغر، أي في الهوة التي بين الآب والبشر لكي يتمم المصالحة بينهم (1 تي 2: 5) ونحنأيضًا إذ ننعم بالمصالحة مع الله نشتهي أن نقف في الثغر لنعمل ونصلي من أجل كل خاطئ، كي يلتقي بمخلصه، ويختبر ذات المصالحة التي صارت لنا. ليكن كل واحد منا هو الرجل الذي يقف في الثغر أمام الله يشفع ويبذل كل الجهد مشتهيًا خلاص كل إنسان. وكما يقول الرسول بولس: "إذًا نسعي كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله (2 كو 5: 20). يؤكد هنا أيضًا أهمية الصلاة والشفاعة في الآخرين، فإنه إذ لم يجد الله من يشفع عن شعبه حلّ الخراب بالشعب. لقد خلص لوطًا من النار المهلكة بسبب صلاة إبراهيم (تك 19)،وخلص إسرائيل من الدمار بصلاة موسى النبي (عد 14: 11-21)،وأُنقذتأورشليم من يد سنحاريب بصلاة حزقيا الملك (إش 37: 1-7، 34-36). من وحي حزقيال 22 من يقف في الثغر؟ *أورشليميالداخليةصارت زغلًا، فلماذا ألوم النار التي أهلكتها؟! قلبي الظالم صار سافكًا لدماء المساكين، وأفكاري الدنسة نجست هيكل الرب في داخلي، صارت هناك هوة بيني وبينك يا الله! من ينزع هذه الهوة؟! من يقف في الثغر أمامك يشفع فيّ أنا أول الخطاة؟! من يسدد ديني ويجدد طبيعتي فألتقي بك؟ *أشكركيا مخلصي، يا كلمة الله المتجسد، أنت وحدك حملت خطاياي، أنت وحدك ارتفعت على الصليب، حولت أرضي إلى سماء! قدمت لي روحك القدوس عاملًا فيّ، ورفعت قلبي إلى حضن أبيك! ماذا لك أيها الشفيع العجيب والفريد؟! هب لي أن أحب الخطاة وأصلي لأجلهم وأُبذل حبًا فيهم! |
||||
01 - 02 - 2023, 06:15 PM | رقم المشاركة : ( 5 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر حزقيال
أهولة وأهوليبة في هذا الأصحاح يقدم لنا تاريخ شعب الله قديمًا من خلال أختين دعاهما "أهولة وأهوليبة"، اللتين عشقتا الغرباء، وخانتا الله. هذه هي المرة الثالثة والأخيرة في سفر حزقيال التي فيها يتهم الله شعبه بالخيانة العظمى (ص 16، 20، 23)، غير أن هناك فارقًا بين اتهامه لشعبه في الأصحاح السادس عشر وهنا. هناك تحدث عن الخيانة لعريسها السماوي من جهة انحرافاتها الروحية، أما هنا فقد ركز على انحراف شعبه بشقّيه (إسرائيل ويهوذا) في الزنا بالفكر السياسي الخاطئ، أي اتكال شعبه تارة على أشور وأخرى على فرعون مصر، وإن كان هذا الاتكال قد حمل في عيني الله إهانة له وعدم إيمان بقدرته على خلاصهم من جهة، كما فتح أبواب الأرض المقدسة لاستقبال المعبودات الوثنية ورجاساتها من بابل ومن مصر في ذلك الحين. لقد شبه الله إسرائيل ويهوذا بأختين لأم واحدة، عاشتا في حياة الزنا منذ صباهما، الكبرى تسمى أهولة والصغرى تسمى أهوليبة، الأولى تشير إلى السامرة (عاصمة إسرائيل) والثانية إلى أورشليم (عاصمة يهوذا). الأولى هي الكبرى لأنها تضم عشرة أسباط، والأخرىهي الصغرى لأنها تضم سبطين. ارتبط الاسمان بكلمة "أوهل ohel" العبرية والتي تعني "خيمة". لعله أراد أن يذكِّر شعبه أنه في حقيقته يلزم أن يكون "الخيمة" التي يحل بمجده فيها ليسكن في داخلها معهم (خر 33: 7-10). وربما أراد بدعوتهما هكذا أن يذكرهما بتغربهما على الأرض، فلا يستقران في بيوت أو مساكن ثابتة بل في خيام متنقلة ليعبروا من حال إلى حالٍ أفضل، ومن مجد إلى مجد. وكما يقول العلامة أوريجانوس: [يسكن في الخيام من يركض نحو الله حرًا بلا قيود ولا أحمال ]. [إذا تساءلنا: ما هو الفارق بين المسكن والخيمة...؟ المسكن شيء ثابت قائم، له حدوده الثابتة، أما الخيمة فهي مسكن الرُحَّل المتنقلين على الدوام، هؤلاء يجدون لرحلاتهم نهاية ]. ولهذا أقام العبرانيون عيد المظال (لا 23: 43) تذكارًا لإقامتهم في خيام في البرية، وكما يقول العلامة أوريجانوس: [يليق بكل واحد منا متى خرج من مصر (محبة العالم) ودخل البرية أن يقطن في خيمة ويقيم عيدًا في الخيام، من أي مادة يجب أن تصنع هذه الخيام إلا من كلمات الناموس والأنبياء، والمزامير وكل ما تحويه الشريعة؟! عندما تنمو النفس بواسطة الكتب المقدسة تنسى ما وراء وتمتد إلى ما هو قدام (في 3: 13)، تترك البقاع السفلي وتنمو وتتقدم إلى ما هو أعظم. تنمو في الفضائل، فتغير موضع الإقامة خلال تقدمها المستمر، بهذا يمكننا القول إننا نسكن في الخيمة]. إذ نعود إلى الأختين نجدهما من أم واحدة، إذ كانا شعبًا واحدًا، وقد سقطت الأختان معًا في الزنا منذ صباهما في مصر. لقد سلما جسديهما بلا خجل للشر ففقدتا عذراويتهما الروحية، وفتحتا قلبيهما لأصنام مصر منذ نشأتهما (خر 20: 7)، الأمر الذي انكشف في البرية بإقامتهما عجل أبيس يتعبدون له في غياب موسى على الجبل. وكما سبق أن قلنا في تفسيرنا لسفر الخروج إن غياب موسى لم يكن إلا المحك الذي كشف الآلهة التي حملها الشعب في قلوبهم سرًا. لقد كبرت أهولة (إسرائيل)، لكنها لم تنضج روحيًا ولا اتعظت بسقوطها في مصر، إنما مالت إلى شباب آشور اللابسين ملابس أسمانجونية، كلهم شهوة، رجال حرب، فرسان راكبون خيلًا [5]. يقول الرب "زنت تحتي" أي رفضتني كعريس لها وطلبت لها رجالًا غرباء، رفضت الرب السماوي الحق واشتهت الذين لبسوا الإسمانجوني (رمز السماء)، الذين تظاهروا بالتدين وهم أرضيون شهوانيون مملؤون شراسة. رفضت عريسها الذي حارب عنها في أرض عبوديتها وفي البرية وفي دخولها أرض الموعد، وظنت في الغرباء كفرسان أنهم قادرون على حمايتها تحت رعاية ملك آشور "لتكون يداه معه ليثبت المملكة في يده" (1 مل 15: 19)، وكان ذلك حوالي عام 738 ق.م. هذا الاتكال على آشور دفع الأخير إلى التفكير في تخريب إسرائيل عام 721 ق.م. لم يتكل بنو إسرائيل على آشور سياسيًا فحسب، إنما اشتهوا آلهته وجروا وراء أصنامه ورجاساته، إذ قيل: "عمل بنو إسرائيل سرًا ضد الرب إلههم أمورًا ليست بمستقيمة، وبنوا لأنفسهم مرتفعات في جميع مدنهم... وأقاموا لأنفسهم أنصابًا وسواري على كل تل عال وتحت كل شجرة خضراء... وسجدوا لجميع جند السماء وعبدوا البعل، وعبَّروا بنيهم وبناتهم في النار، وعرفوا عرافة وتفاءلوا وباعوا أنفسهم لعمل الشر في عيني الرب لإغاظته.." (2 مل 17). لهذا أسلمهم الرب للذين اشتهوهم حسب سؤل قلبهم، فصاروا تحت السبي، وكشفوا عورتهم، أي صاروا في عار وخزي، وقتلوا أولادهم وبناتهم، وصار بنو إسرائيل كامرأة خائنة ذاقت مرارة خيانتها أمام كل النساء، عبرة ومثلًا لهن! هذه صورة حيَّة لطبيعة الخطيئة وفاعليتها، إنها مخادعة وجذابة، يجري وراءها الإنسان ظنًا منه أنه يجد فيها الشبع الجسدي والنفسي، لكنها سرعان ما تحدره تحت قدميها وتفقده كرامته وتحرمه سلامه، كما تضره جسديًا، وروحيًا ونفسانيًا. لقد وصف سليمان الحكيم عمل المرأة الزانية في حياة الساقطين في حبائلها هكذا: "عند كل زاوية تكمن، فأمسكته وقبلته. أوقحت وجهها وقالت له: عليَّ ذبائح السلامة، اليوم أوفيت نذوري، فلذلك خرجت للقائك لأطلب وجهك حتى أجدك. بالديباج فرشت سريري، بمُوشَّي كتان من مصر. عطرت فرشي بمُرّ وعود وقرفة، هلم نرتو ودًا إلى الصباح، نتلذذ بالحب... أغوته بكثرة فنونها بملث شفتيها طوحته. ذهب وراءها لوقته كثور يذهب إلى الذبح، أو كالغبي إلى قيد القصاص. حتى يشق سهم كبده كطير يسرع إلى الفخ ولا يدري أنه لنفسه" (أم 7: 12-23). 2. خيانة أهوليبة: لم تنتفع الأخت الصغرى "أورشليم" لا من سقطة صباها في مصر بالاشتراك مع أختها الكبرى (قبل الانقسام)، ولا من تجربة أختها الكبرى أهولة التي جرت وراء آشور وعبدت آلهتهم فسقطت في السبي، بل بالعكس في الفترة الأخيرة ملأت كأس شرها أكثر مما فعلته السامرة قبلها، إذ يقول الرب: "فلما رأت أختها أهوليبة ذلك أفسدت في عشقها أكثر، منها وفي زناها أكثر من زنا أختها" [11]. حقًا بعد الانقسام ظهر ملوك يهوذا أكثر قداسة من ملوك إسرائيل وحينما انحرفت حاول بعض المصلحين نزع الرجاسات، لكنها سرعان ما عادت مرة أخرى في أيام منسى إلى الفساد بطريقة بشعة أكثر مما كان لإسرائيل في أيام شره، ثم امتد هذا الفساد زمانًا. وقد أوضح هذا الأصحاح ملامح هذا الفساد: أ. عشقت أورشليم بني آشور الولاة من أجل فخامة ملابسهم التي ترمز إلى فخامة أجسادهم وعظمة مظهرهم، مع قوتهم وشهواتهم كشبان، فانخدعت بهذه الأمور كأختها. لم تتعلم أورشليم من السامرة الدرس، بل صنعت ما هو أشر، إذ أرسل آحاز ملك أورشليم إلى فلاسر ملك آشور يقول له: "أنا عبدك وابنك اصعد وخلصني من يد ملك آرام ومن يد ملك إسرائيل القائمين عليَّ، فأخذ آحاز الفضة والذهب الموجودة في بيت الرب وفي خزائن بيت الملك وأرسلها إلى ملك آشور هدية" (2 مل 16: 7-8). ب. لم تكن هناك فرصة لرجال آشور لإغراء أورشليم، إنما أرسلت أورشليم إليهم تطلبهم ليصنعوا الشر معها، قبل أن تراهم أو تلتقي معهم، إنها مجرد رأت صورهم على الحائط، فبُهرت بهم عند لمح البصر. كان الشر قد صار كامنًا في قلبها. تجري إليه وتسعى وراءه، لا الشر هو الذي يبحث عنها ويحاول إغراءها. يسقط الشباب أحيانًا فيما يسمونه بالحب لأول نظرة أو من أول لقاء مع شخص من الجنس الآخر، ويرى علماء النفس في هذا الحب نوعًا من عدم النضوج، لأنه لا يقوم على دراسة فكرية مرتبطة بالجانب العاطفي... إنما هو قرار يأخذه غير المختبرين. أما يهوذا فلم يسقط في الشهوة عند أول نظرة، وإنما من خلال صورٍ على الحائط!! إنها لا تعرف النضوج!! ج. لم يقف الأمر عند سقوطها مع آشور، لمجرد رؤية صور رجاله في لمح البصر، لكنها أيضًا عادت إلى فرعون مصر تطلب الشر كما فعلت قبلًا في صباها [19]. وكأنها إنسانة بشعة تطلب هذا وتجري وراء ذاك بتهور وبلا شبع. هنا أيضًا إشارة إلى الاتكال على فرعون مصر لينقذ أورشليم ضد آشور كما فعل صدقيا الملك. الفتاة التي تعشق شابًا وتعلن له أنها قد كرست كل قلبها له وحده، ثم تعود لتمارس نفس الأمر مع آخر من وراء الأول تُحسب إنسانة "لعوب"، تخدع هذا وذاك... فماذا لو كانت تفعل هذا مع شاب ومع عدوه في نفس الوقت. هذا ما فعلته مملكة يهوذا، في علاقتها مع آشور وفرعون مصر! كانت أهولة تمثل صورة رمزية للنفس التي جذبتها وخدعتها فكانت براقة وجميلة جذابة، لكنها قاتلة ومميتة، أما أهوليبة فتمثل النفس التي تجري وراء الخطيئة، تسعى إليها بلا تفكير، في تسرّع، وبلا شبع، تتخبط يمينًا ويسارًا. 3. عقاب أهوليبة: إذ لم ترتدع أورشليم بعد أن رأت بنفسها سبي السامرة أختها، بل زادت عنها في فسقها، استخدم الرب محبيها - بابل وكل الكلدانيين خاصة قبائل الحرب فقود وشوع وقوع وكل بني آشور - لتأديبها. أما فقود فهي قبيلة آرامية كانت تسكن في السهل شرقي نهر الدجلة، على مسافة غير بعيدة من مصبه (إر 50: 21). وشوع هو اسم سامي معناه "غنى"، اسم قبيلة آرامية تقطن شرقي بابل وكانت دائمًا في حرب مع الآشوريين، وكان الآشوريون يدعونهم في سجلاتهم "سوتر". وقوع قبيلة اشتركت مع البابليين في الهجوم على أورشليم، ويرجح أنها القبيلة التي تُدعى "قوتو" في وثائق الآشوريين، وقد سكنت شرقي نهر دجلة. إذ أُعجبت بهذه القبائل كرجال حرب، ورؤساء مركبات [23] أسلمها لهم ليذلوها عندما هاجمت بابل أورشليم وحطمت كل إمكانياتها وشوَّهت كل جمال فيها، إذ يقول الرب: "يقطعون أنفك وأذنيك وبقيتك تسقط بالسيف، يأخذون بنيك وبناتك وتؤكل بقيتك بالنار، وينزعون عنك ثيابك ويأخذون أدوات زينتك، وأبطِّل رذيلتك عنك وزناك من أرض مصر فلا ترفعين عينيك إليهم ولا تذكرين مصر بعد" [25-27]. إنهم يقطعون أنفها، أي ملكها الذي ينبغي أن يكون في مقدمتها له حاسة التمييز فيدرك الطريق الآمن ويميزه عن الطريق الخطر. فإذا أساء التصرف والتجأ إلى فرعون مصر ضد ملك بابل يقطعونه عن أورشليم. أما بالنسبة لنا فثمر الخطيئة هي فقداننا روح التمييز الذي به ندرك الحق ونرفض الباطل، فنحيا بلا تذوق للحق ولا إدراك للمعرفة. أما قطع الأذنين فيشير إلى سبي الكهنة ومشيري الملك، الذين عوض أن ينصتوا للأنبياء الحقيقيين استمعوا للمشورات الشريرة الكاذبة، ودفعوا الشعب للهلاك. هكذا إذ نفتح آذاننا للمشورات الباطلة نفقد سماعنا لصوت الرب، كعالي الكاهن الذي لم يسمع نداء الله الذي سمعه الطفل صموئيل. أما بقية أورشليم فتسقط بالسيف، إشارة إلى الشعب الذي يهلك بسبب هذه التصرفات. هذا يرمز إلى الجسد الذي يتدنس ويهلك بسبب حرماننا من نعمة التمييز وعدم سماعنا للصوت الإلهي. أما حرق الأبناء والبنات في النار، فيتم باستخدامهم ذبائح بشرية للإله بيل أو ملوخ. هذه إشارة إلى تبديد الطاقات والمواهب التي كان يجب إن تقدم لمجد الله وبنيان النفوس، فتُستخدم لحساب الشيطان وتحطيم النفس وعثرة الآخرين. نزع الثياب وسحب أدوات الزينة منها يشير إلى دخولها في عار وخزي علني أمام الأمم. هذه هي نهاية الخاطئ الذي يفقد كل كرامة له ويصير في خزي أمام الكل، خاصة في يوم الرب العظيم، إذ يقول: "وتكونين للضحك والاستهزاء" [32]، إذ يصير مثلًا وعارًا بعد أن تحطمه الخطيئة تمامًا. 4. خطاب ختامي للأختين: يعتبر هذا الخطاب حديثًا ختاميًا يوجهه الرب للأختين معًا يكشف لهما فيه عن شرهما بصورة واضحة ويعلن عن بشاعته، سواء من جهة الرجاسات أو سفك الدم: أ. لقد ارتكبتا خيانة زوجية، إذ تركتا الله وجرتا وراء الأصنام، ثم عادتا تنجسان مقادسه وتدنسان سبوته، فصارتا أشر من الأمم. هكذا إذ ينحرف المؤمن، يخلط المقدسات بالشر، فيجدف على اسم الله ومقدساته بسبب تصرفاته. ب. ارتكبتا أبشع أنواع الجرائم البربرية، مثل تقديم أولادهما ذبائح للإله ملوخ، الذين هم أولاد الله. ج. أرسلتا إلى رجال آتين من بعيد ليرتكبوا معهما الشر، وقد تزينتا بكل زينة، واستخدمتا بخور الله وزيته في الشر. وكأنهما لم يسقطا عفوا ولا نتيجة غواية من الآخرين، بل دبرتا خطة الشر بنفسيهما واستخدمتا حتى المقدسات الإلهية لتدفع الغير لارتكاب الشر معها. د. لقد قبلتا من الرعاع أسورة في يديهما وتاجًا على رأسيهما عوض مواهب الله وأكاليله الأبدية. بهذا استحقتا التأديب بيد هؤلاء الذين اشتركتا معهم في عبادة أصنامهم ورجاساتهم وسلمتا جسديهما وقلبيهما لهم، فيصيرا عبرة للجميع فلا يرتكبون فظائعهما [48]. ولعله قصد بهذا أن كنيسة العهد الجديد التي جاءت من الأمم، والتي كانت أممية وزانية، إذ رجعت إلى الله من خلال الإيمان بالسيد المسيح ودخلت إلى حياة الطهارة تستفيد من الدرس الذي تحقق في هاتين المملكتين قديمًا. من وحي حزقيال 23 هب لي أن أنتفع من سقطات إخوتي! * هب لي أن أنتفع من سقطات إخوتي. سقطت السامرة عاصمة إسرائيل، فلم تنتفع أورشليم عاصمة يهوذا، إذ ظنت أنها فوق كل قانون! عوض التوبة سقطت في الرجاسات، وصارت أكثر فسادًا من أختها! علمني يا رب ألا أُدين أحدًا، ولا أشمت في أحد، ولا استكبر، بل أتعظ من سقطات إخوتي! * أعترف لك بضعفي، وأصرخ إليك طالبًا مراحمك. اسندني، واسند اخوتي! أعني وأعنهم، متى نخلص جميعًا، وننعم بشركة أمجادك يا محب البشر؟! |
||||
03 - 02 - 2023, 11:35 AM | رقم المشاركة : ( 6 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر حزقيال
الحصار النهائي هذا هو ختام الحديث عن سبي يهوذا النهائي وتحطيم مدينة الملك العظيم، بدأت رؤياه بالمركبة النارية الإلهية لكي يلتهب قلبه رجاءً وسط الأنباء المُرّة (ص1)، وانتهت بهذا الحديث المُرّ، القدر المُلقى داخل النار، وتنهدات قلبه المكتومة كنار متأججة في داخله من أجل موت زوجته -شهوة عينيه- فجأة دون أن يبكيها أو يعلن حزنه عليها. 1. القدر والنار: حدد الرب لحزقيال النبي السنة التاسعة من حكم يهوياقين في الشهر العاشر في اليوم العاشر كيوم اقتراب نبوخذنصَّر من أورشليم. لقد طلب الرب منه أن يدَّون هذا التاريخ في مذكراته، وقد جاء مطابقًا لتاريخ حصار أورشليم النهائي (2 مل 25: 1)، وكأن الرب أراد أن يعلن أن ما يحدث ليس وليد المصادفة ولا هو خطة بشرية لكنها أحداث تتم بسماح إلهي بخطة مرتبة في توقيت دقيق. طلب الرب من حزقيال أن يضرب مثلًا "للبيت المتمرد" [3]، الذي يصير حالًا بيتًا خربًا ومدمرًا، فقد شبه أورشليم بالقدر المملوء زنجارًا (صدأ) وقد جمع فيه قطع لحم "طيبة، الفخذ، والكتف" وأن تملأ بخيار العظام لكي تغلي فتسلق عظامها في وسطها. وكانت كلمات الرب: "ويل لمدينة الدماء، القدر التي فيها زنجارها وما خرج منها زنجارها. أخرجوها قطعة قطعة، لا تقع عليها قرعة... كثِّر الحطب. أَضْرِم النار. أنضج اللحم، تبِّله تتبيلا، ولتُحرق العظام، ثم ضعها فارغة على الجمر ليحمي نحاسها ويحرق فيذوب قذرها ويفنى زِنجارُها" [6-11]. لقد رأى أورشليم كقدر والنار متقدة تحتها كما سبق أن رآها إرميا النبي (1: 13)، لكنها بخلاف المفهوم الذي حمله رؤساء الشعب حينما ظنوا أن أورشليم هي القدر الذي يحمي اللحم داخلها، فلا يقدر أحد أن يقترب إليه مادام في داخل القدر(خر 11: 3)، إذ ظنوا أن أورشليم تبقى سورًا نحاسيًا تحمي من بداخلها، يُدافع عنها الله مهما تكن الظروف لأنها مدينته. هنا يعلن حزقيال النبي العكس، إنها القدر الذي يسكب الله نار غضبه تحتها بسبب زنجارها أي فسادها. فالنار تُشير إلى مرارة السبي وتدمير لمن فيها بأمر إلهي، إذ يقول الرب للكلدانيين: "كثِّر الحطب، أضرم النار". لقد تزايدت جدًا في شرها لهذا تحتاج إلى نيران كثيرة لتأديبها. أما وضع الماء مع القطع داخل القدر فإشارة إلى حالة الرخاوة التي صارت إليها يهوذا، قادة وشعبًا. لقد صار الكل كالماء لا حول له ولا قوة، كله ميوعة! أما وضع القطع المختارة من الفخذ والكتفين مع العظام فإشارة إلى أنه لا يفلت العظماء والمسئولون كما لا يفلت الشعب. الكل يسقط تحت النار، ويخرجون قطعة قطعة ولا تقع عليهم قرعة، علامة خروج الجميع من المدينة بلا اعتبار لكرامة أحد أو قدراته أو إمكانياته، يتشتت الجميع في أرض غريبة بلا ترتيب. تُفرغ أورشليم من شعبها، وتدمَّر لكي تُطهر من صدأها المتكاثر، حيث دخلت العبادة الوثنية إلى هيكل الرب ومقدساته، على كل مرتفعة في الجبال والتلال، كما في الوديان وعلى ضفاف النهر، وتحت كل شجرة خضراء! إنها صورة رهيبة لأورشليم المتقدة نارًا، لكن ليس بلا هدف. إذ يرى القديس جيروم أنه في هذا عودة للإصلاح، قائلًا: [وضع اللحم في القدر يعني أن الخطاة يصيرون لطفاء. فتتغير قساوتهم ويتحولون نحو الله، فتصير قلوبهم الحجرية قلوبًا لحمية... يا للرحمة العظيمة! يا له من سر عظيم! توضع قطع اللحم في القدر لكي يذوب قلب الإنسان ويعرف أنه هو الرب!]. 2. وفاة زوجته: هذه خاتمة إعلانات الله لحزقيال النبي عن سبي يهوذا النهائي وهلاك المدينة، لقد بلغت الذروة حينما صار له الأمر الإلهي بأن زوجته تموت، وأن يعلن ذلك لرجال يهوذا، لا يذرف عليها دمعة، ولا يصنع مناحة ولا ينطق بكلمة حزن، يلف عصابته ويلبس نعليه ولا يُغطي شاربيه ولا يأكل من خبز الناس مع أن زوجته هذه هي شهوة عينيه! وبالفعل كلم الشعب هكذا وفي المساء ماتت زوجته لينفذ كل ما أمر به في اليوم التالي. إنها صورة مرعبة لتدمير الشعب، العروس المحبوبة لدى الله، لكنه ليس من يبكي ولا من يسكب دمعة واحدة من شدة الحزن القاتل، فيتوقف اللسان عن الكلام وتجف الدموع، ويُبتلع الإنسان من الحزن الداخلي، ويصير كمن هو في ذهول. لقد تحقق ذلك بالفعل، وكان ذلك آخر سهم يصيب حزقيال النبي بكونه قد صار آية لهم (24، 27)... يتنهد في مرارة داخله ولا يقدر أن ينطق، لقد رفض أن يقبل خبز الناس، أي خبز الحزن، حيث اعتاد الشرقيون أن يرسلوا طعامًا في بيت الحزن ليأكلوا... إنه لن يقبل شبعًا من يد بشرية ولا تعزية من إنسان! لم يصنع مناحة على زوجته، لأنه لا يوجد في أورشليم من يبكي على قتلاها والمطرودين منها. أما لف العصابة عليه واحتذاؤه بالنعلين وعدم تغطية شاربيه فعلامة أنه لا مجال للبقاء في البيت للحزن... الكل يخرج ويهرب، ليس من يبكي ميتًا! أخيرًا تمت وفاة زوجته مساءً في الظلمة علامة عدم استعدادهم لهذه الأحداث رغم التحذيرات الإلهية المستمرة خلال الأنبياء. من وحي حزقيال 24 * شبهت شعبك باللحم الذي في قدر به صدأ، تشتعل النيران بلا نفع، لأن اللحم يصير ناضجًا، لكنه مسموم! * اسمح لي يا رب أن أنتفع بنار تأديبك، إنزع عن قلبي صدأ الخطية، واقتلع جذور السموم من أعماقي، عندئذ أنتفع بنيران تأديبك، وأصير طعامًا نافعًا! * سمحت لنبيك أن تموت زوجته، إنها شهوة عينية التي أحبها، لكنه لا يبكيها ولا يقبل عزاءً فيها من إنسان! ماتت في المساء وسط الظلمة، هكذا تموت نفسي الثمينة جدًا، تموت وسط ظلمة الخطية، لا أطلب تعزية من بشر، إنما أطلب عونك وتعزيتك، أنت وحدك قادر أن تُقيمها من ظلمة قبرها، وتجعلها هيكلًا مقدسًا لروحك القدوس! |
||||
03 - 02 - 2023, 11:50 AM | رقم المشاركة : ( 7 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر حزقيال
نبوات ضد الأمم لتأديبهم إذا دخلت أورشليم في الحصار وسقطت تحت التأديب بدأ حزقيال النبي يعلن عن إقامة الملكوت الجديد، الأمر الذي يحتاج أولًا إلى تحطيم الشر، فجاءت النبوات ضد الأمم الغريبة الشامتة في الشعب رمزًا لتحطيم قوى عدو الخير إبليس للدخول في الإصلاح الحقيقي في العصر المسياني، وعودة البشرية من سبي الخطيئة، وكأن الإصلاح يتحقق بواسطة جانبين متلازمين ومتكاملين: هدم مملكة الشر، وإقامة مملكة الله. هذا ما رأيناه في دراستنا لليتورجيات الخاصة بالمعمودية ، فقد ظهر الخط واضحًا في جحد الشيطان وطرد قوى الشر من جانب وقبول مملكة المسيح من جانب آخر. وكأن طالب العماد، لكي يُقبل في الجيش الروحي للخلاص، يلتزم باعتزاله جيش إبليس. لهذا يقول الأب ثيؤدور المصيصي لطالبي العماد: [مادام الشيطان الذي أطعتموه مرة خلال رأس جنسكم (آدم) هو علة كل الشرور التي تلحق بكم لهذا يجب أن تتعهدوا بتركه] [الآن قد أُخْتِيرت لملكوت السموات، ويمكن التعرف عليك، إن فحصك أحد يجدك جنديًا عند ملك السماء ]. عددهم الرمزي: لاحظ القديس جيروم في تفسيره للمزامير أن عدد الشعوب المقاومة في العهد القديم كما وردت في (مز 83) أحد عشر وليس اثني عشر. فإنهم وإن كانوا أقوياء ومعاندين لكنهم لم يبلغوا رقم الكمال (12) الذي يشير لملكوت الله على الأرض... يبدو العدو قويًا لكننا متى تسلحنا بالله نفسه يضعف للغاية. لهذا إذ صرخ المرتل قائلًا: "اللهم لا تصمت لا تسكت ولا تهدأ يا الله، فهوذا أعداؤك يعجبون ومبغضوك قد رفعوا الرأس" (مز 83: 1-2) يعود فيقول: "يا إلهي اجعلهم مثل الجل، مثل القش أمام الريح، كنار تحرق الوعر، كلهيب يشعل الجبال، هكذا اطردهم بعاصفتك وبزوبعتك روعهم. املأ وجوههم خزيًا فيطلبوا اسمك يا رب. ليخزوا ويرتاعوا إلى الأبد، وليخجلوا ويبيدوا" (مز 83: 13-17). لهذا كان القديس يوحنا الذهبي الفم كثيرًا ما يؤكد أن الشيطان وإن تظاهر بسلطان عظيم لكنه بلا سلطان علينا، إنما يخدعنا ويضللنا. والخطيئة وإن كان قتلاها أقوياء، لكنها في حقيقتها ضعيفة وعاجزة إن رفضناها. بخوفنا نسقط تحت أسر الشيطان ونقبل الخطيئة في داخلنا فنصير تحت ذلها. غير أن الأمم التي تنبأ ضدهم حزقيال هم سبعة إشارة إلى تحطيم كل قوى الشر، لأن رقم 7 يشير إلى الكمال، فلا يكون لها مجال في ملكوت الله. كما يلاحظ أنه لم يذكر بابل ضمن هذه الأمم الغريبة ربما لأنها هي الأداة التأديبية التي يستخدمها الله. أخيرًا فإن حزقيال لم ينفرد وحده بهذه النبوات بل أعلنها أيضًا إرميا (46-51) وإشعياء(13-23) وعاموس (1، 2) وصفنيا (2: 4-15). نبوات ضد أربع أمم شامته إن كانت إسرائيل في العهد القديم تشير إلى شعب الله فإن الأمم المعادية لها كانت في القديم رمزًا للشر والخطيئة، لهذا فإن كان الله قد أعلن تأديبه لشعبه في أحاديث طويلة وبطرق متنوعة، لكنه يعود فيعلن تحطيمه للشر من خلال هذه الرموز. وقد بدأ بالأعداء الأربعة الذين ترجع عدواتهم للشعب إلى ما قبل قيام المملكة، وإن كانت العداوة تزايدت على مر الأيام، هؤلاء الأعداء هم: بنو عمون، موآب، أدوم، الفلسطينيون. بنو عمون من نسل بني عمِّي ، ابن لوط (تك 19: 38). كانوا قساة القلوب، يقدمون أولادهم ذبائح للإله مَلْكوم (1 مل 11: 5-33)، كما كانوا يعبدون كموش إله الموآبيين في أيام يفتاح (قض 11: 24). تحالفوا مع بني موآب ضد بني إسرائيل، لذلك حكم الله عليهم ألا يدخل منهم أحد في جماعة الرب حتى الجيل العاشر (تث 23: 3). كانوا في حرب دائمة معهم (1 صم 11: 1-10، 2 صم 12: 26-31، 2 أي 20: 1، 2 مل 24: 2). وحينما سقطت يهوذا تحت السبي البابلي أقام ملك بابل جدليا في أورشليم حاكمًا من قبله فصار يجمع البقية الباقية من اليهود، فأرسل بعليس ملك بني عمون إسماعيل بن نثنيا وقتله ليُشتت اليهود (إر 40، 41)، وكانوا دائمًا يسخرون باليهود ويهزأون بهم في سبيهم لهذا هددهم إرميا النبي بالدمار (49: 1-6)، وعاموس (2: 13-15) وصفنيا (2: 8، 11). وقد عارضوا نحميا في بناء السور بعد السبي (نح 4: 3، 7). أخيرًا حاربهم اليهود في عهد المكابيين وانتهى تاريخهم بالتدريج في العهد اليوناني والعهد الروماني، وأقيمت مدينة عمان على بقايا عاصمتهم ربة عمون. لقد طلب الرب من حزقيال النبي أن يجعل وجهه ضد بني عمون ويتنبأ عليهم [2]، وكأنه يمثل الله إذ "وجه الرب ضد عاملي الشر ليقطع من الأرض ذكرهم" (مز 34: 16). فإن كان الرب قد أعلن تأديباته ضد إسرائيل إنما لتوبتهم، أما بنو عمون وهم يمثلون خطية الكبرياء فإن الله يوجه وجهه ضدها ليبيدها. يمثل بنو عمون خطية الكبرياء، التي هي أولى الرذائل، إذ يقول: "من أجل أنك قلت هه على مقدسي... من أجل أنك صفقت بيديك وخبطت برجليك وفرحت بكل إهانتك للموت على أرض إسرائيل..." [3-6]. لقد وقفت في عجرفة تتفاخر على مقدس الرب، وتهلل بيديها وتخبط برجليها وتفرح بما حلّ بأورشليم، الأمور التي لم يَرَها حزقيال إذ كان في أرض السبي لكن الرب كشفها له. لهذا يذلها الرب ويسلمها لبني المشرق [4] يستغلون كل إمكانياتها ويجعلون عاصمتها "ربة" مناخًا للإبل وكل مدنها مربضًا للغنم [5]. في كبرياء شمتت في خراب يهوذا وبليتها ولم تعلم أنه بعد خمس سنوات يعود نبوخذنصَّر ويهاجمها ويخرب عاصمتها المدينة الجميلة الغنية "ربة" فتصير خرابًا وتأتي القبائل من شرق عمون: قبائل الآراميين Aramaean والعربية وتستخدمها مناخًا (اصطبلًا) للإبل وتتحول مدنها إلى مربض للأغنام. حينما يتعالى الإنسان بالكبرياء يسقط، فيصير بهاؤه خرابًا، ويصير قلبه مرعى للحيوانات: "تربض في وسطها القطعان كل طوائف الحيوان" (صف 2: 14). يتحول الإنسان من إنسانيته الرقيقة التي خلق بها على صورة الله ومثاله إلى الحيوانية المفترسة غير العاقلة. هذا ما فعلته الكبرياء بالملك بلطشاصَّر، طُرد من بين الناس وصار مسكنه مع حيوان البر وطعامه العشب كالثيران (دا 4: 25). لهذا كان الآباء الكنسيون يهتمون جدًا بالتمتع بروح الاتضاع والهروب من الكبرياء، حتى قال أحدهم: "لا تسكن في موضع له اسم، ولا تجالس إنسانًا عظيم الاسم" . كما قال القديس باسيليوس الكبير: [إن أردت أن تكون معروفًا عند الله فاحرص ألا تكون معروفًا عند الناس ]. وقال الأنبا تيموثاوس: [إذا كرَّمك الناس فخف جدًا... اهرب من كرامة الكثيرين، لئلا يغرقوا مركبك ]. 2. نبوات ضد موآب: أن كان بنو عمون هم نسل بني عمى ابن لوط من ابنته الصغرى، فإن موآب هو الابن الذي من ابنته الكبرى، وقد دعي هكذا لأن أمه أنجبته من أبيها لوط فدُعِىَ موآب أي "من الأب" أنجبته من أبيها وهو في حالة سُكْر وعدم وعي. هذا ما دعى القديس جيروم أن يعتبر موآب يشير إلى الشيطان والخارجين عن الله أبيهم، الذين لا يفكرون في أبيهم . امتدت ذرية موآب في شرقي بحر لوط وطردوا الإيميين من هناك (تث 2: 11)، وعبدوا الإله كموش. كانت علاقتهم بالعبرانيين أحيانًا طيبة، فقد أوصى الله العبرانيين ألا يأخذوا أرضهم (تث 2: 11)، لكن غالبية الوقت كانت العلاقة عدائية، ففي أيام القضاة أخضع الموآبيون العبرانيين ووضعوا عليهم جزية إلى أن قتل أهود عجلون ملك موآب (قض 3: 12-30)، وكانت راعوث الفتاة المحبة لحماتها موآبية. حارب شاول الملك الموآبيين، وحينما هرب داود من أمام وجهه جعل والديه تحت حمايتهم (1 صم 22: 3-4)، لكنه إذ صار ملكًا ضربهم بشدة (2 صم 8: 2) وجعلهم عبيدًا له. وبعد موت سليمان صارت موآب جزءًا من المملكة الشمالية، وفي مُلك يهوشفاط هجموا على اليهودية لكنهم انهزموا أمامها (2 مل 3)، وبعد ذلك صارت موآب تارة خاضعة وأخرى مستقلة. وفي أيام الملك يهوياقيم حالفت موآب الكلدانيين ضد يهوذا (2 مل 24: 2). في نبوته ضد موآب ربط بها سعير [8] مركز الأدوميين لاتحادهما في الشر. ويلاحظ أن كلمة "سعير" عبرية تعني "كثرة الشعر"، أطلقت على الأرض التي استولى عليها عيسو أو أدوم ونسله من الحوريين (تك 32: 3)، وكانت تسمى جبل سعير لأنها منطقة جبلية، تقع على الجانب الشرقي من البرية العربية، وهي جبل سعير الذي في أرض يهوذا (يش 15: 10). إن كانت دولة بني عمون تشير إلى خطيئة الكبرياء، فإن موآب تشير إلى "روح عدم التمييز"، فقد ظنت أنه لا فرق بين الله الحيّ والإلهة الوثنية، وحسبت بهلاك يهوذا وتدمير أورشليم أنه لا خلاص للشعب مرة أخرى: "يقولون هوذا بيت يهوذا مثل كل الأمم" [8]. لهذا يؤدبهم الرب بفتح مدنهم الحصينة التي على الحدود "بيت بشيموتوبعل معونوقريتايم " التي هي سر قوتهم ليُحطمها الكلدانيون ويتركوها خرابًا فيأتي بنو المشرق ويستخدمونها للحيوانات كما يفعلون ببني عمون. إن كان بنو عمون قد فقدوا حياتهم بسبب كبريائهم. هكذا يفقد بنو موآب حياتهم بسبب عدم التمييز أو الإفراز. وكما يقول القديس مار أفرام السرياني: [وبغير طين لا يُبنى البرج، بغير معرفة لا تقوم فضيلة]. 3. نبوات ضد آدوم: "آدوم" معناها "أحمر" أو "دموي (سافك دم)"، كما تعني "من الأرض" لهذا يشير بنو آدوم إلى سفك الدم أو خطيئة الظلم. "آدوم" هو لقب عيسو الذي كان عنيفًا يحمل عداوة ضد أخيه يعقوب، أُطلق هذا الاسم على الإقليم الذي يسكنه عيسو، أي على أرض سعير (تك 32: 3)، وهو إقليم جبلي وعر، استولى عليه عيسو ونسله بعد طردهم الحوريين (تث 2: 12). لم يأذنوا للعبرانيين أن يعبروا في أرضهم بعد خروجهم من مصر (عد 20: 14-41)، وإن كانوا يُعتبرون إخوة لهم (تث 23: 7-8). غزا داود آدوم وأقام عليها حراسًا (عد 24: 18)، فهرب هدد - أحد أمراء آدوم - إلى مصر وصار خصمًا لسليمان (1 مل 11: 14-22). في أيام يهوشفاط غزا الأدوميون والعمّونيون والموآبيون يهوذا لكنهم عادوا يحاربون بعضهم البعض (2 أي 1: 20، 22، 23). وقد عاون الأدوميون إسرائيل ويهوذا في حربهم ضد ميشع ملك موآب (2 مل 3: 4-27) لكنهم ثاروا في أيام حكم يورام بن يهوشفاط فقهرهم، لكنه لم يقدر أن يخضعهم (2 مل 8: 20، 1 أي 21: 8-10). وقتل أمصيا عشرة آلاف من الأدوميين إذ طوح بهم من فوق قمة الصخرة فقتلهم في وادي الملح وأخذ منهم سالععاصمتهم (2 مل 14: 7، 2 أي 25: 11-12). غزا الأدوميون سبط يهوذا، وأخذوا منهم أسرى في أثناء حكم آحاز... وقد ابتهجوا عند تخريب نبوخذنصَّر أورشليم (مز 137: 7). كما استولوا عليها حتى مدينة حبرون. وقد تنبأ الأنبياء ضدها بسبب عدائها الشديد لإسرائيل، كما تنبأوا بإدماجها ضمن ملكوت الله (إر 49: 7-22، مرا 4: 21-22، يؤ 3: 19 إلخ). وفي القرن الخامس ق.م. طردهم الأنباط من جبل سعير، وفي القرن الثاني ق.م استولى يهوذا المكابي على حبرون وغيرها من المدن التي استولى عليها الأدوميون (1 مكابيون 5)، وقد أرغم يوحنا هركالوس الأدوميين على الاختتان وأدخلهم ضمن جماعة اليهود، وكان هيرودوس الكبير أدوميًا. إن كانت أدوم تشير إلى خطيئة الظلم وسفك الدم، فإنه بالكيل الذي به تكيل يكال لها. هي انتقمت لهذا يقول الرب "أمد يدي على أدوم وأقطع منها الإنسان والحيوان" [13]. ومن يقتل بالسيف فبالسيف يقتل. إنه صيِّرها خرابا من التيمنفي الشمال إلى دوانفي الجنوب حيث يسقطون بالسيف. 4. نبوات ضد الفلسطينيين: كان الفلسطينيون في العهد القديم يمثلون عداوة شديدة لشعب الله، ويفسر القديس جيروم اسمهم "موت بسبب جرعة سامة" لذلك كانوا في رأيه يمثلون الذين يشربون كأس غواية الشيطان فيسقطون سريعًا، إنهم انتقموا من يهوذا مثل بني آدوم، ولعل الأخيرون قد أغووهم على ذلك. على أيه الأحوال هزمهم نبوخذنصَّر بعد سقوط أورشليم بوقت ليس بطويل. استئصاله الكريتيين، ربما قصد بهم جماعة فلسطينية كانوا قد قدموا من جزيرة كريت في الربع الأول من القرن الثاني عشر ق.م. العداوة بين العبرانيين والفلسطينيين قديمة من بعد دخول الأولين أرض الموعد حيث احتلوا بعض مدنهم بعد موت يشوع (قض 1: 18)، لكن الفلسطينيون استردوا مدنهم وسقط العبرانيون في قبضتهم (قض 10: 6-7)، ثم أُنقذوا. عاد الفلسطينون فأذلوا العبرانيين أربعين سنة حتى أنقذهم شمشون (قض 14-16). وفي عهد صموئيل النبي استولوا على تابوت العهد (1 صم 4-6) ثم عاد فهزمهم صموئيل بعد عشرين عامًا... ودخلوا في حرب مع العبرانيين أيام شاول الملك، والتجأ إليهم داود الملك مرتين، ولما ملك حاربهم. وبعد موت داود لم نسمع عنهم كثيرًا... من وحي حزقيال 25 حطم يا رب فساد الأمم فيّ! * إني أعلم حبك لكل بني البشر، لجميع الأمم! ما تنبأ عنه أنبياؤك إنما لتحطيم الشر الذي فيّ! من هم بنو عمون إلا الكبرياء الذي يحدر نفسي؟! من هم بنو موآب إلا رفضي أبوتك وانتسابي إلى أب آخر؟! من هم الأدوميون إلا طبيعتي العنيفة سافكة الدماء؟! من هم الفلسطينيون القدامى إلا الارتباك الداخلي؟! حطم يا رب فسادي لكي أتقدس لك! انزع كبريائي فأنعم باتضاعك! ردني إلى أبوتك فأترك أبوة إبليس! جدد قلبي الحجري فيترفق بكل أحد! انزع كل ارتباك في داخلي لأحمل سلامك الأبدي! |
||||
04 - 02 - 2023, 06:57 PM | رقم المشاركة : ( 8 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر حزقيال
نبوات ضد صور بعد أن عرض سريعًا للنبوات ضد بني عمون وموآب وأدوم والفلسطينيين خصص الأصحاحات الثلاثة (26-27-28) للنبواتضد صور، الأصحاح الأول تحدث عن إدانة صور، والثاني مرثاة على صور، والثالث عبرإلى رئيس صور نفسه. أما الأصحاح الأول (26) فتحدث عن: صور مدينة فينيقية شهيرة، ظهرت حوالي عام 2750ق.م .في البر، ولكن مع الزمن ولأسباب دفاعية نقلتإلى جزيرة صخرية مجاورة حملت ذات الاسم مساحتها 142فدانًا، لها ميناءان وهي أقربإلى بني إسرائيل من صيدون وتفوقها في العظمة، لم يحتلها العبرانيون في أيام يشوع. أرسل ملكها مواد البناء لداود الملك (2 صم 15: 11) ولسليمانالحكيم (1 مل 9: 10-14). أسلمالصوريونبني إسرائيلإلى أدوم (عا 1: 9) وجردوهممنسلعهم، وباعوهم عبيدًا لليونانيين (يؤ 3: 5-6). حاصرهمنبوخذنصَّر 13 سنة (585 - 573 ق.م)وأخيرًاتفاوضت معه واعترفت بسلطانه. كما حاصرها الإسكندر الأكبر واحتلها عام 332ق.م. ثم ما لبث أن استعادت مجدها، وبعد موته وقعت تحت صولة السلوقيين ثم أخذها منهم الرومانيون. مر على شواطئها السيد المسيح (مت 15: 21-28)،(مر 7: 24-31) كما اتصلبه قوم من صور (مر 3: 8، لو 6: 17). وقد دخلت المسيحية إليها في العصر الرسولي (أع 21: 3-4)،وقددفن العلامة أوريجانوس في الباسيليكا بصور، وشيد فيها القديس بولينوس كنيسة فخمة ألقي فيها يوسابيوس المؤرخ عظة يوم تكريسها سنة 323. وفيالقرن الرابع وصفها القديس إيرونيموس أنها أشرف مدن فينيقية وأجملها وقال إنها تتجر مع العالم كله. وكانت متميزة عن كل أسقفيات الكرسي الأنطاكي بعد أنطاكية، فكان رئيسها يسلم البطريرك عصا الرعاية أثناء تنصيبه. أما اسم "صور" فهواسم سامي يعني "صخر"،ربما لأنها قامت على جزيرة صخرية، إلا أن القديس جيروم يرى أن كلمة "صور" فيالعبرية تعني "محنة" ، لذا يرى سكانها يمثّلون الساقطين تحت محنة الشيطان وبلاياه. على أيه الأحوال جاءت هذه النبوة (حز 26) ضدصورفي السنة الحادية عشر في أول الشهر، أي بعد خراب أورشليم، لكن لم تكن أية أخبار قد وصلت إليه وإلى المسبيين في المرحلة الأولى، إذ عرف في السنة الثانية عشرة في الشهر العاشر في الخامس من الشهر (حز 33: 21). أما خطيئة صور فهي الطمع إذ استغلت خراب أورشليم؛ لقد شمتت قائلة: "هَهْ قد انكسرت مصاريع الشعوب، قد تحولتْ إليَّ، أمتلئُ إذ خرِبتْ" [2]. كانتأورشليم أشبه بمصاريع (أبواب)الشعوب بأحد معنيين إما أنها كانت قوية كالأبواب المغلقة لا تقدر الشعوب أن تقهرها، فصارت مفتوحة على مصراعيها وخربة يدوسها الجميع، مفتوحة لصور كما لغيرها من الشعوب، وإما أنها (أورشليم) كانت مركزًا للتجارة العالمية وبخرابها انفتحت أمام صور لتغتصب منها كل عملائها وتغتني على حسابها، لأن صور كانت تعيش على التجارة. 2. الله ضدها: إذ طمعت في أورشليم، استغلت خرابها لتمتلئ متهللة مبتهجة لاغتنام هذه الفرصة، لهذا يقف الله نفسه ضدها فيُهيج الأمم عليها كما يرسل البحر أمواجه بلا توقف. إنه يحدثها باللغة التي تفهمها صور كجزيرة وسط البحر. لقد ظنت بخراب أورشليم أن تأتيها السفن من كل العالم تطلب بضائعها فتغتني، لكن هوذا البحر عوض أن يرسل سفنه يرسل إليها أمواجه فيخرب أسوارها ويهدم أبراجها ويسحب ترابها عنها ويجعلها صخرة عارية تمامًا. لقد فرحت لأن أبواب أورشليم المغلقة انفتحت لها قسرًا، هوذا صور نفسها قد صارت بلا أسوار ولا أبواب ولا أبراج، بل بلا تراب، صخرة لا تصلح للحياة، لا يسكنها إنسان ولا يستريح فيها حيوان، ولا ينبت فيها نبات. حقًا إن من يظن في أخيه أنه غنيمة له يجعله الرب غنيمة للآخرين، لا بل يصيّره بلا نفع لشيء قط! هذا هو ثمر الطمع في حياة الإنسان! 3. نبوخذنصَّر يُخربها: إن كان نبوخذنصَّر قد حطم أورشليم، فإنه حاصر أيضًا صور بجيشه ثلاثة عشر عامًا حتى فتحها. صارت غنيمة له ولجيشه، وقد صوَّر النبي حال صور الطامعة في أورشليم في النقاط التالية: أ. يقتل بناتها [8]، وربما هنا يقصد قتل عملائها الذين يأتون من كل العالم يتاجرون معها... وترمز البناتإلى أعمال الجسد وثمره، فالإنسان الشامت في أخيه يصير بلا ثمر. عوض اغتنام صور من وراء أورشليم تفقد كل ثمر مادي! ب. بكثرة جيشه وخيله يغطيها بغبارها، فتفقد كل رؤية وتخسر كل جمالها، فلا يفد إليها تجارها. ج. يقتل شعبها بالسيف فتسقطإلى الأرض أنصاب عزها [11]. علامة قتل شعبها وقادتها الذين يسقطون من العز والكرامةإلى التراب. د. ينهبون ثروتها ويغتنمون تجارتها ويهدمون أسوارها وبيوتها البهجة ويضعون حجارتها وخشبها وترابها في وسط المياه، فتصير صخرة عارية تمامًا من كل شيء حتى من التراب! ه. يبطل أغانيها وصوت العود والفرح [13]. هذا هو عمل الطمع، ليس فقط يخسر الإنسان ما قد طمع فيه، إنما يفقد ثروته وقوته وجماله وفرحه وصحته، ويفقد الآخرين ويصير مجردًا من إنسانيته وكل حيوية فيه! ظنت صور أنها تقتني مكاسب كثيرة بخراب أورشليم، فإذا بها تدخل لا في خسائر مادية فحسب وإنما تفقد بنيها وبناتها. حسبت أنها تصير موضع انشغال العالم بإبادة أورشليم، فإذا بالجيوش تحيط بها فيغطيها الغبار، ويسخر الكل بها. تترقب كرامة وعظمة بانهيار أورشليم فيُقتل شعبها مع قادتها... عوض المكاسب التي تتنبأ بها بخراب أورشليم تصير غنيمة لناهبيها، تفقد كل حصانتها، ويزول جمالها، وتتحولإلى صخرة عارية. صارت تغني وترقص طربًا بهلاك أورشليم، فنُزع عنها الفرح والبهجة! 4. أثرها على الجزائر: "أما تتزلزل الجزائر عند صوت سقوطك عند صراخ الجرحى عند وقوع القتل في وسطك؟! فتنزل جميع رؤساء البحر عن كراسيهم، ويخلعون جببهم وينزعون ثيابهم المطرزة، يلبسون رعدات، ويجلسون على الأرض، ويرتعدون كل لحظة، ويتحيرون منك، ويرفعون عليك مرثاة" [15-17]. انهيار صور يزلزل بقية الجزائر، فقد ظنوا أن هذه الجزيرة الغنية والشهيرة، التي تقف كالصخر وسط البحر لا يقدر أحد أن يهزمها أو يفتحها. لقد انهارت صور، فماذا تفعل البلاد الصغيرة؟!، لا يحتاج الأمرإلى محاربتهم، إنما ينزل الرؤساء عن كراسيهم من الخوف ويخلعون ثياب الملك، وتلبسهم الرعدة، ويجلسون على الأرض في خوف وحيرة! إنهم يرفعون مرثاة على صور وهم في الواقع يبكون حالهم! لقد سقط حنانيا وسفيرة وماتا لأنهما كانا طماعين، كذبا على الروح القدس واختلسا من ثمن الحقل (أع 5: 3)، فصار خوف عظيم على جميع الذين سمعوا بذلك. لقد صارا كصور الطامعة، ففقدا حياتهما مع ممتلكاتهما وفصارا عبرة للآخرين. لعل هذه الجزائر تشيرإلى التجار القادمين إليها للتعامل معها أوإلى السفن القادمة تحمل البضائع من كل العالم... إنها تقدم مرثاة على صور مركز التجارة. يا للعجب حين سقطت أورشليم مدينة الملك العظيم لم تجد من يرثيها بل وجدت من يستهزئ بها ويُعيّرها، أما صور فحين خربت قامت الجزائر ترثيها. أورشليم سقطت لكن الرب أقامها بعد أن تأدبت، أما صور فسقطت فرثاها العالم أما هي فلم تقم بل زالت إلى الأبد! هكذا يسقط المؤمن تحت التأديب وليس من يشفق عليه لكن عين الرب تترفق به وتسنده، أما الشرير المصمم على شره فحين يسقط يرثيه الكثيرون أما هو فلا يقوم! وربما قصد هنا "الشر" ذاتهإذ يسقط ولا يقوم. 5. هبوطها في العالم السفلي: "أُهبطك مع الهابطين في الجب إلى شعب القدم. وأُجلسك في أسافل الأرض، في الخرب الأبدية مع الهابطين في الجب لتكوني غير مسكونة، وأجعل فخرًا في أرض الأحياء، أُصيّرك أهوالا ولا تكونين، وتُطلبين فلا توجدينإلى الأبد" [20-21]. إن كانت صور تمثل خطيئة الطمع، فإنها وإن كانت تبدو في البداية براقة وجذابة ويشتهيها الكثيرون، لكنها مخادعة، تبيد ولا تعود توجد بعد. إنها كغيرها من جميع الخطايا، يظن الإنسان فيها كل شعبه ولذته وسعادته، لكنه سرعان ما يكتشف أنها ليست بموجودة. إنها كالسراب يجري وراءه الإنسان ولا يرتوي.! من وحي حزقيال 26 لتسقط هي فأغتني! *لتسقط هيفأغتني أنا! هذا ما تغنت به صور عندما انهارت أورشليم! انها شامتة طامعة على حساب غيرها! *تُرى ماذااقتنت بصور بخراب أورشليم؟ عوض أن تقتني التجار فقدت بناتها، عوض انشغال العالم بها وحدها صارت غنيمة الجيوش، عوض نوال كرامة قُتل شعبها، وعوض الفرح والغناء صارت صخرة عارية بائسة! *علمنييا رب الحب والرحمة، فلا أشمت بمصائب إخوتي، ولا أستغل هذه الفرص لصالحي! انزع صور من قلبي، وهب لي أن أُبذل لأجل إخوتي، أشاركهم مشاعرهم، وأحسبهم فرحي وإكليلي! |
||||
07 - 02 - 2023, 12:55 PM | رقم المشاركة : ( 9 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر حزقيال
مرثاة على صور طلب الرب من حزقيال النبي أن يرفع مرثاة على صور، جاءت عناصرها هكذا: إن كانت أورشليم تشير إلى النفس التي قبلت نعمة الله - ففي العهد القديم تشير إلى الكنيسة المتمتعة بالناموس الموسوي والأنبياء، وفي العهد الجديد تشير إلى الكنيسة وقد تمتعت بالخلاص الأبدي من خلال النعمة الإلهية في المسيح يسوع - فإن صور هنا تمثل الإنسان الطبيعي: مركزه وإمكانياته وعطايا الله له ثم سقوطه وانهياره من خلال الخطيئة. فما يقوله هنا عن صور إنما يقوله عن الطبيعة الإنسانية كلها. لقد شبهها بسفينة فينيقية في موقع ممتاز، تتعامل مع كثرة من الشعوب، قوية البناء، ثمينة للغاية، فاخرة في صناعتها، طاقمها ممتاز، لا ينقصها شيء. هذا هو الإنسان "عمل يديْ الله محب البشر". لقد أقامها الله "عند مداخل البحر"، إذ تقع صور في شرق البحر الأبيض المتوسط كجزيرة جميلة لها ميناءان، موقعها يجعلها قادرة على جلب التجار من كل بلاد الشرق؛ "تاجرة الشعوب إلى جزائر كثيرة" [3]، "تخومك في كل البحار" [4]. لقد أقام الله الإنسان عند مداخل البحار "فوق كل خليقة أرضية" بكونه على صورة الله، فيتسلط على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم وعلى الأرض وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض (تك 1: 26)، سلمه هذه التجارة ليصير سيدًا لا عبدًا للأمور الأرضية الزمنية؛ جعل تخومه في كل البحار، أي صاحب سلطان على كل شيء. إنه لم يرد أن يخلقنا لنعيش في حالة حرمان مادي أو نفسي، بل أراد لنا شبعًا في كل شيء. وكما يقول القديس غريغوريوس أسقف نيصص: [في مقاله عن الخليقة أن الله لم يخلق الإنسان إلا بعدما خلق العالم كقصر ملوكي، فإنه لا يليق الإعلان عن الملك ما لم يُعد قصره]. أقام الله الإنسان جميلًا في كل شيء، أكمل خليقته على الأرض، لهذا بعد أن خلقه قيل: "ورأى الله كل ما عمله فإذا هو حسن جدًا" (تك 1: 31)... وتقول المرثاة: "بنَّاؤوك تمموا جمالك" [4]، سر جمالنا هو الله الذي بنى حياتنا، ووهبنا الإمكانيات الداخلية والجسد كعطية مجانية من قبله. لكن الإنسان في كبرياء قبله عوض أن يشكر الله ويمجده ينسب كل كمال لنفسه، إذ تقول المرثاة: "يا صور أنت قلت أنا كاملة الجمال" [3]. أما سر جمالها فهو: ألواحها من سرْو سَنير، سواريها من أرز لبنان، مجاذيفها من بلوط باشان، مقاعدها من عاج مطعم في البقس من جزائر كتيم. شراعها كتان مطرز من مصر، غطاؤها أسمانجوني وأرجوان من جزائر أليشة. ملاحوها من أهل صيدون وأرواد، وربابنتها حكماء من صور ذاتها، قلافوها من شيوخ جبيل وحكمائها، رجال حربها (حراسها) من فارس ولودوفوط،.. هكذا قدمت المرثاة تفاصيل كثيرة لمواد البناء للسفينة وجنسية طاقمها وحراسها. ومما يلزم ملاحظته أن السفينة عند الأمم كثيرًا ما تشير إلى رحلة الحياة التي يعيشها الإنسان في العالم ليدخل إلى الميناء، كما أن سفينة نوح رمزت إلى الكنيسة أو إلى الإنسانية المتمتعة بالخلاص الإلهي، لهذا كثيرًا ما تُبنى الكنائس على شكل سفينة وكما يقول الأب هيبوليتس: [البحر هو العالم، نزلت إليه الكنيسة حتى العمق لكنها لم تهلك لأن قبطانها المسيح ماهر. إذ تحمل صليب الرب إنما تحمل الغلبة على الموت في داخلها... البحارة هما العهدان (القديم والجديد). والجبال المحيطة بها هي محبة المسيح التي تربط الكنيسة. الشبكة التي معها هي جرن الميلًاد الجديد الذي يجدد المؤمنين. الروح القدس حال فيها كبحار ماهر يُختم به المؤمنون... لها مراسي من حديد تحتفظ بها، هي وصايا المسيح نفسه، قوية كالحديد! بها نوتية على اليمين واليسار، خدام كالملائكة القديسين يديرون الكنيسة ويحفظونها. السلم الذي نصعد به إلى ظهر السفينة هو تذكار آلام المسيح، به ترتفع قلوب المؤمنين إلى السماء. القلاع فوق السفينة هي شركة الأنبياء والشهداء والرسل الذين يدخلون راحتهم...]. وكما تشير السفينة إلى الإنسانية المتجددة من خلال صليب المسيح، فهي تشير أيضًا إلى الطبيعة الإنسانية قبل السقوط، ولهذا فإن ما ورد في المرثاة من تفاصيل إنما تشير إلى عطايا الله لنا خلال إنسانيتنا من جسد صالح، ونفس عاقلة وعواطف وأحاسيس وميول ودوافع وطاقات مباركة، لأنها هي عمل يدي الله الصالح محب البشر. نستطيع القول أن ألواح السفينة أو عوارضها هي أعضاء الجسد، وساريتها هي العقل، والمجداف هو اللسان، والمقاعد هي بقية الحواس، والشراع هو القلب، والغطاء هو السلوك اللظاهري، والملاحين هم طاقات النفس الداخلية، وربانها هو روح الإفراز والتمييز، والقلافون هم المواهب، والحراس هم الدوافع الداخلية. أ. كل الألواح من سرو سنيز، أي أن كل أعضاء الجسد التي هي بمثابة عوارض السفينة تأتي من جبل النور (سنيز)، وليس كما ظن الغنوصيون أنه من مملكة الظلمة. لهذا كثيرًا ما عالج الآباء هذا الأمر فيقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [هؤلاء (أتباع ماني) يدعون الجسد غدارًا، من أصل شرير... ألا يلزمهم بذلك أن يفقأوا أعينهم لأن الشهوة تدخل إلى النفس عن طريقها؟! لكن الحقيقة ليست العين ولا أي عضو آخر هو الذي يلام إنما إرادتنا الفاسدة وحدها هي موضع اللوم]. كما يقول: [لقد وُهبت لنا الأعين لننظر بها الخليقة، فنمجد السيد الرب، لكننا إن كنا نسيء استخدامها تصير خادمة للزنا...]. كما يقول القديس أغسطينوس: [الروح صالحة، والجسد صالح. والإنسان المكون من الاثنين هو بالتأكيد صالح، سواء كان صلاحه هذا قليلًا أو كثيرًا]. ب. السارية: أي العقل، مأخوذ من أرز لبنان، هذا الذي يُعرف باستقامته، فقد خلق الله للإنسان عقلًا مستقيمًا يقوده كل الطريق بغير انحراف إذ "الإنسان العاقل حقًا له اهتمام واحد، وهو أن يطيع الله القدير من كل القلب وأن يرضيه، وهو يُعّلم نفسه شيئًا واحدًا فقط، وهو كيف يصنع قدر استطاعته ما يوافق الله، شاكرًا إياه على عنايته المتحننة التي تعمل في كل ما يحدث له في حياته". ج. المجداف الذي يقود السفينة هو اللسان، إذ يقول معلمنا يعقوب: "هوذا السفن أيضًا وهي عظيمة بهذا المقدار وتسوقها رياح عاصفة تديرها دفة صغيرة جدًا إلى حيثما شاء قصد المدبر، هكذا اللسان وهو عضو صغير ويفتخر متعاظمًا" (يع 3: 4-5). ويقول القديس يوحنا الذهبي الفم: [أُعطينا لسانًا نعلم ونسبح به الخالق، لكننا إن لم نحترز لأنفسنا يصير علة تجديف]. د. المقاعد هي الحواس التي ينبغي أن تكون من العاج المطعم، أي مملوءة طهارة ونقاوة. يقول القديس يوحنا سابا: [كل من يشاء الآن أن يحفظ نفسه وضميره من الأعمال الشريرة، فليحفظ هذه الحواس ويسلمها في يد الله الأمين معين الضعفاء]. ه. الشراع هو القلب ينبغي أن يكون من الكتان الطرَّز، نقيًا طاهرًا، فإذ يتقدس القلب يصير الإنسان مسكنًا لله، لهذا يصرخ المرتل: "قلبًا نقيًا اخلقه فيَّ يا الله، وروحًا مستقيمًا جدد في أحشائي" (مز 51). و. غطاء السفينة الذي هو السلوك، فمن أسمانجوني أي يحمل الطبيعة السماوية، ومن الأرجوان أي يحمل سمة الملوك. فالسلوك إنما يعبر عما يحمله القلب في الداخل، إن كان القلب مرتفعًا إلى السماء حيث يوجد كنزنا يكون سلوكنا أيضًا متجهًا نحو السمويات، وحيث يوجد عند الله الملك الحقيقي يكون سلوكًا لائقًا بأبناء هذا الملك. لهذا يقول الرسول بولس: "أقامنا معه وأجلسنا معه في السمويات". "اطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله" (كو 3: 1). ويقول القديس يوحنا الدرجي: [عظيم هو ذاك الذي يقهر النار الناشئة عن اللذات الأرضية بواسطة التأمل في مباهج السماء!]. ز. الملاحون أي الطاقات الداخلية للنفس، فيأتي بهم من صيدون وأرواد. فإن كانت "صيدون" تعني "مكان الصيد"، فإن الإنسان الحيّ هو الذي يستخدم كل طاقاته الداخلية للبناء، يعيش كصياد ماهر يعرف كيف يقتنى ما هو للبنيان. إن لم تستخدم للبنيان تصير تلك الطاقات ذاتها للهدم، وإن لم تكن كجنود روحيين لحساب مملكة الله تصير كجنود أشرار لحساب مملكة الظلمة. س. ربانها الذي هو روح الإفراز أو التمييز من صور، أي كالصخرة لا يهتز. هذا هو سر قوة الإنسان الروحي، إنه يسلك بتمييز، يعرف كيف يفصل بين الخير والشر، والحق والباطل، النور والظلمة. فيتقبل ما هو لبنيانه ويرفض ما هو للهدم بقوة دون أن يتزحزح. ش. القلافون أي المواهب، هم من شيوخ جبيل وحكمائها. فقد أعطى الله لكل إنسان مواهب خاصة يضرمها بقوة وحكمة فتكون فيه كشيوخ حكماء، تعمل معًا مع مواهب الآخرين لأجل بنيان البشرية كأسرة واحدة. ص. أما حراسها الذين هم دوافع النفس الداخلية فمن فارس ولود وفوط، رجال حرب متمرنون ومتنوعوا الخبرة، يعملون لحمايتها. من هذه الدوافع الغضب والخوف والأمومة والأبوة والحب إلخ... هذه جميعها دوافع مقدسة إن كانت تعمل في الإطار الروحي للبنيان. فبالغضب ينتفض الإنسان من الخطيئة ويلوم نفسه، وبالخوف يهاب الله ولا يجرح مشاعره وبالأمومة والأبوة والحب يجمع في قلبه محبة طاهرة نحو البشرية بروح الحكمة غير المتهورة. هذه هي رجال الحرب الذين في داخل النفس، يحاربون إما لحسابنا أو ضدنا. فمن يغضب على الآخرين لا على نفسه ومن يخاف الناس لا الله ومن يحب لأجل الشهوة الجسدية يحوّل رجال الحرب ضده. هذه صورة سريعة ومختصرة للسفينة "كاملة الجمال" التي وهبها الله إيانا، أي الطبيعة البشرية قبل انحرافها وسقوطها! 2. حمولتها الثمينة: بعد أن عرض لمواد بناء السفينة الثمين وطاقمها الممتاز وحراسها كجبابرة خبرة، بدأ يتحدث عن حمولتها الثمينة، فقد امتلأت ببضائع قيمة جاءت بها من بلاد كثيرة. إنها تشبه النفس الحكيمة التي تعرف كيف تستفيد من كل إنسان روحيًا، لا تحتقر أحدًا ولا تعتمد على خبرتها منفردة. الإنسان كالنحلة يعرف كيف يمتص من كل زهرة ما هو عذب وجميل! في حديثه عن المواد التي تاجرت فيها السفينة، جاء الترتيب حسب مواقع البلاد، فبدأ بسواحل البحر الأبيض المتوسط، ثم الأراضي الشرقية في ثلاثة خطوط متوازية من الجنوب إلى الشمال. وفيما يلي البلاد المذكورة والمواد التي تتاجر فيها. ترشيش: الفضة والحديد والقصدير والرصاص. ياوان وتوبال وماشك: العبيد وآنية النحاس. بيت توجرمة: الخيل والبغال. ددان Rhodes أو Rodam: العاج والأبنوس. آرام: البهرمان والأرجوان والمطرز والبوص والمرجان والياقوت. يهوذا وإسرائيل: حنطة مِنِّيت وباناج Pannag: اسم مكان أو ربما نوع من الحلوى، ربما قصد به تين مبكر كما في بعض الطبعات وعسل وزيت وبلسان. دمشق: خمر حليون والصوف الأبيض. دان وياوان: الغزل والحديد المشغول والسليخة وقصب الذريرة. دوان: لباد السروج للمركبات. العرب وقيدار: الخراف والكباش والماعز. شبا ورعمة: الطيب والحجارة الكريمة والذهب. حُرَّان وكِنَّة وعدن: ثياب أسمانجونية نفيسة ومطرزة وسجاد غنى الألوان مربوط بحبال مصنوعة من الأرز. هذه قائمة البلاد التي تقوم بالاتجار مع صور والمواد التي تتاجر فيها، وفيما يلي نبذة مبسطة عن بعض هذه البلاد: ترشيش: هذا الاسم غالبًا مشتق من كلمة "رشش"، وجدت في اللغة الأكادية مرتبطة بالمعادن البراقة ومنتجات المناجم، لهذا اشتهر هذا الاسم بمعنى "تكرير المعان". شعب ترشيش جاء عن ياوان (تك 10: 4)، ويعتقد أنها ترتيسوس الواقعة في جنوب أسبانيا قرب جبل طارق، ولعلها هي قرطاجنة المدينة الواقعة شمال غرب أفريقيا. كانت غنية جدًا بالمعادن كالفضة المطرقة، والمصنوعة ألواحًا (إر 10: 9) والحديد والقصدير والرصاص. إن كانت شبا وددان يمثلان التجارة في الشرق، فإن ترشيش تمثل التجارة في الغرب، لهذا جاء في حزقيال النبي: "شبا وددان وتجار ترشيش وكل أشبالها يقولون لك: هل لسلب سلب أنت جاء؟! هل لغنم غنيمة جمعت جماعتك لحمل الفضة والذهب؟! لأخذ الماشية والقنية لنهب نهب عظيم؟!" (13: 38). وحينما يقال "سفن ترشيش" فلا تعني بالضرورة أنها سفن ملك ترشيش أو تقوم بالاتجار مع ترشيش، لكن لشهرتها التجارية أطلقت على السفن الضخمة العابرة المحيطات التي كانت تبحر خصيصًا لجلب المعادن الثمينة. ولا ننسى أنه حينما طلب الرب من يونان أن يكرز في نينوى في الشرق هرب إلى الغرب في سفينة مبحرة إلى ترشيش (يونان 1: 3). ياوان: جاءت ياوان مع توبال والجزائر البعيدة في (إش 66: 19) حيث يأتي إليها الأمم ويخبرون بمجد الله، وذُكر بنو الياوانيين كتجار يشترون أسرى يهوذا وإسرائيل ليبعدوهم عن تخومهم في (يوئيل 3: 6)، وهنا في (حز 27: 13) مع توبال وماشك كتجار للمسبيين والعبيد وآنية النحاس. هذه العبارات الثلاث إنما تشير إلى المستعمرات الياوانية أي اليونانية التي على ساحل آسيا الصغرى. ويلاحظ أن تعبير ياوان Jonia يقترب جدًا من تعبير الأشوريين والمصريين عن "اليونان". هذا وإن "ياوان" الواردة في (حز 27: 19) تعني ياوان أخرى هي غالبًا قبيلة في العربية أو مستعمرة يونانية في العربية. في (دا 8: 21، 10: 20، 11: 2) ترجمت ياوان "يونان"، وغالبًا ما تشير هنا إلى الإمبراطورية اليونانية المقدونية. توباك وماشك: شعبان أو إقليمان في آسيا الصغرى، ارتبطا معًا (إش 66: 19)، وكانا ليافث (تك 10: 2، أي 1: 5)، ظهرا في التواريخ الأشورية باسمي Tabali وMushki كمقاومين عنيفين ضد آشور في القرن الثاني عشر ق.م. بيت توجرمة: يقع في جنوب أرمينيا، سكنه نسل توجرمة، الابن الثالث لجومر(تك 10: 1-3 أي 1: 6). ددان [15]: شعب في شمال العربية، جاء عن كوش بن حام (تك 10: 7)، وجاء في (تك 25: 3) أنه من نسل إبراهيم عن قطورة بعد موت سارة. ليس صعبًا أن نفهم الارتباط هنا إن تذكرنا النسب بين العربية وكوش. كانوا رجال تجارة، من بلاد العرب (إش 21: 3) يقطنون جنوب الأدوميين (إر 25: 23، 49: 8). لا يزال الاسم باقيًا في ديدان جنوب غربي تيماء. أما ددان الحديث فهو "العلا" واحة في وادي القرى شمال الحجاز. آرام: مأخوذة عن الأكادية وتعني "الأرض المرتفعة" آرام أحد أبناء سام (تك 10: 22-23). تمتد آرام من جبل لبنان غربًا إلى ما وراء الفرات شرقًا ومن جبال طرسوس شمالًا إلى دقش جنوبًا. وقد أطلق على هذا الإقليم في الترجمة السبعينية سوريا. دُعي إبراهيم "آراميا تائهًا" لأنه خرج من حاران (إحدى مدن آرام تك 11: 3 إلى كنعان تث 26: 5). وقد ظهرت عدة دويلات آرامية مثل آرام النهرين (تك 24: 10) التي تقع فيها مدينتا نصيبين والرها، وآرام دمشق، وآرام صوبة أو صوبا غرب الفرات (وامتدت أحيانًا إلى حدود حماه)، وآرام معكة قرب جبل حرمون من نصيب منسى (يش 12: 5، 13: 11)، وحشور كدولة آرامية قرب معكة شرق الأردن أيضًا من نصيب منسى (تث 3: 14) وإليها هرب أبشالوم بعد قتله أخيه أمنون (2 صم 13: 37؛ 15: 8)، وآرام بيت رحوب غالبًا قرب مدخل حماه (عد 13: 21؛ يش 19: 28). دمشق: عاصمة سوريا، عرفت منذ القدم كمركز تجارى هام. تقوم عند السفح الشرقي لجبل لبنان الصغير حيث ينبع في هذه السلسة من الجبال نهرَّي أبانه وفرفر (2 مل 5: 12) ويدعيان الآن بردى والأعوج. دان: وهو اسم عبري معناه "قاضي" أو "ديان"، وهي مدينة في شمال حدود فلسطين؛ دعيت لايش (قض 28: 29) أو لشم (يش 19: 47)، لكنها ليست كما يظن البعض عند تل القاضي. فقد حدث اللبس بسبب تشابه الأسماء، لأن "دان" معناها "قاضي". قيدار: اسم سامي يعني "قدير أو أسود"، وهو الابن الثاني لإسماعيل (تك 25: 13). كان نسله غالبًا يعيشون على الرعي في خيام سوداء، لذلك صارت قيدار رمزًا للون الأسود (نش 1: 5). وكان بعضهم متحضرًا (إش 42: 11). كانوا أصحاب مواشي وبارعين في الحرب، خاصة في الرمي بالقوس، لذلك قاوموا نبوخذنصَّر كثيرًا لكنه نكَّل بهم. شبا: ذكر شبا وأخوه دان كابني رعمة من بني كوش (تك 10: 7) كما ذكر الاسمان كابني يقطان بن إبراهيم من قطورة زوجته (تك 25: 7). وتعتبر شبا إحدى أربع قبائل هامة أو شعوب قديمة قطنت جنوب العربية Qatabanians, Mineans وChattramothites بالعبرية حضرموت Hazarmaueth وكانت أهمهم في أيام ستروبا. اشتهروا كتجار توابل وذهب وأحجار كريمة، وكانوا أغنياء جدًا. تاجروا في الرقيق (يؤ 4: 8) وحُسبوا حراسًا للصحراء (أي 1: 15، 6: 19). أمدَّتنا النقوش الأشورية ربما بأقدام شهادة عن وجود شبا، إذ سجل الملك Tiglathpileser الثالث (745-727 ق.م.) عن قبول الجزية من إتعمارة ملك شبا... يبدو أن هذا الشعب الذي أقام في جنوب غرب الجزيرة (تك 10: 28) هاجرت بعض عائلاته إلى الحبشة (كوش) فدعيت بالكوشيه (تك 25: 3)، والبعض امتد فيما بعد إلى الشمال الغربي للجزيرة حتى بلغ إلى سوريا. أما قصة ملكة سبأ فأعطتهم شهرة خاصة، وكشفت عن مكانة المرأة في وسط هذا الشعب اجتماعيًا وسياسيًا ودينيًا. رعمة أو رعما: رعمة بن كوش، والد شيا وددان (تك 10: 7)... يصعب تحديد مكان رعمة التي يُظن أن سكانها من ذرية رعمة أو رعما وظن البعض أنها رجمة بطليموس Patalmy غرب الخليج الفارسي، ويرى آخرون أنها رعمنيت Rammaitae في جنوب العربية، شمال غرب حضرموت وشرق شبا القديمة، وهذا الرأي الأخير أكثر احتمالًا. حران (حاران): الاسم ربما من أصل أكادي، معناه "طريق" أو "قافلة" تقع المدينة في شمال غرب المصيصة Mesopotamia ، على نهر بليخ، فرع للفرات، تبعد حوالي 280 ميلًا شمال شرقي دمشق، و60 ميلًا شرق كرمشيش (تك 11: 31-32). وتعتبر ملتقى أحد الطرق الرئيسية بين بابل وساحل البحر الأبيض، تمثل مركزًا تجاريًا هامًا، كانت المركز الرئيسي لعبادة الإله Sim إله القمر. تغرب فيها تارح وإبراهيم زمانًا، واستقر فيها ناحور لذلك دعيت باسمه (تك 42: 10، 27: 43). استولى عليها الأشوريون (2 مل 19: 12). حاليًا قرية صغيرة لا تزال تحتفظ بالاسم حران. كنة: ظن بعض الدارسين أنها "كلنة" (عا 6: 2)، لكن الأرجح أنها مدينة أكادية مجهولة "Kannu"، غالبًا في منطقة المصيصة (ما بين النهرين) بالقرب من حران. عدن: اسم عبري يعني "بهجة"، وهي غير جنة عدن. مقاطعة ما بين النهرين، ورد ذكرها في النقوش الأشورية Bit Adini، جنوب حران، عند منتصف نهر الفرات. 3. تحطيم السفينة (صور): إن كانت صور قد صارت كسفينة ضخمة كاملة في بنائها، قوية من جهة حُراسها، صاحبة خبرة وحكمة من جهة طاقمها، محبوبة من كل الشعوب التي تتعامل معها وتطلب ودها، لكنها إذ طمعت وأرادت أن تغتنم أختها "يهوذا" يوم سبيها، كسرتها ريح شرقية ونزلت بها إلى الأعماق مع ثروتها وبضائعها وطاقمها وعملائها ورجال حراستها... ليس من ينقذ ولا من يُعين وقف الكثيرون في حزن ومرارة، حلقوا رؤوسهم فجعلوها قرعة كمن يندب ميتًا، وأقاموا مرثاة على من كانت تشبعهم بالخيرات [33]، صاروا في مرارة واقشعر ملوكهم ، بينما وقف البعض يصفرون مستهزئين بها لأنها طمعت فخسرت حتى وجودها إلى الأبد! من وحي حزقيال 27 قُدْ سفينة حياتي! * "صور" المدينة العظيمة هي سفينة من صنع يديك، أنت صانعها، وأنت واهبها كل غنى، لكنها اتكلت على غناها، وقاومت عملك، فتحطمت تمامًا!! * إني سفينتك يا خالقي! قُدْ سفينة حياتي، فإني من صنع يديك! * ما هذه الألواح التي من سرو إلا أعضاء جسدي؟! إنها خليقتك الجميلة، وهبتني الجسد مع النفس ليمجداك! قدِّس عيني وكل حواسي فتشبع بك! قدِّس عواطفي ومشاعري يا شهوة قلبي! جسدي بين يديك، هو عطيتك الثمينة لي! * ما هذه السارية التي من أرز لبنان التي أقمتها فيَّ إلا العقل العجيب؟! خلقته مستقيمًا لينشغل بك طوال رحلة حياتي القصيرة! عقلي يتأمل مشيئتك، فيشتهي الطاعة لوصيتك، يرى فيها عذوبة الشركة معك يا مصدر الحياة! * ما هذا المجداف الصغير الذي يحرك كل حياتي إلا اللسان؟! قدّسه، فلا يجدف عليك، ولا يلعن أحدًا، ولا يتحرك باطلًا بلا هدف! قُدْه فيباركك ويسبحك ويشكرك على الدوام، ويبارك الناس ويفيض عذوبة على كل أحد! * ما هذه المقاعد التي من العاج المطعم، إلا الحواس الطاهرة التي وهبتني إياها؟! لتُشبعها بروحك القدوس فتراك عريس النفس السماوي، تلتهب حبًا لك ولكل خليقتك! إنها ليست مسرحًا للشياطين، ولا ملهي للشهوات الجسدية! حواسي وعواطفي وكل مشاعري هي لك يا حبيب! * ما هذا الشراع الذي من الكتان المطرز، إلا قلبي الصغير الذي وهبته النقاوة؟! بروحك القدوس اتسع ليحمل من لا تسعه السماء والأرض! مفاتيحه بين يديك يا ابن داود، لتدخل وتتعشى فيه، ولتجمع فيه أصدقاءك السمائيين والأرضيين، تقيم منه ملكوتك المفرح وهيكلك المقدس! * ما هذه الأغطية التي لسفينة حياتي إلا السلوك الذي أمارسه بعمل نعمتك؟! إنه أسمانجوني يحمل لون السماء، ومن الأرجوان لباس الملوك. عجيب أنت يا ملك الملوك السماوي، فإنك تريدني في سلوكي أن أحمل سماتك، أسلك على الأرض بقلب سماوي، وأحيا في ضيق العالم كملك صاحب سلطان! * من هم الملاحون الذين صيدون إلا طاقات النفس الداخلية؟! هب لها أن تكون صيَّادة ماهرة، تعمل دومًا لبنيان نفسي وبنيان أخوتي، لا تعرف الهدم ولا التحطيم! وهبتني طاقات عجيبة كجنود روحيين، قُدْها للعمل لحساب ملكوتك، فلا تكون جنودًا أشرارًا لحساب مملكة الظلمة! * من هو هذا الربان الذي من صور إلا روح التمييز والإفراز؟! هو عطية روحك القدوس، به أتعرَّف على الخير وأميزه عن الشر، به لا انحرف عن طريقك الملوكي يمينًا ولا يسارًا! لا يخدعني البر الذاتي، ولا تجتذبني الشهوات! به أتعرف عليك إيها الحق! * من هم القلاَّفون إلا مواهب التي سلمتني إياها؟! أضرم يا رب مواهبك فيّ، فأعمل بقوة وحكمة! أعمل متناغمًا ومنسجمًا مع مواهب أخوتي، بلا تشامخ وبلا صغر نفس. أشكرك لأنك قدمت ليّ المواهب التي تناسبني! * من هم هؤلاء الحراس الذين من فارس ولود وفوط ألا الدوافع التي خلقتها فيّ! بدافع الحب التقى بك واحب خليقتك! بدافع الغضب أثور على خطيتي وأشكو لك نفسي! بدافع الخوف أخشاك في محبة! قدّس كل الدوافع فلا تنحرف بعد! * بائسة هي صور، السفينة الجميلة الغنية، اتكلت على ذاتها، وعصت خالقها، فتحطمت وغرقت في بحر هذا العالم! * قُدْ أيها القبطان العجيب سفينة حياتي، ليكن صليبك هو سارية حياتي، ووصاياك هي البحارة! هب ليّ حبالًا تسند سفينتي. إنني في وسط تيارات بحر هذا العالم، لكنني محمول بروحك القدوس إلى الميناء السماوي! |
||||
07 - 02 - 2023, 01:47 PM | رقم المشاركة : ( 10 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: تفسير سفر حزقيال
حزقيال النبي | دينونة رئيس صور بعد أن تنبأ ضد صور (ص 26)، وقدم مرثاة عليها (ص 27)، انتقل إلى التنبؤ ضد رئيسها ثم تقديم مرثاة على ملكها. ربما قصد العائلة الملكية كلها، وأخيرًا التنبؤ ضد صيدون بكونها قد ارتبطت كثيرًا بصور. يرى القديس جيروم أن كلمة "صور" تعني "محنة"، لهذا فإن ما ورد بخصوص رئيس صور أو ملكها إنما قصد به الشيطان بكونه يدفع الناس إلى المحن والتجارب. وقد رأى الكثير من الآباء أن ما ورد في هذا الأصحاح يصف سقطة الشيطان من درجته الملائكية. وجاء ذلك الوصف مطابقًا لما ورد في (إش 14: 12) عن لوسيفر. ويلاحظ في هذا الأصحاح أن رئيس صور أو ملكها وصف كخليقة الله الصالحة، بل الكاملة، لأن الشيطان لم يُخلق شريرًا، إنما هو خليقة الله الصالحة والتي سقطت بسبب الكبرياء بإرادتها الحرة. لقد وصف هكذا: "أنت خاتم الكمال، ملآن حكمة وكامل الجمال. كنت في عدن جنة الله. كل حجر كريم ستارتك عقيق أحمر... أنشأوا فيك صنعة الفصوص وترصيعها يوم خلقت. أنت الكروب المنبسط المظلِّل وأقمتك، على جبل الله المقدس كنت. بين حجارة النار تمشيت. أنت كامل في طرقك من يوم خلقت حتى يوم وجد فيك إثم" [12-15]. لقد كان الشيطان من أكبر الطغمات السمائية وأعظمها، طغمة الكاروبيم الحاملة للعرش الإلهي، الملتهبة نارًا كمركبة نارية إلهية! كان خاتمًا للكمال، لأنه يحمل العرش، مملوءًا حكمة، إذ نعرف أن الكاروب مملوء أعينًا، كامل الجمال إذ يعكس بهاء الله عليه. يتزين بكل حجر كريم، إذ لم ينقصه الله شيئًا، يظلل بأجنحته على جبل الله المقدس، حيثما وجد إنما يعلن عن وجود الله الذي يقدس كل شيء. كان يتمشى بين حجارة نار علامة الحضرة الإلهية النارية. خلق بلا عيب كاملًا في كل طرقه. واضح أن الحديث هنا لا ينطبق على الإنسان أكمل خليقة الله على الأرض ولا على أي طغمة سماوية بل على أعظم الطغمات وأسماها... يقول العلامة ترتليان: [إن عدنا إلى نبوة حزقيال نجد أن هذا الملاك كان صالحًا بخلقته لكنه فسد باختياره. فإنه في شخص ملك صور قيل عن الشيطان: "أنت خاتم الكمال... إلخ"، وواضح أن هذا الوصف [11-16] إنما يخص عصيان الملاك لا رئيس صور، فإنه ليس من بين الكائنات البشرية من ولد في فردوس الله، حتى آدم نفسه إنما نقل إليه، وليس من هو كاروب يوضع على جبل الله المقدس، أي في أعالي السموات إلا ذاك الذي شهد عنه الرب أنه من هناك سقط (لو 10: 18)]. يتحدث العلامة أوريجانوس الإسكندري عن الشيطان وملائكته كخليقة صالحة أخطأت بإرادتها قائلًا: [الذين يقولون إن الشيطان ليس خليقة الله مخطئون. فبقدر ما هو شيطان ليس خليقة الله، أما الكائن نفسه (كمخلوق) فهو خليقة الله. وذلك كالقول بأن القاتل ليس خليقة الله، لكنه كإنسان هو خليقة الله]. ويقول القديس كيرلس الأورشليمي: [لم يخطئ (الشيطان) عن إلزام كأن فيه نزوعًا طبيعيًا للخطيئة، وإلا ارتدت علة الخطيئة إلى خالقه أيضًا. إنما هو مخلوق صالح وبإرادته الحرة صار إبليسًا، فتقبَّل الاسم من خلال عمله. كان رئيس ملائكة، لكنه دعي "إبليسًا" بسبب أضاليله. كان خادمًا لله صالحًا، فصار شيطانًا بحق. لأن "الشيطان" يعني "الخصم". هذا التعليم ليس من عندياتي إنما هو تعليم حزقيال النبي الموحى به، إذ رفع مرثاة عليه قائلًا: "كنت خاتم صورة الله، تاج البهاء، ولدت في الفردوس"، ثم يعود فيقول: "سلكت كاملًا في طرقك من يوم خلقت حتى وجد فيك إثم". بحق قال: "حتى وجد فيك إثم"، إذ لم يأته الإثم من الخارج بل هو جلبه على نفسه. وللحال أشار إلى السبب، قائلًا: "قد ارتفع قلبك لبهائك. بسبب كثرة خطاياك طعنت فطرحت إلى الأرض". هذا القول يتفق مع قول الرب في الإنجيل: "رأيت الشيطان ساقطًا مثل البرق من السماء" (لو 10: 18)]. إذ يرفع مرثاة على الشيطان يعلن عن عطايا الله له والإمكانيات التي وهبت له يوم خلقته، فبقدر ما وهب له الكثير يطالب بالكثير، وبقدر ما تمتع بعلو شاهق صار سقوطه عظيمًا. أما أهم العطايا الإلهية له فهي: أ. عطية الحكمة: "ها أنت أحكم من دانيال. سِرّ ما لا يخفي عليك" [3]. وهبه الحكمة فكان أحكم من دانيال النبي، هذا الذي كشف له أسرار الملك وأحلامه الشخصية وتفاسيرها ليسنده في غربته. وكأن الله في معاملاته مع الشيطان قبل سقوطه قد كشف له أسرارًا كثيرة حتى قال: "سِرّ ما لا يخفي عليك". تعامل معه كصديق مؤتمن وموضع ثقة فلم يخفِ عنه سرًا ما بقوله له: "أنت خاتم الكمال ملآن حكمة وكامل الجمال" [12]. جعله أكمل خليقته السماوية وأجملها ليس منظرًا بل في الحكمة، لكنه إذ سقط في الكبرياء سقط من هذا العلو إلى الهاوية! والإنسان أيضًا أكمل خليقة الله على الأرض، زيَّنه الله لا بجمال الجسد بل بما هو أعظم: جمال الحكمة، إذ خلقه "على صورته ومثاله" وأراد منه أن يكون سيدًا يسيطر على الخليقة الأرضية بروح الحكمة الإلهية، كما نزل الكبرياء بالملاك إلى شيطان، هكذا أحدر الكبرياء الإنسان إلى الطبيعة الفاسدة الشهوانية، جعله في أمور كثيرة يتصرف كأدنى من الحيوانات، حتى المفترسة. ب. إقامته في جنة الله: "كنت في عدن جنة الله" [13]. كلمة عدن تعني "بهجة"، وكأنه أقامه في الفرح الإلهي ينعم بالحضرة الإلهية، بل يشترك مع بقية الكاروبيم في حمل العرش الإلهي وصار إلى عذاب داخلي لا ينتهي. والإنسان أيضًا أقامه الله في جنة عدن ليعمل ويفرح، وبكبريائه فقد فردوسه الحقيقي، وحرم نفسه من الله مصدر الفرح. لهذا كان لزامًا لإصلاح طبيعتنا أن نُغرس من جديد في الله لنصير كمن في الفردوس الأبدي.. لهذا يحدث القديس كيرلس الأورشليمي المتقدمين للمعمودية هكذا: [حالًا سيفتح الفردوس لكل واحد منكم ]، إذ يدخلون إلى الاتحاد مع الله في المسيح يسوع الفردوس الحقيقي. ج. عطية العمل: يقول السيد المسيح: "أبى يعمل حتى الآن وأنا أعمل" (يو 5: 17). إنها سمة الله الذي يعمل بلا انقطاع، وهبها الخليقة العاقلة لكي تعمل دومًا، لكن الشيطان عمل لا لمجد خالقه بل لحساب مجده الذاتي فصار عمله لا لبنيانه بل لهدمه. "وبحكمتك وبفهمك حصَّلت لنفسك ثروة وحصَّلت الذهب والفضة في خزائنك. بكثرة حكمتك في تجارتك كثَّرت ثروتك" [4-5]، بهذا يفرح الله إذ يشتهي أن يرى خزائن خليقته دائمًا تمتلئ من كل ثروة ثمينة وغنى، لكن ما أحزنه: "فارتفع قلبك بسبب غناك" [5] الغنى بركة ونعمة، لكن ارتفاع القلب يفسد قلب الغني فيظن في نفسه إلهًا: "من أجل أنك جعلت قلبك كقلب الآلهة، لذلك هأنذا أجلب عليك غرباء عتاة الأمم، فيجردون سيوفهم على بهجة حكمتك ويدنسون جمالك، ينزلونك إلى الحفرة فتموت موت القتلى في قلب البحار" [6-8]. ما يحل به ليس بسبب حكمته ولا جماله ولا غناه لكنه بسبب كبرياء قلبه، ظن أنه إله فحُرم من حكمته وجماله وغناه ومن الحياة ذاتها. لقد تحدث الآباء كثيرًا عن العمل وأهميته، والغنى وبركاته... معلنين أن الكبرياء هو الذي يفسد العمل والغنى. وقد كتب القديس إكليمنضس الإسكندري كتابًا في هذا الموضوع عنوانه: "من هو الغني الذي يخلص؟" جاء فيه: "لا نُلقي بالغني أرضًا، هذا الذي يفيد إخوتنا... لا يبدد الإنسان غناه، بل بالأحرى يليق به أن يُحطم شهواته الداخلية التي تتعارض مع الاستخدام الصالح للغنى. فإذ يصير الإنسان فاضلًا وصالحًا يمكنه أن يستخدم هذا الغنى بطريقة صالحة. إذن لنفهم ترك مملكاتنا وبيعها (مر 10: 13-17) أنه ترك وبيع لشهوات نفوسنا". د. أعطى كل حجر كريم [13]: جاءت في الترجمة السبعينية نفس الحجارة الاثنتى عشرة التي كانت توضع على صدر ورئيس الكهنة، والتي زين بها سور أورشليم السماوية (رؤ 21: 19-20). وهي تشير إلى الفضائل الإلهية والمواهب التي يزين بها الله النفس لكي تدخل بها إلى مقدساته بهية ومتلألئة. لهذا يُعزي الرب كنيسته المجاهدة، قائلًا لها: "أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية. هأنذا أبني بالإثمد حجارتك، وبالياقوت الأزرق أؤسسك، وأجعل شرفك ياقوتًا، وأبوابك حجارة بهرمانية، وكل تخومك حجارة كريمة... هذا هو ميراث عبيد الرب وبرّهم من عندي يقول الرب (إش 54: 11-17). الله يزين خليقته العاقلة بالمواهب والفضائل... لكنها متى سقطت في الكبرياء صارت علة دينونة عليها! ه. الطبيعة النارية: "أنت الكروب المنبسط المظلِّل وأقمتك، على جبل الله المقدس كُنتَ" [14]. لقد أقامه بطبيعة نارية، كاروبًا متقدًا، وأسكنه في المقدسات، فصار بلا عذر. لقد وهبنا الله إمكانيات الطبيعة الجديدة وغرسنا فيه "الجبل المقدس" فصرنا بلا عذر أمامه. و. بين حجارة النار تمشيت [16]، إذ كان ككاروب يتمشى بين الكاروبيم والسيرافيم المتقدون نارًا. فكان يلزمه أن يبقى مثلهم كنار مقدسة ولا يسقط من بينهم. فالكاروبيم يدينون الشيطان، لأنه كان معهم وسقط! والرسل أيضًا سيدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر، لأنهم كانوا يهودا وقبلوا الإيمان أما اليهود فرفضوا الإيمان بالمسيح سر تقديس البشرية وخلاصها! دينونته: الكبرياء تجعل من المخلوق -في عيني نفسه- إلهًا: "فقد ارتفع قلبك وقلت أنا إله" [2]، لهذا تحدره ليموت أبشع ميتة: "موت الغلف تموت بيد الغرباء، لأني أنا تكلمت يقول السيد الرب" [10]. كان الفينيقيون يمارسون الختان ، ويعتبرون أن من يموت أغلف يكون محتقرًا وفي عار عظيم! هكذا فالكبرياء لا تقتله فقط بل وتجعله في عار عظيم! أما موضع القتل فكما جاء في الترجمة السبعينية "أقطعك (أطرحك) كمن ذبح من جبل الله" [16]. يوضح لنا القديس جيروم جبل الله هذا الذي ذبح فيه ملك صور قائلًا: [جبل الله غني في بركاته (مز 86: 16)، هذا هو الجبل الذي ذكره حزقيال عليه عوقب ملك صور ]. [يشير (الجبل) إلى حضرة المخلص الذي صار جسدًا، لأن فيه سكنت الطبيعة الإلهية. حقًا، ليست هناك طريق أخرى وجد فيها الروح القدس سكناه في الحال وعلى الدوام إلا في المخلص، وكما يقول يوحنا: "الذي ترى الروح نازلًا ومستقرًا عليه فهذا هو" (يو 1: 33)، "الرب يسكن فيه إلى الأبد" (مز 86: 18)، في الجسد الذي أخذه من الطوباوية مريم]. خلال هذا الجبل المقدس جُرح الشيطان، إذ لم يجد له فيه موضعًا، خلال السيد المسيح طرد الشيطان عن البشرية. نبوة ضد صيدون: سبق أن تحدثنا عن صيدون بكونها "أرض الصيد"، اشتركت مع صور في السخرية من يهوذا عن سبيها، وصارت سلاء ممررًا وشوكة موجعة. إذ مرَّرت حياة أولاد الله لذلك يرسل عليها الوبأ ليكون شوكة مؤلمة لها. أخيرًا يوضح أنه يفعل هذا كله لكي يجمع شعبه المتفرق ويقدس اسمه فيهم، يشبعهم بالخيرات ويهبهم سلامًا! هذا هو شوق الله المستمر أن يرى البشرية قد رجعت لتستريح فيه وتشبع وتمتلئ سلامًا كعروس مقدسة له. من وحي حزقيال 28 درس من الشيطان! * صار الشيطان درسًا لي! خلقته بين الكاروبيم كاملًا ومملوء حكمة وجمالًا! يعرف الكثير من أسرارك الإلهية! لكنه بالكبرياء انهار من السماء إلى الهاوية! أوجدتني أروع خليقتك على الأرض، وهبت لي عقلًا وحكمة وجمالًا! هب لي روح الاتضاع فالتصق بك، وأنعم ببهاء جمالك عليّ! * أقمته في السماء فرحًا متهللًا بحضرتك، بعناده انهار إلى عذاب أبدي! أقمتني في جنة عدن لأعمل وأسبح! متى ترفعني إلى فردوسك أتمتع بالمجد الأبدي؟! * أعطاه الله غنى، فارتفع قلبه بغناه! لم تدعني معوزًا من أعمال كرامتك! متى أقتنيك يا كنزي وغناي! أنت حبي! أنت تسبيحي! أنت فرحي وتهليل قلبي! أنت شبعي وغناي! معك لا أُريد شيئًا! * زينته بكل حجر كريم، بعصيانه صار في قبح، محرومًا من كل ما جميل وثمين! زينتني بالمواهب كحجارة ثمينة، أضرم فيَّ مواهبك كميراث ثمين! * خلقته كاروبًا ناريًا، أسكنته في المقدسات، وبإرادته انهار ليسكن في نار أبدية لا تنطفئ! جددتني بروحك القدوس الناري، ليحملني إلى عرش مجدك، إلى نورٍ لا يُدنى منه! متى أصير كالكاروب وكخادمٍ من نور! أني أتترقب مجيئك أيها النور الحقيقي! |
||||
|