10 - 01 - 2017, 05:03 PM | رقم المشاركة : ( 21 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: القديس أثناسيوس الكبير معلّم المسكونة (+373م)
ست سنوات قضاها أثناسيوس متخفياً، لا شك أنها تركت بصماتها عليه. فلقد شاخ! لكنه لم يلن ولم يحد عن قوله الأول، عن إيمان الكنيسة القويم، عن عقيدة نيقية، شعرة واحدة. قدرته، بنعمة الله، على الصمود كانت خارقة. كانت فيه شعلة إلهية لا تخبو. أخيراً مات قسطنديوس وعاد أثناسيوس مظفّراً، بعون الله، إلى الإسكندرية في 21شباط 362م. يوليانوس الوثني الجاحد تولّى العرش. وفي سعيه إلى ضرب المسيحية أعاد الأساقفة الأرثوذكسيين إلى ديارهم آملاً في تأجيج الصراع بين الأرثوذكسيين والآريوسيين، ومن ثم في إضعافهما معاً لتقوى الوثنية على حسابهما وتعود إلى الواجهة من جديد. لكن حساب البيدر لم يكن على حساب الحقلة، فكان نصيب أثناسيوس التواري والنفي مرة أخرى. |
||||
10 - 01 - 2017, 05:03 PM | رقم المشاركة : ( 22 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: القديس أثناسيوس الكبير معلّم المسكونة (+373م)
الحلقة الرابعة بين شباط وخريف العام 362م، حقّق القديس أثناسيوس نجاحات ملفتة. التفّ الشعب الأرثوذكس حوله. أقام اتصالات بعدد من الأساقفة الأرثوذكسيين. بدى لناظريه كلولب لتوحيد الكنيسة. أقام جسوراً مع الفريق نصف الآريوسي الذي وقف وسطاً بين الأرثوذكسية والآريوسية. أبدى حياله مرونة وتفّهماً عميقين. لمّا فهموا حقيقة موقفه تغيّروا وانضمّوا إليه. كل هذا وغيره أقلق يوليانوس الجاحد. وحتى لا يفسح لأثناسيوس في المزيد من المجال لإفساد خططه عليه اتخذ في حقّه تدابير احترازية. وجّه إلى شعب الإسكندرية رسالة ذكّر فيها بأن أثناسيوس سبق أن صدر في حقّه عدد من المراسيم الملكية التي قضت بنفيه. سجل الرجل، إذاً، غير نظيف، وها هو الآن يهين القانون والنظام ويتصرّف كأنه لا قانون. كذلك أكدّ يوليانوس إنه لم يسمح لا لأثناسيوس ولا لسائر من أسماهم بـ "الجليليّين"، وعنى بهم المسيحيّين، بالعودة إلى كنائسهم بل إلى بيوتهم وحسب. وبعد أن أشار إلى ما اعتبره "الوقاحة المعهودة" لأثناسيوس الذي اغتصب، على حد قوله، "ما يدعى بالكرسي الأسقفي"، أنذره بمغادرة الإسكندرية حال تسلّمه إشعاراً بذلك، وإلا فإن عقاباً صارماً سوف يُتخذ بحقّه. |
||||
10 - 01 - 2017, 05:03 PM | رقم المشاركة : ( 23 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: القديس أثناسيوس الكبير معلّم المسكونة (+373م)
لم يجد قدّيسنا أمامه خياراً غير الانسحاب من الإسكندرية. تركها في تشرين الأول 362م. وإذ رأى الرهبان الذي رافقوه إلى المركب يبكون قال لهم: "لا تحزنوا! ليست هذه سوى غيمة صغيرة وتعبر!" أحد مراكب العسكر الملكي لاحقه واقترب منه. سألوا "أين أثناسيوس؟" أجاب: "ليس بعيداً عنكم!" ولكن بدل أن يفتّشوا المركب انصرفوا. أما أثناسيوس فوُجد بين رهبان صعيد مصر، لكنه كان ينزل إلى الإسكندرية حيثما دعته الحاجة. عملاء يوليانوس كانوا يعرفون ذلك لذلك لاحقوه. مرة كان في مركب يصلّي وكاد أن يقع في أيدي مضطهديه. قال للأنبا بامون الذي رافقه:"أشعر بالهدوء في زمن الاضطهاد أكثر مما أشعر في زمن السلم". وإذ أردف موجِّهاً كلامه إلى صحبه:"إذا ما قُتلت..." قاطعه بامون قائلاً: "في هذه اللحظة بالذات قضى يوليانوس عدوّك في الحرب الفارسية!" هذا، كما تبيّن فيما بعد، كان صحيحاً. ففي تموز 323م خرج يوليانوس إلى الحرب ضد الفرس فقضى بسهم طائش من أحد عسكريّيه ولم يعد. |
||||
10 - 01 - 2017, 05:03 PM | رقم المشاركة : ( 24 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: القديس أثناسيوس الكبير معلّم المسكونة (+373م)
الحلقة الخامسة والأخيرة بعد يوليانوس الجاحد تولّى الحكم الإمبراطور جوفيانوس الذي كان أرثوذكسياً. هذا ثبّت أثناسيوس على كرسي الإسكندرية وعامله بإجلال كبير. لكن عمر جوفيانوس كان قصيراً. ففي أوائل العالم التالي، 364م، خرج على رأس عسكره إلى حدود بيثينيا، حيث قضى مسموماً بدخان الفحم الذي أُشعل في غرفة نومه لتدفئته. على الأثر تولّى الحكم إمبراطوران: والنتنيانوس على الغرب ووالنس على الشرق. والنس كان آريوسياً. والفريق الآريوسي كان أضعف من ذي قبل. انتظر والنس إلى العام 367م ليبادر إلى نفي الأساقفة الأرثوذكسيين من جديد. أثناسيوس كان من بينهم. توارى مرة أخرى. وقيل اختبأ أربعة أشهر في مقبرة. ولكن اهتاجت مصر فتوجّس والنس خيفة وأمر باستعادة أثناسيوس فعاد، هذه المرة، ليبقى. ساس قدّيسنا رعيّته بسلام سبع سنوات إلى أن رقد في الرب في 2أيار عام 373م. جملة سنواته أسقفاً كانت ستّاً وأربعين، قضى عشرين منها في المنفى. لم يعاين نصرة الأرثوذكسية في كل مكان، لكنها تحقّقت بعد سنوات قليلة من وفاته، زمن الإمبراطور ثيوديوس الكبير. |
||||
10 - 01 - 2017, 05:04 PM | رقم المشاركة : ( 25 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: القديس أثناسيوس الكبير معلّم المسكونة (+373م)
حياة المغبوط أنطونيوس الكبير من أهم ما ترك لنا القديس أثناسيوس، كتابة، سيرة القديس أنطونيوس الكبير الذي قال إنه رآه مراراً ولازمه طويلاً وسكب في يديه الماء. تاريخ السيرة حدود العام 357م، بعد وفاة القديس أنطونيوس بقليل. الكتاب موجّه إلى رهبان غير مصريّين، ربما غربيّين، طلبوا من أثناسيوس أن يكتب لهم عن حياة المغبوط لأنهم رغبوا في أن يعرفوا منه كيف بدأ نسكه، من كان قبل ذلك، كيف كانت نهاية حياته، وهل إن كل ما يروى عنه صحيح. غرضهم، كما بدا لأثناسيوس، كان الإقتداء بغيرة أنطونيوس. وقد قبل أثناسيوس طلبهم ولبّى رغبتهم لأن ربحه كبير حتى لمجرد ذكر اسم أنطونيوس، على حد تعبيره، ولأن حياة المغبوط، كما ورد في مقدّمته، "نموذج كاف للنسك". ويبدو أن مراسلي أثناسيوس ضمّنوا كتابهم إليه بعض الأخبار التي سمعوها عن أنطونيوس. هذه أكدّ أثناسيوس صحّتها مشيراً إلى أنها مجرّد غيض من فيض. كما حرص أثناسيوس على جمع معلومات إضافية عن أنطونيوس من الرهبان الذين اعتادوا زيارته بشكل متواتر، أولاً ليتعلّم وينتفع هو نفسه وثانياً ليكون له أن يكتب عنه المزيد. كذلك سعى أثناسيوس إلى التدقيق في أخبار المغبوط ما أمكنه لكي تكون كل الأمور بشأنه حقيقية، على حد تعبيره. ثم ختم بالقول: "إذا ما سمع أحدكم شيئاً أكثر فلا يشك في الرجل، أما إذا سمع أقلّ فعليه ألا يحتقره". |
||||
10 - 01 - 2017, 05:04 PM | رقم المشاركة : ( 26 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: القديس أثناسيوس الكبير معلّم المسكونة (+373م)
هذا والسيرة أهم وثيقة معروفة عن بداءة الحياة الرهبانية. علّق القديس غريغوريوس اللاهوتي عليها بالقول إنها "قاعدة للحياة الرهبانية في شكل سردي". كتبت أول ما كتبت باليونانية وترجمها أفغريوس الأنطاكي إلى اللاتينية تحت عنوان "من أثناسيوس الأسقف إلى الإخوة الذين في البلاد الأجنبية". هذا ربما كان إشارة إلى الرهبان الغربيّين. أنّى تكن حقيقة الأمر فإن السيرة ساهمت مساهمة فعّالة في نشر المثال الرهباني وأدخلت الرهبنة إلى الغرب. أوغسطينوس المغبوط أشار في اعترافاته إلى التأثير الحاسم الذي كان للسيرة عليه، بالنسبة لهدايته، كما أشار إلى اجتذابها العديدين إلى الحياة الرهبانية. والى السيرة باليونانية واللاتينية وردت أقدم نصوصها بالسريانية والقبطية أيضاً. |
||||
10 - 01 - 2017, 05:04 PM | رقم المشاركة : ( 27 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: القديس أثناسيوس الكبير معلّم المسكونة (+373م)
قالوا عنه لقد قيل الكثير عن أثناسيوس الكبير. القديس غريغوريوس اللاهوتي قال "إن الله به حمى الإيمان الأرثوذكسي وحفظه، في حقبة من أشد الحقب التاريخية حرجاً". وعن كتاباته قال يوحنا موخوس، في القرن السادس للميلاد، "إذا وجدت مقطعاً للقديس أثناسيوس ولم يكن لديك ورق لتنقله فاكتبه على ثيابك". كذلك كتب القديس غريغوريوس اللاهوتي عنه قائلاً: "إذا كنت أثني على القديس أثناسيوس فإنما أثني على الفضيلة نفسها لأنه حوى كل أنواع الفضائل. كان عمود الكنيسة ولا يزال مثال الأساقفة. ليس إيمان أحد صادقاً إلا بقدر ما يستنير بإيمان أثناسيوس". هكذا وصف غريغوريوس خُلقَه: "كان متواضعاً حتى لم يجاره أحد في تلك الفضيلة... حليماً، لطيف المعشر يسهل على الجميع الوصول إليه... طيِّب القلب حنوناً عطوفاً على الفقراء... أحاديثه لذيذة تأخذ بمجامع القلوب. توبيخاته بلا مرارة. ومتى أثنى على أحد فلحمله على الكمال... كثير التسامح من دون ضعف، شديد الحزم من دون قسوة... كثير الحرارة والمواظبة على الصلاة، شديداً في حفظ الأصوام. لا يكلّ عن الأسهار ولا عن تلاوة المزامير... يعطف على الصغار ولا يهاب مقاومة عظماء الدنيا وما يأتون من مظالم". أثناسيوس، بكلمة، مصارع. لم يخش الضربات وكان مستعداً أن يتقبّلها. دافع عن الإيمان القويم في وجه الأباطرة كما في وجه اللاهوتيين السياسيين. كان واثقاً من ربّه وغلبته، ثابتاً في إيمانه وعزمه. |
||||
10 - 01 - 2017, 05:04 PM | رقم المشاركة : ( 28 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: القديس أثناسيوس الكبير معلّم المسكونة (+373م)
لم يردّه عن قول الحق ضيق ولا أسكتته عن الشهادة قوّة. تمثّل الأرثوذكسية قولاً وعملاً. قريباً من الشعب كان لا أرستقراطياً. أسقفاً للمقاومة، بتعبير عصري. حريصاً على إتمام رعايته وتقدّم سامعيه في سبل الحياة الإنجيلية. لا يتسّم لاهوته بالتأملية الفلسفية بل بالصلابة العقدية. لاهوته تأكيد للحق الإلهي لا تفكّر نظري فيه. لاهوته حي. حتى البلاغة عنده مظهر من مظاهر الالتزام بعمل الله الخلاصي.
كان أثناسيوس كلّياً في قولته وتصميمه. اتهموه بالتصلّب وقلّة المداراة. والحق إنه كان صلباً لا متصلّباً. أحدياً في توجّهه على نحو حاد واضح، لا يراوغ ولا يناور ولا يداور. الشعب المؤمن والرهبان أدركوا أنه يقول الحق. لم يؤخذوا بفتنته. أخذوا بشهوة الحق لديه. أقنعهم لا بمنطقه، بل لأنهم وثقوا به. هذا كان سر بلاغته النفّاذة. صنع أثناسيوس الكثير. ترك على الفكر اللاهوتي عبر العصور بصمات لا تمّحى. ولعلّ أبرز ما تركه أنه حال دون تحوّل المسيحية عن خطّها الخلاصي التأليهي إلى فلسفة. كما حرّر الكنيسة من ربقة القوى السياسية، لاسيما وقد اعتاد الأباطرة الرومان، إلى زمانه، الاستبداد بشؤون العبادة كما بشؤون العباد. كذلك ربط اللاهوت بالتأله وبالنسك، وقدّم في شأنه أنطونيوس المغبوط نموذجاً للإنسان الجديد، فكان أثناسيوس مفصلاّ بين الكنيسة كما آلت إليه بكل التحديات التي نزلت بها، والكنيسة كما استودعها سيّدها حقّه ونفسه لمئات السنين، بعدما انفتح بابها للدنيا على مصراعيه، حتى إلى يومنا هذا. |
||||
10 - 01 - 2017, 05:29 PM | رقم المشاركة : ( 29 ) | ||||
..::| VIP |::..
|
رد: القديس أثناسيوس الكبير معلّم المسكونة (+373م)
"اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ."
ربنا يبارك خدمتك |
||||
11 - 01 - 2017, 12:57 PM | رقم المشاركة : ( 30 ) | ||||
..::| الاشراف العام |::..
|
رد: القديس أثناسيوس الكبير معلّم المسكونة (+373م)
بركته تكون معانا
ميرسى ربنا يبارك تعب محبتك |
||||
|