ثانياً: من السابق لأوانه أن نتحدَّث عن “الانقضائية المحقَّقة” (realized eschatology). فالانقضاء (eschaton) لم يأت بعد والتاريخ المقدَّس لم ينته إلى الآن. لذلك نفضِّل عبارة “الانقضائية المدشَّنة” (inaugurated eschatology)، لأنها تصف بكل دقة تحليل الكتاب المقدس، ألا وهو أن الحدث الحاسم في الإعلان الإلهي وقع في الماضي. “الحاسم” (أو “الجديد”) قد دخل التاريخ، وإن كانت المرحلة الأخيرة لم تحدث. في العهد الجديد ما عدنا في عالم الرموز، بل في عالم الحقيقة، ولكن تحت علامة الصليب. الملكوت دُشِّن، لكنه لم يتحقق كلياً. إن قانون الكتاب الثابت نفسه يرمز إلى إنجاز. فالكتاب المقدس أُغلق، لأن كلمة الله تجسَّد، وأصبح مرجعنا شخصاً حيّاً وليس كتاباً. مع هذا يحتفظ الكتاب المقدس بسلطانه ليس فقط كمصنَّف عن الأحداث الماضية، بل كمؤلف نبوي مليء بالإشارات إلى المستقبل والنهاية.
ما زال تاريخ الفداء مستمراً حتى يومنا الحاضر، لأنه تاريخ الكنيسة التي هي جسد المسيح. والروح-المعزِّي يقيم فيها دائماً. لكننا لا نقدر أن نجد منهجاً كاملاً للإيمان المسيحي، لأن الكنيسة مازالت في محجتها. أمَّا الكتاب فقد احتفظت به الكنيسة كمصنَّف تاريخي يذكِّر المؤمنين بطبيعة الإعلان الإلهي الفاعل “مرَّات كثيرة وبمختلف الوسائل” (عبر 1: 1).
كُتب هذا المقال عام 1951
الأب جورج فلوروفسكي
من كتاب :الكتاب المقدس والكنيسة والتقليد