* يجب ألا نصلى لكي نعرف المستقبل، أو نطلب هذه المعرفة كأجر لنسكنا، بل لتكن صلاتنا لكي يكون الرب معنا معينًا لنا للنصرة على إبليس، وإن حدث إننا رغبنا مرة في معرفة المستقبل لمجد الله فلنكن طاهري الذهن، لأنني اعتقد أنه إن تطهرت النفس تمامًا، وكانت في حالتها الطبيعية، استطاعت أن ترى أكثر وأبعد من الشياطين لنقاوة نظرها، ولأن الرب يعلن لها، كنفس إليشع التي رأت جيوش الملائكة واقفة بجوارها.
* وحتى إن مدحت نسككم ودعتكم كمباركين فلا تصغوا إليها ولا تكن لكم معاملات معها. بل بالأحرى ارشموا ذواتكم وبيوتكم، وصلوا تجدوها قد انقشعت. لأنها في غاية الجبن، وتخشى جدًا علامة صليب الرب طالما كان الرب قد جردها بالحق وأشهرها جهارًا. أما إذا ثبتت بلا خجل، مغيرة هيئتها وشكلها فلا تخشوها ولا تنزعجوا، ولا تستمعوا إليها كأنها أرواح صالحة. لأنه بمساعدة الله يسهل تمييز وجود الخير أو الشر، فرؤية القديسين لا تقترن بالذهول أو الحيرة " لأنهم لا يخاصمون ولا يصيحون ولا يسمع أحد في الشوارع صوتهم". إذ تأتى بهدوء ورقة حتى أنه للحال يحل في النفس الفرح والبهجة والشجاعة لأن معهم الرب الذي هو فرحنا، فتبقى أفكار النفس غير مضطربة أو منزعجة، إذ تتملكها محبة الإلهيات ومحبة الأشياء العتيدة. ولكن إن كان البعض -وهم بشر- يخافون رؤية الصالحين فإن الذين يظهرون ينزعون الخوف في الحال كما فعل جبرائيل في حالة زكريا وكما فعل الملاك الذي ظهر للنسوة عند القبر المقدس وكما فعل ذاك الذي قال للرعاة في الإنجيل " لا تخافوا " فخوفهم لم ينشأ عن الجبن بل عن الإحساس بحضور كائنات أعلى. إذًا فهذه هي طبيعة رؤية الصالحين.
* أما إغارات الأرواح الشريرة ومظاهرتها فتكون مقترنة بالاضطراب والطنين، وأصوات وصراخ، كالشغب الذي يحدث من الصبية الأردياء. ومن ذلك ينشأ الخوف في القلب والاضطراب في الفكر والكآبة وكراهية الذين يعيشون حياة النسك، وعدم المبالاة والحزن وتذكر الأهل، والخوف من الموت، وأخيرًا الرغبة في الشرور، وعدم احترام الفضيلة، والعادات غير المستقرة.