04 - 03 - 2014, 03:23 PM | رقم المشاركة : ( 21 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
الإنسان و محبة العجلة والإسراع في طلب الاستجابة من الله · وعد الرب أبانا إبراهيم بأن يكون له نسل، مثل نجوم السماء ورمل البحر. وانتظر إبراهيم طويلًا ولم يعط نسلًا كنجوم السماء... ولا حتى ابنًا واحدًا... ماذا يا رب، هل نسيت مواعيدك؟ كلا، إنني لم أنس، ولكنك أنت الذي تريد أن تتعجل الأمور قبل مواعيدها... "تقو وليتشدد قلبك، وانتظر الرب"... · وعاد إبراهيم، فانتظر مدة أطول، ولكن النسل لم يعط له... فبدأ اليأس يتطرق إلى قلبه، ودفعه اليأس إلى أن يدخل على جاريته هاجر، وينجب منها ابنًا... ولكن مشيئة الله ظلت كما هي "بسارة يدعي لك نسل" (تك17: 9)... وعاد إبراهيم فانتظر سنوات أخري... وحتى بعد ولادة إسحق، مرت عليه عشرات السنوات، ومازال الوعد الخاص بنجوم السماء ورمل البحر ينتظر التحقيق... وعاد إبراهيم فاتخذ قطورة زوجة له. فولدت له زمران ويقشان ومديان ويشباق وشوحا (تك25: 1، 2)... لم تكن مشيئته الرب في كل هؤلاء، فأعطاهم إبراهيم عطايا وصرفهم عن إسحق ابنه... وانتظر حتى يحقق الرب وعده، في ملء الزمان... بطريقته الهادئة، التي لا تعجل فيها... · إن اليأس من وعود الله ومواعيده يدعو إلى التعجل. والعجلة تدعو إلى استخدام الطرق البشرية. والطرق البشرية تتنافي مع طرق الله الصالحة. وسنأخذ مثلًا لذلك رفقة زوجة إسحق. · قال الرب لرفقة وهي بعد حبلي: "في بطنك أمتان، ومن أحشائك يفترق شعبان: شعب يقوي على شعب، وكبير يستعبد لصغير" (تك25: 23). والكبير هو عيسو، يُسْتَعْبَد للصغير الذي هو يعقوب. · كيف هذا يا رب؟ كيف يستعبد الكبير للصغير؟ طالما هو البكر فهو السيد. فهل سيفقد البكورية؟ وكيف يكون ذلك؟ · يجيب الرب: اتركوا هذه الأمور لي، سأعالجها بطريقتي الخاصة، الهادئة الصالحة. ومرت الأيام والسنون... أين يا رب وعدك؟ يجيب: إنتظروا، سيتم كل شئ في حينه، في ملء الزمان. ثم أتي اليوم الذي طلب فيه إسحق صيدًا من ابنه عيسو، لكي يباركه. وهنا لم تستطع رفقة أن تحتمل، فقدمت حيلة بشرية لأبنها يعقوب ليأخذ بها البركة عن طريق خداعة لأبيه... لماذا أسرعت رِفقة؟ ولماذا لم تنتظر الرب؟ ولماذا لجأت إلى الطرق البشرية الخاطئة التي لا تتفق مع مشيئة الله الصالحة؟ إنها حمى الإسراع وعدم انتظار ملء الزمان... وماذا كانت النتيجة؟ كانت سنوات طويلة من المتاعب والآلام، قضاها يعقوب شريدًا هاربًا وخائفًا من أخيه. ومتعبًا من معاملة لابان السيئة وخداعة له. وقد سجل يعقوب ملخص حياته هذه بقوله: "أيام سني غربتي... قليلة وردية" (تك 47: 9). حنة أيضًا كانت تطلب ابنًا من الرب، وكانت ضرتها تغيظها غيظًا. وبدا كما لو أن الرب كان يسمع. ويظل ساكتًا! ومرت الأيام، وحنة ما تزال عاقرًا " وهكذا صار سنة بعد سنة، كلما صعدت إلى بيت الرب أن (ضرتها فننه) كانت تغيظها. فبكت ولم تأكل" (1صم1: 7). والرب يسمع ويري، ومع ذلك يبدو ساكتًا لا يعمل شيئًا!... إلى متى يا رب لا تستجيب؟ إلى متى تحتمل بكاء حنة من إغاظة ضرتها؟ يجيب الرب: انتظروا ملء الزمان. إن الذي لا يتعبكم طول أناتي، بل الذي يتعبكم هو حمي الإسراع. انتظرونا، فللانتظار فائدته... وكان من فائدة الانتظار أن حنة نذرت نذرًا أن تعطي ابنها للرب كل أيام حياته. وقد كان، وولد لها صموئيل. ولد صموئيل في ملء الزمان، متأخرًا جدًا. ولكنه كان أفضل من جميع أولاد فننة، ضرة أمه التي كانت تغيظها... من هم أولاد فننة؟ إننا لا نعرف شيئًا عنهم ولا حتى عن أسمائهم، أما صموئيل فيعرفه الجميع... ليتنا إذن في معاملاتنا للرب، نصبر، وننتظر ملء الزمان. إن الضيقات تحتاج إلى طول أناة، حتى يرفعها الرب عنا في الحين الحسن، في ملء الزمان، بعد أن نكون قد أخذناه بركتها. ولكننا أحيانًا لا نفعل هكذا بل نضيق بسرعة، ونصرخ: "لماذا يا رب تركتنا؟ لماذا لم تسمع الصلاة؟"... قد يكون لك مريض تطلب شفاءه، وتلح في ذلك. وقد يبطئ الرب في الاستجابة حتى يأتي ملء الزمان الذي يحدده للمريض حسب حكمته في اختيار الأوقات. أما أنت فتضجر وتصيح في ضجرك: "ليه يا رب ما بتسمعش؟ أمال إيه لازمة الصلاة؟ أمال إيه فايدة سر مسحة المرضي!! " وتعمل خناقة مع ربنا... ليس لأن الله قد أخطأ في حقك، وإنما بسبب محبتك للإسراع وعدم انتظارك ملء الزمان. |
||||
04 - 03 - 2014, 03:25 PM | رقم المشاركة : ( 22 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
ملىء الزمان هو الوقت المناسب | فكرة الذبيحة والفداء بنفس حكمة ملء الزمان، انتظر الرب حتى يعد كل شيء لتجسده، ثم بعد ذلك نزل إلينا في الوقت المناسب... لم يكن هناك وقت مناسب أكثر من موعد مجيئه بالذات. كان كل شيء ممهدًا وكل شيء معدًا. لذلك كان عمل مجيئه قويًا، وكان تقبل الناس له سريعًا... كانت النبوءات قد اكتملت، وكذلك الرموز. وأعد الرب فهم الناس لها خلال مدي طويل، حتى يستطيعوا أن يستوعبوها عندما يتم المكتوب ويتحقق الرمز... خذوا لذلك مثالًا هو فكرة الذبيحة وفكرة الفداء: كيف تدرج الله بهم من الذبيحة التي غطي آدم وحواء عريهما بجلدها إلى ذبيحة هابيل التي "من أبكار غنمه ومن سمانها"، إلى فكرة ذبيحة الابن الوحيد التي تمثلت في إسحق، إلى شروط الذبيحة التي بلا عيب، التي تحمل خطية غيرها وتموت عنه... وتركهم آلافًا من السنين حتى احتضنوا الفكرة واستوعبوها وصارت من بديهياتهم... إن الله طريقته هادئة وطويلة المدى، ولكنها منتجة ونافعة... صدقوني، لو أن الله صبر كل تلك الآلاف من السنين حتى يجد العذراء الطاهرة التي تستحق أن يولد منها الرب، والتي تحتمل أن يولد منها الرب، لكان هذا وحده سببًا كافيًا. وكان ينبغي أن ينتظر حتى يوجد الرجل البار الذي تعيش تلك العذراء في كفنه، ويحفظها في عفتها، ويحتمل أن تحبل من الروح القدس، ويقبل الفكرة، ويحمي الفتاة، ويعيش كأنه أب لابنها في نظر المجتمع.. وكان ينبغي الانتظار حتى يولد الملاك الذي يعد الطريق قدام ملك الملوك، أعني يوحنا المعمدان ذا الشخصية الجبارة والتأثير العميق. الذي يستطيع أن يقول: "في وسطكم قائم الذي لستم تعرفونه، هو الذي يأتي بعدي، الذي صار قدامي، الذي لست بمستحق أن أحل سيور حذائه" (يو1: 27) "وينبغي أن ذاك يزيد، وأني أنا أنقص. الذي يأتي من فوق، هو فوق الجميع. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع.." (يو3: 30، 31). لعل أحدًا يسأل: ولماذا لم يوجد الله كل هؤلاء منذ زمن؟ نجيب بأن الله لا يرغم البشر على البر والقداسة. إنه ينتظر حتى توجد الآنية المستعدة بكامل إرادتها.. هناك أسباب عديدة جدًا توضح شيئًا من حكمة الرب في الانتظار حتى يأتي ملء الزمان. أوضحها هو إعداد العالم كله وتهيئته لقبول فكرة التجسد وفكرة الفداء... وأخيرًا، عندما كمل كل شيء "لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التبني" (غل4: 4، 5). |
||||
04 - 03 - 2014, 03:27 PM | رقم المشاركة : ( 23 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
عمانوئيل الذي تفسيره: الله معنا " هوذا العذراء تحبل وتلد ابنًا ويدعون اسمه عمانؤئيل الذي تفسيره الله معنا" (مت1: 23) " ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانؤئيل Immanuel" (إش7: 14) جميل هذا الاسم الذي دعي به السيد المسيح في مولده، عمانؤئيل، الله معنا. اسم فيه الكثير من التعزية، إذ فيه الكثير من حب الله لنا. إن بركة عيد الميلاد هي هذه: أن نشعر أن المسيح هو الله معنا، الله في وسطنا، ساكن معنا، وساكن فينا. الله في الحقيقية يحب البشر جدًا، مسرته في بني البشر. يحب أن يهب الإنسان لذة الوجود معه، ويحب قلب الإنسان كمكان لسكناه. منذ أن خلق الإنسان، خلقه على صورته ومثاله. وأراد أن يجعله موضعًا لسكناه، أراد أن يسكن في قلب الإنسان ويحل فيه. ومرت آلاف السنوات، وإلهنا الصالح يحاول أن يجد له موضعًا في الإنسان، ومكانًا يكون أهلًا لسكناه. ولكن الجميع كانوا قد زاغوا وفسدوا، ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد... لم يجد الرب في قلوبهم موضعًا يسند فيه رأسه... فماذا عنك أنت أيها المبارك؟ إن الله ينظر إلى قلبك ويقول: "هذا هو موضع راحتي إلى أبد الأبد. ههنا أسكن لأني إشتهيته" (مز132: 14). |
||||
04 - 03 - 2014, 03:28 PM | رقم المشاركة : ( 24 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
مسكن الله مع الناس إن سكني الله مع الناس وفي وسطهم، هي قصة قديمة. إنها قصة خيمة الاجتماع التي فيها نرى الله يسكن وسط شعبه. أو هى قصة تابوت العهد، التي فيها نري الله يسكن وسط شعبه. وكما أن سكني الله مع الناس دلالة خيمة الاجتماع، هي أيضًا دلالة أورشليم السمائية في الأبدية، التي قيل عنها: "هوذا مسكن الله مع الناس. وهو سيسكن معهم. وهم يكونون له شعبًا. والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم" (رؤ21: 3). وقد وضح هذا المعني بتشبيه أقوي في حبه: قال إنه الرأس ونحن الأعضاء، وقال الرسول عنا ككنيسة أننا: "جسد المسيح". ولعل مثل هذا التشبيه هو ما قصده الرب بقوله: "أنا الكرمة وأنتم الأغصان" (يو15: 5)، وطلب منا أن نثبت فيه كما تثبت الأغصان في الكرمة ولعل هذا أيضًا هو جزء من الصلاة الطويلة التي صلاها في بستان جثسماني، حيث قال عن تلاميذه: "أنا فيهم، وأنت في، ليكونوا مكملين إلى واحد... عرفتهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم" (يو17: 23). الله الذي حل في بطن العذراء لكي يأخذ منها جسدًا، يريد أن يحل في أحشائك لكي يملأك حبًا... إن أفضل مسكن لله هو فيك. الله لا يسر بالسماء مسكنًا له، بل هو واقف على بابك يقرع لكي تفتح له (رؤ3: 2). وهو يعتبر جسدك هيكلًا لروحه القدوس ويسكن روح الله فيه (1كو3: 16). وهو يريد أن يأتى اليك ليقيم فيك مع الآب. انظر ماذا يقول"إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبى، وإليه نأتي وعنده نصنع منزلًا" ( يو 14 :23). الله الذي بصر في إلحاح أن يسكن فيك، يخاطب نفسك الحبيبة إليه بتلك العبارات المؤثرة: "افتحي لي يا أختي يا حمامتي يا كاملتي، فإن رأسي قد إمتلأ من الطل، وقصصي من ندي الليل" (نش5: 2). تصوَّر أن الله واقف طول هذه المدة يقرع على بابك محتملًا من أجلك الطل وندي الليل. سماؤه الحقيقية هي قلبك، لذلك يطلب إليك على الدوام قائلًا: "يا ابني أعطني قلبك..." (أم23: 26). إنه يقول لكل نفس بشرية ما قاله المرتل في المزمور "اسمعي يا ابنتي وانظري وأميلي سمعك، وانسي شعبك وبيت أبيك، فان الملك قد اشتهى حسنك، لأنه هو ربك" (مز 45 : 10 ،11). إن عبارة "الله معنا" لم يقصد بها أن يكون عمانوئيل معنا في فترة تجسده فقط . وإنما على الدوام. وهكذا يقول الرب: "ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر" (مت28: 20). ويقول أيضًا: "إن اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم" (مت18: 20). ويظل الرب معنا في الأبدية التي لا تنتهي. وعن هذا الأمر قال للآب: "أيها الآب، أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي، حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا" (يو17: 24). وهكذا قال يوحنا الرائي عن أورشليم السمائية إنها: "مسكن الله مع الناس" (رؤ21: 3). هل إلى هذا الحد يا رب؟ نعم: أنا أريد أن أسكن معكم، وأحل فيكم. هل إلى هذا الحد يا رب؟ نعم: أنا أريد أن أسكن معكم، وأحل فيكم. أجد لذة في عشرتكم وفى صداقتكم. أحب أن أكون في وسطكم... أنا عمانؤئيل، الله معكم... |
||||
04 - 03 - 2014, 03:29 PM | رقم المشاركة : ( 25 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
الله معنا إن بركة عيد الميلاد تتركز في عبارة (عمانؤئيل). الله معنا. فإن كنت يا أخي تحسّ أنك مع الله، والله معك، تكون قد تمتعت فعلًا ببركة عيد الميلاد... لا تظن أن عيد الميلاد هو اليوم الذي انتهينا فيه من الصوم وبدأنا نفطر!! أو أن عيد الميلاد هو اليوم الذي عملنا فيه قداس العيد بطقوسه وألحانه الفرايحي... عيد الميلاد من الناحية الروحية هو عشرة عمانوئيل، الذي هو الله معنا... إن الله لا يريد منك شيئًا غير قلبك ليسكن فيه... اوعى تفتكر إن ربنا عايز منك غير كده!! أبدا، صدقني. تقول له يا رب، سأعطى كل أموالى للفقراء، يقول لك يا حبيبي أنا عايز قلبك، عايز أسكن جواك. تقول له يا رب ها أصوم وأبطل كل حاجة، يقول لك أنا عايز قلبك ... تقول له: أنا ها أصلى طول الليل، يقول لك: إن صليت طول الليل، ولم تعطني قلبك، فلا فائدة من صلاتك. كل عبادتك وصلواتك هي مجرد عبادة خارجية، إن لم يكن لله مسكن داخل قلبك. · الله يريد أن يقيم صداقة معك. يقول الكتاب: "وسار أخنوخ مع الله، ولم يوجد لأن الله أخذه" (تك 5: 24). منظر جميل أن نتخيل أخنوخ وهو سائر مع الله. وشعور عميق أن ندرك كيف أن الله لم يمكنه الاستغناء عن أخنوخ، فأخذه إليه... إن بولس الرسول يشرح مجيء الرب الثاني على السحاب، واختطافنا إليه، فيختم هذا المشهد الجميل بقوله: "وهكذا نكون كل حين مع الرب. لذلك عزوا بعضكم بعضًا بهذا الكلام" (1تس4: 17، 18). وهنا على الأرض نلمح ملاحظة قوية في حياة القديسين... وهي أن القديسين كانوا يشعرون دائمًا بوجودهم في حضرة الله. كانوا يرونه معهم على الدوام، أمامهم وعن يمينهم... إنها عبارة متكررة على فم إيليا النبي إذ يقول: "حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه" (1مل18: 15). من فينا شعر باستمرار أنه واقف أمام عمانؤئيل الذي هو الله معنا؟... داود أيضًا كان يحس على الدوام بوجود الله معه إذ يقول: "رأيت الرب أمامي في كل حين، لأنه عن يميني فلا أتزعزع" (مز16: 8). ما هذا يا داود؟ هل الرب أمامك أم عن يمينك؟ هو معي في كل حين وفي كل موضع، وفي كل اتجاه أشعر بوجود الله... · إن الشخص الذي يشعر بأن الله أمامه، لا يمكن أن يخطئ، سيخجل حتمًا من الله. ويقول: "هوذا الله يراني وأنا أعمل، هوذا الله يسمعني وأنا أتكلم". الله له عينان كلهيب نار تخترقان الظلام. فلو أننا شعرنا أن الله كائن معنا، لكان من المستحيل علينا أن نخطئ. إن خطايانا دليل على أننا غير شاعرين بوجوده معنا. · هناك حادثة حدثت مع القديس مارأفرام السرياني تثبت هذا الأمر. في إحدى المرات هددته امرأة ساقطة أن تشهر به إن لم يطاوعها ويفعل الشر معها. فتظاهر بالموافقة على شرط أن يحدث ذلك في سوق المدينة. فاندهشت المرأة وقالت له: [كيف نفعل هذا في السوق ؟! ألا تستحي من الناس وهم حولنا؟!] فأجابها القديس: [إن كنت تستحين من الناس، أفما تستحين من الله الذي عيناه تخترقان أستار الظلام؟!]. وكان لكلام القديس تأثيره العميق في المرأة فتابت على يديه. هل تظن يا أخي أن الملحدين فقط هم الذين ينكرون وجود الله؟! أؤكد لك أنك في كل خطية ترتكبها تكون قد نسيت وجود الله أو أنكرته عمليًا. لو كنت مؤمنًا فعلًا بوجوده أمامك، لخجلت وخشيت... لا شك أن إحساسنا بعمانؤئيل الله معنا يعطينا الطهارة والنقاوة والقداسة، على الدوام. |
||||
04 - 03 - 2014, 03:31 PM | رقم المشاركة : ( 26 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
إحساسنا بوجود الله معنا يعطينا الشجاعة وعدم الخوف * وإحساسنا بوجود عمانوئيل، الله معنا، يعطينا الشجاعة وعدم الخوف. لما بدأ يشوع خدمته، قال له الرب: "لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. كما كنت مع موسى أكون معك، لا أهملك ولا أتركك... تشدد وتشجع، لا ترهب ولا ترتعب، لأن الرب إلهك معك حيثما تذهب" (يش1: 5، 9). الإنسان الذي يشعر بوجود الله، يشعر بقوة عظيمة معه، تزيل منه كل خوف وكل اضطراب، وتهبه الثقة والاطمئنان... واحد يسألك محرجًا، فتخاف، وتكذب! لماذا؟ لأنك تخاف؟ ولماذا تخاف؟ إن الله معك... لا يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك. خطية الخوف هي خطية عدم إيمان، عدم إيمان بعمانؤئيل ورعايته. كان داود شجاعًا. وكان يقول: "الرب نوري وخلاصي ممن أخاف..." "وإن نزل على جيش فلن يخاف قلبي، وإن قام عليَّ قتال ففي هذا أنا مطمئن" (مز27: 1، 3). "الرب عوني فلا أخشى، ماذا يصنع بي الإنسان؟" (مز11: 6). وفي هذه العبارات نلمح الفرق بين شجاعة القديسين وشجاعة أهل العالم. شجاعة أهل العالم سببها ثقتهم بقوتهم الخاصة، وشجاعة القديسين سببها ثقتهم بوجود عمانوئيل، الله معهم. ظهر الله لبولس الرسول في رؤيا بالليل وقال له: "لا تخف، بل تكلم ولا تسكت، لأني أنا معك. ولا يقع بك أحد ليؤذيك" (أع18: 10). القديس بولس أخذ هذه العبارة، وعاش بها، ممتلئًا من الإيمان قوة. وقف قدام ليساس الأمير، وفِيلكس الوالي، وأمام العزيز فَسْتوس وأغريبا الملك. ولم يستطع أحد منهم أن يؤذيه. بل على العكس خافوا منه. لماذا خفتم أيها الملوك والأمراء من هذا الأسير المقيد بالسلاسل؟ يجيبون: لم نخف منه، وإنما من الإله الذي معه، من الرب الساكن فيه... بولس هذا في شخصه نستطيع أن نقدر عليه. ولكن لا نقدر عليه عندما يقول: "أحيا لا أنا، بل المسيح الذي يحيا في" (غل2: 20). قبض ليساس الأمير على القديس بولس، فماذا فعل به؟ هل آذاه في شئ؟ كلا. بل أعد قوة مسلحة تتكون من 200 عسكري، و70 فارسًا و 200 رامح، فأركبت القديس بولس، وأوصلته سالما إلى فيلكس الوالي بقيصرية... (أع23: 23، 24) صحيح يا رب، أنت معنا. ووقف القديس بولس أمام فيلكس "وبينما كان يتكلم عن البر والتعفف والدينونة العتيدة أن تكون، أرتعب فيلكس..." (أع24: 25). ارتعب الوالي من أسيره المقيد، من القوة العجيبة التي تخرج منه، من الله الذي معه، من عمانوئيل... وقف القديس بولس أمام الملك أغريباس، فكانت النتيجة أن قال له الملك: "بقليل تقنعني أن أصير مسيحيًا" (أع26: 28). وشهد عنه قائلًا: "إن هذا الإنسان ليس يفعل شيئًا يستحق الموت أو القيود". هذه فكرة عن عمل عمانوئيل إلهنا، عندما يكون معنا، ويحطم كل قوة أمام عبيده، فلا يقع بهم أحد ليؤذيهم. هذا هو عمانوئيل الذي كان مع الثلاثة فتية في أتون النار "فلم تكن للنار قوة على أجسامهم، وشعره من رؤوسهم لم تحترق، وسراويلهم لم تتغير، ورائحة النار لم تأت عليهم" (دا3: 27)، حتى انذهل نبوخذ نصر قائلًا: "ليس إله آخر يستطيع أن ينجي هكذا"... |
||||
04 - 03 - 2014, 03:32 PM | رقم المشاركة : ( 27 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
مُصالحة السماء والأرض ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح وأعطانا خدمة المصالحة" (2كو5: 18). أول شيء نتذكره في ميلاد الرب هو عمق محبته للناس. فمن أجل محبته لهم سعي لخلاصهم. ومن أجل محبته لهم أخلي ذاته، وأخذ شكل العبد، ونزل من السماء، وتجسد وصار في الهيئة كإنسان (في2: 7، 8). إن التجسد والفداء، أساسهما محبة الله للناس. فهو من أجل محبته لنا، جاء إلينا. ومن أجل محبته لنا، مات عنا. لهذا يقول الكتاب: "هكذا أحب الله العالم... حتى بذل ابنه الوحيد..." (يو3: 16). أنظروا ماذا يقول: "هكذا أحب... حتى بذل". نحن إذن في تجسده، نذكر محبته التي دفعته إلى التجسد. واعترافًا منا بهذه المحبة، نتغنى بها في بدء كل يوم، إذ نقول للرب في صلاة باكر: "أتيت إلى العالم بمحبتك للبشر، وكل الخليقة تهللت بمجيئك". قبل ميلاد السيد المسيح، كان هناك خصومه بين الله والناس. فجاء السيد المسيح لكي يصالحنا مع الله، أو جاء لكي نصطلح معه هو. قبل مجيئه كانت هناك خصومة بين السماء والأرض. ومرت فترة طويلة كانت فيها شبه قطيعة بين السمائيين والأرضيين: لا رؤي، ولا أحلام مقدسة، ولا أنبياء، ولا كلام من الله للناس، ولا ظهورات مقدسة... ولا أية صلة واضحة...!! كانت الأرض بعيدة عن السماء طوال تلك الفترة... كانت خطايا الناس كليالي الشتاء: باردة ومظلمة وطويلة. وكانت تحجب وجه الله عنهم. وكانت الخصومة بينهم وبين الله، يمثلها في الهيكل الحاجز المتوسط الذي لا يستطيع أحد من الشعب أن يجتازه إلى قدس الأقداس... وزادت خطايا الناس، واحتدم غضب الله عليهم، واستمر القطيعة. ولم يحاول البشر أن يصطلحوا مع الله. ثم جاء السيد المسيح، فأقام صلحًا بين السماء والأرض، وأرجع الصلة بينهما. وبدأت تباشير الصلح تظهر. ورجعت العلاقات كما كانت من قبل وأكثر... ولكي أوضح الأمر لكم أقول: تصوروا أن دولتين متخاصمتين، قد رجع الصلح بينهما، فماذا تكون النتيجة: طبعًا ترجع العلاقات كما كانت: يعود التمثيل السياسي بينهما، وإرسال السفراء والقناصل..وفي ظل المودة الجديدة تبرم اتفاقية اقتصادية، اتفاقية ثقافية، اتفاقية عسكرية... المهم أنه توجد علاقة وصلة. كذلك لنفرض أن شخصين متخاصمين قد اصطلحا، في ظل الصلح نري العلاقات قد بدأت ترجع، تعود التحيات والابتسامات والزيارات والأحاديث، وتعود المودة... هكذا حدث بين السماء والأرض. وبدأت تباشير الصلح تظهر بمجيء السيد المسيح إلى الأرض أو في خطوات وممهدات مجيئه.. |
||||
04 - 03 - 2014, 03:35 PM | رقم المشاركة : ( 28 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
تباشير الصُلح وأول شيء شاهدناه من تباشير هذا الصلح هو كثرة نزول الملائكة إلى الأرض. في مجيء السيد المسيح وقبيل مجيئه ازداد ظهور الملائكة بشكل واضح ظهورات متوالية، فردية وجماعية، كسفراء للرب. وتهلل الملائكة بفرح عظيم، وأرادوا أن يشتركوا في هذا الحدث العجيب وهو تجسد الرب وميلاده فظهر ملاك يبشر زكريا بولادة يوحنا (لو1: 11)، وملاك يبشر العذراء بولادة السيد المسيح (لو1: 26)، وملاك ظهر ليوسف في حلم يخبره بحبل العذراء (مت1: 20). وملاك ظهر للرعاة يبشرهم بالميلاد الإلهي (لو2: 9). وملاك ظهر ليوسف في حلم وأمره أن يهرب بالطفل يسوع وأمه إلى مصر (مت2: 13). بالإضافة إلى هذا جمهور من الملائكة الذين ظهروا مسبحين الله وقائلين: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو12: 23، 14). إن ظهور الملائكة بهذه الكثرة، يدل على أن العلاقات بدأت ترجع بين السماء والأرض، وتدل على فرح الملائكة بالخلاص المزمع، واشتراكهم مع الأرضيين في هذا الفرح. وظهور الملائكة في فترة الميلاد كان مجرد طلائع للملائكة الذين ملأوا العهد الجديد... ملائكة كانوا يخدمون الرب على جبل التجربة (مر1: 13)، وملائكة القيامة الذين ظهروا للنسوة، ومثل الملاكين اللذين طمأنا الرسل وقت صعود الرب (أع1: 10)... كان هؤلاء جميعًا طلائع نعرف بهم الملائكة غير المرئيين المحيطين بنا الآن، الذين قال عنهم القديس بولس الرسول: "أليس جميعهم أرواحًا خادمة، مرسلة للخدمة لأجل العتيدين أن يرثوا الخلاص" (عب1: 14). ولم تكتف السماء في صلحها مع الأرض بظهور الملائكة، بل امتدت إلى الأحلام المقدسة بما فيها من توجيه ومن إعلان. اجتمع الأمران معًا بالنسبة ليوسف الصديق: ملاك ظهر له في حلم يخبره بالحبل المقدس (مت1: 20). وملاك ظهر له في حلم يأمره بالذهاب إلى مصر (متت2: 13). ثم بعد ذلك ظهر له ملاك في حلم في أرض مصر يأمره أن يرجع إلى بلده لأنه "قد مات الذين كانوا يطلبون نفس الصبي" (مت2: 20). ولما خاف أن يذهب إلى اليهودية بسبب أن أرخيلاوس كان يملك هناك، " أوحي إليه في حلم "أن ينصرف إلى نواحي الجليل، فذهب وسكن في الناصرة" (مت2: 22). هؤلاء الملائكة الذين ظهروا ليوسف الصديق في الأحلام، يعطوننا فكرة عن سمو مكانة العذراء. فالعذراء ظهر لها الملائكة عيانًا في صحوها، رأتهم بعينيها وسمعتهم بأذنيها، أما يوسف الصديق فرأي وسمع في الأحلام. إن هذا يذكرنا بالفرق الكبير بين مركز موسي النبي ومركز هارون ومريم. اللذين وبخهما الرب عندما تقولا على موسي، فقال لهما: "إن كان منكم نبي للرب، فبالرؤيا استعلن له، في الحلم أكلمه. وأما عبدي موسى فليس هكذا بل هو أمين في كل بيتي. فمًا إلى فم وعيانًا أتكلم معه" (عد12: 6-8). لقد كلم الملائكة يوسف الصديق عن طريق الأحلام. وهكذا حدث أيضًا مع المجوس، بعد أن رأوا الطفل يسوع، وقدموا له هداياهم "أوحى إليهم في حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس، فانصرفوا إلى كورتهم" (مت2: 12). وحديث المجوس يذكرنا بظهورات مقدسة أخري صاحبت حديث الميلاد، ونقصد أولًا النجم الذي ظهر للمجوس، وأرشدهم إلى مكان المزود المقدس (مت2: 1-12). لم يكن ذلك النجم عاديًا -كما شرح القديس يوحنا ذهبي الفم- بل كان قوة إلهية أرشدتهم. ذلك أن مساره كان غير عادي من الشرق إلى الغرب، وكان يظهر حينًا، ويختفي حينًا آخر، ويقف حينًا ثالثًا. كذلك إرشاده لمكان المزود معناه أنه هبط من علوه هبوطًا يوضح المكان، وبخاصة لأن الكتاب يقول عنه أنه: "وقف حيث كان الصبي". هذا النجم كان ظهورًا مقدسًا ولم يكن نجمًا كباقي النجوم... |
||||
04 - 03 - 2014, 03:35 PM | رقم المشاركة : ( 29 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
مُصالحة السماء مع الأرض وفي صلح السماء مع الأرض الذي جلبته بركة الميلاد لم تقتصر الصلة على ظهور الملائكة والأحلام المقدسة والظهورات المقدسة، بل أيضًا رجعت روح النبوة مرة أخري، ورجع عمل الروح القدس في الناس وامتلاؤهم منه. نقرأ عن يوحنا المعمدان في بشارة الملاك عنه أنه: " من بطن أمه يمتلئ من الروح القدس" (لو1: 15). ونقرأ في بشارة الملاك للعذراء قوله لها: "الروح القدس يحل عليك، وقوة العليّ تظللك" (لو1: 35). ونقرأ في زيارة العذراء مريم للقديسة أَلِيصَابَات أنه: "لما سمعت أليصابات سلام مريم، إرتكض الجنين في بطنها، وامتلأت أليصابات من الروح القدس" (لو1: 41). ونقرأ عن زكريا الكاهن بعد انقضاء فترة صمته " وامتلأ زكريا أبوه من الروح القدس وتنبأ قائلًا..." (1: 67). ونقرأ أيضًا عن سمعان الشيخ أنه كان رجلًا بارًا: "والروح القدس كان عليه وكان قد أوحي إليه بالروح القدس..." (لو2: 25: 26). عجيب جدًا هذا العمل الواسع للروح القدس في الناس في تلك الفترة المقدسة. وعجيب هذا الإمتلاء من الروح القدس وهذا الحلول، وهذا التنبؤ أيضًا... لقد تنبأ زكريا الكاهن، وتنبأت إمراته أَلِيصَابَات، وتنبأ سمعان الشيخ، وتنبأت حنّة بنت فنوئيل (لو2: 36). وبدا أن الله رجع يتكلم في أفواه الأنبياء وكل ذلك كان من بوادر انتهاء الخصومة بميلاد السيد المسيح، أو كانت هذه هي تباشير الصلح الذي تم على الصليب. وكان من تباشير الصلح أيضًا رجوع المعجزات. والمعجزات دليل عمل يد الله مع الناس... كان انفتاح رحم أليصابات العاقر هو المعجزة الأولي. وكان صمت زكريا الكاهن ثم انفتاح فمه بعد تسعة أشهر معجزتين أخريين. وكانت معجزة المعجزات هي ولادة السيد المسيح من عذراء. وكان ارتكاض الجنين بابتهاج في بطن أَلِيصَابَات تحيه للجنين الإله الذي في بطن العذراء هو معجزة أخري. ولا نستطيع أن نحصي المعجزات التي رافقت ميلاد المسيح وطفولته. أما معجزاته في أرض مصر، فلعل أبرزها هو ما يشير إليه إشعياء النبي قائلًا: "هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر. فترتجف أوثان مصر من وجهه، ويذوب قلب مصر داخلها" (إش19: 1). وفعلًا سقطت أوثان مصر بدخول الرب إليها... كل هذا يدل على أن يد الرب قد بدأت تعمل، وأن ميلاد السيد المسيح كان مقدمة لصلح السماء مع الأرض، الصلح الذي قلنا إن أولي تباشيره كان ظهور الملائكة. ويحسن أن نقف وقفة تأمل بسيطة عند ظهورات الملائكة هذه... · أول ملاك ظهر وذكره الإنجيل المقدس، كان هو الملاك الذي ظهر لزكريا الكاهن. إنها لفته كريمة من الرب يعطى بها كرامة للكهنوت، فيكون ظهور الملائكة أولًا للكهنة، بعد فترة الاحتجاب الطويلة. ولفته كريمة أخري للكهنوت، أن يظهر الملاك في مكان مقدس: "واقفًا عن يمين مذبح البخور " وفي لحظة مقدسة عندما كان زكريا البار يكهن للرب ويرفع البخور أمامه (لو1: 8-10)... جميل من الرب أنه عندما أرسل خدامه السمائيين أولًا إلى بيته المقدس وإلى خدام مذبحة الطاهر. ولا شك أن هذا كله يشعرنا بجمال المذبح الذي وقف الملاك عن يمينه في أول تباشير الصلح. كم بالأكثر جدًا مذبح العهد الجديد في قدسيته الفائقة للحد، حيث ملاك الذبيحة الصاعد إلى العلو يحمل إلى الله تضرعنا... |
||||
04 - 03 - 2014, 03:36 PM | رقم المشاركة : ( 30 ) | ||||
† Admin Woman †
|
رد: كتاب تأملات في الميلاد لقداسة البابا شنودة الثالث
مصالحة السمائيين مع الأرضيين نعود إلى الملاك الطاهر الذي ظهر لزكريا الكاهن... كان ملاكًا يحمل بشارة مفرحة. لقد عاد الرب يفرح وجه الأرض التي حرمت كثيرًا من أفراحه في فترة القطعية والخصومة. وهل هناك فرح أعظم من تبشير زوج العاقر بأنها ستلد ابنًا: "لم يقم بين المولودين من النساء من هو أعظم منه" (مت11: 11)، ابنًا سيكون: "عظيمًا أمام الرب" (لو1: 15)!! عبارات: "الفرح" تدفقت من فم الملاك، فقال: "لا تخف يا زكريا، لأن طلبتك قد سمعت، وامرأتك أليصابات ستلد لك ابنًا، وتسميه يوحنا، ويكون لك فرح، وابتهاج، وكثيرون سيفرحون بولادته". وكانت إيحاءه جميلة من الرب في تباشير هذا الصلح، أن يسمي الطفل "يوحنا"... وكلمة يوحنا معناها: "الله حنان"!! وكأن الله يقصد أنه وإن تركنا زمنًا، إلا أن محبته دائمة إلى الأبد، " مياه كثيرة لا تستطيع أن تطفئها" (نش8: 7). وأنه وإن حجب وجهه حينًا، فإنه لا يحجب قلبه الحنون. فعلي الرغم من فترة القطيعة بين السماء والأرض التي سبقت ميلاد السيد المسيح، وعلى الرغم من الخصومة القائمة، كان الله ما يزال كما هو، كله حنان وشفقة... " الله حنان " أو " الله حنون". لعل هذا يذكرنا بقول الرب من قبل: " لأنه كامرأة مهجورة ومخزونة الروح دعاك الرب، وكزوجة الصبا... لحيظة تركتك، وبمراحم عظيمة سأجمعك. بفيضان الغضب حجبت وجهي عنك لحظة وبإحسان أبدي أرحمك" (إش54: 6 8). إنها نبوءة أشعياء عن مصالحة الرب لشعبه وكنيسته، قد بدأت تتحقق... تلك النبوءة العجيبة، الجميلة في موسيقاها، التي بدأها الرب بنشيده العذب: "ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد..." (إش54: 1). تري أكانت أَلِيصَابَات: "العاقر التي لم تلد " رمزًا للكنيسة في افتقاد الرب لها؟ وهل كان اسم ابنها يوحنا: "الله حنان" رمزًا أيضًا لمصالحة الله لكنيسته؟ وهل ترنم أليصابات: "العاقر التي لم تلد" كان بشيرًا يتحقق باقي مواعيد الله إذ يقول لكنيسته في نفس النشيد: "كما حلفت أن لا تعبر بعد مياة نوح على الأرض، هكذا حلفت أن لا أغضب عليك ولا أزجرك. فإن الجبال تزول، والآكام تتزعزع، أما إحساني فلا يزول عنك، وعهد سلامي لا يتزعزع، قال راحمك الرب". "أيتها الذليلة المضطربة غير المتعزية، هأنذا أبني بالأثمد حجارتك، وبالياقوت الأزرق أؤسسك. وأجعل شرفاتك ياقوتًا، وأبوابك حجارة بهرمانية، وكل تخومك حجارة كريمة. وأجعل كل بنيك تلاميذ للرب، وسلام بنيك كثيرًا" (إش54: 11-13). هل كان هذا الإصحاح الرابع والخمسون من نبوءة أشعياء موضع تأمل القديسة أَلِيصَابَات في خلاص الرب القريب، طوال الستة أشهر التي مرت ما بين بشارة الملاك لزكريا وبشارة الملاك للعذراء؟! إن هذه الفكرة تملأ قلبي، وتضغط على عقلي بإلحاح شديد... ولا شك أن هذه القديسة الشيخة التي كانت تحمل ابنًا نذيرًا للرب في أحشائها، كانت تشعر أنه ليس بأمر عادي هذا الذي حدث لها. وإذ نتأمل في هذا الفصل من اشعياء الذي ينطبق عليها وعلى الكنيسة يهز كيانها كله هذا " النبي الإنجيلي " إذ يقول: "ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه عمانوئيل" (إش7: 14). قلنا إنه من تباشير الصلح بين السماء والأرض كان ظهور الملائكة للبشر. وكان الملاك الأول هو الذي بشر زكريا الكاهن. · أما الملاك الثاني، فكان جبرائيل، الذي بشر السيدة العذراء. نلاحظ أن هذا الملاك كان له مع العذراء أسلوب معين. لقد بدأها بالتحية، بأسلوب كله توقير واحترام لها. في بشارة زكريا لم يبدأه الملاك بالتحية، وإنما قال له "لا تحف يا زكريا فإن طلبتك قد سمعت". أما في بشارة العذراء فقال لها الملاك: "السلام لك أيتها الممتلئة نعمة. الرب معك". وعندئذ -بعد هذه المقدمة- بدأ الملاك في إعلان رسالته. وحتى هذه الرسالة أدمجها بعبارة مديح أخري فقال: "لا تخافي يا مريم، لأنك قد وجدت نعمة عند الله" ثم بعد ذلك بشرها بالخبر الذي جاء من أجله: "ها أنت ستحبلين وتلدين ابنًا وتسمينه يسوع...". إنه أسلوب احترام عجيب يليق بالتحدث مع والدة الإله الممجدة، المملكة الجالسة عن يمين الملك. لم يستطع رئيس الملائكة جبرائيل أن ينسى أنه واقف أمام أقدس امرأة في الوجود، وإنه واقف أمام أم سيده، التي ستكون سماء ثانية لله الكلمة. فخاطبها بأسلوب غير الذي خوطب به الكاهن البار زكريا... هنا نلاحظ أنه لم يبدأ فقط صلح بين السمائيين والأرضيين، بل بدأ تقدير وتوقير من سكان السماء لسكان الأرض في شخص أمنا وسيدتنا العذراء مريم... فمرحبًا بهذا الصلح. · أما الظهور الثالث، فكان ظهور ملاك الرب للرعاة. هنا نجد تقدمًا ملموسًا في العلاقات، إذ لم يقتصر الأمر على أن "ملاك الرب وقف بهم" بل يقول الكتاب أكثر من هذا: "ومجد الرب... أضاء حولهم". وبعد أن بشرهم الملاك" بفرح عظيم " يكون "لجميع الشعب"، وبولادة "مخلص"، " ظهر بغتة -مع الملاك- جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين: "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة". · وهنا نسمع عبارات الفرح، والمسرة، والسلام، والخلاص... وبدلًا من ظهور ملاك واحد، نري جمهورًا من الجند السماوي يسبحون. إنها تباشير الصلح العظيم، المزمع أن يتم على الصليب. ونلاحظ أن هذا الصلح قد بدأه الله لا الناس. |
||||
|