منتدى الفرح المسيحى  


العودة  

الملاحظات

إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 08 - 01 - 2014, 04:00 PM   رقم المشاركة : ( 21 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث

لست أريد شيئًا من العالم
هذا هو أول شيء يجب أن يقوله الإنسان الذي يحب أن يصل إلي انطلاق الروح:
لست أريد شيئا من العالم، فليس في العالم شيء أشتهيه، أنها تجارب تحارب المبتدئين.
لست أريد شيئًا من العالم، لأن العالم أفقر من أن يعطيني لو كان الذي أريده في العالم، لانقلبت هذه الأرض سماءًا، ولكنها ما تزال أرضًا كما أري، ليس في العالم إلا المادة والماديات، وأنا أبحث عن السماويات، عن الروح، عن الله.
لست أريد شيئًا من العالم، فأنا لست من العالم، لست ترابًا كما يظنون، بل أنا نفخة إلهية , كنت عند الله منذ البدء، ثم وضعني الله في التراب، وسأترك هذا التراب بعد حين وأرجع إلي الله. لست أريد من هذا التراب شيئًا، من عند الآب خرجت وأتيت إلي العالم، وأيضًا أترك العالم وأرجع إلي الآب.

كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
لست أريد شيئًا من العالم، لأن كل ما أريده هو التخلص من العالم. أريد أن أنطلق منه، من الجسد، من التراب! وارجع – كما كنت – إلي الله، نفخة {قدسية} لم تتدنس من العالم بشيء.
لست أريد شيئًا من العالم، لأني أبحث عن الباقيات الخالدات، وليس في العالم شيء يبقي إلي الأبد، كل ما فيه إلي فناء، والعالم نفسه سيفني ويبيد. وأنا لست أبحث عن فناء.
لست أريد شيئًا من العالم، لأن هناك من أطلب منه. هناك الغني القوي الذي وجدت فيه كفايتي ولم يعوزني شيء. أنه يعطيني قبل أن أطلب منه، يعطيني النافع الصالح لي. ومنذ وضعت نفسي في يده لم أعد أطلب من العالم شيئًا.
لست أريد شيئًا من العالم، لأن العالم لا يعطيني لفائدتي وإنما يعطي ليستعبد. والذين أخذوا من العالم صاروا عبيدا له، يعطيهم لذة الجسد، ويأخذ منهم طهارة الروح. يعطيهم متعة الدنيا، ويأخذ منهم بركة الملكوت. ويعطيهم ممالك الأرض كلها ليخروا ويسجدوا له. ويعطيهم كل ما عنده لكي يخسروا نفوسهم. أما أنا فقد خسرت كل الأشياء وأنا أحسبها نفاية لكي أربح المسيح {في 8:3}. وهذا العالم الذي يأخذ أكثر وأفضل مما يعطي، هذا العالم الذي يستعبد مريديه، لست أريد منه شيئًا..
لست أريد شيئا من العالم لأنني أرقي من العالم. أنني أبن الله. صورته ومثاله. أنني هيكل للروح القدس ومنزل لله أنني الكائن الوحيد الذي يتناول جسد الله ودمه. أنني أرقي من العالم، وأجدر بالعالم أن يطلب مني فأعطيه، أنا الذي أعطيت مفاتيح السماوات والأرض. وأنا الذي شاء الله في محبته وتواضعه أن يجعلني نورًا للعالم وملحا للأرض {مت5}.
لست أريد من العالم لأنني أريد أن أحيا كآبائي، الذي لم تكن الأرض مستحقة أن يدوسوها بأقدامهم. هكذا عاشوا، لم يأخذوا من العالم شيئا بل علي العكس كانوا بركة للعالم. من أجل صلواتهم أنزل الله الماء علي الأرض، ومن أجلهم أبقي الله علي العالم حياة حتى اليوم..
لست أريد شيئًا من العالم لأن الخطية قد دخلت إلي العالم فأفسدته. في البدء نظر الله إلي كل شيء فرأي أنه حسن جدًا إذ لم تكن الخطية دخلت بعد، حتى التنين العظيم في البحر باركه الرب ليثمر ويكثر، أما الآن وقد تشوهت الصورة البديعة التي رسمها الله في الكون فقد مجت نفسي العالم، ولم أعد اشتهي فيه شيئًا، هذا العالم الذي أحب الظلمة أكثر من النور.
لست أريد شيئًا من العالم، لأني أريدك أنت وحدك، أنت الذي أحببتني حتى المنتهي، وبذلك ذاتك عني. أنت الذي كونتني إذ لم أكن، ولم تكن محتاجًا إلي عبوديتي بل أنا المحتاج إلي ربوبيتك.. أريد أن أنطلق من العالم وأتحد بك، أنت الذي أعطيتني علم معرفتك..
  رد مع اقتباس
قديم 08 - 01 - 2014, 04:01 PM   رقم المشاركة : ( 22 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث

التعلم من الله
من الناس من هم جهلة لم يتعلموا على الإطلاق، ومنهم مَنْ قد علمهم الناس وهؤلاء أشد جهالة، أما المتعلمون الحقيقيون فهم الذين تعلموا من الله مباشرة..

كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
لقد خلق الله الإنسان علي جانب وافر من المعرفة. وعندما كان الإنسان يحتاج إلي مزيد من العلم، كان الله يعلمه بنفسه، ولو استمر الإنسان هكذا لصار عالما، ولاستطاع أن يأكل من شجرة الحياة ويحيا إلي الأبد، لكن الإنسان قبل لنفسه أن يتلقى العلم علي غير الله فبدأت جهالته، وهكذا أخذ أول درس له عن الحية وأكل من {شجرة المعرفة} فصار جاهلا.. وما زال الإنسان يسعى إلي المعرفة بعيدًا عن الله، فيزداد جهالة علي جهالته.
أن الإنسان هيكل الله، وروح الله ساكن فيه، هذا الروح الذي قال عنه السيد المسيح: {يرشدكم إلي جميع الحق} {يو13:16}. والذي قال عنه القديس بولس الرسول أنه: {يفحص كل شيء حتى أعماق الله} {1كو10:2}. ولكن الإنسان من فرط شقاوته وجهله، كلما يبحث عن المعرفة، لا يطلب أخذها من داخله، من روح الله الساكن فيه، وإنما يفتش عنها في الخارج عند الناس، وفي الكتب التي يظن أن له فيها حياة...!
وهكذا كثر العلماء وحكماء هذا الدهر، وكانت حكمة هذا العالم جهالة عند الله، ولقد سار أوغسطينوس العظيم في هذا الطريق فترة طويلة، يبحث عن الله خارجا عن نفسه فلا يجده، ثم وجده أخيرًا فناجاه بتلك الأنشودة الخالدة:
{قد تأخرت كثيرًا في حبك أيها الجمال الفائق في القدم والدائم جديدًا إلي الأبد}.
{كنت فيَّ فكيف ذهبت أبحث عنك خارجًا عني...}
{أنت كنت معي، ولكني لشقاوتي لم أكن معك...}
ولما بحث أوغسطينوس عن الله في داخله، وجده وصار قديسا...
وهكذا أنت يا أخي الحبيب ستظل كثيرا في بحثك عن الله إن بحثت عنه في الخارج. أجلس إلي نفسك وفكر وتأمل، وادخل إلي أعماق أعماقك، واطلب الله، فستجده هناك، وستراه وجها لوجه، وتحسه كنبع دافق فياض من المحبة، فتعيش في فترة من الدهش العجيب وتصرخ في فرحة صامتة.
{لقد رأيت الله}.
هذه هي الطريقة التي لجأ إليها آباؤنا القديسون، خرجوا من زحمة الحياة، ومن اضطراب العالم وصخبه، وتركوا كل شيء وبحثوا عن الله في داخل نفوسهم، وهكذا بالهذيذ والتأمل استطاعوا أن يروا الله، وفي نفس الوقت كان المفكرون والفلاسفة والباحثون والعلماء يفتشون عن الله في الكتب وعند الناس، فلا يصلون إلا إلي جهالة وغموض وتعب.. أقول هذا وأنا متألم، لأنني أري أيضًا كثيرًا من الآباء الذين ذهبوا إلي القفر، قد أخذوا هم أيضًا يفتشون عن الله في الكتب أو في المشروعات أو في الخدمة، بينما الله في قلوبهم من الداخل، يريدهم أن يفرغوا من هذه المشغوليات كلها ويجلسوا إليه فيحدثهم عن أسرار لا يعرفها أحد، ويريهم ما لم تره عين.
ليس هذا بالنسبة إلي الرهبان فحسب، وإنما إلي الجميع.. أتدري يا أخي الحبيب ما هي الطريقة الصالحة للتربية الروحية؟ أنها ليست في إعطاء الإنسان شيئًا جديدًا، فهو يملك كل شيء والروح الحال فيه يعرف أكثر مما تريد أنت أن تعلمه.. إنما الوسيلة الصالحة للتربية الروحية هي في تخليص الإنسان مما يملك من معلومات خاطئة، من معرفة أخذها من العالم أو من الناس.
أن الطفل يولد وفي قلبه وفي فكره وفي خياله فكرة واسعة جميلة عن الله، ثم يتولاه المجتمع المسكين بالتعليم، فيقدم له أفكارا عن الله غير أفكاره، ويقدم له صورًا عن الله وعن القديسين تحد من خيال الطفل الواسع..وهكذا تتبدل فكرة الطفل عن الله وعن القداسة بمصطلحات عرفية عن الخير والشر، التي أكل منها آدم وحواء. ويصير مثلهما جاهلا، ويأتي دور المرشدين الروحيين الحقيقيين، لا لكي يزيدوا علي الطفل علما، وإنما لينزعوا منه المعرفة الباطلة التي أخذها من العرف والتقاليد وتفسيرات الناس للدين. وعندما تنطلق روحه من هذا كله يعرف الله علي حقيقته، لأن الله ليس غريبا عنه، بل هو ساكن فيه..
  رد مع اقتباس
قديم 08 - 01 - 2014, 04:02 PM   رقم المشاركة : ( 23 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث

انطلق من حب التعليم
حب التعليم خطر كبير.. ابتعد عنه يا أخي الحبيب حيثما وجد وأهرب منه علي قدر ما تستطيع..
أنك تريد أن تعلم الناس. ولكن أي شيء تريد أن تعلمهم؟
ألست معي يا أخي العزيز في أننا لم ننضج بعد، ولم نتعلم بعد؟ هناك أشياء نفهمها من وجهة نظر واحدة فنسئ فهمها. وعندما ندفع بأنفسنا لتعليم الناس، لا نعلمهم الدين كما هو وإنما كما نفهمه نحن، وفي سن معينة، ودرجة روحية وعقلية معينة. وقد نكبر في السن والروح والعقل، ونفهم الدين فهما آخر غير فهمنا له اليوم، فماذا يكون من أمر الناس الذين علمناهم قبلًا؟!
لذلك ولغيره يقول القديس يعقوب الرسول في رسالته {لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي. عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم، لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعًا} {يع3: 1، 2}.

كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
وهكذا نسمع أرميا يقول لله {لا أعرف أن أتكلم، لأني ولد {أر6:1}. ويقول إشعياء النبي عن نفسه أنه {إنسان نجس الشفتين} {أش5:6}. ونجد القديس باخوميوس يأتون إليه يطلبون كلمة تليق، فلا يتحدث، ولكن يدفع إليهم بتلميذه تادرس فيتحدث روح الله علي لسان هذا التلميذ القديس..
وأحد الآباء وهو شيخ، يأتي إليه أخ ليأخذ تعليما فيقول له {أمكث في قلايتك وهي تعلمك كل شئ} فيرجع الأخ منتفعًا... قصص كثيرة، أقرأها يا أخي بنفسك، وأنظر أي درس يعطيك الله عن طريقها. ولي ملاحظة قبل أن اترك هذه النقطة وهي أن تعاليم كثيرة للآباء القديسين وصلت إلينا عن أحد طريقين: إما أن الأب الشيخ كان في إثناء حديثه مع الأخوة، يتناول راهب ورقة ويدون ما يقوله الشيخ، وإما أن الأب كان يسجل تأملات له لمنفعته، فيجدونها في قلايته بعد نياحته وينتفعون بها.
هناك يا أخي الحبيب فرق شاسع جدًا بين التعليم وحب التعليم: التعليم دعا إليه الكتاب المقدس، وعهد به إلي أشخاص معينين، أما حب التعليم ففيه خطر كبير، في أحيان كثيرة يكون إحساس متنكرا.. مع حب التعليم يأتي في كثير من الأحيان إحساس خفي أو ظاهر بالجدارة الشخصية، وبالامتياز عن الآخرين، وكلما يتسع عند الشخص نطاق التعليم كلما يكبر عنده هذا الإحساس، حتى ليدخل إلي الكنيسة أحيانا لا لينتفع، بل لينقد ويقيم من نفسه معلما للمعلمين. أنه لا يأخذ ابدأ، وإنما يعطي باستمرار، ومثل هذا الشخص الذي لا يأخذ يأتي عليه وقت يجف فيه، ولا يعد لديه شيء ليعطيه..
أما الآباء فكانوا علي عكس هذا تمامًا. كانوا يتعلمون باستمرار ويأخذون نفعًا من كل شيء. كان القديس أنطونيوس العظيم يأخذ تعليمًا من امرأة {لا تستحي أن تخلع ثيابها لتستحم، أمام راهب}. والقديس مكاريوس أب برية شهيت كلها يأخذ تعليمًا من صبي صغير. وأرسانيوس الذي درس حكمة اليونان والرومان يتعلم من مصري أمي}. هؤلاء الآباء كانت أرواحهم تطوف كالنحلة النشيطة فتجني من كل زهرة شهدًا!
هناك خطورة أخري في حب التعليم، ذكرني بها إنسان غيور شغله التعليم عن نفسه: كان يقرأ الكتاب المقدس لا لينتفع، وإنما ليحضر درسا. ويحسن إلي الفقراء لا لأنه يحبهم وإنما ليكون قدوة للناس. ويحترس في تصرفاته لا لأنه يؤمن بما يفعله، وإنما لكي لا يعثر الآخرين. ويجلس إلي الناس لا ليقتبس من أرواحهم شيئا وإنما ليمتحن حديثهم {كأستاذ} ثم يلقي بحكمة شارحا الأوضاع السليمة. بل قال مرة أنه كان يقف للصلاة فإذا ما افتقده روح الله، وشعر في الصلاة بشيء، أو سبحت تأملاته في شئ! يقطع صلاته ويجلس ليسجل هذه الاختبارات ليعلم بها الناس لقد انقلبت وسائط النعمة عند هذا الإنسان، وأصبح التعليم عنده هو كل شيء.
همسة أخري أريد أن أهمِسها في أذنك الحبيبة إلي قلبي وهي {أي شيء ستعلمه للناس؟ أهو الدين؟ هل تظن الدين مجرد معلومات يملأ بها الإنسان عقله؟ أخشي ما أخشاه يا صديقي المجاهد أن طريقة بعض الناس ستحول الدين إلي علم يدرسونه ويمتحنون فيه كسائر العلوم، وما الدين إلا روح وحياة كما تعرف.
قال لي {ولكني معلم في الكنيسة فماذا أعمل؟}. قلت له {حية هي روحك يا أخي الحبيب. أنك لا تعلم تلك النفوس وإنما تحبها. وهذه الأرواح التي تراها منطلقة حواليك، لم تطلقها التعاليم وإنما المحبة، المحبة التي {لا تسقط أبدًا} لأنها الله..
  رد مع اقتباس
قديم 08 - 01 - 2014, 04:03 PM   رقم المشاركة : ( 24 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث

انطلق من الشعور بالامتلاك
كثيرون يدعون أنهم أغنياء يملكون من قِنية العالم أشياء كثيرة أما أنت يا أخي الحبيب فقد تخلصت من الشعور بالامتلاك منذ أيقنت أن الملكية تقيد روحك.
لقد جئت إلي العالم بلا شك فقيرا مثلي لا تملك فيه شيئًا عريانا خرجت من بطن أمك. لا تملك الأقمطة التي قمطوك بها، ولا الفراش التي أضجعوك عليها. وكل ما {امتلكته} في العالم بعد ذلك لم يكن في الواقع إلا عطية من الله. لم يكن ملكك وإنما أمانة وضعها الله في يدك لفترة محدودة هي فترة العمر، وعندما تنقضي حياتك علي الأرض ستخرج منها فقيرا كما أتيت، وعريانًا كما ولدت. أما قنية العالم التي أدعيت ملكيتها عندما كنت علي الأرض والتي تركتها رغما عنك، فسيدعي ملكيتها غيرك. وينتقل من الأرض ليدعي ملكيتها ثالث، وهكذا دواليك...
انك لا تملك شيئا إذن، حتى ذاتك. لم يكن لك ذات من قبل إذ لم يكن لك كيان أو وجود، كنت عدما. ثم خلق الله ذاتك. وعندما سقطت وأصبحت هذه الذات ملكا للموت والهلاك، عاد الله واشتراها بدمه وافتداها لنفسه. أنت إذن من كل ناحية لا تملك شيئًا حتى ذاتك، لذلك فالذي يخطئ إلي ذاته يخطئ إلي الله نفسه، لأنه يفسد ملكا لله، ويفسد جسدا سر الله بعد أن امتلكه أن يجعله هيكلا لروحه القدوس. وبالمثل من يخطئ إلي الآخرين، فإنه مخطئ ضد الله نفسه عن طريق مباشر وغير مباشر. لقد أخطأ داود ضد أوريا الحثي وزوجته ومع ذلك قال لله {لك وحدك أخطأت} وليس السبب في ذلك مخالفته لله فحسب، وإنما خطيئته أيضًا ضد كائنين هما ملك لله.

كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
أن شعرت بهذا يا أخي الحبيب أدركت خطورة الخطية ووضعها الدقيق، انك لا تملك ذاتك حتى تتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم.
أما من جهة المقتنيات فقد شرحنا كيف أنها جميعًا ليست ملكك وإنما هي عطية من الله. أنت مجرد إنسان استؤمِن عليها ليدبرها بأمانة كما يليق بوكيل صالح. وهذا التدبير سيسألك الله عنه عندما يقول أعطني حساب وكالتك {لو2:16}. من أجل هذا نجد ملكا غنيا جدًا كداؤد} يري الأمور علي حقيقتها فيقول: {أما أنا فمسكين وفقير} {مز69} لم يكن فقيرا حسب العرف البشري الخاطئ، ولكنه حقا لا يملك شيئا بحسب النظرة الروحية السليمة. ومن أجل هذا أيضًا كنا نجد الآباء القديسين ينذِرون الفقر الاختياري، وينظرون إليه كأحد الأعمدة التي تقوم عليها حياتهم الرهبانية.
وبهذا يمكنك أن تفهم الصدقة بمعناها الصحيح، أنك لا تعطي من مالك شيئًا، وإنما أنت تعطي لخليقة الله من مال الله. الأمر إذن لا يدعو إلي البر الذاتي أو إلي الفخر، ولا يدعو أيضًا أن تفكر في الابتعاد عن مدح الناس لك، بأن تمدح نفسك بالتصدق تحت إمضاء {فاعل خير} أعجبني متبرع قرأت إمضاءه فإذا هو: {فاعل شر يرجو الصلاة من أجله}.
إن الكائن الوحيد الذي يتصدق من ماله علي الناس هو الله. . ولست أحب أن أسمي الصدقة فضيلة، حيث أنها ليست فضلًا أو تفضلًا من المتصدق. وهو لا يعدو أن يكون، كما قلنا موصلًا لنعمة الله إلي الآخرين، وما يقال عن الصدقة يقال عن باقي الأعمال الحسنة التي لا يمكن أن تعتبر فضلًا من أحد.
يلحق بالصدقة عنصر آخر وهو الشكر عليها، كيف تقبل يا أخي أن يشكرك الناس علي شيء لم تدفعه من عندك، أن كان المال مال الله، فكيف تشكر أنت عليه، وكيف ترضى بقبول هذا الشكر؟! أعط مجدًا لله، وتوار ليظهر هو، فهو الذي عمل العمل كله.
أن الشعور بالامتلاك قيد يقيد روحك، ويشعرك بما ليس فيك حقيقة، فالهرب منه ليس إنكار لِذاتك، وإنما اعترافا بحقيقتك وليكن الله معك.
  رد مع اقتباس
قديم 08 - 01 - 2014, 04:04 PM   رقم المشاركة : ( 25 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث

انطلق من سلطان ذاتك
أنطلق يا أخي من استعباد ذاتك لك لأنك أن وصلت إلي اتفاق مع نفسك، وتحررت من الداخل، فلن تستطيع كل الظروف المحيطة أن تؤثر عليك، إذ تكون قد وصلت إلي انطلاق الروح.
هل تحسب يا أخي الحبيب أن العالم له سلطان عليك؟ وهل تظن أن العثرات والمغريات هي السبب في سقوطك؟ كلا. تخطئ كثيرًا أن ظننت شيئًا من هذا. فقد يكون للعالم أو مغرياته بعض التدخل، ولكن السبب الأساسي الحقيقي لسقوطك هو ذاتك من الداخل.
لو لم تكن قابلا للخطية، مرحبا بها، أو محبا لها، لو لم تكن هكذا ما سقطت.
لقد كان يوسف الصديق يعيش في جو مشبع بالخطية، وقد أحاطت الخطية بيوسف في عنف ولكنه لم يسقط، لأن كل الإغراءات لم تستطيع أن تدخل إلي قلبه النقي. فانتصر علي الخارج كله، لأنه كان منتصرًا في الداخل. لا تقل أني سقطت لأن العالم ملئ بالمغريات، ولكن الأصح أن تقول: أنك سقطت لأن في قلبك حنينا إلي تلك المغريات وقبولا لها.

كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
اثنان يمران في الطريق علي حانة، فلا يستطيع أحدهما أن يقاوم منظر زجاجات الخمر المعروضة، فيدخل ويشرب ويسكر وأما الآخر فيمر علي الحانة دون أن شعر بوجودها أو بوجود الخمر فيها. لا يراها معثرة، ولا تترك في نفسه أثرًا، ولا تعزيه لسبب واحد: وهو أن قلبه خال من الحنين إلي الخمر، خال من محبتها. قلبه من الداخل لا تقوي عليه المؤثرات الخارجية.
انتصارك إذن في حياتك الروحية يتوقف علي عامل حيوي، وهو نتيجة المعركة الداخلية بينك وبين نفسك. أن استطعت أن تصلب ذاتك في داخلك، ستخرج إلي العالم الخارجي بتلك العين البسيطة التي تري الخير في كل شيء، والجمال في كل شيء، وكما يقول الرسول: {كل شيء طاهر للطاهرين} {تيطس15:1}.
بعض الناس يتحاشون الأوساط الخارجية المُعِثرة، وهذا حسن وواجب، لأن الله منعنا عن مجالس المستهزئين وطريق الخطاة. ولكن الخطأ هو أن هؤلاء البعض يكتفون بتحاشي الأوساط الخارجية تاركين الحيوان الرابض في أحشائهم كما هو في شهوته للعالم والأشياء التي في العالم. أمثال هؤلاء قد يصادفهم النجاح بعض الوقت، ولكن ما أسرع ما يسقطون عندما تضغط عليهم التجربة وتفحم الإغراءات ذاتها في حياتهم.. هؤلاء يحبون الخطية وأن كانوا لا يفعلونها، والشخص الذي يحب الخطية قد يسقط فيها – ولو بعد حين – مهما تحاشاها أمثال هؤلاء يبتعدون عن الشر، ولكنهم يعتقدون في نفس الوقت أن عملهم هذا تضحية منهم في سبيل الله. أنهم -كالخطاة تمامًا- ما زالوا يعتقدون أن الشر لذيذ، والخطية حلوة مشتهاة، وما زالوا ينظرون إلي الشجرة فيجدونها جيدة للأكل، وبهجة للعيون وشهية للنظر، ولكنهم يفترقون في أمر واحد وهو أنهم لا يمدون أيديهم ليقطفوا. أنهم لم ينتصروا في الداخل، ولم يسكن الله في قلوبهم لذلك فهناك في العالم ما يغريهم وما يعثرهم، ففيه الخطية المحبوبة التي يشتاقون إليها، ولكنهم يهربون منها خوفًا من السقوط فيها.
أستطيع أن أقول أن هؤلاء -من ناحية الفعل- يطيعون وصايا الله، وأن كانوا لا يحبونها ولا يحبونه.
مثل هذا النوع إذا استمر في جهاده قد يخلص كما بنار وقد لا يستطيع أن يستمر في الجهاد فيسقط ويكون عظيمًا، لأن بيته ليس مؤسسا علي الصخر. أما الوضع الصحيح الذي يكون فيه الروح منطلقا، فهو عدم الاستعباد للخطية وعدم محبتها،حيث يكون الإنسان حرا من تأثير الشر عليه. {فالمغريات} في نظر غيره، ليست هكذا بالنسبة إليه لأنها لا تغريه، بل علي العكس هو لا يتفق معها بطبيعته المقدسة، لذلك فهو لا يتجاوب معها، بل ينفر منها دون جهاد ودون تعب، إذ قد ترك هذا الجهاد السلبي، أصبح جهاده سعيا في سبيل التعمق في الروح وفي معرفة الله.
ولكن الإنسان – كما قلنا – لا يمكن أن يصل إلي هذه الحالة ما لم يتنقَّ من الداخل، وينتصر في حربه مع نفسه التي تشتهي ضد الروح، علي الإنسان أن يصل مع نفسه إلي اقتناع أكيد بمرارة الخطية وبشاعتها، وبحلاوة الله ومتعة الحياة معه.
وفي هذه الحرب الداخلية {يقمع الإنسان جسده ويستعبده} {1كو27:9}. بل ويصلب في ذاته وشهواته. لا يقيدها ويتركها تصرخ فتحنن قلبه بصراخها ورعودها. وإنما ينظر إليها بمنظار الله فيجدها حقيرة لا تستحق شيئًا فينفر منها.. وهكذا يقول مع الرسول {مع المسيح صلبت، فأحيا لا أنا بل المسيح الذي يحيا في} {غل20:2} ألست تري أن هذا بعضا مما يقوله السيد المسيح {من أراد أن يخلص نفسه يهلكها ومن يهلك نفسه من أجلي يجدها} {مر35:8}.
ولكن هذا الأمر لا يمكن أن يتم بدون معونة خاصة من الله لذلك فالجهاد مع النفس لابد أن يصحبه جهاد مع الله. جاهد يا أخي معه في ضراعة مرددا قول إسرائيل البار {لا أتركك حتى تباركني} {تك26:32}.
قل له أيضًا: {تنضح علي بزوفاك فأطهر، وتغسلني فأبيض أكثر من الثلج} {مز50} وثق أنك إذا خرجت من هذه الحرب منتصرا فمن المحال أن تقوي عليك كل قوي الشر ولو اجتمعت.
ولكنك تري يا أخي الحبيب أن كل هذا يحتاج إلي الخلوة ومن هنا كانت الخلوة عنصرا أساسيا في حياة أولاد الله. استطاعوا بها أن يجلسوا إلي نفوسهم، وأن يجلسوا إلي خالِقهم، وأن يخرجوا من هذا وذاك بأسلحة متجددة تعينهم في حياتهم الروحية، وتدفعهم باستمرار إلي العمق. انظر إلي حياتك جيدًا وتأملها في صراحة فربما كان أسباب سقوطها افتقادها إلي الخلوة.
أن الشخص الذي لم يختبر هذه الخلوة، هو شخص لا يعرف نفسه علي حقيقتها. وهو شخص في أغلب الأحوال يجرفه التيار فلا يعلم إلي أين يذهب. أنه غالبا يفكر بعقلية الجماعة ويسير علي هداها، فينحدر ويظل في انحداره حتى يخلو إلي نفسه فيحس أنه ساقط.
أما أنت فلا تكن هذا الشخص. حدد لنفسك أوقاتًا مقدسة تراجع فيها سيرتك، وتتذكر فيها المبادئ السامية التي اقتنعت بها منذ زمان، ولتسترجع أمامك حياة المنتصرين من أولاد الله، وتغذي نفسك بكلام الله وأقوال الآباء وسيرهم، وتسكب نفسك أمامه في حرارة وعمق. تأخذ منه خبزك اليومي الذي لا غني لنفسك عنه.
الله معك يقويك، ويهبك القداسة التي من عنده، ويغفر لنا خطايانا.
  رد مع اقتباس
قديم 09 - 01 - 2014, 03:11 PM   رقم المشاركة : ( 26 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث

مساكين
{هل تحسب أني سأحاسب وحدي علي خطاياي؟ كلا، بل أنكم ستقتسمون الحساب معي. فلو اعتنت بي الكنيسة ما كنت أصل إلي هذه الحالة!!}
قال لي وهو ينفث دخان سيجارته في وجهي: {لعلك تعجب من حالتي الآن} فنظرت إلي شعره الطويل المصفف اللامع وعينيه الغائرتين، وأسنانه الصفراء، وأصابعه المرتعشة في عصبية ظاهرة، وشعرت نحوه بكثير من الإشفاق.. أنه واحد من الذين فداهم المسيح بدمه. وقبل أن أجيبه بشيء استطرد في مرارة:
{أنني لم أكن هكذا كما تعلم.. كنت قوي الروح، رضي الخلق، مواظبا علي الكنيسة، ثم أخذت أفتر شيئًا فشيئًا حتى انقطعت عن حضور الاجتماعات فلم تفتقدني الكنيسة أو تسع لإرجاعي، وزاد غيابي وزاد معه فتوري، وضعفت إرادتي، وظللت أهوي من قمتي العالية قليلا دون أن يفتقدني أحد.. إلي أن افتقدني الشيطان...
كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
وعندما أتي وجد قلبي مزينا مفروشا ووجد إرادتي منحلة، ولم يجد حولي أنجيلاً ولا صلاة ولا واحد من المرشدين الروحيين، وهكذا ضعت فريسة سهلة، وسرت في الظلام.. الظلام المحبوب الذي أحبه الناس أكثر من النور}. وهز رأسه في هدوء وقال: {أنني أشتري الآن أربع علب من التبغ كل يوم}.
وشهقت في دهشة وألم، ولكنه استمر {وأذهب إلي دور الخالية ما لا يقل عن ثلاث مرات في الأسبوع، واقرأ القصص العابثة وأتسلى بالأغاني الماجنة. وأصطحب جماعة كأنهم من زبانية الجحيم.. في بدء سقوطي كنت أقاوم الخطيئة ولا أستطيع لضعف إرادتي.. أما الآن فأني لا أقاوم علي الإطلاق} ثم ضحك في استهتار وقل: {بل أخشي أن أقول أن الخطية هي التي تقاومني، ولكنها لا تستطيع لضعف أرادتها}!
وكنت خلال ذلك حزينا جدا، أما هو فنظر إلي نظرة قاسية وقال في حدة: {هل تحسب أنني سأحاسب وحدي علي خطاياي. كلا. بل أنكم ستقتسمون الحساب معي. فلو اعتنت بي الكنيسة ما وصلت إلي هذه الحالة}.
ليس المهم يا صديقي القارئ أن أكمل لك قصة هذا الشاب فإنها واحدة من شبيهات كثيرات. علي أنني أقول لك أنني رجعت إلي منزلي في تلك الليلة وأنا في غاية الألم من أجله ومن أجل نفسي. أخذت أسأل نفسي في صراحة: كم شخص مثل هذا تدهورت حالته نتيجة لعدم افتقادي وعدم اهتمامي؟ وأخذت استعرض أسماء الذين لم أفتقدهم منذ مدة، وانتابني خوف وهلع، وشعرت نحوهم بكثير من القلق، ثم تساءلت: ألعل وجودي خادما هو معطل لخدمة الله. ورنت في أذني عبارة الشاب {أنكم ستقتسمون الحساب معي} وتذكرت قول القديس يعقوب الرسول: {لا تكونوا معلمين كثيرين يا أخوتي عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعًا}.
ولما استمرت حالة الاضطراب مدة معي، طلبت إعفائي من الخدمة، وإذ رفض طلبي ارتميت أمام الله وبكيت بًكاءًا مرا عرفت أنني مسكين..
مسكين عندما رضيت أن أكون خادمًا ولم أقل عبارة أرميا {آه يا سيد الرب أني لا اعرف أن أتكلم لأني ولد}
ومسكين عندما كنت أحسب الدرس مجرد محاضرة ألقيها في هدوء وأنصرف في هدوء.
يا أخوتي القراء صلوا من أجلي جميعًا. ومن أجل كل مدرسي مدراس الأحد فأنهم مساكين مثلي ومحتاجون.
وإذ أشكو وأتألم من مسئولية فصل صغير، ماذا أقول يا أخوتي عن آبائي الكهنة؟ أليسوا هم بالأكثر مساكين جدا ماذا يفعل الكاهن وهو مسئول عن خمسة أو عشرة آلاف نسمة؟
ماذا يجيب عندما يناديه الله {أعطني حساب وكالتك}.
في كنيسة الآباء الأول كان يعاون الكاهن جماعة من الشمامسة، يعملون معه ويساعدونه في الخدمة ويأكلون مثله من مال الكنيسة. أما الآن فأن أبانا الكاهن يعمل بمفرده، فصلوا من أجله كثيرًا حتى يعينه الله علي إتمام واجبه، وأنت يا أبي الكاهن ما الذي دفعك إلي الكهنوت؟ هل نظرت إلي امتيازه أم إلي مسئوليته؟ ألا تعرف يا أبي أنك مسئول عن كل رعيتك: الكبار والصغار، الرجال والنساء، الشبان والشابات. ولست مسئولا عمن يحضرون الكنيسة فحسب، بل أيضًا عمن في دور العبث والفساد، عن كل شاب ماجن في الطريق، وكل سكير في حانة، وكل نزاع في أسرة.
أن لم تعرف يا أبي أنك مسكين جدًا فخير لك أن تعرف هذا من الآن. فأدخل إلي مخدعك وأبك بُكاءًا مرًا. سلم الأمر لله. قل له انك ضعيف، وأن حملك ثقيل، اجتهد واسهر، لئلا يأتي بغتة فيجدك نائما.
أن كان أبونا الكاهن هكذا فماذا نقول يا أخوتي عن آبائنا الأساقفة، الذين سيسأل الله كل واحد منهم عن حوالي مائتي ألف نسمة أو أكثر. كهنة وعلمانيين؟! ألا تروا معي يا أخوتي أنهم مساكين جدا. فصلوا من أجلهم بلجاجة حتى يساعدهم الله علي أداء أعمالهم. وأنت يا أبي الأسقف ما الذي دفعك إلي الأسقفية أو المنصب أم المسئولية؟ هل اشتهيت فيها المركز والسلطة ولقب {صاحب النيافة} وعضوية المجمع المقدس، أم أنك تشتهي تخليص النفوس!
ثم ماذا فعلت يا سيدي الأسقف بخصوص مسئوليتك؟ قارن حالة الإيبارشية منذ توليتها حتى الآن.. هل تقدمت أم مازالت كما هي؟ يحسن بك يا أبي الأسقف أن تدخل إلي قلايتك وتبكي بًكاءًا مرًا. تذكر أن الرهبان القديسين كانوا يهربون من هذا المنصب لأن مسئوليته مخيفة. فإذا ما أمسك واحد منهم بالعنف ورسم أسقفا رغما عنه كان يبكي ويصرخ أمام الله واحد قائلًا: {أنت تعرف يا رب أنني ذهبت إلي الدير لأخلص نفسي، وهاأنذا قد أرجعت إلي العالم ولم أخلص نفسي بعد، ومطلوب مني العمل علي تخليص الآخرين أيضًا. وأنا يا رب لا أستطيع، فاعمل أنت} وكان الله يعمل.
ثم ماذا عن آبائنا البطاركة الذين سيسأل الله كل واحد منهم عن حوالي ثلاثة ملايين نسمة في مصر، وعدد أكثر من هذا في الحبشة والسودان والخمس مدن الغربية التي نسمع عنها في القداسات... ماذا نقول عن هؤلاء ومسئولياتهم الخطيرة؟ أليسوا هم أيضًا مساكين؟.. صلوا يا أخوتي من أجل كل بطريرك حتى يتمكن من القيام بواجبه وحتى يعطي جواب حينما يسأله الله عن نفسه ونفوس الأساقفة والقسوس والشمامسة والرهبان والعلمانيين وعندما يسأله عن حفظ قوانين الكنيسة وعن نشر الأرثوذكسية في العالم.....
وأنتم يا من سترشحون للبطريركية في يوم ما، أن عرضت عليكم فاهربوا لحياتكم، وأن دعاكم الله فانظروا إلي مسئولياتها، وأدخلوا إلي قلاليكم وابكوا أمام الله بكاءًا مرًا.
يا أخوتي القراء: لا تنظروا إلي خدام الله، ومَنْ يتحملون المسئوليات نظرة المتفرج تمدحونهم أن أحسنوا وتحاسبونهم أن أساءوا وإنما صلوا من أجلهم حتى ينجح العمل.
وأنت يا سيدي الخادم أهتم بالمسئولية وليس بالمنصب. ومتى شعرت بالعبء ألق علي الرب همك وهو يعولك.
أغلق الباب وحاجج في دجى الليل يسوعا
وأملأ الليل صلاة وصراعا ودموعا
  رد مع اقتباس
قديم 09 - 01 - 2014, 03:13 PM   رقم المشاركة : ( 27 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث

حدث في تلك الليلة
{قد كرسوا كل حياتهم لله فكانت كل دقيقة من أعمارهم تنفق في الخدمة.. هكذا كانوا يعتبرون الخدمة الروحية عملهم الرئيسي ويرون باقي أعمال العالم أمورا ثانوية}..
حدث في تلك الليلة أنني كنت وحيدًا في غرفتي الخاصة، متمددا علي مقعدي وناظرا إلي لا شيء، وإذ بابتسامة خاطئة تمر علي شفتي – لعلني كنت أفكر في نفسي كخادم – وهنا حدث حادث غريب: هل ثقلت رأسي فنمت أم اشتطت أفكاري فتحولت إلي أحلام؟ أم أشهر الله لي أحدي الرؤى لست أدري، ولكنني أدري شيئًا واحد وهو أنني نظرت فإذا أمامي جماعة من الملائكة النورانيين، وإذا بهم يحملونني علي أجنحتهم ويصعدون بي إلي فوق، وأنا أنظر إلي الدنيا من تحتي فإذا هي تصغر شيئًا فشيئًا حتى تتحول إلي نقطة صغيرة مضيئة في فضاء الكون، وأنصت إلي أصوات العالم وضوضائه فإذا بجسمي يخف ويخف حتى أحسّ كأنني روح من غير جسد – فأتلفت في حيرة حولي لأري أرواحا كثيرة سابحة مثلي في الفضاء اللانهائي، وأري من الملائكةألوفا وربوات ربوات ها هم الشاروبيم ذوو الستة الأجنحة والساروفيم الممتلئون أعينا – وها هي أصوات الجميع ترتفع في نغم واحد موسيقي عجيب {قدوس، قدوس، قدوس} ولا أتمالك نفسي فأنشد معهم دون أن أحس {قدوس الله الآب... قدوس أبنه الوحيد.. قدوس الروح القدس} واستيقظ عن إنشادي لأسمع نغمة قدسية خافتة لم تسمعها أذن من قبل، فاتجه في شوق شديد نحو مصدر الصوت، فإذا أمامي علي بعد مدينة جميلة نورانية معلقة في ملك الله، تموج بالتسبيح والترتيل، كلما أسمع منها نغمًا يمتلئ قلبي فرحًا، وتهتز نفسي اشتياقا، ثم أنا أنظر فأري في المدينة علي بعد أشباحًا أجمل من الملائكة: هوذا موسى ومعه إيليا وجميع الأنباء، هوذا أنبا أنطونيوس وأنبا اثناسيوس وجميع القديسين، ها هم أبائي الأساقف وآبائي الكهنة – ها هو أب اعترافي – ثم هاهم بعض زملائي ومدرسي مدارس الأحد.. ولم أستطع أن أتأمل أكثر من ذلك بل اندفعت في قوة نحو تلك المدينة النورانية، ولكن عجبا – إنني لا أستطيع التقدم، فهناك ملاك جبار كله هيبة وجلال ووقار يعترض سبيلي قائلًا.

كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
* {مكانك قف! إلي أين أنت ذاهب؟} فأجيبه:
* {إلي تلك المدينة العظيمة يا سيدي الملاك – إلي حيث زملائي وأخوتي وآبائي القديسون}. ولكن الملاك ينظر إلي فوق في دهشة ويقول:
* {ولكنها مدينة الخدام فهل أنت خادم؟ {فلما أجبته بالإيجاب قال لي:
* {أنك مخطئ يا صديقي فأسمك ليس في سجل الخدام وعصفت بي الدهشة فصرخت في هذا الملاك حارس المدينة:
* كيف هذا؟ لعلك لا تعرفني يا سيدي الملاك. اسأل عني مدراس الأحد واجتماعات الشباب واسأل عني الكنائس والجمعيات. بل اسأل عني أيضًا في مدينة الخدام إذ يعرفني هناك كثير من زملائي مدرسي مدارس الأحد.....}
وأجابني الملاك في صرامة وصراحة:
* {أنني أعرفك جيدًا، وهم أيضًا يعرفونك، ولكنك مع ذلك لست بخادم فهذا حكم الله}.
ولم أحتمل تلك الكلمات، فوقعت علي قدمي أبكي في مرارة، ولكن ملاكا آخر أتي ومسح كل دمعة من عيني، وقال لي في رفق:
* {أنك يا أخي في المكان الذي هرب منه الحزن والكآبة فلماذا تكتئب؟ - تعال معي ولنتفاهم}.
وجلسنا منفردين نتناقش فقال لي:
*" أن أولئك الذين تراهم في مدينة الخدام قد كرسوا كل حياتهم لله، فكانت كل دقيقة من أعمارهم تنفق في الخدمة. أليست هكذا كانت حياة بولس وباقي الرسل؟ أليست هكذا كانت حياة موسى والأنبياء؟ أليست هكذا كانت حياة الأساقفة والكهنة والشمامسة؟ أليست هكذا كانت حياة القديسين؟ أما أنت يا صديقي فلم تكن مكرسا بل كنت تخدم العالم. وكل ما لك من خدمة روحية هو ساعة واحدة في الأسبوع تقضيها في مدارس الأحد، وأحيانا كانت خدماتك الأخرى تجعلك تعطي الله ساعة ثانية، فهل من أجل ساعتين في الأسبوع تريد أن تجلس إلي جانب الرسل والأنبياء والكهنة في مدينة الخدام؟} وكنت مطرقا خجلًا أثناء ذلك الحديث كله، غير أنني قاومت خجلي وتجرأت وسألت الملاك: {ولكنني أري في مدينة الخدام بعضًا من زملائي مدرسي مدارس الأحد وهم مثلي في خدمتي} فأجابني الملاك:
*{كلا أنهم ليسوا مثلك. حقيقة أنهم كانوا يخدمون ساعة أو أكثر في مدارس الأحد ولكنهم كانوا يقضون الأسبوع كله تمهيدًا لتلك الساعة، فكانوا يصرفون وقتا كبيرا في تحضير الدروس ووسائل الإيضاح، وطرق التشويق، والصلاة من أجل كل ذلك، وبحث حالات التلاميذ واحدا واحدا، والتفكير في طريقة لإصلاح كل فرد علي حدة، يضاف إلي ذلك انشغالهم في الافتقاد، وفي ابتكار طرق نافعة لشغل أوقات تلاميذهم أثناء الأسبوع – ثم كانت لهم خدمات أخري مختفية لا تعرفها، وهكذا يعتبرون الخدمة الروحية عملهم الرئيسي، ويرون باقي أعمال العالم أمورا ثانوية – لا أعني أنهم أهملوا مسئولياتهم وواجباتهم العالمية بل كانوا مخلصين لها جدا وناجحين فيها للغاية وأن كان عملهم العالمي أيضًا لا يخلو من الخدمة، وهكذا حسبهم الله مكرسين}.
وتعجبت من هذه العبارة فسألت: {وكيف أستطيع أن أكون خادما وأنا مشغول بعملي؟} فأجابني الملاك:
{لعلك نسيت يا أخي عمومية الخدمة! يجب أن تخدم الله في كل وقت وفي كل مكان: في الكنيسة وفي الطريق وفي منزلك وفي مكان عملك وأينما حللت أو تنقلت.
لا يجب إذن الفصل بين المهنة والخدمة، فعندنا في مدينة الخدام مدرسون استطاعوا أن يجذبوا كل تلاميذهم المسيحيين إلي مدارس الأحد، وأن يصلحوهم ويتعهدوهم بالعناية المستمرة. وعندنا في مدينة الخدام أطباء لم يتخذوا الطب تجارة وإنما اهتموا قبل كل شيء بصحة مرضاهم مهما كانت حالتهم المالية، فكانوا في أحيان كثيرة يداوون المريض ويرسلون له الدواء – كل ذلك بدون أجر، بل كانوا يقومون بتأسيس المستشفيات والمستوصفات المجانية، وعندنا في مدينة الخدام موظفون استطاعوا أن يقودوا كل زملائهم في العمل إلي الكنيسة للاعتراف والتناول من الأسرار المقدسة. وهناك أيضًا مهندسون ومحامون وفنانون وتجار وصناع: كل أولئك كانوا خداما في مهنهم، فهل كنت أنت كذلك؟}.
فخجلت من نفسي ولم أجب ولكن الملاك قال لي في تأنيب مؤلم..
* {هذا عن الخدمة في مكان عملك: ثم ماذا عن خدمتك في أسرتك!- أن يشوع الذي تراه في مدينة الخدام كان يقول {أما أنا وبيتي فنعبد الرب}. أما أنت فلم تخدم بيتك بل كنت علي العكس في نزاع مستمر مع أفراد أسرتك، بل فشلت في أن تكون قدوة لهم وأن تجعلهم يقتدون بك. ثم ماذا عن أصدقائك وزملائك وجيرانك ومعارفك؟ كنت تزورهم في عيدي الميلاد والقيامة دون أن تحدثهم عن الميلاد والقيامة، وعن الولادة الجديدة والقيام من الخطية بل تفرح معهم فرحا عالميا، وأتيحت لك فرص كثيرة لخدمتهم ولم تستغلها، فهل تعتبر نفسك بعد كل ذلك خادمًا؟!}
وطأطأت رأسي خجلا للمرة الثالثة، ولكني مع ذلك احتلت علي الإجابة فقلت:
* {ولكنك تعلم يا سيدي الملاك أنني شخص ضعيف المواهب ولم أكن مستطيعا أن أقوم بكل تلك الخدمة.
وأندهش الملاك، وكأنما سمع هذا الرأي لأول مرة، فقال في حدة:
* {مواهب}؟ ومن قال أنك بدون المواهب لا تستطيع أن تخدم! هناك يا أخي ما يسمونه العظة الصامتة: لم يكن مطلوبا منك أن تكون واعظا وإنما أن تكون عظة.. ينظر الناس إلي وجهك فيتعلمون الوداعة والبشاشة والبساطة، ويسمعون حديثك فيتعلمون الطهارة والصدق والأمانة، ويعاملونك فيرون فيك التسامح والإخلاص والتضحية ومحبة الآخرين فيحبونك ويقلدوك ويصيروا بواسطتك أتقياء دون أن تعظ أو تقف علي منبر، ثم هناك صلاتك من أجلهم وقد تجدي صلاتك أكثر من عظاتك}.
وللمرة الرابعة تولاني الخجل والارتباك، فلم أحر جوابا واستطرد الملاك في قوله:
* {وكان يجب عليك أيضًا – كعظة صامتة – أن تبتعد عن العثرات فلا تتصرف تصرفا مهما كان بريئا في مظهرة أن كان يفهمه الآخرين علي غير حقيقته فيعثرهم – وهكذا تكون {بلا لوم} أمام الله والناس كما يقول الكتاب: جاعلا أمام عينيك كخادم قول بولس الرسول: {كل الأشياء تحل لي، ولكن ليست كل الأشياء توافق} {1كو12:6}.
وتأملت حياتي فوجدت أنني في أحوال كثيرة جعلت الآخرين يخطئون ولو عن غير قصد. وقطع علي الملاك حبل تأملاتي قائلا في رفق:
* {ولكن ليس هذا هو كل شيء. أنني أشفق عليك كثيرا يا صديقي الإنسان. وقد كنت أشفق عليك بالأكثر أثناء وجودك في العالم، وخاصة في تلك اللحظات التي كنت تتألم فيها من {البر الذاتي}. كنت تنظر إلي خدماتك الكثيرة فتحسب أنك مثال للخدمة وبينما لم تكن محسوبا خادما إلى الإطلاق. ولعلك قد اقترفت أخطاء كثيرة أخري، منها أن خدمتك كانت خدمة رسميات، فقد كنت تذهب إلي مدارس الأحد كعادة أسبوعية، وكعادة أيضًا كنت تصلي بالأولاد، وكنت ترصد الغياب والحضور، فتعطي للمواظب جائزة، وتهمل الغائب غير مسئول عنه، وهكذا خلت خدمتك من الروح ومن المحبة، ولم تستطع أن تصل إلى أعماق قلوب الأولاد، لأن كلماتك وتصرفاتك لم تكن خارجة من أعماق قلبك. ولم يكن في الترتيل الذي تعلمهم إياه روح البهجة، ولم تكن في أوامرك لهم روح المحبة، وهكذا لم تحدث في خدمتك تأثيرًا، وكذلك كنت في عظاتك في الكنائس أيضًا: تعظ لأن الكاهن طلب منك ذلك فوعدته وعليك أن تنفذ، فكنت تهتم بتقسيم الموضوع وتنسيقه، وإخراجه في صورة تجذب الإعجاب أكثر مما تهتم بخلاص النفوس، وكان صوتك رغم علوه وإيقاعه ووضوحه باردا خاليا من الحياة، وكنت تبتهج – ولو داخليا فقط – بمن يقرظ موضوعك دون أن تهتم هل جدد الموضوع حياة ذلك الشخص أم لا. ألا تري يا صديقي أنك كنت تخدم نفسك ولم تكن تخدم الله ولا الناس. ولعل من دلائل ذلك أيضًا أنك كنت ترحب بالخدمة في الكنائس الكبيرة المشهورة الوافرة العدد دون الكنائس غير المعروفة كثيرًا.

كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
* ثم أنه نقص من خدمتك في هذه الناحية أمران هما: حب الخدمة وحب المخدومين.. أما عن حب الخدمة فيتجلى في قول السيد المسيح: {طوبي للجياع والعطاش إلي البر} فهل كنت جوعانا وعطشانا إلي خلاص النفوس؟ هل كنت طول الأسبوع تحلم بالساعة التي تقضيها وسط أولادك في مدارس الأحد؟ هل كنت تشعر بألم إذا غاب أحدهم، وبشوق كبير إلي رؤية ذلك الغائب فلا تهدأ حتى تجده وتعيد عليه شرح الدرس! – ثم الأمر الآخر وهو حب المخدومين: هل كنت تحب من تخدمهم، وتحبهم إلي المنتهي مثلما كان السيد المسيح يحب تلاميذه؟ هل كنت تعطف عليهم فتغمرهم بالحنان؟ وهل أحبك تلاميذك أيضًا؟ أم كنت تقضي الوقت كله في انتهارهم ومعاقبتهم بالحرمان من الصور والجوائز؟ من قال لك أن تلك الطريقة صالحة لمعالجة الأولاد؟ أن المحبة يا صديقي الإنسان هي الدعامة الأولي للخدمة. أن لم تحب مخدوميك لا تستطيع أن تخدمهم، وأن لم يحبوك لا يمكن أن يستفيدوا منك}.
وأطرقت في خجل مرير وقد تكشّفَت لي حقيقتي بينما نظر إلي الملاك نظرة كلها عطف ومحبة وقال:
* {أريد أن أصارحك بحقيقة هامة وهي انه كان يجب أن تقضي فترة طويلة في الاستعداد والامتلاء قبل أن تبدأ الخدمة – لأنك وقد بدأت مبكرًا ولم تكن لك اختبارات روحية كافية، وقعت في أخطاء كثيرة}.
ونظرت إليه في تساؤل وكأنما شق علي أن أخطئ وقد كلفت بإصلاح أخطاء الآخرين، فأجاب الملاك علي نظرتي بقوله:
* {هناك ولد طردته من مدراس الأحد لعصيانه وعدم نظامه – فأوجد هذا الطرد عنده لونا من العناد وقذف به إلي أحضان الشارع والصحبة الشريرة، فأصبح أسوأ من ذي قبل، وحاقت به من تصرفك أضرار جسيمة، خاصة أنه في حالته الجديدة فقد المرشد والعناية، ولابد أنك مسئول عن هذا لأنه في حدود عملك}.فأجبت {ولكنه يا سيدي الملاك كان يفسد علي الدرس، بل كان قدوة سيئة لغيره}.
فأجاب الملاك في مرارة:
*{وهل من أجل ذلك طردته؟ يا لك من مسكين: هل أرسلك السيد المسيح لتدعوا أبرارا أم خطاة إلي التوبة؟؟ أن تلاميذك القديسين الذين كنت بسببهم تحارب نفسك بالبر الذاتي، ترجع قداستهم إلي عمل الله فيهم، أما ذلك المشاكس فهو الذي كان يجب أن تتناوله بالرعاية. لمثل هذا النوع دعاك الله.
ولو أنك كرست جهودك كلها لإصلاح هذا الولد فقط ولم يكن لك في حياة الخدمة غير هذا العمل، لكان هذا وحده كافيا لدخولك مدينة الخدمة... كان يجب أن تقدر قيمة النفس وأن يكون لك الكثير من طول الأناة.
فخادم مدارس الأحد الذي تخلو مؤهلاته من هاتين الصفتين لا يستحق أن يكون خادمًا.
فقلت للملاك في رجاء: {وماذا كنت تريدني أن أعمل مع هذا الولد؟} فأجاب:
* {تخدمه بقدر ما تستطيع، وتختبر نفسيته وتعالجه بحسب ظروفه، وتصلي كثيرا من أجله – فإذا ما فشلت فلا تطرده وإنما حوله إلي فصل آخر، فقد ينجح زميل لك من المدرسين فيما فشلت أنت فيه – فإذا لم ينفع هذا أيضًا يمكنكم أن تخصصوا فصلًا أو أكثر من مدراس الأحد للأولاد المشاغبين، يعامل فيها هؤلاء الأولاد معاملة خاصة وفق طبائعهم – ويمكن أن تكثروا من افتقادهم ومن تقريبهم إلي قلوبكم علي ألا يطرد واحد منهم مهما أدي الأمر. أنهم ليسوا بأكثر شرا من الحالة الأولي لزكا أو المرأة السامرية أو مدينة نينوى. وخادم الله لا يعرف اليأس مطلقا ما دامت له الصلاة المنسحقة والقلب المحب}.
وشعرت بندم علي تصرفاتي القديمة، ولكن الملاك استطرد:
-* {ثم هناك ولد آخر غاب عن فصلك أسبوعًا ثم أسبوعين فلم تفتقده وكل ما فعلته كموظف رسمي في مدارس الأحد {!!!} أنك رصدته في سجلك ضمن الغائبين، واستغل الولد عدم افتقادك فاستمر في غيابه، وانتهزت أنت فرصة غيابه المستمر: فشطبت أسمه من قائمتك}.
ونظر إلي الملاك في صرامة وقال:
{لماذا لم تفتقِده؟!} وضعفت أمام حدة ونظرته. فصمت خوفا. بينما كرر سؤاله مرة أخرى في عنف " لماذا لم تفتقده؟} وشعرت بعاصفة تجتاح رأسي ولم اجب، بينما أرتعش الملاك في اضطراب:
* {أن حالته الروحية تدعو الآن إلي الرثاء، ولو استمر علي هذه الحالة فأنه سوف..} واختلج صوت الملاك وصمت قليلا ثم قال:
* {أنني وكثير من الملائكة نصلي من أجله حتى ينقذه الله.. وعندما يستجيب الله صلاتنا ويرسل إليه خادما آخر أمينا في خدمته، وعندما ينقذ الولد، فإن انقاذه سوف لا يخليك من المسئولية}.
وكان صوته خافتًا متألمًا لم أحتمل سماعه، فشعرت بالمناظر تدور أمام عيني ثم وقعت مغشيا علي..
وعندما أفقت كان الملاك ينظر إلي في إشفاق، وساعدتني نظرته علي التكلم فقلت:
{سامحني يا سيدي الملاك فقد كان في فصلي ثلاثون ولدًا لم أستطع أن أفتقدهم جميعهم} فأجابني:
{وحتى أنت وقعت في هذه التجربة؟ في أغراء العدد؟ أن الله لا يقيس الخدمة بعدد التلاميذ، وإنما بعدد المتجددين الخالصين منهم.. أنا أعرف أنه كان صعبًا عليك أن تهتم بثلاثين ولدا من ناحية النظام والافتقاد والرعاية والتعليم، بل كان من الصعب عليك أن تحفظ مجرد أسمائهم، فلم تستطع أن تقول مع المسيح {خرافي تعرفني وأنا أعرفها}. ولكن لماذا لم تقتصر في خدمتك علي عشرة أولاد مثلا}.
وفضلت الصمت لأني لم أجد جوابا. أما الملاك فإنه قال في إشفاق:
* {هل تعلم ما هو أهم سبب في فشلك غير ما قلناه؟ أنه اعتمادك علي نفسك. وهكذا نسيت أن تصلي وتصوم من أجل الخدمة. أن زملاءك مدرسي مدارس الأحد الذين في مدينة الخدام كانوا يقيمون صلاة وصوما خصيصا من اجل فصولهم، وكانوا في كل يوم من أيام الأسبوع يذكرون أولادهم واحدا واحدا أمام الله طالبين طلبة خاصة من اجل كل واحد، بل كانوا يطلبون من آبائهم الكهنة إقامة قداسات خاصة من أجل الأولاد فهل كنت كذلك؟
{هذا كله عن الخدمة الروحية، ثم ماذا عن خدمتك المادية؟ هل ظننتها أمرا ثانويا؟ الم تعلم أن الغني الذي عاصر أليعازر هلك لأنه لم يشفق علي اليعازر المسكين؟ ألم تسمع المسيح يقول للهالكين {كنت جوعانا فلم تطعموني، كنت عطشانًا.. كنت عريانًا.. كنت مريضًا..} فماذا فعلت أنت؟ ألم تتمسك ببعض الكماليات بينما كان أخوتك محتاجين إلي الضرويات؟ ألم....}
ولم أحتمل أكثر من ذلك فصرخت في ألم: {كفي يا سيدي الملاك، الآن عرفت أنني غير مستحق مطلقا لدخول مدينة الخدام.
· فقد كنت مغرورا يا سيدي جدا – أما الآن وقد عرفت كل شيء فأني أطلب فرصة أخري أعمل فيها كخادم حقيقي}.
فقال لي الملاك: {لقد أعطيت لك الفرصة ولم تستغلها ثم انتهت أيامك علي الأرض...}
فألححت عليه وظللت أبكي وأرجوه، أما هو فنظر إلي فوق إشفاق ومحبة وتركني ومضي وأنا ما أزال أصرخ {أريد فرصة أخري – أريد فرصة أخري}. فلما أختفي عن بصري وقعت علي قدمي وأنا اصرخ {أريد فرصة أخري} ثم دار الفضاء أمامي ولم أحس بشيء.
ومرت علي مرة وأنا في غيبوبة طويلة، ثم استفقت أخيرًا وفتحت عيني ولكني دهشت. وازدادت دهشتي جدًا.. وظللت أنظر حولي وأنا لا أصدق، ثم دققت النظر إلي نفسي فإذ بي ما أزال وحيدا في غرفتي الخاصة متمددًا علي مقعدي. يا لرحمة الله... أحقا أعطيت لي فرصة أخري لأكون خادما صالحًا..؟
وقمت فقدمت لله صلاة شكر عميقة، ثم عزمت أن أخبر أخوتي بكل شيء ليستحقوا هم أيضًا الدخول إلي مدينة الخدام. وهكذا أمسكت بعض أوراق بيضاء، وأخذت أكتب {حدث في تلك الليلة..}
  رد مع اقتباس
قديم 09 - 01 - 2014, 03:16 PM   رقم المشاركة : ( 28 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث

وتتركونني وحدي

هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن، تتفرقون كل واحد إلي خاصته.. وتتركوني وحدي..
واقف وحده.
كان ذلك المحب الحنون الطيب القلب يجول يصنع خيرًا. ينتقل من قرية إلي قرية ومن مدينة إلي مدينة يكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب.. ومع ذلك، اجتاز حياة مليئة بالألم. وكان الجميع يتركونه وحده، علي الرغم من أنه في حنانه لم يترك أحدا. وهكذا وجدناه وحيدًا في متاعبه وآلامه، وحيدا فيما يتعرض له من ظلم واضطهاد: لم يدافع عنه أحد، ولم يقف إلي جواره أحد، وإنما {جاز المعصرة وحدة}.
كان يصلي في بستان جسثيماني، وكان يكلم الآب في لجاجة وقد سال {عرقه كقطرات دم نازلة علي الأرض}، وهو يصرخ في اكتئاب {يا أبتاه أن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس} أما تلاميذه، أحباؤه وأصدقاؤه، فقد تركوه وحده وناموا، ثلاث مرات يرجوهم أن يسهروا معه ساعة واحدة، وهم لا يستجيبون له؟} {مت26: 38- 45}.

كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
وعند القبض عليه تفرق تلاميذه كل واحد إلي خاصته وتركوه وحده كما سبق أن قال لهم {يو32:16}. ولما حوكم لم يدافع عنه أحد، وهو الذي دافع عن أشهر الخطأة... وفي آلامه لكن هناك من يعزيه. أنه درس يعطيه لنا السيد الرب عندما يضطهدنا الجميع، وعندما يتركنا حتى تلاميذنا أيضًا، ويقف كل منا وحده وليس في وقت الآلام فقط، وإنما في كل حياته أيضًا.. كان يكلم اليهود في الهيكل محدثًا إياهم عن التناول من جسده ودمه، وإذ صعب علي البعض فهم هذا الأمر. يقول القديس يوحنا: {من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلي الوراء ولم يعودوا يمشون معه، فقال يسوع للاثني عشر ألعلكم أنتم أيضًا تريدون أن تمضوا} {يو66:6}.
وفي مرة من المرات دعا البعض إليه، فاعتذر واحد ببقرته التي يريد أن يختبرها، وأعتذر الآخر لأنه مشغول بزوجته، واعتذر الثالث لمشغوليته بحقله. وتركه الجميع وحده، مع أنهم كانوا ثلاثتهم ممن أنعم عليهم {لو14: 18- 20}.
ويعوزني الوقت يا أخي إن حدثتك عن المسيح الواقف وحده الذي {إلي خاصته جاء وخاصته لم يقبله} {لو11:1}. ذلك النور الذي جاء إلي العالم وأحب العالم الظلمة أكثر من النور} {يو19:3}.
كل ذلك حدث في القديم ومازال يحدث حتى الآن. نفس الصورة القديمة: المسيح واقف، والعالم منشغل عنه بملاذه وملاهيه وطيشه، ليس من يهتم بيسوع، ليس ولا واحد، ليس من يجلس إليه كمريم أخت مرثا، أو يتكئ في حضنه كيوحنا بن زبدي، أو يغسل قدميه كالمرأة الخاطئة. والمسيح نفسه يشعر بهذه الوحدة ويعرف أن غالبية العالم منصرفة عنه بل أن الكتاب ليتساءل أكثر من هذا: عندما يأتي المسيح إلي العالم ألعله يجد الإيمان علي الأرض؟!
فهل أنت أيضًا تارك الرب يسوع وحده، ألك ما يشغلك عنه أسأل نفسك؟
كان وحيدا في تفكيره:
قليلون كانوا يفكرون في المسيح، وحتى هؤلاء الذين كانوا يفكرون فيه ويتحدثون معه ويستمعون إليه، هؤلاء أيضًا كانت لهم طريقهتم الخاصة في التفكير، التي كثيرا ما كانت تتعارض مع طريقة المعلم الصالح.
يذهب السيد إلي السامرة فتطرده تلك المدينة الخاطئة وتغلق أبوابها في وجهه، وهنا يلتفت التلميذان اللذان كانا مع المسيح ويقولان له: {أن شئت يا رب أن تنزل نار من السماء وتحرق هذه المدينة}! ويرد عليهما السيد: {لستما تعلمان من أي روح أنتما [إن ابن الإنسان لم يأت ليهلك العالم بل ليخلص العالم}. كان هذان التلميذان يفكران بطريقة غير طريقة معلمهما الطيب الذي يشعر لأن له في هذه المدينة كثيرون مختارين.
هذا الشعور العدائي نحو السامريين، اقتبسه التلاميذ من معاصريهم من الفريسيين والكتبة وغيرهم. أما السيد المسيح فكان وحيدًا في تفكيره إزاء هؤلاء، كان يحبهم ويعطف عليهم ويريد أن يجذبهم إليه: {وهكذا حدث الناس عن السامري الصالح، وسار علي قدميه مسافة طويلة ليهدي امرأة سامرية خاطئة، ويتحدث إلي مدينة السامرة.
وهكذا كان السيد وحيدا في تفكيره أزاء الأمم أيضًا. كان هؤلاء محتقرين من الناس أما السيد المسيح فقال جهارا عن قائد المئة الروماني: {الحق أقول لكم أنني لم أجد في إسرائيل أيمانا كإيمان هذا الرجل} {مت10:8}. وقال هذا الكلام نفسه عن المرأة الكنعانية {مت28:15}.
وفي أغلب معاملات السيد للناس كان يقف وحده، والعالم يقف بعيدًا عنه من ناحية أخري.
يجتمع اليهود حول امرأة زانية ضبطت في ذات الفعل، ممسكين حجارة في أيديهم كي يرجموها. الجميع لهم فكر واحد. وهو أن تلك الخاطئة يجب أن تموت. ولكن يسوع له فكر أخر {من منكم بلا خطية فليقذفها بأول حجر} {يو7:8} هكذا قال لهم، فانصرف الجميع، وقال السيد للمرأة: {وأنا أيضًا لا أدينك. أذهبي بسلام}.
كان السيد المسيح يقف وحده بهذا القلب المحب، والعالم القاسي يعجب منه، هذا العالم المهتم بالظاهر أكثر من كل شيء: وليس أدل على ذلك من حادثتي الأعميين، والأطفال:
كان السيد خارجا من أريحا، فأعترض طريقة أعميان يصرخان بصوت عال {أرحمنا يا سيد يا ابن داود}. وظن الناس بتفكيرهم العالمي أن هذا الصراخ يزعج رب المجد فانتهروا الأعميين ليسكتا {مت31:20}. أما يسوع الطيب القلب فنادي الأعميين إليه، وفي حنان شفاهما، أنه لا ينزعج من صراخ الناس وطلباتهم كما ينزعج الغير.
وتكرر هذا التصرف أيضًا عندما ازدحم حواليه الأطفال وظن الناس أن هؤلاء الصغار يضايقونه فانتهروهم. أما هو فقال لهم: {دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم لن لمثل هؤلاء ملكوت السموات} {مت14:19}.
كان وحيدا في فهمه للخدمة:
بينما كان الجمع يفكر أن السيد قد جاء ليكون ملكا علي إسرائيل، يحكم بأبهة الملوك ويخلص اليهود من اضطهاد الرومان، كان السيد يفكر في مملكة روحية يملك بها علي قلوب الناس قائلًا لهم في أكثر من مناسبة: {مملكتي ليست من هذا العالم} {يو36:18}.
وعلي هذا الأساس كان يفهم الخدمة أنها صليب يحمله الخادم في أرض مبللة بالعرق والدموع.. ولكن هذه الأفكار لم يكن يفهمها حتى تلاميذه أيضًا.
وهكذا إذ حدث التلاميذ أنه ينبغي أن يسلم للناس ويقتل ويموت ويقبر، أخذه بطرس الرسول ناحية وبدأ يوبخه قائلًا {حاشاك يا رب. لا يكون لك هذا} {مت22:26}. فأجابه السيد له المجد: {أسكت يا شيطان}، تري كيف كان يمكن أن يخلص العالم لو نفذت نصيحة بطرس المسكين!
وهكذا أيضًا فيما كان السيد يضع صليبه أمام عينيه باستمرار، نري التلاميذ يتركون معلمهم وحده في تفكيره، متناقشين فيما بينهم وبين أنفسهم {من يكون فيهم رئيسا}! ونري ابني زبدي يأتيان إليه مع أمهما ساجدين طالبين أن يجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ملكوته! ولكن السيد يرد هذين التلميذين إلي المعرفة الحقيقية للخدمة وطريقها ويجيبهما: {لستما تعلمان ما تطلبان. أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشريها أنا، وأن تصطبغا بالصبغة التي أصطبغ بها أنا؟} {مز38:10}.
وحتى في كنه الخدمة نجد السيد المسيح واقفا وحده في تفكيره. يجمع الناس إليه فيتحدث إليهم بكلام النعمة ساعات طويلة حتى إذا ما أقبل المساء يأتي إليه التلاميذ قائلين (أصرف الجموع لكي يمضوا إلى القرى ويبتاعوا لهم طعاما) {لو12:9}. يا للتلاميذ. أنهم لم ينضجوا بعد، هل كانوا يفكرون أن الخدمة مجرد كلام يلقي علي الناس! أم أنها محبة عاملة! وهكذا يرد عليهم السيد: {لا حاجة لهم أن يمضوا. أعطوهم أنتم ليأكلوا}.
وحيدًا في الخدمة:
العالم مزدحم بخدامه، بل أن الخدام فيه لينافس بعضهم بعضًا، وكل صاحب مشروع يجد كثيرين ينضمون إليه ويعاونونه. أما السيد له المجد فإنه واقف وحده.. لقد قال منذ عشرين قرنا تقريبا وما يزال حتى الآن: {الحصاد كثير والفعلة قليلون. أطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعله لحصاده} {مت38:9}. ليس من ينضم إلي السيد في عمله. كل شخص يقول: {أحارس أنا لأخي؟} {تك9:4}.
سأصف لك يا أخي العزيز بعض حالات رأيتها بعيني...
· امرأة فقيرة وزوجها وثمانية أولاد أكبرهم شاب طائش والذي يليه في السن صبي صغير. كل أيراد هذه الأسرة حوالي الأربعة قروش يكسبها الرجل يوميا مع بيع الليمون مثلا، يشتري بها خبزا يتخاطفه الأولاد في جوع، ثم تمر عليهم أوقات لا يجدون فيها ما يأكلونه، فتحمل الأم المسكينة البعض منهم إلي ملجأ أو جمعية لتتسول لهم طعاما، وماذا إذن عن ملابسهم التي لا تستر من جسمهم شيئًا، وكيف يحتملون بهده الملابس برودة الشتاء وحرارة الصيف، ثم ماذا عن أجرة حجرتهم وصاحبة البيت التي تهددهم بالطرد وتشبعهم سبا وإهانة كلما قصروا في دفع الإيجار.
· امرأة أخري أرملة وأولادها، كانت تعمل في جمعية دينية كحائكة للملابس مرضت شهرين، وربما لضعفها بسبب قلة الغذاء، فكانت النتيجة أن استغنت الجمعية عنها بسبب مرضها.ولما قامت الأرملة الفقيرة من المرض ولست أدري تماما كيف عولجت..
*) كلها حالات في بداية الخمسينيات وأواخر الأربعينات. وكيف دفعت ثمن الدواء!! أقول أنها لما قامت وجدت نفسها وحيدة والدنيا مظلمة حولها.
* أرملة أخر شابة ولها ولدان، تسكن في حمام في بدروم في حجرة حقيرة في منتهي الرطوبة، تدفع إيجارًا لها ثلاثين قرشًا، وهي وأولادها مهددة بالسل وأمراض أخري، ومهددة قبل كل ذلك بالارتداد عن الدين وبالفساد والتشرد. وكيف تقتات؟ تعمل كغسالة، ولكنها لجوعها ضعيفة الصحة، لا تقوي علي الغسيل فلا تجد من يستخدمها.
* وهناك حالات أخري كثيرة، والسيد المسيح واقف وحده يعتني بكل هؤلاء. يقيتهم ويجفف آلامهم، ويعزيهم ويعلمهم الصبر والاحتمال. وفي كل ذلك يريد أن يشرك معه البعض منا نحن الخطاة في شرف الخدمة، ولكنه مع كل هذا ينظر فيجد الحصاد كثيرا والفعلة قليلين، ويجد الجميع قد انصرفوا كل واحد إلي خاصته وتركوه وحده.
من الخاسر في هذه الوحدة؟
ليس هو السيد المسيح طبعا فهو ليس وحده، لأن الآب معه وهو ليس محتاجا إلي عبوديتنا بل نحن المحتاجون إلي ربوبيته. وهو عندما يدعونا أن نقف معه في وحدته، إنما يقصد خيرنا نحن بالذات. لأنه {أن كان الرب معنا فمن علينا} والذي يسير مع المسيح سيجد لذة روحية خاصة {تحت ظله اشتهيت أن أبيت}.
كما أنه في صحبة السيد لا يخاف شرا {أن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرًا لأنك أنت معي} {وأن قام علي جيش ففي ذلك أنا مطمئن {عصاك وعكازك هما يعزياني} {مز23:،مز27} هوذا المسيح ما يزال واقفا وحده يقرع علي الباب حتى إذا فتحت له يدخل ويتعشى معك وأنت معه.
فهل لا تزال مصرًا أن تتركه واقفًا وحده؟
  رد مع اقتباس
قديم 09 - 01 - 2014, 03:20 PM   رقم المشاركة : ( 29 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث

تأمل في النور والظلمة
" في البدء خلق الله السماوات والأرض، وكانت الأرض خربة وخاوية، وعلي وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف علي وجه المياه، ثم قال الله ليكن نور، فكان نور. ورأي الله النور أنه حسن. وفصل الله بين النور والظلمة. ودعا الله النور نهارًا، والظلمة دعاها ليلًا. وكان مساء وكان صباح يومًا واحدًا" {تك1:1- 5}.
لم تقل يا رب {لا تكن ظلمة}، وإنما قلت {فليكن نور}. فكان نور، وبقيت الظلمة، ووجد الاثنان معًا..
فلماذا لم تقض علي الظلمة، ما دام النور الذي رأيته كان حسنا في عينيك؟ لماذا أبقيتها؟ ولماذا أعطيتها أسما؟ ولماذا سمحت أن يكون لها سلطان، وقلت {هذه ساعتكم وسلطان الظلام} {لو22: 53}؟!
لماذا لم تجعل الكل نهارًا، والكل نورًا، أيها النور الحقيقي، النور الذي لا يُدنى منه؟ لماذا سمحت بأن يكون الظلام موجودا، وبأن يحبه الناس أكثر من النور؟! كان بإمكانك أن تلغي الظلام إلغاءًا فلا يكون. أو لا تسمح بوجوده قبل أن يوجد. ولكنك أبقيته علي الرغم من أنه لا يتفق مع طبيعتك! فلماذا؟
كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
أن كنت قد سمحت أن يعيش الزوان مع الحنطة إلي يوم الحصاد، حيث يلقي الزوان في النار، فهل للظلمة أيضًا وقت تنتهي فيه، ويعيش أبناء النور في النور، النور الذي لم يستطيعوا الدنو منه عندما كانوا في الظلام؟ ولكن أليس حقا أن الأشرار يخلدون في الظلمة الخارجية؟ إذن فالظلمة الخارجية خالدة هي أيضًا! ولكن خارج أورشليم السمائية، بعيدة عن أولاد الله وبينها وبينهم هوة عميقة..
متى وجد الظلام؟ ر كان علي وجه الغمر ظلمة}. كان ذلك في بدء الخليقة كلها، قبل أن يقول الرب {ليكن نور} فمنذ متى كان الظلام؟...
عندما كان الله وحده في الأزل، لم يكن هناك ظلام، لأنه لم يكن هناك سوي الله وحده، والله نور. إذن فالظلام حدث فمتى حدث؟ وكيف؟ ولماذا؟ أجبني يا رب فإنني لا أعرف...
هل كانت الظلمة أقدم من النور بالنسبة إلي الخليقة؟ وما علاقة هذا بنظرية السديم؟ بلا شك أن النور كان هو الأقدم. يقال أن هذه -الظلمة من الناحية الطبيعية- حدثت من فاعلية حرارة المجموعة الشمسية المنيرة في الغمر، فتبخرت المياه بكثرة وسرعة، ومن كثرة البخر تكون ضباب كثيف جدا حجب نور السديم، فصار علي وجه الغمر ظلمة.. علي أنني لا أريد أن أهبط إلي مستوي هذا التفكير المادي، إنما علي أن أتأمل في النور كما ينبغي... {كان علي وجه الغمر ظلمة} إذن كان هناك غمر، وكانت هناك أرض، وكانت هناك ظلمة.
لم تكن الأرض تعرف الله ولا كان الغمر يعرفه، فهل عدم معرفة الله كان هو الظلمة؟
وعندما كان روح الله يرف علي وجه المياه، والمياه لا تعرفه {النور أضاء في الظلمة، والظلمة لم تدركه}؟
ثم قال الله {ليكن نور}، فكان نور. أكان ذلك النور هو سر تلك الآية الجميلة {السماوات تحدث بمجد الله، والفلك يخبر بعمل يديه} {مز1:19}؟
هل هذا هو أول نور دخل إلي العالم؟ ولكن واضح أنه بدخوله لم ينته زمن الظلمة. فلماذا كانت الظلمة إذن؟ أريد يا رب أن أعرف. فهمني أنت. أنِر عقلي وروحي لأفهم أقوالك المحيية..
وهناك أنواع من النور: قيل عن الشمس والقمر والنجوم أنها نور. وقال الرب لتلاميذه {أنتم نور العالم}. وقيل عن الابن {الإله المتجسد} أنه نور من نور، حل ورأينا مجده. وقيل عن الآب {الذي لم يره أحد قط} أنه نور لا يُدنى منه. وقيل عن قبول الإنسان لعمل الله فيه أنه استنارة... والخير عمومًا يسمي نورًا، والبر يسمي نورًا، والحكمة والمعرفة تسمي نورًا.
في بادئ الأمر خلق الله النور المادي الذي ندركه بالحس ورأي الله النور انه حسن، ولكن هذا النوع هو أقل درجة من درجات النور. وهناك نور آخر يتدرج في الخليقة الحية حتى يصل إلي الإنسان الذي يمكنه بالروح أن يدرك الله ذاته. فما هو كنه النور في النبات والحيوان بأنواعهما؟ وما هي درجات رقيهما عن الجماد؟ وما علاقة كل هذه الخليقة بالله قبل خلق الإنسان؟ وما علاقته به بعد خلقه؟ الله نور، يفيض من نوره علي الطبيعة فتنير، وأيضًا علي العقل والنفس والحس والروح، فيكون نورها من فيض نوره ولكن ليس من جوهره. كما أن الله هو الحياة، وقد أعطى الخليقة حياة ولكنها ليست من جوهره وإنما من فيضه.
والله هو عقل وروح، وقد أعطي الإنسان عقلًا وروحًا، ولكنهما من فيضه أو من نعمته.. وهكذا.
لماذا رأي النور انه حسن؟ لأنه موافق لطبيعته. فالله نور ليست فيه ظلمة البتة. أن الظلمة ليس فيها الله، وإلا أصبحت نورًا. والذين يخضعون للظلام، سوف يلقون في الظلمة الخارجية، أي نور خارج نطاق التمتع بالله.
أن كان الله قد فصل بين النور والظلمة، فكيف دخلت الظلمة إلي الإنسان؟ وكيف تأصلت فيه، وكيف أحبها أكثر من النور؟ أنها أسئلة، اتركها لتأمل كل منا.
  رد مع اقتباس
قديم 09 - 01 - 2014, 03:20 PM   رقم المشاركة : ( 30 )
Mary Naeem Female
† Admin Woman †

الصورة الرمزية Mary Naeem

الملف الشخصي
رقــم العضويـــة : 9
تـاريخ التسجيـل : May 2012
العــــــــمـــــــــر :
الـــــدولـــــــــــة : Egypt
المشاركـــــــات : 1,273,102

 الأوسمة و جوائز
 بينات الاتصال بالعضو
 اخر مواضيع العضو

Mary Naeem غير متواجد حالياً

افتراضي رد: كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث

عندما أجلس إلى ذاتي
إنها يا رب ساعة مباركة، تلك التي أجلس فيها إلي ذاتي. ذلك لأني عندما أجلس إلي ذاتي، إنما أجلس معك. إذ أنت في داخلي، وأن كنت لا أراك كما كنت في العالم، والعالم لم يعرفك.
لذلك يا رب كانت احدي خطاياي الكبرى في العالم، هي الهروب من ذاتي.
لم يكن لي وقت لأجلس فيه مع ذاتي. وكل وقت كنت تفرغني فيه من المشغوليات والاهتمامات، وتعطيني فرصة أجلس فيها إلي ذاتي، وأجلس فيها معك، كنت أنا – لفرط جهلي – أبحث عن مشغولية جديدة أو اهتمام جديد، لأشغل بها الوقت! كان الجلوس إلي ذاتي نوعا من الكسل! كنت وأنا في العالم أعرف نظريا أهمية الجلوس إلي النفس، ولكنني من الناحية العملية لم أعِر هذا الأمر اهتماما. أو أن الشيطان لم يسمح لي أن أهتم بذلك. فكنت مشغولا علي الدوام، مشغولية مستمرة لا تنقطع...
من أجل ذلك يا رب، لم أر الكنز الموجود داخل نفسي، الذي هو أنت...

كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
وعندما كنت أجلس بعض الوقت إلي ذاتي وأرى ولو شعاعا ضئيلا من ذلك الكنز، كنت أخفيه إلي أن أجد وقتا أطول أتفرغ فيه له، كنت أخفيه حتى أذهب أولًا، وأدفن أبي. وأرى حقلي وأختبر بقري!
وأخيرًا يا رب، عندما سمحت لي في يوم ما لا أستطيع تحديده تماما، أن أجلس إلي نفسي تلك الجلسة الطويلة الهادئة. وأكتشف ذلك الكنز المخبأ فيها،عند ذلك بعت كل شيء واشتريته ذلك الكنز الذي هو أنت، فصرت..
وهاأنذا يا رب أعترف لك:
إنني عندما أجلس إلى نفسي، أشعر في كل مرة أن نفسي أثمن من العالم كله {لأنه ماذا يستفيد الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟!}.
وعندما أشعر أن نفسي أثمن من العالم، يصغر العالم في عيني جدا، واخذ منك نعمة الزهد في كل شيء. وعندما أزهد كل شيء، أنظر فأجدك أمامي تشجعني وتقول لي {لا تخف.. أنا معك}.
وعندما أجلس يا رب إلي ذاتي, اكتشف ما بداخلها، وأري أيضًا ما فعله الغرباء الذين تطاولوا علي مقادسك فيها.. وعندما أرى ذلك، وأعرضه عليك، لكي تحفظ من الغرباء نفسي، عندئذ تطول بي الجلسة، وأجد أشياء كثيرة لأقولها لك ولها. عند ذلك تضؤل أمامي التعزيات البشرية، ولا أبحث عن الاستئناس بالناس، بل بالأكثر أحب الوحدة والخلوة والسكون، حتى لا أحرم من تلك الجلسة اللازمة لي جدا، التي تجلب لي الانسحاق والنقاوة. وأحيانا يا رب، عندما أجلس إلى ذاتي وأتعمق في بحثي داخلها، أجد في بعض أركانها حيات وعقارب كامنة نائمة، أو هي تحاول أن تأكل حبات قلبي في صمت أو في خفية، وتنفث سمومها في دمي وفي فكري وفي مشاعري، دون أن أردي...
وهذه عندما كنت أنظر إليها، كانت تستيقظ وتلدغ ضميري وتتعبني. ولكني كثيرا ما كنت أتركها نائمة حتى لا تتعب نفسي ولكن ما الفائدة يا رب في أن أتركها هكذا، وأتَعامى عنها باحثا عن نياح نفساني؟!
خداع هو في الحقيقة، وهرب من النفس...
أليس من الأفضل أن أكشف هذه الحيات وأقاتلها؟ ارحمني يا رب فإني ضعيف، وشاعر بضعفي وعجزي من مقاتلة أصغرها. الأصلح أن أكشِفها لك يا رب، وأنت تقاتل عني {علي رجز الأعداء تمد يدك وتخلصني يمينك}.
وعندما أجلس يا رب إلى نفسي، أعرف حقيقتي، وأدرك أنني تراب ورماد قدامك، فتتضِع نفسي في داخلي، وتشعر بأن مجد العالم إنما هو طلاء خارجي زائف لا يغير من حقيقة النفس شيئًا...
وعندما أجلس إلي ذاتي وأشعر بضعفي، التصق بك بالأكثر. متأكدا أنني بدونك لا أستطيع شيئا. وكلما ألتصق بك، تكشف لي ذاتك، فأري أنك أبرع جمالا من بني البشر، فأحبك، وأحب الجلوس معك أكثر من جلوسي مع سائر الناس.. وفي كل مرة أعرف عنك شيئا جديدا، فتزداد نفسي تعلقا بك.
أعطني يا رب أن أترك الناس، وانشغل بنفسي، لأربطها بك ثم أعطني يا رب أن أنسى نفسي، وأنشغل بك...
  رد مع اقتباس
إضافة رد


الانتقال السريع

قد تكون مهتم بالمواضيع التالية ايضاً
الموضوع
كتاب الروح القدس وعمله فينا لقداسة البابا شنودة الثالث
سبعة وخمسون عاما على صدور كتاب(انطلاق الروح) للبابا شنودة الثالث
كتاب الروح القدس وعمله فينا لقداسة البابا شنودة الثالث
من كتاب انطلاق الروح لقداسة البابا شنودة الثالث
مديح لقداسة البابا شنودة الثالث - فى انطلاق الروح


الساعة الآن 10:19 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024