24 - 01 - 2013, 01:03 PM | رقم المشاركة : ( 21 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس
ويعود في كتابه "أموجود الله؟" إلى الموضوع نفسه، فيقول: "إنّ القول بأن الله صار إنساناً في يسوع يعني الأمر التالي: إنّ كلام الله وإرادة الله قد اتّخذا وجهاً إنسانياً في جميع أقوال يسوع، وكرازته، ومسلكه ومصيره. إن يسوع، في أقواله وأعماله، في آلامه وموته، وفي شخصه كلّه، قد أعلن وأظهر وأوحى كلام الله وإرادته: ففيه يتطابق تمام المطابقة الكلام والفعل، التعليم والحياة، الكيان والعمل. إنه جسدياً، في وجه بشريّ، كلمة الله وإرادة الله وابن الله" وهذا هو المعنى الأخير للتعابير الكتابيّة التي تتكلّم عن ألوهيّة المسيح، ولا سيما في انجيل يوحنا (1: 1- 14، 5: 17- 18، 10: 33- 38، 19: 7). كما أنّ هذا هو ما نعنيه اليوم، عندما نعلن في قانون إيمان نيقية أنّ يسوع المسيح هو "ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، نور من نور، إله حق من إله حق، مولود غير مخلوق، من ذات جوهر الآب". لذلك يعود كونج فيوجز إيمانه بقوله: "إنّ الإنسان الحقيقيّ يسوع الناصريّ هو، للمؤمنين، الوحي الفعلي للإله الحقيقيّ الأوحد، وفي هذا المعنى هو ابن الله وكلمته". ثم يضيف: إنّ كل التصريحات التي نقرأها في إنجيل يوحنا عن ألوهيّة المسيح تجد معناها في هذا القول المقتضب والأساسي: "ان الله نفسه يظهر ذاته ظهوراً فريداً ونهائياً في شخص يسوع وفي عمله". ثم يسأل نفسه: "ماذا يعني اليوم كل هذا بالنسبة لي أنا؟". ويجيب: ان كل ما اكتشفه الفلاسفة عن الله وكل ما اعتقدت به الديانات لا يعطيني الصورة الحقيقية الواضحة عن الله. تلك الصورة لا يمكننا أن نجدها إلاّ في الكتاب المقدّس: أولاً في العهد القديم، وبشكل نهائيّ في العهد الجديد في شخص يسوع وعمله وموته. يقول كونج: "حيث يسوع، هناك أيضاً الله، فهو الذي يعرّفنى إرادة الله. حيث يتكلّم يسوع ويعمل، هناك أيضاً الله إلى جانبه. وحيث يتألم ويموت، هناك أيضاً الله حاضر حضوراً خفيًّا. لذلك أستطيع أن أدعوه وجه الله وصورته، وأيضاً كلمة الله وابنه.. بالنسبة لي يسوع الناصري هو ابن الله.. ففيه ظهر كلام الله وعمل الله ظهوراً نهائياً. لذلك هو بالنسبة إليّ مسيح الله، ووحيه، وصورته، وكلمته، وابنه. إنّه هو الابن الوحيد لله، ولا أحد سواه". هكذا ينظر كونج إلى يسوع المسيح ابن الله نظرة خلاصية، وليس نظرة مما ورائيّة وكيانية. إنّ كيان ابن الله يقتصر، في نظره، على عمله الخلاصىّ بالنسبة إلى الإنسان، فهو الله للإنسان وهو كلمة الله للإنسان، وهو صورة الله التي يبحث عنها الإنسان منذ القديم وفي جميع الديانات والفلسفات، والتي لا يمكنه أن يراها إلاّ في المسيح. وبهذا فقط هو ابن الله. تلك هي النقطة الأساسية التي رأت السلطة التعليميّة في الكنيسة الكاثوليكيّة أنّ هانس كونج قد حاد فيها عن تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة التقليديّ وعن تعليم المجامع المسكونيّة وعن تعليم العهد الجديد ذاته. فحسب تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة، يسوع المسيح هو ابن الله لجأ فقط لأنّه يوحي الله، بل أيضاً لأن ابن الله الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس، الكائن منذ الأزل مع الله وفي الله، هو نفسه قد أخذ جسداً من مريم العذراء، وصار إنساناً دون أن يفقد شيئاً من ألوهيّته. فهانس كونج يفسّر وجود ابن الله منذ الأزل بقوله إنه مجرّد تعبير لا يعني سوى أنّ الله الموجود منذ الأزل قد أوحى لنا ذاته في يسوع الإنسان الوحي الكبير. في هذا الموضوع يؤكّد كارل راهنر بدوره ضرورة القول بوجود ابن الله منذ الأزل قبل التجسّد في الله. ويؤيّد قوله استنادًا إلى الإيمان بأن يسوع هو وحي الله ذاته، وإلى مبدإه اللاهوتيّ القائل إنّ الله قد ظهر لنا في يسوع المسيح كما هو في ذاته. فمن ظهوره لنا كلمة الله نستنتج انه موجود في الله منذ الأزل ككلمة الله والأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس. ب) الروح القدس إنّ نظرة هانس كونج إلى الروح القدس هي أيضاً نظرة خلاصيّة، وليس ماورائيّة. فيقول إنّ الروح القدس هو "الله نفسه من حيث إنّه يملك بقوته وقدرة نعمته، على الإنسان كله، وعلى عمق كيانه وعلى قلبه، ويحضر إليه حضوراً حقيقياً، ويتجلّى له هو ذاته تجلّياً فعّالاً". "إنّ الروح القدس ليس سائلاً سحرّيًا، جوهرّيًا، سريًّا، وفائق الطبيعة. إنّه الله نفسه، الله القريب من الإنسان ومن العالم كقوة وقدرة تدرك الإنسان، دون أن يتمكّن الإنسان من إدراكها، وتقدّم ذاتها للمرء دون أن يتاح للمرء التصرّف بها على هواه. تخلق الحياة، ولكنها أيضاً تدين الإنسان. "المهم هو أنّ الروح القدس ليس عنصراً ثالثاً، شيئاً بين الله والإنسان. إنّه القرب الشخصيّ الذي به يقترب الله من الإنسان. وكلّ سوء فهم للروح القدس يأتي من أننا نفصل بفكر أسطوريّ الروح القدس عن الله لنجعله مستقلاً عنه. فالروح القدس هو الله نفسه، من حيث إنّه يملك عليّ ويسكن فيّ. إنّه يملك على قلي دون أن يصير ملكي الخاص لأتصرّف به على هواي. إنّ تقبّل الروح لا يعني اختبار حدث سحريّ، بل الانفتاح لقبول البشرى الصالحة التي جاءنا بها المسيح". ج) الثالوث الأقدس لقد عبّر التقليد اللاهوتي، منذ القرن الرابع، عن سرّ الثالوث الأقدس بقوله: "إله واحد أي جوهر واحد في ثلاثة أقانيم". يقول كونج إن لفظتي جوهر وأقنوم قد استخدمهما اللاهوت. الفلسفة اليونانية وقد لا يعنيان الشيء الكثير للإنسان المعاصر. لذلك يجب إهمالهما والعودة إلى بساطة التعابير التي نجدها في العهد الجديد. يقول: "إن الله قد ظهر لنا في ابنه يسوع المسيح. فيسوع المسيح هو الحي الحقيقيّ للإله الحقيقيّ. ولكن كيف يصير يسوع حضور الله بالنسبة إلى الكنيسة وبالنسبة إلينا اليوم؟ الجواب الذي نقراه في العهد الجديد هو التالي: إن حضور يسوع من بعد قيامته لم يعد حضوراً ماديًّا، بل صار حضوراً بالروح. فالروح القدس هو إذاً حضور الله وحضور المسيح الممجّد لجماعته ولكل مؤمن بمفره. في هذا المعنى الله نفسه هو الذي يوحيّ ذاته بيسوع المسيح في الروح". تلك هي عقيدة الثالوث الأقدس التي تلزمنا في آن معاً أن نميّز بين الآب والابن والروح القدس، وأن نجمع بينهم في وحدة لا تنقسم ولا تنفصل. يقول كونج: "ان وحدة الآب والابن والروح القدس يجب أن تُعتبر حدث وحي ووحد وحي". في نظرة كونج إلى المسيح، وإلى الروح القدس، وإلى الثالوث الأقدس، نرى تركيزاً على وحي الله للإنسان، وإهمالاً للبحث في كيان الله في ذاته. فني وحي الله للإنسان ظهر الآب، بالابن، في وحدة الروح القدس. خلاصة القول ان نظرة كونج للثالوث هي نظرة خلاصيّة، وليست نظرة ماورائيّة. لذلك حكمت عليه الكنيسة الكاثوليكيّة بأن تعليمه ناقص، لأنه يبرز جزءاً من العقيدة ويهمل الجزء الآخر. |
|||
24 - 01 - 2013, 01:04 PM | رقم المشاركة : ( 22 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس
الفصل الرابع الثالوث الأقدس في واقع حياتنا المسيحية في نهاية هذا البحث، الذي عرضنا فيه للثالوث الأقدس في الكتاب المقدّس وآباء الكنيسة واللاهوت المعاصر، تفسيراً لقانون الإيمان، الذي يعلن الإيمان المسيحيّ بالآب الضابط الكل، وابن الله الوحيد، والروح القدس الربّ المحي، يجدر بنا أن نتساءل: ماذا يعني هذا الإيمان بالنسبة إلى واقع حياتنا المسيحية؟ نبدأ أوّلاً بتفسير الجملة الأخيرة التي وردت في قانون الإيمان عن "الروح القدس، الناطق بالأنبياء"، فنبيّن أنّ الروح القدس لا يزال اليوم أيضاً ينطق بالأنبياء من المؤمنين بالمسيح. ثم نشرح كيف أنّه، بحلول الروح القدس، اكتمل ظهور الثالوث الأقدس، وانكشف لنا سرّ الله في علاقته بالإنسان وفي حياته الذاتية. أولاً- "الروح القدس الناطق بالأنبياء" لماذا يعود قانون الإيمان إلى ذكر الأنبياء بعد ذكر المسيح؟ ألم يقل لنا الروح القدس كلّ شيء في المسيح؟ وماذا يعني اليوم الإيمان بالروح القدس في واقع حياتنا؟ بعد الجولة التي قمنا بها في الطرق المختلفة التي عبّر بها آباء الكنيسة واللاهوت المسيحي عن إيمانهم بالروح القدس عبر القرون، قد يبدو الحديث عن الروح وليد نظريات لاهوتية عفا عنها الزمن وهي بعيدة عن واقع الحياة المسيحية المعاصرة. ما نقصد إثباته هنا هو أنّه لا يمكن المسيحي أن يفهم معنى عمل الله في العالم أو أي شيء عن كيان الله في ذاته وفي علاقته بالإنسان ما لم يتعمّق في لاهوت الروح القدس، لأنّه بالروح القدس يتَّحد الله بالإنسان ويصل الإنسان إلى الله. فالروح القدس هو الإله الذي كلَّمَ الإنسان بواسطة الأنبياء، وكلَّمَ الإنسان بالمسيح، ولا يزال اليوم يتكلَّم بالوجود المسيحي على مدى الزمن. وهكذا بالروح القدس يكتمل وحي الله الثالوث ووحي عمله في العالم. 1- الروح القدس والأنبياء يقول بطرس الرسول في رسالته الثانية "لم تأتِ نبوّة قطّ عن إرادة بشر، إنما بإلهام الروح القدس تكلَّمَ رجال الله القدّيسون (2 بط 1: 21). ويردّد يسوع جواباً على التجربة الأولى قول تثنية الاشتراع: "الإنسان لا يحيا بالخبز وحده، بل بكلّ كلمة تخرج من فم الله" (متى 4: 4). فإنّ كلمة الله التي تحي الإنسان هي كلام الروح، والأنبياء هم الأناس الذين أصغوا إليها واستقوا من منهلها وكرزوا بها. فالإله الذي بشّروا به ليس بصنع مخيّلتهم، بل هو الإله الحيّ الحقيقي الذي منه يستقون الحياة والحقيقة. هو الذي ألهمهم وملأهم من روحه وأرسلهم لإعلان اسمه وإرادته بين الأم. لذلك يبدأون نبؤاتهم بإعلان ارتباط كلامهم بالله: "هكذا يقول الرب". فهم موفدو الرب ينطقون باسمه ويتكلّمون لا لكشف غوامض المستقبل بل لإعلان إرادة الله في الماضي والحاضر والمستقبل وتأكيد محبته الأزلية للبشر. يعلن بولسّ الرسول أنّ "ما لم تره عين وما لم تسمع به أُذُن ولا خطر على قلب بشر هو ما أعدّه الله لمحبِّيه". ثمّ يضيف: "وهذا قد أعلنه لنا الله بروحه، لأنّ الروح يفحص كلّ شيء حتى أعماق الله. فمَن مِن الناس يعرف ما في الإنسان إلاّ روح الإنسان الذي فيه؟ فهكذا أيضاً ليس أحد يعرف ما في الله إلاّ روح الله". ويردف: "ونحن لم نأخذ روح العالم، بل الروح الذي من الله، لكي نعرف ما أنم به الله علينا من النِعَم، ونتكلّم عنها لا بأقوال تعلِّمها الحكمة البشرية، بل بما يعلِّمه الروح، معبّرين بالروحيّات عن الروحيّات" (1 كو 2: 9- 13). وعلى نقيض الذين يعلنون اليوم موت الله أو عدم وجوده أو مضرّة التفكير به وعدم جدوى التحدّث عنه، ويقنعون بالكبرياء الإنسانية، يقول النبي مع أشعيا: "السيّد الرب ينبّه أُذنيّ صباحاً فصباحاً لأسمع كالعلماء" (أش 50: 4)، وما يسمعه "يَنْبَأ" في مخدعه الداخلي "ينادي به على السطوح" (متى 10: 27)، فهو يتكلّم كلام الله ويحيا حياة الله، والكلام والحياة عنده لا ينفصلان، فالله هو حبّه الأوحد سواء تكلّم أم عاش. |
|||
24 - 01 - 2013, 01:04 PM | رقم المشاركة : ( 23 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس
2- الروح القدس ويسوع "إنّ الله بعد أن كلَّمَ الآباء قديماً بالأنبياء مراراً عديدة وبشتّى الطرق كلَّمنا في هذه الأيام الأخيرة بالابن الذي جعله وارثاً لكلّ شيء، وبه أيضاً أنشأ العالم، الذي هو ضياء مجده وصورة جوهره، وضابط كلّ شيء بكلمة قدرته" (عب 1: 1- 3). إنّ يسوع، كلمة الله النهائيّة للبشر، كان ممتلئاً من الروح القدس في عمق كيانه. فقد حُبل به بواسطة الروح القدس، وبقوّة الروح القدس صنع العجائب وطرد الأرواح الشرّيرة وغفر الخطايا، وأعلن معنى ما يقوم به: "إن كنت أنا بروح الله اخرج الشياطين، فذلك أنّ ملكوت الله قد انتهى إليكم" (متى 12: 29). والروح القدس هو الذي أقام ِيسوع من بين الأموات بعد موته: "إنّ ابن الله الذي وُلد بحسب الجسد من ذريّة داود قد أُقيم بحسب روح القداسة في قدرة ابن الله بقيامته من بين الأموات" (رو 1: 4). لقد خضع ابن الله للموت على غرار كلِّ الناس الذين صار واحداً منهم، لكنّه بموته أمات الموت وقام بقدرة الروح الذي كان متحداً به اتحاداً جوهرياً. فالروح الذي أقام يسوع هو نفسه الذي كان يسوع ممتلئاً منه في حياته. إنّه روح الله، روح الحياة وروى القيامة. 3- الروح القدس ينطق بالوجود المسيحي على مدى الزمن "إنّ يسوع هذا قد أقامه الله، ونحن جميعاً شهود بذلك. وإذ قد ارتفع بيمين الله، وأخذ من الآب الروح القدس الموعود به، أفاض ما تنظرون وتسمعون" (أع 2: 31، 33). هكذا فسّر بطرس الرسول لليهود حلول الروح القدس على التلاميذ يوم العنصرة. وعندما نسأل اليوم ماذا يعني الإيمان بالروح القدس في واقع حياتنا؟ نجيب درن تردد أنّ الله الذي كلَّم الإنسان قديماً بالأنبياء، وملأ يسوع في حياته، وأقامه من الأموات بعد مماته، وملأ التلاميذ يوم العنصرة وفي كرازتهم حتى الاستشهاد، لا يزال يكلِّمنا ويملأنا من حياته الإلهية. فالله ليس فكرة منعزلة في عالم آخر، بل إنّه في عالمنا منذ أن صنعه. وفي ضمير كلّ إنسان منذ أن خلقه. لقد كلّم البشر في داخلهم كما كلَّمهم بواسطة أنبيائه، ثم كلَّمهم في شخص ابنه يسوع، وأخيراً أرسل إليهم روحه القدّوس مكث فيهم يحييهم. "لا أحد يستطيع أن يقول: "يسوع رب" إلاّ بالروح القدوس" (1 كو 12: 3). فكلّ فعل إيمان هو عمل الله في الإنسان، وكلّ عمل خير هو عمل الله في الإنسان. إنّ إيماننا بالروح القدس يعني اليوم في واقع حياتنا أنّ الله غير بعيد عنّا، يعمل في الإنسان وبعمل في الكون ليقود ذاك إلى الخير وهذا إلى الكمال. نحن مدعوّون بحسب بولس الرسول إلى أن نكون روحانيين ممتلئين من الروح القدس فنحيا في حياتنا بحسب الروح، ليس فقط في المواهب الخارقة من صنع المعجزات والأشفية والتكلُّم بالألسنة والنبوّة وتمييز الأرواح والحكمة والعلم (راجع 1 كو 12: 7- 11)، بل أيضاً في الحياة اليومية الاعتيادية حيث يجب أن تظهر تمار الروح: "المحبة والفرح والسلام وطول الأناة واللطف والصلاة والأمانة والوداعة والعفاف" (غلا 5: 22، 23). ففي داخل كلّ إنسان يحيا بالروح يبدأ عالم جديد، عالم الحياة الحقّة، عالم الله وعالم ابنه يسوع المسيح وعالم روحه القدّوس الذي يصرخ فينا "أبّا أيّهاٍ الآب" (غلا 4: 6). إنّ إيماننا بالروح القدس هو الإيمان بأنّ الله حاضر في العالم وحاضر في كنيسته يعمل في إيمانها أسرارها، وتبقى محبته أمينة رغم عدم أمانة أبنائه له. لقد رافق الله الكنيسة عبر القرون وتكلّم في مجامعها ولا يزال يحملها على إدراك ما ينقص في مؤسّساتها وتوضيح تعاليمها. وإنّ إيماننا بالروح القدس هو الإيمان بأنّ الله حاضر في قدّيسيه، في كلّ الذين يحيون حياة الله ويعكسون صورته. هؤلاء هم الأنبياء المعاصرون الذين ينطق الروح بكلامهم وحياتهم، وحياتهم هي ذاتها نبوّة حيّة تنبئ بحياة الله، ووجودهم هو ذاته كرازة تعلن وجود الله، من يراهم يدرك أنّه في المسيح يسوع ظهرت خليقة جديدة لا يمكن إلاّ أن تكون عمل الله نفسه. وإنّ إيماننا بالروح القدس هو أخيراً رجاء بمستقبل البشرية. لا شكّ أنّ البشرّية تتخبّط اليوم في تناقضات لا تعرف كيف تحلّها: بين الفرديّة والجماعيّة، وقيمة الشخص البشري وضرورة الروابط الاجتماعيّة. لكنّنا نؤمن أنّ روح الله حاضر فيها بواسطة كلّ إنسان يحيا حياة الروح ويسعى إلى نشر المحبة والسلام في العالم، وهو الذي سيقود البشر إلى حلّ تناقضاتهم فيصيرون على صورة الله. إنّ الإيمان بالروح القدس يشمل التاريخ برمَّته وعمل الله فيه في ماضيه وحاضره ومستقبله. ثانيًا- بالروح القدس يكتمل وحي الثالوث الأقدس إنّ حقيقة الثالوث الأقدس قد عاشتها الكنيسة الأولى في صلواتها وأسرارها قبل أن تعلنها عقيدة إيمانيّة، فكانت تعمّد "باسم الآب والابن والروح القدس" (متى 28: 18). ففي هذه العبارة التي يضعها إنجيل متّى على لسان يسوع نفسه وتعود إلى القرن الأوّل، نجد بوضوح ذكر الأقانيم الإلهية الثلاثة. كذلك يذكر سفر أعمال الرسل: "لمّا سمع الرسل الذين في أورشليم أنّ السامرة قد قبلت كلمة الله، أرسلوا إليهم بطرس ويوحنا. فانحدرا وصلَّيا لأجلهم لكي ينالوا الروح القدس، إذ لم يكن بعد قد حلَّ على أحد منهم، بل كانوا قد اعتمدوا فقط باسم الرب يسوع. عندئذٍ وضعا أيديهمَا عليهم فنالوا الروح القدس" (أع 8: 14- 17). ففي هذا الحدث تمييز واضح بين الرب يسوع والروح القدس، وتأكيدٌ أنّ المسيحي لا يكتمل إيمانه بمجرّد الإيمان بالربّ يسوع، أي "إنّ يسوع المسيح هو ابن الله" كما ورد في معموديّة قيّم ملكة الحبشة على يد فيلبّس (أع 8: 37)، بل بالإيمان بالروح القدس والامتلاء منه. فالإيمان بالآب والابن يكمّله الإيمان بالروح القدس. وماذا يعني ذلك في واخذ حياتنا المسيحية؟ 1- الروح القدس هو حضور الله نفسه في الكون يمكن الإنسان أن يؤمن بوجود الله وبأنّ الله قد خلق العالم، ولكنّ هذا الإيمان قد يبقى بعيداً عن الحياة. فالفلاسفة العقلانيّون الألوهيّون في القرن الثامن عشر (من أمثال فولتير) كانوا يؤمنون بإله كهذا، إلاّ أنّهم كانوا يعتقدون أنّ هذا الإله بعد خلقه العالم لم يعد مرتبطاً به بأي علاقة. إلى جانب هذه الفئة الأولى من المؤمنين بالله يمكننا أن نجد فئة ثانية من أمثال ميخائيل نعيمة، تؤمن بأنّ الله قد أرسل ابنه يسوع المسيح معلِّماً للإنسانية على غرار سائر المعلّمين والأنبياء، وتعتقد أنّ يسوع مات كسائر الأنبياء ولم يبقَ أنه بعد موته إلاّ تعاليمه يقرأها الناس فيتّعظون بها ويحاولون تطبيقها في حياتهم. إنّ المسيحية هي أعمق من ذلك، ترى في يسوع المسيح ليس معلّماً ومثالاً وحسب بل أيضاً مخلِّصاً، وتؤمن أنّ يسوع المسيح بعد موته قام من أن الأموات ودخل في مجد الآب وأرسل إلينا روحه القدّوس ليمكث فينا ويعمل فينا. ففي المسيحيّة لا يُترك الإنسان لقواه الذاتية، إنّما يستقرّ الله فيه ليعمل وإيّاه على تحقيق كماله الشخصي وكمال الإنسانيّة. هذا هو معنى إيماننا بالروح القدس الذي به يكتمل وحي الثالوث الأقدس وتظهر صورة الله الحقيقيّة. إنّ تاريخ الفكر البشري بأسره هو بحث مستمرّ عن الله. وفي المسيحيّة الله نفسه هو الذي يأتي إلينا "في ملء الأزمنة" في شخص يسوع المسيح ويمكث فينا بروحه القدّوس. لذلك يدعو بولس الرسول الروح القدس "روح الله" و"روح المسيح" و"روح الرب"، لأنّه به يستقرّ عمل المسيح الحيّ مدى الدهر. بهذا الروح وحده نستطيع بلوغ الإيمان، وبه وحده "نصير للمسيح" (رو 8: 9) وأبناء الله (غلا 4: 6)، وبه وحده نعرف ما أنعم به الله علينا فينكشف لنا سرّه وطبيعته، لأنّ روح الله وحده يعرف ما في الله (1 كو 2: 10- 12). من هنا تتّضح لنا أهمية ما قامت به الكنيسة الأولى في المجامع المسكونية لتأكيد ألوهية الروح القدس. فالإيمان بتلك الألوهية لا يعني عودة إلى تعدّد الآلهة بل تأكيداً لقرب الله من الإنسان. فكما أنّ الإيمان بألوهية يسوع المسيح ابن الله لا يعني ازدواجية في الله بل قرب الله من الإنسان إلى حدّ أنّه صار واحداً منّا في شخص ابنه يسوع المسيح، هكذا الإيمان بألوهية الروح القدس يعني أنّ الله ليس سيداً عن الإنسان بل يمكث فيه ويحييه ويعمل به. فتأكيد ألوهية الابن هو تأكيد أنّ الله نفسه صار إنساناً، وتأكيد ألوهية الروح القدس هو تأكيد أنّ الله نفسه هو الذي لا يزال يمكث في الإنسان والتاريخ على مدى الزمن. 2- مصدر عقيدة الثالوث الأقدس في المسيحية: الله كما ظهر لنا استناداً إلى ما قلناه عن الابن والروح القدس يظهر لنا بوضوح أنّ مصدر عقيدة الثالوث الأقدس في المسيحية لن نجده في أيّ من الديانات القديمة بل في ظهور الله نفسه في تاريخ الخلاص. إنّ عقيدة الثالوث لم تُعلن في الإيمان المسيحي انطلاقاً من تخيّلات أسطورية ولا من نظريات فلسفية ماورائية، بل اعتَلَنت بظهور الله في تاريخ الخلاص آباً وابناً وروحاً قدساً. ففي تاريخ الخلاص ظهر يسوع ابن الله متميّزاً عن الآب، فكان في صلاته يخاطب الله داعياً إيّاه أباه، وكان في أعماله يغفر الخطايا ويصنع المعجزات بقدرة الله، فاعترف به الرسل وآمنوا انه "ابن الله" و"الكلمة الذي كان في البدء عند الله" (يو 1: 1، 2). ليست عقيدة التجسّد حكاية نزول إله من السماء إلى الأرض ليقضي فيه بضع سنوات ثم يعود إلى حيث كان. تلك الأسطورة بجد أمثالها في ديانات الهند. إنّما عقيدة التجسّد تأكيد إيماني أنّ الإنسان يسوع المسيح الذي وُلد وعاش ومات في حقبة معيّنة من التاريخ ليس مجرّد إنسان نقل إلينا كلام الله كما ينقله نبيّ ويبقى في كيانه مستقلاً عن الله. إنّ "ههنا أعظم من نبيّ" (راجع متى 12: 41، 42). إنّ يسوع هو، في عمق كيانه وفي جوهره وفي حياده وموته وقيامته، "كلمة الله"، أي به وفيه ظهر الله نفسُه وأوحى بذاته كما هو. إنّ الأنبياء كلّهم نقلوا إلى البشر كلام الله، أمّا يسوع فهو في ذالّه "كلمة الله". وبما أنّ "كلمة الله" التي من "ذات الله" لا يمكن أن تكون مخلوقة، اعترفت المسيحية بألوهية يسوع المسيح. إلاّ أنّها أصرّت على تأكيد تميّزه عن الله الآب الذي أرسله وبه تكلّم وبه أوحى بذاته إلى العالم. وكذلك القول عن الروح القدس الذي ظهر متميّزاً عن الآب والابن. فالآب أرسله. وهو "ينبثق من الآب"، ويسوع يرسله إلى التلاميذ "من لدن الآب" (يو 15: 26). فانطلاقاً ممّا نقرأ في الكتاب المقدّس عن ظهور الله نفسه في تاريخ الخلاص آباً وابناً وروحاً قدساً، عبّر اللاهوت المسيحي في القرن الرابع عن إيمانه بالله بقوله: إله واحد، أبَ طبيعة واحدة في ثلاثة أقانيم. لقد استقى اللاهوت لفظتَي طبيعة وأقنوم من الفلسفة اليونانية وحدّد معناهما بالنسبة إلى الثالوث الأقدس. وقد أراد بتلك العبارة التوفيق بين ما يبدو لعقل البشر متناقضاً: التوحيد والتثليث. إنّ اللاهوت المسيحيّ لم يختلق صورة الله انطلاقاً من تصوّرات العقل البشري، بل عبّر عما اختبره الإنسان في ظهور الله نفسه، الآب والابن والروح القدس. |
|||
24 - 01 - 2013, 01:05 PM | رقم المشاركة : ( 24 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس
والآن لنتوسعّ قليلاً في ما ينتج من تلك العقيدة بالنسبة إلى معرفتنا لسرّ الله وسرّ الإنسان. 3- عقيدة الثالوث الأقدس تعريف بالله وبالإنسان نتحدّث مراراً عن سرّ الله ونؤكّد أنّ عقيدة الثالوث الأقدس في الديانة المسيحية لا تفهمنا الكثير من هذا السرّ. ولكنّنا ننسى أنّ في الإنسان أيضاً سرًّا يستحيل علينا إدراكه. وعقيدة الثالوث الأقدس، وإن لم تحلّ سرّ الله ولا سرّ الإنسان، إلاّ أنّها تدخلنا في السرّين معاً فتلقي عليهمَا بعض الأضواء وتتيح لنا أن نتّخذ منهما موقفاً. ليست عقيدة الثالوث الأقدس عقيدة نظرية بل عقيدة ديناميكية، أي إنّها لا تهدف إلى كشف غوامض الماورائيّات وحلّ ألغاز الكون، بل إلى الدخول في عمق هذا العالم وهذه الحياة لاكتشاف مما فيهمَا من معنى. إذّاك يتجلّى لنا الله نفسه غاية العالم القصوى والمعنى العميق لحياة الإنسان. هكذا تلقي عقيدة الثالوث الأقدس الضوء على الله والإنسان معاً، بحيث يمكننا القول إنّ أي تعريف بالإنسان لا يتضمّن علاقة الإنسان بالثالوث الأقدس، الآب والابن والروح القدس، هو تصغير وتشويه للإنسان. لذلك لا نستطيع نحن المسيحيين أن نكتفي فنعرّف الإنسان بقولنا إنّه "كائن عاقل" أو "كائن اجتماعي"، ففي هذين التعريفين نقص أساسي هو ارتباط الإنسان بالله. إنّ الإنسان مرتبط بالله في عمق كيانه. لذلك رأى آباء الكنيسة الشرقيّة أن تجسّد ابن الله لم يكن حادثاً عارضاً في تاريخ الخلاص تمّ بسبب خطيئة الإنسان وللتكفير عنها، إنا هو أمر أساس في تصميم الله منذ الأزل وفي عمق إرادته، أي في صميم كيان الله وكيان الإنسان. يقول سفر التكوين في العهد القديم إنّ الإنسان خُلق على صورة الله. ويمكننا أن نضيف اليوم، بعد أن اكتمل الوحي في العهد الجديد، أنّ الإنسان خُلِق على صورة الله الثالوث، الآب والابن والروح القدس. فالإنسان مرتبط بالآب الذي خلقه وبالابن الذي خلَّصه وبالروح القدس الذي يؤلّهه. والصورة التي خُلق عليها الإنسان بنوع خاص هي صورة ابن الله الذي تدعوه الرسالة إلى العبرانيين "ضياء مجد الله وصورة جوهره وضابط كل شيء بقدرته" (عب 1: 3). فالإنسان إذاً حاضر منذ الأزل في ابن الله وكلمته وصورته، حاضر منذ الأزل في الله. إنّ ارتباط الإنسان بالله في أصل كيانه يجعلنا نجرؤ على القول من ناحية أخرى إنّه لا يمكننا التعريف بالله منفصلاً عن الإنسان، ولا سيّمَا بعد أن اختبرنا كلمة الله يتجسّد ويصير إنساناً، وروحَ الله يحلّ على الإنسان مكث فيه. نعود فنؤكّد أنّنا بقولنا هذا لا ننظر إلى الله نظرة الفلسفة الماورائية الميتافيزيقية، بل نظرة الكتاب المقدّس الوجوديّة الظهورية التي تبرز لا كيان الله كما يمكننا أن نتصوّره في ما وراء هذا الكون، بل كيان الله كما ظهر في تاريخ الخلاص. إنّ إله الماورائيّات هو إله بعيد عن الإنسان، إنه القدرة والعظمة والسيادة، الإله الذي يتسلّط على الإنسان ويسخّره لإرادته وأهوائه. على هذا الإله ثار، وبحقّ، الفلاسفة الملحدون من أمثال فويرباخ وماركس ونيتشه. أمّا إله يسوع فلا يمكن أن يطاله أيّ نقد من إنسان، والملحدون لا يمكنهم التعرّض له لأنّهم لم يختبروه. هذا الإله الحيّ الحقيقي هو الإله القريب من الإنسان الذي اختبره رجال الله ورجال الروح، الأنبياء والرسل والقدّيسون، في الكتاب المقدّس وعلى مدى تاريخ المسيحية. هؤلاء اختبروا في الله عمق حياتهم ومعنى وجودهم وكمال ذاتهم. إنّ التزام الله بالإنسان في هذين الحدثين الأساسين من تاريخ الخلاص، حدث تجسّد كلمة الله وحدث حلول روح الله على الإنسان، ينتج منه بالنسبة إلى كيان الله وكيان الإنسان نتائج جوهرية تتخطّى كلّ ما جاءت به الديانات التوحيدية كاليهودية والإسلام والفلسفات الماورائية التي أقرّت بوجود إله واحد خالق ومنظّم للكون. إنّ القول بالإله الواحد الأحد يجعل الله منعزلاً عن الإنسان والإنسان منعزلاً عن الله. أمّا القول بالإله الواحد الثالوث فيجعل الله في صلب تحديد الإنسان كما يجعل الإنسان في صلب تحديد الله. لذلك ليس الله في نظر المسيحية فقط الخالق الذي يرتبط بالإنسان ارتباط السيّد بعبيده، كما يقول الإسلام، وليس هو فقط الخالق الأب الذي يعتني بشعبه عناية الأب بأبنائه، كما تقول اليهودية، ففي هاتين الديانتين يبقى الله منفصلاً عن الإنسان، وإن اتّصل به بواسطة أنبيائه ورُسله وأوحى إليه بأنّه الرحمن الرحيم. المسيحية وحدها، بقولها إنّ الابن الذي هو أقنوم في الإله الواحد تجسّد وصار إنساناً ومات على الصليب حبًّا بالإنسان، وإنّ الروح القدس الذي هو أقنوم في الإله الواحد حلَّ على الإنسان مكث فيه ويعمل معه، أدركت أنّ عظمة الله لا تكن في بُعد كيانه عن العالم والإنسان بل في اتّحاده بالعالم والإنسان في أقنومَي الابن والروح القدس. 4- سموّ الله وتعاليمه في عقيدة الثالوث الأقدس ولكن أليس من خطر في أن يفقد الله، في النظرة المسيحية إلى الإله المتجسّد، صفة جوهرية من صفاته هي سموّه وتعاليه عن العالم والإنسان؟ أليس من خطر في أن نرى الله يندمج بالعالم بحيث لا يعود هناك فرق بين الاثنين؟ إنّ هذين الخطرين يزولان في التفسير الصحيح لعقيدة الثالوث الأقدس التي تتضمّن ثلاثة أمور: شخصانية الله، وألوهية الأقانيم الثلاثة، وتميّز الأقانيم أحدها عن الآخر. ء) شخصانية الله: الله يتميّز عن العالم الأمر الأوّل هو تأكيد شخصانيّة الله، أي إنّ الله شخص وليس بمجرّد قوة مبهمة تعمل في الكون. فالقول إنّ الله قوّة بهمة تعمل في الكون يقود حتماً إلى دمج هذه القوّة بالكون وعدم تمييزها عنه. أمّا القول إنّ الله شخص في أقانيم ثلاثة فيزيل هذا الخطر ويبقي على تميّز الله عن الكون. فكما أنّنا، عندما نقول إنّ الإنسان هو شخص، نعني أوّلاً أنّه متميّز عن سائر الأشخاص، له كيانه الخاص وحرّيته الخاصة، بهما يمكنه الدخول في علائق مع سائر الأشخاص، كذلك بطريقة مماثلة، عندما نؤكّد شخصانية الله، نحافظ على تميّزِه عن الكون وعلى إمكان دخوله في حوار حريّة ومحبة مع الكون والإنسان. إنّ مفهوم عقيدة الثالوث الأقدس على هذا النحو يظهر الله مرتبطاً بالعالم والإنسان دون أن يتطابق معهما كما تقول الحلولية التي ترى تطابقاً بين الله والكون، فتعتبر أنّ القوّة الكونيّة هي نفسها الله. إنّ المسيحية تؤكّد أنّ الله مرتبط بالعالم والإنسان ولكنّه يتميّز عنهمَا. ب) ألوهية الأقانيم: الله يسمو الكون الأمر الثاني هو تأكيد ألوهية الأقانيم الإلهية. فالآب هو الله، والابن هو ابن الله، والروح القدس هو روح الله. والابن والروح لم يخلقه الله، بل هما من جوهر الله بالولادة والانبثاق. بهذا التأكيد تحافظ عقيدة الثالوث الأقدس على سموّ الابن والروح وتعاليهما فوق العالم والتاريخ، رغم دخولهما في العالم والتاريخ. واستناداً إلى هذا التأكيد لا نستطيع القبول بنظرية الفيلسوف الألماني هيجل (1770- 1831) الذي يعتبر الله روحاً مطلقاً مندمجاً بالتاريخ إلى حدّ أنّ التاريخ، بتطوّره وتفاعل عناصره بعضها مع بعض، يصيّره ما هو عليه ويوصله إلى المطلق. فالله، في المسيحية، يعمل في التاريخ، إلاّ أنّه يسمو التاريخ. إنّ المحافظة على سموّ الله وتعاليه بالنسبة إلى العالم والإنسان والتاريخ تبقي الإيمان الذي هو لقاء بين الله الذي يكلّم الإنسان والإنسان الذي يجيب الله، وتحافظ على إمكان حوار الحرّية والمحبة بين الله والإنسان. ج) تميّز الأقانيم أحدها عن الآخر الأمر الثالث الذي يؤكّد سموّ الله هو تميّز أقنوم الآب عن أقنومي الابن والروح القدس. هذا ما أعلنته الكنيسة عندما حرمت بدعة الشكلانية التي تقول إنّ الآب والابن والروح القدس ليسوا سوى أشكال مختلفة رأى فيها البشر الله الواحد حسب تطوّر عقليتهم البشرية، وإن الأقانيم لا وجود لها إلاّ في فكرنا نحن لا في طبيعة الله الواحدة. وهناك صيغة أخرى للشكلانية ترى تطوّراً وتحوّلاً في الله وتقول إنّ الله كان في العهد القديم آباً، ثم صار بالتجسّد ابناً، وأخيراً بعد قيامته صار روحاً قدساً. إنّ كلتا الصيغتين تنفي سموّ الله وتشوّه عقيدة الثالوث الأقدس. فالآب يتميّز عن الابن والروح القدس بأنّه هو الذي أرسلهما. إنّ سموّ الآب يكمن هنا في كونه لم يتجسّد. هناك بُعد في الله لا نستطيع الوصول إليه، وهو في الله الآب مصدر أقنوم الابن وأقنوم الروح القدس. ثمّ إنّ الله لا يمكن أن يتطوّر ويتحوّل بظهوره في الزمن. إنّه "هو هو أمس واليوم وإلى الدهور"، "إذ ليس فيه ظلّ دوران ولا تحوّل". لذلك فإن كان ظهر لنا في التاريخ آباً وابناً وروحاً قدُساً، فهو هكذا في ذاته منذ الأزل وإلى الأبد. |
|||
24 - 01 - 2013, 01:06 PM | رقم المشاركة : ( 25 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس
ينتج من ذلك التمييز أنّه لا يمكننا القول إنّ يسوع المسيح هو "إله" دون أن نوضح ماذا نعني بلفظة "إله". فإذا عنينا بها "الله الآب" كان قولنا بدعة وانحرافاً عن الإيمان المسيحي، لأنّ يسوع المسيح والله الآب ليسا الأقنوم نفسه بل هما أقنومان متميّزان، أمّا إذا عنينا بها جوهر الألوهة وأكّدنا أنّ يسوع المسيح هو ابن الله المتجسّد ومن جوهر الآب كان قولنا قويماً. هذا ما أكّدته المجامع المسكونية التي حرمت بدعة التبنّوية التي كانت تعتبر يسوع المسيح مجرّد إنسان تبنّاه الله. فالتمييز إذاً بين أقنومي الآب والابن لم نصل إليه انطلاقاً من تفكير نظري حول كيان الله بل من كيان الله نفسه كما ظهر لنا في تاريخ الخلاص. وكذلك القول بالنسبة إلى التمييز بين أقنوم الروح القدس وأقنومي الآب والابن، إذ لا نستطيع تأكيد هذا التمييز إلاّ من خلال ما ظهر لنا في تاريخ الخلاص من امتلاء يسوع من الروح القدس حتى إرسال الروح القدس على التلاميذ وعلى العالم ليقدّسهم ويؤلّههم. هذا هو السبيل الوحيد للتوفيق بين سموّ الله وتعاليه من جهة ودخوله عالمنا البشري دخولاً حقيقياً أي ذاتياً وجوهرياً من جهة أخرى. فسموّ الله وتعاليه تعبّر عنهما عقيدة الثالوث الأقدس بقولها إنّ الله لم يتَّحد بالعالم في أقنوم الآب بل في أقنومي الابن والروح. ودخول الله العالم واتّحاده به اتّحاداً حقيقياً أي ذاتياً وجوهرياً تعبّر عنهمَا عقيدة الثالوث الأقدس بقولها إنّ الابن والروح القدس هما من ذات جوهر الله الآب. والعهد الجديد يميّز بين هذين الأمرين، فلا يطلق اسم "الله" (مع أل التعريف وباليونانية) إلاّ على الله الآب؛ أمّا عن الابن فيقول إنه "ابن الله" و"كلمة الله" و"الرب" و"إله" (دون أل التعريف)، وعن الروح إنّه "روح الله" و"روح المسيح"، و"الرب". إن اللاهوت المسيحي، بعودته إلى أصالة عقيدة الثالوث الأقدس كما عبّر عنها الكتاب المقدّس، يتيح للإنسان المعاصر تقبّل العقيدة كأمر بنسجم وتطلّبات عقله البشري في توقه إلى اللانهاية وفي رغبته في عدم التخلّي عن هذا العالم. ففي هذا العالم يلتقي الإنسان الله الواحد الذي ظهر لنا في شخص ابنه يسوع المسيح مخلصاً وفادياً، وفي روحه القدّوس ربًّا محيياً ومؤلّهاً. وفي هذا العالم يلتقي الله الإنسان ويعمل فيه وبه على خلق بشرية جديدة على صورة الثالوث. إنّ عمل الله هذا هو "النعمة"، والبشرية الجديدة هذه التي على صورة الثالوث هي "الكنيسة". والنعمة والكنيسة ستكونان موضوعي أبحاثنا في الفصول اللاحقة. |
|||
24 - 01 - 2013, 01:07 PM | رقم المشاركة : ( 26 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس
الباب الثانى النعمة والتأله "النعمة" كلمة ورد استعمالها مراراً في الكتاب المقدّس، ولا سيّمَا في العهد الجديد، وتحدّث عنها آباء الكنيسة، وكتب فيها اللاهوتيون مؤلَّفات كثيرة، وحدثت بشأنها خلافات عقائدية بين المسيحيين منذ القرون الأولى حتى الإصلاح البروتستنتي. كل ما يعرفه عامّة المسيحيين عن النعمةّ أنها مساعدة خارجية يمنحنا إياها الله لتسهيل سيرنا في الفضيلة وعمل الخير. إلاّ أنهم لا يهتمّون لها كثيراً، بل يتكلّمون على جهودهم الخاصّة وأعمالهم الصالحة للحصول على الخلاص، معتقدين ان الإنسان إنما يستحق الخلاص ويحصل على الحياة الأبدية بأعماله الصالحة، وهكذا يقعون على غير علم منهم، في هرطقة بيلاجيوس. إنّ هذا الموضوع أساسيّ في الديانة المسيحية لأنه يعنى بعلاقة الإنسان بالله، بخلاصه وتبريره من الخطيئة. لذلك سنحاول في هذا البحث استجلاء مدلول النعمة والإحاطة بكل معانيها، مبتدئين من مفهوم النعمة في الكتاب المقدّس (الفصل الأوّل)، ثم في تاريخ الفكر المسيحي عند الآباء واللاهوتيِّين على مرّ العصور (الفصلان الثاني والثالث)، وأخيراً في الفكر اللاهوتيّ المعاصر (الفصل الرابع). |
|||
24 - 01 - 2013, 01:09 PM | رقم المشاركة : ( 27 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس
ا لفصل الأول النعمة في الكتاب المقدس إنّ أيّ بحث في المواضيع اللاهوتيّة يجب أن ينطلق من الكتاب المقدّس. ففيه أوحى الله بذاته وبقصده الأزليّ في ما يختصّ بالإنسان. وفيه عبّر شعب العهد القديم تم الرسل والمسيحيّون الأوّلون عن إيمانهم بالله وبالعلائق التي يريد إنشاءها مع البشر. القسم الأول: العهد القديم إن المسيح هو "كمال الناموس والأنبياء"، وفيه "حصلنا على النعمة والحق"، وتحقّق رجاء العهد القديم. ماذا كان يرجو العهد القديم، وكيف عبّر عن علاقة الله بالإنسان؟ هذا ما سنحاول توضيحه انطلاقاً من الألفاظ والرموز التي استعملها العهد القديم للتعبير عن مفهوم النعمة. أولاً: الألفاظ المستعملة للتعبير عن النعمة إن أسفار العهد الجديد قد كتبت باليونانية. إلاّ أن اللغة التي استخدموها قد تأثّرت كثيراً بالترجمة اليونانيّة للعهد القديم المعروفة "بالترجمة السبعينيّة"، التي تعود إلى القرن الثالث قبل المسيح. لذلك لا يمكننا فهم الألفاظ المستعملة في العهد الجديد إن لم نرجع إلى أصلها السامي الغبريّ كما ورد في أسفار العهد القديم. ء) الألفاظ التي تعبّر عن محبّة الله ورحمته 1- حِينّ معناها في اللغة العبرّية واستعمالها في العهد القديم: تعني هذه الكلمة: الحسن والجمال الذي يجده إنسان في شخص آخر، ثم الحظوة والنعمة. فيقال مثلاً "لقي حظوة في عيني فلان". وهذه الكلمة مشتقّة من فعل (حنان) الذي يعني "انحنى بنظره على" ومن ثم "تحنّن على" ثم تفضّل، منّ على، أحسن إلى، أنعم على، وهب، أعطى. عندما تستعمل هذه اللفظة للتعبير عن موقف الله من الإنسان، تعني أنّ الله ينحني على الإنسان ويتحنّن عليه، فينال الإنسان حظوة لدى الله، مثل نوح وموسى (تك 6: 8؛ 33: 10؛ خر 33: 12). وموقف الله هذا عطية مجانيّة من قبله، كما يقول في سفر الخروج "أتحنّن على من أتحنّن وأرحم من أرحم" (33: 19). إلاّ أن عمل الخير يجلب حنان الله، كما يقول النبيّ عاموس: "أبغضوا الشر وأحبّوا الخير، وأقيموا الحكم في الباب، فعسى الرب إله الجنود يحنن على بقية يوسف" (5: 15). ونجد مراراً هذه اللفظة مقترنة بلفظة "رحوم" في العبارة التالية "" (رحوم وحنون): "الرب إله رحوم وحنون، طويل الأناة كثيرة المراحم والوفاء" (خر 34: 6). * ترجمة هذه اللفظة إلى اليونانية وسائر اللغات - لقد ترجمت السبعينية هذه اللفظة بكلمة، التي تعني في اليونانية العامّة حسن الجمال، والحظوة عند الناس (الاصل يعني اللمعان، ومنه الفرح)، وفي اللغة الدينيّة تعني الحظوة عند الله. - أمّا كلمة نعمة في العربية فمشتقة من فعل نَعِمَ أي رَفَهَ. فيقال نَعِمَ عيشه أي طاب ولان واتّسع. و"نَعِمْتُ بهذا عيناً" أي سررت به وفرحت. وأنعم الله النعمة عليه أي أوصلها إليه. وفي العبريّة كلمة مشابهة في الأصل وهي (نُعَم) وتعني أيضاً الحسن والسرور واللطف والفضل، وقد جاءت في المزمور 89: 17 "ولتكن نعمة الرب إلهنا علينا، وعملَ أيدينا وفّقْ لنا". وقد ترجمتها السبعينية بكلمة أي "بهاء". - الترجمة اللاتينية استعملت كلمة gratia ومنها أتت كلمة grace الفرنسية. 2- (حيسيد) تعني هذه الكلمة: الصلاح والرأفة والنعمة، وتتضمّن دوماً معنى الأمانة في محبة الله لشعبه. لذلك ترتبط مراراً بالعهد، كما يقول أشعيا: "إن الجبال تزول والتلال تتزعزع، أمّا رأفتي فلا تزول عنك، وعهد سلامي لا يتزعزع، قال راحمكِ الرب" (54، 10)، "إنّي أعاهدكم عهداً أبديّاً على مراحم داود الأمينة" (55: 3؛ راجع أيضاً 54: 8؛ مز 50: 1). وتدل على ذلك اللازمة التي تعود بعد كل آية من المزمور 136 "فإنّ إلى الأبد رحمته". وهذه الأمانة نفسها يطلبها الله من الإنسان، كما في النبيّ هوشع: "ليس في الأرض حقّ ولا رحمة ولا معرفة الله" (4: 1)، "إنّي أريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من المحرقات" (6: 6). نشير إلى وجود فرقة من اليهود تدعى "حسّيديم"، أي الأتقياء الأمناء، أسّسها في أوكرانية وبولندة رابي بعلشيم طوف (1699- 1760). ثم انتشرت في أنحاء أوروبة الشرقية وانتقلت إلى أوروبة الغربية، وبعد الاضطهاد النازيّ إلى الولايات المتّحدة. السبعينية ترجمت هذه الكلمة بلفظة، واللاتينية misericordia ومنها أتت كلمة misericorde الفرنسية. العربية ترجمتها بلفظة "رحمة" أو "رأفة". إلاّ أنّ هاتين اللفظتين لا تؤدّيان جميع معاني الكلمة العبرية. 3- (ريحيم) تعني في الأصل رحم المرأة وأحشاءها، مركز العطف والرحمة. تشير هذه الكلمة إلى الشعور والتأثّر في التعبير عن الحبّ، ولا سيّمَا بين الوالدين والأولاد وبين الأخوة والأخوات. السبعينية ترجمت هذه العبارة بلفظة وأحياناً بلفظة اللاتينية ترجمتها بلفظة misericordia والفرنسية بلفظة pitie العربية تؤدّيها أحياناً بلفظة "رحمة"، وأحياناً أخرى بلفظة "رأفة". ولفظة رحمة أقرب إلى الكلمة العبريّة. إلاّ أنّ "الرأفة" أقرب إلى المعنى. لأنّ فعل "رئف به" يعني، حسب القاموس، "رحمه أشدّ رحمة" (المنجد). إنّ هذه الكلمات قريبة بمعناها، تدلّ كلّها على محبة الله ورحمته وعطفه ونعمته، ولا سيّمَا تجاه الفقراء والضعفاء والخطأة. ب) ألفاظ أخرى متّصلة برحمة الله 1- (إيمت) تعني الأمانة الثبات في العلاقة بين الأشخاص، والحقّ والصدق. وقد ترجمتها السبعينية بلفظة التي تعني "غير الخفيّ" أي الحق، من الناحية الفلسفية. فبينما تركّز اليونانية على الناحية الفكرّية والعقليّة، تشير العبريّة إلى العلاقات بين الأشخاص. وتلك العلاقات هي علاقات حقّ وأمانة. فالله أمين في مواعيده: "إعلم أنّ الربّ إلهك هو الله الإله الأمين، يحفظ العهد والرحمة لمحبّيه وحافظي وصاياه إلى ألف جيل" (تث 7: 9). وترتبط هذه اللفظة مراراً بلفظة (حيسيد= رحمة) للدلالة على أن رحمة الله هي أمينة ثابتة إلى الأبد: - "الرحمة والحق" تلاقيا، العدل والسلام تلاثما" (مز 84: 11). - "وأمّا النعمة والحق فبيسوع المسيح قد حصلا" (يو 1: 17). 2- (مشباط) تعني العدل (تصيدق) أي الصدق والبرّ. الكلمة الأولى تعني عدل الله وحكمه لإحلال السلام وتثبيت النظام. والكلمة الثانية تعني الالتزام بالنظام أو بالعهد أو بالشريعة. ترتكز هاتان اللفظتان على فكرة العهد المأخوذة من الحضارات المجاورة للشعب اليهوديّ. فنجدها مثلاً في حضارة الحثّيّين (سكان شمالي سوريا وأواسط تركيا). فكان الملك يقوم بمعاهدة مع قبيلة عائشة على حدود مملكته. وتتضمّن تلك المعاهدة بعض الأحكام والشرائع التي يجب اتّباعها. ومن يخالفها يقع تحت العقاب الشديد. ويتعهّد الملك من جهته بالأمانة والحماية. وقد اتبعت العهود بين الله وإبراهيم وموسى المنهج نفسه. فمن جهة يلتزم الشعب بإتباع وصايا الله وشرائعه، ومن جهة أخرى يعد الله الشعب بأن يكون معه ويحميه وينصره على أعدائه. لذلك لعبت الشريعة دوراً كبيراً وكان لها شأن هام في حياة الشعب اليهوديّ الدينيّة. فالإنسان الصدّيق هو الذي يحفظ بدقّة أحكام الشريعة. اليونانيّة ترجمت هذه الكلمة بلفظة، وتعني المحافظة على قوانين المدينة وعوائدها. وهذه من علامات الحضارة. أمّا الشعوب البربريّة فليس لها أنظمة وقوانين تتبعها. 3- (عزّ)= العزّة، القوّة، القدرة إنّ لفظة باليونانيّة تعني مبدأ الحياة في الكون. فيرى اليونان في الكون قوة سريّة تسيّره. والسحرة هم الذين يعرفون أسرار تلك القوة ويستخدمونها. أمّا الشعب اليهوديّ فيرى القدرة في شخص الله الحيّ. فإله إسرائيل هو إله التاريخ، وهو الذي بقدرته، دون أيّ استحقاق ولا تدخل سحريّ من قبل الشعب، قاد شعبه من مصر إلى أرض إسرائيل. وتردّد المزامير إيمان الشعب بقوة الله: "الله معتصم لنا وعزّة، وقد وجدناه نصرة عظيمة في المضايق" (مز 45: 1- 2). "هب لعبدك قوّة منك وخلّص ابن أمتك" (مز 85: 16). ولفظة قوّة تستعمل في التمجيدات: "لأن لك القدرة والمجد إلى الأبد". وهذه القدرة الإلهية هي التي يراها العهد القديم في المسيح المنتظر. فإنّه سيأتي بقوة. إنه "الجبّار" (أشعيا 9: 6)، الذي يستقرّ عليه روح القوّة (أشعيا 11: 2) لإعادة بناء مملكة داود. وهو الذي سيرعى شعبه بعزّة الرب (ميخا 5: 4). كذلك تستعمل هذه اللفظة في المزمور الملكيّ الذي يتنبأ عن المسيح: "قال الربّ لربيّ: اجلس عن يميني.. عصا قوة يرسل لك الرب من صهيون. سُدْ فيما بين أعدائك" (مز 109: 2). ويستعمل العهد القديم أكثر من مئتي مرة عبارة "يمين الله" للدلالة على قدرة الله التي يظهر عملها في العالم وفي التاريخ. وتقترن اليمين أو الذراع بلفظة القدرة، فنرى مراراً عبارة "ذراع القدرة" (مز 89: 10، 12؛ اش 62: 8). وسنجد تلك العبارة في لوقا 1: 51 "بسط قدرة ساعده". لا ينظر العهد، القديم إلى قدرة الله كإلى صفة لله في ذاته بقدر ما يرى فيها وصفاً لعمل الله في الخلق والكون والتاريخ، لا سيّمَا في علاقته مع شعبه. وتلك القدرة هي تعبير رمزيّ لحضور الله الدائم في وسط شعبه. وهذا سيساعدنا على فهم معنى النعمة في العهد الجديد وفي اللاهوت. 4- (رُوَح) تعني هذه اللفظة الهواء والريح. وتستعمل للدلالة على النَفَس ونَفْحَة الفم. وتشير عندئذٍ إلى قدرة الله: "بكلمة الرب صنعت السماوات، وبروح فيه كل جنودها" (مز 32: 6). وتطوّرت هذه اللفظة لتعني شخصاً، فالروح هو مصدر قوة الله (تك 1: 2؛ أي 33: 4). والروح هو قوّة الله العاملة في الكون. فالله حاضر في الكون بروحه الذي يملأ كلّ شيء، كما يقول المزمور 138، 7 "أين أذهب من روحك وأين أفرّ من وجهك". وروح الله هو الذي يرسله الله إلى الأنبياء (حز 2: 2؛ 3: 24). والروح سيحلّ بشكل خاصّ على المسيح (اش 11: 1- 6، 42: 1- 5). وكذلك سيكون الروح عطيّة الله للشعب الماسيويّ برمّته (أع 2: 17- 23؛ يؤ 2: 24؛ حز 11: 9؛ 36: 25- 28؛ 37: 1- 14). فالروح هو تعبير لحضور الله ولعمله في العالم. فهو الذي يخلق وهو الذي يحيي، وهو الذي يجدّد حياة الأفراد والجماعات. وروح الإنسان هو أيضاً عطيّة من الله. فالجسد ليس إلاّ تراباً من دون الروح. وعند الموت "يعود التراب إلى الأرض حيث كان، ويعود الروح إلى الله الذي وهبه" (جا 12: 17). ثانياً- بعض الرموز المستعملة في العهد القديم للتعبير عن علاقة الله بالإنسان 1- رمز الزواج لقد اختار الله شعبه كما يختار الرجل امرأته. وكل خيانة لوصايا الله تُعتبر خيانة زوجية، أي زنى تجاه الله. نجد هذا الرمز في الأنبياء، ولاسيّمَا في نبؤة هوشع (راجع خصوصاً الفصل 2، ثم ار 2: 2؛ حز 16: 23؛ اش 50: 1؛ 54: 6؛ 62: 4- 5). وسيعود هذا الرمز في رسائل بولس (اف 5: 21- 33) وفي رؤيا القديس يوحنا (21: 2). 2- رمز الأب لا بدّ من الإشارة أولاً إلى أنّ لفظة "ابن" تعني في العهد القديم مختلف أنواع القرابة. "بني اسرائيل" عبارة تعني الشعب الاسرائيلي، "ابن البشر" ابم الإنسان" تعني أولاً "الإنسان". "ابن الله" هو أوّلاً لقب الملك. وهي عبارة نجدها أيضاً في الديانات البابليّة والمصرّية. فالملك يتمتعّ بعلاقة خاصة مع الله. إلاّ أنّ هذه العبارة تستعمل أيضاً للدلالة على الشعب الإسرائيليّ بمجمله، لتشير إلى ما يتمتعّ به هذا الشعب من حظوة وعناية لدى الله. فالشعب الإسرائيليّ هو "الابن البكر" لله (خر 4: 22- 23، ار 31: 9). كذلك نرى أن جميع أبناء وبنات الشعب الإسرائيلي هم أولاد الله. فقد ولدتهم أورشليم "عروس الله" (حز 16: 20)، وإسرائيل (هو 2: 4). غير أن هذه العلاقة ليست علاقة حبّ بقدر ما هي علاقة طاعة وأمانة وخدمة. الله هو أب إسرائيل. فقد ولدهم جميعاً (عد 11: 11- 12)؛ تث 32: 6). وأبوّته هي رمز لحبّه ورحمته لهم (تث 32: 9- 13). وعلى الرغم من السبي إلى بابل، لم يفقد الشعب إيمانه بأبوّة الله ومحبته له. بل على العكس من ذلك، فقد ازداد هذا الإيمان، حتى إننا نجد في أشعيا الثالث عبارات تهيّئ الصلاة الربية (63: 16، 64: 8). 3- رمز الراعي كان الشعب الإسرائيليّ يعيش في أوائل تاريخه من رعاية المواشي. وقد اتّخذ رموزه من أطر حياته. فرأى الشعب في الله الراعي الذي يقوده بعناية ومحبة (مز 22: "الرب يرعاني فلا شيء يعوزني.."؟ مز 78: 13؛ حز 34: 31؛ اش 40: 10- 11). 4- رمز الطبيب الشافي إن المرض يرتبط بالخطيئة، في عقليّة العهد القديم ("من خطئ، هذا الرجل أم أبواه، حتى ولد أعمى؟" يو 9: 2). لذلك يرى الشعب في الله إلهاً يغفر الخطايا ويشفي أمراض الجسد (عد 12: 13؛ 4 ملو 20: 5- 8، هو 6: 1- 3؛ 7: 1؛ 11: 3، ار 3: 22؛ 17: 14). لذلك فإن التوبة والندامة ضروريّتان لحصول الشعب على الغفران والشفاء. فالمهمّ إذاً إعادة علائق الصداقة والأمانة بين الشعب والله. وتلك الحالة هي التي تنعش الإنسان جسداً ونفساً. 5- رمز الكرمة الكرمة تتطلّب عناية كبيرة واهتماماً دائماً (1 ش 5: 2- 7). فكما يعتني الإنسان بكرمه، هكذا يعتني الله بشعبه. وهذا التشبيه سيستخدمه المسيح في حديثه عن علاقة تلاميذه به "أنا الكرمة وأنتم الأغصان وأبي الكرّام" (يو 15: 1- 8). 6- رمز محبّة الأمّ لأولادها رأينا أن كلمة رحمة مشتقّة من "رحم" المرأة. فالله يحب شعبه كما تحب المرأة (أش 49: 4 1- 15؛ 63: 13). ثالثاً- لاهوت النعمة في العهد القديم لقد رأى العهد القديم أنّه يستحيل على الإنسان الوصول إلى معرفة الله في ذاته، إذ لا يمكن الإنسان أن يرى الله ويبقى حيًّا، كما يقول الله لموسى (خر 33: 11- 23؛ عد 12: 10- 8). "لكنه يستطيع اختبار عمل الله في الكون وإدراك قصده في علاقته بالإنسان. فالله قد اختار شعبه ودعاه وصنع معه عهداً وقدّسه ومجّده. 1- قصد الله إنّ قصد الله يتجلى في العهد القديم في الأحداث الهامّة التي ترويها الأسفار المقدّسة: كدعوة إبراهيم ووعد الله بأن يعطيه نسلاً وأرضاً، ودعوة موسى ومساعدته على إخراج الشعب من مصر، ومنحه إيّاه الشريعة في سيناء، والوصول بالشعب إلى أرض الميعاد. كما حلى أيضاً في كلام الأنبياء الذي يفسّر معنى الأحداث، ويوضح سير التاريخ. فالأمم كلها مدعوّة إلى الخلاص، حسب قول أشعيا: "ويكون في آخر الأيام أن جبل بيت الرب يوطّد في رأس الجبال، ويرتفع فوق التلال، وتجري إليه جميع الأمم. وينطلق شعوب كثيرون ويقولون: هلمّوا نصعد إلى جبل، وهو يعلّمنا طرقه فنسلك في سبله" (اش 2: 20- 3). وفي آخر الأزمنة سينشى الرب ملكا أبديّا، حسب نبؤة دانيال: "وفي أيّام هؤلاء الملوك، يقيم إله السماء مملكة لا تنقض إلى الأبد، وملكه لا يترك لشعب آخر، فتسحق وتفني جميع تلك الممالك، وهي تثبت إلى الأبد" (2: 44). وابن الإنسان هو الذي سيعطى الملك: "ورأيت في رؤى الليل، فإذا بمثل ابن البشر آتياً على سحاب السماء، فبلغ إلى القديم الأيّام وقرّب إلى أمامه، وأوتي سلطاناً ومجداً وملكاً. فجميع الشعوب والأمم والألسنة يعبدونه، وسلطانه سلطان أبديّ لا يزول، وملكه لا ينقرض" (دا 7: 13- 14). 2- الدعوة والاختيار والعهد تعبّر تلك الألفاظ الثلاثة عن المرحلة الأولى من تحقيق قصد الله. فالله، بمبادرة مجّانيّة منه، يختار شعباً ويدعوه إلى مصير مختلف عن مصير سائر الشعوب. ولا فضل للشعب في هذا الاختيار الإلهي: "إنك شعب مقدّس للرب إلهك، وإيّاك اصطفي الرب إلهُك أن تكون له أمّة خاصّة من جميع الأمم التي على وجه الأرض. لا لأنكم أكثر من جميع الشعوب لزمكم الرب واصطفاكم، فإنّما أنتم أقلّ من جميع الشعوب، لكن لمحبة الرب لكم ومحافظته على اليمين التي أقسم بها لآبائكم أخرجكم الرب بيد قديرة وفداكم من دار العبودية من يدي فرعون ملك مصر. فاعلم أن الرب إلهك هو الله الإله الأمين، يحفظ العهد والرحمة لمحبّيه وحافظي وصاياه إلى ألف جيل" (تث 7: 6- 9، راجع أيضا 9: 4- 6). إنِّ الله يبقى أميناً لاختياره. وهذا ما يعنيه العهد الذي يمكن ايجازه في العبارة التالية: أنتم تكونون لي شعباٍ، وأنا أكون لكم إلهاً". وهذا العهد قد أبرمه الله أوّلاً مع نوح (تك 9: 9- 17)، تم مع إبراهيم (تك 15: 1- 14)، ثم مع موسى على جبل سيناء، حيث تكرّس العهد بدم الذبائح: "هذا هو دم العهد الذي عاهدكم به الربّ على جميع هذه الأقوال" (خر 24: 8). إلاّ أن الشعب لم يحفظ وصايا الله. وقد رأى الأنبياء في المصائب التي حلّت بإسرائيل قصاصاً من الله على خيانته إيّاه. لكن رحمة الله تثبت إلي الأبد. لذلك يبشر الأنبياء بقدوم "عهد الجديد" يقطعه الله مع شعبه، ويتميّز بتغيير قلوب الشَعب: "إني أجعل شريعتي في ضمائرهم، وأكتبها على قلوبهم" (ار 31: 33). وقد ترجمت لفظة "عهد" في الترجمة السبعينية بلفظة التي تعني الوصيّة. ونرى في تلك الترجمة تأكيداً لعطاء الله المجانيّ للإنسان. فالعهد ليس مجرّد معاهدة بين فريقين، إنّما هو عطاء مجّانيّ من قبل الله للإنسان ودعوة إلى تقبّل هذا العطاء بحفظ وصايا الله والسلوك أمامه في البرّ والقداسة. 3- قداسة الله في قداسة الإنسان عند الشعوب القديمة، هناك صلة بين الأشياء المقدّسة والله. فكل ما يلمسه الله يصبح مقدّساً. فإذا سقطت صاعقة على شجرة، تصبح تلك الشجرة مقدّسة لأنّ الله قد مسّها، وإذا ولد طفل في حالة مشوّهة يعتبر مقدّساً لأنّ الله قد مسّه. لذلك تقترن القدسيّات بالرهبة والخوف. أمّا الشعب الإسرائيليّ فقد رأى في القداسة ميزة شخصيّة لله. والقداسة هي مجموعة صفات الله من صلاح وعدل وأمانة ومحبّة ورأفة الخ. وبمَا أن جميع تلك الصفات ينظر إليها الشعب من خلال علاقة الله بالإنسان، فإن قداسة الله هي في علاقته بالبشر ورحمته ومحبته لهم. ثم إنّ قداسة الله تظهر في تقديس الإنسان. يقول حزقيال: "يا ابن البشر، ان آل إسرائيل لما سكنوا في أرضهم نجّسوها بطريقهم وأعمالهم.. فلما دخلوا بين الأمم.. دنّسوا اسمي القدوس.. لذلك قل لآل إسرائيل: هكذا قال السيد الرب، ليس لأجلكم أنا فاعل، يا آل إسرائيل، لكن لأجل اسمي القدوس الذي دنّستموه في الأمم الذين دخلتم بينهم فأقدّس اسمي العظيم الذي دنّس في الأمم الذي دنّستموه فيما بينهم، فتعلم الأمم أنيّ أنا الرب.. حين أتقدّس فيكم على عيونهم. وآخذكم من بين الأمم وأجمعكم من جميع الأراضي وآتي بكم إلى أرضكم. وأنضح عليكم ماء طاهراً فتطهرون من جميع نجاستكم.. وأعطيكم قلباً جديداً وأجعل في أحشائكم روحاً جديداً.. وأجعلكم تسلكون في رسومي وتحفظون أحكامي وتعملون بها.. وتكونون لي شعباً وأكون لكم إلهاً" (36، 17- 28). إنّ الشعب بخطاياه يدنّس اسم الله. إلا أن الله يظهر رحمته ومحبّته لشعبه فيخلّصهم من خطيئتهم ويضع فيهم روحاً جديدا لتتميم وصاياه. وهكذا يقدّس الله. ان قداسة الله لا يستطيع العقل البشريّ أن يدركها. إلاّ انّها تظهر في تقديس الإنسان. وهكذا يظهر الله قداسته وبرّه وصلاحه في قداسة الإنسان وبرّه وصلاحه. هذا المفهوم لقداسة الله هو قريب جداً من مفهوم النعمة في العهد الجديد. فالنعمة هي قداسة الله التي تملأ الإنسان وتعطيه قلباً جديداً وروحاً جديداً يستطيع بهما أن يحيا في القداسة على مثال الله، ويتمّ إرادة الله وأحكامه ووصاياه، ويكون أميناً للعهد الذي قطعه مع الله. وهنا نجد أساس الشهادة المسيحيّة. إذا كانت قداسة الله تظهر في الإنسان، فلا بدّ من أن يحيا المسيحيّ حياة الله فيه ليشهد لله في العالم: "هكذا فليضئ نوركم قدّام الناس ليروا أعمالكم الصالحة ويمجّدوا أباكم الذي في السماوات" (متى 5: 16). فقداسة الله ليست إذاً أمراً رهيباً يثير الخوف والرعب كما عند الوثنيّين. ومهما خطى الإنسان، فإنّ محبة الله تبقى ثابتة أمينة: "كيف أعاملك يا أفرائيم وأصنع بك يا إسرائيل.. قد انقلب فيّ فؤادي واضطرمت مراحمي. لا أنْفِذُ وَغْرَ غضبي ولا أَهِمُّ بعد بتدمير أفرائيم. لأني أنا الله لا إنسان. أنا في وسطكم القدوس" (هو 11: 8- 9). إن الإنسان الخاطئ يخاف من الله القدوس. إلاّ أن قداسة الله تقوم لا على تدمير الإنسان، بل على تبريره وخلاصه. وهكذا ظهر لنا الله في شخص يسوع المسيح الذي "لم يأت ليدين العالم بل ليخلّص العالم". هذا ما اختبره أشعيا وعبّر عنه في الرؤيا التي شاهدها في الهيكل، حيث سمع الملائكة ينشدون لله: "قدوس قدوس قدوس رب الجنود. الأرض كلها مملؤة من مجده". فوعى عندئذٍ أشعيا خطيئته وقال في نفسه "ويل لي قد هلكت، لأني رجل دنس الشفتين، وأنا مقيم بين شعب دنسي الشفاه وقد رأت عيناي الملك ربّ الجنود". هذا هو المشهد الأوّل من الرؤيا: التناقض بين قداسة الله وحالة الإنسان الخاطئ. إلاّ أنّ الرؤيا لا تقف عند هذا الحد. ويتابع أشعيا: "فطار إليّ أحد السرافين وبيده جمرة أخذها بملقط من المذبح ومسّ في وقال: ها إن هذه قد مسّت شفتيك، فأزيل إثمك وكُفِّرت خطيئتك" (اش 6: 1- 7). 4- المجد حضور الله في الإنسان - تعني لفظة مجد بالعبرية (كَفُود) "الثقل". وبما أن ثقل الشيء يدلّ على قيمته، فالمجد يعني أولاً القيمة، ومن ثم القدرة والسلطة. أمّا أساس المجد فيكون إمّا الثروة، كإبراهيم الذي كان "مجيداً" لأنه كان "غنياً بالماشية والفضة والذهب" (تك 13: 2). وإمّا المكانة الاجتماعية، وفي ذلك يقول يوسف لإخوته: "أَخبروا أبي بجميع مجدي بمصر وجميع ما رأيتموه" (تكوين 45: 13). وأيوب يصرخ في شدّته: "إن الله قد عرّاني من مجدي ونزع إكليل رأسي" (أي 19: 9). - إلاّ أن العهد القديم قد رأى أن "المجد الإنساني" أي المبنيّ على الثروة والمكانة الاجتماعية مجد باطل: "لا تخش إذا استغنى ونمى مجد بيته، فإنه إذا مات لا يأخذ شيئاً ولا ينزل معه مجده" (مز 48: 17- 18). وحده الله هو مجد الإنسان الذي لا يتزعزع "عند الله خلاصي ومجدي، وفي الله صخرة عزّي ومعتصمي" (مز 61: 8). - أمّا تعبير "مجد الله" فيعني ظهور الله نفسه في عظمته وقدرته وبهاء قداسته. ويتجلّى مجد الله في أمرين: في العظائم التي يجريها وفي ظهوراته. - عظائم الله وهي أولاً الخلق "السماوات تذيع مجد الله، والفلك يخبر بأعمال يديه. "لتمتلئ الأرض كلّها من مجد الرب" (عد 14: 21)، ثم العجائب التي يجريها لشعبه، كمعجزة البحر الأحمر، "وفيها مُجّد الرب بفرعون وجميع جنوده ومراكبه" (خر 14: 17- 18)، أي ظهرت قدرته، تم معجزة المنّ والسلوى في الصحراء، التي فيها رأى العب "مجد الرب" (خر 16: 7). إلاّ أن هذه العظائم التي يجريها الله لا تهدف إلى إظهار قدرة الله وحسب، بل أيضاً إلى خلاص الإنسان. فالمجد يأتي مراراً مرادفاً للنص: "ستفرح البرّية والقفر وتبتهج البادية وتزهر كالورد.. فهم ينظرون مجد الرب وبهاء إلهنا" (أش 35: 1- 2). وهذا ما رآه لوقا عندما استبدل كلمة "خلاص" بكلمة "مجد" في النص الذي يأخذه من أشعيا: "صوت صارخ في البرية اعدّوا طريق الرب.. فيعاين كلّ إنسان خلاص الله" (لو 3: 4- 6). أمّا أشعيا فيقول: ".. ويتجلى مجد الرب ويعاينه كل ذي جسد" (أش 40: 3- 5). فمجد الله هو إذاً قدرته التي تظهر لخلاص الإنسان: "عندما يبني الربّ صهيون يتجلّى في مجده" (مز 101: 17). - ثم إن مجد الله لا يعني فقط ظهوره من وقت إلى آخر، بل حضور، الدائم وسط شعبه، أوّلاً على جبل سيناء (خر 24، 15؛ تث 5: 22)، ثم في الهيكل (خر 29: 43؛ 40: 34). وهذا الحضور يهدف إلى تقديس الشعب. إلاّ أن الله لا ينحصر حضوره في الهيكل. فقد رآه حزقيال يترك الهيكل (حز 11: 22)، ويلأ بروحه جماعة إسرائيل في السبي (حز 36: 23؛ 39: 21- 29). - أشعيا الثالث يجمع بين هذين المعنيين: معنى القدرة ومعنى الحضور. فالله يملك في المدينة المقدّسة التي جدّدها بقدرته وأنارها بحضوره "قومي استنيري، فإنّ نورك قد وافى ومجد الرب أشرق عليك" (60: 1- 2). لذلك تصبح أورشليم تسبحة مجد في الأرض" (62: 7)، "وفيها يجمع الرب جميع الأمم والألسنة، فيأتون ويرون مجده" (66: 18). هذا المفهوم لحضور الله سيبلغ كماله في العهد الجديد. فيسوع هو تجسيد حضور الله وقدرته. والنعمة هي حضور الله في الإنسان بقدرته الإلهيّة"، التي تؤهّل الإنسان أن يعمل أعمال البرّ والقداسة. |
|||
24 - 01 - 2013, 01:11 PM | رقم المشاركة : ( 28 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس
القسم الثاني: النعمة في العهد الجديد لقد قيل مراراً إن إله العهد القديم هو إله الغضب والعدل، بينما إله العهد الجديد هو إله المحبة. رأينا في القسم الأوّل خطأ تلك النظرة. فالعهد القديم هو بمجمله تاريخ محبّة الله لشعبه محبّة رحيمة أمينة ثابتة، وإن رافقت تلك المحبة مظاهر غضب الله وعدله في المحن والمصائب التي رأى فيها الشعب جزاء من الله على خيانته. أمّا ما يميّز العهد الجديد عن العهد القديم فهو تجسيد محبة الله في شخص ابنه يسوع المسيح، ودعوة كل إنسانا ابناً لله في المسيح. وهذه البنوّة لله هي محور مفهوم النعمة في العهد الجديد. أولاً- الأناجيل الإزائيّة 1- موقف الله من الإنسان رأينا أن العهد القديم يتكلّم عن أبوّة الله تجاه شعبه، ولكن في مقاطع متفرّقة وفي معظم الأحيان بطريقة تشمل الشعب بمجمله. أمّا العهد الجديد فيؤكّد العلاقة الشخصيّة بين الله وكل واحد من أبنائه. فالعناية الإلهية تسهر على كل إنسان لتقوته كما تقوت طيور السماء، وتلبسه كما تلبس زنابق الحقل (متى 6: 26- 30)، وتغفر له كما يغفر الأب لابنه الشاطر الذي يعود إليه تائباً (لو 15). وهذه البنوّة هي عطيّة مجانية منن قبل الله، ويرى فيها الإزائيّون الناحية الشخصية والداخلية للملكوت. فالذين يقبلون عطية الله ويصيرون أبناءه يدخلون الملكوت ويدعون "أبناء الملكوت"، وعليهم أن يحيوا حياة أبناء الله. الملكوت عطية من الله: "لا تخف أيها القطيعِ الصغير، لأنه قد حسن لدى أبيكم أن يعطيكم الملكوت" (لو 12: 32، أنظر أيضا مثل العملة المرسلين إلى الكرم: متى 20: 1- 16 ومثل المدعوين إلى العرس: متى 22: 1- 10). والملكوت مدعوّ إلى أن يجمع ليس فقط أبناء الشعب اليهوديّ الذين كانوا يعتبرون أنفسهم أبناء الملكوت، بل أيضاً جميع الشعوب: "إن كثيرين سيأتون من المشرق والمغرب، ويتّكئون مع إبراهيم وإسحق ويعقوب في ملكوت السماوات، أمّا أبناء الملكوت فيلقون في الظلمة الخارجيّة" (متى 8: 10- 12). يبدأ الملكوت صغيراً مثل حبّة الخردل تم يصبح شجرة.. (متى 13: 31- 32؛ أنظر أيضاً سائر أمثلة الملكوت في متى 13). إن دعوة الناس لأن يصيروا أبناء الله تتحقّق بواسطة يسوع المسيح ابن الله: "لقد دفع إليّ أبي كل شيء. وليس أحد يعرف الابن إلاّ الآب، ولا أحد يعرف الآب إلاّ الابن ومن يريد الابن أن يكشفه له" (متى 11: 27). 2- موقف الإنسان يستطيع الإنسان أن يرفض ملكوت الله: "الحق أقول لكم، إن العشارين والبغايا يسبقونكم إلى ملكوت الله. فإن يوحنا قد جاءكم من طريق البرّ، فلم تؤمنوا به، أمّا العشارون والبغايا فقد آمنوا به.." (متى 21: 31- 32، أنظر أيضاً 21: 43؛ 22: 2- 8؛ 23: 13). فمنذ بدء كرازته راح يسوع يبشّر بالتوبة والإيمان: "لقد تمّ الزمان واقترب ملكوت الله. فتوبوا وآمنوا بالإنجيل" (مر 1: 15). والتوبة تثمر بالأعمال الصالحة "أثمروا ثمر توبة لائقاً" (متى 3: 8). فمن قبل دعوة يسوع عليه أن يعيش حسب الشريعة الجديدة التي جاءنا بها، والتي يوجزها في التطويبات (متى 5: 10- 12)، ثم يتوسّع فيها في مقارنة بين الناموسين العتيق والجديد (متى 5- 7)، مشيراً إلى أن هذه الأعمال هي أعمال أبناء الله، وأنها تنتج عن العلاقة الجديدة بين الله والإنسان: "لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السماوات" (5: 45)، "كونوا كاملين كما أن أباكم السماويّ هو كامل" (5: 48) "صلِّ إلى أبيك الذي في الخفية" (6: 6). إن تشديد يسوع على أعمال البرّ يقابله من ناحية أخرى موقفه المليء بالرحمة من الخطأة. فإن اسمه يعني "الله- يخلّص". ومسامحة الخطايا والتحرير منها هي أهم ما جاء لأجله يسوع: "إني لم آت لأدعو صدّيقين بل خطأة إلى التوبة" (لو 5: 32). ونراه يغفر الخطايا بالقدرة الإلهية التي فيه، فيقول للمخلّع: "لتطب نفسك، يا ابني، مغفورة لك خطاياك" (متى 9: 2)، وللمرأة الخاطئة: "مغفورة خطاياكِ.. إيمانكِ خلّصكِ، اذهبي بسلام" (لو 7: 48- 50)، ولزكّا العشّار: "اليوم حصل الخلاص لهذا البيت.. لأن ابن البشر قد جاء ليطلب ما قد هلك ويخلّصه" (لو 19: 9- 10)، وللصّ التائب: "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو 23: 43). لذلك فالمهمّ، في نظر يسوع، ليس أن يكون الإنسان منزّهاً عن الخطيئة، بل أن يعترف ويطلب المغفرة سبيلاً إلى الارتداد وتغيير القلب كالعشّار الذي عاد إلى بيته مبرّراً دون الفريسيّ (لو 18: 9- 14). وفي مختلف الحالات، فان تبرير الإنسان لا ينتج عن أعماله الصالحة، كما كان يظنّ الفريسيون، بل هو عطية مجّانيّة من الله الذي يسكب محبّته ورحمته في قلب من يعترف بخطيئته وينفتح له. ثانيًا- أعمال الرسل إنّ لوقا هو كاتب سفر أعمال الرسل كتكملة لإنجيله. إلاّ أنه في الإنجيل يبتدئ من الجليل حيث بدأ يسوع رسالته، ثم ينتقل إلى اليهوديّة لينتهي بأورشلبم. أمّا في أعمال الرسل، فيبتدئ من أورشليم، ثم يروي امتداد الكنيسة إلى اليهوديّة، ثم إلى السامرة إلى أقاصي الأرض (أع 1: 8). وامتداد الكنيسة هذا هو عمل الروح القدس: "إنكم ستنالون قوّة بحلول الروح القدس عليكم، فتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي جميع اليهوديّة والسامرة، وإلى أقاصي الأرض" (1: 8). لذلك دعي سفر أعمال الرسل "إنجيل الروح القدس". كيف يرى لوقا علاقة الله بالإنسان، وعمل الروح فيه؟ 1- التوبة: يشدّد لوقا في أعمال الرسل، كما في إنجيله، على ضرورة التوبة لنيل موهبة الروح القدس: فبطرس يطلب من اليهود في خطابه الأوّل يوم العنصرة أن "يتوبوا ويعتدوا باسم يسوع لمغفرة الخطايا، فينالوا موهبة الروح القدس.. وبأقوال أخرى كثيرة كان يناشدهم ويحثّهم قائلاً: تخلّصوا من هذا الجيل المعوجّ" (2: 38- 40). وبولس، من بعد الرؤيا، راح يكرز جميع الناس من يهود وأمم "بأن يتوبوا ويرجعوا إلى الله بمزاولة أعمال تليق بالتوبة" (26: 20، أنظر أيضاً 17: 30). 2- الإيمان: إلى جانب التوبة يتحدّث لوقا عن ضرورة الإيمان بالربّ يسوع (8: 36- 37؛ 20: 21)، "لأن كل من يؤمن باسمه ينال باسمه مغفرة الخطايا" (10: 43). 3- قوة الله ونعمة كلمته: إنّ الله هو الذي يعطي الإنسان التوبة والإيمان. فيسوع هو الذي "يعطي إسرائيل التوبة ومغفرة الخطايا" (5: 31)، و"الله هو الذي يعطي التوبة للأمم" (11: 28). 4- الخلاص ومغفرة الخطايا هما ثمر التوبة "كلّ من يدعو باسم الرب يخلص" (نبؤة يوئيل: أع 2: 21)، ويحصل على "السلام مع الله بيسوع المسيح" (10: 36؛ راجع 13: 26، 38-39؛ 8: 22؛ 26: 18). 5- موهبة الروح القدس: يرى لوقا في الروح القوّة الإلهية التي يرسلها يسوع الممجّد إلى تلاميذه. فبه يعمّدون: "إن يوحنا قد عمّد بالماء، أمّا أنتم فستعمَّدون بالروح القدس" (1: 5). وموهبة الروح القدس هي العلامة الحقيقيّة لإرادة الله في خلاص الأمم (10: 47؛ 11: 16-18)؛ وحلول الروح القدس على كرنيليوس في قيصريّة يدعى عادة "عنصرة الأمم" (10: 44- 46) بعد عنصرة اليهود (2: 1- 13). والمعمودية هي التي تمنح الروح (2: 38)، أمّا معموديّة يوحنا قد تمنح إلّ مغفرة الخطايا (تلاميذ افسس 19: 1- 6). 6- لفظة النعمة في إنجيل لوقا وأعمال الرسل إنّ لوقا هو الإنجيلي الوحيد من بين الإزاثيّين الذي يستعمل لفظة وتعني في الإنجيل وفي أعمال الرسل: - أما الحظوة عند الله كما في العهد القديم (لو 1: 30: "لا تخافي يا مريم، فلقد نلت حظوة عند الله"، 2: 52: "أمّا يسوع فكان ينمو في الحكمة والقامة والنعمة أمام الله والناس"). - وتعني أيضاً، وهذا جديد بالنسبة إلى العهد القديم! الذي يمنحه الله بواسطة التبشير بالإنجيل. فنشاهد العبارات التالية: "كلام النعمة" (لوقا 4: 22)، "كلمة نعمة الله" (أع 20: 32؛ 14: 3)، "انجيل نعمة الله" (أع 20: 24). - هذه النعمة هي أيضاً، وهذا المعنى مرتبط بالمعنى السابق، القوة التي يمنحها الله للتبشيبر.. بالإنجيل (14: 26: "استُودعا نعمة الله للعمل الذي أكملاه"؛ راجع أيضاً 15: 40). وأخيراً في 15: 11، يربط لوقا بين النعمة والمسيح وهذا التعبير سنجده مراراً عند بولس الرسل: "حال كوننا بنعمة الرب يسوع نؤمن أن نخلص نحن، مثل أولئك". ثالثاً- النعمة في رسائل بولس الرسول إنّ بولس الرسول قد توسّع في موضوع النعمة، ولا سيّمَا بمناسبة خلافه مع اليهود المتنصّرين، الذين كانوا يريدون أن يتقيّد المسيحيون بأعمال الناموس الموسويّ، من ختانة وامتناع عن بعض المآكل وما سوى ذلك، معتبرين أن الإيمان بالمسيح لا يكفي للخلاص. لا بدّ من قراءة الفصلين الأوّلين من رسالة القديس بولس إلى الغلاطيّين لإدراك البلبلة التي أحدثتها في الكنائس آراء اولئك اليهود المتنصّرين. أمّا بولس فيؤكّد في هذه الرسالة وفي رسالته إلى الرومانيين أنّ "الإنسان لا يبرّر بأعمال الناموس، بل بالإيمان بيسوع المسيح" (غلا 2: 16). ء) حالة الإنسان من دون النعمة: لا فرق بين اليهود والأمم، "فالجميع قد خطئوا وأعوزهم مجد الله" (رو 3: 23): الجميع قد خطئوا: لوضح بولس في رسالته إلى الرومانيين حالة الإنسان بعيداً عن نعمة المسيحٍ. فالأمم (رو 1: 18- 32) واليهود (رو 2: 17- 29) جميعهم قد خطئوا (راجع أيضا 3: 9- 18). والخطيئة، التي ترجع لفظتها 63 مرة في الرسالة إلى الروممانيين، يرى فيها بولس قوة كونيّة يُستعبَد لها الإنسان (رو 6: 14- 20؛ 7: 14، 17، 20)، وتعمل فيه كل شهوة (رو 7: 8). والإنسان العائش تحت سلطان الخطيئة يدعوه بولس "الإنسان الجسديّ"، الذي يسيطر فيه الجسد على الروح (رو 8: 5- 13)، والذي يرفض أيّ ارتباط بالله، ليكون هو إلهاً لنفسه. ثم يتساءل بولس: "من ينقذنا من جسد الموت هذا؟" (رو 7: 24). فالناموس يوضح لنا ما يجب عمله، ولكنه لا يستطيع أن يمنحنا القوة على ذلك. المسيح وحده يمكنه أن يحرّرنا من الخطيئة (رو 7: 25؛ 8: 1- 4). فأعوزهم مجد الله: قلنا في كلامنا عن قداسة الله ومجده في العهد القديم، إن الله يتقدّس ويتمجد في بر الإنسان وصلاحه. أما الخطيئة فتمنع ظهور مجد الله، إذ "تعوق إظهار الحقّ" (رو 1: 18 "الذين يعوقون الحق بالظلم"). لذلك "يعتلن غضب الله من السماء على كل كفر وظلم" (راجع أيضاً 2: 5). أمّا مجد الله فيظهر في "آنية الرحمة التي أعدّها من قَبْل للمجد، أي فينا نحن الذين قد دعاهم، لا من اليهود فقط، بل من الأم أيضاً" (رو 9: 23). النعمة علاقة حوار الله. أمّا الخطيئة فتمنع هذا الحوار، وتترك الإنسان في أنانيّته واعتداده بنفسه. أمّا عبارة "غضب الله" فليست سوى تعبير بشريّ للعقاب الذي تحمله الخطيئة في ذاتها: من يبتعد عن الله وينغلق على ذاته يعِشْ في الظلمة ويعمل أعمال الظلمة، لذلك لا ينتج عن أعماله إلاّ الشرّ. أمّا الله فيصبر ويطيل أناته على الإنسان (رو 2: 4؛ 3: 25- 26؛ 9: 22). ب) الحياة الجديدة في المسيح 1- يبني بولس نظرته في الحياة المسيحية على المقارنة بين الإنسان العتيق والإنسان فالإنسان العتيق هو كل إنسان يخضع لعبودية الخطيئة. والخطيئة تسود العالم منذ الإنسان الأول، الذي يدعوه بولس مع سفر التكوين "آدم"، وهي لفظة عبريّة تعني "الإنسان". أمّا الحياة الجدية فقد أتتنا بيسوع المسيح، الذي هو "آدم الجديد"، أي "الإنسان الجديد". "فكما أنها بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت.. فلئن كان بزلّة واحد قد لكثيرون، فكم بالأحرى نعمة الله وموهبته قد وفرتا للكثيرين بنعمة الإنسان الواحد، يسوع المسيح.. فلئن كان الموت بزلّة واحد قد ملك بهذا الواحد، فكم بالأحرى الذين ينالون وفور النعمة وموهبة البرّ، سيملكون في الحياة بواحد، هو يسوع المسيح. فإذن كما أنه بزلّة واحدة كان القضاء على جميع الناس، كذلك ببرّ واحد، يكون لجميع الناس تبرير الحياة. لأنه كما جعل الكثيرون خطأة بمعصية كذلك بطاعة واحد يجعل الكثيرون أبراراً. لقد دخل الناموس حتى تكثر الزلّة، ولكن حيث كثرت الخطيئة طفحت النعمة، حتى إنه، كما أنّ الخطيئة ملكت للموت، كذلك النعمة تملك بالبرّ للحياة الأبدية، بيسوع المسيح ربنا" (رو 5: 12- 21). إن كلام بولس في ما يدعوه اللاهوت "الخطيئة الأصلية"، أي اتّحاد جميع الناس في مع آدم ("بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم") لا يهدف إلاّ إلى إظهار اتّحاد جميع الناس في النعمة مع المسيح. وهذا هو الأمر المهمّ الذي يريد بولس أن يؤكّده. فلا يتكلم عن شمول الخطيئة إلاّ ليبرز شمول النعمة. 2- كيف يتمّ اتحاد الإنسان بالمسيح "الإنسان الجديد"؟ إن الله قد صالحنا مع نفسه بموت المسيح وقيامته، فصرنا، بموت المسيح، خليقة: "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، فالقديم قد اضمحل، وكل شيء قد تجدّد. والكل من الله الذي صالحنا مع نفسه بالمسيح.. إن الله هو الذي صالح، في المسيح، العالم مع نفسه، ولم يحسب عليهم زلاّتهم.. إن الذي لم يعرف الخطيئة جعله خطيئة من أجلنا، لكي نصير نحن به برّ الله" 5: 17- 21). فالمسيح "قد مات عن الجميع والجميع أيضاً قد ماتوا معه. وإنه قد مات عن الجميع لكي لا يحيا لأنفسهم في ما بعد، بل للذي مات وقام لأجلهم" (2 كو 5: 14- 15). بالمعمودية يتّحد الإنسان بموت المسيح وقيامه: "إنّا جميع من اعتمدوا للمسيح، قد اعتمدنا لموته. فلقد دُفنّا إذن معه بالمعموديّة للموت، حتى إنّا، كما أُقيم المسيح من بين الأموات بمجد كذلك نسلك نحن أيضاً في جدّة الحياة. لأنّا، إذا كنّا قد صرنا متّحدين معه بشبه موته، نصير أيضاً بشبه قيامته، عالمين أن إنساننا العتيق قد صُلب معه، لكي يتلاشى جسد الخطيئة، بحيث لا نُستعبد بعد للخطيئة، لأنّ الذي مات قد محرّر من الخطيئة" (رو 6: 3- 7). فالنعمة هي إذاً اشتراك في موت المسيح وقيامته، بحيث يخلع الإنسان عنه "الإنسان العتيق" ويلبس الإنسان الجديد، أي يتّحد بالمسيح "فيحيا في المسيح" "ويحيا المسيح فيه". هذا ما يردّده بولس في عبارات مختلفة، مؤكّداً تلك العلاقة الشخصيّة والجماعيّة التي تربط الإنسان، كائناً فرداً وعضواً في جماعة، بالمسيح يسوع: "لست أنا حيا، بل هو المسيح يحيا فيّ" (غلا 2: 20)؛ "أفلا تعرفون أنّ يسوع المسيح فيكم" (2 كو 13: 5)؛ "ليحلّ المسيح بالإيمان في قلوبكم.." (أف 3: 17)؛ "أما أنتم فلستم في الجسد بل في الروح، إن كان روح الله ساكناً فيكم. من ليس فيه روح المسيح فهو ليس له. ولكن إن كان المسيح فيكم، فالجسد ميت بسبب الخطيئة، أمّا الروح فحياة لأجل البرّ" (رو 8: 9- 11). ويذهب بولس، في تعبيره عن الاتحاد العميق بين المسيحيّ والمسيح، إلى القول: "إنّكم جميعاً أبناء الله، بالإيمان بالمسيح يسوع. لأنكم، أنتم جميع الذين اعتمدوا للمسيح، قد لبستم المسيح. فليس بعد يهوديّ ولا يونانيّ، ليس عبد ولا حرّ ليس ذكر وأنثى، لأنّكم جميعاً واحد في المسيح يسوع" (غلا 3 26- 28). ان "لبس المسيح" الذي يتكلم عنه بولس هنا ليس مجرّد تغيير في سلوك المسيحي. فبالمعموديّة تنشأ علاقة كيانيّة جديدة بين الإنسان والمسيح. فالمعتمد، إذ يلبس المسيح، يصير المسيح مبدأ كيانه ويجعل منه ابن الله على مثاله ويشركه في حياة الله. وجميع المعتمدين يصيرون واحداً في المسيح، لأن حياة المسيح الواحد تسري فيهم جميعاً. ج) موهبة الروح القدس إن الروح القدس هو الذي يشرك المسيحيين في حياة المسيح. فالله قد أفاض علينا بوفرةٍ الروحَ القدس، بيسوع المسيح مخلصنا (راجع تي 3: 4- 7)، الروح هو روح التبنّي الذي يعمل فينا ليجعلنا أبناء الله على مثال الابن: "فإنّا لم نأخذ روح العبوديّة بل روح التبنّي، الذي به نصير ورثة الله" (راجع رو 8، 14- 18). وهذا الروح يعضد ضعفنا، ويجعلنا مشابهين لصورة ابن الله، الذي "يصبح هكذا بكراً بين إخوة كثيرين" (راجع رو 8: 26- 29). والدليل على أننا أبناء الله كون الله أرسل إلى قلوبنا روح ابنه ليصرخ فيها: "أبّا أيها الآب.." (غلا 4: 4- 7، 19). وهكذا فالحياة الجديدة التي يحياها المسيحيّ هي اشتراك في حياة الثالوث الأقدس: "فالبمسيح لنا كلينا (أي اليهود والأمم) التوصل إلى الآب، بروح واحد" (اف 2: 18). فالروح يجعلنا أبناء الآب على مثال الابن يسوع وبالاتحاد معه. يعود بولس مراراً إلى سكنى الروح في الإنسان: "ان محبّة الله قد أفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي أعطيناه" (رو 5: 5)، "فالله قد أرسل إلى قلوبنا روح ابنه" (غلا 4: 6)، "ومنحنا الروح" (غلا 3: 5)، "وأفاضه علينا بوفرة" (تي 3: 6)، والروح يسكن فينا (رو 8: 9)، "إننا هيكل الله وروح الله ساكن فينا" (1 كو 3: 16؛ 6: 19). إلا أن موهبة الروح القدس هذه، التي أعطيت لنا، ليست إلاّ بداية بالنسبة إلى الفداء الأبديّ والمجد السماويّ. فإننا لا نملك سوى "عربون الروح" (2 كو 1: 22؛ 5: 5)، و"باكورة الروح" (رو 8: 23)، والروح "هو عربون ميراثنا" (اف 1: 4). وهذا يعني أن الجديدة التي حصلنا عليها على هذه الأرض هي عربون يمنحنا إياه الله. وهذا العربون هو في آن معاً ضمانة لنا بأننا سنحصل على المجد الأبديّ، وبدء الحياة في المجد الأبديّ منذ الآن. فالمجد مرتبط بالنعمة ارتباط الثمرة بالزهرة والنبتة بالبزرة (رو 5: 1- 4؛ راجع برهان في ذلك في رو 5: 6- 10، 21، 6: 5- 8؛ 8: 17- 22، 29- 30). د) النعمة تحرّر من الخطيئة 1- يشدد بولس على التناقض بين حياة يسوع في الجسد وحياته في المجد من بعد قيامته. لانّ الكلمة، في التجسد، "لاشى ذاته آخذا صورة عبد" (في 2: 7). وهو "الذي لم يعرف الخطيئة، جعله الله خطيئة من أجلنا" (2 كو 5: 21). فحياة المسيح على الأرض هي انحدار إلى عالم الخطيئة لمصارعته. وبطاعته حتى الموت، موت الصليب، استحقّ أن ينتصر الخطيئة والموت. وهكذا صار يسوع "آدم الآخر روحا محييا" (1 كو 15: 45). 2- والمسيحي، على مثال يسوع، عليه أن ينتقل من الإنسان الجسديّ إلى الإنسان حيّ، من الوجود الأرضيّ في جسد الخطيئة إلى الوجود الروحيّ، بقوة الروح القدس. غير أن هناك فرقاً بين المسيحي والمسيح. فالمسيح لم يتحرر، بقيامته، من الخطيئة نفسها، لأنه "لم يعمل الخطيئة"، به من عواقبها التي حملها تضامناً مع ذريّة آدم. أمّا المسيحي فعليه أن يتحرّر من الخطيئة ذاتها. وهذا التحرّر لن يحصل دون عراك وجهاد. لأن في الإنسان مبدأين متناقضين: الجسد والروح "فالجسد يشتهي ضد الروح، والروح ضد الجسد، وكلاهما يقاوم الآخر، حتى إنكم لا تصنعون ما تريدون" (غلا 5: 7). والإنسان من طبيعته "جسديّ، مبيع للخطيئة وتحت سلطان الخطيئة" (رو 7: 14). ويبقى فيه الميل إلى الخطيئة، حتى بعد حصوله على الخلاص. غير أنه يستطيع التغلّب قي هذا الميل بقوة الروح الساكن فيه "إن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد حرّرك من ناموس الخطيئة والموت.. إن كان روح الذي أقام يسوع من بين الأموات ساكناً فيكم، فالذي أقام المسيح يسوع من بين الأموات يحي أيضاً أجسادكم المائتة، بروحه الساكن فيكم" (رو 8: 2، 11)، "أسلكوا بالروح فلا تقضوا شهوة الجسد.. إن كنتم تنقادون للروح، فلستم بعد تحت الناموس" (غلا 5: 16، 18). والإنسان الجديد لا يبنى، ني نظر بولس، إلاّ على أنقاض الإنسان العتيق الذي يجب إماتته (كو 3: 5- 9، اف 4: 20- 24). على هذا المبدإ ترتكز قيمة الإماتة في المسيحيّة. فالإماتة ليست مجرد أمر سلبيّ، بل هي عراك ضد الإنسان العتيق الذي يحاول دوماً أن يبعدنا عمّا يبنينا. وهذا العراك هدفه بناء ما فينا من قيم سامية وتطلعات صالحة، ولا بد من أن يدوم الحياة كلها، حتى نبلغ إلى "ملء قامة المسيح، إلى الإنسان الكامل". 3- ثم إن النعمة تحرّر المسيحيّ من الناموس. وهذا يعني أمرين متكاملين: - زوال الناموس القديم في شرائعه وأنظمته المقيّدة، بحيث إن الأمم واليهود الذين يريدون أ، يصيروا مسيحيين غير ملتزمين بالخضوع للناموس اليهودي. - هذا التحرّر من القوانين القديمة هو في آنٍ معاً تحرر لأجل عمل الخير. فالمسيحيّ غير مقيّد بأنظمة تُفرض عليه من الخارج، بل يحرّكه الروح لعمل المحبة. ذلك هو التحرر المسيحيّ، تلك هي حرية أبناء الله: نتحرّر من الناموس فارس المحبة. وجميع شرائع العهد القديم التي تُنقض في العهد الجديد، والشرائع الجديدة يطبّق عليها قول بولس: "إن الناموس كلّه يتمّم في هذه الوصية الواحدة: أحبب قريبك كنفسك" (غلا 5: 14). وهذه المحبة هي "ثمر الروح" (غلا 5: 22)، إنها موهبة تعمل في صميم الإنسان وتحرّره من أعمال الجسد (غلا 5: 16- 21). ه- البرّ والتبرير 1- إن الآب هو الذي، بموت يسوع وقيامته، قد صالحنا مع نفسه. وهكذا صار لنا يسوع من الله حكمة وبرّاً وقداسة وفداء" (1كو 1: 30). و"وهو الذي لم يعرف الخطيئة قد جعله الله خطيئة من أجلنا لكي نصير نحن به برّ الله" (2 كو 5: 21). فالبرّ إذاً هو الحالة الجديدة التي يعيشها الإنسان الذي يقبل فداء المسيح. والتبرير هو عمل الله الذي به يزيل خطيئة الإنسان ويجعل منه إنساناً جديداً بارّاً. إن هذا الحكم الذي يصدره الله مبرّراً الإنسان ليس مجرّد حكم خارجيّ يعلن فيه الله أن الإنسان لم يعد بعد تحت الدينونة، كما كان في حالة الخطيئة. إن النظرة البروتستنتيّة للتبرير تكتفي بهذا الحكم الخارجي معتبرة أن الإنسان يبقى خاطئاً، إلاّ أن الله يتغاضى عن خطيئته ويعامله كما لو كان بارّاً. أما النظرة الكاثوليكيّة فتعتبر أن الإنسان يصير في الواقع بارّاً. لأنه كما يقول بولس، عندما يقترن بالرب "يكون معه روحاً واحداً.. ويصير هيكل الروح القدس" (1 كو 6: 17، 19). "إن الله قد صالحكم الآن بجسد بشريّة ابنه، إذ أسلمه للموت، ليظهركم لديه قديسين، بغير عيب ولا مشتكى" (كو 1: 22، راجع أيضاً اف 2: 5- 6). 2- الإيمان هو الذي يبرّر الإنسان لا أعمال الناموس إن التبرير والخلاص يحصل عليهما الإنسان بنعمة مجّانيّة من الله: "إن كان ذلك بالنعمة، فليس إذاً بالأعمال، وإلاّ فليست النعمة نعمة بعد" (رو 11: 6) "فإنّ الله لكونه غننيًّا بالرحمة وأحيانا مع المسيح، إذ بالنعمة أنتم مخلّصون.. أنتم إذاً بالنعمة مخلّصون بواسطة الإيمان، وهذا الخلاص ليس هو منكم بل عطية من الله، وليس هو من الأعمال لكي لا يفتخر أحد" (أف 2: 4- 9). بالإيمان يقبل الإنسان فداء الله. هذا ما يعنيه بولس بقوله إن الإيمان هو الذي يبرّر الإنسان: "البارّ بالإيمان يحيا" (رو 1: 17)، "برّ الله بالإيمان بيسوع المسيح" (3: 22)؛ "إن اعترفت بفمك أن يسوع هو ربّ، وآمنت في قلبك أن الله قد أقامه من بين الأموات، فإنك تخلص. لأن الإيمان بالقلب يقود إلى البر، والاعتراف بالفم إلى الخلاص" (رو 10: 9- 11). 3- الإيمان العامل بالمحبة "نحن صنعه، إذ قد خلقنا في المسيح يسوع للأعمال الصالحة التي أعدّها الله من قبل لنسلك فيها" (رو 2: 10). إن الإيمان، وإن كان قد تحرّر من أعمال الناموس الموسويّ، إلاّ أنّه لا يكون إيمانا حقيقيًّا إلاّ إذا اقترن بالعمل بناموس المسيح الذي يوجزه بولس بالمحبة. (راجع غلا 5: 13- 14؛ 6: 2). وتتميم هذا الناموس شرط للحصول على الخلاص في الدينونة الأخيرة: "لا تضلّوا، إن الله لا يُستهزأ به، وكل امرىء يحصد ما قد زرع. فالذي يزرع في جسده، يحصد من الجسد الفساد، والذي يزرع في الروح، يحصد من الروح الحياة الأبدية. فلا نفشلْ في عمل الخير، فإنّا سنحصد في الأوان إن نحن لم نكلّ. فلنُحسن إذاً إلى الجميع ما دامت لنا الفرصة، ولا سيّمَا إلى الذين هم شركاؤنا في الإيمان" (غلا 6: 7- 10). الإيمان وحده يبرّر الإنسان. ولكن الإيمان العامل بالمحبة هو وحده الإيمان الحقيقيّ، الذي به يلتزم الإنسان العمل بناموس المسيح. رابعاً: النعمة في كتابات يوحنا الإنجيلي أ- حالة الإنسان في العالم "العالم"، عند يوحنا الإنجيلي، اصطلاح لمُلك الخطيئة. فالشيطان هو رئيس العالم، أي موحي الخطيئة، والشهوة هي التي تملأ العالم: "لا تحبّوا العالم، ولا ما في العالم. إن أحبّ أحد العالم فليست فيه محبة الله. لأنّ كل ما في العالم- شهوة الجسد وشهوة العين وصلف الغنى ليس من الآب بل من العالم. والعالم يزول وشهوته أيضاً" (1 يو 2: 15- 16). لذلك يدعو يوحنا الخطيئة "خطيئة العالم" (يو 1: 29). والخطيئة، في نظره، هي ابتعاد عن الله ورفض لله: - فالله حق، والخطيئة كذب (يو 8: 44؛ 1 يو 2: 4؛ 21- 22) - والله نور، أما الخطيئة فظلمة (يو 3: 19- 21؛ 1 يو 1: 5- 7) - "والله حياة، أمّا الخطيئة فموت (يو 8: 21- 24؛ 1 يو 3: 14- 15) - والله حرية ويدعونا إلى الشركة معه، أمّا الخطيئة فعبوديّة (يو 8: 31- 36). ب- الحياة الجديدة في يسوع المسيح 1- الثالوت الأقدس مصدر الحياة الجديدة - الآب ينبوع الحياة الجديدة: "فكما أن الآب له الحياة في ذاته، كذلك أعطى الابن أن تكون له الحياة في ذاته" (يو 5: 26). فالآب إذاً "حياة". وهو "محبة" (1 يو 4: 7- 10، 16) وهو أيضاً "نور" (1 يو 1: 5). - تلك الحياة الجديدة تجلّت لنا في الابن. فهو "القيامة والحياة" (يو 11: 25)، وهو "الطريق والحق والحياة" (يو 14: 6)، وهو "خبز الحياة" (يو 6: 35- 58) وكلامه هو "روح وهو حياة" (يو 6: 63)، "وعنده كلام الحياة الأبديّة" (يو 6: 68). وتلك رسالته أن يهب الحياة للعالم (يو 6: 33؛ 10: 10؛ 1 يو 4: 9). وبه حصلنا على "النعمة والحق" (يو 1: 17). وهو، كالآب، محبة (يو 13: 1، 34؛ 14: 21؛ 15: 9؛ 13؛ 1 يو 3: 16). وهو أيضاً، كالآب، نور (يو 1: 9؛ 3: 19- 21؛ 8: 12؛ 9: 5؛ 12: 46). - الروح القدس هو الذي يحيينا: إنه "الروح المحيي" (يو 7: 37- 39) الذي أرسله يسوع من بعد قيامته ليرشد التلاميذ إلى الحق (يو 14: 36؛ 16: 13). 2- حياتنا الجديدة إنها "ولادة جديدة" (يو 1: 12؛ 3: 3) تمنحنا "حياة جديدة" (يو 5: 24؛ 6: 40؛ 20: 31) حياة أبناء الله (1 يو 3: 1- 15)، حياة المحبة التي تجعلنا نشترك في حياة الله (1 يو 4: 7، 16؛ الشركة مع الله: 1 يو 1: 3، يو 17: 21- 26). منذ هذه الحياة، يبدأ المسيحيّ "الحياة الأبديّة"، إلاّ أنّ تلك الحياة تجد كمالها في المجد السماويّ (راجع سفر الرؤيا 21: 1- 8؛ 22: 5). وفي 22: 1 يصف الثالوث وصفاً رمزيّاً: فالروح "نهر ماء الحياة" يخرج من عرش الله (الآب) والحمل (الابن). فالنعمة هي، على هذه الأرض، شركة في حياة الثالوث وتلك الشركة ستجد كمالها في المجد السماويّ. هذا هو ميراث الإنسان الذي يصبح ابناً لله. |
|||
24 - 01 - 2013, 01:12 PM | رقم المشاركة : ( 29 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس
الفصل الثاني النعمة في كتابات آباء الكنيسة هناك تيّاران في لاهوت النعمة عند الآباء: فالآباء الشرقيّون يرون النعمة في تأليه الإنسان. بينما يرى الآباء الغربيّون النعمة في التحرّر من الخطيئة. فالتيّار الأوّل يستند إلى كتابات يوحنا الإنجيلي، ويشدّد على تجسّد الكلمة الذي بواسطته يصبح الإنسان ابن الله، بينما يرتكز التيّار الثاني على رسائل بولس الرسول، ويرى في النعمة مساعدة يعطيها الله للإنسان ليحيا حياة قداسة على مثال المسيح. فالتيار الأول يركّز على كيان الإنسان، بينما يركّز التيّار الثاني على عمله. فالنعمة عند آباء الكنيسة الشرقيّة تهدف إلى رفع كيان الإنسان ليصير على صورة الله. أمّا عند آباء الكنيسة الغربيّة فتهدف إلى تحرير الإنسان من الخطيئة. أولاً- آباء الكنيسة الشرقيّة لقد عبر الآباء عن أفكارهم في موضوع النعمة بمناسبة ما كتبوه في الأسرار وما قام من جدل لاهوتي حول سريّ التجسّد والثالوث الأقدس. أ) النعمة والأسرار النعمة هي حضور الثالوث الأقدس في نفوس الذين يتقبّلون سرّ المعموديّة، فيولدون من جديد، ويتّحدون بالله، وما حياتهم إلاّ تطبيق لما حصلوا عليه بالمعموديّة. 1- ايريناوس: يشدّد على الولادة الجديدة أكثر ممّا على مغفرة الخطايا. فبالمعموديّة ينال المؤمن الروح القدس الذي يسكن فيه ويتّحد به. وهذا الروح يجعل من المؤمن ابن الله، شبيهاً بالابن، إنساناً روحياً، بانتظار ملء النعم في رؤية الله في المجد الأبديّ. "فالاتّحاد بالروح القدس لا يمكن فصله عن الاتّحاد بالابن والآب. فالنعمة إذاً هي قبل كل شيء موهبة غير مخلوقة: إنها حضور الثالوث في المؤمن لتقديسه ومساعدته على أن يكون إنساناً روحيّاً. 2- أوريجانوس: يرى في المعموديّة أساس الحياة الروحيّة كلها في مختلف مراحلها. فالمعمودية تشرك الإنسان في حياة الكلمة؛ والروح، بالإيمان والمعرفة والمحبة، يقوده إلى الآب. فيصير إنساناً جديداً، قد تحرر من الاستعباد للخطيئة، وأخاً للمسيح وابناً للآب.وهكذا يشترك في الطبيعة الالهيّة بالمحبة والروح اللذين أفيضا في قلبه. بالروح يشترك المسيحيّ في الكلمة الذي يصبح فيه مبدأ حياه إلهية. وهكذا يتجدّد سكنى الكلمة في أحشاء مريم وميلاده في أعضاء جسده السري. وتلك السكنى تصيّر الإنسان على صورة الكلمة. "إني أعلم ما في النفس التي يسكنها الله، وها هي النفس المقفرة. إن لم يكن الله فيها، إن لم يكن فيها المسيح الذي قال: أنا وأبي سنأتي إليه وعنده نجعل مقامنا، إن لم يكن فيها الروح القدس، فالنفس مقفرة. ولكن إن سكن فيها الله والمسيح والروح القدس، فهي ممتلئة من الله. 3- كيرلس الأورشليمي: إن المعموديّة تمنحنا الروح القدس ومواهبه المختلفة: "إن المعموديّةَ التي ستتقبلونها هي أمر عظيم: إنها انعتاق الأسرى، مغفرة الخطايا، موت الخطيئة، ولادة جديدة للنفس، ثوب من نور، ختم مقدس لا يمحى، طريق إلى السماء، نعيم الفردوس، عربون الملكوت، موهبة التبّني". ثم يذكر سكنى الروح القدس في النفس، التي تصبح "مسكنا إلهيّا". ب) التجسد مبدأ التأليه والتبنّي 1- التأليه والصورة والمثال: يرى آباء الكنيسة الشرقية في تألّه الإنسان النعمة الكبرى التي يمنحها الله "للإنسان. فبينما كان الفلاسفة اليونان ينشرون نظريّة أفلاطون في التشبّه بالله، والأديان اليونانية تسعى إلى الوصول إلى خلود الآلهة بواسطة طقوس سحريّة أو طرق تقشّف بشريّة، راح اللاهوتيّون المسيحيّون يعلنون أن الاشتراك في الطبيعة الإلهية والتشبه بخلود الله والتأله لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها بجهوده الخاصّة، بل هي نعمة من الله. فالله نفسه نزل إلى البشر وتجسّد ليرفع الإنسان إليه ويشركه في حياته الإلهية. وقد صار أمراً تقليديًّا في اللاهوت الشرقيّ تقسيم تاريخ الخلاص إلى ثلاث مراحل: - خلق الله للإنسان على صورته ومثاله - سقوط الإنسان بالخطيئة الأصليّة - إعادة الصورة القديمة بالتجسّد والفداء ويقوم التألّه، أو اشتراك الإنسان في الطبيعة الإلهية الذي ورد ذكره في رسالة بطرس الثانية (1: 4)، على الخلود وعدم الفساد والحياة الأبديّة بعد الموت. فالإنسان مائت من طبيعته، أمّا الله فمن طبيعته لا يموت. ومن ثمّ فالاشتراك في طبيعة الله يعني أولاً عدم الموت. وعندما يفسّر آباء الكنيسة قول الكتاب المقدّس إنّ الله خلق الإنسان "على صورته ومثاله" يميّز بعضهم بين الصورة () والمثال (). فالصورة هي في طبيعة الإنسان، إمّا في جسده، ونفسه حسب إيريناوس، إمّا في نفسه فقط حسب أكّليمنضوس الإسكندريّ وأوريجانوس. وهذه الصورة لا تُفقد بالخطيئة. أمّا المثال فقد فقده الإنسان بالخطيئة، وأعاده إلينا الكلمة المتجسّد. فمن يقبل خلاص المسيح وفداءه يشترك في الطبيعة الإلهية، أي في عدم الفساد وفي الحياة الأبديّة. أمّا أثناسيوس وغريغوريوس النبيصيّ فيريان في "الصورة" ختماً إلهيًّا يضعه الله في روح الإنسان وعقله. وهذا الختم يصبح قاتماً بالخطيئة، ويعيده الفداء إلى بهائه الأوّل. أمّا "المثال" فهو الاقتداء والتشبّه بالله. فالإنسان يصير تدريجياً على مثال الله يتألّه باشتراكه في حياة المسيح الإله، وذلك بواسطة الإيمان وسري المعموديّة والافخاريستيا. 2- التبنّي: يرى أثناسيوس وكيرلّس أنّ التألّه لا يمكن أن يحصل عليه الإنسان إلاّ بالتبنّي. فالطبيعة الإنسانيّة معرّضة للفساد وبعيدة كلّ البعد عن الله. الله وحده يستطيع أن يؤلّه الإنسان. وقد صنع ذلك بواسطة الابن الذي تجسّد ليجعل من جميع الناس أبناء الله. فالابن وحده صورة الله المماثلة للآب. فهو وحده إذاً يستطيع أن يجعل الإنسان على مثال الله. "الابن إله، لأنّه يؤلّهنا". "لقد صار الله إنساناً لكي يصير الإنسان إلهاً." ج) الروح المحيي: يشدّد آباء الكنيسة اليونانية على ما يميّز الروح القدس عن الخلائق. فالروح يقدّس الإنسان ويؤلّهه، فهو إذاً قدوس وإله، يقول أثناسيوس. وكذلك يقول القدّيس غريغوريوس النزينزيّ: "إذا كان الروح القدس لا يحقّ له السجود والعبادة (كإله)، فكيف يصيّرني إلهاً بالمعموديّة؟" ويتكلّم باسيليوس عن حضور الروح القدس في النفس حضوراً مقدّساً ومؤّلهاً. "وهذا الروح هو قدوس من طبيعته كما أنّ الآب هو قدوس والابن قدوس من طبيعتهما". يشبّه كيرلّس الإسكندريّ موهبة الروح بالختم الذي نقشت عليه زهرة. فالختم هو الروح القدس نفسه، والزهرة المنقوشة على الختم هي النعمة الخلوقة. فلا وجود للنعمة في نفس المؤمن إلاّ إذا حضر الروح القدس نفسه ليسكن في تلك النفس. وهكذا يشترك المسيحيّ ليس فقط بمساعدات الروح القدس، بل يشترك في الطبيعة الإلهية ذاتها. |
|||
24 - 01 - 2013, 01:13 PM | رقم المشاركة : ( 30 ) | |||
سراج مضئ | الفرح المسيحى
|
رد: قراءة مباشرة لكتاب الثالوث الأقدس المطران كيرلس سليم بسترس
ثانياً: آباء الكنيسة اللاتينية يرى آباء الكنيسة اللاتينيّة في النعمة حافزاً داخلياً به يقود الله الإنسان ويساعده على عمل الخير وعلى السير بثبات نحو الحياة الأبدية. وقد أكّدوا دور الروح القدس الذي يعمل في داخل الإنسان ليسير به على طريق القداسة. في هذا المعنىّ يقول ترتوليانوس إن النعمة هي "قوة إلهية". فبينما يشدّد الآباء الشرقيّون على تحوّل كيان الإنسان الذي يتألّه ويصبح بالنعمة ابن الله، يركّز اللاتينيّون على دور النعمة في عمل الإنسان: فتشفيه من ميوله وشهواته المنحرفة وتساعده على تتميم وصايا الله. أ) القديس أوغسطينوس لقد كان للقديس أوغسطينوس تأثير حاسم على لاهوت النعمة في الغرب حتى يومنا هذا. لذلك لا بدّ من التعمّق في أفكاره في هذا الموضوع. تتميّز نظرته إلى النعمة بالتشديد على مجانيّة هبة الله: 1- فالإنسان، بسبب سقطة الخطيئة الأصلية، هو عبد للشهوة والخطيئة، ولا يملك في ذاته الِحرّية والقدرة ليحب الخير ويتمّمه. فالحرّية تقوم على محبة الخير وعلى توجيه كل عمل يقوم به الإنسان نحو الحياة مع الله. 2- إلاّ أن نعمة المسيح تبرّر الإنسان الساقط، وتعيد إليه الحريّة وتضع في قلبه محبة الخير وتساعده على تتميم وصايا الله. فالتبرير هو عمل الله الذي يهدي الخاطئ إلى طريق البر، فيحرّره تدريجياً من الشهوة ويملأه من المحبة. 3- إن الإيمان الذي به يقبل الإنسان رسالة المسيح هو أيضاً نعمة من الله. 4- بالمعموديّة يولد الإنسان من جديد ويصبح عضواً في جسد المسيح وابناً لله وهيكلاً للروح القدس. في هذا يتفق أوغسطينوس مع آباء الكنيسة اليونانيّة. 5- التبرير يتضمّن موهبة الروح القدس غير الخلوقة وموهبة المحبة الخلوقة. فالنعمة في كتابات أوغسطينوس هي تارة الروح القدس نفسه وتارة نتيجة حضوره أي موهبة المحبة التي تساعد الإنسان على تتميم إرادة الله. 6- إن النعمة لا تعطي فقط الإنسان إمكانيّة عمل الخير والقدرة على عملِ الخير، بل إن كل عمل صالح وخلاصيّ يقوم به الإنسان هو من فعل النعمة. فالنعمة إذاً في هذه النظرة هي المساعدات المستمرّة التي يمنحها الله للإنسان ليتمّم بملء رضاه أعمال البرّ والصلاح. 7- إن الإنسان الذي يقبل نعمة الله ويعمل أعمال البرّ يستحقّ الحياة الأبديّة، إلاّ أن الخلاص الأبديّ لا ينتج عن استحقاقات الإنسان بل هو موهبة من الله لا يستطيع الإنسان الحصول عليها إلاّ بالصلاة. 8- التحديد السابق من قبل الله لخلاص بعض الناس: إستناداً إلى رو 8: 29 "إن الذين سبق فعرفهم، سبق أيضاً أن يكونوا مشابهين لصورة ابنه"، يرى أوغسطينوس أنّ الله يعرف منذ الأزل ويحدّد الأشخاص الذين سيخلصون. فهؤلاء ينالون من الله موهبة الثبات في النعمة. أمّا الذين يهلكون فيهلكون بحرّيتهم، إلاّ أنهم لم ينالوا نعمة الثبات. فالله يختار بعض الناس ويمنحهم نعمة خاصّة، مع أنه يدعو الجميع إلى الخلاص. لا يمكننا اليوم قبول نظرية أوغسطينوس هذه. فالله لا يميّز بين أبنائه بالنسبة إلى الخلاص. بل يمنحهم جميعاً النعمة الكافية لكي يصلوا إلى الحياة الأبديّة. والنعمة التي تعطى للجميع، تبقى نعمة، وإن أعطيت للجميع. أمّا أوغسطينوس فيعتبر أن النعمة لا تكون نعمة إذا أعطيت لجميع الناس. كذلك لا يعطي أوغسطينوس لحريّة الإنسان الأهميّة التي يجب إعطاؤها. وكأنه لا يرى قدرة الإنسان على رفض النعمة. ب) بيلاجيوس ومجمع قرطاجة 1- بيلاجيوس راهب إيرلندي الأصل عاش في رومة حوالي سنة 400، ثم انتقل إلى شماليّ إفريقيا ثم إلى أورشليم. يمكننا إيجاز تعليمه في النعمة في العبارة التالية: ان الإنسان يستطيع تتميم وصايا الله بقواه الذاتيّة، ولا حاجة له إلى مساعدة إلهيّة لا لإرادة الخير ولا لتتميمه. يميّز بيلاجيوس في الإنسان ثلاثة أمور: القدرة والإرادة والكيان. فالقدرة على عمل الخير، أي الحريّة، هي "النعمة" التي وهبها الله للإنسان. أما إرادة عمل الخير وتنفيذ هذا العمل في كيان الإنسان فيعودان إلى الإنسان فقط. إلاّ أن الله يساعد الإرادة بمساعدات خارجيّة: تعاليم الكتاب المقدّس، موعد الخيرات الآتية في الحياة الأبديّة، التحذير من فخاخ الشيطان. ولكن بيلاجيوس يرفض أيّ وجود لمساعدات داخليّة يمنحها الله للإنسان، وذلك لسببين: 1) لأن الإنسان ليس بحاجة إليها، فحريّته تكفي لذلك، 2) لأنّ الله لا يمكن أن يكون عنده "محاباة وجوه" لتفضيل إنسان على آخر. 2- مجمع قرطاجة (411) حرم تعاليم بيلاجيوس في البنود التالية: البند 3. لا تقتصر نعمة التبرير على مغفرة الخطايا التي ارتكبها الإنسان، بل هي أيضاً مساعدة لكي لا يخطأ الإنسان. البند 4. ان نعمة المسيح التي تساعدنا على الابتعاد عن الخطيئة لا تمنحنا فقط معرفة الخير والشر، بل نهبنا أيضا محبة الخير والقدرة على تتميمه. البند 5. إن النعمة لا تمنح فقط سهولة أكثر، بل بدونها لا نستطيع أن نتمم وصايا الله. البنود 6، 7، 8. لا يستطيع أي من القديسين أن يجتنب الخطيئة. وعندما يقولون "اغفر لنا خطايانا" يقولون ذلك عن حقّ وليس عن تواضع. ج) البيلاجية المعتدلة: نشأت في بعض أديرة للرهبان في مرسيلية. وكانت ردة فعل -ضرورية ولكن متطرّفة- ضد تعاليم أوغسطينوس في التحديد السابق والنعمة الكافية التي لا بدّ منها للخلاص. فأكّدوا أن الله يريد خلاص جميع الناس، إلاّ أنّه يمنحهم نعمه على قدر طلبهم. إن الله يعرف من هم الذين سيخلصون، إلاّ أنه لا يميّز بين شخص وآخر، بل يحبّهم جميعا دون تفرقة. إنما ينتظر من قبل الإنسان إبداء الرغبة في الحصول على نعمة الإيمان وطلب تلك النعمة. فبداية الإيمان ليست من عمل النعمة بل من عمل الإنسان. كذلك يعتبرون أن الخلاص الأبديّ ليس نعمة خاصة من الله، بل هو ناتج عن استحقاقات الإنسان. د) مجمع اورانج (529) شدَّد على أمرين: الله هو مصدر كل إيمان وخلاص، ولا يستطيع الإنسان أن يقوم بأي عمل خلاصي دون النعمة. - فالنعمة تسبق كل جهد بشريّ، وهي مصدر كل صلاة ورغبة صالحة وكل عمل خلاصيّ ولا يستطيع إنسان أن يصل إلى الإيمان من دونها. - ثم إن النعمة ضروريّة للثبات في الإيمان وتتميم الوصايا والنموّ في الحياة المسيحيّة. - أما بالنسبة لتحديد الله السابق للمخلّصين، فقد أعلن الجميع أنه لا تحديد سابق من قبل الله للهالكين. فجميع من اعتمدوا يمنحهم الله النعمة الكافية للخلاص، إن هم ارادوا وتجاوبوا مع تلك النعمة. |
|||
|